إعلام الخلف - ج ٣

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ٣

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وأقوى من معمر وابن أبي ذئب

أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قال : سمعت الشافعي يقول : إذا جاء الأثر فمالك النجم ، ومالك وابن عيينة القرينان) .

٤٤١
 &

ملحق رقم (٢٤)

سير أعلام النبلاء ١٣ : ٢٢١ ، ت ١١٨ : الإمام ، العلامة ، الحافظ ، شيخ بغداد ، أبو بكر السجستاني ، صاحب التصانيف . وكان من بحور العلم بحيث إنَّ بعضهم فضله على أبيه .

وعن وفيات الأعيان ٢ : ٤٠٥ في ترجمة أبيه : وكان ولده أبو بكر عبد الله بن أبي داود سليمان من أكابر الحفاظ ببغداد ، عالما متفقها عليه ، إمام ابن إمام .

وعن تاريخ بغداد ٩ : ٤٦٥ : حدثنا أبو الفضل صالح بن أحد الحافظ قال : أبو بكر عبد الله بن سليمان ، إمام العراق ، علم العلم في الأمصار نصب له السلطان المنبر ، فحدث عليه لفضله ومعرفته . وكتب عنه عام مشايخ بلدنا ذلك الوقت ، وكان في وقته بالعراق مشايخ أسند منه ، ولم يبلغوا في الآلة والإتقان ما بلغ هو .

تذكرة الحفاظ ٢ : ٧٦٧ ، ت ٧٦٨ : الحافظ ، العلامة ، قدوة المحدثين صاحب التصانيف ، وقال : دخلت الكوفة ومعي درهم واحد فاشتريت به ثلاثين مداً باقلاء ، فكنت آكل منه وأكتب عن الأشج ، فما فرغ الباقلاء حتى كتبت عنه ثلاثين ألف حديث ما بين مقطوع ومرسل .

قال : أبو بكر بن شاذان قدم ابن أبي داود أصبهان ، وفي نسخة سجستان ـ فسألوه أن يحدثهم فقال : ما معي أصل ، فقالوا : ابن أبي داود أصل ؟! قال : فأثاروني ، فأمليت عليهم من حفظي ثلاثين ألف حديث ، فلما

٤٤٢
 &

قدمت بغداد ، قال البغداديون : مضى إلى سجستان ولعب بهم ! ثم فيجوا فيجا اكتروه بستة دنانير إلى سجستان ليكتب لهم النسخة ، فكتبت وجيء بها وعرضت على الحافظ فخطأوني في ستة أحاديث منها ثلاثة حدثت بها كما حدثت ، وثلاثة أخطأت فيها .

قال الحافظ أبو محمد الخلال : كان ابن أبي داود أحفظ من أبيه .

حدثنا ابن شاهين قال : أملى علينا بن أبي داود وما رأيت في يده كتابا إنما كان يملي حفظا .

قال محمد بن عبيد الله بن الشخير كان ابن أبي داود زاهدا ناسكا) .

٤٤٣
 &

ملحق رقم (٢٥)

سير أعلام النبلاء ٦ : ٤٠٧ ، ت ١٦٧ : أبو عمرو بن العلاء بن عمار بن العريان التميمي ، ثم المازني البصري شيخ القرّاء والعربية . بَرّزَ في الحروف وفي النحو ، وتصدر للإفادة مدة . واشتهر بالفصاحة والصدق وسعة العلم .

قال أبو عبيدة : كان أعلم الناس بالقراءات والعربية ، والشعر ، وأيام العرب . وكانت دفاتره ملء بيت إلى السقف ، ثم تنسك فأحرقها .

وكان من أشراف العرب ، مدحه الفرزدق وغيره .

قال يحيى بن معين : ثقة .

وقال أبو حاتم : ليس به بأس .

وقال أبو عمرو الشيباني : ما رأيت مثل أبي عمرو .

روى أبو العيناء عن الأصمعي : قال لي أبو عمرو بن العلاء : لو تهيأ أن أفرغ ما في صدري من العلم في صدرك لفعلت ، ولقد حفظت في علم القرآن أشياء لو كتبت ما قدر الأعمش على حملها ، ولولا أن ليس لي أن أقرأ إلا بما قرئ لقرأت حرف كذا ، وذكر حروفا .

قال إبراهيم الحربي وغيره : كان أبو عمرو من أهل السنة .

قال اليزيدي وآخر : تكلم عمرو بن عبيد في الوعيد سنة ، فقال أبو عمرو : إنك لألكن الفهم ، إذ صيرت الوعيد الذي في أعظم شيء مثله في أصغر شيء ، فاعلم أن النهي عن الصغير والكبير ليسا سواء ، وإنما نهى الله عنهما لتتم حجته على خلقه ، ولئلا يعدل عن أمره ، ووراء وعيده عفوه وكرمه

٤٤٤
 &

ثم أنشد :

وَلا يَرْهَبُ ابنُ العَمِّ ما عشت صَوْلَتي

وَلا أخْتتي مِنْ صَولَةِ المُتَهَدِّدِ

وَإنّي وَإنْ أوعَدْتُهُ ووعدته

لَمخْلِفُ إيعادي وَمُنْجِزُ مَوْعِدي

فقال عمرو بن عبيد : صدقت إن العرب تتمدح بالوفاء بالوعد والوعيد ، وقد يمتدح بهما المرء ، تسمع إلى قولهم :

لا يُخلِفُ الوَعْدُ والوَعِيدَ وَلا

يَبيتُ مِنْ ثَأْرِهِ عَلى فَوْتِ

فقد وافق هذا قوله تعالى : ( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ ) (الأعراف : ٤٤)

قال أبو عمرو : قد وافق الأول أخبار رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، والحديث يفسر القرآن .

وعن الطيب بن إسماعيل قال : شهدت ابن أبي العتاهية وقد كتب عن اليزيدي قريبا من ألف جلد عن أبي عمرو بن العلاء خاصة ، قال : ويكون ذلك عشرة آلاف ورقة .

قال الأصمعي : كنت إذا سمعت أبا عمرو بن العلاء يتكلم ، ظننته لا يعرف شيئا ، كان يتكلم كلاما سهلا .

قال اليزيدي : سمعت أبا عمرو يقول : سمع سعيد بن جبير قراءتي فقال : الزم قراءتك هذه .

معجم الأدباء ١١ : ١٥٦ ت ٤٣ : الإمام أبو عمرو بن العلاء التميمي المازني البصري أحد القرّاء السبعة . وروى عن الحروف سيبويه ، وكان أعلم

٤٤٥
 &

الناس بالعربية والقرآن وأيام العرب والشعر ، وكان يونس بن حبيب يقول : لو كان أحدٌ ينبغي أن يؤخذ بقوله في كل شيء كان ينبغي أن يؤخذ بقول أبي عمرو بن العلاء .

وأما حاله في الحديث فقد وثقه يحيى بن معين ، وغيره وقالوا : صدوق حجة في القراءة وله أخبار حسان ، وروى عنه فوائد كثر يطول ذكرها . طبقات القرّاء من هامش معجم الأدباء : وكان أعلم الناس بالقرآن والعربية مع الصدق والزهد والثقة .

قال ابن مجاهد : وحدثونا عن وهب بن جرير قال : قال لي شعبة تمسك بقراءة أبي عمرو ، فإنها ستصير للناس إسناداً .

وقال أيضا : حدثني محمد بن عيسى بن حيان ، حدثنا نصر بن علي قال : قال لي أبي : قال شعبة : انظر ما يقرأ أبو عمرو وما يختار لنفسه ، فإنه سيصير للناس إسناداً قال نصر : قلت لأبي : كيف تقرأ ؟ قال : على قراءة أبي عمرو قلت للأصمعي : كيف تقرأ ؟ قال : قراءة أبي عمرو .

وفيات الأعيان ٣ : ٤٦٦ ت ٥٠٥ : أبو عمرو بن العلاء . أحد القرّاء السبعة ، كان أعلم الناس بالقرآن الكريم والعربية والشعر ، وهو في النحو في الطبقة الرابعة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه .

قال الأصمعي : قال أبو عمرو بن العلاء : لقد علمت من النحو ما لم يعلمه الأعمش ، وما لو كتب لما استطاع أن يحمله ، وقال أيضا : سألت أبا عمرو عن ألف مسالة فأجابني فيها بألف حجة ، وكان أبو عمرو رأسا في حياة الحسن البصري مقدما في عصره .

٤٤٦
 &

وقال أبو عبيدة : كان أبو عمرو أعلم الناس بالأدب والعربية والقرآن والشعر . وكانت كتبه التي عن العرب الفصحاء قد ملأت بيتا له إلى قريب من السقف ، ثم إنه تقرَّأ ـ أي تنسك ـ فأخرجها كلها ، فلما رجع إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه بقلبه ، وكانت عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهلية .

قال الأصمعي : جلست إلى أبي عمرو بن العلاء عشرة حجج فلم أسمعه يحتج ببيت إسلامي ، قال : وفي أبي عمرو بن العلاء يقول الفرزدق :

ما زلت أغلق أبوابا وأفتحها

حتى أتيت أبا عمرو بن عَمّار

قال الأصمعي : سألت أبا عمرو بن العلاء عن قولهم (أرهبته ورهّبته) فقال : ليسا سواء ، فقلت : رهّبته فرّقته ، وأرهبته أدخلت الفرق في قلبه ، قال أبو عمرو : ذهب من يعرف هذا منذ ثلاثين سنة .

وقال ابن مناذر : سألت أبا عمرو بن العلاء : حتى متى يحسن بالمرء أن يتعلم ؟ قال : ما دامت الحياة تحسن به .

وقال أبو عمرو : حدثنا قتادة السدوسي قال : لمّا كتب المصحف عرض على عثمان بن عفان رضي الله عنه فقال : إن فيه لحنا ولتقيمنّه العرب بألسنتها . وكان أبو عمرو إذا دخل شهر رمضان لم ينشد بيت شعر حتى ينقضي .

نور القبس المختصر من المقتبس للمرزباني : ٢٥ : (مرّ الحسن وحلقته متوافرة والناس عكوف ، فقال : من هذا ؟ فقالوا : أبو عمرو . قال : لا إله إلا الله كاد العلماء أن يكونوا أرباباً . وقال أبو عمرو : كان سعيد بن جبير إذا رآني

٤٤٧
 &

بمكة قاعدا مع الشباب ناداني : يا أبا عمرو قم عن هؤلاء وعليك بالشيوخ .

ودخل يونس بن حبيب على أولاد أبي عمرو معزيا لهم فقال :

نعزكم وأنفسنا عمن لا

نرى شبها له أخرى الزمان

والله لو قُسِم عِلمُ أبي عمرو رحمه الله وزهده على مئة إنسان لكانوا علماء زُهّادا ، والله لو رآه رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم لسرّه ما هو عليه .

٤٤٨
 &

ملحق رقم (٢٦)

سير أعلام النبلاء للذهبي ٦ : ٣٢٥ ت ١٣٨ : الإمام ، العلامة ، الحافظ شيخ الحرم ، أبو خالد ، وأبو الوليد القرشي الأموي ، المكي ، صاحب التصانيف ، وأول من دون العلم بمكة .

قال عبد الله بن أحمد : قلت لأبي : من أول من صنف الكتب ؟ قال : ابن جريج ، وابن أبي عروبة .

وروى علي بن المديني ، عن عبد الوهاب بن همام ، عن ابن جريج قال : أتيت عطاء وأنا أريد هذا الشأن ، وعنده عبد الله بن عبيد بن عمير ، فقال لي ابن عمير : قرأت القرآن ؟ قلت : لا . قال : فاذهب فاقرأه ثم اطلب العلم . فذهبت ، فغبت زمانا حتى قرأت القرآن ، ثم جئت عطاء ، وعنده عبد الله ، فقال : قرأت الفريضة ؟ قلت : لا . قال : فتعلم الفريضة ، ثم اطلب العلم . قال : فطلبت الفريضة ، ثم جئت . فقال : الآن فاطلب العلم ، فلزمت عطاء سبع عشرة سنة .

قلت ـ الذهبي ـ : من يلزم عطاء هذا كله ، يغلب على الظن أنه قد رأى أبا الطفيل الكناني بمكة ، لكن لم نسمع بذلك ، ولا رأينا له حرفا عن صحابي .

وروى عبد الرزاق ، عن ابن جريج قال : اختلفت إلى عطاء ثماني عشرة سنة ، وكان يبيت في المسجد عشرين سنة .

قال ابن عيينة : سمعت ابن جريح يقول : ما دون العلم تدويني أحد .

٤٤٩
 &

وقال : جالست عمرو بن دينار بعد ما فرغت من عطاء تسع سنين .

وروى حمزة بن بهرام ، عن طلحة بن عمرو المكي ، قال : قلت لعطاء : من نسأل بعدك يا أبا محمد ؟ قال : هذا الفتى إن عاش (يعني ابن جريج) .

وروى إسماعيل بن عياش ، عن المثنى بن الصباح وغيره ، عن عطاء بن أبي رباح قال : سيد شباب أهل الحجاز ابن جريج ، وسيد شباب أهل الشام سليمان بن موسى ، وسيد شباب أهل العراق حجاج بن أرطاة .

قال علي بن المديني : نظرت فإذا الإسناد يدور على ستة ، فذكرهم ، ثم قال : صار علمهم إلى أصحاب الأصناف ، ممن صنف العلم منهم من أهل مكة ابن جريج يكنى أبا الوليد ، لقي ابن شهاب ، وعمرو بن دينار . يريد من الستة المذكورين .

قال الوليد بن مسلم : سألت الأوزاعي ، وسعيد بن عبد العزيز ، وابن جريج : لمن طلبتم العلم ؟ كلهم يقول : لنفسي : غير أن ابن جريج فإنه قال : طلبته للناس . قلت : ما أحسن الصدق ! واليوم تسأل الفقيه الغبي : لمن طلبت العلم ؟ فيبادر ويقول : طلبته لله ، ويكذب إنما طلبه للدنيا ، ويا قلة ما عرف منه .

قال علي : سألت يحيى بن سعيد : من أثبت من أصحاب نافع ؟ قال : أيوب ، وعبيد الله ، ومالك ، وابن جريج أثبت من مالك في نافع .

وروى صالح بن أحمد بن حنبل ، عن أبيه ، قال : عمرو بن دينار ، وابن جريج أثبت الناس في عطاء .

وروى أبو بكر بن خلاد ، عن يحيى بن سعيد قال : كنا نسمي كتب ابن

٤٥٠
 &

جريج كتب الأمانة ، وإن لم يحدثك ابن جريج من كتابه لم تنتفع به .

وروى الأثرم ، عن أحمد بن حنبل قال : إذا قال ابن جريج : قال فلان وقال فلان ، وأخبرت ، جاء بمناكير . وإذا قال : أخبرني ، وسمعت فحسبك به .

وروى الميموني عن أحمد : إذا قال ابن جريج : (قال) فاحذره . وإذا قال : (سمعت أو سألت) ، جاء بشيء ليس في النفس منه شيء . كان من أوعية العلم .

قال عبد الرزاق : قدم أبو جعفر (يعني الخليفة) مكة ، فقال : اعرضوا علي حديث ابن جريج ، فعرضوا فقال : ما أحسنها لولا هذا الحشو ـ يعني قوله : (بلغني) ، و (حدثت) ـ .

قال أحمد بن سعد بن أبي مريم ، عن يحيى بن معين : ابن جريج ثقة في كل ما روي عنه من الكتاب .

وقال أبو زرعة الدمشقي ، عن أحمد بن حنبل قال : روى ابن جريج عن ست عجائز من عجائز المسجد الحرام ، وكان صاحب علم .

وقال جعفر ابن عبد الواحد ، عن يحيى بن سعيد قال : كان ابن جريج صدوقا . فإذا قال : حدثني فهو سماع ، وإذا قال : أنبأنا أو أخبرني ، فهو قراءة وإذا قال : (قال) . فهو شبه الريح .

وقال عبد الرحمان بن مهدي ، عن سفيان : أعياني ابن جريج أن أحفظ حديثه .

فنظرت إلى شيء يجمع فيه المعنى ، فحفظته ، وتركت ما سوى ذلك .

قال سليمان بن النضر الشيرازي ، عن مخلد بن الحسين قال : ما رأيت خلقا من خلق الله أصدق لهجة من ابن جريج ، وروى أحمد بن حنبل ، عن

٤٥١
 &

عبد الرزاق قال : ما رأيت أحدا أحسن صلاة من ابن جريج .

حدثنا عبد الرزاق قال : أهل مكة يقولون : أخذ ابن جريج الصلاة من عطاء ، وأخذها عطاء من ابن الزبير ، وأخذها ابن الزبير من أبي بكر وأخذها أبو بكر من النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم .

قلت : وكان ابن جريج يروي الرواية بالإجازة ، وبالمناولة ويتوسع في ذلك ، ومن ثم دخل عليه الداخل في رواياته عن الزهري ، لأنه حمل عنه مناولة ، وهذه الأشياء يدخلها التصحيف . ولا سيما في ذلك العصر ، لم يكن حدث في الخط بعد شكل ولا نقط .

قال أبو غسان زنيج : سمعت جريرا الضبي يقول : كان ابن جريج يرى المتعة ، تزوج بستين امرأة . وقيل : إنه عهد إلى أولاده في أسمائهن لئلا يغلط أحد منهم ويتزوج واحدة مما نكح أبوه بالمتعة .

قال عبد الوهاب بن همام ، قال ابن جريج : كنت أتتبع الأشعار العربية والأنساب . فقيل لي : لو لزمت عطاء . فلزمته .

وقال يحيى القطان : لم يكن ابن جريج عندي بدون مالك في نافع ، وقال علي بن عبد الله : لم يكن في الارض أحد أعلم بعطاء من ابن جريج .

قال عبيد الله العيشي ، حدثنا بكر بن كلثوم السلمي قال : قدم علينا ابن جريج البصرة ، فاجتمع الناس عليه فحدث عن الحسن البصري بحديث ، فأنكره عليه الناس ، فقال : ما تنكرون علي فيه ؟ قد لزمت عطاء عشرين سنة فربما حدثني عنه الرجل بالشيء لم أسمعه منه ، ثم قال العيشي : سمى ابن جريج في ذلك اليوم محمد بن جعفر غندرا ، وأهل الحجاز يسمون المشغب غندرا .

٤٥٢
 &

قال ابن معين : لم يلق ابن جريج وهب بن منبه .

وقال أحمد بن حنبل : لم يلق عمرو بن شعيب في زكاة مال اليتيم ، ولا أبا الزناد .

قلت ـ الذهبي ـ : الرجل في نفسه ثقة ، حافظ ، لكنه يدلس بلفظة (عن) و (قال) قد كان صاحب تعبد وتهجد ، وما زال يطلب العلم حتى كبر وشاخ . وقد أخطأ من زعم أنه جاوز المئة ، بل ما جاوز الثمانين ، وقد كان شابا في أيام ملازمته لعطاء . وقد كان شيخ الحرم بعد الصحابة : عطاء ، ومجاهد وخلفهما : قيس بن سعد ، وابن جريج ، ثم تفرد بالإمامة ابن جريج ، فدون العلم ، وحمل عنه الناس ، وعليه تفقه مسلم بن خالد الزنجي ، وتفقه بالزنجي الإمام أبو عبد الله الشافعي . وكان الشافعي بصيرا بعلم ابن جريج ، عالما بدقائقه . وبعلم سفيان بن عينة . وروايات ابن جريج وافرة في الكتب الستة وفي مسند أحمد ومعجم الطبراني الأكبر ، وفي الإجزاء .

قال عبد الرزاق : كنت إذا رأيت ابن جريج ، علمت أنه يخشى الله .

قال أبو عاصم النبيل : كان ابن جريج من العباد . كان يصوم الدهر سوى ثلاثة أيام من الشهر . وكان له امرأة عابدة . قال محمد بن عبد الله بن الحكم ، سمعت الشافعي يقول : استمتع ابن جريج بتسعين امرأة ، حتى إنه كان يحتقن في الليل بأوقية شيرج طلبا للجماع . وروي عن عبد الرزاق قال : كان ابن جريج يخضب بالسواد ، ويتغلّى بالغالية ، وكان من ملوك القرّاء ، خرجنا معه وأتاه سائل ، فناوله دينارا . وبه قال أبو إسحاق ، قال ابن جريج : ما دون هذا العلم تدويني أحد ، جالست عمرو بن دينار بعد ما فرغت من عطاء سبع

٤٥٣
 &

سنين . وقال : لم يغلبني على يسار عطاء عشرين سنة أحد ، فقيل له : فما منعك عن يمينه ؟ قال : كانت قريش تغلبني عليه . قتل : قد قدم عبد الملك بن جريج إلى العراق قبل موته ، وحدث بالبصرة وأكثروا عنه .

٤٥٤
 &

ملحق رقم (٢٧)

سير أعلام النبلاء ٨ : ٤٥٤ ت ١٢٠ : سفيان بن عيينة . الإمام الكبير حافظ العصر ، شيخ الإسلام . طلب الحديث وهو حدث بل غلام ، ولقي الكبار وحمل عنهم علما جما ، وأتقن ، وجوّد ، وجمع ، وصنّف ، وعمّر دهرا وازدحم الخلق عليه ، وانتهى إليه علو الإسناد ، ورحل إليه من البلاد ، وألحق الأحفاد بالأجداد . ولقد كان خلق من طلبة الحديث يتكلفون الحج ، وما المحرك لهم سوى لقي سفيان بن عيينة لإمامته وعلو إسناده . وجاور عنده غير واحد من الحفاظ . ومن كبار أصحابه المكثرين عنه : الحميدي ، والشافعي ، وابن المديني ، وأحمد ، وإبراهيم الرمادي .

قال الإمام الشافعي : لولا مالك وسفيان بن عيينة لذهب علم الحجاز .

وعنه قال : وجدت أحاديث الأحكام كلها عند ابن عيينة سوى ستة أحاديث ، ووجدتها كلها عند مالك سوى ثلاثين حديثا . فهذا يوضح لك سعة دائرة سفيان في العلم ، وذلك لأنه ضم أحاديث العراقيين إلى أحاديث الحجازيين . وارتحل ولقي خلقا كثيرا ما لقيهم مالك . وهما نظيران في الإتقان ولكن مالكا أجل وأعلى ، فعنده نافع ، وسعيد المقبري .

قال عبد الرحمان بن مهدي : كان ابن عيينة من أعلم الناس بحديث الحجاز .

وقال أبو عيسى الترمذي : سمعت محمدا (يعني البخاري) يقول : ابن عيينة أحفظ من حماد بن زيد . قال حرملة : سمعت الشافعي يقول : ما رأيت أحدا فيه

٤٥٥
 &

من آلة العلم ما في سفيان بن عيينة ، وما رأيت أكف عن الفتيا منه .

قال : وما رأيت أحدا أحسن تفسيرا للحديث منه .

قال عبد الله بن وهب : لا أعلم أحدا أعلم بتفسير القرآن من ابن عيينة .

وقال : أحمد بن حنبل أعلم بالسنن من سفيان .

قال وكيع : كتبنا عن ابن عيينة أيام الأعمش .

قال علي بن المديني : ما في أصحاب الزهري أحد أتقن من سفيان بن عيينة .

قال ابن عيينة : حج بي أبي وعطاء بن أبي رباح حي .

وقال أحمد بن عبد الله العجلي : كان ابن عيينة ثبتا في الحديث ، وكان حديثه نحوا من سبعة آلاف ، ولم تكن له كتب .

قال بهز بن أسد : ما رأيت مثل سفيان بن عيينة . فقيل له : ولا شعبة ؟ قال : ولا شعبة .

قال يحيى بن معين : هو أثبت الناس في عمرو بن دينار .

وقال ابن مهدي : عند ابن عيينة من معرفته بالقرآن وتفسير الحديث ، ما لم يكن عند سفيان الثوري .

أخبرنا أبو يعلى الخليلي . سمعت البويطي : سمعت الشافعي يقول : أُصول الأحكام نيف وخمس مئة حديث ، كلها عند مالك إلا ثلاثين حديثا ، وكلها عند ابن عيينة إلا ستة أحاديث . رواته ثقات .

سمعت أحمد بن النضر الهلالي : سمعت أبي يقول : كنت في مجلس سفيان

٤٥٦
 &

بن عيينة ، فنظر إلى صبي ، فكأن أهل المسجد تهاونوا به لصغره ، فقال سفيان : كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم . ثم قال : يا نضر لو رأيتني ولي عشر سنين ، طولي خمسة أشبار ، ووجهي كالدينار ، وأنا كشعلة نار ، ثيابي صغار وأكمامي قصار ، وذيلي بمقدار ، ونعلي كآذان الفار ، أختلف إلى علماء الأمصار ، كالزهري وعمرو بن دينار ، أجلس بينهم كالمسمار ، محبرتي كالجوزة ومقلمتي كالموزة ، وقلمي كاللوزة ، فإذا أتيت ، قالوا : أوسعوا للشيخ الصغير . ثم ضحك .

في صحة هذا نظر ، وإنما سمع من المذكورين وهو ابن خمس عشرة سنة أو أكثر .

قال أحمد بن حنبل : دخل سفيان بن عيينة على معن بن زائدة (يعني أمير اليمن) ولم يكن سفيان تلطخ بعد بشيء من أمر السلطان ، فجعل يعظه .

قال علي بن حرب الطائي : سمعت أبي يقول : أحب أن تكون لي جارية في غنج سفيان بن عيينة إذا حدث .

قال رباح بن خالد الكوفي : سألت ابن عيينة فقلت : يا أبا محمد ، إن أبا معاوية يحدث عنك بشيء ليس تحفظه اليوم ، وكذلك وكيع . فقال : صدقهم فإني كنت قبل اليوم أحفظ مني اليوم . قال محمد بن المثنى العنزي : سمعت ابن عيينة يقول ذلك لرباح في سنة إحدى وتسعين ومئة .

قال حامد بن يحيى البلخي : سمعت ابن عيينة يقول : رأيت كأن أسناني سقطت ، فذكرت ذلك للزهري ، فقال : تموت أسنانك ، وتبقي أنت . قال : فمات أسناني وبقيت أنا ، فجعل الله كل عدو لي محدثا .

٤٥٧
 &

قلت : قال هذا من شدة ما كان يلقى من ازدحام أصحاب الحديث عليه حتى يبرموه .

قال غياث بن جعفر : سمعت ابن عيينة يقول : أول من أسندني إلى الاسطوانة مسعر بن كدام ، فقلت له : إني حدث . قال : إن عندك الزهري وعمرو بن دينار .

قال أبو محمد الرامهرمزي : حدثنا موسى بن زكريا ، حدثنا زياد ابن عبد الله بن خزاعي ، سمعت سفيان بن عيينة يقول : كان أبي صيرفيا بالكوفة فركبه دين فحملنا إلى مكة ، فصرت إلى المسجد ، فإذا عمرو بن دينار ، فحدثني بثمانية أحاديث ، فأمسكت له حماره حتى صلى ، وخرج ، فعرضت الأحاديث عليه ، فقال : بارك الله فيك .

وروى أبو مسلم المستملي : قال ابن عيينة : سمعت من عمرو ما لبث نوح في قومه ، يعني تسع مئة وخمسين سنة .

قال مجاهد بن موسى : سمعت ابن عيينة يقول : ما كتبت شيئا إلا حفظته قبل أن أكتبه .

قال ابن المبارك : سئل سفيان الثوري عن سفيان بن عيينة ، فقال : ذاك أحد الأحدين ، ما أغربه .

وقال ابن المديني : قال لي يحيى القطان . ما بقي من معلمي أحد غير سفيان بن عيينة ، وهو إمام منذ أربعين سنة .

وقال علي : سمعت بشر بن المفضل يقول : ما بقي على وجه الأرض أحد يشبه ابن عيينة .

٤٥٨
 &

وحكى حرملة بن يحيى أن ابن عيينة قال له وأراه خبز شعير : هذا طعامي منذ ستين سنة .

الحميدي ، سمع سفيان يقول : لا تدخل هذه المحابر بيت رجل إلا أشقى أهله وولده .

وقال سفيان مرة لرجل : ما حرفتك ؟ قال : طلب الحديث . قال : بشر أهلك بالإفلاس .

وروى علي بن الجعد عن ابن عيينة قال : من زيد في عقله ، نقص من رزقه .

ونقل سنيد بن داود عن ابن عيينة قال : من كانت معصيته في الشهوة فارج له ، ومن كانت معصيته في الكبر فاخش عليه ، فإن آدم عصى مشتهيا فغفر له ، وإبليس عصى متكبرا فلعن .

ومن كلام ابن عيينة قال : الزهد : الصبر ، وارتقاب الموت . وقال : العلم إذا لم ينفعك ، ضرك .

قال عثمان بن زائدة : قلت لسفيان الثوري : ممن نسمع ؟ قال : عليك بابن عيينة ، وزائدة .

قال نعيم بن حماد : ما رأيت أحدا أجمع لمتفرق من سفيان بن عيينة .

وقال علي بن نصر الجهضمي : حدثنا شعبة بن الحجاج قال : رأيت ابن عيينة غلاما ، مع ألواح طويلة عند عمرو بن دينار ، وفي أذنه قرط ، أو قال : شنف .

وقال ابن المديني : سمعت ابن عيينة يقول : جالست عبد الكريم الجزري

٤٥٩
 &

سنتين ، وكان يقول لأهل بلده : انظروا إلى هذا الغلام يسألني وأنتم لا تسألوني .

قال ذؤيب بن عمامة السهمي : سمعت ابن عيينة يقول : سمعت من صالح مولى التوأمة هكذا وهكذا ، وأشار بيديه ـ يعني كثرة سمعت منه ـ ، ولعابه يسيل ، فقال عبد الرحمان بن أبي حاتم : فلا نعلمه روى عنه شيئا ، كان منتقدا للرواة .

قال علي : سمعت سفيان يقول : عمرو بن دينار أكبر من الزهري ، سمع من جابر ، وما سمع الزهري منه .

قال أحمد بن سلمة النيسابوري : حدثنا سليمان بن مطر ، قال : كنا على باب سفيان بن عيينة ، فاستأذنا عليه ، فلم يأذن لنا ، فقلنا : ادخلوا حتى نهجم عليه ، قال : فكسرنا بابه ، ودخلنا وهو جالس ، فنظر إلينا ، فقال : سبحان الله ، دخلتم داري بغير إذني ، وقد حدثنا الزهري عن سهل بن سعد أن رجلا اطلع في جحر ، من باب النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، ومع النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم مدریً يحك به رأسه ، فقال : لو علمت أنك تنظرني ، لطعنت بها في عينك ، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر . قال : فقلنا له : ندمنا يا أبا محمد . فقال : ندمتم ؟ حدثنا عبد الكريم الجزري عن زياد ، عن عبد الله بن معقل ، عن عبد الله بن مسعود ، أن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال : الندم توبة . اخرجوا فقد أخدتم رأس مال ابن عيينة .

قال محمد بن يوسف الفريابي : كنت أمشي مع ابن عيينة ، فقال لي : يا محمد ، ما يزهدني فيك إلا طلب الحديث . قلت : فأنت يا أبا محمد ، أي شيء

٤٦٠