الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٩

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٩

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٠

لم تكفر سيئاته ، يجعلهم في أصحاب الشمال ، فليس اصحاب الشمال هنا على سواء ، وإنما هم المرهنون بأعمالهم ، سواء المخلدون في النار ، أو الناجون عنها بعد أمد قريب ام بعيد : (فَأَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ ما أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ. وَأَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ ما أَصْحابُ الْمَشْئَمَةِ. وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ. فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ. ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ. وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٥٦ : ١٤) (فَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ. فَرَوْحٌ وَرَيْحانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ. وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ. فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحابِ الْيَمِينِ. وَأَمَّا إِنْ كانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ. وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) (٥٦ : ٩٣) فالفريق الأخير من أضل أصحاب الشمال ولا يشملهم كلهم فان منهم : آخرون (خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ) (٩ : ١٠٢) وإذا رجحت سيئاتهم أم لم تكفر بحسناتهم فسبيلهم الأخيرة هي النجاة من النار.

ثم أصحاب اليمين. وأحرى منهم السابقون المقربون. هم ليسوا رهائن مكاسبهم ، فهم ـ ولا سيما الآخرون ـ ليسوا من المحضرين للحساب ، فإنهم فوق الحساب : (فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ. إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) (٣٧ : ١٢٨) فقد استقروا في مستقر العبودية فبماذا يحاسبون؟ وأصحاب اليمين منهم كفّرت سيئاتهم بحسناتهم أو بدّلت حسنات ، فعلى م يحاسبون؟ :

(إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ. فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ. عَنِ الْمُجْرِمِينَ. ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ).

(يَتَساءَلُونَ) جميعا (عَنِ الْمُجْرِمِينَ) تساؤل صاحب الشأن المفوض في الموقف ، سؤال تبكيت وتجهيل وتخجيل ، وليسمع الجواب من في الموقف ، ويتذكره هنا من يقرء القرآن ويسمعه.

(عَنِ الْمُجْرِمِينَ) وهم من المرهونين بما كسبوا ، فالإجرام قطع الثمرة عن الشجرة ، فهم الذين قطعوا ثمرات الحياة ولم ينتفعوا منها ، قطعا بعد إيناعها كمن آمن ثم كفر ، أو قطعا عن نموها وإيناعها كالذين تخلفوا عن هداية الفطرة

٢٦١

والشريعة ، فإذا قطع الإنسان عن نفسه : عن شجرته الانسانية ـ ثمرات حياتها ، فقطع نفسه عن الصلة المعرفية بالله ، فهذا مقطوع عن الخير كله وكان مصيره سقر :

(ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) ما أنفذكم في سقر فلم تنجوا عنها بتوبة ولا شفاعة ، ولم تكفر عنكم سيئاتكم فأنفذتكم في سقر؟

هنا نجد الجواب شرحا لمدى الإجرام السالك صاحبه في سقر :

(قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ. وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ. وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ. وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ. حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) :

هذه هي جماع الأسباب لسلوك سقر لجماع المجرمين ، مهما اختلفوا في جمعها كما في أتعس المجرمين ، أو بعضها ، واحدة أو أكثر ، فان الجواب للجميع وليسوا على نسق واحد في الإجرام ، فالمجرمون دركات ، كما أن أصحاب اليمين درجات والسؤال لأصحاب اليمين أجمع عن المجرمين أجمع ، فليس العطف هنا بين الأربع يوحي لاشتراط الجمع بينها في سلوك سقر :

(قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ) فالصلاة ـ في نظرة عميقة ـ هي الإيمان كله ، فالخارج عن زمرة المصلين خارج عن زمرة المؤمنين ، مهما كان مقرا بالشهادتين ، ولذلك نجدها مع إيتاء الزكاة من شروط قبول توبة المشركين : (فَإِنْ تابُوا وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) (٩ : ٥) ... (فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ) (٩ : ١١) فالخروج عن الشرك والكفر ، والدخول في الأخوة الدينية هما مربوطان بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة.

(وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ) : من زكاة أو صدقات أخرى : ضرائب مستقيمة وسواها ، فالزكاة ، في العلاقات البشرية اسلاميا ، هي أخ الصلاة في العلاقات العبودية ، قد لا يعتبر تاركها مسلما : (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كافِرُونَ) (٤١ : ٧).

صحيح أن إقام الصلاة وإيتاء الزكاة هما من فروع الدين ، ولكنهما كالأصول ،

٢٦٢

لأنهما أول ما يبرز وأبرزه ممن يعتنق الإسلام ، فليحكم على تاركها بالكفر واقعيا وإن كان مسلما عقائديا.

إن الزكاة هي عبادة الله في خلقه بعد عبادته في ذاته ، فتركها مع ترك الصلاة ترك لعبادة الله من جهتين ، وهو يدفع بالإنسان ـ لا محالة ـ إلى نكران أصول الدين ، بالخوض مع الخائضين المستهزئين برب العالمين ورسله ، والتكذيب بيوم الدين :

(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) : الخوض لغويا هو الشروع في الماء والمرور فيه واستعير للغور في الباطل ، تصديا له ونكرانا للحق ، وهذه هي حالة الاستهتار بأمر العقيدة وأخذها مأخذ الهزل واللعبة دون مبالاة.

فمن الخائضين من يخوض قصدا وعنادا وعتادا على الحق وهم أصول الضلالة ، الذين يعيشونها حياتهم ، ويضللون من سواهم : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (٤ : ١٤) فالذين يخوضون مع الخائضين هم هوامش الضلالة ، وحالهم كالأصول ومصيرهم إلى جهنم جميعا ، فالخائض في آيات الله هنا يخوضها كفرا واستهزاء ولعبا بها ، بدل أن يغورها تعمقا وتأنقا وتدبرا : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ) (٥٢ : ١٢) (فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ) (٧٠ : ٤٢) ، فمنع الخائضين في آيات الله فرض ، والقعود معهم سكوتا دون نكير حرام ، ومسايرتهم والتأثر بفعلتهم كفر : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٧ : ٦٨).

(وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ) وهو من نتائج الخوض ، وهو من أخطر الاستهتار ، إذ يحرر أصحابه من عبء التكاليف الإلهية ، وهو مبدء الإباحية المطلقة فهو من أشر وأخطر الكفر ، مهما اعتنق صاحبه عقيدة الإله فانه أمّ

٢٦٣

البلاء ، إذ تختل جميع الموازين في يدي صاحبه ، وتضطرب كافة القيم والمثل في تقديره لمجاله القصير الصغير إذ لا يدين بيوم الدين ، فتفسد مقاى يسه ليوم الدنيا والدين ، خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين.

فهم لا يزالون شاكين في الدين ويوم الدين ، يعيشون الشك والنكران والحياة المنكرة والمعيشة الضنك حتى الموت الذي ينقلهم من الشك إلى اليقين :

(حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ) : الموت الذي لا محيد عنه وهو يقين للمؤمن والكافر سواء ، والذي يقطع كل شك وريبة فيجعل الكافر الناكر للدين ويوم الدين على يقين ، والذي يقطع الآمال الكاذبة والشكوك الحائلة دون التصديق بما في يوم الدين ، فاليقين هنا يعم علم اليقين وعين اليقين الحاصلين بالموت ، وواقع اليقين بالموت قبل الموت ، فطوبى لمن مات قبل موته : موتوا قبل أن تموتوا فحصل على اليقين الدافع إلى الصالحات قبل الموت ، قبل أن يضطر إلى اليقين بواقعه بعد الموت ، فيسمع نداء التنديد التجهيل : (لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ).

فليس اليقين هو الموت ، وإنما يحصل بالموت لمن لم يحصله قبل الموت ، والموت نفسه أيضا من مصاديق اليقين إذ لا ينكره نفسه أحدا ، وإنما النكران لما بعده من حياة برزخية وحياة خالدة بحساب وجزاء وفاق.

ومما يحصّل اليقين ويزداده ، مواصلة العبادة : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) (١٥ : ٩٩) ونهاية المطاف لليقين الحاصل والمتكامل بالعبادة ، هي الموت ، فليس الموت هنا أيضا هو اليقين ، وإنما هو نهاية اليقين بالعبادة ، ومن ثم بداية لليقين دون عبادة إذ يكشف الغطاء فيزداد الموقف يقينا ويدخل العابد في نفس اليقين.

ومن كانت تلك النكرانات سيرته العقلية والعقائدية والعملية في الحياة ، لا تصله شفاعة الشافعين ولا تجديه ، إذ إن الشفاعة مبدئيا تكميل الناقص بشفع الكامل إن اذن الله ، فهي للمتوسطين في الإيمان عقيدة وعملا ، لا المتحللين عنه كهؤلاء المذكورين :

٢٦٤

(فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ) : فطالما هناك شافعون ، ولكنهم (لا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) ه ـ الله : من ساءته سيئته وحسنّته حسنته ، من يعيش بين الخوف والرجاء ، فحياته مبدئيا ايمانية ، طالما يقصر أو يقصّر أحيانا ، دون من يبدءون بمبدإ اللاإيمان ، وينتهون الى الموت مجرمين : تاركين الصلاة مع التاركين ، وتاركين إطعام المسكين ، وخائضين في النكران مع الخائضين ، مكذبين بيوم الدين.

(فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) :؟! ما لهم؟ ما داءهم وما دواءهم ، في حالتهم البئيسة التعيسة ، انهم فقط (١) (عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) : عما يذكرهم الله ونعم الله وأيام الله ، من نبي الله وكتاب الله وسائر آيات الله التي هي ذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ، فهم حالهم : (عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ) والى سواها : التلهية عن الذكرى ـ مقبلين ، فقلوبهم منكوسة ، وابصارهم مطموسة ، وحياتهم مركوسة ، أجسادهم أجساد الآدميين وأرواحهم أرواح الحمر المستنفرة الشياطين :

(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ. فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ)

فالحمر المستنفرة هي حمر الوحش ، التي هي طبعها الوحشة والاستنفار من كل متحرك او ساكن ، فكيف بقسورة : من أسد او صائد ، تأخذ في الاستنفار في كل اتجاه حين تسمع زئير الأسد او حين تراه وان لم يأسد ، تنبثّ هنا وهناك كالفراش المبثوث ، ما يثير الضحك ويفكه من هذه الحركة الجنونية ، وكما تستنفر حين يرصدها الصائد.

__________________

(١) فتقديم الظرف «عن التذكرة» يوحى بحصر المظروف «معرضين» فيه ، فلا يعرضون الا عن التذكرة الإلهية.

٢٦٥

فمشهد هؤلاء الحمر الإنسية في الاستنفار مشهد الحمر الوحشية وأضل سبيلا ، إذ يعرضون عن الصائد التذكرة ، الذي يحاول صيدهم عن حياة التباب إلى حياة الصواب ، فالنبي صياد يرصد الضالين ليصيدهم بالتذكرة.

ولما ذا يعرضون مستنفرين عن قسورة الوحي ، الأسد الضرغام الذي يأسد في صيده ، لا ليأكل صيده ، وانما لينجيه ، فالأنبياء قساورة صيادون ، يصيدون البهم الضلال بقوة الذكرى والبرهان ، بكل مناعة وأمان.

فإذا الحمر المستنفرة ، تفر من قسورة ، خوف الصيد الفاتك والافتراس المهلك ، فهي لا تلام في استنفارها ، وان كانت زائدة النفرة عن حدها ، فهؤلاء الحمر الإنسية يفرون معرضين عن قسورة التذكرة ، الناصحة ، التي تذكرهم بربهم ومصيرهم ، فأين حمر من حمر ، وأين قسورة من قسورة؟؟

(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً بَلْ) :

ام ـ ذلك الشماس والنفار عن تذكرة محمد الرسول وقرآنه ـ ليس فرارا عن التذكرة كتذكرة ، وإنما استكبارا على حامل التذكرة ، انه بشر مثلنا ، فلما ذا يفضل علينا بوحي التذكرة : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا ..) فليوح إلى كلّ منّا : (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٦ : ١٢٤).

فمن استكبارهم (يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً) من الوحي تختصّه «منشرة» معلنة لهم ولمن سواهم : رسالات مستقلة فردية مستغلة ، فيها ما يهوون ، طبعا وشرائع متفاوتة متهافتة تفاوت الأهواء وتهافت الآراء.

فلو ان كلا يحوى ما يحويه الكل لوحدة الشرعة في الكل كما القرآن ، فلا كثرة هنا كما ليست هناك ، فليكتب كل نسخة من القرآن ككتاب اليه ، ولكنهم لا يريدون وحدة الرسالة والشريعة.

٢٦٦

ولو أن كلّا يناحر الآخر في محتواه ، فليست هكذا الشرعة الإلهية ، ولأمة واحدة ، وبل وللأمم أجمع ، حيث الدين واحد ، والشرايع الى الدين في جذورها واحدة ، مهما اختلفت في بعض الصور وفي البعض من الصور.

فالشرعة الإلهية تعني توحيد الحياة بسلوكها إلى مرضاة الله وصالح الناس ، حيث تزيل خلافات الناس ، لا لتزيد خلافات على خلافات ، ظلمات بعضها فوق بعض وكما يريدها هؤلاء الناس!

وليكن حاملو الشريعة من أصفى الأصفياء بين الناس ، وليتلقوا ، ويلقوا شريعة الله إلى الناس ، ويطبقوها كما يريده إله الناس ، فكيف يتحمل شريعة الله كرسل ، أناس هم أشر من نسناس ، يستكبرون على رسل الله ، ويتحكمون على رسالات الله ، ويقتسمون فيما بينهم رسالة الله ، كأنها مال يغنم.

(كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) .. كلا : ليس الأمر كهذه وتلك وإن تفوهوا بها وادعوها ، فلا فرارهم عن التذكرة لخوفهم عنها ، ولا ان كل امرئ منهم يريد ان يؤتى صحفا منشرة ، حتى يعمّروا على ضوءها الحياة الدنيا والآخرة : (كَلَّا بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ) هذا داءهم وبلاءهم مهما تلونوا وجاه الرسالات بألوان الاعتذارات ، فالذي لا يخاف الآخرة إذ لا يؤمن بالله ، انه لا يريد خطاب الله وشرعة الله كيفما كانت وحيثما نزلت.

(كَلَّا إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ) .. كلا : ليس كما تهوون ، كردع ثان لما يهوون : أن يؤتى كل امرئ منهم صحفا منشرة ، فالقرآن تذكرة وليست لعبة مقسمة بين اللاعبين ، تذكرة جماعية يحملها أول العابدين ، وليست فردية انقسامية يحملها الفوضى ناس ونسناس ، ليزيدوا في خلافاتهم ورعوناتهم وفخفخاتهم.

تذكرة تمشي مع المتذكرين باختيار ، ولا تمشّيهم بتسيير واضطرار :

٢٦٧

(فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) : من شاء التذكرة ذكره : القرآن ونبي القرآن. فمن يذكر التذكرة دون ان ينفر عنها كالحمر المستنفرة ، فانها له تذكرة وتهديه الى الله.

وترى انهم يذكرون تذكرة الله دون مشيئة الله ، وبمشيئتهم أنفسهم فحسب ، كما قد يوحي به (فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ) أم انه فقط بمشيئة الله؟ :

(وَما يَذْكُرُونَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) :

فهنا مشيئتان ، من الناس أن يذكروا ذكرى الله ، ومن الله أن يؤيدهم في ذكراهم ، ف لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين دون تدافع أو صدام بين أمرين : مشيئة الله ومشيئة الناس ، وإنما تلاؤم ووئام ، ولكنما المشيئات كلها مشدودة الى مشيئة الله ، يمضي في اتجاهها وفي داخل مجالها ، وكما يناسب عدله وفضله ، دونما تسيير وإجبار ، وإنما في يسر واختيار ، اللهم إلا فيما لا يعاقب عليه أو يثاب ، مما هو خارج إطلاقا عن نطاق الاختيار.

كما ولا يشاء الله الذكرى إذا لا يشاءون ، لا أنهم لا يشاءون ويشاء الله فهم يغلبون ـ إذا ـ مشيئة الله!

فمن يعلم الله منه انه يشاء ان يذكر ذكر الله ، فهو يذكره بمشيئة الله ، فان الله يسبقنا في حسناتنا ، ومن يعلم انه لا يشاء فلا يشاء الله ذكراه ، ويذره في غيه يمرح ، وفي طغيانه يعمه ، فإننا سابقون الله في سيئاتنا ، وهو سابق في حسناتنا إذ يشاء حسناتنا فيؤيدنا ، ولا يشاء سيئاتنا حتى يدفعنا لها.

فهنالك الأصل مشيئة الله تحوّل مشيئة الصالحات الى تأكدها فواقعها ، ثم لا تحوّل مشيئة السيئات لشيء منها إلا تركا وإعراضا ، طالما السيئة أيضا لا تتحقق أخيرا إلا بمشيئة الله ، ولكنها مشيئة أخيرة ضرورية للواقع ، لولاها لم تحصل أية سيئة ، لوحدة الالوهية ، ولكنما المشيئة للحسنات تصاحب

٢٦٨

أصحابها على طول الخط ، وللبحث الفصل عنها مواضيع أخرى نأتي عليها في طيات آياتها.

(هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) : فإذا اتقي يغفر كما اتقي ، يقول الله : أنا أهل أن أتقى فلا يجعل معي شريك ، فإذا اتقيت ولم يجعل معي شريك فأنا أهل أن أغفر ما سوى ذلك (١) وطبعا لمن يشاء دون فوضى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ).

فليتقى الله في ألوهيته فلا تنكر ، وفي وحدته فلا يؤخذ له شريك ، وفي طاعته فلا يعصى ، ثم ولكل تقوى مغفرة عن كل طغوى قد تخالطها ، وتوحيد الله هو الأم في درجات التقوى ، كما الشرك هو الأم في دركات الطغوى ، ثم بعدهما درجات ودركات.

فمن يذكر ذكر الله ، فانه في سبيل تقوى الله ، ومهما يكن قاصرا أو مقصرا في تحقيق ذكر الله وذكراه ، تفهما وتطبيقا ، فان الله كما هو أهل التقوى ، كذلك هو أهل المغفرة ، يغفر للمتقين ، فيغفر قصورهم وتقصيرهم ما داموا هم على الطريقة ، أهلية المغفرة تلو أهلية التقوى ، جزاء وفاقا وعطاء حسابا.

__________________

(١) الدر المنثور.

٢٦٩

سورة القيامة ـ مكية ـ وآياتها أربعون

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤) بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ (٥) يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ (٦) فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣) بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (١٤) وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ (١٥)

لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ. وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) :

إنه تصريحة باللّاقسم وتلويحة بالقسم كسائر اللّاقسم في القرآن (١) ان يوم القيامة والنفس اللوامة يصلحان أن يقسم بهما للصالحين المؤمنين بالقيامة ،

__________________

(١) راجع ص ١٥٩ من الجزء الثلاثين : «فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ».

٢٧٠

الحاملين النفس اللوامة ، فهما يدلان أصحابهما الى إمكانية وضرورة جمع العظام وتسوية البنان ليوم الحساب.

فلا معنى للقيامة الحقة ، حسب الأدلة الواقعية والعقلية ونصوص الوحي ، إلا قيام الأجساد من الأجداث وعود الأرواح إليها للحساب والجزاء الوفاق ، وقيام الأشهاد وقيام الناس لرب العالمين ، فالقيامة المجردة عن حشر الأجساد قيامة جرداء عن أهم معانيها ومغازيها.

وناكروا حشر الأجساد والحساب لا يصدقون بقيامة الحساب حتى يقسم لهم بها تصديقا إلزاميا ، وان كانوا يلهجون بها تعنتا (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) لكنها كلمة جوفاء عن أهم معانيها : جمع العظام والحياة الحساب ، إذا ف (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ) لمن ينكر حقه مهما لهج بلفظه.

والنفس اللوامة ـ كذلك ـ كيوم القيامة ، تشهد للحياة الحساب ، فالنفوس على ضروب شتى : منها قدسية مطمئنة بالله ، راضية عن الله ، فمرضية عند الله ، فهي لا تلوّم أصحابها إذ لا تقصّر عامدة معاندة ، مهما قصرت عما يحق لساحة الربوبية ، فقد تلوم لقصورها دون تلوّم ، فهي دائبة في طاعة الله ، مستزيدة لمرضاة الله كالسابقين والرعيل الأعلى من اصحاب اليمين ، وهؤلاء حياتهم الذكر ، ليسوا بحاجة الى القسم بيوم القيامة والنفس اللوامة ، فانها لهم مطمئنة.

ومنها بهيمية مطمئنة الى دركات الهوى ، معرضة عن الهدى : (وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَاطْمَأَنُّوا بِها) (١٠ : ٧) وقد تبلغ من الشراسة والشماس لحدّ تلوّم أنفسها وسواها لو فعلت خيرا أو اهتمت بخير ، فهؤلاء لا ينفعهم القسم بالنفس اللوّامة إذ فقدوها إلى خلافها.

ومنها لوّامة غير مطمئنة لا الى الله ولا الى اللهو ، عوان بين ذلك ، قد تطيع ربها فتطمئن ، وقد تعصي وتشرد فتلوّم نفسها ، فهي الى خير ما دامت لوّامة تندم وتندّم أصحابها ، تلوّم العقل لو ارتاب في الحساب العدل ، وتلوّم نفسها في جوارحها لو عصت أمر ربها ، فهي ضابطة لعقيدة الايمان ،

٢٧١

رابطة به عمل الايمان ، ولذلك يحق ان يقسم بها كبرهان على قيام الأجساد يوم الحساب للجزاء العدل.

فليقسم بيوم القيامة لمن يعتقده ما لم يصل الى علم اليقين وما فوقه ، وليقسم بالنفس اللوّامة لمن يحملها حتى تذكرة وتحمله الى ذكرى جمع العظام وتسوية البنان.

وأما الناكر ليوم القيامة الحقة ، والفاقد للنفس اللوّامة ، الضاربة الى اعماق ذاته النفس الامارة بالسوء ، فكيف يقسم له بيوم القيامة والنفس اللوامة؟ وقد ظل مرتكسا في الشهوات وغارقا في اللذات.

وإذا كان اللّاقسم هنا يعنى به القسم خلاف الصحيح والفصيح ، فأين جواب القسم؟ لا نجد جوابا إلا أنه لا قسم يلمح بالقسم ، ريا له جمعا ما ألطفه!.

هنا ـ لإثبات حشر الأجساد وقيامها من الأجداث يكتفى بسؤال لائح الجواب عند فاقدي الدليلين ، ما لم يفقدوا التمييز تماما :

(أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) : أفهذا الإنسان الهزيل الذليل يحيل لنا جمع العظام : (أَلَّنْ نَجْمَعَ) إحالة التجهيل : أنها ضلت في الأرض فكيف تجمع : (وَقالُوا : أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٣٢ : ١٠) أم إحالة التعجيز : (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَهِيَ رَمِيمٌ) (٢٦ : ٧٨) أم لا ذا ولا ذاك وانما يفتري علينا الظلم ، أننا لا نحشر شيئا رغم الظلامات القاتلة يوم الدنيا ، غير المجازى عليها فيها! أم نحشر الأرواح دون الأجساد ، رغم انهما كانا شريكي الأعمال خيرة وشريرة ، فكيف تحرم الأجساد من ملاذها ، أو تعفى عن عذابها؟ كل ذلك خيالات شرسة وليست محالات.

(بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) : نرى عشرات الآيات يتمسك فيها بشأن إثبات امكانية حشر الأجساد ببرهان الأولوية : من عدة جهات ، كأولوية

٢٧٢

الإعادة من الخلق أول مرة ، بأنها أهون ، وان كان الكل عند الله هينا ، وهنا بأولوية جمع العظام من تسوية البنان وهو مسوّيها أولا وأخيرا ، فهؤلاء المشركون في عبادة الله ،؟؟؟ الخلق بالله ، عليهم أن يصدقوا بإمكانية حشر الأجساد وهو خلقها ثانيا ، بعد إذ هم مصدقون بخلقها أولا : (أَفَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) (٥٠ : ١٥) ، وعليهم تصديق جمع العظام بعد ما يرون من تسوية البنان وهي أدق الخلق وأرقّه في الإنسان ، وهي كناية عن إعادة التكوين الانساني بأدق ما فيه دون عزوب عنه من شيء : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ...) : توفيا عند الموت لكلا الجسم والروح وإيفاء لهما بأمر الله عند الحشر.

(نُسَوِّيَ بَنانَهُ) فالبنان هي الأصابع من البنّ : الإقامة ، فان بها صلاح الأحوال التي تمكّن الإنسان أن يبنّ بها ويقيم حياته ، «بلى» نجمع عظامه حال أننا (قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) أيضا ، فإن بها معظم أفعال الإنسان ، وهي آخر وأدق ما يخلق من عظام الإنسان ، وهي من أصغرها وأكثرها نسبيا بين العظام (١) ومن أهم ما في البنان ، الذي كشف عنه العلم ، خطوط رءوس البنان التي يستفاد منها كأضبط التواقيع التي لا تشتبه ببعض ، ويستحيل فيها الاحتيال والتزوير ، وهي من أهم ما يكشف بها الجرائم ، فقد يعرف الجاني بالآثار الباقية على يديه في عملية الجناية ، يعرف بسلاحه الذي استعمله وإن لم يكن فيه أثر الدم ، وإنما المسكة يبين فيها بالعيون المسلحة ، فللبنان بالغ الأهمية في الكشف عن أصحابها ، ولأن الخطوط المهندسة في كل يد تختلف عن سائر الأيدي ، فمهما

__________________

(١) فان عظام أصابع اليدين ٥٨ ، وللرجلين ثمانية وعشرون المجموع ٨٦ عظاما دقيقة وضعت لمنافع لولاها ما تمت تلك المنافع كالقبض والبسط واستعمال اليدين في الجذب والدفع ، وهي بين عظام الإنسان (٢٤٨) تصبح ثلث العظام كلها ، على ان الأصابع العشرين ليست الا زهاء ١ / ٥٠ من الإنسان.

(تفسير الفرقان ـ ج ٢٩ ـ م ١٨)

٢٧٣

تشابه الأشخاص واشتبه بعضهم ببعض ، لا يوجد تشابه بين البنان في هندستها بخطوطها.

فالقادر على تسوية البنان قادر بأحرى على جمع سائر العظام لمهمة الحشر للحساب والجزاء العدل ، وكافة البراهين الواقعية والفطرية والعقلية والتحولات الكونية ، كلها مسرودة لإثبات إمكانية وضرورة حشر الأجساد ، فلا يستطيع الإنسان ـ أيا كان ـ أن يثبت على حسبان : (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) :

(بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ. يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) الفجر هو الشق الواسع ، والإنسان يريد بنكرانه يوم القيامة ـ غير المسنود إلى برهان ـ ليشق أمامه من الزمان ليرى (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) خرقا لستر الساعة التي لا يجليها لوقتها إلا الله ، وإذ لا يجد جوابا عن هذا السؤال ، يتذرعه إلى نكران الحساب ، وهل يا ترى أية صلة بين عرفان وقت الحساب وواقع الحساب حتى إذا جهل الوقت أنكر الأصل؟.

وإنه يريد ليفجر أمامه من زمن الساعة ، ليتوسع في فجوره أمامه إلى الساعة لا يصده شبح الحشر الحساب ، فخوف الحساب لجام عن الفجور ومصدّ له ، وهو يحاول إزالة هذا الصد ليتحرر ويمضي قدما في الفجور أمامه بلا حساب ، إذ لا يحسب له أي حساب.

يتذرع سئواله المتعنت : (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) ليخلق ثالوث الفجر والفجور ، الموحد في نكران الساعة ، من فجر الزمن بينه وبين الساعة ليعرف متى هي الساعة ، فإذ لا جواب فلا ساعة! ومن فجور مستمر بينه وبين ساعته إذ يحسب أن لا حساب ، ومن فجور ونكران بنفس الساعة ، ثالوث الفجر المندفع من الفجور والدافع اليه ، والأصل واحد هو التحرر في الفجور ، أقانيم ثلاثة تتناصر في تحكيم صرح الفجور.

فليس السؤال (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) سؤال تفهم ، وإنما يجرس ب «أيان»

٢٧٤

مديدا لاستبعاده يوم القيامة ، أحيانا بسناد استحالة جمع العظام ، وأخرى أن لا جواب لسئواله «أيان» فليفجر حياته كل ستر وناموس إذ لا حساب! وانهم لا برهان لهم على نكران الحساب أو المرية فيه إلا ثورة الشهوة ، فليفجروا ويشقوا واسعا كل ما يسدها ويصد عنها.

ومهما كان لسؤال (أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) جواب الأولوية : (بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ) فليس لسؤال (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) إلا عرض مشهد من مشاهد القيامة تشترك فيه المشاعر الإنسانية والمشاهد الكونية ، فسوف يرون أنفسهم في نفس الجواب ، وأما هنا فلا جواب عن زمن الحساب إلا أن الله عنده علم الساعة :

(فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ)

كجواب سريع خاطف حاسم دون تريّث وحتى في موسيقا اللفط ، إيحاء أنه لا جواب عن زمن القيامة إلا عرضا لمشهده.

وبرق البصر اضطرابه وتجوّله من خوف وتخطّفه وتقلّبه ، سواء بصر القلب أو القالب: (يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) (٢٤ : ٣٧) وشخوصه من وطأة الطامة : (فَإِذا هِيَ شاخِصَةٌ أَبْصارُ الَّذِينَ كَفَرُوا) (٢١ : ٩٧) برقا يبرز في البصر ويضرب إلى أعماق ذات البشر : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) (١٤ : ٤٣) برقا في قيامة الإماتة والتدمير إذ ترجف الراجفة ، ثم برقا في قيامة الإحياء والتعمير ، إذ تتبعها الرادفة : (إِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ) (٣٣ : ١٠).

(وَخَسَفَ الْقَمَرُ) خسوفا بنوره وخسفا بكيانه ، ومن أسباب خسفه أن تدركه الشمس وتقضي عليه حين تكويرها :

(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) : جمع كلّ في نفسه ، وجمعت الشمس إلى القمر

٢٧٥

لتحيط به بعد الفراق المديد (١) ، فلم تكن الشمس ما دامت شمسا لتدرك القمر ولا القمر ما دام قمرا ليدرك : (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) (٣٦ : ٤٠) ولكنهما إذا قامت القيامة يخرجان من لا ينبغي إلى ينبغي ويجب ، فإذ يخسف القمر خسوفا في نوره ، تدركه الشمس لانهاء كيانه وخسفه ، فمن معاني كور الشمس جمعها إلى القمر لتجمعه عن قمريته ، كما جمعت هي عن كونها شمسا ، فجمع الشمس هنا يشير إلى تكويرها في نفسها وكورها إلى القمر وعلى القمر (٢) وحقيق لهذا الخسف والجمع أن يبرق البصر ويذهل البشر ، فمن معاني برق البصر أن ينظر إلى برق:

(يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) فمهما اختلق الإنسان هنا لنفسه مفرا عن الحساب وتكاليف يوم الحساب ، فما يصنع يومئذ وهو في واقع الحساب يوم الحساب ، إلا أن يقول متحسرا متحيرا (أَيْنَ الْمَفَرُّ)؟ متسائلا نفسه وأهل الحشر ، بكل فزع وارتياع ـ إذ لا يجد مفرا من قهر الله ونكاله ـ أين المفر الذي كنا نحسبه : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) .. (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) فهذا هو يوم القيامة ، وقد جمعت عظامك وسويت بنانك ف (أَيْنَ الْمَفَرُّ)؟ زمانه ومكانه :

(كَلَّا لا وَزَرَ) وهو الملجأ الذي يلتجئ اليه من الجبل ، فلا ملجأ حينئذ إلا الله ، ولا مستقر إلا إليه :

(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) : مستقر رحمة لك ولمن معك : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلاً) (٢٥ : ٢٤) (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا

__________________

(١) لم يقل : وجمعت الشمس والقمر ، ليدل بتذكير الضمير أن المجموع هنا هو كل منهما في نفسه ، وكل مع زميله ، جمعا من جهتين.

(٢) راجع ص ١٣٧ ـ ١٤٠ من الجزء الاول من الثلاثين على ضوء إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ.

٢٧٦

وَمُقاماً) (٢٥ : ٧٦) ومستقر لعنة وعذاب لغير المؤمنين : (إِنَّها ساءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً) (٢٥ : ٦٦).

(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ) : تنبّؤا بالبصر (وَوَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً) وتنبؤا بالبصيرة إذ (يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ ما سَعى) (٧٩ : ٣٥) وبما أن النبأ خبر ذو فائدة عظيمة ، فعائدة تنبؤ الإنسان هي واقع الحجة له وعليه سرا وعلانية ، وليعرفها أهل الموقف أيضا ويشهدوا مع الشاهدين : بما قدمه من عمل قبل فوته ، وما أخره بعده من آثاره خيرا وشرا : (وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ) (٣٦ : ١٢) ورغم أن الأعمال تحضر كلها ، فبعضها منقطع الأثر فهو مما قدم ، وبعضها باق بآثاره فهو مما أخّر وعلى حد المروي عن باقر العلوم (ع) (١) وكلّ داخل فيما قدم بمعنى آخر هو حضور العمل منقطع الأثر أو ثابته : (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) (٣ : ٣٠).

(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ. وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ)

فما هذه البصيرة؟ هل هي الإنسان نفسه : بالغ في الإبصار على نفسه قلبا وقالبا ، لمكان تاء المبالغة ، ومختص بهذه البصارة عليه ، لمكان تقدم الظرف (عَلى نَفْسِهِ) فهو هو ، لا سواه من أمثاله ، يعلم من نفسه سرها وعلانيتها ، يحيط بها حيطة العلم الجامع الجامح ، لا يعزب عن نفسه شيء من مداخلها ومخارجها ، بصيرة يوم الدنيا بما له وعليه ومعه وفيه ومنه : من خير وشر ، وبصيرة يوم الدين : حجة عليه وشاهد بما اقترفت من ذنب واحتملت من وزر

__________________

(١) البرهان ٤ : ٤٠٦ القمي عن أبي جعفر الباقر (ع) في الآية : بما قدم من خير وشر وما أخر من سنة ليستن بها من بعده فان كان شرا كان عليه مثل وزرهم ولا ينقص من وزرهم شيئا وان كان خيرا كان له مثل أجورهم ولا ينقص من أجورهم شيئا.

٢٧٧

ويبصر كذلك ما عمله من أعمال وما قاله من أقوال ، فهو بصيرة على نفسه على طول الخط (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) وان لفق الأقاويل وتعلق بالمعاذير : آلات العذر وأداته الملقاة يوم الدنيا ويوم الدين ، علّه ينجو من الحساب والعقاب ، (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) : ألقى ستوره مستخفيا ، وأغلق أبوابه متواريا ، فانه هو رقيب على نفسه ، عالم بمستسر غيبه ، فيما يقارفه من معصية ، أو يفارقه من طاعة ، أو يقاربه من ريبة.

هذا؟ أم هذه البصيرة هي الشهود عليه من خارج ذاته ، إضافة إليه ، فعلى نفس الإنسان شهود وحفاظ هي بصيرة عليه ، لا يفلت منهم قالت ولا يعزب عنهم عازب ، مهما تستر وألقى معاذيره : ستوره ، ومهما اعتذر بأسباب يختلقها ويلقيها علّه ينجو ، فانه محاط بذاته وأفعاله ب «بصيرة» إلهية وملائكية وبشرية ورسالية فالله على ما تعملون بصير و (ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ورسل الله وأنبيائه كذلك شهداء بصيرة ، فهو غريق في يمّ البصيرة من دواخل ذاته ، فانه على نفسه بصيرة ، ومن سواها ، فان الله قرر على الإنسان عيونا بصيرة (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) (٦ : ٦١) وحتى أعضائه بصيرة عليه تتلقى أعماله يوم الدنيا ، وتشهد عليه يوم الدين.

هذا أم ذاك؟ كلّ محتمل ، والجمع أتم وأجمل ، وإن كان الثاني يشمل الأول : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ) حفاظ وشهود «بصيرة» من دواخل ذاته وخوارجها وإن كان الأفضل أدبيا هو الجمع بالدلالتين.

وقد استدل الراسخون في العلم بآية البصيرة على أن الإنسان أعلم بنفسه من غيره فيما ينويه أو يفعله ، وهو حجة على نفسه يحتج الله بها عليه في الدارين (١).

__________________

(١) من لا يحضره الفقيه عن زرارة قال : سألت أبا عبد الله (ع) ما حد المرض الذي يفطر فيه الرجل ويدع الصلاة من قيام؟ فقال : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) هو اعلم بما يطيقه ، والكافي عنه (ع) قال : ما يصنع أحدكم ـ

٢٧٨

(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ (١٦) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ (١٩) كَلاَّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ (٢٠) وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ (٢١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ (٢٢) إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ (٢٣) وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ (٢٤) تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) كَلاَّ إِذا بَلَغَتِ التَّراقِيَ (٢٦) وَقِيلَ مَنْ راقٍ (٢٧) وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِراقُ (٢٨) وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ (٢٩) إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ (٣٠) فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى (٣١) وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (٣٢) ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى (٣٣) أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٤) ثُمَّ أَوْلى لَكَ فَأَوْلى (٣٥) أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً (٣٦) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٠)

__________________

ـ ان يظهر حسنا ويستر سيئا أليس يرجع الى نفسه فيعلم ان ذلك ليس كذلك ، والله عز وجل يقول : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) ان السريرة إذا صحت قويت العلانية ، وفيه قيل له (ع) انا ندخل على أخ لنا في بيت أيتام ومعهم خادم فنقعد على بساطهم ونشرب من ماءهم ويخدمنا خادمهم وربما طعمنا فيه الطعام من عند صاحبنا وفيه من طعامهم فما ترى في ذلك؟ فقال : ان كان في دخولكم عليه منفعة لهم فلا بأس ، وان كان فيه ضرر فلا ، وقال : (بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) فأنتم لا يخفى عليكم وقد قال الله عز وجل (وَاللهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ).

٢٧٩

(لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ) ـ إلى ـ بيانه : آيات أربع اعترضت بين آيات القيامة ، ناهية رسول الهدى عن عجلة اللسان وحركته بالقرآن قبل قضاء وحيه وقرآنه : (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) (٢٠ : ١١٤) فقد أمر باتباع قراءته دون استعجال بها قبلها ، ولا تحريك لسانه بها ، مما يوحي انه (ص) استعجل في قراءة آيات أو حرّك لسانه بها قبل قضاء وحيها وقراءتها ولماذا وكيف؟.

فهل بالإمكان قراءة القرآن قبل قرآنه : نزوله مقروءا؟ وإذ لا! وطبعا لا! فكيف ينهى عنها؟ تجد الجواب في آيات القدر وحم ، الدالة على نزول القرآن المحكم في ليلة القدر ، فلقد كان للرسول (ص) خبرة واطلاق بالقرآن المحكم قبل وحيه المفصل : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (١١ : ١) ويريد الله أن يكون القرآن وحيا مزدوجا : لفظا إلى معنى ، ولا يكفى العلم بوحي المعنى ولا سيما المحكم منه ، عن الوحي المفصل ، الذي فيه وحي اللفظ وتفصيل المعنى ، ففيه زيادة العلم ورجاحة الاعجاز : (.. وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً)(١).

فلم تكن العجلة بالقرآن استعجالا في ترداده بعد قراءته لحفظه (٢) ، لمكان النص (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) و (... قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) وقد ضمن الله له بداية الوحي المفصل ألا ينساه : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) وإنما هي لشغفه البالغ في تحلية لسانه بالقرآن المفصل بعد ما تحلى قلبه بالقرآن المجمل ، واعتمادا على هذا العلم المسبق ، ولكن (فَلا تَعْجَلْ ..) (لا تُحَرِّكْ ..) (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً) فقد كان قرآنا غير مفروق في الوحي المجمل ، ثم فرقه الله بالمفصل.

وآيتا النهي عن الاستعجال والتحريك توحيان أنه (ص) إنما حرك لسانه

__________________

(١) راجع ٣٠ : ٢ ص ٣٧٣ ـ ٣٧٦ من سورة القدر.

(٢) خلاف ما نراه في بعض الروايات.

٢٨٠