شرح زيارة الغدير

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان

شرح زيارة الغدير

المؤلف:

السيّد عبدالمطلب الموسوي الخرسان


الموضوع : العرفان والأدعية والزيارات
الناشر: باقيات
المطبعة: وفا
الطبعة: ١
ISBN: 978-964-6168-69-5
الصفحات: ٤٦٤

وفي حديث أبي ليلى ، قال : سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «ستكون بعدي فتنة ، فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب ، فإنَّه أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو فارق هذه الأمة ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين» (١).

وفي حديث سلمان وأبي ذر ، قالا : أخذ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بيد لي رضي الله عنه ، فقال : «إنَّ هذا أول من آمن بي ، وهو يصافحني يوم القيامة ، وهذا الصديق الأكبر ، وهذا فروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهذا يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظالمين» (٢).

__________________

(١) الإصابة ٧ / ٢٩٤ ، ينابيع المودة ١ / ٢٤٤.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤١ ، فيض القدير ٤ / ٤٧٢ ، كنز العمال ١١ / ٦١٦ ، المعجم الكبير ٦ / ٢٦٩.

١٢١
١٢٢

علي عليه‌السلام أخو الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

(أشهد أنَّك أخو رسول الله ، ووصيه ، ووارث علمه ، وأمينه على شرعه) (١) :

العلاقة بين الإمام علي عليه‌السلام وبين النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبتني على أسس وجذور قويمة ، لا تتحدد بعلاقة النسب فحسب ، والنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحدثنا عن هذه العلاقة كما في حديث جابر بن عبد الله ، قال : سمعت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول لعلي : «الناس من شجر شتى ، وأنا وأنت من شجرة واحدة». ثمَّ قرأ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : (وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَىٰ بِمَاءٍ وَاحِدٍ)(٢). (٣)

وفي حديث سلمان ، قال : سمعت حبيبي رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «كنت أنا وعلي نوراً بين يدي الله ، وطيفاً يسبح الله ذلك النور ويقدسه ، قبل أن يخلق الله آدم بأربعة عشر ألف عام ، فلمّا خلق الله آدم ، ركز ذلك النور في صلبه ، فلم يزل في شيء واحد ، حتى افترقنا في صلب عبد المطلب ، فجزء أنا وجزء علي» (٤).

__________________

(١) مرّ الحديث عن كونه : الوصي ، ووارث العلم ، والأمين على الشرع ، والحديث هنا عن أخوته.

(٢) الرعد ١٣ : ٤.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٤ ، تفسير القرطبي ٩ / ٢٨٣ ، شواهد التنزيل ١ / ٣٧٥ ، كنز العمال ١١ / ٦٠٨ ، نظم درر السمطين ٧٩.

(٤) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦٧ ، كفاية الطالب ٣١٥ ، المناقب ١٤٥ ، وفيه حديث آخر بمعناه برواية الإمام الحسين عليه‌السلام ، ينابيع المودة ١ / ٤٧ نقلاً عن المناقب لابن المغازلي ، وفي آخره زيادة : (ففيّ النبوة ، وفي علي الإمامة) ، وفيه حديث آخر برواية أبي ذر باختلاف يسير.

١٢٣

ومن هذين الحديثين الشريفين تتبين لنا طبيعة العلاقة بين الرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبين أخيه المرتضى عليه‌السلام ، وإنَّها ليست من سنخ العلاقات الإعتيادية التي تربط الناس بعضهم ببعض ، إذ خُلِق نورهما بإرادة الله تعالى قبل أن يخلق آدم عليه‌السلام فكان يسبح الله ويقدسه ، ثمَّ اُودع في صلب آدم ، وانتقل من أصلاب طاهرة إلى أرحام مطهرة ، حتى افترق في عبد المطلب ، فانتقل جزءٌ منه إلى صلب عبد الله ، فكان محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سيد المرسلين ، وانتقل الجزء الآخر إلى صلب أبي طالب عليه‌السلام ، فكان علي عليه‌السلام سيد الوصيين ، وقُدِّر لهذا النور أن يجتمع مرة ثانية ليجمع نور النبوة ونور الإمامة في ذريعة البضعة الطاهرة فاطمة الزهراء عليها‌السلام ، والإمام علي عليه‌السلام يتحدث عن هذه العلاقة ، فيقول : «وإنّي من أحمد بمنزلة الضوء من الضوء ، كنا ظلالاً تحت العرش قبل خلق البشر ، وقبل خلق الطينة التي كان منها البشر ، أشباحاً عالية ، لا أجساماً نامية» (١).

ويرسم لنا التأريخ صوراً توضح أواصر العلاقة بينهما : فعبد الله وأبو طالب أخَوان لأم واحدة ينفردان عن سائر أبناء عبد المطلب لأنَّهم لأمهات شتى ، وقد اختص عبد المطلب عند وفاته أبا طالب من بين أبنائه بكفالة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورعايته ، فكان هو وزوجته فاطمة بنت أسد بن هاشم أبوين بارين له ، يملآن حياته عطفاً وحناناً ، ويعوضانه ما فقده بفقد أبويه ، وكانا يقدمانه على أبنائهما الذين كانوا له بمنزلة الأخوة ، وكان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقابل هذا الإحسان بما يكنه من الإحترام لأهل هذا البيت ، فيتعامل معهم معاملة الإبن البار لذويه ، ومن مظاهر ذلك : أنه سمّى العام الذي توفي فيه أبو طالب بعام الحزن ، وقال لعقيل : «أنا أحبك حبين : حباً لك ، وحباً لحب أبي طلب ، فإنَّه كان يحبك» (٢). وقدم جعفر بن أبي

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٣ / ١٠٥.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤١ / ١٨ ، شرح نهج البلاغة ١ / ٧٠ ، المستدرك ٣ / ٥٧٦ ، المعجم الكبير ١٧ / ١٩١.

١٢٤

طالب من الحبشة يوم فتح خيبر ، فبُشر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقدومه ، وبفتح خيبر ، فقال : «ما أدري بأيِّهما أنا أفرح : بفتح خيبر ، أم بقدوم جعفر» ، واستقبله ، وقبِّل ما بين عينيه (١). وقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد الفراغ من دفن فاطمة بنت أسد ـ حيث نزل في قبرها ، ونام في لحدها ـ : «جزاك الله من أم خيراً ، فلقد كنت خير أم» (٢).

أما الإمام علي عليه‌السلام فقد اختصه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بيت أبي طالب ، فتكفله منذ صباه ، وربّاه في حجره ، وتعاهده برعايته ، وأدَّبه بفاضل خلقه ، وقد قابل ذلك الإحسان ، وتلك الرعاية بالمؤازرة ، والمواساة ، ووجد عنده أعلام النبوة ، فكان أول من آمن به ، وأخذ عنه علوم الدين ، وما جاء به الوحي ، وكان أخص الناس به ، يقيه بنفسه ، ويبذل مهجته في نصرته ، قال عليه‌السلام : «فجزت قريش عنّي الجوازي ، فقد قطعوا رحمي ، وسلبوني سلطان ابن أمي» ، قال الشيخ محمد عبده في شرحه لنهج البلاغة في شرح قوله ابن أمي : «يريد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإن فاطمة بنت أسد أم أمير المؤمنين ربَّت رسول الله في حجرها ، فقال النبي في شأنها : فاطمة أمي بعد أمي (٣)».

وقال ابن أبي الحديد : (وابن أمه : هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لأنَّهما ابنا فاطمة بنت عمرو بن عمران بن عائذ بن مخزوم ، أم عبد الله ، وأبي طالب ، ولم يقل : ابن أبي ، لأن غير أبي طالب من الأعمام يشركه في النسب إلى عبد المطلب (٤)).

وإذا كان انتماء المؤمنين للعقيدة الإسلامية يقتضي الأخوة بينهم لقوله تعالى :

__________________

(١) ذخائر العقبى ٢١٤ ، المستدرك ٢ / ٦٢٤ ، المعجم الكبير ٢ / ١٠٨.

(٢) ذخائر العقبى ٥٦ ، ينابيع المودة ٢ / ١٤٣.

(٣) نهج البلاغة ٣ / ٦١.

(٤) شرح نهج البلاغة ١٦ / ١٤٨.

١٢٥

(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ)(١) ، فإنَّ الإمام عليا عليه‌السلام هو أكمل الأفراد في هذا المجال ؛ لأنَّه يعسوب المؤمنين ، وسيدهم ، وبذلك يكون أخا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنَّه الذي يليه في الفضل ، والنصوص على أخوّته في الحديث النبوي الشريف كثيرة ، وقد صدرت في مواقف متعددة ، رواها عدد كبير من الصحابة أذكر منهم في حدود ما اطلعت عليه من رواياتهم (٢) :

أبو أمامة ، وأبو ذر ، وأبو رافع ، وأبو سعيد ، وأبو هريرة ، وأسماء بنت عميس ، وأم سلمة أم المؤمنين ، وأنس ، وجابر بن عبد الله ، وزيد بن أبي أوفى ، وزيد بن أرقم ، وسلمان المحمدي ، وعائشة أم المؤمنين ، وعابس ، وعبد الرحمن بن عويم الأنصاري ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعلي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وعمر بن الخطاب ، ومحدوج بن زيد الذهلي ، ويعلى بن مرة الثقفي ، وإليك بعض هذه الأحاديث :

__________________

(١) الحجرات ٤٩ : ١٠.

(٢) تجد رواياتهم في : الآحاد والمثاني ٥ / ١٧٢ ، أسد الغابة ٤ / ٢٩ ، أنساب الأشراف ٢ / ١٤٤ ، ١٤٥ ، البداية والنهاية ٣ / ٥٣ ، ٧ / ٣٧١ ، تاريخ الخلفاء ١٧ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ١٨ ، ٤٦ ، ٥٣ ، ٥٥ ، تفسير ابن كثير ٣ / ٣٦٣ ، ٣٦٤ ، جامع البيان ١٩ / ١٤٩ ، ذخائر العقبى ٣٨ ، ٦٦ ، ٦٧ ، السنن الكبرى للنسائي ٥ / ١٢٦ ، شواهد التنزيل ١ / ٤٨٦ ، ٥٤٤ ، ٥٤٧ ، ٢ / ٤٥٠ ، الصواعق المحرقة ١٢٢ ، ١٢٤ ، ١٤٢ ، الطبقات الكبرى ١ / ١٨٧ ، فضائل الخمسة ١ / ٢٠٤ ، ٣١٨ ، ٣٣٢ ، كنز العمال ١١ / ٥٩٨ ، ٦٠٨ ، ٦١٠ ، ١٣ / ١٠٩ ، ١١٤ ، ١٤٠ ، ١٤٩ ، ١٥٩ ، ١٧٥ ، كفاية الطالب ١٨٥ ، ١٩٤ ، ١٩٦ ، لسان الميزان ٣ / ٩ ، معجم الزوائد ٨ / ٣٠٢ ، ٩ / ١٢١ ، ١٢٢ ، مسند أبى يعلى ١ / ٤٠٣ ، ٤ / ٢٦٧ ـ المصنف لابن أبي شيبة ٧ / ٥٠٧ ، المعجم الكبير ١٢ / ٣٢١ ، المناقب ١١٢ ، ١٤٠ ، ١٥٧ ، نظم درر السمطين ٩٤ ، ينابيع المودة ١ / ١٧٨ ، ٣٧٤ ، ٢ / ١٥٧ ، ٣١٢ ، ٣٩٢ ، ٤٠٣.

١٢٦

حديث دعوة العشيرة :

وهو الحديث الذي نقلناه في موضوع : (سيد الوصيين) برواية أبي رافع بلفظ : «فمن يبايعني على أن يكون أخي ، ووزيري ، ووصيي ، وقاضي ديني ، ومنجز عداتي» إلى قوله : فقام علي بن أبي طلب ، فبايعه (١) ، وفيه رواية أخرى بمعناه عن الإمام علي عليه‌السلام.

حديث المؤاخاة :

وقد رويت في المؤاخاة أحاديث عديدة تختلف في ألفاظها ، وفي وصف ما حدث في كل منها ، مما يفهم منه تعدد هذا الحدث التاريخي الاجتماعي العظيم ، والقدر المتيقن حصول المؤاخاة مرتين : إحداهما : بين المهاجرين بعضهم مع بعض ، والثانية : بين المهاجرين والأنصار ، وفي المرتين اختار النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام علياً عليه‌السلام أخاً لنفسه ، ولننقل بعض أحاديث المؤاخاة :

١ ـ حديث أنس ، قال : آخى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين المسلمين ، فقال لعلي : «أنت أخي وأنا أخوك» ، وآخى بين أبي بكر ، وعمر ، وآخى بين الناس المسلمين جميعاً (٢).

٢ ـ حديث زيد بن أبي أوفى ، قال : فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «والذي بعثني بالحق ما اخرتك إلّا لنفسي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى غير أنَّه لا نبي بعدي ، وأنت أخي ، ووارثي ... الحديث» (٣).

__________________

(١) ص ٦٦ من هذا الكتاب.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٢.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٢١ / ٤١٥ ، ٤٢ / ٥٣ ، الثقاة لابن حبان ١ / ١٤٢ ، كنز العمال ٩ / ١٦٧ ،

١٢٧

٣ ـ وفي حديث محدوج بن زيد الذهلي : أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا آخى بين المسلمين ، أخذ بيد علي ، فوضعها على صدره ، ثمَّ قال : «يا علي أنت أخي ، وأنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبي بعدي ... الحديث» (١).

٤ ـ وفي حديث يعلى بن مرة الثقفي : أنَّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آخى بين الناس ، فترك علياً في آخرهم ، لا يرى أنَّ له أخاً ، فقال : يا رسول الله آخيت بين الناس ، وتركتني؟! قال : «لما ترى تركتك؟ إنَّما تركتك لنفسي ، أنت أخي ، وأنا أخوك. قال : فإن حاجك أحد ، فقل : إني عبد الله ، وأخو رسوله ، لا يدعيها أحد بعدك إلّا كاذب» (٢).

٥ ـ وفي حديث ابن عمر : آخى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين أصحابه ، فجاء علي تدمع عيناه ، فقال : يا رسول الله ، آخيت بين أصحابك ، ولم تؤاخ بيني وبين أحد ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أنت أخي في الدنيا والآخرة» (٣).

حديث زواج الزهراء عليها‌السلام :

في حديث لابن عباس جاء فيه : ثمَّ أقبل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى دق الباب ، فقالت أم أيمن : من هذا؟. فقال : أنا رسول الله. ففتحت له الباب ، وهي تقول : بأبي أنت وأمي. فقال لها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أثمَّ أخي يا أم أيمن؟. قالت : ومن أخوك؟!. فقال : علي بن أبي طالب. فقالت : يا رسول الله هو أخوك ، وزوجته ابنتك!. فقال : نعم.

__________________

= ١٧٠ ، ١٣ / ١٠٦.

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٣ ، حديث خيثمة ١٩٩ ، المناقب ١٤٠.

(٢) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٦١ ، كنز العمال ١١ / ٦٠٨ ، وفي ١٣ / ١٤٠ حديث بمعناه برواية علي عليه‌السلام.

(٣) أسد الغابة ٤ / ٢٩ ، البداية والنهاية ٧ / ٣٧١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥١ ، ذخائر العقبى ٦٦ ، الصواعق المحرقة ١٢٢ ، كفاية الطالب ١٩٤ ، ينابيع المودة ٣ / ٢٩٢.

١٢٨

فقالت : إنما نعرف الحلال والحرام بك ...» الحديث (١).

حديث الإختصام في ابنة حمزة :

جاء في بعض رواياته عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال لعلي : «أنت أخي وصاحبي» (٢).

حديث جابر بن عبد الله :

قال : سمعت علي بن أبي طالب ينشد ورسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسمع :

أنا أخو المصطفى لا شك في نسبي

معه ربي وسبطاه هما ولدي

جدي وجد رسول الله متحد (٣)

وفاطم زوجتي لا قول ذي فند

صدقته وجميع الناس في ظلم (٤)

من الضلالة والإشراك والنكد

فتبسم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقال : صدقت يا علي (٥).

حديث سلمان :

عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنَّه قال له : «يا سلمان ، إنَّ أخي ، ووزيري ، وخليفتي في أهل بيتي ، وخير من أترك بعدي ، يقضي ديني ، وينجز موعدي ، علي بن أبي

__________________

(١) أنساب الأشراف ٢ / ١٤٥ ، ذخائر العقبى ٢٨ ، الصواعق المحرقة ١٤٢ ، كفاية الطالب ٣٠٦.

(٢) فضائل الخمسة ١ / ٣٢٢ ، كنز العمال ١٣ / ١٠٩ ، مسند أبي يعلى ٤ / ٣٢٢.

(٣) في بعض الروايات : (منفرد).

(٤) في بعض الروايات : (في بهم).

(٥) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٢١ ، كفاية الطالب ١٩٦ ، نظم درر السمطين ٩٥ ، ينابيع المودة ٢ / ١٧٩.

١٢٩

طالب» (١). وقد روي هذا الحديث عن أنس باختلاف يسير (٢).

وهناك أحاديث أخرى كثيرة في أخوة الإمام علي عليه‌السلام للرسول المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لسنا بصدد استقصائها ، لذا نكتفي بما اخترناه منها.

__________________

(١) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٥٦.

(٢) شواهد التنزيل ١ / ٤٨٨ ، ينابيع المودة ٢ / ٢٩٩.

١٣٠

علي عليه‌السلام خليفة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

(وخليفته في أمته) :

إختلف المسلمون في الخلافة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فكانوا فريقين :

الفريق الأول : يدَّعي أنَّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يستخلف أحداً ، بل ترك الأمة من بعده وشأنها ، ويستدلون على ذلك بقول عمر بن الخطاب عند وفاته : (إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني ـ يعني أبا بكر ـ وإن أترك فقد ترك من هو خير مني ـ يعني النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ) ، ويذهب هؤلاء إلى أنَّ الخلافة منصب إداري ، تختار له الأمة من يدير شؤونها ، ولها الخيار في تنصيب من ترى صلاحه ، وعلى هذا الأساس فالخلافة ليست منصباً دينياً ، ولا هي من الأصول الإعتقادية ، والسنة كلهم على هذا الرأي : الأشاعرة منهم ، والمعتزلة ، ولكن المعتزلة يرون أنَّ الإمام علياً عليه‌السلام كان أولى بالخلافة من جميع الصحابة ، لأنَّه أفضلهم ، يقول ابن أبي الحديد :

(أمّا الذي استقر عليه رأي المعتزلة ـ بعد اختلاف كثير بين قدمائنا في التفضيل ، وغيره ـ أنَّ علياً عليه‌السلام أفضل الجماعة ، وأنَّهم ـ أي الصحابة ـ تركوا الأفضل لمصلحة رأوها ، وأنَّه لم يكن هناك نص يقطع العذر ، وإنما كانت إشارة وإيماء ، لا يتضمن شيء منها صريح النص ، وإنَّ علياً عليه‌السلام نازع ثمَّ بايع ، وجمح ثمَّ استجاب ، ولو أقام على الإمتناع ، لم نقل بصحة البيعة ، ولا بلزومها ، ولو جرَّد السيف كما جرَّده آخر الأمر ، لقلنا بفسق كل من خالفه على الإطلاق كائناً من كان ، ولكنه رضي بالبيعة آخراً ، ودخل في الطاعة ، وبالجملة : أصحابنا يقولون : إنَّ الأمر كان له ، وكان هو المستحق والمتعين ، فإن شاء أخذه لنفسه ، وإن شاء ولّاه غيره ،

١٣١

فلما رأيناه وافق على ولاية غيره ، اتبعناه ، ورضينا بما رضي) (١).

الفريق الثاني (شيعة أهل البيت عليهم‌السلام) : وهؤلاء يعتقدون أنَّ الخلافة وظيفة دينية ، وأنَّها امتداد للنبوة ، ومكمِّلة لرسالتها ، وهي أصل من الأصول الإعتقادية ، وأنَّ الخليفة يتم تعيينه بالنص من النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو السابق له ، ولا خيار للمسلمين في اختيار الخليفة ، كما لا خيار لهم في اختيار النبي ، وتعيينه (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)(٢) ، ولهم على هذه العقيدة أدلة عقلية ونقلية ليس هذا محل نقلها (٣) ، ويعتقدون أنَّ الإمام علياً عليه‌السلام هو الخليفة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا فصل ، ويستدلون على ذلك بأدلة كثيرة نذكر منها :

١ ـ عصمته عليه‌السلام وقد تقدم الحديث عنها في موضوع : (حجة الله البالغة) (٤) ، والشيعة يرون أنَّ العصمة شرط في الإمامة لأنَّ غير المعصوم يقود الأمة حال معصيته إلى الضلال.

٢ ـ أفضليته على سائر الأمة : وكل من تأمل سيرة الإمام علي عليه‌السلام ، وما جاء في كتب التفسير ، والحديث ، والتأريخ ، والتراجم ، والسير ، في فضائله التي وردت في الكتاب والسنة بالطرق المتواترة والصحيحة ، لا يشك في أنَّه أفضل الأمة.

وقد التزم الشيعة بأفضليته تعبداً بما جاء من النصوص في فضله من الكتاب العزيز ، والسنة النبوية الشريفة ، أمّا أهل السنة فقد اختلفوا في ذلك :

فالمنصفون منهم ، والمحققون ، وفي طليعتهم المعتزلة يرون أفضلية الإمام

__________________

(١) شرح نهج البلاغة ١٠ / ٢٢٦.

(٢) القصص ٢٨ : ٦٨.

(٣) راجع تفاصيل هذه الأدلة في كتاب : دلائل الصدق ٢ / ٢١.

(٤) ص ٨٣ من هذا الكتاب.

١٣٢

علي عليه‌السلام ـ كما مر ، يذهب المعتزلة إلى جواز تقديم المفضول على الفاضل ، وحجتهم في ذلك ما نقلناه من ادعاء موافقة الإمام علي عليه‌السلام على خلافة من سبقه ، وادعاء إجماع المسلمين في صدر الإسلام على صحة خلافتهم ، وهذا الإجماع المدَّعى لا دليل عليه ، ومن تتبع سير أحداث التأريخ اتضح له عدم قيامه : فبنو هاشم ، والزبير ، وسلمان ، وعمار ، والمقداد ، وأبو ذر ، وسعد بن عبادة ، وغير هؤلاء من أجلاء الصحابة ، وذوي الرأي فيهم امتنعوا عن بيعة أبي بكر ، ولم يبايع من بايع منهم إلّا بالإكراه ، فكيف يصح القول بالإجماع مع معارضتهم؟!. وفيهم : نفس النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الإمام علي ، وبضعته الطاهرة فاطمة الزهراء ، وعمه العباس عليه‌السلام.

أمّا خلافة عمر فكانت بنص من أبي بكر ، وقد اعترض عليه جماعة من الصحابة منهم ابن عمه طلحة عندما أراد استخلاف عمر ، فلم يلتفت إليهم ، ثم أذعنوا إليها مكرهين.

وقد كان الخلاف في خلافة عثمان أشد ، والمعارضة لها أوسع ولكن المخالفين اُكرهوا على البيعة.

أمّا الأشاعرة فأكثرهم يرى أنَّ أفضل الأمة بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أبو بكر ، ثمَّ عمر ، ثمَّ عثمان ، ثمَّ الإمام علي عليه‌السلام ، يرى بعضهم أنَّ الإمام علياً عليه‌السلام أفضل من عثمان ، بينما يرى فريق آخر التساوي بينهما في الفضل ، والتوقف عن تقديم أحدهما على الآخر (١).

والقول بتفضيل أحد الصحابة على الإمام علي عليه‌السلام لا يستند إلى دليل من الحديث الصحيح ، والأدلة التي اعتمدوها مأخوذة من أحاديث الفضائل التي وضعت بتشجيع وتحريض من الدولة الأموية ، حيث عمل الأمويون على وضع

__________________

(١) راجع تفصيل ما أشير إليه في : الصواعق المحرقة ٥٧.

١٣٣

أحاديث في فضائل الخلفاء الثلاثة وغيرهم من الصحابة لمعارضة فضائل الإمام علي عليه‌السلام ، ونقضها ، وهي أحاديث غاية ما يُدَّعى لها أنَّها أحاديث ضعيفة ، فهي لا تصل إلى درجة الحسن ، والصحيح ، والمتواتر من الأحاديث التي رويت في فضله ، ولا تقوى على معارضتها ، ونقضها ، ولكن التعصّب الأعمى جعلها من المسلمات التي لا يتطرق إليها الشك ، وسوَّغ الاحتجاج بها ، فغُضَّت الأبصار عن أحوال رواتها ، ولم ينظروا إلى ما يبين ضعفها ، ويثبت وضعها ، وعدم جواز روايتها ، لأنَّ روايتها كذب وافتراء على الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقالوا بحجية الحديث الضعيف في المناقب (١) ، يضاف إلى ذلك أنَّ بعضهم تجاوزوا الحد ، فأنكروا تواتر الأحاديث التي رويت في فضل الإمام علي عليه‌السلام ، وعمدوا إلى الصحيح ، والحسن منها ، فاختلفوا لهما عللاً ليس عليها دليل ، فقالوا بضعفها ، وادَّعى بعضهم لقسم منها الوضع استناداً إلى تلك العلل الموهومة التي اختلقوها.

٣ ـ النصوص ، وهي قسمان :

الأول : النصوص القرآنية المفسرة في إمامة علي عليه‌السلام وولايته ، وهي كثيرة يتطلب البحث فيها وضع كتاب مستقل (٢) ، فكل الآيات المفسرة في فضله تدل على خلافته بالتطابق ، أو بالإلتزام ، فالآيات التي دلت على سبق إيمانه ، أو كونه من أهل الجنة ، وما إلى ذلك كلها تدل على أفضليته ، وتستلزم تقديمه للخلافة على من دونه في الفضل ، وأمّا آية الولاية وغيرها من الآيات المفسرة في الولاية ، فهي

__________________

(١) قال ابن حجر المكي في كتابه : (تطهير الجنان ص ١٢) الملحق بكتابه : (الصواعق المحرقة) ما نصه : (الذي أطبق عليه أئمتنا الفقهاء والأصوليون والحفاظ أنّ الحديث الضعيف حجة في المناقب).

(٢) إستدل العلامة الحلي رحمه‌الله في كتابه : نهج الحق بثمانين آية منها ، وأضاف إليها الحجة الشيخ محمد حسن المظفر رحمه‌الله عشرين فكانت مائة أية (راجع دلائل الصدق ٢ / ٤٤ ، ٢٢٦).

١٣٤

تدل على خلافته بمفهومها الصريح ، وإليك أمثلة لها :

أ ـ قوله تعالى : (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّـهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ)(١).

ب ـ قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ)(٢). جاء في حديث علي عليه‌السلام قال : «قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : شركائي الذي قرنهم الله بنفسه وبي ، وأنزل فيهم : ، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّـهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ...) فإن خفتم تنازعاً في أمر فارجعوه إلى الله والرسول وأولي الأمر. قلت : يا نبي الله من هم؟ قال : أنت أولهم (٣)».

الثاني : النصوص التي وردت في الحديث النبوي الشريف ، وهي كثيرة جداً ، فجميع ما جاء من الأحاديث في فضل الإمام علي عليه‌السلام يدل على أنَّه أفضل الأمة ، ويستلزم أن يكون هو الخليفة بعد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وبعض الأحاديث تدل على ذلك مطابقة ، ومن أمثلتها :

أ ـ أحاديث الولاية : وهي قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من كنت وليه فعلي وليه» أو «من كنت مولاه فهذا علي مولاه» ، وقد مر البحث عن هذه الأحاديث (٤) بما يتناسب وهذا الكتاب.

ب ـ حديث المنزلة : وهو قول النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي عليه‌السلام : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلّا أنَّه لا نبي بعدي» ، وسيأتي الحديث عنه ، وعن دلالته في موضوع

__________________

(١) المائدة ٥ : ٥٥ ، وسنفرد لها موضوعاً مستقلاً في محل ورودها في الزيارة.

(٢) النساء ٤ : ٥٩.

(٣) شواهد التنزيل ١ / ١٤٨.

(٤) راجع : في رحاب الغدير ص ٢١ ، مولى المؤمنين ص ٧٥ ، النبأ العظيم ص ٩٣ من هذا الكتاب.

١٣٥

مستقل (١).

ج ـ حديث دعوة العشيرة الذي رواه الإمام علي عليه‌السلام : عندما اُمر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن ينذر عشيرته الأقربين ، فدعاهم وقال لهم : «أيكم يوازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم؟. فأحجم القوم عنها جميعاً ـ وإنّي لأحدثهم سناً ـ فقلت : أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه ، فأخذ برقبتي ، ثمَّ قال : هذا أخي ، ووصيي ، وخليفتي فيكم ، فاسمعوا له ، وأطيعوا» (٢).

د ـ الأحاديث التي نصت على خلافة الإمام علي عليه‌السلام : وقد رواها عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدد من الصحابة في مناسبات مختلفة ، وبألفاظ متقاربة ، منها حديث ابن عباس ، قال : (ستكون فتنة فمن أدركها فعليه بخصلتين : كتاب الله ، وعلي بن أبي طالب ، فإني سمعت رسول الله ـ وهو آخذ بيد علي ـ يقول : «هذا أول من آمن بي ، وأول من يصافحني يوم القيامة ، وهو فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الظلمة ، وهو الصدّيق الأكبر ، وهو بابي الذي أوتى منه ، وهو خليفتي من بعدي» (٣).

وفي رواية أبي ذر وسلمان حديث بنفس النص المتقدم (٤).

__________________

(١) راجع للمؤلف كتاب : (حديث المنزلة).

(٢) راجع موضوع : سيد الوصيين ص ٦٥ من هذا الكتاب.

(٣) تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٤٢.

(٤) المعجم الكبير ٦ / ٢٦٩.

١٣٦

التبليغ بالولاية

«وأول من آمن بالله ، وصدَّق بما أُنزل على نبيه ، وأشهد أنَّه قد بلّغ عن الله ما أنزله فيك ، فصدع بأمره ، وأوجب على أمته فرض طاعتك ، وولايتك ، وعقد البيعة عليهم لك بذلك ، وجعلك أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، كما جعله الله كذلك ، ثمَّ أشهد الله عليهم ، فقال : ألست قد بلغت؟ فقالوا : بلى ، فقال : اللهم اشهد ، وكفى بك شهيداً وحاكماً بين العباد ، فلعن الله جاحد ولايتك بعد الإقرار ، وناكث عهدك بعد الميثاق» :

اللغة : صَدَعْتَ الشيء : أظهرتَه ، وبيَّنته ، يقال : صدعت بالحق : إذا تكلمت به جهاراً ، وقوله تعالى : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)، فاصدع بالأمر : أي أظهر دينك (١).

جحد : الجحود : الإنكار مع العلم (٢). نكث : النكث : النقض ، نكث العهد والحبل ، فانتكثت : أي نقضه ، فانتقض (٣).

نزل في الإمام علي عليه‌السلام عدد كبير من آيات الذكر الحكيم تنوه بفضله ، وتشيد بمواقفه الجهادية ، وقد روى المحدثون عن ابن عباس أنها تبلغ ثلاثمائة آية (٤) ، وقد تضمنت كتب التفسير ، وكتب الحديث ، وكتب الفضائل تفسير عدد منها مروياً

__________________

(١) الصحاح.

(٢) الصحاح ، مجمع البحرين.

(٣) الصحاح.

(٤) إسعاف الراغبين ١٦١ ، تاريخ مدينة دمشق ٤٢ / ٣٦٤ ، الصواعق المحرقة ١٢٧ ، كفاية الطالب ٢٣١ ، نور الأبصار ٨١.

١٣٧

بأسانيد معتبرة عن الرسول الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمقصود هنا ـ كما يفهم من اسياق ـ الآية الكريمة : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّـهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ)(١).

وهذه الفقرة من الزيارة تشير إلى أمر مهم جداً يتعلق بما حدث يوم غدير خم ، اهتم به الذكر الحكيم ، وتابعه النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على اهتمامه ، وهو مهمة التبليغ التي تضمنتها الآية الكريمة.

ومن البديهي أنَّ اهتمام العقلاء بأمرٍ ما إهتماماً كبيراً يلفت النظر إلى أهميته ، وتجسد الآية اهتمام القرآن الكريم بالتبليغ ، حيث تضمنت إنذاراً من الله تعالى بأن التبليغ بالرسالة يتوقف على تبليغ الولاية ، وترتب على ذلك اهتمام النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فصدع بما أمره الله تعالى به ، ممتثلاً ما أمره بالحرص على تبليغ أكبر عدد ممكن من أمته ، فلم يكتف بمن كان حاضراً في ذلك الجمع ، بل أمر السابق بالرجوع ، والمتأخر بالإلتحاق ، ليحرز حضورهم جميعاً ، ليسمعهم تبليغ ما أمر الله عزوجل ، به من أمر الولاية ، في ظل تلك الظروف القاسية ، فرفع الإمام علياً عليه‌السلام أمام ذلك الملأ معلناً ولايته ، ولم يكتف بذلك ، بل أمرهم بأن يبلغ الشاهد الغائب ، ليعلم بها كل من أقر بالإسلام ، ولتتناقل الأجيال هذا التشريع ، فيكون حجة على الأمة مدى الدهر ، لتعلم أن الولاية التي تمَّ التبليغ بها متممة للنبوة ، ومتفرعة عنها ، وأنَّ الذي نصِّب بهذا التبليغ له من الولاية ، ومن الطاعة ما للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم.

وبعد تبليغ الأمة بالولاية ـ بلا فصل ـ عقد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم البيعة للإمام علي عليه‌السلام بالولاية ، وأخذ هذا العقد صورتين :

__________________

(١) المائدة ٥ : ٦٧.

١٣٨

إحداهما : بالسؤال منهم عمَّن هو أولى بهم من أنفسهم ، ثم قال : «إنَّ الله مولاي ، وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، ثمَّ كرر القول : (فمن كنت مولاه فعلي مولاه)» ـ ثلاثاً أو أربعاً ، فكانت تلك بيعة عامة ممَّن حضر.

والأخرى : البيعة الخاصة التي أداها كل فرد منهم ، إذ أجلس الإمام علياً عليه‌السلام بعد فراغه من الخطبة ، وأمرهم أن يبايعوه (١) ، فبادر الناس إليها امتثالاً لأمره.

وإذا كان كل عقد يحتاج إلى الإشهاد لتوثيقه ، وتوكيده ، وإعطائه القوة في إلزام من أقرَّ به ، فقد وثق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقد بيعة الولاية يوم غدير خم بشهادة ذلك الحشد الكبير ، إذ سألهم : ألست قد بلغت؟. فأجابوه : اللهم بلى. وبذلك شهدوا له بالتبليغ بما أمره الله تعالى به ، وشهدوا على أنفسهم بالعلم بما ألزمهم به هذا التبليغ من عقد البيعة للإمام علي عليه‌السلام ، فكان بعضهم شاهداً على بعض.

ولم يكتف النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا التوثيق الذي يتجاوز عدد الشهود فيه مائة ألف شاهد ، بل أكده بشهادة الحَكَم العدل ، فقال : اللهم اشهد ، وكفى بك شهيداً ، وحاكماً بين العباد ، وليس بعد توثيق البيعة بشهادة الله عزوجل شيء ، فقد أشهده على نفسه بأنَّه بلغهم ، وأشهده عليهم بأنَّهم أقروا على أنفسهم بأنَّهم بُلِّغوا ، وعلموا بما ألزمهم ، به من ولاية علي عليه‌السلام ومن كان الله تعالى شهيداً عليه فلا يجد مفراً من الإقرار والإعتراف.

ومن جحد ولاية الإمام علي عليه‌السلام بعد الإقرار بها ، والعلم بأنَّها بأمر من الله عزوجل بلَّغها إلى الأمة نبيه الكريم صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعد أن أعطى بها عهداً موثقا بشهادة الله تعالى ، ورسوله ، والمؤمنين ، فهو راد على الله ورسوله ، وهو مستحق للعن ، ولا فرق في

__________________

(١) الغدير ١ / ٢٧٠ ـ ٢٨٣ فيه مختلف روايات البيعة.

١٣٩

ذلك بين من حضر ، وأعطى صفقة يمينه بالبيعة ، أو بلغه ذلك ، ولم يحضر ، فكلاهما في الحكم سواء ، لأنّض الغائب عنها قد بلغته بالتواتر الذي يفيد العلم ، وهو لا يختلف في الحكم عن الشاهد ، لأنَّ كلّا منهما مخالف عن علم ويقين ، ومنكر لضروري من ضرويات الدين.

١٤٠