إعلام الخلف - ج ٣

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ٣

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

له (أأثبتها ؟) فرد عليه أبي بن كعب أنه لا محذور في ذلك ! ثم ذكرت الرواية أن عمر أثبتها في المصحف ، وعليه كيف أثبت عمر في القرآن ما ليس منه إن لم يكن كلام أبي صحيحا في نظره ؟! ثم أين هي ؟ ومن الذي حذفها ؟

وبهذا يكون أبي بن كعب قد صدَّق ابن عباس في أن عمر قد أسقط آية من القرآن ، وإلا فكيف يسمح أبي بن كعب لنفسه بكتابة تلك الجملة في القرآن إن لم تكن كغيرها من آيات القرآن في نظره ؟!

أبو موسى الأشعري

المفتري (محمد . م) أراد إثبات تحريف القرآن للشيعة ، فأصم الله هواه وأعمى شيطانه ليختم كتيبه بالحق وهو إثبات تحريف القرآن لسيده ومولاه أبي موسى الأشعري ، وذلك حين عقب الوهابي على ما ادعى أبو موسى الأشعري قرآنيته ، فقال : إن ما ادعى أبو موسى قرآنيته ليس من القرآن ولو كان قرآنا لبلغ التواتر ، وهذا إثبات صريح وشهادة على أبي موسى بأنه أضاف للقرآن ما ليس منه ، وعلم ربك كيف يبعد شيطان هذا الوهابي فأنطقه بالحق كارها ، ونذكر رواية أبي موسى ونعقبها بما ذكر الوهابي :

أخرج مسلم في صحيحه عن أبي الأسود ظالم بن عمرو قال : بَعثَ أبو موسى الأشعري إلى قرّاء أهل البصرة ، فدخل عليه ثلاثمئة رجل قد قرأوا القرآن . فقال : أنتم خيار أهل البصرة وقرّاؤهم . قاتلوه ، ولا يطولن عليكم الأمد فتقسو قلوبكم كما قست قلوب من كان قبلكم ، وإنّا كنّا نقرأ سورةً كنّا نشبِّهها في الطّول والشّدة ببراءة ، فأنْسيتُها ، غير أنّي قد حفظت منها (لو كان لابن آدم واديان من مالٍ لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف

١٦١
 &

ابن آدم إلّا التراب) (١) .

فعلق عليها المغفل بقوله : وحديث (لو كان لابن آدم واديان من مال) لا يبلغ أن يكون قرآنا معجزاً ، إذا لو كان كذلك لبلغت رواياته بأنه من القرآن حد التواتر ، ولما توقف ابن عباس وأنس بن مالك عن إثباته فيه .

وأما رواية أبو موسى في مسلم (إنا كنا نقرأ سورة ... فأُنسيتها) فلو كانت قرآنا يماثل ما هو محفوظ بين الدفتين لرأيت ألوف الصحابة كانوا على ذكر منها . فإذا نسيها الواحد أو الآحاد ذكّرهم غيرهم . وكان من حفظ حجة على من لم يحفظ . والوحي أقسام : ومنه ما لا يبلغ درجة القرآن ، والقرآن ما ثبت بالتواتر جملا وتفصيلا وهو ما بين الدفتين بلا زيادة ولا نقصان (٢) .

فانظر كيف خذله الله فاعترف بأن أبا موسى الأشعري أدخل ما في القرآن ما ليس منه ، عمدا أو سهوا ، فلو سلمنا بكل ما في كتيبه لخلصنا إلى نتيجة وهي أن أبا موسى الأشعري وبعض الشيعة قالوا بتحريف القرآن وهم كفرة !

سلمان الفارسي

الآية فيها كلمة مبدلة !

أخرج أبو عبيد في فضائله ، وابن أبي شيبة في مسنده ، وعبد بن حميد

___________

(١) صحيح مسلم ٣ : ١٠٠ كتاب الزكاة باب كراهية الحرص على الدنيا وبشرح النووي ٧ : ١٣٩ ١٤٠ ، وعن المسند الجامع ١١ : ٤١٤ (أبو موسى الأشعري) .

وعن الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٢٥ (ذكر جزء الحديث الأخير فقط) .

(٢) الشيعة وتحريف القرآن : ١٦١ .

١٦٢
 &

والبخاري في تاريخه ، والحارث بن أبي أسامة في مسنده ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والبزار وابن الأنباري في المصاحف ، وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه : عن سلمان أنه سئل عن قوله ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا ) (١) . قال : الرهبان الذين في الصوامع ، نزلت على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم (ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا) (٢) .

ولفظ البزار : دع القسيسين في البيع والخرب ! أقرأني رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم (ذلك بأن منهم صديقين) (٣) .

قال الحكيم الترمذي : قال سلمان رضي الله عنه : قرأت على رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ( ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا ) فأقرأني

___________

(١) المائدة : ٨٢ .

(٢) الدر المنثور ٢ : ٣٠٤ .

(٣) في مسند البزار ، بهذا السند (حدثنا بشر بن آدم قال : أخبرنا نصير بن أبي الأشعث قال : حدثني الصلت الدهان ، عن جاثمة بن رئاب قال ...) ، وقال ابن كثير في تفسيره ٢ : ٨٧ : (وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا بشر بن آدم ، حدثنا نصير بن أبي الأشعث ، حدثني الصلت الدهان عن جاثمة بن رئاب قال ...) . وقال محقق مسند البزار محفوظ الرحمان زين الله : (بشر بن آدم صدوق فيه لين ، نصير بن أبي الأشعث : هكذا عند البزار ـ أقول : وهو ثقة ـ ، ولكن عند الطبراني وغيره نصير بن زياد الطائي ، الصلت بن الدهان : لم يذكر البخار وابن أبي حاتم جرحاً ولا تعديلاً وذكر ابن حبان في الثقات ، جاثمة بن رئاب : وهو حامية بن رئاب سمع سلمان وروى عنه صلت الدهان ، لم يذكر فيه البخاري وابن أبي حاتم وذكره ابن حبان في الثقات) ، مسند البزار ، ٦ : ٤٩٩ ، ح ٢٥٣٧ ، ط . مكتبة العلوم والحكم .

١٦٣
 &

(ذلك بأن منهم صديقين ورهبانا) (١) .

هذه الرواية تفيد أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أقرأ سلمان رضوان الله تعالى عليه الآية بغير لفظ ( قِسِّيسِينَ ) ، لذا صار سلمان يأمر بنبذها وإبدالها بلفظ (صديقين) لأنها نزلت على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هكذا !

أبو الدرداء

الآية فيها زيادتان !

أخرج سعيد بن منصور وأحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن علقمة أنه قدم الشام فجلس إلى أبي الدرداء فقال له أبو الدرداء : ممن أنت ؟ قال : من أهل الكوفة . قال : كيف سمعت عبد الله يقرأ ( وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَىٰ ) ؟ (٢) . قال علقمة : (والذكر والأنثى) (٣) ، فقال أبو الدرداء : أشهد أني سمعت رسول الله

___________

(١) نوادر الأصول ١ : ٨٢ .

(٢) الليل : ١ .

(٣) وستأتي بإذنه تعالى كلمات بعض علماء أهل السنة التي استدلوا بها على عدم اعتبار مخالفة ابن مسعود للصحابة ، بدعوى أنه اعتاد نسيان كثير من أمور الدين ، مثل نسيانه قراءة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى صار يقرأ (والذكر والأنثى) ، وكلامهم هذا تصريح بأنه أنكر قرآنية ( وَمَا خَلَقَ ) .

١٦٤
 &

صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقرأ هكذا ، وهؤلاء يريدوني على أن أقرأها (خلق الذكر والأنثى) ، والله لا أتابعهم ! .

هذه الرواية التي أخرجها البخاري ومسلم في صحيحيهما واضحة في أن مقطع ( وَمَا خَلَقَ ) ليس من القرآن في نظر أبي الدرداء ، وإلا لما ترك قراءتها مع معارضة أهل الشام ، ولما أقسم على تركها .

عبد الله بن عباس

أخطأ الكاتب الناعس في كتابة المصحف !

ما أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره : عن عكرمة عن ابن عباس أنه كان يقرأها (أفلم يتبيّن الذين آمنوا) قال : كتب الكاتب الأخرى وهو ناعس ! (١) .

ما أخرج ابن الأنباري من طريق عكرمة : عن ابن عباس أنه قرأ : (أفلم يتبيّن الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعا) فقيل له : إنها في المصحف ( أَفَلَمْ يَيْأَسِ ) فقال : أظن الكاتب كتبها وهو ناعس (٢) .

ها هو حبر الأمة وجبل التفسير ابن عباس يدعي أن هذا المقطع من الآية ( أَفَلَمْ يَيْأَسِ ) (٣) وقع فيه تحريف ، حيث أخطأ الكاتب في كتابتها

___________

(١) تفسير الطبري ١٨ : ١٣٦ .

(٢) الإتقان ١ : ٥٤١ .

(٣) الرعد : ٣١ .

١٦٥
 &

بسبب نعاسه !

التصقت الواو فحرفت الآية !

أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري في المصاحف من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (١) قال : التزقت الواو بالصاد وأنتم تقرأونها ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ ) .

وأخرجه ابن أشته بلفظ : استمد الكاتب مدادا كثيرا فالتزقت الواو بالصاد .

وأخرجه من طريق الضحاك عن ابن عباس أنه كان يقرأ (ووصى ربك) ويقول : أمر ربك ، إنهما واوان التصقت إحداهما بالصاد (٢) .

وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما (٣) .

أخرج أبو عبيد وابن منيع وابن المنذر وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : أنزل الله هذا الحرف على لسان نبيكم صلى الله عليه [ وآله ] وسلم (ووصى ربك أن لا تعبدوا إلا إياه)

___________

(١) الإسراء : ٢٣ .

(٢) الإتقان ١ : ٥٤١ ـ ٥٤٢ .

(٣) الدر المنثور ٤ : ١٧٠ .

١٦٦
 &

فالتصقت إحدى الواوين بالصاد فقرأ الناس ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ ) (١) . ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد (٢) .

ابن حجر يدافع عن روايات التحريف !

هذه الروايات صحيحة السند وثابتة عن ابن عباس ، فقد دافع عن سندها من قيل في حقه إنه : وحيد عصره ، وإمام الدنيا بأسرها في أيامه في علوم الحديث والفقه والجرح والتعديل وجميع الفنون (٣) .

حيث اعترض على من طعن في تلك الروايات ، فأصر بدوره على أن رواية ابن عباس السابقة رجالها رجال الصحيح فلا مجال لردها ! ، وذهب إلى لزوم تأويلها لا رفضها ، وهذا ما قاله في فتح الباري :

وروى الطبري وعبد بن حميد بإسناد صحيح كلهم من رجال البخاري عن ابن عباس أنه كان يقرأها (أفلم يتبين) ويقول كتبها الكاتب وهو ناعس .

وقال : وأما ما أسنده الطبري عن ابن عباس فقد اشتد إنكار جماعة ممن لا علم لهم بالرجال صحته ، وبالغ الزمخشري في ذلك كعادته إلى أن قال : هي والله فرية ما فيها مرية ، وتبعه جماعة بعده ، والله المستعان ! وقد جاء نحو ذلك

___________

(١) الإسراء : ٢٣ .

(٢) الدر المنثور ٤ : ١٧٠ .

(٣) التقيد والإيضاح شرح مقدمة ابن الصلاح ـ التمهيد ـ .

١٦٧
 &

في قوله تعالى ( وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ) (١) قال : (ووصى) إلتزقت الواو في الصاد ، أخرجه سعيد بن منصور بإسناد جيد عنه ، وهذه الأشياء وإن كان غيرها المعتمد ، ولكن تكذيب المنقول بعد صحته ليس دأب أهل التحصيل ، فلينظر في تأويله بما يليق به (٢) .

وقول ابن حجر (فلينظر في تأويله بما يليق به) ظاهر في عجز عُدّته الجهنمية عن تأويل هذا المقطع ، وإلا كيف يؤولون (التزقت الواو في الصاد) ! وستأتي اعترافات علماء أهل السنة في أن ابن عباس كان يعتقد وقوع التحريف في القرآن ، فاتضح أن ابن عباس أحد الكفرة على مذهبهم !

القرآن ضحية الكاتب مرة أخرى !

أخرج الفريابي وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري ، في المصاحف ، والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان ، والضياء في المختارة من طرق عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ

___________

(١) الإسراء : ٢٣ .

(٢) فتح الباري ٨ : ٤٧٥ ، وفي الإتقان (التصقت الواو بالصاد) . وكشاهد نذكر كلام ابن الجوزي في زاد المسير ٥ : ١٧ : (( وَقَضَىٰ رَبُّكَ ) روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال : أمر ربك . ونقل عنه الضحاك أنه قال : إنما هو (ووصى ربك) فالتصقت إحدى الواوين بالصاد . وكذلك قرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل وسعيد بن جبير (ووصى) ، وهذا على خلاف ما انعقد عليه الإجماع فلا يلتفت إليه) . وعدم الالتفات إليه يعني أنه ثابت عنه ولكنه رأي شاذ .

١٦٨
 &

تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ) (١) . قال : أخطأ الكاتب ! إنما هي (حتى تستأذنوا) (٢) .

وما أخرجه ابن جرير وسعيد بن منصور في سننه من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله ( حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا ) (٣) . قال : إنما هي خطأ من الكاتب ! (حتى تستأذنوا وتسلموا) أخرجه ابن أبي حاتم بلفظ : هو فيما أحسب مما أخطأت به الكتاب (٤) .

ابن حجر يدافع عن روايات التحريف مرة أخرى !

ومرة أخرى نص ابن حجر على ثبوت هذه الأقوال المحرفة للقرآن عن حبر الأمة ابن عباس ، فقال :

وجاء عن ابن عباس إنكار ذلك ـ أي قوله تعالى ( تَسْتَأْنِسُوا ) ـ ، فأخرج سعيد بن منصور والطبري والبيهقي في الشعب بسند صحيح أن ابن عباس : كان يقرأ (حتى تستأذنوا) ويقول : أخطأ الكاتب . وكان يقرأ على

___________

(١) النور : ٢٧ .

(٢) الدر المنثور ٥ : ٣٨ ، يمكنك مراجعتها في الطبري ١٨ : ١١٠ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٤٣٠ ، ح ٣٤٩٦ (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ، شعب الإيمان ٦ : ٤٣٨ ح ٨٨٠١ ، وح ٨٨٠٢ (وقال : إنما هو وهم من الكتّاب) ، ح ٨٨٠٣ ، ح ٨٨٠٤ (ولكن سقط من الكاتب) ، معتصر المختصر ٢ : ٢٣٣ : أخطأ الكاتب ، إنما هي (حتى تستأذنوا وتسلموا) .

(٣) النور : ٢٧ .

(٤) الإتقان ١ : ٥٤١ .

١٦٩
 &

قراءة أُبي بن كعب (١) .

الكاتب يحرف القرآن من جديد !

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ( مَثَلُ نُورِهِ ) (٢) . قال : هي خطأ من الكاتب ! هو أعظم من أن يكون نوره مثل نور المشكاة قال : (مثل نور المؤمن كمشكاة) (٣) .

___________

(١) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ١١ : ٧ .

(٢) النور : ٣٥ .

(٣) الدر المنثور ٥ : ٤٨ ، قال السيوطي في الإتقان ١ : ٥٤٣ ـ ٥٤٤ : (أخرجه ابن أشته وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس) ، ثم قال : (وقد أجاب ابن أشته عن هذه الآثار كلها بأن المراد أخطأوا في الاختيار وما هو الأولى لجمع الناس عليه من الأحرف السبعة ، لا أن الذي كتب خطأ خارج عن القرآن) .

أقول : هذا الكلام فيه من الخطأ والتكلف الشيء الكثير ، ومنه :

١ ـ معنى الأحرف السبعة غير متفق عليه عند علمائهم ، بل هي من مشكل الأحاديث كما مرت كلماتهم ، فالجزم بكون خصوص هذه الأخطاء نتجت من اختيار الأولى من الأحرف السبعة رميٌ للكلام على عواهنه ، فعلى أي معنى منها حكّم هذه الموارد ؟!

٢ ـ سلمنا بالمعنى المشهور ، ولكن أغلب الموارد لا يتحمل تأويلها باختلاف الأحرف السبعة ، لأن أغلب تلك التحريفات حرفها الصحابة والتابعون لأجل عدم انسجام المعنى مع سياق الآية ، فمثلا ما نحن فيه وهو (نور المؤمن) وإبداله بـ ( مَثَلُ نُورِهِ ) فإن هذا يغيّر المعنى تماما ؛ لأن الضمير يرجع تارة إلى الله عزّ وجلّ ، وتارة للمؤمن ، وهذا لا ينسجم مع الأحرف

=

١٧٠
 &



___________

=

السبعة التي تقتضي تغيير الكلمات إلى مترادفات ، وأوضح منه ( وَقَضَىٰ ) و (وصى) إذ بينهما اختلاف وتغاير كبيرين ، ولذلك استدل ابن عباس بأن معنى (وصى) هو الذي ينسجم مع الآية والواقع لا لفظ ( وَقَضَىٰ ) ! ، وكذا تحريف الآية وتبديل ( فَاسْعَوْا ) إلى (فامضوا) التي حرفها ابن مسعود بدعوى أن السعي ليس هو المقصود وإنما المضي ، فهم ما بدلوا الآيات وحرفوها إلا لكي ينسجم المعنى وهذا لا يتم بكلمات مترادفة في المعنى ، فلا مجال للقول بأن هذا اختلاف بين الأحرف السبعة .

٣ ـ هذا التوجيه يمكن طرحه للنقاش في حال سكت الصحابة عن بيان سبب إنكارهم لكلمات مصحفنا ولكن الصحابة بينوا سبب إنكارهم لها ، فهناك موارد ذكر الصحابة فيها سبب الخطأ ، كاستمداد الكاتب مدادا التصقت به الواو بالصاد ! ، وهذه الموارد خارجة عن عالم التأويل ؛ لأنها نص صريح في سبب الخطأ ، لا أن التأويل لا ينسجم معها فقط .

٤ ـ بعض الموارد ينفي فيها ابن عباس نزول الآية على ما هو عليه في مصحفنا ، كقوله (ولو نزلت على القضاء ما أشرك به أحد) ، وواضح أن الأحرف السبعة قد نزل عليها القرآن ، وابن عباس يقول : إن الآية لم تنزل بهذا الشكل الموجود في مصاحفنا !! ، فلا مجال لدعوى الأحرف السبعة هنا .

٥ ـ ناهيك عن أن الخطأ قد نسبه ابن عباس للكاتب وليس للمملي ، حتى يقال : إن هذا من باب الخطأ في اختيار أحد الأحرف السبعة ؛ لأن الكاتب كان دوره كتابة ما يملى عليه فقط لا اختيار الوجوه .

٦ ـ ثم أليس القول بأن هذا الحرف خطأ وهذا صحيح يعني أن بعض القرآن خطأ وبعضه صحيح ؟! ، أليس هذا اختلافا في القرآن ، وهو يناقض قوله تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ

=

١٧١
 &



___________

=

كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّـهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (النساء : ٨٢) ؟!

٧ ـ ستأتي كلمات علماء أهل السنة كابن تيمية وابن الجوزي والقرطبي وغيرهم الناصة على ادعاء بعض الصحابة تحريف هذه المواضع من القرآن .

٨ ـ الظاهر حجة في نفسه ، ونحن نتمسك بظاهر الروايات ، ومن يركن للتأويل يلزمه الدليل ، فأين الدليل على هذا التأويل ؟!

نعم عقب السيوطي باستدلال لابن اشته على تأويله السابق بقوله : عن خارجة بن زيد قال : قالوا لزيد : يا أبا سعيد ، أوهمت إنما هي (ثمانية أزواج ، من الضأن اثنين اثنين ومن المعز اثنين اثنين ، ومن الإبل اثنين اثنين ، ومن البقر اثنين اثنين) فقال : لأن الله تعالى يقول ( فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ) فهما زوجان كل واحد منهما زوج الذكر زوج والأنثى زوج .

(قال ابن أشته : فهذا الخبر يدل على أن القوم يتخيرون أجمع الحروف للمعاني وأسلسها على الألسنة وأقربها في المأخذ وأشهرها عند العرب للكتابة في المصاحف ، وأن الأخرى كانت قراءة معروفة عند كلهم وكذا ما أشبه ذلك) . اهـ ، وهذا الكلام سخيف كسابقه ، ويرد عليه أمور :

١ ـ هذه الرواية إن دلت على شيء فإنما تدل على أن زيد بن ثابت عندما جمع المصحف اجتهد برأيه في الآية الكريمة ، وإلا لاحتج عليهم بأن نص الآية توقيف من الله عزّ وجلّ ولا يجوز التلاعب به .

٢ ـ كلام ابن اشته لا يقبله عاقل ؛ لأنه عد هذا المقطع الركيك (ثمانية أزواج ، من الضأن اثنين اثنين ، ومن المعز اثنين اثنين ، ومن الإبل اثنين اثنين ، ومن البقر اثنين اثنين) من

=

١٧٢
 &

وهكذا يتجاهر حبر الأمة ابن عباس بتحريف القرآن في موارد عدّة وسببه خطأ الكاتب ونعاسه ، فهل يكفّر الوهابيون ابن عباس أم لا ؟!

___________

=

الأحرف التي أنزل عليها القرآن ، لا يمكن قبوله لما في المقطع من كلمات تكرارية مملة لا ترقى صياغتها إلى بلاغة القرآن وإعجازه ، فكيف تكون من الوجوه الأخرى للقرآن التي نزلت من عند الله عزّ وجلّ ؟!

٣ ـ إن القرآن يثبت بالتواتر ، فكيف أثبت برواية آحاد أن ما قالوه هو حرف من حروف القرآن بدون إحراز للتواتر ؟!

٤ ـ لو تنزلنا وتجاوزنا عن كل هذه الإشكالات ، فمن أين علم ابن اشته أن ما ادعاه أولئك النفر هو من الأحرف السبعة ؟ أين الدليل عليه ؟!

٥ ـ ناهيك عن أن تأويل ابن اشته معارض بتأويل آخر ، ذكره ابن حجر في نفس فتح الباري هو للبيهقي ، مفاده أن قول ابن عباس أنه خطأ من الكاتب ، غلط منه ؛ لأن ما تشبث به ابن عباس إنما هو منسوخ تلاوة !! ، وواضح أن هذا الكلام علاوة على أنه يثبت التحريف لابن عباس ولكنه معذور فيه ! ، فهو أسخف الجميع ؛ لأن ابن عباس ادعى خطأ الكاتب بإلصاقه الواو بالصاد فصارت قافا فأين هذا من نسخ التلاوة ؟! .

٦ ـ لو سلمنا وتنازلنا عن كل هذا ، فإن هذا التأويل لابن اشته لا يتماشى مع كل الموارد ، وقد ذكرنا ذلك فيما سبق من الوجوه .

وأخيرا أقول : يا قوم ! إلى متى التلميع ؟! إلى متى التأويل ؟! إلى متى التحوير ؟! إلى متى ... ؟! إلى متى ... ؟! ... الخ !

١٧٣
 &

آية زواج المتعة محرفة !

تفسير الطبري : حدثنا حميد بن مسعدة قال : ثنا بشر بن المفضل ، قال : ثنا داود عن أبي نضرة ، قال : سألت ابن عباس عن متعة النساء ؟ قال : أما تقرأ سورة النساء ؟ قال قلت : بلى ! قال : فما تقرأ فيها (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) قلت : لا لو قرأتها هكذا ما سألتك ! قال ـ ابن عباس ـ : فإنها كذا ، وأخرجه أيضا من طريق ابن المثنى : ثني عبد الأعلى ، قال : ثني داود عن أبي النضرة ، قال : سألت ابن عباس ... الحديث .

حدثنا ابن المثنى ، قال ثنا حمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة عن أبي سلمة عن أبي نضرة قال : قرأت هذه الآية على ابن عباس ( فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ ) (١) . قال ابن عباس : (إلى أجل مسمى) !! قال : قلت : ما أقرأها كذلك ! قال ـ ابن عباس ـ : والله لأنزلها الله كذلك ، ثلاث مرّات (٢) ، يقصد أن ابن عباس قال : (والله لأنزلها الله كذلك ، والله لأنزلها الله كذلك ، والله لأنزلها الله كذلك) .

ابن عباس يدعو لتحريف القرآن !

أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن عباس أنه كان يقرأ ( وَلَقَدْ

___________

(١) النساء : ٢٤ .

(٢) تفسير الطبري ٥ : ١٢ ـ ١٣ ، المستدرك على الصحيحين ٢ : ٣٣٤ ، ح ٣١٩٢ ، وقال : (هذا حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه) ، وذكر في الدر المنثور ٢ : ١٤٠ (أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن الأنبارى في المصاحف والحاكم ، وصححه من طرق عن أبي نضرة الحديث) .

١٧٤
 &

آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً ) (١) ويقول : خذوا هذه الواو واجعلوها ههنا ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) (٢) الآية .

وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً ) (٣) قال : انزعوا هذه الواو واجعلوها في ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ) (٤) (٥) .

وأخرج أبو عبيد في فضائله : حدثنا يزيد بن هارون ، عن جرير بن حازم ، عن الزبير بن الخريت ، عن عكرمة قال : قال أبو عبيد : لا أدري أهو عن ابن عباس أم لا ؟ أنه كان يقرأ ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً ) (٦) ويقول : حولوا الواو إلى موضعها (والذين يحملون العرش ومن حوله) (٧) .

وها هو ابن عباس يصرح بأن هذه الآية ( وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ وَهَارُونَ

___________

(١) الأنبياء : ٤٨ .

(٢) آل عمران : ١٧٣ .

(٣) الأنبياء : ٤٨ .

(٤) غافر : ٧ .

(٥) تفسير الطبري ٥ : ٣٢٠ ، الإتقان ١ : ٥٤٢ .

(٦) الأنبياء : ٤٨ .

(٧) فضائل القرآن لأبي عبيد ٢ : ١٢٦ ، تحقيق الأستاذ أحمد عبد السلام الخياطي ، وهذا الاثر كل رجاله ثقات .

١٧٥
 &

الْفُرْقَانَ وَضِيَاءً ) (١) محرفة بزيادة حرف الواو فيها ، وآية ( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ) (٢) محرفة كذلك بسقوط نفس ذلك الحرف منها ، فما بال سلفهم يحرف القرآن ويدعو الناس لتحريفه ؟!

والمضحك المبكي أن كل هذه الموارد يحكم أهل السنة على معتقدها بالكفر والارتداد وأنه حلال الدم ، لا سيما الوهابية الذين صار التكفير عندهم عادة يومية .

ما في المصحف خطأ !

أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ (لا يسمعون إلى الملأ الأعلى) مخففة وقال : إنهم كانوا يتسمعون ، ولكن لا يسمعون ! (٣) .

حبر الأمة هنا يخطّئ القراءة المتواترة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي ( لَّا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَىٰ ) (٤) .

تفسير الطبري بسنده : عن ابن عباس قال : كان يقرأ (من الذين استحق عليهم الأولين) قال الراوي ، وقال : أرأيت لو كان الأوليان صغيرين

___________

(١) الأنبياء : ٤٨ .

(٢) غافر : ٧ .

(٣) الدر المنثور ٥ : ٢٧١ .

(٤) الصافات : ٨ .

١٧٦
 &

كيف يقومان مقامهما ؟! (١) .

وهذا الذي اجتهد فيه ابن عباس فخالفه هو قول الله تعالى ( مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيَانِ ) (٢) .

أخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ (واذكر عبدنا إبراهيم) ويقول : إنما ذكر إبراهيم ثم ذكر بعده ولده (٣) .

وعلى هذا يكون ما كتب في مصحف المسلمين ( وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ) (٤) خطأ في نظر ابن عباس !

أخرج البخاري في تاريخ بغداد من طريق الضحاك عن ابن عباس ، انه كان يقرأ القرآن على قراءة زيد بن ثابت إلا ثمانية عشر حرفا ، أخذها من قراءة عبد الله بن مسعود ، وقال ابن عباس : ما يسرني أني تركت هذه الحروف ، ولو ملئت لي الدنيا ذهبة حمراء ، منها حرف في البقرة (من بقلها وقثائها وثومها) بالثاء ، وفي الأعراف (فلنسألن الذين أرسل إليهم قبلك من رسلنا ولنسألن المرسلين) وفي براءة (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع

___________

(١) تفسير الطبري ، ٧ : ٢١ ، ط . دار المعرفة .

(٢) المائدة : ١٠٧ .

(٣) الدر المنثور ٥ : ٣١٨ ـ ٣١٩ .

(٤) ص : ٤٥ .

١٧٧
 &

الصادقين) في إبراهيم (وان كان مكرهم لتزول منه الجبال) وفي الأنبياء (وكنا لحكمهم شاهدين) وفيها (وهم من كل حدث ينسلون) وفي الحج (يأتون من كل فج سحيق) وفي الشعراء (فعلتها إذا وأنا من الجاهلين) وفي النمل (أعبد رب هذه البلدة التي حرمها) وفي الصافات (فلما سلما وتله للجبين) وفي الفتح (وتعزروه وتوقروه وتسبحوه) بالتاء وفي النجم (ولقد جاء من ربكم الهدي) وفيها (إن تتبعون إلا الظن) وفي الحديد (لكي يعلم أهل الكتاب أن لا يقدرون على شيء) وفي (ن) (لولا أن تداركته نعمة من ربه) على التأنيث (في إذا الشمس كورت) (وإذا الموؤدة سَألت بأي ذنب قتلت) وفيها (وما هو على الغيب بضنين) وفي الليل (والذكر والأنثى) قال : هو قسم فلا تقطعوه (١)

حبر الأمة هنا ينكر قرآنية هذا المقطع من الآية ( وَمَا خَلَقَ ) بدعوى أن الآية ( وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّىٰ وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَىٰ ) (٢) في سياق القسم فلا يجب قطعه بجملة معترضة وهي ( وَمَا خَلَقَ ) ! ، والصحيح أن تكتب بهذا الشكل (والنهار إذا تجلي والذكر والأنثى) !

أخرج سعيد بن منصور وابن جرير وابن أبي حاتم عن الجارود بن أبي سبرة رضي الله عنه قال : سمعني ابن عباس رضي الله عنهما اقرأ ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ

___________

(١) الدر المنثور ٦ : ٣٨٥ .

(٢) الليل : ٢ ـ ٣ .

١٧٨
 &

مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ) (١) فقال : ليست هناك ! ولكن (له معقبات من بين يديه ورقيب من خلفه) (٢) ، ما زال ابن عباس جريئاً على إنكار القرآن !

وهي في سنن سعيد بن منصور هكذا : حدثنا سعيد قال : نا ربعي بن عبد الله بن الجارود بن أبي سبرة ، قال : حدثني الجارود بن أبي سبرة ، قال : دخلت أنا وأبي على ابن عباس بالشام في يوم جمعة ، وقد خرج من مستحم له وقد اغتسل وأنا مستلق يقرأ ( لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّـهِ ) (٣) ، فقال ابن عباس : يا أبا سبرة ليست هناك المعقبات ولكن (له معقبات من خلفه ورقيب بين يديه) .

وكشاهد على ذلك نذكر قراءة ابن عباس لها ، كما في نفس المصدر السابق : حدثنا سعيد قال : نا سفيان عن عمرو بن دينار قال : كان ابن عباس يقرأ (له معقبات من بين يديه ورقباء من خلفه يحفظونه من أمر الله) (٤) .

أقول : هذه الرواية ورد مضمونها في تفسير القمي رضوان الله تعالى عليه ، وأخذها أحد صبيان الوهابية وصار يشنع بها على الشيعة ! ، ونتمنى

___________

(١) الرعد : ١١ .

(٢) الدر المنثور ٤ : ٤٨ ـ ٤٩ .

(٣) الرعد : ١١ .

(٤) سنن سعيد بن منصور ٥ : ٤٢٧ ، ح ١١٥٩ ، وح ١١٦٠ .

١٧٩
 &

من الوهابية الذين يشنعون على الشيعة بتفسير غير معتمد عندهم أن يخلصوا أنفسهم مما في كتبهم المعتبرة أولا ، وبعدها ينظرون في كتب غيرهم .

وأخرج بسند صحيح : حدثنا سعيد بن الربيع الرازي ، قال : ثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن عمرو بن حسن عن ابن عباس أنه كان يقرأ (ويذرك وإلاهتك) ، وقال : إنما كان فرعون يُعبَد ولا يَعبُد (١) .

والآية الكريمة التي خطأها ابن عباس هي ( وَقَالَ الْمَلَأُ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ ) (٢) .

تحريف شامل !

أخرج ابن مردويه عن عكرمة رضي الله عنه قال : كان ابن عباس يقرأ هذه الآية ( لِّتُؤْمِنُوا بِاللَّـهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) (٣) . قال : فكان يقول : إذا أشكل ياء أو تاء فاجعلوها على ياء فان القرآن كله على ياء .

وهو بهذا يؤيد ما كان يقرأ به ابن مسعود وسعيد بن جبير : أخرج أبو عبيد وابن المنذر عن هارون قال : في قراءة ابن مسعود (ويسبحوا الله بكرة

___________

(١) تفسير الطبري ٩ : ٢٦ ، إسناده صحيح ، ورجاله من الأئمة الثقات .

(٢) الأعراف : ١٢٧ .

(٣) الفتح : ٩ .

١٨٠