إعلام الخلف - ج ٣

صادق العلائي

إعلام الخلف - ج ٣

المؤلف:

صادق العلائي


الموضوع : العقائد والكلام
الناشر: مركز الآفاق للدراسات الإسلامية
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٩
الجزء ١   الجزء ٢   الجزء ٣
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

يقصد أن عمر بن الخطاب عد جملة الرجم آية من آيات القرآن حقيقة لا مجازا ، مع أنها في الواقع ليست إلا حديثا نبويا سمعه من رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، وهذا يعني بكل صراحة أن عمر نسب لكتاب الله جملة ليست منه .

وكذا بقية الموارد ، ولا أوضح من ادعائه قرآنية الحديث النبوي (الولد للفراش وللعاهر الحجر) فإن الجميع يعلم أنها ليست من القرآن ، ونذكر هنا بعض الموارد التي تثبت اعتقاده تحريف القرآن .

القرآن ثلاثة أضعاف الموجود !

أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب مرفوعاً : القرآن ألف ألف حرف وسبعة عشرون ألف حرف فمن قرأه صابراً محتسباً كان له بكل حرف زوجة من الحور (١) ، هذا من صريح التحريف ، وقد مرّ الكلام عنه .

___________

(١) مجمع الزوائد ٧ : ١٦٣ ، قال ابن حجر تعليقا على الرواية : (رواه الطبراني في الأوسط عن شيخه محمد بن عبيد بن آدم بن أبي إياس ، ذكره الذهبي في الميزان الحديث ، ولم أجد لغيره في ذلك كلاما ، وبقية رجاله ثقات) ، السيوطي في الدر المنثور ٦ : ٤٢٢ : (أخرج ابن مردويه عن عمر بن الخطاب قال : قال رسول الله ...) فذكره ، وراجع الإتقان في علوم القرآن ٢ : ٧٠ ، أقول : معنی كلام ابن حجر أن الذهبي خدش شيخ الطبراني لأنه تفرد بهذا الخبر أي أن هذا الخبر ضعيف الراوي الذي ثبت ضعفه بضعف الخبر !! وهذا دور صريح باطل ! فمعنى ذلك أن الرواية ضعيفة لأنها ضعيفة ! ، ثم من قال إنه تفرد بهذه الرواية عن الطبراني ؟! فلعل غيره رواها عنه في كتاب ابن مردويه ! ، ثم لو سلمنا (فالعقل لا يحكم بأن

=

١٤١
 &

ذهب كثير من القرآن مع النبي صلی الله عليه وآله وسلم !

في مصحف عبد الرزاق الصنعاني : عن يوسف بن مهران أنه سمع ابن عباس يقول : أمر عمر بن الخطاب مناديا فنادى إن الصلاة جامعة ثم صعد المنير فحمد الله وأثنى عليه ثم قال : يا أيها الناس لا تخدعن عن آية الرجم فإنها قد نزلت في كتاب الله عزّ وجلّ وقرأناها ، ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد صلی الله عليه [ وآله ] وسلم ، وآية ذلك أنه صلی الله عليه [ وآله ] وسلم قد رجم ، وأن أبا بكر قد رجم ورجمت بعدهما وإنه سيجيء قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم (١) .

وهذه صريحة في أن كثيرا من القرآن فقِد وضاع ، وكان سببه فقد الرسول الله صلی الله عليه وآله وسلم ، أي أنه صلی الله عليه وآله وسلم الوحيد الذي حفظها من بينهم ! ، والأعجب أنه يقول (لا تخدعن عن آية الرجم) وكأن عدم وجودها في المصحف من استغفال وخداع الأمة في نظره ! وعلى أي حال فإن إدعاء آية الرجم من عمر أخرجه البخاري في صحيحه كما مر .

الآية الكريمة غير صحيحة !

أخرج أبو عبيد في فضائله ، وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة ابن

___________

=

من سمع شيئا بمفرده من شيخه ثم رواه كما سمعه يخدش ذلك في وثاقته !

(١) مصنف عبد الرزاق ٧ : ٣٣٠ ، ح ١٣٣٦٤ .

١٤٢
 &

المنذر وابن الأنباري في المصاحف ، عن خرشة بن الحر قال : رأی معي عمر بن الخطاب لوحا مكتوبا فيه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) (١) . فقال من أملی عليك هذا ؟ قلت : أبي بن كعب . قال : إن أبيا أقرأنا للمنسوخ قرأها (فامضوا إلی ذكر الله) .

أخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال : قيل لعمر : إن أبيا يقرأ ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) (٢) . قال عمر : أبي أعلمنا بالمنسوخ ، وكان يقرأها (فامضوا إلی ذكر الله) (٣) .

ابن حجر يصحح التحريف !

قال ابن حجر العسقلاني مصححا الرواية الأولی : قوله ـ أي البخاري ـ : وقرأ عمر فامضوا إلی ذكر الله . ثبت هذا هنا في رواية الكشميهني وحده ، وروی الطبري عن عبد الحميد بن بيان ، عن سفيان ، عن الزهري ، عن سالم بن عبد الله ، عن أبيه قال : ما سمعت عمر يقرأها قط فامضوا . ومن طريق مغيرة عن إبراهيم قال : قيل لعمر : إن أبي بن كعب يقرأها ( فَاسْعَوْا ) ! قال : أما أنه أعلمنا وأقرأنا للمنسوخ ، وإنما هي : فامضوا . وأخرجه سعيد بن منصور فبين الواسطة بين إبراهيم وعمر وأنه خرشة بن الحر ، فصح الإسناد (٤) .

___________

(١) و (٢) الجمعة : ٩ .

(٣) الدر المنثور ٦ : ٢١٦ .

(٤) فتح الباري لابن حجر ٨ : ٤٩٢ ، ولزيادة الاطمئنان بصحة نسبة هذا التحريف أو القراءة

=

١٤٣
 &

أقول : هذا معتقد ابن الخطاب فيما كُتب في مصاحف المسلمين ، فهو يرى أن هذه الآية ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) ليست بالمفردات الصحيحة والذي يجب أن يكتب في المصحف هو (فامضوا إلی ذكر الله) لأن هذا هو الذي ثبت عليه الإسلام وما غيره ألغی الله عزّ وجلّ قرآنيته ! .

قال القرطبي في تقسيره : ما نسخ لفظه وحكمه أو لفظه دون حكمه ليس بقرآن على ما يأتي بيانه عند قوله تعالى ( مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ ) إن شاء الله تعالی (١) .

ولا أدري كيف زاغت الأبصار عن الآية حتی خالفوا فيها مراد الله عزّ وجلّ ، فبقت على ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) ؟!

___________

=

لعمر يمكن مراجعة صحيح البخاري ٦ : ٦٣ ، السنن الكبرى للبيهقي ٣ : ٢٢٧ ، كتاب الأم للإمام الشافعي ١ : ٢٢٥ ، الموطأ للإمام مالك ١ : ١٠٦ ، ح ١٣ ، ، مجمع الزوائد للهيثمى ٧ : ١٢٤ ، كنز العمال للمتقي الهندي ٢ : ٥٩٣ (أبو عبيد ص ش وابن المنذر وابن الانباري في المصاحف) ، ٢ : ٥٩٧ (عبد بن حميد) ، تنوير الحوالك للسيوطي : ١٢٧ ، حاشية الدسوقي ١ : ٣٢٨ ، الثمر الداني للآبي الأزهري : ٢٣٠ ، المغني لابن قدامه ٢ : ١٤٣ ، الشرح الكبير لعبد الرحمان بن قدامه ٢ : ١٤٣ ، كتاب المسند للشافعي : ٥٠ ، فتح القدير للشوكاني ٥ : ٢٢٨ ملاحظة بعض المصادر قد تكون عيالا على بعض ، ولذا لم نقصر على ذكر المصادر الأم لاحتمال عدم توفرها عند القارئ المحترم .

(١) تفسير القرطبي ١ : ٨٦ .

١٤٤
 &

يقر بضياع آية من القرآن يوم اليمامة !

عن ابن أبي داود في المصاحف بسنده : أن عمر بن الخطاب سأل عن آية من كتاب الله فقيل : كانت مع فلان ، قتل يوم اليمامة ! فقال : إنا الله ! فأمر يجمع القرآن (١) .

___________

(١) تاريخ القرآن للكردي الخطاط : ٢٥ .

أقول : يمكن أن يحاول أهل التأويل ايجاد مخرج لمتن الرواية بالقول أن ابن الخطاب طلب نصها المكتوب ! ، ولكنه أمر غير مستفاد من الرواية كما هو واضح ، ثم إن هذا الطلب للمكتوب إنما قيل ـ بزعمهم ـ بعد الأمر بجمع القرآن وحال المباشرة بجمعه لا قبله ، والرواية صريحة في كونها قبله ، ثم ما دخل فقدان المكتوب بقتل القارئ ؟! فإن القارئ لا يقاتل ومعه المكتوب حتى يفقد ! . وحاول الكردي تأويل الرواية بطريق آخر فقال : (ويحتار بعضهم في فهم هذه الرواية ، كيف أن الآية التي سأل عنها عمر لا توجد إلا مع فلان الذي قتل يوم اليمامة ؟! فنقول : إن منطوق الرواية لا يدل على حصر الآية عند فلان ، فهناك غيره ممن يحفظها أيضا ، فعمر لما سمع بقتل فلان يوم اليمامة خاف من قتل حفاظ كلام الله تعالى أن يضيع القرآن فراجع أبا بكر في ذلك حتى جمعه في الصحف) .

أقول : إن الرواية ظاهرة في الحصر ، نعم جملة (كانت مع فلان ، قتل يوم اليمامة) بمنطوقها لا تدل على الحصر ، ولكن الرواية مع ملاحظة القرائن الداخلية ظاهرة في الحصر ، إذ لو لم تكن الآية مختصة بفلان لأجابوا سؤاله وقالوا له : إن الآية التي سألت عنها هي مع فلان وفلان : وقد كانت مع فلان الذي قتل : ونحن نحفظها أيضا ، لا أن يقال : أنها كانت مع رجل قتل يوم اليمامة ، فيسترجع ويتحسف على الآية فيأمر بجمع القرآن ! ، ثم إن عددا كبيرا من الحفاظ قد قتل يوم اليمامة فما بال فلان قد خص من بينهم بالذكر ، أليس لاختصاصه

=

١٤٥
 &

وهذا يعني أن ابن الخطاب التفت إلی جمع القرآن حينما علم بفقد الآية بموت من كان يحفظها ولم ينكر على من لهج أمامه بضياعها بل استرجع متأثراً بالمصيبة التي حلت بالقرآن !

الآية مزيد فيها كلمة !

حدثنا معاذ بن شبة بن عبيدة قال : حدثني أبي عن أبيه عن الحسن : قرأ عمر : (والسابقون الأولون من المهاجرين والذين اتبعوهم بإحسان) فقال أبي ( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ ) (١) . فقال عمر : (والسابقون الأولون من المهاجرين والذين اتبعوهم بإحسان) وقال عمر : أشهد أن الله أنزلها هكذا ، فقال أبي رضي الله عنه : أشهد أن الله أنزلها هكذا ، ولم يؤامر فيه الخطاب ولا ابنه (٢) .

___________

=

بحفظها ؟! ، ثم إن استرجاع عمر بن الخطاب وتأثره ليس لاستشهاد فلان ؛ لأن القتل يوم اليمامة كان معلوما وقد استحر بالقراء ، وتعقيب استرجاعه بالأمر بجمع القرآن يدل على أن المصيبة حلت بالقرآن لا بفقد الشهيد ، ومصيبة القرآن هذه ليست إلا فقد الآية ، ثم من أين علم الكردي نص الآية حتى يقول : فهناك غيره ممن يحفظها أيضا ؟! ، وهذا ليس بعجيب على من ينتهج سياسة التأويل والترقيع ! ، وستأتي كلمات عدة من سلفهم الصالح على فقدان كثير من الآيات يوم اليمامة لم تُعرف ولم تُكتب ، وهذا موافق لما تدعيه هذه الرواية .

(١) التوبة : ١٠٠ .

(٢) تاريخ المدينة ٢ : ٧٠٩ ، الدر المنثور ٣ : ٢٦٩ ، قال ابن كثير في تفسيره ٢ : ٣٩٨ . ذكرنا بعض الروايات فيما سبق التي تحكي لنا وقوف أُبي بن كعب رضوان الله تعالى عليه في وجه إنكار

=

١٤٦
 &

قلنا فيما سبق أن روايات الكافي التي فيها (نزلت هكذا) هي بمعنی التنزيل المفسر للآية ، ولكن قول عمر هذا لا يمكن عده من التنزيل ؛ لأنه حذف لكلمة من الآية ، والتنزيل دوره دور التفسير لا الحذف من الآية .

عثمان بن عفان

في القرآن لحن !

وهذا ابن عفان يدّعي أن في مصحفنا أخطاء وأغلاطا وهو المسمی باللحن ، واللحن المتهم به القرآن منه ـ والعياذ بالله ـ قوله تعالی ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ ) (١) فقد ادعوا أن فيها لحنا وخطأً ولكي تكون سليمة من هذا الخطأ يجب أن تكتب (والصابئين) بالياء ، وكذا قوله تعالى : ( وَالْمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ ) (٢) يجب أن تكتب (والمؤتين الزكاة) بالياء ، وكذا غيرها من الموارد التي يجب أن تبدل إلی ما يوافق قواعد اللغة العربية ليكون القرآن سليما ـ بزعمهم ـ من هذا التحريف ! وبعض هذه الموارد سيأتي التعرض لرواياتها في موضع آخر بإذنه تعالى ، ولنذكر رواياتهم التي تنص على وجود اللحن والخطأ في القرآن بشكل عام .

أخرج ابن أبي داود عن عكرمة قال : لما أُتي عثمان بالمصحف رأی فيه

___________

=

ابن الخطاب لذكر الأنصار في الآية .

(١) المائدة : ٦٩ .

(٢) النساء : ١٦٢ .

١٤٧
 &

شيئا من لحن فقال : لو كان المملي من هذيل من الكاتب من ثقيف لم يوجد فيه هذا (١) .

أخرج ابن أبي داود عن عبد الأعلى بن عبد الله بن عامر القرشي قال لما فرغ من المصحف أُتي به عثمان فنظر فيه فقال : قد أحسنتم وأجملتم أرى شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنتها .

أخرج ابن أبي داود عن قتادة : أن عثمان لما رفع إليه المصحف قال : إن فيه لحنا وستقيمه العرب بألسنتها .

أخرج ابن أبي داود عن يحيی بن يعمر قال : قال عثمان : إن في القرآن لحنا وستقيمه العرب بألسنتها .

أمير المؤمنين عليه السلام

الآية خطأ !

أخرج ابن جرير وابن الأنباري في المصاحف عن قيس بن عبد قال : قرأت على علي عليه السلام ( وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ) (٢) . فقال علي : ما بال الطلح ! أما تقرأ ( طَلْعٍ ) ؟ ثم قال : ( طَلْعٌ نَّضِيدٌ ) (٣) . فقيل له : يا أمير المؤمنين أنحكها من المصاحف ؟ فقال : لا يهاج القرآن اليوم (٤) .

___________

(١) كتاب المصاحف لابن أبي داود ١ : ٢٣٢ وما بعدها ، تحقيق محب الدين واعظ .

(٢) الواقعة : ٢٩ .

(٣) ق : ١٠ .

(٤) الدر المتثور ٦ : ١٥٧ ، وفي تفسير الطبري ٢٧ : ١٠٤ .

=

١٤٨
 &

وقال ابن عبد البر في التمهيد : وأما (وطلع منضود) فقرأ به علي بن أبي طالب وجعفر بن محمد ـ عليهما السلام ـ وروي ذلك عن علي بن أبي طالب من وجوه صحاح متواترة ، منها ما رواه يحيی بن آدم قال : أنبأنا يحيی بن أبي زائدة ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن قيس بن عبد الله وهو عم الشعبي عن علي : أن رجلا قرأ عليه ( وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ ) فقال علي : إنما هو (وطلع منضود) ! قال : فقال الرجل : أفلا تغيرها ؟! فقال علي : لا ينبغي للقرآن أن يهاج (١) .

فهذا أمير المؤمنين عليه السلام عِدل القرآن وسيد العترة الطاهرة بعد أخيه النبي صلی الله عليه وآله وسلم تزعم رواياتهم أنه أنكر ما في مصاحف المسلمين ، أليس الإمام علي عليه السلام من سلفهم الصالح وهذه رواياتهم ؟!

عبد الله بن مسعود

لو أردنا الوقوف عند كل ما نسبته روايات أهل السنة لابن مسعود مما له علاقة بالتحريف لطال بنا المقام ، ولكنا سنقتصر هنا على المهم كإنكاره قرآنية المعوذتين وبعض آخر .

___________

=

أقول : لا يخفی عليك أخي القارئ أن هذا المورد وبعض الموارد الآتية ذكرت من باب الإلزام لا غير ولا تعبر رأي الشيعة ، وبملاحظة ترتيب أسماء الشخصيات تعلم أننا نحاكي أهل السنة في ذلك .

(١) التمهيد لابن عبد البر ٨ : ٢٩٧ .

١٤٩
 &

القرآن حرف بإدخال عوذتين فيه !

جاهر ابن مسعود بنفي قرآنية المعوذتين ، ودعا غيره من الصحابة والتابعين لنبذهما عن المصحف وحذفهما منه بقوله (لا تخلطوا فيه ما ليس منه !) وكان يحكهما من المصحف ، فهو في الواقع محرف للقرآن ؛ لأنه أنقص منه سورتين ، والمسلمون في نظره حرّفوا القرآن بزيادة عوذتين فيه .

وصحة هذه النسبة لابن مسعود لا يمكن الشك فيها بعد وضوحها وشياعها حتى وردت في كتب الشيعة أيضا (١) ، وقد سبق ذكر بعض الروايات من مصادر أهل السنة ، ولا بأس بالتذكير بها ، مع الزيادة :

عن عبد الرحمان بن يزيد قال : رأيت عبد الله يحك المعوذتين ويقول : لِم تزيدون ما ليس فيه ؟! "

وعن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمان ، عن عبد الله أنه كان يحك المعوذتين من مصحفه فيقول : ألا خلطوا فيه ما ليس فيه ! .

وعن الأعمش ، عن أبي إسحاق ، عن عبد الرحمان بن يزيد ، عن عبد الله أنه كان يحك المعوذتين من المصحف يقول : ليستا من كتاب الله (٢) .

___________

(١) بل إن السيد السيستاني حفظه الله وسدد خطاه قد ألمح ـ بنظري القاصر ـ للمصيبة التي حلت بالمعوذتين في رسالته العملية منهاج الصالحين مسألة رقم ٦٣٢ (يجوز تكرار الآية والبكاء وتجوز قراءة المعوذتين في الصلاة وهما من القرآن) .

(٢) المعجم الكبير ٩ : ٢٣٥ ، ومجمع الزوائد لابن حجر ٧ : ١٤٩ ، علق عليه ابن حجر : (رواه عبد الله بن أحمد والطبراني ورجال عبد الله رجال الصحيح ورجال الطبراني ثقات) .

١٥٠
 &

وعن أبي عبد الرحمن السلمي ، عن ابن مسعود أنه كان يقول : لا تخلطوا بالقرآن ما ليس فيه ! فإنما هما معوذتان تعوذ بهما النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس وكان عبد الله يمحوهما من المصحف .

وعن علقمة ، عن عبد الله أنه كان يحك المعوذتين من المصاحف ويقول : إنما أمر رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أن يتعوذ بهما ولم يكن يقرأ بهما (١) .

وعن زر قال قلت لأبي : إن أخاك يحكهما من المصحف ! قيل لسفيان بن مسعود : فلم ينكر قال : سألت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم فقال : قيل لي فقلت : فنحن نقول كما قال رسول الله (٢) .

وعن عبد الله أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول : إنما أمر النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أن يتعوذ بهما وكان عبد الله لا يقرأ بهما (٣) .

وعن زر بن حبيش قال لقيت أُبي بن كعب فقلت له : إن ابن مسعود كان يحك المعوذتين من المصاحف ، ويقول إنهما ليستا من القرآن فلا تجعلوا فيه ما ليس منه ! قال أبي : قيل لرسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال

___________

(١) المعجم الكبير للطبراني ٩ : ٢٣٤ ـ ٢٣٥ ح ٩١٤٨ ـ ٩١٥٢ .

(٢) مجمع الزوائد للهيثمي ٧ : ١٤٩ ، علق عليه الهيثمي (قلت : هو في الصحيح ـ صحيح البخاري ـ خلا حكهما من المصحف ، رواه أحمد والطبراني ، ورجال أحمد رجال الصحيح) .

(٣) مجمع الزوائد ٧ : ١٤٩ ، علق عليه ابن حجر (رواه البزار والطبراني ورجالهما ثقات) .

١٥١
 &

لنا فنحن نقول (١) .

وأخرج أحمد والبزار والطبراني وابن مردويه من طرق صحيحه عن ابن عباس وابن مسعود أنه كان يحك المعوذتين من المصحف ويقول : لا تخلطوا القرآن بما ليس منه ، إنهما ليستا من كتاب الله ، إنما أمر النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أن يتعوذ بهما ، وكان ابن مسعود لا يقرأ بهما .

وقال البزار : لم يتابع ابن مسعود أحد من الصحابة ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أنه قرأ بهما في الصلاة وأثبتتا في المصحف (٢) .

ويكفينا إخراج البخاري لذلك في صحيحه : حدثنا عاصم عن زر قال : سألت أبي بن كعب ، قلت : يا أبا المنذر ! إن أخاك ابن مسعود يقول : كذا وكذا !! ، فقال أبي : سألت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، فقال لي : قيل لي ، فقلت . قال : فنحن نقول كما قال رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم (٣) .

وتسليم علماء أهل السنة بموقف ابن مسعود من المعوذتين لا يخفى على أحد ، وسنذكر كلماتهم في هذا المجال بإذنه تعالى ، وكل من حاول منهم تأويل موقفه أو تخريجه بوجه مقبول فقد سلّم ـ ضمنا ـ إنكاره للمعوذتين .

___________

(١) موارد الضمآن ١ : ٤٣٥ ، ح ١٧٥٦ ، السنن المأثورة ١ : ١٦٨ ، ح ٩٤ ، مصنف ابن أبي شيبة ٦ : ١٤٦ وما بعدها .

(٢) الدر المنثور ٤ : ٤١٦ .

(٣) صحيح البخاري ٤ : ١٩٠٤ ، ح ٤٦٩٣ ، وح ٤٦٩٢ .

١٥٢
 &

أما مصادر الشيعة الإمامية :

ففي الوسائل : عن أبي عبد الله عليه السلام أنه سئل عن المعوذتين أهما من القرآن ؟ فقال الصادق عليه السلام : هما من القرآن . فقال الرجل : إنهما ليستا من القرآن في قراءة ابن مسعود ولا في مصحفه ، فقال أبو عبد الله عليه السلام : أخطأ ابن مسعود ، أو قال : كذب ابن مسعود ، وهما من القرآن . فقال الرجل : فأقرأ بهما في المكتوبة ؟ فقال : نعم (١) .

عن أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام : إن ابن مسعود كان يمحو المعوذتين من المصحف . فقال : كان أبي يقول : إنما فعل ذلك ابن مسعود برأيه ، وهما من القرآن (٢)

والمشكلة أن روايات أهل السنة المخرجة في الصحاح تقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوصى الصحابة بأن يتعلموا القرآن من ابن مسعود ! وأنه قال لهم (وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه) (٣) ، وهو المرجع الوحيد للعرضة الأخيرة للقرآن ، وعلى حد تعبير ما صح عن ابن عباس أنه قد (عَلِم ما نُسخ وما بُدّل) !! .

النتيجة : إما أن قرآن المسلمين محرف ويجب الأخذ بقول ابن مسعود

___________

(١) وسائل الشيعة ، للحر العاملي رضوان الله تعالى عليه ٤ : ٧٨٦ .

(٢) نفس المصدر : ٧٨٧ .

(٣) صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني ١ : ٢٥٤ ، ح ١١٤٤ ط . المكتب الإسلامي .

١٥٣
 &

كما تفيد أدلتهم ، وإما أن ابن مسعود قال بتحريف القرآن ، ويقول الوهابيون : إن من قال بتحريف القرآن كافر بلا قيد أو شرط ، فيلزمهم تكفير الصحابي ابن مسعود ! .

السورة ناقصة !

أخرج ابن الأنباري في المصاحف : قال عبد الله بن مسعود : اكتبوا (والعصر إن الإنسان ليخسر وإنه فيه إلى آخر الدهر) فقال عمر : نحّوا عنا هذه الأعرابية (١) .

وعلى هذا كيف نجمع بين ما أخرجه البخاري ومسلم من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصحابة أي يستقرئوا ابن مسعود القرآن وبين رفض عمر شهادته وردّه خائبا ؟! ، فهل هذا اقتفاء لأوامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ؟! ، فإن قيل : إن فعل عمر صحيح ؛ لأن تلك الزيادة ليست من القرآن ! فنقول نعم صحيح ، وهذا يعني أن روايات البخاري باستقراء ابن مسعود القرآن غير صحيحة !

الآية ليست هكذا !

أخرج عبد الرزاق والفريابي وأبو عبيد وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن الأنباري والطبراني من طرق

___________

(١) الدر المنثور ١ : ٣٠٣ ، السند فيه سليمان بن أرقم وهو ضعيف ، وهذا لا يضرنا كما نبهنا عليه سابقا .

١٥٤
 &

عن ابن مسعود انه كان يقرأ (فامضوا إلى ذكر الله) قال : ولو كانت (فاسعوا) لسعيت حتى يسقط ردائي ! (١) .

قال ابن عبد البر في التمهيد : وأما (فامضوا إلى ذكر الله) فقرأ به عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وابن عمر وابن الزبير وأبو العالية وأبو عبد الرحمن السلمي ومسروق وطاووس وسالم بن عبد الله وطلحة بن مصرف (٢) ، وقال : نحو قراءة عمر بن الخطاب وابن مسعود رحمهما الله (فامضوا إلى ذكر الله) (٣) .

وقال ابن كثير : وكان عمر بن الخطاب وابن مسعود رضي الله عنهما يقرآنها (فامضوا إلى ذكر الله) (٤) .

وقال الثعالبي : قراءة عمر وعلي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وابن الزبير وجماعة من التابعين (فامضوا إلى ذكر الله) ، وقال ابن مسعود : لو قرأت (فاسعوا) لأسرعت حتى يقع ردائي (٥) .

فهاهو ابن مسعود يخطّئ مصحف المسلمين ويصرح أن الآية ليست

___________

(١) الدر المنثور ٦ : ٢١٩ .

(٢) التمهيد لابن عبد البر ٨ : ٢٩٨ .

(٣) التمهيد ٤ : ٢٧٨ .

(٤) تفسير ابن كثير ٤ : ٣٩٠ .

(٥) تفسير الثعالبي ٥ : ٤٣٠ ـ ٤٣١ .

١٥٥
 &

بهذا الشكل ( فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّـهِ ) (١) ، ولا ندري هل يتبع أهل السنة قول النبي صلى الله عليه وآله الذي أخرجه البخاري بلزوم متابعة ابن مسعود وكذا ما أخرجه أحمد بسند صحيح من أن ابن مسعود عنده علم ما بُدل وما نُسخ ، وكذا ما صححه الألباني من قوله صلى الله عليه وآله وسلم (وما حدثكم ابن مسعود فاقبلوه) (٢) أم يخالفونه ؟! ، الخيار لهم .

أخذ من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يخالف مصحفنا !

أخرج البخاري في تاريخه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري وأبو الشيخ وابن مردويه من طرق عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ (إني أراني أعصر عنبا) وقال : والله لقد أخذتها من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم هكذا (٣) .

أيثق أهل السنة بابن مسعود ؟ أم أنه كان يتعمد تحريف القرآن ؟!

بعض آيات القرآن محرفة !

أخرج ابن مردويه عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه [ وآله ] وسلم قال : ما كان في القرآن ( وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )

___________

(١) الجمعة : ٩ .

(٢) صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني ١ : ٢٥٤ ، ح ١١٤٤ ، ط . المكتب الإسلامي .

(٣) الدر المنثور ٤ : ١٩ ، تفسير ابن كثير ٢ : ٤٩٥ : (وكذلك هي قراءة عبد الله بن مسعود (إني أراني أعصر عنبا) ورواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن يزيد بن هارون عن شريك عن الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود أنه قرأها أعصر عنبا) .

١٥٦
 &

بالتاء ، ( وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) بالياء (١) .

فتكون الآيات الخاطئة في نظر ابن مسعود هي ( وَمَا اللَّـهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى ( وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (٣) ، وقوله تعالى ( وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ) (٤) ، فحتما هذا ما أخذه ابن مسعود من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العرضة الأخيرة للقرآن عندما علم فيها ما نُسخ وما بُدّل بزعم أهل السنة ؟!

أبَيّ بن كعب

القرآن أنقص منه سورتان !

أقوال علماء أهل السنة ورواياتهم صريحة في أن أُبيّ بن كعب كان يرى (الخلع) و (الحفد) سورتين من القرآن ، وهو ما دعا علامتهم السيوطي لأن يلحق هاتين الجملتين في آخر تفسيره الدر المنثور كسورتين مثل باقي سور القرآن !

وقد مرّت الروايات فلا نعيد ، ونحبذ هنا نقل ما قاله ابن قتيبة في تأويل مشكل القرآن :

___________

(١) الدر المنثور ٥ : ١١٩ .

(٢) البقرة : ١٤٤ .

(٣) هود : ١٢٣ .

(٤) النمل : ٩٣ .

١٥٧
 &

وأما نقصان مصحف عبد الله بحذفه أُمّ الكتاب والمعوذتين ، وزيادة أُبي سورتي القنوت فإنا لا نقول : إن عبد الله وأُبيّاً أصابا وأخطأ المهاجرون والأنصار ! (١) .

وقال : وإلى نحو هذا ذهب أُبي في دعاء القنوت ؛ لأنه رأى رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يدعو به في الصلاة دعاءً دائماً ، فظن أنه من القرآن ، وأقام على ظنّه ، ومخالفة الصحابة (٢) ، وستأتي بقية أقوال علماء أهل السنة بإذنه تعالى .

الآية في مصحفنا خطأ !

أخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ رضي الله عنه أنه ـ أبي بن كعب ـ كان يقرأ (أنا آتيكم بتأويله) فقيل له ( أَنَا أُنَبِّئُكُم ) (٣) . قال : أهو كان ينبئهم ؟! (٤) .

وهذا إنكار صريح منه لقوله تعالى ( أَنَا أُنَبِّئُكُم ) .

عمر ترك آية لم يكتبها في المصحف !

وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال : قلت : يا أمير المؤمنين إن أبياً

___________

(١) تأويل مشكل القرآن : ٣٣ . لابن قتيبة تحقيق سيد أحمد صقر ط . الحلبي .

(٢) نفس المصدر : ٣٤ .

(٣) يوسف : ٤٥ .

(٤) الدر المنثور ٤ : ٢٢ .

١٥٨
 &

يزعم أنك تركت من آيات الله آية لم تكتبها ! قال : والله لأسألن أُبيّاً فإن أنكر لتكذبن ، فلما صلى صلاة الغداة غدا على أُبيّ فأذن له وطرح له وسادة وقال : يزعم هذا أنك تزعم أني تركت آية من كتاب الله لم أكتبها ! فقال : إني سمعت رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم يقول : (لو أن لابن آدم واديين من مال لابتغى إليهما واديا ثالثا ولا يملأ جوف بن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) فقال عمر : أفأكتبها ؟ قال : لا أنهاك ! قال ـ الراوي ـ : فكأنّ أُبيّاً شك أقول من رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم أو قرآن منزل (١) .

القول الأخير الذي قاله أحد الرواة ليس إلا احتمال يُتنبأ به عما في ضمير الغير ، والدليل على خلافه قائم ، لأن هذا الحدس والتخمين لا ينسجم مع الأدلة فقط ! ، بل يعارض رواياتهم الصحيحة الحاكية تفاخر أُبي بن كعب بأن الله عزّ وجلّ قد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بإقرائه تلك الجملتين ، فكيف يشك أُبيّ فيها ؟!

وعن مستدرك الحاكم : عن أُبي بن كعب قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم إن الله قد أمرني أن أقرأ عليك القرآن فقرأ : لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين ، ومن بقيّتها : (لو أن ابن آدم سأل وادياً من مالٍ فأعطيته سأل ثانياً وإن سأل ثانياً فأعطيته سأل ثالثاً ولا يملأ جوف ابن آدم إلّا التراب ويتوب الله على من تاب ، وإن الدين عند الله الحنيفية غير اليهوديّة ولا النصرانية ومن يعمل خيراً

___________

(١) الدر المنثور ٦ : ٣٧٨ .

١٥٩
 &

فلن يكفره) (١) .

وعن مسند أحمد بن حنبل : حدثنا أبو معاوية ، عن أبي إسحاق الشيباني ، عن يزيد بن الأصم ، عن ابن عباس قال : جاء رجلٌ إلى عمر يسأله فجعل ينظر إلى رأسه مرّة وإلى رجليّه أُخرى ، هل يرى عليه من البؤس شيئا ثم قال له عمر : كم مالك ؟ قال : أربعون من الإبل ، قال ابن عباس : فقلت : صدق الله ورسوله (لو كان لإبن آدم واديان من ذهب لابتغى الثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب) قال عمر : ما هذا ؟ فقلت : هكذا أقرأنيها أُبيّ . قال : فمُر بنا إليه ، قال : فجاء إلى أُبيّ فقال : ما يقول هذا ؟ قال أُبيّ : هكذا أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه [ وآله ] وسلم ، قال : فأثبتها ؟ فأثْبَتها (٢) .

ولا يخفى عليك أن هذه الرواية تناقض زيادة الراوي السابقة (فكأنّ أبيا شك) ، فها هو أُبيّ بن كعب يقول لعمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أقرأه إياها !

وعلى أي حال فالرواية الأولى تصرح بأن عمر سأل أُبيّ بن كعب فقال

___________

(١) المستدرك على الصحيحين ٢ : ٢٢٤ ، علق عليه الحاكم بـ (هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه) ووافقه الذهبي .

(٢) المسند لأحمد بن حنبل ٥ : ١١٧ ، ط . الميمنية ، وعنه مجمع الزوائد للهيثمي ٧ : ١٤١ (سورة لم يكن) بلفظ (قال : أفأثبتها في المصحف ؟ قال : نعم) ، وعلق عليه الهيثمي بـ (رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح) .

١٦٠