إعلام الخلف - ج ٣

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ٣

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

القرآن ما لم يختلف المسلمون فيه بعد ، وهما : المعوذتان .

وقال : ونسي ما كان يقرأ النبي صلی الله عليه [ وآله ] وسلم ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ) (١) وإذا جاز على عبد الله أن ينسى مثل هذا في الصلاة خاصة ، كيف لا يجوز مثله في رفع اليدين ؟! (٢) .

ولا بأس باضافة ابن عبد الهادي فيمن أقر بانكار ابن مسعود للمعوذتين وإن كان يرى أن سبب إنكار ابن مسعود للقرآن هو نسيانه لهما .

(الشيخ عدنان بن عبد القادر)

وهذا وهابي آخر قال في كتبيه براءة السلف :

لو صحت هذه القراءة عند شريح عن ابن مسعود ، فإن ابن مسعود عنده قراءات اعتبرها بعض السلف شاذة كقراءته (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) في كفارة اليمين ، بالإضافة إلى إنكار ابن مسعود لسورتي المعوذتين أن تكون من القرآن في بداية الأمر (٣) . إذ روى الحميدي بسند حسن عن زر بن حبيش قال : (سألت أُبيّ بن كعب عن المعوذتين فقلت : يا أبا المنذر إن أخاك ابن

___________

(١) الليل : ٣ .

(٢) مختلف الحديث بين المحدثين والأُصوليين والفقهاء لأسامة بن عبد الله الخياط ، : ٢٥٦ ـ ٢٥٧ ط . دار الفضيلة .

(٣) قال (بداية الأمر) ليشعر القارئ أن ابن مسعود رجع عن قوله ! ، ولكن هذا الأسلوب لا يخفی على القارئ النبيه .

٣٢١
 &

مسعود يحكهما (المعوذتين) من المصحف . فقال أبي : إني سألت رسول الله صلی الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال رسول الله صلی الله عليه [ وآله ] وسلم قيل لي : (قل) فقلت . قال أبي : فنحن نقول كما قال رسول الله صلی الله عليه [ وآله ] وسلم) .

ثم قال : فإن كان الأمر كذلك ، لم تثبت عند شريح هذه القراءة إما لعدم أن ابن مسعود قرأ بها ، أو علم بذلك ولكن لمخالفة ابن مسعود للمصحف العثماني ساغ له مخالفته (١) .

(عثمان الخميس)

هذا الوهابي الذي عودنا على جهله وكذبه ، أراد الله عزّ وجلّ أن يكشف سوءته وفضحه بلسانه ، فما ختم شريطه الذي يتهم فيه الشيعة بتحريف القرآن حتى أعماه الله وأصمه وأكبه على منخريه من حيث لا يشعر وقد قال ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) (٢) ، قال هذا الوهابي عن آية الرجم التي الصقها عمر بن الخطاب بالقرآن :

آية الرجم وهي قوله تعالى أو ما يذكر فيها (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة) فهذه أولا قراءة آحادية شاذة لم تثبت قرآنا (٣) .

___________

(١) براءة السلف مما نسب إليهم من انحراف في الاعتقاد للشيخ عدنان بن عبد القادر : ٩ .

(٢) الأعراف : ١٨٢ .

(٣) الوجه الثاني من شريط (الشيعة والقرآن) ، والعجيب أن هذا الوهابي ذكر هذا الكلام في

=

٣٢٢
 &

فإذن لم تثبت قرآنا ! لكن عمر أثبتها ونسبها على نحو الجزم ، فمن المحرف إذن ؟ ، فإما عمر الذي أثبت ما ليس من القرآن فيه ، وإما (عثمان . خ) الذي نفى قرآنية ما هو منه .

(كل من قال بصحة روايات البخاري)

كل من قال : إن كتاب البخاري لا توجد فيه رواية مخرجة إلا وهي صحيحة يلزمه الاعتراف بإنكار ابن مسعود للمعوذتين ؛ لأن البخاري أخرج ذلك في صحيحه في موضعين ، كما بينا .

والحمد لله أن علماء أهل السنة لم يغفلوا عما هرج به سلفهم الصالح من اعتقاد تحريف القرآن وجهرهم بتخطئته وجعله غرضا لسهامهم حتى مزقوه كل ممزق ، وكيف يُغفل عن أقوالهم ؟! وهؤلاء المحرفون هم أساطين المذهب وعلى عواتقهم قامت أركانه وشيد بناؤه .

ولكن أهل السنة لم ولن يجروا عليهم ما أملاه القرآن ـ بزعمهم ـ من تكفير من أنكر حرفا واحدا من القرآن أو زاده ؛ لأن تكفير هؤلاء المتلاعبين المحرفين سينحدر وينجر على الجميع في نهاية المطاف ، الرؤوس والأذناب ، فيكفر المكفِّر نفسه ، وما أعظمها من مصيبة ! ومخالفة القرآن في هذا الحكم خير لهم من موافقته .

___________

=

مقام التمثيل لمنسوخ تلاوة !! وهذا من أعجب الجهل ! لأن منسوخ التلاوة مفروغ من قرآنيته وإلا كيف يكون تلاوة ؟! ، ومع ذلك يقول (لم تثبت قرآنا) ، فأي ضلال بعد هذا ؟!

٣٢٣
 &

إعلام الخلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السلف

٣٢٤
 &

الخاتمة

أتممنا بحمد الله تعالى مباحث تحريف القرآن عند أهل السنة بأصنافه المتنوعة التي استقرأناها الواحد تلو الآخر ، وابتدأنا بعلوم القرآن التي نسبوها له وبينا كيف استفدنا منها تحريف القرآن ، ومن ثم عرجنا على التحريف الصريح .

أما على مستوى علوم القرآن فقد بينا سابقا أن عقيدتهم في الأحرف السبعة ليست إلا دعوة عريضة لتحريف القرآن ، بإلحاق ما يلهج به الناس وما ينبع من أمزجتهم لله عزّ وجلّ ولقرآنه المنزل ، إذ على ضوء الأحرف السبعة يجوز تغيير ألفاظ القرآن بشرط المحافظة على المعنى السياقي للآيات ! ، وأما الشيعة الإمامية فيرونها مهزلة وفرية على الله عزّ وجلّ وعلى كتابه .

ثم عقبنا بجمع القرآن وقلنا : إن أهل السنة يعتقدون أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلم ترك القرآن مبعثرا مكتوبا في الصحف ، وعلى الحجارة وعلى عظام أكتاف الإبل وغيرها ، فتكفل نفر من الصحابة بجمعه بطريقة ساذجة مريبة ، إذ كان كافيا لإلحاق الجمل في القرآن أن يأتي رجل بعدة جمل ثم يشهد عليها آخر ، ويأتي آخر بآيات متفرقة من هنا وهناك مبعثرة في السور ، فيشهد آخر على أنها من القرآن فتدمج في المصحف ، وهكذا ! ، وكان هذا المقدار كافيا في نظر أهل السنة للحكم بقرآنية تلك الجمل .

وقد بيّنا أن هذا الجمع لا يعصم الجامعين من إسقاط بعض الآيات ولا أقل من أنه يجعل القول بعدم تمامية الجمع وفقدان بعض الآيات أمرا

٣٢٥
 &

معقولا ، إذ لعل بعض الآيات لم يتوفر لها شاهدان أو لم تخطر تلك الآيات في بال أحدهم حال الجمع ، وهذا الاحتمال يقوى وتزداد درجته عندما نتصور اتيان كل فرد بآيات متفرقة من القرآن لدمجها فيه على بساطة ذلك الجمع وسذاجته ، ناهيك عن أن سقوط الآيات وسهو الجامعين عنها قد تحقق وحصل ـ كما أخرجه البخاري ـ حتى وجدت بعد ثلاث عشرة سنة تقريبا على يد خزيمة بن ثابت ، وعليه فما يدرينا ، لعله سقط أكثر من هذه الآيات ، ولكنهم إلى يومنا هذا لم يجدوها ؟!

هذا قولهم بالنسبة للجمع الأول ، أما بالنسبة للجمع الثاني في زمن عثمان فقال علماء أهل السنة : أن عثمان قام بحرق ستة أحرف من القرآن وكان هذا الحرق والإلغاء لستة أمثال القرآن بلا مستند شرعي ، وهو التحريف الذي لا مرية فيه .

وأما الشيعة الإمامية فيقولون : إن هذا المصحف جمع تحت إشراف ومراقبة الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان تنسيقه وترتيب آياته من قبله صلى الله عليه وآله وسلم بتأييد وتسديد من السماء ، وكان قد اتخذ للوحي كتبة يأمرهم بوضع الآيات التي يريدها في الأماكن التي يريدها صلى الله عليه وآله وسلم ، فلا اجتهاد للصحابة في ذلك ، بل كله توقيف في توقيف ، وما فعله عثمان ليس إلا نزعا لفتيل الاختلاف وردما لمنابع الفرقة بين القراء ، لا أنه حرّف القرآن بحذف ستة أضعافه كما يزعم أهل السنة .

ثم تكلمنا عن موقف علمائهم من القراءات التي شذ بها بعض سلفهم الصالح فاتخذها قرآنا أنزله الله تعالى ، وذكرنا موقف علمائهم منها

٣٢٦
 &

وحكمهم بأن تلك الزيادات ليست من القرآن في شيء ، بل القرآن متواتر بكل ألفاظه ، وتلك الزيادات ليست متواترة ، وتصافقت أياديهم على هذا الأمر ، ثم عُدنا إكمالا للمسيرة فبينا في فصول لاحقة أن أكابر سلفهم من الصحابة والتابعين كانوا يقرأون القرآن ليلا ونهارا بقراءات شاذة مخالفة لنص ورسم المصحف العثماني ، وزاد بعضهم فقال عنها (هكذا والله نزلت) ! و (هذا هو القرآن) ! واشتهر عنهم ذلك حتى قيل (قراءة فلان) و (قراءة أبي فلان) (قراءة ابن فلانة) ، فمن نصدّق ؟! ، سلفهم يقولون : هو قرآن وعلماؤهم يقولون ليس بقرآن قطعا !! ، فمن المتلاعب المحرّف ؟!

وأما الشيعة الإمامية فيرون أن القرآن واحد نزل من عند الواحد على نبي واحد والتلاعب جاءنا به فلتات الزمان وعباقرة الدهر من محترفي القراءة من السلف ، وهذا القرآن نزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وله شكل واحد ، وهو بعينه الموجود في بيوت المسلمين شرقا وغربا ، وهم بذلك تبع لأئمة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام .

ومن بعد مبحث القراءات بينا شيئا اسمه نسخ التلاوة وأثبتنا بطلان وقوعه بالأدلة العديدة المتنوعة ، وأنه ليس إلا وجهاً ثانيا لعملة تحريف القرآن ، ونقلنا كلمات بعض علمائهم في نفيه وتبرئة القرآن منه ، ثم كشفنا بالضمن أنه كان ذريعة مخترعة لتغطية فضيحة روايات التحريف التي صحت عن ابن الخطاب وغيره ، ورويت في أصح كتبهم .

ثم دخلنا في موارد التحريف الصريح التي ذكرها كبار الصحابة ، واتضح أن سلفهم الصالح زودنا بقائمة فيها أربع سور مفقودة لم تكتب في

٣٢٧
 &

المصحف ، اثنتان منها نعرف نصهما وهما سورتا الحفد والخلع ، واثنتان منها غير معروفة إحداهما عِدل براءة والأخرى عِدل المسبحات ، وأضاف سلفهم الصالح لقائمة التحريف سورتي الفلق والناس فأنكرهما مرجع الصحابة في القرآن ومن علم بالعرضة الأخيرة للقرآن ابن مسعود ، وشك بها آخرون !

فتحصل مما ادعاه سلفهم الصالح وجود ست سور ، أربع منها ساقطة مفقودة والأخيرتان يرجى لهما السلامة ، وفي القلب ريب .

وذكرنا بعدها الجمل الركيكة والمقاطع السمجة السخيفة التي نسبها علماء أهل السنة للقرآن ، هكذا وبلا تواتر عدوا وبغيا ! وقلنا : إن تلك الموارد صريحة في التحريف سواء قبلنا نسخ التلاوة أم لم نقبله ؛ لأن التواتر مفقود فيها ، سواء لإثبات قرآنية تلك الجمل الركيكة الرديئة أم لإثبات نسخها ، والأمر بين أمرين : إما تحريف بالزيادة أو النقص .

ثم عقبنا بذكر تحريفهم للبسملة ، وأن أقوال علمائهم فيها لا تخلو إثباتا ونفيا من محرّف بالزيادة أو محرف بالنقص شاؤوا أم أبوا .

وبعدها ذكرنا القراءات الشاذ التي أشرنا إليها قبل قليل ، وتلاعبهم بآيات الله فيها .

ثم سردنا أسماء وأقوال من قال بتحريف القرآن من كبار صحابتهم ورموز تابعيهم وعلمائهم من كتبهم بالجزء والصفحة وبالطبعة أيضا .

وختمنا المقال بأقوال المعتبرين من علمائهم ورموز مذهبهم معترفين مقرّين مذعنين مسلّمين أن من خيرة السلف من الصحابة والتابعين من قال بتحريف القرآن ، واعتقده ودان لله عزّ وجلّ به ، وذكرنا نصوصهم في ذلك

٣٢٨
 &

من نفس كتبهم .

فتحصل من ذلك كله أن تحريف القرآن بشتى أنواعه وبجميع أشكاله وباختلاف أصنافه ، نبت في أرض أهل السنة ، وترعرع في بيوتهم ودب ودرج في صدورهم ، وكان التحريف في مذهبهم سوقا رواجا ، قرآنا يقرأ وعلماً يجتهد فيه ورأيا يستحسن ، اتباعا للهوى وتعويلا على المزاج وتضليلا للعوام بلا اعتبار أي قداسة للقرآن .

فمن الذي حرف وتلاعب ؟! ، ومن روج الفتن فألقى ظلال الشك على القرآن منذ قديم الزمن ودوّنها في الكتب والمصنفات حتى اغتر بها بعض نقلة الأخبار من الشيعة ؟! ، أغير سلفهم الصالح ؟! ، ثم من الذي شوه القرآن بمبانيه الكاسدة وأرائه الفاسدة ، وحشا علوم القرآن بمتهالكات هدفها انتشال سيرة سلفهم الغارقة في الكفر والزندقة على زعمهم ؟!

ومع هذا كله يطنطن من بين الخردوات العَطِنة بعض الوهابية قائلين بكل تبجح : لا تحرفوا القرآن يا شيعة ! . فيا موت زر إن الحياة ذميمةٌ .

٣٢٩
 &

إعلام الخلف بمن قال بتحريف القرآن من أعلام السلف

٣٣٠
 &

الفصل الثالث

الله عزّ وجلّ صان القرآن على يد الشيعة من التحريف

٣٣١
 &

تشهد مجريات تدوين القرآن التي مرت بنا على أن الذين قاموا بصيانة النص القرآني من التغيير والتحريف بتدوينه وترتيبه ونظم خطه هم الشيعة الإمامية بلا منازع (١) ، وهذا يحتاج لشيء من التذكير والإضافة ، ويتم هذا بسرد أحداث عملية تدوين كتاب الله العزيز بأيدي الحفظة والكتبة :

١ ـ أوّل من كتب القرآن الكريم وجمعه

مرّ الكلام فيما سبق أن أمير المؤمنين عليه السلام جاء القوم بالمصحف كاملا ، أي القرآن مع تنزيله ، وكان هذا أول مصحف جمع ليكون مرجع المسلمين ، يعول عليه عند اختلاف الناس مع ما فيه من خصوصية مهمة ، وهي اشتماله على تفسير الآيات الكريمة التي نزل بها جبرائيل عليه السلام ، فاشتمل هذا المصحف المبارك بين طياته القرآن وتفسيره وكلاهما من عند الله عزّ وجلّ ، ومما لا يخفى أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام إمام المسلمين وبالأخص الشيعة .

٢ ـ أوّل من جاهر وأمر بجمع المسلمين على القراءة المتواترة وحذف ما عداها

قد مرّ أن حذيفة بن اليمان هو أوّل من أشار على عثمان بنزع فتيل الفرقة بين المسلمين بتوحيد قراءتهم للقرآن بعد أن كفّر الناس بعضهم بعضا ، وأوضحنا أن مقتضى الجمع بين الروايات أن أول من دعا لهذا العمل

___________

(١) ستلاحظ من المصادر أن الخطاب في هذا المبحث موجه للشيعة فقط .

٣٣٢
 &

الجليل وأشار به على ابن الخطاب ثم على ابن عفان هو أمير المؤمنين أبو الحسنين عليهم السلام ، والذي جاهر به أمام الملأ هو أحد تلامذة الإمام علي عليه السلام وهو حذيفة بن اليمان رضوان الله تعالى عليه .

هذا الصحابي الجليل هو ممن التزموا موالاة آل البيت عليهم السلام طيلة حياتهم ، وكلماته التي سجّلها التاريخ تشهد له بذلك ، وقد وردت روايات عن أهل بيت العصمة عليهم الصلاة والسلام تنص على كون حذيفة بن اليمان رضوان الله تعالى عليه من الذين ثبتوا وتمسكوا بتوصيات الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ولم يخونوا الأمانة بموالاة واتباع العترة الطاهرة عليهم السلام من بعده (١) ، وآمنوا بأن العاصم من الضلال

___________

(١) أعيان الشيعة ٤ : ٥٩١ ، ترجمة حذيفة :

روى الكشي في ترجمة سلمان الفارسي ... عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام عن أبيه عن جدّه عن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : ضاقت الأرض بسبعة بهم ترزقون ، وبهم تنصرون وبهم تمطرون منهم : سلمان الفارسي والمقداد وأبو ذر وعمار وحذيفة رحمة الله عليهم ، وكان علي عليه السلام يقول : وأنا إمامهم ، وهم الذين صلّوا على فاطمة عليها السلام .

قال في ترجمة حذيفة : حدثني ابن مسعود ... عن أبي الحسن الرضا عليه السلام ذكر أن حذيفة لمّا حضرته الوفاة فكان آخر الليل قال لابنته : أي ساعة هذه ؟ قالت آخر الليل قال : الحمد لله الذي أبلغني هذا المبلغ ولم أوال ظالما على صاحب حق ، فبلغ زيد بن عبد الرحمان بن عبد بنون فقال : كذب والله ! لقد والى على عثمان ، فأجابه بعض من حضره أن عثمان والاه يا أخا زهرة ! والحديث منقطع .

=

٣٣٣
 &



___________

=

أقول : علق عليه السيد أبو القاسم الخوئي رضوان الله تعالى عليه في معجم رجال الحديث ٤ : ٢٤٦ ترجمة حذيفة رقم ٢٦١٨ : (الحديث غير منقطع إلا أن الرواية ضعيفة بالعباس بن هلال وهذه الرواية وإن كانت ضعيفة أيضا إلا أن جلالة حذيفة وولاءه لأمير المؤمنين عليه السلام واضحة ومشهورة ويأتي بعض ما يدل على ذلك في ترجمة المقداد) .

ثم تابع (وقال الكشّي في ترجمة عبد الله بن مسعود : سئل الفضل بن شاذان عن ابن مسعود وحذيفة فقال : لم يكن حذيفة مثل ابن مسعود لأن حذيفة كان زكيّا وابن مسعود خلط ووالى القوم ومال معهم وقال بهم :

وقال أيضاً : إن من السابقين الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين حذيفة وعدّ معه جماعة .

وقال في ترجمة ابن مسعود حدثني علي بن حسين بن علي بن فضّال حدثني ... عن أبي داود قال : حضرته عند الموت وجابر الجعفي عند رأسه فهم أن يحدث فلم يقدر ، قال : حمد بن جابر : اسأله ، فقلت : يا أبا داود حدثنا الحديث الذي أردت ، قال : حدثني عمران بن حصين الخزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر فلانا وفلانا أن يسلما على علي ـ عليه السلام ـ بإمرة المؤمنين ، فقالا : من الله أو من رسوله ؟! فقال : من الله ومن رسوله ، ثم أمر حذيفة وسلمان يسلّمان عليه ، ثم أمر المقداد فسلم وأمر بريدة أخي ـ وكان أخاه لأمه ـ فقال : أنكم سألتموني من وليكم بعدي وقد أخبرتكم به وقد أخذت عليكم الميثاق كما أخذ تعالى على بني آدم ( أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى ) (الأعراف : ١٧٢) ، وأيم الله لئن نقضتموها لتكفرن (الكشي) .

وفي رجال بحر العلوم الطباطبائي : حذيفة بن اليمان العبسي أبو عبد الله حليف الأنصار صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صحابي ابن صحابي شهد مع النبي صلى الله

=

٣٣٤
 &



___________

=

عليه وآله وسلم أحداً هو وأبوه .

وعد بعضهم حذيفة من الأركان الأربعة مكان أخيه عمّار آخى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينه وبينه في مؤاخاة المهاجرين والأنصار ، ثم ذكر خبر ضاقت الأرض بسبعة المتقدم ، ثم قال : وجلالة حذيفة وشجاعته وعلمه ونجدته وتمسكه بأمير المؤمنين عليه السلام ظاهرة بيّنة وهو من كبار الصحابة ، وروي عن حذيفة أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يسألونه عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن أقع فيه)

وقال أيضا : (ولاؤه وتشيّعه لأمير المؤمنين علي وأهل البيت عليهم السلام : يدل عليه ما مرّ في روايات الكشّي عند ذكر أقوال العلماء فيه المتضمّنة عدّ علي عليه السلام إياه من السبعة الذين بهم ينصرون وبهم يمطرون وأنه من جملة الذين صلّوا على فاطمة عليها السلام وأنه من الذين رجعوا إلى أمير المؤمنين عليه السلام إلى غير ذلك مما تضمنته تلك الأخبار ...

وقال الحاكم في المستدرك : حدثنا أبو الفضل الحسن بن يعقوب حدثنا يحيى بن أبي طالب حدثنا أبو محمد الزبيدي حدثنا العلاء بن صالح عن عدي بن ثابت عن أبي راشد قال : لمّا جاءت بيعة علي إلى حذيفة قال : لا أبايع بعده إلا أصعر أبتر ـ الأصعر والأبتر المعرض عن الحق الذاهب بنفسه والذليل ـ ومرّ إيصاؤه ابنيه بملازمة أمير المؤمنين عليه السلام وقتلهما معه بصفين .

قال في مروج الذهب ٢ : ٣٨٣ : (حذيفة بن اليمان وابناه : استشهد في ذلك اليوم (صفين) صفوان وسعد ابنا حذيفة بن اليمان ، وقد كان حذيفة عليلاً بالكوفة في سنة ست وثلاثين ، فبلغه قتل عثمان وبيعة الناس لعلي فقال : أخرجوني واعدوا (الصلاة جامعة) فوضع على المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي وعلى آله ، ثم قال : أيها الناس ، إن الناس قد

=

٣٣٥
 &

بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو التمسّك بالثقلين : كتاب الله وعترته عليهم السلام ، بنص الحديث المتواتر الذي أخرجه أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه (١) .

___________

=

بايعوا علياً ، فعليكم بتقوى الله وانصروا علياً وآزروه ، فوالله إنه لعلى الحق آخراً وأوّلا ، وإنه لخير من مضى بعد نبيكم ومن بقي إلى يوم القيامة ، ثم أطبق يمينه على يساره ، ثم قال : اللهم اشهد إني قد بايعت علياً ، وقال : الحمد لله الذي أبقاني إلى هذا اليوم ، وقال لابنيه صفوان وسعد : احملاني وكونا معه ، فستكون له حروب ، فإنه والله على الحق ، ومن خالفه على الباطل . ومات حذيفة بعد هذا اليوم بسبعة أيام ، وقيل : بأربعين يوماً .

(١) لا بأس هنا بالتنبيه على نقطة وهي أن حديث الثقلين ورد بألفاظ متقاربة ويعد حديث صحيح مسلم شاهدا على حديث مسند أحمد وغيره لذلك قال الألباني في سلسلته الصحيحة ٤ : ٣٥٦ ، ح ١٧٦١ بعد أن ذكر الحديث الشريف بهذه الصيغة (يا أيها الناس ! إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا ، كتاب الله وعترتي) قال الألباني : (قلت : لكن الحديث صحيح ، فإن له شاهدا من حديث زيد بن أرقم . .) فذكر نص حديث مسلم ، ثم ذكر حديث مسند أحمد والطبراني وهو بصياغة أخرى وقال (وإسناده صحيح ، رجاله رجال الصحيح) ، وذكر أيضا حديث مسند أحمد وهو بصياغة أخرى فقال (وهو إسناد حسن بالشواهد) ، وقال الشيخ شعيب أرنؤوط في تحقيقه لسير أعلام النبلاء للذهبي ٩ : ٣٦٥ : (وأخرجه مسلم في صحيحه ، ح ٢٤٠٨ فضائل الصحابة ، من حديث زيد بن أرقم مرفوعا بلفظ ...) فذكر لفظ مسند أحمد ، فكل هذا يدل على أن الحديث واحد لا تعارض بين طرقه وصيغه وليس الأمر كما حسب بعض الجهلة كـ (عثمان . خ) أن حديث صحيح مسلم ليس هو حديث أحمد أو الطبراني أو ابن أبي عاصم والطحاوي ، والمشكلة لم تنبع من الحقد فقط بل

=

٣٣٦
 &

٣ ـ من أملى القرآن وكان قيما على جمعه ونُسخ من مصحفه

هو أبي بن كعب كما مر ، فقد كان رضوان الله تعالى عليه مرجعا للصحابة الذين كتبوا القرآن عند اختلافهم في آياته ، وهو من وقف وقفة مشرفة دون أن يتلاعب في كتاب الله عزّ وجلّ ، فمرة بإلقاء الواو من آية ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ) (١) ، ومرات وكرات أبطل محاولات ابن الخطاب لتغيير بعض آيات القرآن .

وكان رضوان الله تعالى عليه من شيعة أمير المؤمنين عليه السلام الذين اعتصموا في بيت فاطمة عليه السلام مع جملة بني هاشم الذين رفضوا ما لفظته السقيفة ، فلم يبايع ابن أبي قحافة (٢) ، وكذا كان أبو ذر وعمار وسلمان والمقداد الذين تشتاق لهم الجنة ، كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مصنفات أهل السنة .

___________

=

من الجهل أيضا !! ، فالأمر كما ذكره الألباني عندما اعترض عليه البعض تصحيحه لحديث الثقلين (!!!) ، حيث قال : ٣٥٩ (وخطئه هو في استرواحه واعتماده عليه ، وعدم تنبهه للفرق بين الناشئ في هذا العلم ، والمتمكن فيه ، وهي غفلة أصابت كثيرا من الناس الذين يتبعون كل من كتب في هذا المجال ، وليست له قدم راسخة فيه ، والله المستعان) .

(١) التوبة : ٣٤ .

(٢) انظر ملحق رقم (٣٠) .

٣٣٧
 &

وكما ترى فإن الدور الرئيس في تدوين القرآن وحفظه من الضياع قام على أكتاف شيعية وهذا بالنسبة لحفظه بالخط الأول الذي كان خطوة أولى في تاريخ صيانة القرآن (١) ، وستمضي بنا أطوار صيانة القرآن من التحريف حتى نعلم أن كل رجالاتها من الشيعة ، وإليك البيان .

٤ ـ من حفظ كلمات المصحف من التحريف بتنقيطه نقط إعراب

التدرج التاريخي لوضع النقاط في الكتابة العربية كان على قسمين : أولهما (نقط الإعراب) بأن توضح نقاط على الأحرف تميّز حركة إعرابها ، كوضع نقطة في موضع معين على الحرف عوضا عن الضمّة والكسرة والسكون وما إلى ذلك ، أي أن النقاط كانت تعبر عن هذه الحركات (، ﹺ ، ﹸ) .

وثانيهما (نقط الإعجام) وهو وضع النقط المعروفة على الحروف لتتميز الحروف المتشابهة بالشكل كالباء ، والتاء ، والثاء ، والياء بعضها عن بعض (٢) .

وقد كان الشيعة الإمامية أبطال هذا المضمار ومرسيي قواعده ، فأوّل من نقط المصحف هو أبو الأسود الدؤلي رضوان الله تعالى عليه الشيعي المطيع لسيده أمير المؤمنين عليه السلام ، وهو أوّل من وضع علم النحو بتأسيس من

___________

(١) نعم ، أمر عثمان بجمع القرآن ، ولكن بعد طول عناء من الإمام علي عليه السلام ومن حذيفة ومن أبي بن كعب ، ولا ريب أن من تحرك وعمل بيديه هو الذي تكتب له الفضيلة لا من جلس في بيته ينظر بعينيه وقال : بعد أن انتهوا من عملهم إن في القرآن لحنا وأخطاء !

(٢) راجع مع القرآن الكريم للدكتور شعبان محمد إسماعيل : ٤٠٦ .

٣٣٨
 &

سيده الإمام علي عليه السلام وبإشارة منه (١) ، ولا يخفى دور علم النحو في الحفاظ على ألفاظ القرآن الكريم شكلا وإعرابا وبالتالي فهما وإدراكا لمعانيه ، فقام أبو الأسود رضوان الله تعالى عليه بتشييد علم النحو وذكر أصوله وشد أركانه ، ومن ثم عكف على خط القرآن الكريم تشكيلا وإعرابا حتى أمكن تثبيت ألفاظ النص القرآني وتحديد حركات الكلمة وإعرابها على الورق لا في مخيلة القارئ فقط معتمدا على حفظه ، فصارت تؤدّى ألفاظه على كيفية واحدة متطابقة بين جماهير المسلمين ، ويتلقاه الخلف عن السلف بهيئة واحدة ، وكان عمله هذا عاصما من شيوع التحريف والتبديل فيه على مستوى الإعراب .

ولا داعي لتبيان خطر ترك القرآن من غير تشكيل مكتوب ، وخلو كلماته من إعراب مدون على طول الزمن ، فإن ما حدث في زمن عثمان بين الصحابة أنفسهم كان كافيا لإثبات ذلك ، خاصة بعد كثرة الفتوحات في أقاصي الأرض ، وفي الثغور البعيدة عن العاصمة الإسلامية التي يندر وجود العرب فيها ، مما يجعل مثل هذا الضبط للنص القرآني حاجة ملحة وضرورية .

فكان عمل هذا الشيعي المجاهد عاصما للقرآن من التحريف والتبديل

___________

(١) بعض الكتاب يحاول عمدا أو جهلا نسبة تأسيس علم النحو لأبي الأسود ، وكأن الواقع التاريخي لا يثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام هو المؤسس الحقيقي له حين حصر الكلام في ثلاثة أقسام اسم وفعل وحرف ! ومن ثم أمر أبا الأسود أن ينحو هذا النحو ، ولهذا سمي النحو نحوا .

٣٣٩
 &

ومانعا من استمزاجات أصحاب الفلتات في مغايرة القراءة المتواترة وتزحزحهم عنها (١) ، فوُثّق القرآن بتوثيق قراءته المتواترة على يد أحد رجالات الشيعة الإمامية .

وهناك عدّة من المصادر التي تنصّ على أن أبا الأسود الدؤلي رحمه الله هو أول من نقّط المصحف نقط إعراب (٢) وبالأثناء تذكر تشيعه لأهل البيت عليهم السلام (٣) .

٥ ـ من أكمل تنقيط المصحف بنقط الإعجام

وتابع طريق أبي الأسود الدؤلي في نقط القرآن الكريم تلميذه يحيى بن يَعْمَر العدواني بنقط آخر ، وهو نقط الإعجام ، وهو من الشيعة الإمامية أيضاً ، ليكمل الله عزّ وجلّ حفظ كتابه وصيانة رسمه وسواده من التحريف والتبديل سواء من الحركات الإعرابية أو من النقاط على يد الشيعة الإمامية .

وقد قال البعض : أنه أوّل من نقط المصحف ، هو خلطٌ بين تنقيط الإعراب وتنقيط الإعجام ، فأوّل من نقّط القرآن تنقيط إعجام هو يحيى بن

___________

(١) نقول إن هذا النقط المعرب للقرآن يحد من تأثير ما يقرأ به بعض الناس على القراءة المتواترة على طول الزمن ، لأن القراءة المتواترة قد دوّنت وضبطت بالرسم ، وهذا يزيد من تأكيد القراءة المعروفة ونفي القراءات الهجينة الدخيلة .

(٢) كثير من الكُتّاب المحدثين خلطوا في تحديد أول من نقط المصحف بسبب عدم التمييز بين نقط الإعجام ونقط الإعراب ، حيث اعتبروهما أمرا واحدا .

(٣) انظر ملحق رقم (٣١) .

٣٤٠