إعلام الخلف - ج ٣

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ٣

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ناهيك عن أن شيخ قراءتهم عيسى بن عمر كان يقدم النحو على ما تواتر من ألفاظ القرآن ! فيغلّط القرآن انتصارا للنحو ، وهو مع ذلك شيخ للقراءة عندهم ! ، وواضح هذا من ترجمته في الهامش .

مقرئ الكوفة وعالمها أبو عبد الرحمان السلمي (١)

يقرئ الناس سورة ليست في المصحف !

أخرج محمد بن نصر عن عطاء بن السائب قال : كان أبو عبد الرحمان يقرئنا (اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ونثني عليك الخير ولا نكفرك ونؤمن بك ونخلع ونترك من يفجرك ، اللهم إياك نعبد ولك نصلي ونسجد واليك نسعى ونحفد نرجو رحمتك ونخشى عذابك الجد إن عذابك بالكفار ملحق) ، وزعم أبو عبد الرحمان أن ابن مسعود كان يقرئهم إياها ويزعم أن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم كان يقرئهم إياها (٢) .

وهذه شهادة من عطاء على السلمي بأنه كان يعترف بقرآنية هذه الجمل ويقرئهم إياها كقرآن إلى زمن التابعين حيث لا منسوخ ولا غيره !

___________

=

المثنى قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ، ويونس (إن هذين لساحران) في اللفظ وكتب ( هَـٰذَانِ ) (طه : ٦٣) . كما يريدون الكتّاب .

(١) انظر ملحق رقم (١٨) .

(٢) الدر المنثور ٦ : ٤٢١ .

٢٢١
 &

العالم البصري أبو مجلز (١)

أخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن أبي مجلز قال : مكتوب في سورة يونس عليه السلام إلى جنب هذه الآية ( حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا ) إلى قوله تعالى ( يَتَفَكَّرُونَ ) (٢) (ولو أن لابن آدم واديين من مال لتمنى واديا ثالثا ، ولا يشبع نفس ابن آدم إلا التراب ، ويتوب الله على من تاب) فمُحيَت (٣) .

وهذا تحريف صريح ، ومع ذلك يترضى عنه علامتهم السيوطي ، عندما ينقل الرواية في الدر المنثور ، وفي دين الوهابية من لم يكفر الكافر فهو كافر فالسيوطي الذي يترضى على الكافر كافرٌ مثله ، ومن لم يكفر السيوطي فهو كافر مثله ، وهكذا دواليك !!

الإمام الثقة محمد بن سعد (٤)

أخرج الطبراني وابن مردويه من طريق الجريري عن أخيه قال : سمعت محمد بن سعد يقرأ هذه الآية (ولمن خاف مقام ربه جنتان وإن زنا وإن سرق) فقلت : ليس فيه (وإن زنا وإن سرق) ! قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم يقرؤها كذلك ، فأنا أقرؤها كذلك حتى أموت (٥) .

___________

(١) انظر ملحق رقم (١٩) .

(٢) يونس : ٢٤ .

(٣) الدر المنثور ٣ : ٣٠٤ .

(٤) انظر ملحق رقم (٢٠) .

(٥) الدر المنثور ٦ : ١٤٦ ، وقد عُرف محمد بن سعد بإرساله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم

=

٢٢٢
 &

ما زالت هذه الزيادة من القرآن إلى زمن التابعين !

الإمام الفقيه أبان بن عثمان بن عفان (١)

أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي داود في المصاحف ، وابن

___________

=

وهو واضح لمن راجع ترجمته في كتب التراجم ، ولعله سمعها عن أبي الدرداء ؛ لأن ما قاله مرسلا هنا هو نفس ما جاء مسندا عنه إلى أبي الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

السنن الكبرى ٦ : ٤٧٨ ـ ٤٧٩ ، ت ١١٥٦١ / ٢ : (عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن أبا الدرداء قال عن رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم : إنه قرأها هو ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) (الرحمان : ٤٦ ـ ٤٧) فقلت : وإن زنا وإن سرق يا رسول الله ؟! قال : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) ، قال : قلت : وإن زنا وإن سرق يا رسول الله ؟! قال : ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) وإن زنا وإن سرق ورغم أنف أبي الدرداء ! . فلا أزال أقرأها كذلك حتى ألقاه صلى الله عليه وسلم (!) .

وقال البخاري في التاريخ الكبير ١ : ٨٩ ت ٢٤٧ : محمد بن سعد سمع أبا الدرداء ، قال لي زهير : حدثنا يونس بن محمد قال : حدثنا صدقة بن هرمز ، عن الجريري ، عن محمد ، وحدثني مؤمل قال : حدثنا إسماعيل عن الجريري قال : حدثني موسى عن محمد بن سعد بن أبي وقاص أن أبا الدرداء (نقل) عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم (أنه) قرأ ( جَنَّتَانِ ) .

حدثني جراح بن مخلد قال : حدثنا سالم بن نوح قال : حدثنا الجريري عن أخيه ، عن محمد بن سعد ، عن أبي الدرداء قال سمعت النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قرأ ( جَنَّتَانِ ) .

(١) انظر ملحق رقم (٢١) .

٢٢٣
 &

المنذر عن الزبير بن خالد (١) قال : قلت لأبان بن عثمان بن عفان : ما شأنها كتبت ( لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (٢) ، ما بين يديها وما خلفها رفع وهي نصب ؟! قال : إن الكاتب لما كتب (لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ) حتى إذا بلغ قال : ما أكتب ؟ قيل له : أكتب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ) فكتب ما قيل له (٣) .

وفي تاريخ المدينة للنميري : حدثنا عمرو بن عاصم قال : حدثنا حماد بن سلمة ، عن الزبير أن خاله (٤) قال : قلت لأبان بن عثمان وكان ممن حضر كتاب المصحف : كيف كتبتم ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (٥) ؟! فقال : كان الكاتب يكتب والمملي يملي ، فقال : أكتب . قال : ما أكتب . قال :

___________

(١) الصحيح (الزبير أبو خالد) لا (الزبير بن خالد) ، التاريخ الكبير للبخاري ٣ : ٤١٣ ت ١٣٧٣ (الزبير أبو خالد روى عنه حماد بن سلمة سمع أبان بن عثمان بن عفان)

(٢) النساء : ١٦٢ .

(٣) الدر المنثور ٢ : ٢٤٦ ، وجاء السند في تفسير الطبري ٦ : ٣٤ بهذا الشكل :

حدثني المثنى قال : ثنا الحجاج بن المنهال ، قال : ثنا حماد بن سلمة ، عن الزبير ، قال : قلت لأبان بن عثمان بن عفان : ... ورجاله ثقات ، والزبير أبو خالد وثقه ابن حبان ، وما تكلم فيه أحد ، ويجب تتبع إسناد كل المصادر حتى يمكن الجزم بضعف السند وبعضها غير متوفر لدي .

(٤) وهو خطأ ! والصحيح (الزبير أبو خالد) .

(٥) النساء : ١٦٢ .

٢٢٤
 &

أكتب (والمقيمين الصلاة والمؤتون الزكاة) (١) .

أي أن علة الخلل النحوي وخطأ الكتابة هو سهو المملي واتباع الكاتب الأعمى له وإلا لما أرجع سببه إلى المملي والكاتب بل لله سبحانه .

التابعي الثقة ابن زرير الغافقي (٢)

أخرج محمد بن نصر عن يزيد بن أبي حبيب قال : بعث عبد العزيز بن مروان إلى عبد الله بن زرير الغافقي فقال له : والله إني لأراك جافيا ما أراك تقرأ القرآن ! قال : بلى والله إني لأقرأ القرآن وأقرأ منه ما لا تقرأ به . فقال له عبد العزيز : وما الذي لا أقرأ به من القرآن ؟! قال : القنوت حدثني علي بن أبي طالب أنه من القرآن (٣) .

بعد تحريق المصاحف وإلغاء ما ليس من القرآن بقرابة خمسين سنة يأتي الغافقي ليقول أن هناك ما هو من القرآن ولم يكتب في المصحف !

إمام المالكية (٤)

سورة التوبة سقط أولها !

الإمام مالك بن أنس يرى أن سورة التوبة قد سقط أولها ، ولذلك فقدنا

___________

(١) تاريخ المدينة لابن شبة النميري ٣ : ١٠١٣ .

(٢) انظر ملحق رقم (٢٢) .

(٣) الدر المنثور ٦ : ٤٢١ ، ويزيد بن أبي حبيب ثقة فقيه ، ومحمد بن نصر إمام ثقة .

(٤) انظر ملحق رقم (٢٣) .

٢٢٥
 &

البسملة منها ! ، قال الزركشي في البرهان : وعن مالك : أنّ أوّلها لما سقط سقطت البسملة (١) .

وذكره السيوطي في الإتقان : وعن مالك أن أوّلها لما سقط سقط معه البسملة ، فقد ثبت أنها كانت تعدل البقرة لطولها (٢) .

فهذا مالك بن أنس إمام من أئمتهم الأربعة يجزم بأنها كانت تعدل البقرة في الطول ، وأن سبب فقدان البسملة هو فقدانها مع فقدان أول السورة (٣) .

إن مفاد كلام مالك هو نفس مفاد كلام ابن عجلان السابق ، وهو أن الصحابة كانوا يكتبون البسملة في أوائل السور ، ولكن هذه السورة بالذات سقط وضاع أولها في حرب اليمامة بسبب مقتل القراء ومن كان يحفظها ، لذا لم يكتبوا البسملة في سورة براءة ؛ لأن أولها سقط وضاع ، ومن غير المعقول أن

___________

(١) البرهان في علوم القرآن ١ : ٢٦٣ .

(٢) الإتقان في علوم القرآن ١ : ٦٥ ، ط . الحلبي الثالثة .

(٣) وحيث أن البسملة في أوائل السور ليست من القرآن في نظر مالك ، فلا يصح ادعاء نسخ التلاوة هنا ، وإلا لقلنا أن الله عزّ وجلّ ينسخ غير القرآن أيضا ! ، وقلنا سابقا أن منسوخ التلاوة ليس من القرآن بعد نسخه وإلغاء قرآنيته ، فمن يقول أن أول السورة سقط يعني أنه مسلم بأن أولها من القرآن فليس من منسوخ التلاوة ! ناهيك عن أن النسخ المدعى هنا ليس سقوط وفقدان وإنما تبديل وإحلال فكيف يقال أن مالكا قصد بسقوط أول السورة منسوخ التلاوة ؟!!

٢٢٦
 &

يفتتح بالبسملة في منتصف السورة لذلك لم تكتب (١) ، فهل يكفرون إمام المالكية أم لا ؟

الحافظ إمام العراق أبو بكر بن أبي داود (٢)

وهو ابن أبي داود السجستاني صاحب السنن ، قد صنف سفرا جليلا أسماه كتاب المصاحف ، كان مرجع العلماء في معرفة ما غيّره السلف من الصحابة والتابعين في مصاحفهم ، وقد عقد بابا في كتابه المصاحف بعنوان : (باب ما غيّر الحَجّاج في مصحف عثمان) (٣) ، وآخر بعنوان (باب ما كتب الحجاج بن يوسف في المصحف) (٤) ، وهذا أدل دليل على أنه يرى وقوع التحريف في مصحف عثمان ، وقد روى في ذلك رواية لا بأس بإيرادها :

حدثنا أبو حاتم السجستاني ، حدثنا عبّاد بن صهيب (٥) ، عن عوف بن جميلة : أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفا ، قال :

___________

(١) وهناك مورد آخر قد استدل به على أن مالكا كان يرى تحريف القرآن ، وهو ما ذكره ابن أبي داود في كتاب المصاحف : ٤٤ : (حدثنا أبو المطهر ، حدثنا ابن وهب قال : سألت مالكا عن مصحف عثمان ـ رض ـ فقال : ذهب) وهو كما ترى .

(٢) انظر ملحق رقم (٢٤) .

(٣) المصاحف : ١٣٠ .

(٤) المصاحف : ٥٩ .

(٥) قال فيه أحمد بن حنبل : ما كان صاحب كذب . وقال أبو داود : صدوق قدري . فهو معتبر على شرط أبي داود .

٢٢٧
 &

كانت في البقرة (لم يتسنّ) بغير هاء ، فغيّرها ( لَمْ يَتَسَنَّهْ ) (١) . وكانت في المائدة (شريعة ومنهاجا) فغيرها ( شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) (٢) . وكانت في يونس (هو الذي ينشركم) فغيّرها ( يُسَيِّرُكُمْ ) (٣) . وكانت في يوسف (أنا آتيكم بتأويله) فغيرها ( أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ ) (٤) . وكانت في المؤمنين ( سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ ، لِلَّـهِ لِلَّـهِ ) (٥) . ثلاثتهن فجعل الأُخريين (الله ، الله) ، وكانت في الشعراء في قصة نوح (من الخرجين) وفي قصة لوط (من المرجومين) فغير قصة نوح ( مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) (٦) . وقصة لوط ( مِنَ الْمُخْرَجِينَ ) (٧) . وكانت في الزخرف (نحن قسمنا بينهم معايشهم) فغيرها ( مَّعِيشَتَهُمْ ) (٨) . وكانت في الذين كفروا (من ماء غير ياسن) فغيرها ( مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ ) (٩) . وكانت في الحديد (فالذين آمنوا واتقوا لهم أجر كبير) فغيّرها ( وَأَنفَقُوا ) (١٠) . وكانت في (إذا الشمس

___________

(١) البقرة : ٢٥٩ .

(٢) المائدة : ٤٨ .

(٣) يونس : ٢٢ .

(٤) يوسف : ٤٥ .

(٥) المؤمنون : ٨٥ ، ٨٧ ، ٨٩ .

(٦) الشعراء : ١١٦ .

(٧) الشعراء : ١٦٧ .

(٨) الزخرف : ٣٢ .

(٩) محمد : ١٥ .

(١٠) الحديد : ٧ .

٢٢٨
 &

كوّرت (وما هو على الغيب بظنين) فغيرها ( بِضَنِينٍ ) (١) . (٢)

وإمامهم ابن أبي داود يضاف بما عنونه في كتابه بجدارة لمن قال بتحريف القرآن ، فعلى مذهب الوهابية من أن من لم يكفر الكافر فهو كافر مثله يجب تكفيره وتكفير من مدحه ومجده مثل ابن خلكان والذهبي والخطيب البغدادي ؛ لأنهم لم يكفروه بل مدحوه ! !

الإمام شيخ القراءة أبو عمرو بن العلاء (٣)

يستحي من قراءة المحرف الموجود في مصاحف المسلمين !

قال الفخر الرازي : وعن أبي عمرو أنه قال : إني لأستحي أن أقرأ ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٤) (٥) .

أحد القراء السبعة يستحي أن يقرأ القرآن كما أنزله الله عزّ وجلّ فكان أبو عمرو يقرأها هكذا (إن هذين لساحران) ! ، وهذا إما لعيب فيمن أنزل القرآن وهذا كفر صريح والعياذ بالله ، أو لعيب فيمن جمع القرآن ودونه وهو التحريف الصريح ، وهو كفر عند أهل السنة ، وما نقل عنه من كلمات تدل

___________

(١) التكوير : ٢٤ .

(٢) المصاحف لابن أبي داود السجستاني : ٥٩ و ١٣٠ .

(٣) انظر ملحق رقم (٢٥) .

(٤) طه : ٦٣ .

(٥) التفسير الكبير ، ٢٢ : ٧٣ ، ط . دار الكتب العلمية .

٢٢٩
 &

على أنه يرى وقوع التحريف في هذه الآية ، فقد قال الفخر الرازي :

قرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر (إن هذين لساحران) ، قالوا : هي قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير والحسن رضي الله تعالى عنه واحتج أبو عمرو وعيسى على ذلك بما روى هشام بن عروة عن أبيه ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها سئلت عن قوله : ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) وعن قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَىٰ ) في المائدة وعن قوله : ( لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ ) إلى قوله ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) فقالت : يا بن أُختي هذا خطأ من الكاتب .

وروي عن عثمان أنه نظر في المصحف فقال : أرى فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها (١) .

وها هو يحتج على صحة قراءته المخالفة لكتابة المصحف بادعاء عائشة وقوع التحريف في هذا المكتوب على يد الكتّاب ! .

ويدل بصورة قاطعة على اعتقاده التحريف ما حكاه الإمام أبو عبيد عنه في مجاز القرآن :

( قَالُوا إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٢) قال أبو عمرو وعيسى ويونس : (إن هذين لساحران) في اللفظ وكُتب ( هَـٰذَانِ ) كما يزيدون وينقصون في

___________

(١) التفسير الكبير للفخر الرازي ٢٢ : ٧٤ ، ط . دار الكتب العلمية .

(٢) طه : ٦٣ .

٢٣٠
 &

الكتاب ، واللفظ صواب (١) .

لذا يستحق شيخ قراءتهم وأحد القراء السبعة أن يكفره الوهابيون .

في الآية خطأ منطقي !

أخرج ابن أبي حاتم عن الأصمعي قال : قرأ أبو عمر (ويقضي الحق) وقال : لا يكون الفصل إلا بعد القضاء (٢) .

أبو عمرو يرى أن الآية الشريفة ( إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّـهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) (٣) معارضة للعقل ! ، والصحيح هو قراءته المخالفة لمصحف المسلمين (ويقضي الحق وهو خير الفاصلين) ! .

العلامة الراغب الأصفهاني

وهو أحد كبار علماء أهل السنة (٤) ، وكتابه (مفردات ألفاظ القرآن)

___________

(١) مجاز القرآن ٢ : ٢١ لأبي عبيدة المتوفى ٢١٠ هـ . ، ط . دار الفكر ، وعنه في تفسير كتاب الله العزيز للشيخ هود بن محكَّم الهواري ٣ : ٤٢ .

وقال الطبري في تفسيره ١٦ : ١٣٧ ، ط . دار الحديث : وحدثت عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال : قال أبو عمرو وعيسى بن عمر ، ويونس : (إن هذين لساحران) في اللفظ وكتب ( هَـٰذَانِ ) (طه : ٦٣) . كما يريدون الكتّاب .

(٢) الدر المنثور ٣ : ١٤ .

(٣) الأنعام : ٥٧ .

(٤) قال محقق كتاب (المفردات) للراغب الأستاذ صفوان عدنان داوودي في المقدمة : ١٤ ـ ١٥ ط . دار القلم : تنازع الناس في عقيدة الراغب ، فقال قوم : هو من المعتزلة ، وقال آخرون : هو من

=

٢٣١
 &



___________

=

الشيعة ، وقال غيرهم : هو من أهل السنة والجماعة .

والصحيح الذي لا غبار عليه ـ إن شاء الله ـ أنه من أهل السنة والجماعة . ويؤيد هذا ما ذكره السيوطي فقال : كان في ظني أنه معتزلي ، حتى رأيت بخط الشيخ بدر الدين الزركشي على ظهر نسخةٍ من (القواعد الصغرى) لابن عبد السلام ما نصه :

ذكر الإمام فخر الدين الرازي في (تأسيس التقديس) في الأصول أن أبا القاسم الراغب كان من أئمة السنة وقرنه بالغزالي . قال : وهي فائدة حسنة ، فإن كثيرا من الناس يظنون أنه معتزلي انتهى .

ويتضح هذا أيضا من خلال كتابه (المفردات) حتى نجده يرد على المعتزلة ، فمن ذلك ردُّه على الجبائي شيخ المعتزلة في مادة (ختم) ، وعلى البلخي في مادة (خل) . وأيضا فإن الراغب قال في كتاب (الاعتقاد) : أما رؤية العباد لله عزّ وجلّ في القيامة فقد أثبتها الحكماء وأصحاب الحديث كما نطق به الكتاب والسنة .

وبذلك يخالف المعتزلة ـ أقول : والشيعة أيضاً ـ المنكرين للرؤية محتجين بقوله تعالى ( لَن تَرَانِي ) (الأعراف : ١٤٣) وله ردود أخرى عليهم في كتابه (الاعتقاد) . وأما تشيعه فقد أراد الشيعة أن يجعلوه بصفهم ومن جماعتهم نظرا لكثرة علمه وسعة اطلاعه ـ أقول : الشيعة تعتقد أن ظفر إصبع لأحد أئمتهم يبز جميع علماء الدنيا فضلا وشرفا ـ واستدلوا على ذلك بكثرة نقوله عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأئمة آل البيت . وهذا ليس بحجة إذ حب آل البيت جاءت به الأخبار الصحيحة ، فإذا ما أحبهم أحد ونقل كلامهم فلا يعني أنه شيعي ـ أقول : هذا صحيح ، وقاله نفس علماء الشيعة ، راجع روضات الجنات للخونساري ـ ، وكثير من العلماء استشهدوا بأقوال آل البيت كالزمخشري مثلا في (ربيع الأبرار) ، والغزالي في

=

٢٣٢
 &

أشهر من النار على المنار ، وقد عنون في كتابه (المحاضرات) ما يدل بوضوح على قوله بوقوع التحريف في القرآن نحو هذا العنوان (ما في القرآن من تغيير

___________

(إحياء علوم الدين) ، والفيروزآبادي في (بصائر ذوي التمييز) وغيرهم ولم يقل أحد : إنهم من الشيعة . والذي يبطل مزاعمهم أيضا قول الراغب نفسه في رسالة الاعتقاد لما ذكر أهل البدع قال : وأعظمهم فرقتان : فرقة تدبُّ في ضراء ، وتسير حسواً في ارتضاء ، تظهر موالاة أمير المؤمنين ، وبها إضلال المؤمنين ، يتوصلون بمدحه وإظهار محبته إلى ذم الصحابة وأزواج النبي رضي الله عنهم ، وشهد التنزيل بذلك لهم ! ـ أقول : مثلما شهد الله على عائشة وحفصة في سورة التحريم ، وعلى بعض الصحابة في سورة براءة والمنافقين ! ـ ، ويقولون كلام الله رموز وألغاز لا ينبئ ظاهره عن حق ، ومفهومه عن صدق ، يجعل ذلك من الذرائع إلى إبطال الشرائع . انتهى ،

وقال أيضا في موضع آخر : والفرق المبتدعة الذين هم كالأصول للفرق الاثنتين والسبعين سبعة : المشبَّهة ، ونفاة الصفات ، والقدرية ، والمرجئة ، والخوارج ، والمخلوقية ، والمتشيعة .

فالمشبهة ضلّت عن ذات الله ، ونفاة الصفات في أفعاله ، والخوارج في الوعيد ، والمرجئة في الإيمان ، والمخلوقية في القرآن ، والمتشيعة ضلت في الإمامة . والفرقة الناجية هم أهل السنة والجماعة الذين اقتدوا بالصحابة ـ أقول : بالصحابة الذين أمروا أن يتمسكوا بأهل البيت بعد القرآن ! ـ . انتهى

كل هذا يبين لنا أن الراغب ليس من المعتزلة ولا من الشيعة ، بل من أهل السنة والجماعة ، ويكفي للقول بعدم تشيعه مدحه وتفضيله لابن أبي قحافة وابن الخطاب في كتابه المحاضرات .

٢٣٣
 &

الكتابة) ، وكذا هذا العنوان (ما سد منه لحناً) حيث قال :

(ما في القرآن من تغيير الكتابة) : كان القوم الذين كتبوا المصحف لم يكونوا قد حذقوا الكتابة ، فلذلك وضعت أحرف على غير ما يجب أن تكون عليه .

وقيل : لما كتبت المصاحف وعرضت على عثمان وجد فيها حروفا من اللحن في الكتابة ، فقال : لا تغيروها ، فإن العرب ستغيرها أو ستعبر بها ، ولو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم يوجد فيه هذه الحروف .

(ما سد منه لحناً) : سألت عائشة عن لحن القرآن عن قوله : ( قَالُوا إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (١) وعن قوله ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (٢) وعن قوله : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) (٣) ، فقالت : يا بن أختي هذا عمل الكُتّاب أخطأوا في الكِتابة (٤) .

والمضحك أن الوهابية يعتمدون كتاب (المفردات) للراغب الأصفهاني وهو كافر على مذهبهم !

___________

(١) طه : ٦٣ .

(٢) النساء : ١٦٢ .

(٣) المائدة : ٦٩ .

(٤) محاضرات الأدباء ٢ : ٤٣٤ ـ ٤٣٥ ، ط . دار مكتبة الحياة .

٢٣٤
 &

الأزهري ابن الخطيب :

الشيخ ابن الخطيب هو أحد من ماثل عمله عمل الشيخ النوري في تأليف كتاب يثبت فيه تحريف القرآن المزعوم ، فجمع الروايات وأقوال الصحابة في تحريف القرآن وكافح ابن الخطيب ونافع في كتابه الفرقان ـ الذي حصلنا عليه مؤخرا ـ عن فكرة التحريف وصار يرد على بعض علماء الأزهر ، وسننقل بعض الموارد من كتابه ، قال في فصل (ما غيّره الحجاج في المصحف) من كتابه الفرقان :

قد غيّر الحجاج بن يوسف الثقفي في الصحف (١) ، إثنا عشر موضعا :

كانت في سورة البقرة (لم يتسنّ) فغيرها ( لَمْ يَتَسَنَّهْ ) (٢) بالهاء .

وكانت في سورة المائدة (شريعة ومنهاجا) فغيرها ( شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) (٣) .

وكانت في سورة يونس (هو الذي ينشركم) فغيّرها ( يُسَيِّرُكُمْ ) (٤) .

وكانت في سورة يوسف (أنا آتيكم بتأويله) فغيرها ( أَنَا أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ ) (٥) .

___________

(١) هنا علق ابن الخطيب في هامشه بقوله (وهو المصحف الذي كتب في عهد عثمان . والحجاج أول من نقط المصحف وشكله ، بأمر من الخليفة عبد الملك بن مروان) .

(٢) البقرة : ٢٥٩ .

(٣) المائدة : ٤٨ .

(٤) يونس : ٢٢ .

(٥) يوسف : ٤٥ .

٢٣٥
 &

وكانت في سورة المؤمنين (سيقولون لله) فغيرها ( سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ ) (١) . وفي نفس السورة أيضا (سيقولون لله) فغيرها ( سَيَقُولُونَ لِلَّـهِ ) (٢) .

وكانت في سورة الشعراء ـ في قصة نوح عليه السلام ـ (من الخرجين) وفي نفس السورة ـ وفي قصة لوط عليه السلام ـ (من المرجومين) فغير التي في قصة نوح وجعلها ( مِنَ الْمَرْجُومِينَ ) (٣) . وجعل التي في قصة لوط ( مِنَ الْمُخْرَجِينَ ) (٤) .

وكانت في سورة الزخرف (نحن قسمنا بينهم معايشهم) فغيرها ( مَّعِيشَتَهُمْ ) (٥) .

وكانت في سورة الذين كفروا (من ماء غير ياسن) فغيرها ( آسِنٍ ) (٦) .

وكانت في سورة الحديد (فالذين آمنوا واتقوا) فغيّرها ( وَأَنفِقُوا ) (٧) .

وكانت في سورة التكوير (وما هو على الغيب بظنين) فغيرها ( بِضَنِينٍ ) (٨) .

___________

(١) المؤمنون : ٨٧ .

(٢) المؤمنون : ٨٩ .

(٣) الشعراء : ١١٦ .

(٤) الشعراء : ١٦٧ .

(٥) الزخرف : ٣٢ .

(٦) محمد : ١٥ .

(٧) الحديد : ٧ .

(٨) التكوير : ٢٤ .

٢٣٦
 &

سبب ما فعله الحجاج من التغيير : ولم يصنع الحجاج ما صنع إلا بعد اجتهاده وبحثه مع القرّاء والفقهاء المعاصرين له . وبعد اجماعهم على أن جميع ذلك قد حدث من تحريف الكُتّاب والناسخين (١) ، الذين لم يريدوا تغييرا ولا تبديلا ، وإنما حدث بعض ما حدث لجهلهم بأصول الكتابة وقواعد الإملاء والبعض الآخر لخطأ الكاتب في سماع ما يملى عليه ، والتباسه فيما يتلى عليه .

ولا يتنافى هذا مع قوله جل شأنه ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (٢) . لأن المراد بالحفظ مفهوم الألفاظ لا منطوقها (!!) لأن الألفاظ ما صيغت إلا ليستدل بها على معان مخصوصة قصد بها أوامر ، ونواه وعبادات ، ومعاملات ، وجميعها مصان محفوظ ، مهما تقادم الدهر ، وتطاول العمر (٣) .

وقال ابن الخطيب في فصل (التناقض الموجود في رسم المصحف) من كتابه الفرقان :

قصور كاتب المصحف في الهجاء : وعلم الله تعالى أن هذا الرسم لم

___________

(١) هذا ابن الخطيب إدعى إجماع علماء أهل السنة على تحريف القرآن في زمن الحجاج ، فهل يلزم الشيعة أهل السنة بهذا الإجماع الذي ادّعاه عالمهم ، كما ألزم الوهابيون الشيعة بإجماع أطلقه بعض الشيعة ولا أساس له من الصحة ؟! .

(٢) الحجر : ٩ .

(٣) الفرقان لابن الخطيب : ٥٠ ـ ٥٢ ، ط . دار الكتب العلمية .

٢٣٧
 &

يناقض بعضه بعضا إلا لتوهم الكاتب للمصحف الأوّل (١) وقصوره في فن الهجاء وخطئه ـ نعم أقولها واضحة جلية بدون مواربة ، فالحق لا يقبل المحاباة ولا المداجاة ـ لأن ذلك الكاتب من البشر ، وسائر البشر يجوز في حقهم السهو ، والخطأ ، والنسيان ، والقصور ، وقد قال بذلك ، عائشة ، وابن عباس وغيرهما من فضلاء الصحابة الذين أخذنا عنهم الشريعة ، الدين والقرآن (٢) .

وقال ابن الخطيب في موضع آخر : وليس ما قدمناه من لحن الكُتّاب في المصحف بضائره ، أو بمشكك في حفظ الله تعالى له ، بل إن ما قاله ابن عباس وعائشة وغيرهما من فضلاء الصحابة وأجلاء التابعين ، أدعى لحفظه وعدم تغييره وتبديله (٣) .

جواز الخطأ على كُتّاب المصحف : ومما لا شك فيه أن كُتّاب المصاحف من البشر ، ويجوز عليهم ما يجوز على سائرهم من السهو والغفلة والنسيان والعصمة لله وحده . وقد اختلفوا في عصمة الأنبياء ، والقول الراجح أنهم معصومون فيما يتعلق برسالاتهم فقط ، أما ما عداها فشأنهم كشأن بقية البشر . ومثل لحن الكُتّاب كلحن المطابع ، فلو أن إحدى المطابع طبعت

___________

(١) قصد الصحابة الذين كتبوا المصحف .

(٢) الفرقان لابن الخطيب : ٨٣ ـ ٨٤ ، ط . دار الكتب العلمية .

(٣) يزعم أن هؤلاء الصحابة والتابعين قد أرشدونا إلى أماكن الخطأ واللحن .

٢٣٨
 &

مصحفا به بعض الخطأ ـ وكثيرا ما يقع هذا ـ وسايرها على ذلك بعض قرّاء هذا المصحف ، لم يكن ذلك متعارضا مع حفظ الله تعالى له وإعلائه لشأنه (١) .

قال ابن الخطيب في الفرقان : قول عثمان بأن في كتابة المصحف لحنا : وقد جاء أن عثمان قال ـ حين عرض عليه المصحف في كَتْبَتِهِ الأخيرة ـ : أرى فيه لحنا ، وستقيمه العرب بألسنتها . ولا شك أن عثمان يقصد بذلك اللحن الذي ستقيمه العرب بألستنها : الخطأ البادي في الهجاء ، والتناقض الموجود في رسم المصحف القديم .

قول عائشة بخطأ كاتب المصحف الأول : روى أبو معاوية عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : ثلاثة أحرف في كتاب الله هي خطأ من الكاتب ( إِنْ هَـٰذَانِ لَسَاحِرَانِ ) (٢) . و ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) (٣) . و ( لَّـٰكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ

___________

(١) الفرقان لابن الخطيب : ٤٥ ـ ٤٦ ، ط . دار الكتب العلمية . أقول : لكنه نسي أو تناسى أن الخطأ الذي زعمه في مصحفنا هو الثابت والأصل الذي لا يوجد له أصل آخر نرجع إليه فصار الخطأ ـ بزعمه ـ صحيحا في نظر المسلمين وهذا هو التحريف ، وليس الأمر كالخطأ العارض لنسخة منه في أي مطبعة !!

(٢) طه : ٦٣ .

(٣) المائدة : ٦٩ .

٢٣٩
 &

الزَّكَاةَ ) (١) .

أما وقد ثبت لنا الآن من قول عائشة رضي الله عنها ومن قول كثير من فضلاء الصحابة : خطأ الكاتب للمصحف الأول ، فلا معنى للتمسك بهذا الرسم ، الذي ثبت خطأُه بقول الرسول عليه الصلاة والسلام ، وقول عثمان رضي الله عنه ، وقول عقلاء الأمة وأدبائها ومفكريها . وقد كان هذا الرسم سببا في خطأ بعض القراء المشهورين ، كما سنبينه في الفصول القادمة إن شاء الله تعالى (٢) انتهى .

من ستر عليه ابن الأنباري من علماء أهل السنة

قال أحد علماء أهل السنة بوقوع التحريف في القرآن ، وكان له من الشهرة ما أمكن ضبط كلماته في تحريف القرآن بكل دقة وإتقان ، وقد كان متصديا لإمامة الناس في الصلاة ، ويؤثر إمامتهم بالقراءات الشاذة التي قرأ بها الصحابة ، وقد شنع عليه الإمام أبو بكر بن الأنباري وذكره في كتابه ، ولكنه تستر على اسمه وصار ينكل به من غير تصريح حتى لا يستفحل الأمر وتفوح الرائحة ، قال :

فزعم أن المصحف الذي جمعه عثمان رضي الله عنه ـ باتفاق أصحاب رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم على تصويبه فيما فعل (٣) ـ لا يشتمل

___________

(١) النساء : ١٦٢ .

(٢) الفرقان لابن الخطيب : ٩٠ ـ ٩١ ، ط . دار الكتب العلمية .

(٣) قد مر أن هذا القول باطل ، لعدم الدليل عليه ، ولموقف ابن مسعود الرافض لهذا الجمع ولمن

=

٢٤٠