إعلام الخلف - ج ٣

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ٣

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وما كان فيهم رجل ألقاه أحب إلي من أُبيّ بن كعب فأقيمت الصلاة فخرج عمر ومعه أصحاب النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقمت في الصف الأول فجاء رجل فنظر في وجوه القوم فعرفهم غيري فنحاني وقام في مكان فما عقلت صلاتي ، فلما صلى ، قال : يا فتى لا يسوؤك الله إني لم آت الذي أتيت بجهالة ولكن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال : لنا كونوا في الصف الذي يليني وإني نظرت في وجوه القوم فعرفتهم غيرك ثم حدث فما رأيت الرجال متحت أعناقها إلى شيء متوحها إليه فسمعته يقول : هلك أهل العقد ورب الكعبة ، ألا لا عليهم آسي ولكن آسي على من يهلكون من المسلمين وإذا هو أُبيّ . وح ١٢٩٣ : إياس بن قتادة عن قيس بن عباد فذكر ثم نحو حديث أُبيّ أنه قال في حديثه فأقيمت الصلاة فخرج عمر ومعه رجال فنظر رجل منهم في وجوه القوم وقال في حديثه : هلك أهل العقد ورب الكعبة ثلاث مرار . وقال في حديثه قال شعبة قلت لأبي جمرة من أهل العقد ؟ قال : الأمراء . قال شعبة وحدثني أبو التياح في ذلك المجلس عن الحسن قال : الأمراء ، أقول : واضح قصد أُبيّ بن كعب من الأمراء الذي أضلوا الناس .

٤٨١
 &

ملحق رقم (٣١)

سير أعلام النبلاء ٤ : ٨١ : ت ٢٨ وقال الواقدي : أسلم في حياة النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، وقال غيره : قاتل أبو الأسود يوم الجمل مع علي بن أبي طالب ، وكان من وجوه الشيعة ومن أكملهم عقلا ورأيا ، وقد أمره علي رضي الله عنه بوضع شيء من النحو لما سمع اللحن ، قال : فأراه أبو الأسود ما وضع فقال علي : ما أحسن هذا النحو الذي نحوت . فمن ثم سُمّي النحو نحواً .

قال أبو عبيدة : أخذ أبو الأسود عن علي العربية . فسع قارئا يقرأ (إن الله برئ من المشركين ورسولِه) فقال : ما ظننت أن أمر الناس قد صار إلى هذا فقال لزياد الأمير : أبغِني كاتباً لقناً فأتى به فقال له أبو الأسود : إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة أعلاه ، وإذا رأيتني ضممت فمي ، فانقط نقطة بين يدي الحرف ، وإن كسرت فانقُط نقطة تحت الحرف ، فإذا أتبعت شيئاً من ذلك غُنَّةً فاجعل مكان النقطة نقطتين فهذا نَقْط أبي الأسود .

ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان ٢ : ٥٣٧ .

طبقات ابن سعد ٧ : ٦٩ ت ٢٩٧٩ : أبو الأسود الدُّؤلي واسمه ظالم بن عمرو بن سفيان ... وكان شاعراً متشيّعاً ، وكان ثقة في حديثه إن شاء الله . وكان عبد الله بن عباس لما خرج من البصرة استخلف عليها أبا الأسود الدؤلي فأقره علي بن أبي طالب عليه السلام .

الإصابة لابن حجر ٢ : ٢٤١ ـ ٢٤٢ ت ٤٣٢٩ : وثقه ابن معين

٤٨٢
 &

والعجلي وابن سعد وقال أبو عمر : كان ذا دين وعقل ، ولسان وبيان وفهم وحزم ... وقال المرزباني : هاجر أبو الأسود إلى البصرة في خلافة عمر ، وولاه علي البصرة خلافة لابن عباس ، وكان علوي المذهب ، وقال الجاحظ : كان أبو الأسود معدودا في طبقات من الناس مقدما في كل منها ، كان يعد في التابعين وفي الشعراء والفقهاء والمحدثين والأشراف والفرسان والأمراء والنحاة والحاضري الجواب والشيعة ... وقال أبو علي القالي : حدثنا أبو إسحاق الزجاج ، حدثنا أبو العباس المبرد قال : أول من وضع العربية ونقط المصحف أبو الأسود وقد سئل أبو الأسود عمن نهج له الطريق ، فقال : تلقيته من علي بن أبي طالب عليه السلام .

وفيات الأعيان ٢ : ٥٣٥ ت ٣١٣ : وكان من سادات التابعين وأعيانهم صحب علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، وشهد معه وقعة صفين ، وهو بصري ، وكان من أكمل الناس رأيا وأشدِّهم عقلاً . وهو أول من وضع النحو وقيل : إن علياً رضي الله عنه وضع له : الكلام كله ثلاثة أضرب : اسم وفعل وحرف . ثم رفعه إليه وقال له : تمّم على هذا ... وقيل لأبي الأسود : من أين لك هذا العلم ؟ يعنون النحو ، فقال : لقنت حدوده من علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

المُحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو الداني : ٣ ـ ٤ : . . فوجّه زياد رجلا فقال له : أقعد في طريق أبي الأسود ، فإذا مرّ بك ، فاقرأ شيئا من القرآن وتعمّد اللحن فيه ، ففعل ذلك ، فلما مرّ به أبو الأسود رفع الرجل صوته فقال : ... فأحضرهم زياد فاختار منهم أبو الأسود عشرة ، ثم لم يزل يختار

٤٨٣
 &

منهم حتى اختار رجلا من عبد القيس ، فقال : خذ المصحف وصِبْغا يخالف لون المداد ، فإذا فتحت شفتي فانقط واحدة فوق الحرف ، وإذا ضممتها فاجعل النقطة إلى جانب الحرف ، وإذا كسرتُها فاجعل النقطة في أسفله ، فإن أتبعت شيئا من هذه الحركات غُنّة فانقط نقطتين ، فابتدأ بالمصحف حتى أتى على آخره . ثم وضع المختصر المنسوب إليه بعد ذلك .

الفهرست للنديم : ٤٥ ـ ٤٦ : ... فقال أبو عبيدة : أخذ النحو عن علي بن أبي طالب أبو الأسود ، وكان لا يخرج شيئا مما أخذه عن علي كرم الله وجهه إلى أحد حتى بعث إليه زياد أن اعمل شيئا يكون للناس إماما ، ويُعرف به كتاب الله ، فاستعفاه من ذلك حتى سمع أبو الأسود قارئا يقرأ ( أَنَّ اللَّـهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ ) (التوبة : ٣) بالكسر فقال : ما ظننت أن أمر الناس آل إلى هذا ! ، فرجع إلى زياد ، فقال : أفعل ما أمر به الأمير ، فليبغني كاتبا لقنا يفعل ما أقول ، فأُتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه فأُتي بآخر . قال أبو العباس المبرد : أحسبه منهم ، فقال أبو الأسود : إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه ، وان ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف ، وإن كسرت فاجعل النقطة نقطتين . فهذا نقط أبي الأسود معجم الأدباء ١٢ : ٣٤ ت ١٤ : أحد سادات التابعين والمحدثين والفقهاء والشعراء والفرسان والأمراء والأشراف ... والأكثر على أنه أوّل من وضع العربية ونقّط المصحف .

وراجع للزيادة البداية والنهاية لأبن كثير ٨ : ٣١٢ ، ط : منشورات دار المعارف ، أُسد الغابة لابن الأثير ٢ : ٤٩١ ت ٢٦٥٠ ، ط : دار الفكر . ولبيان

٤٨٤
 &

وثاقته يراجع تهذيب الكمال في أسماء الرجال للمزي ٣٣ : ٣٨ ، ت ٧٢٠٩ والجرح والتعديل للرازي ٤ : ت ٢٢١٤ ، ط : دار الأمم ، وتهذيب التهذيب لابن حجر ١٢ : ١٢ ، ت ٥٢ ، ط . دار الفكر .

وهناك شاهد محسوس على وجود هذا النقط الذي اخترعه أبو الأسود الدؤلي وحلى به المصاحف ، يذكره جرجي زيدان في تاريخ التمدن الإسلامي ٣ : ٦١ :

فمضى نصف القرن الأول للهجرة والناس يقرأون القرآن بلا حركات ولا إعجام . وأول ما افتقروا إليه الحركات ، وأول من رسمها أبو الأسود الدؤلي واضع النحو العربي ، المتوفى سنة ٦٩ هـ ، فانه وضع نقطاً تمتاز بها الكلمات أو تعرف بها الحركات ، ولذلك توهم بعضهم أنه وضع الإعجام . والحقيقة أنه وضع نقطاً لتمييز الاسم من الفعل من الحرف ، وليس لتمييز الباء من التاء من الجيم من الحاء . ثم قال : وقد شاهدنا في دار الكتب المصرية مصحفاً كوفياً منقّطاً على هذه الكيفية ، وجدوه في جامع عمرو بن العاص بجوار القاهرة ، وهو من أقدم مصاحف العالم ، ومكتوب على رقوق كبيرة بمداد أسود ، وفيه نقط حمراء اللون ، فالنّقطة من فوق الحرف فتحة وتحتها كسرة وبين يديها ضمّة ، كما وصفها أبو الأسود .

٤٨٥
 &

ملحق رقم (٣٢)

سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٤١ ت ١٧٠ : يحيى بن يَعْمَر : الفقيه ، العلامة المُقْري ، أبو سلمان العدواني البصري قاضي مرو ، ويكنّى أبا عدي ... قرأ القرآن على أبي الأسود الدؤلي ... وقيل : إنّه أوّل من نقط المصاحف ، وذلك قبل أن يوجد تشكيل الكتابة بمدّة طويلة ، وكان ذا لسَنٍ وفصاحة ، أخذ ذلك عن أبي الأسود .

وفيات الأعيان ٦ : ١٧٣ وما بعدها ت ٧٩٧ : وكان عالماً بالقرآن الكريم والنحو ولغات العرب ، وأخذ النحو عن أبي الأسود الدؤلي ... يقال : إن أبا الأسود لما وضع باب الفاعل والمفعول به زاد فيه رجل من بني ليث أبواباً ، ثم نظر فإذا في كلام العرب ما لا يدخل فيه فأقصر عنه ، فيمكن أن يكون هو يحيى بن يعمر المذكور ، إذ كان عداده في بني ليث ؛ لأنه حليف لهم . وكان شيعياً من الشيعة الأوائل القائلين بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لذي فضل من غيرهم ـ أقول : لا يوجد أحدٌ شيعيٌّ قديماً وحديثاً ينتقص الفاضل من غيرهم ، على أن يكون فاضلاً ـ ... وقال خالد الحذاء : كان لابن سيرين مصحف منقوط ، نقطه يحيى بن يعمر ، وكان ينطق بالعربية المحضة واللغة الفصحى طبيعة فيه غير متكلف .

البداية والنهاية ٩ : ٧٣ : توفي بالكوفة ، كان قاضي مرو ، وهو أول من نقط المصاحف ، وكان من فضلاء الناس وعلمائهم وله أحوال ومعاملات وله روايات ، وكان أحد الفصحاء ، أخذ العربية عن أبي الأسود .

٤٨٦
 &

معجم الأدباء ٢٠ : ٤٢ ـ ٤٣ ت ٢٣ : وكان عالماً بالقراءة والحديث والفقه والعربية ولغات العرب ، أخذ عنه أبو الأسود الدؤلي ـ والصحيح أخذ عن أبي الأسود ـ ، وكان فصيحاً بليغاً يستعمل الغريب في كلامه ... وكان يحيى يتشيع ويقول بتفضيل أهل البيت من غير تنقيص لغيرهم ، ـ من غير تنقيص للفاضل من غيرهم ـ وأخباره كثيرة .

شذرات الذهب ١ : ١٧٥ : ... وفيها يحيى بن يعمر النحوي البصري لقي ابن عمر وابن عباس وغيرهما وأخذ النحو عن أبي الأسود ، وكان يفضل أهل البيت من غير تنقيص لغيرهم .

تهذيب الكمال ٣٢ : ٥٣ وما بعدها ت ٦٩٥٢ : قال أبو زرعة ، وأبو حاتم والنسائي : ثقةٌ ... وقال الحسين بن الوليد النيسابوري عن هارون بن موسى : أول من نقط المصاحف يحيى بن يعمر ... وذكره ابن حبان في كتاب الثقات وقال : كان من فصحاء أهل زمانه وأكثرهم علماً باللغة مع الورع الشديد ، وكان على قضاء مرو . الفهرست لابن النديم : ٤٦ : ورأيت مما يدل على أن النحو عن أبي الأسود ما هذه حكايته ، وهي أربعة أوراق أحسبها من ورق الصيني ترجمتها : هذه فيها كلام في الفاعل والمفعول من أبي الأسود رحمة الله عليه ، بخط يحيى بن يعمر . وتحت هذا الخط بخط عتيق : هذا خط علان النحوي . وتحته : هذا خط النضر بن شميل .

أقول : كل هذه النصوص تدل على أن يحيى بن يعمر كان علوي المذهب .

وأنه من تلامذة أبي الأسود .

٤٨٧
 &

وأنه أول من نقط المصحف نقط إعجام .

ولكن الزرقاني يقول : إن نصر بن عاصم قد شارك يحيى بن يعمر في تنقيط المصحف ، قال في مناهل العرفان ١ : ٣٩٩ : أوّل من نقط المصحف هو يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم تلميذا أبي الأسود .

وهذا مخالف لقول أكثر أهل التراجم والسير ، نعم توجد رواية تشعر أن نصر بن عاصم هو أوّل من نقط المصحف ! كما ذكر ذلك ابن خلكان في وفياته ، وهذا القول أضعف من سابقه ، خاصة أن هناك شواهد تمنع من قبوله لأن ابن سيرين كان يوجد عنده مصحف منقوط بنقط يحيى بن يعمر ، كما ذكر ذلك صاحب الوفيات :

وقال خالد الحذاء : كان لابن سيرين مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر .

وكذا ذكر أبو عمرو الداني في المقنع : ١٢٥ : وروينا أن ابن سيرين كان عنده مصحف نقطه يحيى بن يعمر ، وأن يحيى أول من نقطها .

حتى لو تنازلنا وأنكرنا ما ذكره أرباب السير وملنا الی أن نصر بن عاصم الليثي هو أول من نقط المصحف ، وأنه لا مدخلية ليحيى بن يعمر في تنقيط القرآن ، فلا ضير في ذلك ؛ لأن الشيعة الإمامية فضلهم عليه سابق لأنهم معلّمو نصر بن عاصم ، كما ذُكر ذلك في بغية الوعاة : ٤٠٣ من أنّ نصر الليثي أخذ عن أبي الأسود الدؤلي ويحيى بن يعمر .

وجاء مثله في طبقات القراء : ٣٣٦ ، وهو في الفهرست : ٤٧ : وقال بعض العلماء : إن نصر بن عاصم أخذ عن أبي الأسود .

٤٨٨
 &

ويمكن تقريب معنى كون يحيى بن يعمر بمنزلة شيخ نصر بن عاصم بهذا السند الموجود في سير أعلام النبلاء ٤ : ٤٤١ ترجمة يحيى بن يعمر ت ١٧٠ : ... عمران بن قطّان عن قتادة ، عن نصر بن عاصم ، عن عبد الله بن فطيمة ، عن يحى بن يعمر قال : ... .

وأما الخبر الذي يذكر فيه أنه نقّط المصحف هو ما ذكره ابن خلكان في ترجمة الحجاج بن يوسف الثقفي ، في كتابه وفيات الأعيان ٢ : ٣٢ : وحكى أبو أحمد العسكري في كتابه التصحيف أن الناس غبروا يقرأون في مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه نيفًا وأربعين سنة إلى أيام عبد الملك بن مروان ثم كثر التصحيف وانتشر بالعراق ، ففزع الحجاج بن يوسف الثقفي إلى كتّابه وسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات ، فيقال : إن النصر بن عاصم قام بذلك فوضع النقط أفراداً وأزواجاً ، وخالف بين أماكنها ، فغبر الناس بذلك زماناً لا يكتبون إلا منقوطاً ، فكان مع استعمال النقط أيضاً يقع التصحيف ، فأحدثوا الإعجام فكانوا يتبعون النقط الإعجام ، فإذا غفل الاستقصاء عن الكلمة فلم توفّ حقوقها اعترن التصحيف ، فالتمسوا حيلة فلم يقدروا فيها إلا على الأخذ من أفواه الرجال بالتلقين .

أقول : وهذه الرواية التي يصفها الدكتور صبحي الصالح بالغريبة ـ من كلام الصالح يتضح أن راويها أبا أحمد العسكري اعتاد نقل الغرائب ـ مبهمة تعجز عن تحديد أول من نقط المصحف ، ناهيك عن عدم إمكان قبول دلالتها ؛ لأن صاحب الوفيات ذكر أن الحجاج قد أمرهم ليضعوا على الحروف المشتبهة علامات ، فهذا يعني أنه قد أمرهم بتنقيطه نقط إعجام للتمييز بين

٤٨٩
 &

الأحرف ، ثم يقول : إن هناك قولاً بأن نصر بن عاصم من قام بتلك المهمة ـ ولا دلالة على أسبقيته ـ وبعد أن قام بها حصل تصحيف جديد فأحدثوا الإعجام الذي فرضت الرواية أن الحجاج أمر به من قبل وفعله نصر بن عاصم ! ، فالخلط في الرواية بين نقط الإعجام ونقط الإعراب واضح ، وتنبه له صاحب تاريخ التمدن الإسلامي بعد أن أورد رواية ابن خلكان فقال في ٣ : ٦٢ .

وفي عبارة ابن خلكان هذه التباس ، لا يفهم المراد بها ولا الفرق بين التنقيط والإعجام وهما واحد ، ولا يعقل أن يكون المراد بالنقط الحركات لأنهم عمدوا إليها لكثرة التصحيف ، أي لاختلاف القراءة باختلاف النقط ولكن نصراً هذا لم ينقط إلا بضعة حروف مما يكثر وروده ويخشى الالتباس فيه ، ثم رأوا القراءة لا تنضبط إلا بتنقيط كل الحروف كما هي الآن ، وهذا ما عبروا عنه بالإعجام .

ونختم بما ذكر في مباحث في علوم القرآن : ٩١ ـ ٩٤ : وعسير علينا أن نحدد ـ عن طريق هذه الروايات المختلفة ـ البواعث التي حملت أبو الأسود على نقط القرآن ، فلا نعرف هل اندفع من تلقاء نفسه أم استجاب لأمر لم يفكر فيه من قبل ، ولا نعرف كنه العمل الذي قام به ، ولكننا لا نرتاب قط قد أطلّع أول الجميع بعبء جسيم ، فهذا هو الحد الأدنى مما نطقت به تلك الأخبار والروايات ، أما أنه أفرد وحده بوضع أصول القرآن وشكله فليس منطقيا ولا معقولا ، فما ينهض بمثل هذا فرد أو أفراد ، ولا يبلغه تمامه جيل بل أجيال ، وبحسب أبي الأسود أنه كان حلقة أولى في سلسلة نقط القرآن

٤٩٠
 &

وتجويد رسمه . وفي هذه السلسلة حلة أخرى يميل بعض العلماء إلى عدّها كذلك حلقة أولى ، حيث يرون أن : (أول من نقط المصاحف يحيى بن يعمر) ولا بد أن يكون ليحيى عمل في نقط القرآن ، ولكن لا برهان بين أيدينا على أنه حقاً كان أوّل من نقطه ، إلا أن يكون المراد أنه أول من نقط المصاحف بمرو ، وتبلغ قصة أوّليته هذه ذروتها من الإحكام والحبك حين يزعم ابن خلكان أنه كان لابن سيرين مصحف منقوط نقطه يحيى بن يعمر ، ومن المعلوم أن ابن سيرين توفي سنة ١١٠ هـ ، وقد عرف قبل هذا التاريخ مصحف كامل النقط ، تام الشكل ، وتلك النقط المعوّضة للحركات ، وهو أمر خطير جداً ليس من السهل التسليم به . وأمّا نصر بن عاصم الليثي فلا يستبعد أن يكون عمله في نقط القرآن امتداداً لعمل أُستاذيه أبي الأسود وابن يعمر فإنه أخذ عنهما كما أسلفنا ، بيد أن أبا أحمد العسكري ـ في إحدى رواياته الغريبة ـ يؤكد أن نصر بن عاصم اطلع بنقط القرآن حين خاطب الحجاج كتابه وسألهم أن يضعوا علامات على الحروف المتشابهة ، وتكاد هذه الرواية تنطق أن نصراً كان أوّل من نقط المصاحف ، ولكنها تضل ـ مع ذلك ـ أضعف من أن تعضل في هذا الخلاف برأي يقيني قاطع . ولأن تعذر إطلاق الحكم بأن أبا الأسود أو ابن يعمر أو نصراً كان أول من نقط المصاحف ، فلا يتعذر القول بأنهم أسهموا جميعاً في تحسين الرسم وتيسير قراءة القرآن على الناس) ، وفيما ذكره الصالح خلط واضح بين النقطين .

٤٩١
 &

ملحق رقم (٣٣)

من راجع ترجمته رحمه الله لا يشك في أنه أول من صنف نقط القرآن وذكر علله وابتدع ما يناسب نطق أحرفه بلا غلط ولحن ، وقد ذكره في كتاب مباحث في علوم القرآن : ٩٤ : (وقد اتخذ هذا التيسير أشكالاً مختلفة فكان الخليل أول من صنّف النقط ، ورسمه في كتاب ، وذكر علله ، وأوّل من وضع الهمزة والتشديد والرّوم والإشمام) .

المحكم في نقط المصاحف لأبي عمرو الداني : ٩ : (قال أبو عمرو : وأول من صنّف النقط ، ورسمه في كتاب ، وذكر علله الخليل بن أحمد) ، وفي ص ١٣٣ : (وأوّل من وضع الهمزة والتشديد والروّم والإشمام) .

وفي الإتقان ٢ : ١٧١ : (قال جلال الدين : كان الشّكل في الصدر الأول نقطاً ، فالفتحة نقطة على أوّل الحرف ، والضمّة على آخره والكسرة تحت أوّله . وعليه مشى الداني . والذي اشتهر الآن : الضّبط بالحركات المأخوذة من الحروف ، وهو الذي أخرجه الخليل بن أحمد الفراهيدي ، فالفتح شكلة مستطيلة فوق الحرف ، والكسر كذلك تحته ، والضمّ واو صغيرة فوقه ، والتنوين زيادة مثلها

... قال : وأوّل من وضع الهمز والتشديد والروم والإشمام الخليل أيضا) .

وكذا في معجم القراءات القرآنية ١ : ٦٣ ـ ٦٤ ، نقلاً عن مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق مجلد ٢٢ : ٢٢١ : (واستمر هذا إلى أن جاء الخليل بن

٤٩٢
 &

أحمد فوضع رمزاً جديداً للهمزة حيث اقتطع رأس العين ـ لقرب الهمزة منها ـ وجعلها رسماً للهمزة ، وكتبها (قطعة) وشاع رسم الهمزة الجديد ، ولكن أبى الناس زمناً أن يدخلوا رسم الخليل على المصحف ورأوه بدعة ، على أنه لم يلبث أن شاع وكتبه كتبة المصاحف ، ولكن مع بقاء الكتابة الأولى فكتبوا (يستهزئون) بياء وهمزة معاً و (يؤمنون) بواو وهمزة ، ليقرأ بالهمزة من حقّقها وبالياء والواو من سهلها ، وكان هذا أصل الازدواج في كتابة الهمزة) .

محاضرة الأوائل ومسامرة الأواخر : ٣٥ : (أوّل من نقّط المصحف اختلف فيه ، قال السيوطي في الإتقان : أوّل من فعل ذلك أبو الأسود الدؤلي بأمر من عبد الملك ، وقيل : أول من نقطه الحسن البصري ويحيى بن يعمر ، وقيل : نصر بن عاصم الليثي ، وأوّل من وضع الهمزة والتشديد والروم والإشمام الخليل النحوي .

مع القرآن الكريم : ٤٠٧ : (وعن أبي الأسود أخذ العلماء النقط وأدخلوا عليه بعض التحسين ، إلى أن جاء عصر الدولة العباسية وظهر العالم الجليل الخليل بن أحمد البصري فأخذ نقط أبي الأسود وأدخل عليه تحسيناً فجعل علامة الضم واواً صغيرة . لأن الضمة إذا أشبعت تولد منها واو وعلامة الكسرة ياء صغيرة ؛ لأن الكسرة إذا أشبعت تولد منها ياء ، وهو المسمى الآن بالشكل ، وزاد على ذلك فجعل علامة للتشديد وهي رأس شين وعلامة للسكون ، وهي راس خاء وأخرى للهمزة وعلامة للاختلاس والإشمام) .

الخط العربي : ٨٩ ـ ٨٠ : (دخل على الحروف العربية إصلاح ثالث

٤٩٣
 &

دعا إليه تشابه نقط أبي الأسود التي قصد منها إلى تيسير القراءة الصحيحة وضبط الكلمات مع نقط الإصلاح الثاني التي قصد منها إلى إعجام الحروف لتمييز المتشابه منها في الصورة بعضها عن بعض ، فقد اشتبهت نقط الشكل مع نقط الإعجام مع ما بينهما من اختلاف اللون ، وصعب على الكاتب استعمال مدادين مع ما في ذلك من ضياع للوقت ، فأجري الإصلاح الثالث في العصر العباسي الأول ، وأبدلت نقط الشكل التي وضعها أبو الأسود الدؤلي بعلامات أخرى فاخترع الخليل بن أحمد الشكل المستعمل الآن بأن كتب الضمة واو صغيرة فوق الحرف ، والفتحة ألفا ، والكسرة ياء والشدة رأس شين ، والسكون رأس خاء ، وهمزة القطع رأس عين ، ثم اختزل شكلها وزيد عليها حتى آلت إلى الشكل المعروف الآن ، وبهذا أصبح ممكنا شكل الحروف وإعجامها بلون واحد) .

اختلاف الفقهاء والقضايا المتعلقة به في الفقه الإسلامي المقارن : ٢٣ : (لما فسد اللسان العربي بسبب اختلاط العرب بالعجم دعت الحاجة إلى تنقيط الحروف وتشكيلها حتى لا يقع اللحن في القرآن الكريم ولذا أمر زياد بن أبيه أبا الأسود الدؤلي قاضي البصرة بوضع علامات تضبط أواخر الكلمات ... وفي العصر العباسي قام الخليل بن أحمد المتوفى ١٧٠ هـ بوضع علامات التشكيل المعروفة لنا الآن ، ثم عنى القراء والحفاظ بوضع علامات الفصل ، والوقف وكل ذلك لا يمس المصحف العثماني في شيء ، بل هو من أجل المحافظة عليه ومنع التبديل والتغيير فيه) .

قال السيد محسن الأمين رضوان الله تعالى عليه في أعيان الشيعة ٦ :

٤٩٤
 &

٣٣٧ ـ ٣٤٠ ترجمة الخليل بن أحمد الفراهيدي : في الخلاصة : الخليل بن أحمد أفضل الناس في الأدب ، وقوله حجة فيه ، اخترع العروض وفضله أشهر من أن يذكر ، وكان إمامي المذهب .

وعن ابن إدريس في مستطرفات السرائر : أنه عدّه من كبراء أصحابنا إلا أنه سمّاه الخليل بن إبراهيم بن أحمد العروضي .

وفي رياض العلماء : كان الخليل على ما قاله الأصحاب من أصحاب الصادق ، ويروي عنه ، والخليل جليل القدر عظيم الشأن أفضل الناس في علم الأدب وكان إمامي المذهب ، وكان في عصر مولانا الصادق ، بل الباقر عليهما السلام ، وكان إماماً في علم النحو واللغة ... وكان الخليل رجلاً صالحاً عالماً حليماً وقوراً حسن الكلام .

وقال الشيخ البهائي في حواشي الخلاصة إنه كان من أصحاب الصادق عليه السلام .

وقال الكفعمي من علمائنا : أن الخليل كان أزهد الناس وأرفعهم نفساً وكان الملوك يقصدونه ويبذلون له فلا يقبل ، وكان يحج سنة ويغزو سنة حتى جاءه الموت اهـ . الرياض .

وعن كشف الغمّة عن محمد بن سلام الجمحي عن يونس بن حبيب النحوي تلميذ الخليل قلت : له أُريد أن أسألك عن مسألة فكتمتها علي ؟ فقال : قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال فكتمته أيضاً ؟ قلت : نعم أيام حياتك . قال : سل . قلت : ما بال أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كأنهم كلهم بنو أب واحد وأمُّ واحدة وعلي عليه السلام من بينهم

٤٩٥
 &

كأنه ابن علة ، قال : من أين لي الجواب ، قلت : دعتنيه ، قال : وقد ضمنت لي الكتمان ، قلت : أيام حياتك . قال : إن علياً تقدمهم إسلاماً وفاقهم وبزهم شرفًا ورجح عليهم زهدًا وطالهم جهاداً ، والناس على أشكالها وأشباهها أميل منهم إلى من بان عنهم .

وعن الصدوق عن أبي زيد النحوي الأنصاري : سألت الخليل بن أحمد لم ترك الناس عليًا وقربه من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قربه وموضعه من المسلمين موضعه وغناؤه في الإسلام غناؤه ؟ فقال : بهر والله نوره أنوارهم غلبهم على صفو كل سهل ، والناس على أشكالها أميل ، أما سمعت قول الأول :

وكل شكل لشكله الف

أما ترى الفيل يألف الفيلا

تأسيس الشيعة لعلوم الإسلام : ١٤٩ : (وللخليل كتاب في الإمامة أورده بتمامه محمد بن جعفر المراغي في كتابه ، واستدرك ما أغلفه الخليل من الأدلة ، وسمّاه كتاب الخليلي في الإمامة ، وذكره أبو العباس النجاشي في ترجمة محمد بن جعفر المراغي الهمداني في فهرس أسماء مصنّفي الشيعة ، وذكر ياقوت في ترجمة محمد بن جعفر المراغي الهمداني المذكور أنّ له كتاب الاستدراك لما أغفله الخليل ، ولم يذكر أنه في الإمامة كما نص عليه النجاشي وذكر ذلك السيوطي في بغية الوعاة ، ولم يذكر فيما استدرك المراغي ، ولكن النجاشي لما كان من شيوخ الشيعة والعارف بمصنّفاتهم ، بل تلميذ للمراغي نص على أنه في الإمامة ؛ لأن المراغي أيضاً من شيوخ علماء

٤٩٦
 &

الشيعة) .

معجم رجال الحديث ٧ : ٧٦ ت ٤٣٣٧ : عدّه الحلي في مستطرفات السرائر من كبراء أصحابنا المجتهدين ، وذكر أنه الخليل بن إبراهيم بن أحمد .

وقال العلامة في القسم الأول من الخلاصة : ١٠ من الباب ٢ من فصل الخاء : الخليل بن أحمد كان أفضل الناس في الأدب وقوله حجة فيه ، واخترع علم العروض ، وفضله أشهر عن أن يذكر ، وكان إمامي المذهب .

وقال ابن أبي داود في القسم الأول : ٥٦٤ : الخليل بن أحمد شيخ الناس في علوم الأدب ، وفضله وزهده أشهر من أن يخفى ، كان إمامي المذهب . قيل : إنه سئل عن الدليل على إمامة علي عليه السلام على نحو الكل في الكل قال : (احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل) . وهذا فعل الفراهيدي ، فجزاه الله خير الجزاء لخدمته لكتاب الله عزّ وجلّ .

٤٩٧
 &

ملحق رقم (٣٤)

طبقات أعلام الشيعة ١ : ٢٨٦ : محمد بن علي بن الحسن بن عبد الله الشهير بابن مقلة البيضاوي الشيرازي البغدادي ، الوزير أبو علي المولود بعد العصر يوم الخميس ٢١ شوال ٢٧٢ ، والمقتول يوم الأحد ١٠ شوال ٣٢٨ كما أرّخه ابن النديم ، قال : إنَّ مقلة لقب أبيه علي ، وهو الخطاط المشهور الذي كمّل خطّ النسخ نقلا له عن الخط الكوفي وسمّي نسخا ؛ لأنه نسخ به سائر الخطاط ، اخترع أولاً نوعاً من الخط الكوفي سمّاه المحقق ، ثم نوعا آخر سمّاه خط الريحان ، ثم اخترع خط الثلث الريحاني من خط الريحان ، ثم اخترع النسخ وتعلم عنه خلق كثير في مدّة يسيرة من سنة ٣١٠ .

استوزر ثلاث مرات وعزل ثلاثاً ، وولي فارس ثلاث مرات إلى أن قُتل .

حكى صاحب الرياض في أول الصحيفة الثالثة السجادية أنه رأى نسخة من الصحيفة بخط ابن مقلة هذا ، وهي رواية محمد بن الحارث عن الحسين بن أشكيب الثقة الخراساني من أصحاب الهادي والعسكري عليهما السلام . عن عمير بن هارون المتوكل البلخي إلى آخر سند الصحيفة والظاهر أنه يرويه عن محمد عن الوارث .

أقول : والإشادة بعمل هذا الرجل لا يكاد يخلو منه كتاب تعرض للخط العربي ولرسم المصحف الشريف ، ففي تاريخ التمدن الإسلامي ذكر أن ابن مقلة كمّل خط النسخ بعد أن كان موجودا قبله ، وجعله على هذا الشكل لكي يخدم به كتابة المصاحف الشريفة ، خلافا لمن قال : أنه ابتدعه وحوّره من

٤٩٨
 &

الخط الكوفي .

قال في ٣ : ٦٠ ـ ٦١ : وأما الخط النسخي أو النبطي فقد كان شائعا بين الناس لغير المخطوطات الرسميّة ، حتى نبغ ابن مقلة المتوفی سنة ٣٢٨ هـ أدخل في الخط المذكور تحسينا جعله على ما هو عليه الآن وأدخله في كتابة الدواوين .

والمشهور عند المؤرخين أن ابن مقلة نقل الخط من صورة القلم الكوفي إلى صورة القلم النسخي ، والغالب في اعتقادنا أن الخطين كانا شائعين معا من أول الإسلام : الكوفي للمصاحف ونحوها ، والنسخي أو النبطي للرسائل ونحوها كما تقدم ، وأن ابن مقلة إنما جعل الخط النسخي على قاعدة جميلة حتى يصلح لكتابة المصاحف .

ثم دعم المؤلف استدلاله بدليل حسي فقال : (وقد شاهدنا في معرض الخطوط العربية القديمة في دار الكتب الخديوية ـ دار الكتب المصرية الآن ـ عقد نكاح مكتوباً في أواسط القرن الثالث للهجرة سنة ٢٦٤ هـ على رق مستطيل في أعلاه صورة العقد بالقلم الكوفي المنتظم ، وتحتها خطوط الشهود بالقلم النسخي بغاية الاختلال ـ فابن مقلة حسن هذا الخط تحسينا وأدخله في كتابة المصاحف) .

أقول : وعلى أي حال فابن مقلة إنما فعل ذلك التحسين لأجل المصحف الشريف ليكتب بصورة أنظم ولا شبهة في حروفه بعد جعل الأحرف على ميزانها لا تزيد ولا تنقص طولا أو عرضا ، ولا أقل أن الخطوط الأخرى غير خط النسخ لا تشكّل بالحركات على أحرفها ، فما فعله ابن مقلة خدمة جليلة

٤٩٩
 &

القدر لقرّاء القرآن لجميع الأجيال ، يحفظ بها القرآن من التغيير في ألفاظه وتعرضه للحن ، ويمكن تشكيل أحرفه .

قال في نشأة وتطور الكتابة الخطية العربية : ١٤٧ : وسمي خط النسخ بالنسخ ؛ لأن الوراقين أو النساخ كانوا ينسخون به المصاحف فغلبت عليه تلك التسمية ... ومما تجمل معرفته أن الحروف العربية النسخية هي أكثر الحروف استعمالا في تدوين القرآن وكتب السنة وكتب الدين بين الأمم التي احتفت بلغتها الأصلية ، وذلك لسهولة قراءته وعدم اللبس فيه .

وكذا في : ٢٣٢ نقلا عن تاريخ القرآن ، للكردي الخطاط : ١٨٤ : والمصاحف في العهد الأول كانت تكتب بأنواع متعددة من الخط الكوفي إلى القرن الخامس ـ ثم لما تنوعت الخطوط صاروا يكتبونها بالخط الثلث إلى القرن التاسع ـ ولما ظهر خط النسخ الذي هو أجمل الخطوط صاروا يكتبونها به إلى عصرنا الحاضر . والحق أن جمال المصاحف لا يظهر إلا إذا كتب بخط النسخ أما بقية الخطوط كخط الرقعة والديواني والفارسي وسياقت وشاكسته فلا يحسن كتابتها بها ؛ لأن قاعدة تلك الخطوط هو عدم تشكيلها ، بينما المصاحف يجب تشكيلها صيانة للقارئ من اللحن .

وكذلك في انتشار الخط العربي : ١٤ ـ ١٥ : وأما الخط النسخي فقد كان مستعملا بين الناس لغير المخطوطات الرسمية حتى نبغ الوزير أبو علي محمد بن مقلة المتوفى سنة ٣٢٨ هـ ، فأدخل في الخط المذكور تحسينا كبيرا بعد أن كان في غاية الاختلال ، وأدخله في المصاحف وكتابة الدواوين .

٥٠٠