إعلام الخلف - ج ٣

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ٣

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

يكتبهما في المصحف (١) .

وقال أُبيّ بن كعب رضي الله عنه جميع سور القرآن مئة وست عشرة سورة ، وإنما قال ذلك ؛ لأنه كان يعد القنوت سورتين : إحداهما من قوله : (اللهم إنا نستعينك) إلی قوله (من يفجرك) ، والثانية من قوله : (اللهم إياك نعبد) إلی قوله (ملحق) (٢) .

ونقل لنا العلامة البروسوي في الأثناء اعتراف الفقيه في البستان فالبروسوي والفقيه صاحب كتاب البستان ممن اعترفوا بأن ابن مسعود وأُبيّ بن كعب يدينون الله بتحريف القرآن .

(الإمام محمد الزبيدي الحنفي)

اعترف الزبيدي بأن ابن عباس كان يقول بوقوع التحريف في القرآن :

وكان ابن عباس يقرأ هذه الآية (حتى تستأذنوا) قال : ( تَسْتَأْنِسُوا ) (٣) خطأ من الكتاب ! (٤) .

___________

(١) وواضح أن كلامه في اشتباه ابن مسعود في أمر المعوذتين غير صحيح لأن ابن مسعود لم يكن مترددا في نفي قرآنية المعوذتين ، وكلامه يناقض نفسه لأنه قال في البداية عن ابن مسعود (لأنه كان لا يعد المعوذتين من القرآن) ! ، ولا غرابة في ذلك لأن كلامه الأخير ليس إلا امتصاصا لقوة الكلمة الأولى .

(٢) تفسير روح البيان ١٠ : ٥٤٢ ، ط دار إحياء التراث .

(٣) النور : ٢٧ .

(٤) تاج العروس ٤ : ١٠٠ ـ ١٠١ ، ط . مكتبة الحياة .

٣٠١
 &

(العلامة الإمام ابن كثير)

بعد أن ذكر ابن كثير الروايات التي تنص على إنكار ابن مسعود للمعوذتين ، وأنه كان يقوم بحكهما من المصحف ، ويدعي أنهما ليستا من كتاب الله ، سكت عنها ابن كثير ، وقال معترفا :

وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء وأن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ، فلعله يسمعهما من النبي صلّی الله عليه [ وآله ] وسلم ولم يتواتر عنده ، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلی قول الجماعة فإن الصحابة رضي الله عنهم أثبتوهما في المصاحف الائمة ، ونفذوها إلی سائر الآفاق كذلك ولله الحمد والمنة (١) .

ويكفينا اعتراف ابن كثير بأن ابن مسعود أنكر المعوذتين سواء كان السبب هو عدم سماعها من النبي صلی الله عليه وآله وسلم أو أي شيء آخر وأما قوله : لعله رجعه عن تحريفه ، فلا يسوى سماعه ! إذ ما ينفعنا الإحتمال والكل يمكنه احتمال أي شيء لأي شيء ؟!

(إمام الحفاظ ابن حجر العسقلاني)

اعترف الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري أن الإجماع لم يتحقق بين الصحابة على قرآنية المعوذتين ؛ لأن ابن مسعود أنكر قرآنيتهما ، فقال :

وأما قول النووي في شرح المهذب : (أجمع المسلمون على أن المعوّذتين

___________

(١) تفسير ابن كثير ٤ : ٦١١ ، ط . دار المعارف ـ بيروت .

٣٠٢
 &

والفاتحة من القرآن ، وأن من جهد منهما شيئا كفر ، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح) ، ففيه نظر .

ثم قال : والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل ، بل الرواية صحيحة والتأويل مقبول (١) ، والإجماع الذي نقله إن أراد شموله لكل عصر فهو مخدوش ، وإن أراد استقراره فهو مقبول (٢) .

ويكفينا خدش ابن حجر في تحقق الإجماع لإثبات إنكار البعض لقرآنية المعوذتين ، وبقرينة نظره في ادعاء النووي بطلان ما نقل من إنكار ابن مسعود المعوذتين نعلم أن منبع الخدش في هذا الإجماع هو إنكار ابن مسعود للمعوذتين .

وقد اعترف ابن حجر ضمنا بإنكار ابن مسعود للمعوذتين حينما مرر جوابا سخيفا حسب أنه تخلص به من إشكال الفخر الرازي ، فقال ابن حجر : وأجيب باحتمال أنه كان متواترا في عصر ابن مسعود ، لكن لم يتواتر عند ابن مسعود فانحلت العقدة بعون الله تعالى (٣) .

فابن حجر لم يدع انحلال عقدة التكفير إلا بعد تسليمه المسبق بإنكار ابن مسعود للمعوذتين وإلا لما وجدت العقدة ! ، ويكفينا اعترافه بإنكار ابن

___________

(١) أي إن فكرة تأويل كلام ابن مسعود أمر مقبول في نفسه ، وعدم إمكان تأويله لا يصحح الطعن في الروايات الصحيحة لقوله (والطعن في الروايات الصحيحة بغير مستند لا يقبل) .

(٢) فتح الباري ٨ : ٧٤٣ .

(٣) فتح الباري ٨ : ٧٤٣ ، وقد مر الجواب عن تخريج ابن حجر الفاسد وعدم معقوليته .

٣٠٣
 &

مسعود ، ولا يهمنا اثبات التكفير له !

وكذا أقر العسقلاني باعتقاد إمامهم الضحاك بن مزاحم تحريف القرآن ، فقال :

وتفسير ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا ) (١) بمعني وصّى منقول من مصحف أبي بن كعب . أخرجه الطبري وأخرجه أيضا من طريق قتادة قال : هي في مصحف ابن مسعود (ووصی) ومن طريق مجاهد في قوله ( وَقَضَىٰ ) قال : وأوصی . ومن طريق الضحاك أنه قرأ (ووصى) ، وقال : ألصقت الواو بالصاد فصارت قافا فقرئت (وقضی) . كذا قال ـ أي الضحاك ـ واستنكروه منه (٢) .

وسجل ابن حجر اعترافه أيضا على تحريف ابن عباس للقرآن بقوله : معناه حتی تستأنسوا بأن تسلموا ، وحكى الطحاوي أن الاستئناس في لغة اليمن الاستئذان . وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك ، فأخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح أن ابن عباس كان يقرأ (حتى تستأذنوا) ويقول : أخطأ الكتاب (٣) .

(الفقيه الإمام ابن حزم الأندسلي)

اعترف ابن حزم في كتابه الإحكام في أصول الإحكام بأن بعض كبار

___________

(١) الإسراء : ٢٣ .

(٢) فتح الباري ٨ : ٢٩٥ .

(٣) فتح الباري ١١ : ٧ .

٣٠٤
 &

الصحابة قد التزموا تحريف القرآن ودانوا به ، وهذا نص كلامه :

فإن ذكر ذاكر الرواية الثابتة بقراءات منكرة صححت عن طائفة من الصحابة رضي الله عنهم مثل ما روي عن أبي بكر الصديق (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الحَقِّ بالموتِ) . ومثل ما صح عن عمر من قراءة (صِراطَ مَنْ أَنعَمْتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المغْضُوبِ عَلَيهِمْ وَغَيْرِ الضَّالِّينَ) . ومن أن ابن مسعود لم يعد المعوذتين من القرآن . وأن أبيا رضي الله عنه كان يعد القنوت من القرآن ونحو هذا .

قلنا : كل ذلك موقوف على من روى عنه شيء ليس منه ، عن النبي صلّی الله عليه [ وآله ] وسلم البتة ، ونحن لا ننكر على من دون رسول الله صلّی الله عليه [ وآله ] وسلم الخطأ ، فقد هتفنا به هتفا ، ولا حجة فيما روي عن أحد دونه عليه السلام ولم يكلفنا الله تعالی الطاعة له ولا أمرنا بالعمل به ولا تكفل بحفظه ، فالخطأ فيه واقع فيما يكون من الصاحب فمن دونه ممن روى عن الصاحب والتابع ولا معارضة لنا بشيء من ذلك وبالله تعالی التوفيق

وإنما تلزم هذه المعارضة من يقول بتقليد الصاحب على ما صح عن رسول الله صلّی الله عليه [ وآله ] وسلم وعلى القرآن ، فهم الذين يلزمهم التخلص من هذه المذلة ، وأما نحن فلا والحمد لله رب العالمين (١) .

صدق ابن حزم ، فإنها لعمري مذلة ، وأي مذلة !!

___________

(١) الإحكام في أصول الأحكام لابن حزم ٤ : ٥٥٨ . أقول : قصد بكلامه الأخير مذاهب أهل السنة الأربعة .

٣٠٥
 &

(العلامة الإمام الشوكاني)

وهو أحد المجتهدين والدعاة إلی الاجتهاد ونبذ التقليد (١) ، قال :

وحكي عن عائشة أنها سئلت عن ( وَالْمُقِيمِينَ ) في هذه الآية وعن قوله : ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) وعن قوله : ( وَالصَّابِئُونَ ) في المائدة ؟ فقالت : يا بن أخي الكتّاب أخطأوا . أخرجه عنهما أبو عبيد في فضائله وسعيد بن

___________

(١) أبجد العلوم ٣ : ٢٠١ : (محمد بن علي بن محمد الشوكاني ، شيخنا الإمام ، العلامة ، الرباني والسهيل الطالع من القطر اليماني ، إمام الأئمة ، ومفتي الأمة ، بحر العلوم ، وشمس الفهوم سند المجتهدين الحفاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، فريد العصر ، نادر الدهر ، شيخ الإسلام ، قدوة الأنام ، علامة الزمان ، ترجمان الحديث والقرآن ، علم الزهاد ، أوحد العباد ، قامع المبتدعين آخر المجتهدين ، رأس الموحدين ، تاج المتبعين ، صاحب التصانيف التي لم يسبق إلى مثلها قاضي الجماعة ، شيخ الرواية والسماعة ، عالي الإسناد ، السابق في ميدان الاجتهاد ، على الأكابر الأمجاد ، المطلع على حقائق الشريعة ومواردها ، العارف بغوامضها ومقاصدها) ، وقال الأُستاذ إبراهيم هلال في مقدمة تحقيقه على كتاب قطر الولي على حديث الولي للشوكاني : ٢٨ ، ط المدني : (فإذا كان هناك تطور في عقيدة الإمام الشوكاني وصل به إلى أن تساوى مع عقيدة ابن عبد الوهاب أو قرب منها ، فإنما هذا باجتهاده الخاص ، ولا يعدو أن يكون مجرد توافق والتقاء طبيعي على نتيجة واحدة لمذهبين ، جعلا منهلهما واحدا : هو الكتاب ، والسنة وآثار السلف الصالح . وهكذا إذا كان المبدأ متحداً ، فلا بد أن تكون الغاية والنتيجة متشابهة . هذا بالنسبة لابن عبد الوهاب . وبالنسبة لابن تيمية ، فالأمر يكاد أن يكون كذلك ، رغم أنه نقل عن هذا الأخير ، بعض نقول ، وتأثر به في اتجاهه التصوفي الأخير ، كما هو واضح في كتاب قطر الولي) .

٣٠٦
 &

منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر .

وقال أبان بن عثمان : كان الكتاب يُملی عليه فيكتب فكتب ( لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ ) ثم قال : ما أكتب ؟ قيل له : أكتب ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ) . فمن ثم وقع هذا . أخرجه عنه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر .

قال القشيري : وهذا باطل ؛ لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة ، فلا يظن بهم ذلك . ويجاب عن القشيري بأنه قد روى عن عثمان أنه لما فرغ من المصحف أتي به إليه قال : أرى فيه شيئا من اللحن ستقيمه العرب بألستنها . أخرجه ابن أبي داود من طرق (١) .

(شيخ الوهابية ابن تيمية)

أما شيخ الوهابية ابن تيمية (٢) فبصريح العبارة وواضح الكلام يعترف

___________

(١) فتح القدير ١ : ٥٣٦ ، ط . عالم الكتب .

(٢) قد كفانا ابن حجر العسقلاني مؤونة ترجمة المسمی بابن تيمية إذ ذكر في درره الكامنة ١ : ١٥٩ ـ ١٦٠ : (وقرأت بخط الحافظ صلاح الدين العلائي في ثبت شيخ شيوخنا الحافظ بهاء الدين عبد الله بن محمد بن خليل ما نصّه .

وسمع بهاء الدين المذكور على الشيخين ، شيخنا ، وسيدنا ، وإمامنا فيما بيننا وبين الله تعالى ، شيخ التحقيق ، السالك بمن اتبعه أحسن طريق ، ذي الفضائل المتكاثرة ، والحجج القاهرة ، التي أقرّت الأمم كافة أن هممها عن حصرها قاصرة ، ومتّعنا الله بعلومه الفاخرة

=

٣٠٧
 &

أن سلفهم الصالح كبعض الصحابة والتابعين كانوا يدينون لله بتحريف القرآن ، ولا يتوانى ابن تيمية عن الجهر به ، فقد قال شيخ الوهابية في مجموع الفتاوى :

وأيضاً فإنَّ السلف أخطأ كثير منهم في كثير من هذه المسائل ، واتفقوا على عدم التكفير بذلك ، مثل ما أنكر بعض الصحابة أن يكون الميت يسمع نداء الحي ، وأنكر بعضهم أن يكون المعراج يقظة ، وأنكر بعضهم رؤية محمد

___________

=

ونفعنا به في الدنيا والآخرة ، وهو الشيخ ، الإمام ، العالم ، الرباني ، والحبر ، البحر ، القطب النوراني ، إمام الأئمة ، بركة الأمة ، علامة العلماء ، وارث الأنبياء ، آخر المجتهدين ، أوحد علماء الدين ، شيخ الإسلام ، حجّة الأعلام ، قدوة الأنام ، برهان المتعلّمين ، قامع المبتدعين سيف المناظرين ، بحر العلوم ، كنز المستفيدين ، ترجمان القرآن ، أعجوبة الزمان ، فريد العصر والأوان ، تقي الدين ، إمام المسلمين ، حجة الله على العالمين ، اللاحق بالصالحين والمشبه بالماضين ، مفتي الفرق ، ناصر الحق ، علامة الهدى ، عمدة الحفّاظ ، فارس المعاني والألفاظ ، ركن الشريعة ، ذو الفنون البديعة ، أبو العباس ابن تيمية) انتهى .

أقول : حجة الله على العالمين ، ووارث الأنبياء وركن الشريعة هذا قد كفره علماء عصره وفقهاء المذاهب والفرق الإسلامية كلها ، وحكموا بفساد معتقده ، ودعوا بالخذلان لمتبعي ملته ، وحوكم وحبس في قلعة ، إلی أن فسد ونتن ومات مذموما مدحورا ، وقد مر في أول الأبحاث بعض الكلام عنه لا حط الله عنه وزرا ولا رفع له ذكرا .

٣٠٨
 &

ربه ولبعضهم في الخلافة والتفضيل كلام معروف ، وكذلك لبعضهم في قتال بعض ولعن بعض وإطلاق تكفير أقوال معروفة (١)

وكان القاضي شريح يذكر قراءة من قرأ (بل عجبتُ) ويقول : إنّ الله لا يعجب ! فبلغ ذلك إبراهيم النخعي فقال : إنما شريح شاعر يعجبه علمه وكان عبد الله أفقه منه ، فكان يقول : (بل عجبت) فهذا قد أنكر قراءة ثابتة (٢)

___________

(١) قاتل الصحابة بعضهم بعضاً ، ولعن بعضهم بعضاً ، وكفر بعضهم بعضاً ومع ذلك كلهم عدول ! ، فمتى يفسق المرء إن لم يفسق على اللعن والتكفير والقتل ؟! ومن أين تأتي العدالة وعندهم في صحيح البخاري ١ : ٢٠ ، ح ٣١ :

(عن الأحنف بن قيس قال : ذهبت لأنصر هذا الرجل ـ يقصد علياً عليه السلام ـ فلقيني أبو بكرة فقال : أين تريد ؟ قلت : أنصر هذا الرجل ! قال : ارجع فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : ((إذا التقی المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ! فقلت : يا رسول الله هذا القاتل ، فما بال المقتول ؟ قال : إنه كان حريصاً على قتل صاحبه)) ، عادل وفي النار ! .

وأيضاً في صحيح البخاري ٥ : ٢٢٦٤ ، ح ٥٧٥٤ عن ثابت بن الضحاك عن النبي صلی الله عليه [ وآله ] وسلم قال : من حلف بملة غير الإسلام كاذباً فهو كما قال ، ومن قتل نفسه بشيء عذب به في نار جهنم ، ولعن المؤمن كقتله ومن رمي مؤمناً بكفر فهو كقتله ، وكما قلنا الإسلام دين متكامل ومتجانس وأي دس فيه يظهر أثره ويفتضح أمره !

(٢) الدر المنثور ٥ : ٢٧٢ ، أخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في الأسماء والصفات من طريق الأعمش عن شقيق بن سلمة عن شريح أنه كان يقرأ هذه الآية

=

٣٠٩
 &

وأنكر صفة دل عليها الكتاب والسنّة ، واتفقت الأمة على أنه إمام من الأئمة وكذلك بعض السلف أنكر بعضهم حروف القرآن ، من إنكار بعضهم قوله : ( أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا ) (١) . وقال (٢) : إنما هي (أولم يتبين الذين آمنوا) ، وأنكر الآخر قراءة قوله : ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (٣) وقال (٤) : إنما هي (ووصّى ربك) ، وبعضهم (٥) كان حذف المعوذتين ، آخر (٦) يكتب سورة القنوت .

وهذا خطأ معلوم بالإجماع والنقل المتواتر (٧) ، ومع هذا فلم يكن قد

___________

( بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ ) (الصافات : ١٢) بالنصب ويقول : إن الله لا يعجب من الشيء إنما يعجب من لا يعلم ، قال الأعمش : فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي فقال : إن شريحا كان معجبا برأيه وعبد الله بن مسعود كان أعلم منه كان يقرؤها (بل عجبتُ) .

(١) الرعد : ٣١ .

(٢) قد مرّ أن هذا المنكر هو حبر الأمة ابن عباس .

(٣) الإسراء : ٢٣ .

(٤) قصد الضحاك بن مزاحم .

(٥) قصد عالم القرآن عبد الله بن مسعود .

(٦) قصد سيد القراء أبي بن كعب .

(٧) مع اعترافه بإنكار أعلام السلف لكلمات القرآن تجده يقول : إن هذا خطأ ، وهذا عين ما نقمته الوهابية على الشيعة عندما قالوا عمن قال بتحريف القرآن منهم إنه مخطئ ، قال الوهابي (عثمان . خ) في شريطه الشيعة والقرآن : (إن أقصى ما يقوله علماء الشيعة عن أئمتهم

=

٣١٠
 &

تواتر النقل عندهم بذلك لم يكفروا ، وإن كان يكفر بذلك من قامت عليه الحجة بالنقل المتواتر (١) .

ولسنا بحاجة لطلب الدليل من ابن تيمية وأتباعه على أن التواتر لم يبلغ هؤلاء المنكرين ، إذ من هوان الدنيا على الله مخاطبة من يدعي أن القرآن قد تواتر عنده ، ولم يتواتر عند الصحابة كابن مسعود معلم القرآن وصاحب العرض الأخير للقرآن ! ، ولم يتواتر كذلك عند سيد القراء أُبيّ بن كعب وهو من أمر رسول الله صلی الله عليه وآله وسلّم الصحابة استقراءه القرآن كما في البخاري ، وكذلك كان ابن مسعود ، ولم يتواتر كذلك عند حبر الأمة

___________

=

القائلين بالتحريف كلمة مخطئين ... وهل كلمة مخطئ تكفي إذا قالوها عمن قال بتحريف القرآن ؟! إن الذي يخالف بمسألة اجتهادية فقهية يقال له مخطئ أما ما ينكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة فهذا ـ كبعض الصحابة الذين أشار لكلماتهم ابن تيمية ـ أقل ما يقال فيه كافر أو ملحد أو زنديق أو منافق أو طاغوت أو مرتد أو ما شابه هذه الألفاظ) ، أقول مع أن شيخ إسلامهم ابن تيمية يقولها ولا من نكير ! ناهيك عن أن إنكار هؤلاء السلف أشنع لأنهم أنكروا الموجود وأضافوا غيره ، أي هو حذف من القرآن مع الزيادة ! بخلاف بعض الشيعة الذين قالوا بنقصه فقط ، وهكذا الشيعة على مر العصور يستضعفون بالباطل ، قال تعالى : ( وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ ) (القصص : ٥ ـ ٦) صدق الله العلي العظيم .

(١) مجموع فتاوی ابن تيمية ١٢ : ٤٩٢ مطابع الرياض ، ط . الأُولى ١٣٨٢ هـ .

٣١١
 &

ابن عباس ! ، ثم ما دخل التواتر هنا ؟! وما حاجتهم له وقد أخذوا القرآن عن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم مشافهة ؟!! سبحان الله !

وعلى أي حال فنحن لا نريد تكفير أحد ، فيكفينا اعترافه أن سلفه الصالح اعتقد وقوع التحريف في القرآن .

واعترف في عدة مواضع أن هناك من كان يقول بوقوع التحريف في القرآن حينما رد ابن تيمية على من قال بخطأ الكاتب في كتابة المصحف :

وهذا يبين أن المصاحف التي نسخت كانت مصاحف متعددة وهذا معروف مشهور ، وهذا مما يبين غلط من قال في بعض الألفاظ : إنه غلط من الكاتب أو نقل ذلك عن عثمان (١) .

وقال أيضا : فكيف يتفقون كلهم على أن يكتبوا ( إِنْ هَـٰذَانِ ) (٢) وهم يعلمون أن ذلك لحن لا يجوز في شيء من لغاتهم أو ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ) (٣) وهم يعلمون أن ذلك لحن كما زعم بعضهم (٤) .

وقال أيضا : فهذا ونحوه مما يوجب القطع بخطأ من زعم أن في المصحف لحناً أو غلطاً وإن نقل ذلك عن بعض الناس ممن ليس قوله

___________

(١) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ١٥ : ٢٥٢ .

(٢) طه : ٦٣ .

(٣) النساء : ١٦٢ .

(٤) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ١٥ : ٢٥٣ .

٣١٢
 &

حجة (١) ، فالخطأ جائز عليه فيما قاله ، بخلاف الذين نقلوا ما في المصحف وكتبوه وقرأوه فإنّ الغلط ممتنع عليهم في ذلك (٢) .

واعترف ابن تيمية كذلك حينما ردّ من ادعى تحريف هذه الآية الكريمة ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٣) :

ولفظه ( هَـٰذَانِ ) فهذا نقل ثابت متواتر لفظاً ورسماً ، ومن زعم أن الكتاب غلط فهو الغالط غلطاً منكراً كما قد بسط في غير هذا الموضع (٤) .

وهذا ما تناولته يدي القاصرة من كلمات شيخهم ابن تيمية التي اعترف فيها وأقر مذعنا أن سلفه الصالح من الصحابة والتابعين أنكر كلمات القرآن وبعضاً من سوره وجعلوها عرضة للتلاعب ما بين التغيير والتحريف وهم أكابر الصحابة بلا ريب ، فلا أدري ! هل يكفرون سلفهم الصالح ؟ أم أن قدسية القرآن لا تضاهي قدسية الصحابة والتابعين !

___________

(١) قال ابن حزم سابقا إن أقوال الصحابة ليس بحجة وإنما الحجة قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

(٢) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ١٥ : ٢٥٤ .

(٣) طه : ٦٣ .

(٤) كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ١٥ : ٢٥٥ .

٣١٣
 &

الخلف على درب السلف !

لم أتتبع كلمات المحدثين في هذه المهزلة ، وإلا لملأنا الطوامير ولزادت الأسماء والأعلام إلی الضعف بل الضعفين ، ولنقتصر على أمثلة منها :

(المحدِّث الشيخ حبيب الرحمان الأعظمي)

قال في تعليقه على الرواية التي فيها (يا أبا المنذر ، إن أخاك ابن مسعود يحكهما من المصحف !) : أخرجه البخاري من طريق قتيبة وعلي بن المديني عن سفيان (ج ٨ ص ٥٢٤) ولم يصرح بما كان يصنع ابن مسعود (١) .

(الشيخ الأزهري ابن الخطيب)

قال الشيخ ابن الخطيب في فصل أسماه باسم (لحن الكُتّاب في المصحف) من كتابه الفرقان :

رأي عائشة في خطأ الكُتّاب : وقد سئلت عائشة عن اللحن في قوله تعالی ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٢) . وقوله عز من قائل ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (٣) . وقوله جل وعز ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) (٤) . فقالت : هذا من عمل الكُتّاب ، أخطأوا في الكتاب (١) .

___________

(١) المسند للحميدي ١ : ١٨٥ ، ح ٣٧٤ .

(٢) طه : ٦٣ .

(٣) النساء : ١٦٢ .

(٤) المائدة : ٦٩ .

٣١٤
 &

وقد ورد هذا الحديث بمعناه بإسناد صحيح على شرط الشيخين ، وأخرج الإمام أحمد في سنده عن أبي خلف مولى بني جمح أنه دخل على عائشة فقال : جئت أسألك عن آية من كتاب الله تعالی ، كيف كان يقرأها رسول الله صلی الله عليه [ وآله ] وسلم ؟ قالت : أية آية ؟ قال (والذين يؤتون ما أتوا) أو ( وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا ) (٢) ؟ قالت أيتهما أحب إليك ؟ قال : والذي نفسي بيده لإحداهما أحب إلي من الدنيا جميعا . قالت : أيتهما ؟ قال (والذين يؤتون ما أتوا) . فقالت : أشهد أن رسول الله صلی الله عليه [ وآله ] وسلم كذلك كان يقرأها ، وكذلك أنزلت ، ولكن الهجاء حُرّف (٣) .

رأي سعيد بن جبير في خطأ الكُتّاب : وعن سعيد بن جبير قال : في القرآن أربعة أحرف لحن : ( وَالصَّابِئُونَ ) ، ( وَالْمُقِيمِينَ ) (٤) ، ( فَأَصَّدَّقَ

___________

=

(١) كتب ابن الخطيب في الهامش بعض وجوه ذكرت لتصحيح رفع (هذان) في قوله تعالى ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (طه : ٦٣) فرفض فكرة تصحيحها وقال (وفي الجميع نظر ، وهو تمحل ظاهر ، وتكلف لا داعي له) !! ، وكأنه من الخطأ الذي لا مجال لتصحيحه !

(٢) المؤمنون : ٦٠ .

(٣) وفي الهامش هنا علق ابن الخطيب بقوله (ولم يورد هذه القراءة أحد من القرّاء مع وثوق روايتها عن عائشة ، وهي من هي من قربها ممن نزل عليه القرآن صلی الله عليه [ وآله ] وسلم) .

(٤) وذكر ابن الخطيب هنا أيضا توجيهين ذكرهما العلماء لتوجيه اختلال القاعدة النحوية في كل

=

٣١٥
 &

وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ ) ، ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) .

رأي أبان بن عثمان في خطأ الكاتب : وقد سئل أبان بن عثمان : كيف صارت ( لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب ؟! ، قال : من قِبَل الكاتب ، كتب ما قبلها ، ثم سأل المملي : ما أكتب ؟ قال أكتب (المقيمين الصلاة) . فكتب ما قيل له ، لا ما يجب عربية ، ويتعيّن قراءة .

رأي ابن عباس في خطأ الكُتّاب : وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى ( حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا ) (١) . قال : إنما هي خطأ من الكاتب (حتى تستأذنوا وتسلموا) .

وقرأ أيضا (أفلم يتبين الذين آمنوا أن لو شاء الله لهدى الناس جميعا) . فقيل له : إنها في المصحف ( أَفَلَمْ يَيْأَسِ ) (٢) ، قال : أظن أن الكاتب قد كتبها وهو ناعس .

وقرأ أيضا (ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) وكان يقول : إن الواو قد

___________

=

من ( وَالصَّابِئُونَ ) ، ( وَالْمُقِيمِينَ ) فرفضهما وقال عن كل واحد منهما (وهو تعليل سقيم) !

(١) النور : ٢٧ .

(٢) الرعد : ٣١ .

٣١٦
 &

التزقت بالصاد (١) .

رأي الضحاك في خطأ الكتاب : وعن الضحاك إنما هي (ووصی ربك) وكذلك كانت تقرأ وتكتب فاستمد كاتبكم فاحتمل القلم مدادا كثيرا فالتزقت الواو بالصاد . ثم قرأ ( وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّـهَ ) (٢) . ( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ ) (٣) . وقال : لو كانت ( قَضَىٰ ) (٤) من الرب ، لم يستطع أحد ردّ قضاء الرب تعالى ، ولكنها وصية أوصی بها عباده (٥) .

___________

(١) علق ابن الخطيب في هامشه بقوله (وذلك لأنهم كانوا لا ينقطون الأحرف ، فلم يظهر الفرق بين الواو وقد التصقت بالصاد (ووصی) وبين القاف الملتصقة بالضاد ( وَقَضَىٰ )) ! .

(٢) النساء : ١٣١ .

(٣) العنكبوت : ٨ .

(٤) الإسراء : ٢٣ .

(٥) علق ابن الخطيب في هامشه مؤيدا لدعوی التحريف بقوله (يؤيد ما ذهب إليه ابن عباس وأيده فيه الضحاك ، قوله تعالی عن لوط عليه السلام : ( وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَٰلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَـٰؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُّصْبِحِينَ ) (الحجر : ٦٦) . وقد تم ما قضاء الله . وقوله تعالى عن سليمان عليه السلام ( فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ) (سبأ : ١٤) . وقد مات فعلا . وقوله تعالى ( وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ) (الإسراء : ٤) . وقد حصل الفساد مرتين . وخلاصة ما يؤيد هذا المذهب قوله تعالى ( إِذَا قَضَىٰ أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (مريم : ٣٥) . بمعنى أنه تعالى إذا قضى ألا يعبد الناس إلا إياه ، وأن يحسنوا إلى والديهم ، كان

=

٣١٧
 &

وقرأ ابن عباس أيضا ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً ) (١) . ويقول : خذوا الواو من هنا واجعلوها ههنا ، عند قوله تعالى ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّـهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) (٢) . يريد بذلك أن تقرأ (والذين قال لهم الناس) (٣) .

وقرا أيضا (مثل نور المؤمن كمشكاة) وكان يقول : هي خطأ من الكاتب ، هو تعالى أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة (٤) ، انتهی .

(الدكتور مصطفى ديب البغا)

وعلق هو الآخر على رواية البخاري : (أخاك) أي في الدين . (كذا

___________

=

ذلك حتما مقضيا بالنسبة لسائر المخاطبين . ويؤيد القراءة المشهورة قوله تعالى ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (الأحزاب : ٣٦) فيكون القضاء بمعنى الحث ولاختيار والترغيب . ويصح أن يؤخذ من هذا أيضا دليل عكسي ، لأن هذه الآية نزلت في زواج زينب بنت جحش بزيد بن حارثة ، وقد تم ما قضاه الله تعالى ، وتزوجت به رغم معارضتها لهذا الزواج وإبائها) .

(١) الأنبياء : ٤٨ .

(٢) آل عمران : ١٧٣ .

(٣) وعلق في هامشه بقوله (والقراءة المشهورة ( وَضِيَاءً ) باثبات الواو حيث لا موجب لوجودها (!) ، والقراءة المشهورة ( الَّذِينَ ) بدون واو ، مع أن ما قبلها غير متعلق به (!)) .

(٤) الفرقان لابن الخطيب : ٤١ ـ ٤٥ ، ط . دار الكتب العلمية .

٣١٨
 &

وكذا) أي إن المعوذتين ليستا من القرآن ، يعني أنه لم يثبت عند ابن مسعود رضي الله عنه القطع بذلك (!) ، ثم حصل الاتفاق بعد ذلك (١) .

(الأستاذ عبد السلام محمد هارون)

وقال معلقا على حديث البخاري : (كذا وكذا) يريد أن عبد الله بن مسعود يقول : إن المعوذتين ليستا من القرآن (٢) .

(المحققان صبري بن عبد الخالق الشافعي ، وسعيد بن عباس الجليمي)

قال محققا تفسير الإمام النسائي : قوله : (إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا) : هكذا وقع مبهما ، وكأن بعض الرواة أبهمه استعظاما له ، والمراد أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه ، كما جاء مصرحا به في كثير من الروايات ، وهو مخالف لما تواتر أنهما من القرآن ، وكما ثبت في حديث القراءة بها في الصلاة (٣) .

(المحقق محمد علي الصابوني)

واعترف الصابوني في تحقيقه على معاني القرآن للفراء عند هذا القول :

___________

(١) صحيح البخاري ٤ : ١٩٠٤ ، ح ٤٦٩٣ ، بشرح وضبط الدكتور مصطفى البغا ، تفسير سورة الناس ، ط . دار ابن كثير .

(٢) الألف المختارة من صحيح البخاري لعبد السلام هارون ، ٧ : ١٤٩ ، تفسير سورة الناس ، ط . دار السلف مصر .

(٣) تفسير النسائي ٢ : ٦٢٥ ، ط . مؤسسة الكتب الثقافية .

٣١٩
 &

وقرأ أبو عمرو (إن هذين لساحران) واحتج أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد (١) صلی الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قال : إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب (٢) .

أن هذا القائل من الصحابة هو عثمان بن عفان ! فذكر في الهامش ما ذكر هنا .

(إمام وخطيب المسجد الحرام أسامة بن عبد الله الخياط)

اعتمد هذا الوهابي على قول من قال بنسيان ابن مسعود قرآنية المعوذتين وقرآنية قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ) (٣) ، وواضح أن دعوى النسيان هذه ليست إلا بيانا لسبب إنكاره للمعوذتين ولقراءة الآية السابقة ، قال في كتابه مختلف الحديث بين المحدثين والأصوليين والفقهاء :

إنّه على تقدير ثبوت حديث ابن مسعود ، فإنه لا يعارض أحاديث الرفع ، لجواز أن يكون ابن مسعود قد نسي رفع اليدين . قال ابن عبد الهادي : ليس في نسيان عبد الله بن مسعود لرفع اليدين ما يوجب أن الصحابة لم يروا النبي صلّی الله عليه [ وآله ] وسلم رفع يديه ، قد نسي ابن مسعود من

___________

(١) عثمان بن عفان ، هكذا كتب المحقق محمد علي الصابوني في هامشه .

(٢) معاني القرآن للفراء ٢ : ٤٨٣ ، ط . عالم الكتب .

(٣) الليل : ٣ .

٣٢٠