إعلام الخلف - ج ٣

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ٣

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

جعفر بن إياس ، عن سعيد ، عن ابن عباس ( حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ) قال : أخطأ الكاتب ، وكان ابن عباس يقرأ (حتى تستأذنوا وتسلموا) وكان يقرأها على قراءة أبي بن كعب .

حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا أبو عامر ، قال : ثنا سفيان عن الأعمش أنه كان يقرأها (حتى تستأذنوا وتسلموا) قال سفيان : وبلغني أن ابن عباس كان يقرأها (حتى تستأذنوا وتسلموا) وقال : إنها خطأ من الكاتب .

قال : ثنا هشيم ، قال : أخبرنا جعفر بن إياس عن سعيد ، عن ابن عباس : أنه كان يقرأها (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تسلموا على أهلها وتستأذنوا) قال : وإنما ( تَسْتَأْنِسُوا ) وَهْمٌ من الكُتاب (١) .

وهنا اعتراف آخر للطبري بأن بعض سلفهم الصالح كان يرى وقوع التحريف في القرآن : اختلف أهل التأويل فيمن أخذ ميثاقه بالإيمان بمن جاءه من رسل الله مصدقا لما معه فقال بعضهم إنما أخذ الله بذلك ميثاق أهل الكتاب دون أنبيائهم ... ذكر من قال ذلك :

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، عن عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ) (٢) . قال : هي خطأ من الكاتب ، وهي في قراءة ابن مسعود (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) .

___________

(١) جامع البيان للطبري ١٨ : ١٠ .

(٢) آل عمران : ٨١ .

٢٦١
 &

حدثني المثنى ، قال : ثنا أبو حذيفة ، قال : ثنا شبل عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله .

حدثني المثنى ، قال : ثنا إسحاق ، قال : ثنا عبد الله بن أبي جعفر عن أبيه ، عن الربيع في قوله : ( وَإِذْ أَخَذَ اللَّـهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ ) يقول : (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) وكذلك كان يقرأها الربيع (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب) إنما هي أهل الكتاب ، قال : وكذلك كان يقرأها أُبيّ بن كعب . قال الربيع : ألا ترى أنه يقول : ( ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ ) (١) يقول : لتؤمنن بمحمد ولتنصرنه ، قال : هم أهل الكتاب (٢) .

فهذه اعترافات وشهادات من إمامهم الطبري على أن بعض سلفهم الصالح من الصحابة والتابعين كان يقول بتحريف القرآن ، فذكر هنا ابن عباس وعائشة وأبان بن عثمان بن عفان ومجاهد والربيع ، فلا أدري لماذا لم يكفرهم الطبري ؟!

(الإمام البخاري صاحب الصحيح)

وهذا صاحب أصح كتاب بعد القرآن عندهم قد اعترف أن ابن مسعود كان يحك المعوذتين من مصحفه ، لأنهما ليستا من كتاب الله برأيه ، أخرج

___________

(١) آل عمران : ٨١ .

(٢) جامع البيان للطبري ٣ : ٣٣١ .

٢٦٢
 &

البخاري في تفسير سورة الفلق :

عن زر قال : سألت أبي بن كعب قلت : يا أبا المنذر ! إن أخاك ابن مسعود يقول : كذا وكذا (١) ، فقال أبي : سألت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال لي : قيل لي ، فقلت . قال : فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم (٢) .

وعلى رعونة الوهابية نقول : حيث إن البخاري لم يكفر الكافر فهو كافر ، وحيث إن أهل السنة لم يكفروا البخاري فهم كفرة ، وهلم جرا !

(الإمام الحافظ ابن أبي حاتم الرازي)

قد التزم الرازي في أول تفسيره بنقل ما صح عنده من روايات بل على أصحها سندا وأشبهها متنا وهذا كلامه في أول تفسيره :

سألني جماعة من إخواني إخراج تفسير القرآن مختصرا بأصح الأسانيد وحذف الطرق والشواهد والحروف والروايات وتنزيل السور ... فتحريت إخراج ذلك بأصح الأخبار إسناداً وأشبهها متناً ... وإذا وجدته عن الصحابة فإن كانوا متفقين ذكرته عن أعلاهم درجة بأصح الأسانيد وسيمت موافقيهم

___________

(١) قد مر سابقا نقل كلمات علماء أهل السنة من أن المراد من (كذا وكذا) في رواية البخاري التستر وعدم التصريح بما كان يفعله ابن مسعود ، وواضح أن التستر شيء والإنكار من الأساس وعدم نقله كصحيحة ثابتة شيء آخر ، والبخاري أخرجها مرتين في صحيحه .

(٢) صحيح البخاري ٤ : ١٩٠٤ ، ح ٤٦٩٣ ، ح ٤٦٩٢ .

٢٦٣
 &

بحذف الإسناد .

وعليه فقد سجل ابن أبي حاتم اعترافه بأن ابن عباس كان يرى وقوع تحريف للقرآن في خصوص هذه الآية ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (١) حيث قال :

قوله : ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ ) عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزل الله هذا الحرف على لسان نبيكم صلى الله عليه [ وآله ] وسلم (ووصى ربك ألا تعبدوا إلا إياه) فالتصقت إحدى الواوين بالصاد فقرأ الناس ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ ) ! ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد ! (٢) .

(إمام العربية أبو زكريا الفراء)

اعترف الإمام أبو زكريا يحيى بن زياد الفرّاء (٣) في تفسيره المسمى بمعاني القرآن باعتقاد بعض السلف من الصحابة وغيرهم تحريف بعض المقاطع من القرآن ، قال الفراء :

وقوله ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) قد اختلف فيه القراء ، فقال بعضهم : هو لحن . ولكنا نمضي عليه لئلا نخالف الكتاب .

___________

(١) الإسراء : ٢٣ .

(٢) تفسير القرآن العظيم ٧ : ٢٣٢٣ ، تحقيق أسعد محمد الطيب ، ط . مكتبة نزار مصطفى الباز ـ الرياض .

(٣) ملحق رقم (٢٩) .

٢٦٤
 &

حدثنا أبو العباس ، قال : حدثنا محمد ، قال : حدثنا الفراء ، قال : حدثني أبو معاوية الضرير عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه ، عن عائشة أنها سُئلت عن قوله في النساء : ( لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ... وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ) وعن قوله في المائدة : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) وعن قوله : ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) فقالت : يا ابن أخي هذا كان خطأ من الكاتب .

وقرأ أبو عمرو (إن هذين لساحران) واحتج أنه بلغه عن بعض أصحاب محمد (١) صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قال : إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب (٢) .

واعترف في موضع آخر : وقوله : ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا ) (٣) كقولك : أمر ربك وهي في قراءة عبد الله (وأوصى ربك) وقال ابن عباس : هي (ووصّى) التصقت واوها (٤) .

(الإمام العلامة أبو جعفر النحّاس)

اعترف الإمام أبو جعفر النحاس في كتابه معاني القرآن أن ابن عباس

___________

(١) عثمان بن عفان ، هكذا كتب في هامشه .

(٢) معاني القرآن للفراء ٢ : ٤٨٣ ، ط . عالم الكتب .

(٣) الإسراء : ٢٣ .

(٤) معاني القرآن للفراء ٢ : ١٢٠ .

٢٦٥
 &

كان يقول بوقوع التحريف في القرآن الكريم ، قال :

وقوله جل وعز : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ) (١) ، قال عبد الله بن عباس : إنما هو (حتى تستأذنوا) (٢) .

(الإمام أبو عبيدة معمر بن المثنى)

اعترف الإمام أبو عبيدة في كتابه مجاز القرآن باعتقاد بعض سلف أهل السنة تحريف القرآن ، فقال :

( قَالُوا إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٣) قال أبو عمرو وعيسى ويونس : (إن هذين لساحران) في اللفظ وكُتب ( هَـٰذَانِ ) كما يزيدون وينقصون في الكتاب ، واللفظ صواب (٤) .

(الإمام الحافظ أبو الحسين بن المنادي)

اعترف الإمام ابن المنادي بأن ابن مسعود حذف المعوذتين وزاد أبي بن كعب في مصحفه سورتي الخلع والحفد فقال :

___________

(١) النور : ٢٧ .

(٢) معاني القرآن ٤ : ٥١٦ بتحقيق محمد علي الصابوني .

(٣) طه : ٦٣ .

(٤) مجاز القرآن ٢ : ٢١ لأبي عبيدة المتوفى ٢١٠ هـ . ط . دار الفكر . وعنه في تفسير كتاب الله العزيز للشيخ هود بن محكَّم الهواري ٣ : ٤٢ .

٢٦٦
 &

جميع سور القرآن في تأليف زيد بن ثابت على عهد الصديق وذي النورين مئة وأربع عشرة سورة ، فيهن الفاتحة والتوبة والمعوذتين ، وذلك هو الذي في أيدي أهل قبلتنا . وجملة سوره على ما ذكر عن أبي بن كعب رضي الله عنه مائة وست وعشرين سورة .

وكان ابن مسعود رضي الله عنه يُسقط المعوذتين ، فنقصت جملته سورتين عن جملة زيد . وكان أُبي بن كعب يُلحقهما ويزيد إليهما سورتين وهما الحَفد والخَلع (١) .

ومع ذلك لم يكفرهما ، وهكذا بقية علماء أهل السنة ، فتنبه لذلك .

(الإمام أبو بكر بن الأنباري)

اعترف الإمام أبو بكر بن الأنباري بتحريف عمر بن الخطاب وادعائه خطأ القرآن ، ولكنه اعتذر لسيده ابن الخطاب أن الخلل كان في ذاكرته ! ، قال ابن الأنباري :

وقد احتج من خالف المصحف بقراءة عمر وابن مسعود ، وأن خرشة بن الحر قال : رآني عمر ومعي قطعة فيها ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) (١) فقال لي عمر : من أقرأك هذا ؟! قلت : أبي . فقال : إن أبيا أقرأنا للمنسوخ . ثم قرأ عمر (فامضوا إلى ذكر الله) .

___________

(١) فنون الأفنان في عيون علوم القرآن ، لابن الجوزي : ٢٣٥ ، تحقيق حسن عتر ، ط . دار البشائر .

(٢) الجمعة : ٩ .

٢٦٧
 &

حدثنا إدريس ، قال : حدثنا خلف ، قال : حدثنا هشيم عن المغيرة عن إبراهيم عن خرشة ، فذكره .

وحدثنا محمد بن يحيى ، أخبرنا محمد وهو ابن سعدان ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري ، عن سالم ، عن أبيه قال : ما سمعت عمر يقرأ قط إلا (فامضوا إلى ذكر الله) .

وأخبرنا إدريس ، قال : حدثنا خلف ، قال : حدثنا هشيم عن المغيرة ، عن إبراهيم : أن عبد الله بن مسعود قرأ (فامضوا إلى ذكر الله) وقال : لو كانت ( فَاسْعَوْا ) لسعيت حتى يسقط ردائي .

قال أبو بكر : فاحتج عليه بأن الأمة أجمعت على ( فَاسْعَوْا ) برواية ذلك عن الله رب العالمين ورسوله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم .

فأما عبد الله بن مسعود فما صح عنه (فامضوا) لأن السند غير متصل إذ إبراهيم النخعي لم يسمع عن عبد الله بن مسعود شيئاً ، وإنما ورد (فأمضوا) عن عمر . فإذا انفرد أحد بما يخالف الآية والجماعة كان ذلك نسيانا منه (١) .

ولا ندري من أين جاء بهذه النظرية الخطيرة ؟! أي لماذا إذا انفرد أحد بما يخالف القرآن والجماعة كان ذلك نسيانا منه ؟! لماذا لا يكون عمدا منه ؟!

___________

(١) تفسير القرطبي ١٨ : ١٠٢ .

٢٦٨
 &

طبعا لأنه معصوم ! (١) ، مع أن كلام عمر واعتراضه على القارئ لا يدل ولا يشعر بأي شيء من النسيان أو السهو ! وعلى أي حال فهذا اعتراف منه بأن ابن الخطاب اعتقد تحريف القرآن ، ولو نسيانا بزعمه ، فأما الاعتراف فحسي نافذ ، وأما زعم النسيان فادعاء حدسي يحتاج إلى دليل .

(الإمام المفسر ابن عطية الأندلسي)

ذكر الإمام ابن عطية في تفسيره ـ الذي يعتز به ابن تيمية ـ كلاما قصيرا ذا فائدة عظيمة ، وكما قيل : خير الكلام ما قل ودل ، فها هو ابن عطية الأندلسي يعترف ويقر بأن جماعة من السلف الصالح منهم عائشة وأحد القراء السبعة أبو عمرو ابن العلاء كانوا يقولون بوقوع تحريف القرآن في هذا المقطع ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٢) ، قال ابن عطية :

وقالت جماعة منهم عائشة ، وأبو عمرو : هذا ممّا لَحَنَ الكاتب فيه (٣) .

ولا ندري من هم بقية الجماعة ، ( فَعَسَى اللَّـهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) (٤) .

___________

(١) أهل السنة يقولون : إن عمر بن الخطاب ليس بمعصوم ، ولكن عند تقييم أفعاله يفترضون عصمته مسبقا !

(٢) طه : ٦٣ .

(٣) تفسير ابن عطية ١٠ : ٥٠ ط . قطر .

(٣) المائدة : ٥٢ .

٢٦٩
 &

واعترف بكل صراحة عند تفسيره لقوله تعالى : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ ) (١) بأن عائشة وأبان بن عثمان بن عفان كانا يقولان بتحريف القرآن ، قال :

واختلف الناس في معنى قوله : ( وَالْمُقِيمِينَ ) وكيف خالف إعرابها ما تقدم وتأخر ، فقال أبان بن عثمان وعائشة : ذلك من خطأ كاتب المصحف .

وروي أنها في مصحف ابن مسعود (والمقيمين) ، وكذلك روى غصمة عن الأعمش ، وكذلك قرأ سعيد بن جبير وكذا قرأ عمرو بن عبيد الجحدري وعيسى بن عمر ومالك بن دينار ، وكذلك روى يونس وهارون عن أبي عمرو (٢) .

ولا ندري لماذا لم يكفر ابن عطية عائشة وأبانا وأبا عمرو ؟! ، ولماذا لم يكفر الوهابيون ابن عطية ؟! ، ولماذا لم يكفروا ابن تيمية الذي لم يكفر ابن عطية ؟!

(العلامة الراغب الأصفهاني)

اعترف الراغب في كتابه المحاضرات باعتقاد بعض سلفهم الصالح تحريف القرآن ، وقد عنون ذلك التحريف في كتابه ، قال :

(ما ادعي أنه من القرآن مما ليس في المصحف وما أدعي أنه منه وليس

___________

(١) النساء : ١٦٢ .

(٢) تفسير ابن عطية ٤ : ٢٩٠ .

٢٧٠
 &

فيه) :

أثبت زيد بن ثابت سورتي القنوت في القرآن (١) .

وأثبت ابن مسعود في مصحفه : (لو كان لابن آدم واديان من ذهب لابتغى إليهما ثالثا ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) .

وروي أن عمر رضي الله عنه قال : لولا أن يقال زاد عمر في كتاب الله تعالى لأثبت في المصحف ، فقد نزلت (الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله شديد العقاب) .

وقالت عائشة : لقد نزلت آية الرجم ورضاع الكبير وكانتا في رقعة تحت سريري ، وشغلنا بشكاة (٢) رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فدخلت داجن فأكلته .

وقال علقمة : أتيت الشام فجاء رجل فقعد إلى جنبي فقيل لي : هو أبو الدرداء . فقال : ممن أنت ؟ فقلت : من الكوفة . قال : أو لم يكن فيكم صاحب السواك والنعلين والمطهرة ؟ يعني ابن مسعود ، قلت : نعم . فقال : أتحفظ كيف كان يقرأ : (والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى والذكر والأنثى) ؟ قلت : نعم هكذا أقرأنيه رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم وفوه إلى فيَّ فما زال هؤلاء بي حتى كادوا يردونني عنهما .

___________

(١) يقصد قرآن زيد الخاص به .

(٢) أصل الرواية (بوفاة) .

٢٧١
 &

وأثبت ابن مسعود بسم الله في سورة براءة .

وقالت عائشة : كانت الأحزاب تقرأ في زمن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم مئة آية ، فلما جمعه عثمان لم يجد إلا ما هو الآن ، وكان فيه آية الرجم ، وأسقط ابن مسعود من مصحفه أم القرآن والمعوذتين .

وقال : (ما سد منه لحناً) : سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله : ( قَالُوا إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (١) ، وعن قوله : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (٢) ، وعن قوله ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) (٣) فقالت : يا بن أختي هذا عمل الكُتّاب أخطأوا في الكِتابة (٤) .

(المفسر العلامة ابن جزي الكلبي)

اعترف العلامة الكلبي في تفسيره أن عائشة بنت أبي بكر كانت تقول بتحريف القرآن بسبب خطأ كتاب المصحف في كتابته ، قال :

( وَالصَّابِئُونَ ) . قراءة السبعة بالواو ، وهي مشكلة ، حتى قالت عائشة : هو من لحن كتّاب المصحف (٥) .

وكذلك اعترف بقوله : ( وَالْمُقِيمِينَ ) منصوب على المدح بإضمار

___________

(١) طه : ٦٣ .

(٢) النساء : ١٦٢ .

(٣) المائدة : ٦٩ .

(٤) محاضرات الأدباء ٢ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ط . دار مكتبة الحياة .

(٥) التسهيل لعلوم التنزيل ١ : ١٧٣ .

٢٧٢
 &

فعل ، وهو جائز كثيرا في الكلام ، وقالت عائشة : هو من لحن كتّاب المصحف ، وفي مصحف ابن مسعود : (والمقيمون) على الأصل (١)

وقال بقوله أيضا : ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) قرئ : (إنّ هذين) بالياء ولا إشكال في ذلك ... وقالت عائشة : هذا ممّا لحن فيه كتّاب المصحف (٢) .

(الإمام ابن عادل الدمشقي الحنبلي)

واعترف الإمام الدمشقي الحنبلي في اللباب في علوم القرآن باعتقاد ابن مسعود تحريف القرآن وإنكاره لدخول المعوذتين فيه : وزعم ابن مسعود أنهما دعاء وليستا من القرآن ، وخالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت (٣) .

وكذا اعترف باعتقاد جماعة منهم عائشة وأبي عمرو بن العلاء بوقوع تحريف في القرآن عندما أخطأ الكاتب في كتابة هذه الآية ، فكتبها بهذا الشكل ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٤) ، قال :

وذهب جماعة منهم عائشة وأبو عمر إلى أن هذا مما لَحَن فيه الكاتب وأفهم بالصواب يعنون أنه كان من حقه أن يكتبه بالياء فلم يفعل ، فلم يقرأه

___________

(١) التسهيل لعلوم التنزيل ١ : ١٦٤ .

(٢) نفس المصدر ٣ : ١٥ .

(٣) اللباب في علوم القرآن ٢٠ : ٥٦٨ تحقيق د . محمد سعد رمضان ، ط . دار الكتب العلمية .

(٤) طه : ٦٣ .

٢٧٣
 &

على الناس إلا بالياء على الصواب (١) .

وكذا أقر الحنبلي اعتقاد بعض منهم تحريف القرآن اعتمادا على معتقد عائشة وأبان بن عثمان في أن الكاتب لَحَن وأخطأ في كتابة المصحف ، فقال عند تفسير قوله تعالى : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (٢) : وقد زعم قوم أنها لحن ، وقد نقلوا عن عائشة وأبان بن عثمان أنها خطأ من جهة غلط كاتب المصحف (٣) .

(العلامة الإمام ابن جُزَي الغرناطي)

أقر الغرناطي عند تفسيره لآية ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (٤) بأن عائشة قالت : إن الكاتب أخطأ ولحن في كتابة المصحف فقال :

( وَالْمُقِيمِينَ ) منصوب على المدح بإضمار فعل ، وهو جائز كثيراً في الكلام ، وقالت عائشة هو من لحن كُتّاب المصحف ، وفي مصحف ابن مسعود (والمقيمون) على الأصل (٥) .

___________

(١) اللباب في علوم القرآن ١٣ : ٢٩٦ .

(٢) النساء : ١٦٢ .

(٣) اللباب في علوم القرآن ٧ : ١٢٣ .

(٤) النساء : ١٦٢ .

(٥) التسهيل لعلوم التنزيل ١ : ٢١٧ ، ط . دار الأرقم ، تحقيق عبد الله الخالدي .

٢٧٤
 &

وكذا اعترف في تفسير قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ ) (١) باعتقاد عائشة تحريف القرآن ، فقال :

( وَالصَّابِئُونَ ) قراءة السبعة بالواو ، وهي مشكلة حتى قالت عائشة : هي من لحن كاتب المصحف (٢) .

وكذا في تفسير قوله تعالى : ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٣) ، قال : إن عائشة قالت بوقوع التحريف في هذا الموضع ، وأن الكاتب لحن وأخطأ في كتابة الآية ، قال :

وقالت عائشة هذا مما لحن فيه كُتّاب المصحف (٤) .

(سلطان العلماء العز بن عبد السلام)

اعترف الإمام العز بن سلام بإنكار ابن مسعود للمعوذتين وأنهما في نظره ليستا من كتاب الله ، قال :

وهي والتي بعدها معوذتا الرسول صلى الله عليه [ وآله ] وسلم حيث سرحته اليهودية وكان يقال لهما : المشقشقتان أي تبرئان من النفاق ، وخالف ابن مسعود رضي الله تعالى عنه الإجماع بقوله : هما عوذتان وليستا من القرآن

___________

(١) المائدة : ٦٩ .

(٢) التسهيل لعلوم التنزيل ١ : ٢٣٩ .

(٣) طه : ٦٣ .

(٤) التسهيل لعلوم التنزيل ٢ : ١٠ .

٢٧٥
 &

الكريم (١) .

(الإمام أبو الحسن الماوردي)

اعترف الإمام الماوردي بإنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين :

وزعم ابن مسعود أنهما دعاء تعوذ به ، وليستا من القرآن ، وهذا قول خالف به الإجماع من الصحابة وأهل البيت (٢) .

(الإمام القشيري)

نقل القرطبي في الجامع لأحكام القرآن اعتراف الإمام القشيري بأن ابن عباس كان يعتقد وقوع التحريف في القرآن :

وقرأ علي وابن عباس (أفلم يتبيّن الذين آمنوا) من البيان . قال القشيري : وقيل لابن عباس المكتوب ( أَفَلَمْ يَيْأَسِ ) ! قال : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس ، أي زاد بعض الحروف حتى صار ييئس (٣) .

(العلامة الإمام شمس الدين الكرماني)

اعترف الإمام الكرماني بإنكار ابن مسعود لقرآنية المعوذتين عند شرحه

___________

(١) تفسير القرآن ٣ : ٥٠٩ تحقيق د . عبد الله الوهيبي ، توزيع دار ابن حزم .

(٢) النكت والعيون ، المعروف بتفسير الماوردي ٤ : ٥٧٠ ، ط . دار الصفوة .

(٣) الجامع لأحكام القرآن ٩ : ٣٢٠ .

٢٧٦
 &

لما أخرجه البخاري في صحيحه وهو : عن زر بن حبيش قال : سألت أبي بن كعب عن المعوذتين ، فقال : سألت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال : قيل لي ، فقلت : فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال العلامة الكرماني شارحاً لمفردات الحديث :

و (المعوذتين) بكسر الواو ، فإن قلت : ما معنى السؤال عنهما ؟ قلتُ : كان ابن مسعود يقول : إنهما ليستا من القرآن ، فسأل عنهما من هذه الجهة (١) .

(الإمام العلامة بدر الدين العيني)

وكذا اعترف العلامة العيني شارح الصحيح أن ابن مسعود أنكر قرآنية المعوذتين ، حيث قال شارحا الحديث السابق :

قوله (عن المعوذتين) بكسر الواو ، ومعنى السؤال عنهما لأجل قول ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن ، فسأل عنهما من أُبي من هذه الجهة .

وعند شرحه لحديث آخر أخرجه البخاري وهو : حدثنا عاصم عن زر قال : سألت أبي بن كعب ، قلت : يا أبا المنذر ! إن أخاك ابن مسعود يقول كذا وكذا ! فقال أبي : سألت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال : قيل لي

___________

(١) الكواكب الدراري في شرح صحيح البخاري للكرماني ١٨ : ٢١٨ ـ ٢١٩ (تفسير قل أعوذ برب الفلق) ط . البهية في مصر .

٢٧٧
 &

فقلت ، قال : فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم .

قال الإمام العيني :

قوله (إن أخاك) يعني في الدين ، قوله (كذا وكذا) يعني أنهما ليستا من القرآن ، قوله (قيل لي) أي أنهما من القرآن ، وهذا كان مما اختلف فيه الصحابة ، ثم ارتفع الخلاف ووقع الإجماع عليه ، فلو أنكر اليوم أحد قرآنيتهما كفر (١) ، وقال بعضهم : ما كانت المسألة في قرآنيتهما ، بل في صفة من صفاتهما وخاصة من خاصتها ، ولا شك أن هذه الرواية تحتملهما ، فالحمل عليها أولى والله أعلم .

فإن قلتَ : قد أخرج أحمد وابن حبان من رواية حماد بن سلمة عن عاصم بلفظ : أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه . وأخرج عبد الله بن أحمد في زيادات المسند والطبراني وابن مردويه من طريق الأعمش عن ابن إسحاق ، عن عبد الرحمان بن يزيد النخعي قال : كان عبد الله بن مسعود

___________

(١) هذه الجملة دائما يكررونها ، وقد نقلناها سابقا من كلام الشوكاني وعلقنا عليها ، واعترافهم أن بعض الصحابة قد أنكر سورتين من القرآن كاف لإثبات اعتقاد بعض الصحابة تحريف القرآن ، وهو مرادنا ، وأما وقوع الاتفاق اليوم على قرآنيتهما وأن من أنكر شيئا منها فقد كفر فهذا غير صحيح ، لما سيأتي من نقل علامتهم البروسوي كلام بعض علماء الحنفية الذين ذهبوا إلى عدم تكفير من أنكر قرآنية المعوذتين لإنكار ابن مسعود لها ، وكذا ما ذكره البيهقي في سننه الكبرى ، وما ذكره العلامة ابن نجيم المصري زين بن إبراهيم في البحر الرائق عن اختلاف العلماء في كفر من أنكر المعوذتين .

٢٧٨
 &

يحك المعوذتين من مصاحفه ، ويقول : أنهما ليستا من القرآن أو من كتاب الله تعالى .

قلتُ ـ أي العيني ـ : قال البزار : لم يتابع ابن مسعود على ذلك أحد من الصحابة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قرأها في الصلاة ، وهو في صحيح مسلم عن عقبة بن عامر (١) .

وواضح أن الرواية الثانية التي تحكي قول وفعل ابن مسعود لا يمكن تأويلها ، فهي نص على أنه أنكر قرآنية المعوذتين ، لذا ذكر اعتراف البزار .

(العلامة شهاب الدين القسطلاني)

وكذلك اعترف العلامة القسطلاني في شرحه على البخاري بإنكار ابن مسعود للمعوذتين ، قال :

(قال : سألت أُبيّ بن كعب عن المعوذتين) بكسر الواو المشددة ، وعند ابن حبان وأحمد من طريق حماد بن سلمة عن عاصم قلت : لأُبيّ بن كعب أن ابن مسعود لا يكتب المعوذتين في مصحفه ... إلى قوله : وعند الحافظ أبي يعلى عن علقمة قال : كان عبد الله يحك المعوذتين من المصحف ويقول : إنما أمر رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أن يتعوذ بهما ، ولم يكن عبد الله يقرأ بهما . ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد عن عبد الرحمان بن يزيد وزاد :

___________

(١) عمدة القاري شرح صحيح البخاري ٢٠ : ١٠ ـ ١١ ، ط . المنيرية .

٢٧٩
 &

ويقول : إنهما ليستا من كتاب الله . وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء أن ابن مسعود كان لا يكتبهما في مصحفه .

واعترف به أيضا في تفسير سورة الناس : (إن أخاك) في الدين (ابن مسعود) عبد الله (يقول : كذا وكذا) يعني أن المعوذتين ليستا من القرآن كما مر التصريح به (١) .

(الحافظ الإمام أبو بكر البزار)

اعترف الحافظ البزار في مسنده البحر الزخار بإنكار ابن مسعود للمعوذتين بقوله :

لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف (٢) .

(فقيه الحنابلة الإمام ابن الجوزي)

وهذا اعتراف من الإمام ابن الجوزي بإنكار بعض سلفهم الصالح قرآنية بعض كلمات القرآن :

واختلفت القراء في قوله تعالى : ( قَالُوا إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٣) فقرأ أبو عمرو بن العلاء (إنَّ هذين) على إعمال (إنّ) ، وقال : إني لأستحي من الله أن

___________

(١) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري ٧ : ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، ط . دار صادر .

(٢) الدر المنثور ٤ : ٤١٦ ، ط . دار المعرفة .

(٣) طه : ٦٣ .

٢٨٠