الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

(سورة الجمعة ـ مدنية ـ وآياتها إحدى عشرة)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٣) ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٥) قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (٦) وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٧) قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي

٣٢١

تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (١٠) وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها وَتَرَكُوكَ قائِماً قُلْ ما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللهْوِ وَمِنَ التِّجارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (١١)

سورة تسمى باسم أفضل أيام الله الذي يؤتى فيها بأفضل فريضة من فرائض الله ، المشرف بها المسلمون ، المفضلون بها عمن قبلهم كما يروى عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، كما وأن سورة الحج تسمّت باسم هذه الفريضة العظمى التي تزامل صلاة الجمعة في فرضها وفضلها ، بل وهي أفضل منها فإنها مؤتمر سنوي عالمي تشكل مملكة الحج ، وهذه مؤتمر اسبوعي بلدي.

ثم لا نجد سورة اخرى تتسمّى باسم أية فريضة إسلامية سواهما ، مما يوحي بمدى أهمية هذين الفرضين الجماعيين اللذين هما كمفتاح لسائر الفرائض ، يجمعان بين شتات القطاعات المسلمة التي تفصلها فصالات الأمكنة واللغات والطائفيات والقوميات.

فصلاة الجمعة سيدة الفرائض ، كما يوم الجمعة سيد الأيام وأعظم عند الله من

٣٢٢

يوم الأضحى والفطر ، فإن له من سابق الفضل وواقعه ولاحقه عبر الزمن ما ليس لغيره من الأيام :

فإنه يوم جمع الله فيه الخلق بعد الأدوار الستة للخلق ، فالجمعة في هذا الأسبوع العالمي هو يوم الجمع العام ، كما أنها لغويا كثير الجمع ، ولذلك جعل عيد الإسلام الاسبوعي لأنه جماع الشرائع ، ولكثرة الجمع المفروض في فرضها.

ثم هو يوم خلق الله فيه آدم حيث أتمّ جمع روحه الى جسمه ، وفيه جمع له زوجته ، وفيه أسجد له ملائكته ، وفيه أدخله وزوجه جنته ، وفيه تاب الله عليه عن خطيئته ، وفيه أهبطه الى الأرض ، وفيه قال الله للنار كوني بردا وسلاما على إبراهيم ، وفيه فدى الله إسماعيل بذبح عظيم ، وفيه كشف الله عن أيوب كربه ، وفيه استجاب الله ليعقوب دعاءه ، وفيه حملت السيدة مريم السيد المسيح ، وفيه خلق الله تعالى الأنبياء والأوصياء ، وفيه جمع الله تعالى لمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أمره ، وفيه قام الإمام الحسين عليه السّلام قومته الثائرة ، وفيه يقوم القائم المهدي عليه السّلام ، وفيه ـ بين الظهر والعصر ـ تقوم القيامة الكبرى.

ليلتها غرّاء ، ويومها زاهر ، وليس على وجه الأرض يوم تغرب فيه الشمس أكثر معافى من النار منه ، يضاعف الله عز وجل فيه الحسنات ، ويمحو فيه السيئات ، ويرفع فيه الدرجات ، ويستجيب فيه الدعوات ، ويكشف فيه الكربات ، ويقضي فيه عظام الحاجات ، ما دعا الله فيه أحد من الناس وعرف حقه وحرمته إلا كان حتما على الله أن يجعله من عتقائه وطلقائه من النار ، فمن وافق منكم يوم الجمعة فلا يشتغلن بشيء غير العبادة ، كما وردت بذلك الأخبار عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمة الأطهار (عليهم السلام) (١).

ولأن صلاة الجمعة هي القمة في فرائض الله ، جعل وقتها هذا اليوم المبارك

__________________

(١) راجع البحار الجديد المجلد ٨٩ ص ٢٦٣ ـ ٢٨٦ ، فإن ما نقلناه متون الأحاديث مع زيادات شارحة.

٣٢٣

الميمون ، طالما تكسب الجمعة من صلاة الجمعة فضلا عظيما على فضائلها.

ان فريضة الجمعة مؤتمر اسبوعي يهيئ الجو للمؤتمر العالمي السنوي ـ الحج ـ تجمع من المسلمين لأدائها والاستماع إلى خطبتيها السياسيتين الإسلاميتين آلافا من المسلمين العائشين في الدائرة التي تقام في مركزها الجمعة ، وقطرها على أقل تقدير (٢٢) كيلومترا.

الآيات الاولى في هذه السورة هي تقدمات وتهيئات لآيات فرض الجمعة ، فإنه ذكر الله الجامع مجامعه ، الحافل محامده ، ولذلك نرى مطلع السورة كيف يقرر حقيقة التسبيح المستمرة من الكائنات كلها ، فإنها جمعة في تسبيح الله ، فلتكن الجمعة جمعة في ذكر الله وتسبيحه :

(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) :

«يسبح» لمضارعتها توحي باستمرارية التسبيح لله من كائنات الأرض والسماوات ، والصفات الأربع هي كدعائم لهذا التسبيح الشامل :

فلأنه «الملك» : يملك الكائنات مدبرا لها ـ يسبّح ، فما كل ملك يسبح ، إنما «القدوس» الذي كله قداسة ونزاهة : ذاته وصفاته وأفعاله ، ولا كل ملك قدوس يسبح ، إنما «العزيز» الغالب على أمره ، فإن المغلوب على أمره قد يضطر لما لا يسبّح وينزه ، ولا كل ملك قدوس عزيز يسبح ، فقد لا يكون حكيما في ملكه وقدسه وعزته ، وإنما (الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) : الذي هو حكيم في ملكه ، حكيم في قدسه ، حكيم في عزته ، فهو الذي تسبحه الكائنات وتنزهه ، ذاتا وصفات وأفعالا ، عن كل شين ورين ، تسبحه طوعا أو كرها ، فإن الكائنات بما هي مخلوقة ، إنها بألسنة الذوات والصفات تسبح خالقها من كل نقص وتفاوت (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ).

هذا الإله العظيم يبعث لخلقه رسولا ، ترى كيف يكون هذا الرسول وهو البقية الباقية من رسالات الله واللامتناهية من رحمات الله :

٣٢٤

(هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) :

ترى من هم الأميون هنا ، والرسول منهم ومبعوث فيهم؟ أهم غير الذين أوتوا الكتاب من موحدين ومشركين وماديين ، فالكتابي ليس محط الدعوة الإسلامية؟ : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ) (٢ : ٧٨) وهؤلاء الأميون من أهل الكتاب الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني ، ومن سواهم الذين لم يؤتوا الكتاب ، هؤلاء وهؤلاء تشملهم الدعوة الإسلامية! : (وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ) (٣ : ٢٠) استفهام تقرير لمن أسلم وإنكار على من لم يسلم ، فلا تخص الرسالة الإسلامية هؤلاء الأميين! أم هم العرب من ام القرى «مكة المكرمة» ولأنها سميت ام القرى :

(لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى)؟ ولكنهم اللبنة الاولى في بناية هذه الدعوة ومنطلقها إلى من حولها : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها) (٦ : ٩٣) : الجنة والناس أجمعون ، والمكلفون سواهم إن كانوا ، فإن «القرى» جمع محلى بلام الاستغراق تستغرق كافة القرى والمجتمعات ، فهي المكلفون أجمع ، المحتفون حول العاصمة الرسالية الام ، مهما كانوا بعيدين مكانا وان في السماوات ، فضلا عن هذه المعمورة الصغيرة :

(وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٦ : ١٩) : من بلغه القرآن ، إنسانا وغير إنسان ، و (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) (٧ : ١٥٨) (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ) (٣٤ : ٢٨) لا تختصه بالناس ، وكما تدل ثنائية الخطابات في الرحمان ، ثم و «من بلغ» تعمها وسائر من يبلغه.

ف «الأميين» في آية الجمعة قد تعني المكلفين أجمع والرسول منهم ، لأنهم أجمع أميون بالنسبة للقرآن قبل نزوله ، كما الرسول كذلك : (ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ) (١١ : ٤٩) فقومه هم المرسل إليهم أجمع : طول العالم وعرضه! ثم وله خاصة وبأحرى لغيره : (وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ) (٤ : ١١٣) (ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ) (٤٢ : ٥٢) (ما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ

٣٢٥

كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٢٩ : ٤٨).

ان الامية ـ وهي النسبة إلى الام ـ تعني الجهل واقعيا أو نسبيا ، واقعيا لمن يجهل كل شيء وحيا وسواه : أن ظل لا يعلم شيئا كما ولد من أمه : (وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً) (١٦ : ٧٨) وهذه هي الامية المحضة.

ثم النسبية فهي درجات : ممن درس علوما غير كتابية ، فإنه أمي بالنسبة للوحي الكتابي مهما كان مثقفا في سواه ولأعلى درجات الثقافة ، فهو من الأميين وجاه الذين أوتوا الكتاب وإن لم يدرسوا ما درسه : (قُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ).

ومن أوتي الكتاب ولا يفهمه إلا أماني : (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتابَ إِلَّا أَمانِيَّ) فهو أمي في علم الكتاب رغم أنه كتابي.

ومن أوتي الكتاب وعلمه ، ولكن لم يؤمن بالوحي الأخير «ام الكتاب : القرآن الكريم» فإنه أمي بالنسبة لعلم القرآن مهما كان عبقريا في سائر الوحي قبل القرآن ، وفي سائر العلوم سوى الوحي ، وهذه هي حالة المكلفين أجمع ومنهم الرسول الامي ، ومعه ملائكة الوحي وجبريل ، حالتهم قبل وحي القرآن : انهم كلهم أميون ، الموحدون منهم والمشركون.

فالرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أمي كسائر الأميين بالنسبة للقرآن قبل وحيه ، إضافة إلى أنه لم يقرء على أي مقرئ ولم يكتب عند أي كاتب قبل نزول القرآن ، وإن كان موحدا يلهم بواسطة أفضل ملك من ملائكة الوحي ليلة ونهاره يرشده سبيل المكارم ويعلمه أحسن أخلاق العالم.

انه امي مبعوث في الأميين وهم كافة المكلفين في الطول التاريخي والعرض الجغرافي ، في السماوات والأرضين : (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها)!

ولئن كان الأميون في آية الجمعة هم أهالي ام القرى ، فهو رسول فيهم ، لا إليهم خاصة ، وإنما «فيهم» وهو رسول العالم أجمع ، لأنه ولد فيهم ، وانهم

٣٢٦

محط الدعوة الاولى ومنطلقها إلى العالم أجمع.

ثم وبعد ان نزل عليه القرآن زالت أميته وأصبح أقرء القراء بما يقرء ام الكتاب حافظا له غير ناس ، معلما فيه للجنة والناس ، ومن اكتب الكتاب ، حيث الامية هذه خاصة بما قبل نزول القرآن : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ) (٢٩ : ٤٨) وأما بعده فأنت تتلو وتخط بما اوحى الله (١)! كما وزالت الامية ممن أرسل إليهم ، كل حسب وعيه ، فأهل القرآن درجات في علمه والإيمان به ، كما ان غيرهم دركات في أميتهم علما وإيمانا به.

ف «هو» الله «الذي بعث» : في الذين أماتتهم الجهالة الجهلاء ، وأرقدتهم عن النهوض بأعباء الحياة : «في الأميين» : العالمين أجمع ، ولقد كانت أميته عن أي علم اكثر من بعضهم كتابة وقراءة : وحي الكتاب وسواه ، أللهم إلا في معرفة الله وطاعته بإرشاد مباشر من ملك الوحي «رسولا منهم» في البشرية والامية ام ماذا : «يتلوا ..» : ثم المهمة من هذه الرسالة السامية في المرسل إليهم ثلاثية هي : تلاوة آيات الله ، وتزكيتهم ، وتعليمهم الكتاب والحكمة ، وكما في دعوة إبراهيم عليه السّلام :

(رَبَّنا وَاجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ ... رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ) (٢ : ١٢٩) ولذلك يقول الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : (أنا دعوة أبي ابراهيم) ولقد سمع الله دعوته في

__________________

(١) بصائر الدرجات عن الامام الصادق (ع) : ان النبي (ص) كان يقرء ويكتب ويقرء ما لم يكتب وفي علل الشرائع عن الامام الباقر (ع) لقد كان رسول الله (ص) يقرء ويكتب باثنين وسبعين لسانا(نور الثقلين ٥ : ٣٢٢) أقول : يعني بعد وحي القرآن.

٣٢٧

محمد واثني عشر إماما من عترته كما في التوراة (١).

وهل تتقدم التزكية على تعليم الكتاب والحكمة في الأهمية ، أو في واقع التربية؟ اختلاف الترتيب بينهما في الآيتين يوحي بعدم التقدم وهو الحق ، فإنهما معا يتساوران متعاونين في التربية الإسلامية ، دون أن تكون لكلّ مدرسة على حدة ، فالتزكية التي لا تحمل التعليم جاهلة دنسة ، والتعليم الذي لا يحمل التزكية جاهل دنس ، فرب عالم لا عقل له ، فالإسلام لا يريد علما بلا تزكّ ولا تقوى بلا علم ، فليس بإمكان المسلم أن يحلّق على المثل العليا إلا بجناحي العلم الحكيم والتقوى ، وكل منهما يساند الآخر ، كلما ازداد العلم والحكمة بآيات الله ازداد التزكي كالعكس تماما.

ثم التلاوة لا تعني القراءة اللفظية فحسب ، فإنها من الرسول المعلم المزكي قول بليغ في الأنفس : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (٤ : ٦٣) ولا يبلغ القول الأنفس إلا إذا خرج من حاق النفس ، مازجا فطرة القائل وفكرته وعقله وأعماله ، وهذه هي التلاوة حقا ، وكما هي لغويا : المتابعة : (وَالشَّمْسِ وَضُحاها ، وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها) تلاها : تبعها ، فالرسول يتلو القرآن اتباعا له في كافة المجالات ، ويتلوه عليهم كما تلاه هو في نفسه ، اتّباعا له ، واتباعا لهم ، وهكذا تلاوة له عليهم تجعلهم علماء حلماء حكماء أزكياء ، إضافة إلى ما يعلّمهم ويزكيهم.

ثم تعليم الكتاب ـ القرآن ـ له درجات ، لفظيا وتعبيريا وفي إشاراته ولطائفه وحقائقه ، على حد قول الإمام علي عليه السّلام : (كتاب الله على أربعة أشياء على العبارة والإشارة واللطائف والحقائق ، فالعبارة للعوام ، والإشارة للخواص ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء) فقرينة الإشارة التي هي بعد

__________________

(١) سفر التكوين الفصل ١٧ ـ الآية ٢٠ ـ تجده بالنص العبراني في تفسير دعاء ابراهيم في البقرة.

٣٢٨

المعنى تفسر العبارة ، بالمعنى الأولي الحرفي للآيات ، وقبله علم ألفاظها ، وبعده الثلاثة الاخرى ، الناتجة عن التأنق والتعمق والحكمة في نضد معانيها ونضج مواضيعها.

هكذا يعلمهم الكتاب ، كلّا حسب فهمه ووعيه ، و (يعلمهم) كذلك (الحكمة) : في علم الكتاب ، كيف يفسر بعضه ببعض ، والحكمة في هذه المعاني الحكيمة من الكتاب ، والحكمة العقلية ، والحكمة العلمية ، والحكمة الاخلاقية ، والحكمة العملية ، والحكمة النظرية ، والحكمة عن كل فصل يفصل الإنسان عن الصواب.

إن الحكمة هي الوصل الحكيم : كيفية خاصة في وصل المفصول ، توصل الإنسان إلى الغاية المطلوبة ، فمجرد علم الكتاب ، بألفاظه ومعاني آياته فرادى لا يغني ، إلا بحكمة في ترتيب آياته ، لكي تفسر بعضها بعضا ، وينطق بعضها على بعض ، فإن الفوضى في تفسير الآيات ، جهلا عن ارتباطاتها ، تخلق ارتباكات وتظهر تناقضات ، وكما نراها من الكثير ممن لا حكمة له في تفسير الكتاب ، فلا سبيل ناجحة في تفسير الكتاب إلا تمسكا بالكتاب ، بالحكمة التي علمنا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إياها : (وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (٧ : ١٧٠) فمن الإفساد في الكتاب التمسك بغيره في تفسيره ، من أهواء ضالة ، وآراء فاسدة ، وأقاويل مبعثرة ، أللهم إلا الكتاب كأصل ، وما روي عن حملة الكتاب كفرع إذا وافقه كما تواتر عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : (لقد كثرت عليّ الكذابة وستكثر فمن كذب عليّ متعمدا فليتبوء مقعده من النار فما جاءكم من حديث يوافق كتاب الله وسنتي فأنا قلته ، وما جاءكم من حديث يخالف كتاب الله ـ وسنتي ـ فلم أقله).

ان هذه الحكمة وسواها من الحكم هي كلها في القرآن ، وقليل من يعرفونها ف (ما من أمر يختلف فيه اثنان إلا وله أصل في كتاب الله ولكن لا تبلغه عقول الرجال) أللهم إلا رجالات الوحي ومن يحذو حذوهم : (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ

٣٢٩

عَلَيْكُمْ وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ) (٢ : ٢٣١).

نرى الكتاب والحكمة مقرونين في عشرات من الآيات ، مما تؤكد أن الكتاب المنفصل عن الحكمة فيه ، أو الحكمة في تفسير معانيه ، هذا الكتاب لا يكفي هدى ، بل وقد ينقلب ضلالا (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَساراً) (١٧ : ٨٢) والقرآن (حِكْمَةٌ بالِغَةٌ) (٥٤ : ٥) لكل فصل فيه تباب ، وبعد الحكمة في تفهم الكتاب يأتي دور الحكمة في سواها مما يتوجب على المسلم في صالح الحياة ، علمية وعملية وأخلاقية ، سياسية واقتصادية ، وكل ما تتطلبه الحياة الحكيمة السليمة كأفضل ما يمكن.

(وَيُزَكِّيهِمْ) : في الحق ليست التزكية إلا من الله : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) (٤ : ٤٩) إلا أنه لا يزكي إلا من تزكى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها) (٩١ : ٩) (خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكَّى) (٢٠ : ٧٦) .. ولكنما التزكية من الله والتزكي من المكلفين لا يكونان إلا بوسيط وهو رسول الوحي ، إذ يتلو عليهم آيات الله ويعلمهم الكتاب والحكمة فيزكيهم : تزكية للضمير والشعور ، تزكية للعمل والسلوك من الأساطير الغامضة الحمقاء ، إلى اليقين الواضح ، ومن رجس الفوضى الاخلاقية إلى طهارة الإيمان السليم ، تزكية للفرد والجماعة المسلمة سواء :

(وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) : فانه يخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن ربهم ، إلى صراط العزيز الحميد ، وهم من بعث فيهم وإليهم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم من الأميين ، لا ونفسه المقدسة ، فانه كان قبل القرآن مسترشدا بأعظم ملك من ملائكة الله ، منذ كان فطيما ، إلى أن اهتدى بهدي القرآن.

فمهما كان ضلالهم مبينا ، كان هداه صلّى الله عليه وآله وسلّم مبينا لحد سمي بمحمد الأمين ، وإن كان ضالا عن هدي القرآن قبل وحيه ، ولكنه لم يكن ضلالا عن أصل الحق ، وإنما عن كمال الحق وتمامه ، والأنبياء كلهم ـ على هداهم ـ كانوا ضالين عن وحي الكتاب قبل قضاءه ، فضلالهم هذا أهدى من هدى من سواهم ، فان كلا درجات.

٣٣٠

(وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) :

(يَتْلُوا عَلَيْهِمْ) الأميين (آياتِهِ) .. ويتلوا على (آخَرِينَ مِنْهُمْ) الأميين (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) ، كما (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) بعثه صلّى الله عليه وآله وسلّم فيهم ، وإن جاءوا بعده ، حيث البعثة ابتدأت به ، ثم استمرت بحملة رسالته (١).

فمهما كانت تلاوته وتعليمه وتزكيته مدى حياته بنفسه القديسة ، اصالة ، وبوكلاءه وكالة ، فهذه المهمة الإسلامية الخالدة يحملها أولوا الفضل والعلم بعده والى يوم القيامة الكبرى ، دون وقفة عن هذه المسيرة الفاضلة ، فمن حمّلها ولم يحملها فمثله كمثل الحمار يحمل أسفارا وأولئك عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ ما أَنْزَلْنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالْهُدى مِنْ بَعْدِ ما بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتابِ أُولئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ. إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) (٢ : ١٦٠).

ان أئمة الدين ـ المعصومين ـ والعلماء الربانيين ، هم ـ على درجاتهم ـ خلفاء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذه المهمة الثلاثية الإسلامية ، فمن يتركها ولم يفعل ذلك يلق أثاما ، ويلاقي ربه مهانا.

(لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) لحوقا في الامية وفي التكليف كما هم ، وفي الزمن وهم الجنة والناس أجمعون الى يوم يبعثون (وَهُوَ الْعَزِيزُ) الغالب على ما يعرقل السير عن هذه المسيرة (الْحَكِيمُ) في غلبه وفي إتقان هذا الكتاب والحكمة والتزكية لحد تشمل طول العالم وعرضه(٢).

__________________

(١) ف «آخرين» عطف على كلا «بعث» و «يتلو».

(٢) الدر المنثور ٦ : ٢١٥ ـ أخرج الطبراني وابن مردويه عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله (ص) : ان في أصلاب وأصلاب أصلاب رجال من أصحابي رجالا ونساء يدخلون الجنة بغير حساب ثم قرء (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) أقول هؤلاء من الآخرين وليسوا كلهم ، فالأميون كما قلناه هم كافة المكلفين من الجنة والناس أجمعين ، وإنما ذكرهم الرسول بغية ترغيب أصحابه.

٣٣١

ومن ثم فهذه الرسالة السامية الخالدة من نسل إسماعيل أورثت ضغينة وشكيمة في إسرائيل الذين كانوا ينتظرون النبي الموعود ، مؤولين بشاراته بنبيّ إسرائيلي ، ظانين ان فضل الله يختصهم ، لا يتخطاهم الى سواهم ، رغم ان الله تعالى أنذرهم في التوراة بزوال النبوة عن بيت إسرائيل ، واستقراره في محمد الاسماعيلي ، وقد كادوا له مكائد ، وتربصوا به دوائر ومن مكائدهم : (وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ واسِعٌ عَلِيمٌ. يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٣ : ٧٤) :

(ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) :

«ذلك» الرحمة التامة البعيدة المحتد والمدى «فضل الله» : كل فضله الممكن ايتائه للخلق ، فلم يقل (من فضل الله) حتى يفيد التبعيض ، (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) وقد شاءه لمحمد وسائر الأميين (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) على محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمين برسالته العالمية.

انهم ظنوا متجاهلين ، خلود النبوة في إسرائيل ، وضنوا عن انتقالها الى إسماعيل ، كأنهم المقتسمون فضل الله ، المختصون بأفضله لأنفسهم! وقد خاب أملهم كما خاب عملهم :

ففي التوراة (التكوين ٤٩ : ١٠) (لا تنهض عصى السلطنة من يهودا ولا الحكم من بين رجليه حتى يأتي شيلوه الذي يجتمع فيه كافة الأمم).

والأنبياء الاسرائيليون كلهم من نسل يهودا ، فليكن شيلوه غير إسرائيلي ، فان به تنهض عصى السلطنة من يهودا (١).

__________________

(١) راجع كتابنا (رسول الإسلام في الكتب السماوية) ص ٢٣ ـ ٣٢ ـ ففيه تفاصيل الآيات الدالة على انتقال الشريعة من إسرائيل إلى غيره.

٣٣٢

وفي (التثنية ١٨ : ٧) حسب الأصل العبراني (نابىء آقيم لا هم مقرب إحيحم كموشه وناتتّى دباري بفيو ويدبر إلوهيم إت كال أشر أصّونو).

(نبي أقيم لهم من أقرباء أخيهم وأضع كلامي في فمه لكي يبلغهم جميع ما آمره به).

ف (أخيهم) هم ـ حسب نص التوراة (١) ـ بنو عيص أخو إسرائيل ، وأقرباء بني عيص هم بنو إسماعيل ، لمصاهرة بين عيص وإسماعيل ، وقد بعث محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من بني إسماعيل ، وكما تؤيده آيات أخرى (٢).

وقد صرحت باسمه الآية التوراتية التي تحمل إجابة دعوة ابراهيم في إسماعيل كما في الأصل العبراني.

(وليشمعيل شميعتيخا هينّه برختي أوتو وهيفرتي أوتو وهيربتي أوتو بمئد مئد شنم عاسار نسيئيم ونتتيّوا لغوي غادل).

(ولإسماعيل سمعته (ابراهيم) ها أنا أباركه كثيرا وأنمّيه وأثمره كثيرا وأرفع مقامه كثيرا بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم واثني عشر اماما يلدهم إسماعيل وأجعله امة كبيرة) (٣).

فما أحمق المحمّلين التوراة ، التاركين المؤولين لها ، الماحقين بشاراتها ، التاركين شريعتها :

(مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) :

بنو إسرائيل هم (حُمِّلُوا التَّوْراةَ) : تكليفا بهذه الأمانة الإلهية ، حفظا

__________________

(١) وأمر القوم وقل لهم انكم لحد إخوانكم بني عيص .. (تثنية ٢٨ : ٨).

(٢) راجع (رسول الإسلام) ٣٣ ـ ٤٠).

(٣) المصدر ص ٤٠ ـ ٤٣.

٣٣٣

وعلما وعملا ونشرا (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها) : ضيّعوا هذه الأمانة وخانوها إذ لم يحفظوها ، حيث حرفوها ولا سيما بشاراتها بحق النبي الإسماعيلي ، ولم يتعلموها ، أو تجاهلوا عما علموا منها ، ولم يعملوا بها ولا نشروها سليمة ، وهذا تكذيب شامل بآيات الله وظلم فاحش بحقها.

فمثل هؤلاء الخونة الظالمين كمثل الحمار يحمل أسفارا : كتبا سافرة ظاهرة مسفرة عن الحقائق دون ستار ، كما أن كتب السماء كذلك كلها ، ولكنه حمار سافر لا يفهم ماذا يحمل مهما كان سافرا ظاهرا ، فلا يدرك من حمل الأسفار إلا حملا ، وأما هم فكان بإمكانهم تفهّم ما حمّلوه ، وحمله كما أمروا ، فهم أضلّ سبيلا من الحمار ، ضلالا عامدا عن تقصير ، مهما كان ضلال الحمار عفويا عن قصور ، فالإنسان الحمار يحمل حمل الأسفار على ظهره كزميله الحمار ، والإنسان الإنسان يحملها في قلبه وقالبه وعمل الواقع ، فأين حمل من حمل ، وأين حمار من حمار؟! ومن ميزات هذا الحمار عن زميله أنه ذلول سلس القياد ، لين الانقياد ، يوصل حمله إلى ذويه ، والحمر الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها ، حرّفوها وخانوها شرسين شمسين ، وغيّروها كما اشتهوا ، وشروا بها ثمنا قليلا.

(بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) أيّ قوم كانوا ، هودا أو نصارى أو مسلمين ، وكلما كانت الآيات المحمّلة أعظم وأرقى ، فتاركوا حملها أظلم وأطغى ، إذا ـ فمثل الذين حمّلوا القرآن ثم لم يحملوه كمثل الحمار وأضلّ منه مضاعفات بمئات المئات ، مدى أفضلية القرآن من التوراة ، فليس مجرد الانتساب بكتاب وشريعة بالذي يفضل منتسبيه على غيرهم ، اللهم إلا بحمله كما حمّلوا.

ومن ضلالات اليهود أنهم ـ على تكذيبهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وبغيهم وظلمهم كثيرا ـ كانوا ولا يزالون يزعمونهم (أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) : شعب الله المختار :

٣٣٤

(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) :

إنها مباهلة باهل بها الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم اليهود فنكلوا عنها خوف نكال الموت الذي بعده العذاب ، ولم يقبلوا التحدي فيها ، كما نكل نصارى نجران ، ويروى عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : (لو أن اليهود تمنوا الموت لماتوا ورأوا مقاعدهم من النار) فلو لم تكن هذه مباهلة لتمنوا الموت ليكذبوا كلام الله : أنهم ليسوا من أولياء الله ، ولكنهم ما فعلوا.

(الَّذِينَ هادُوا) : لقد ذكروا بهذه الصيغة في آيات عشر ، وسموا أنفسهم هودا متفاخرين : (وَقالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (٢ : ١١١) (وَقالُوا كُونُوا هُوداً أَوْ نَصارى تَهْتَدُوا) (٢ : ١٣٥) وسمّوا أيضا يهودا : (وَقالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (٥ : ١٨).

والهود هو الميل ، سمّوا أنفسهم هودا إذ مالوا عن عبادة العجل إلى الله ، ولكنهم في الحق مائلون عن الله كما تشهد بذلك حياتهم ، و (الَّذِينَ هادُوا) عله تعريض لهم أنهم لو كانوا مائلين إلى الله فلما ذا هذا الميل البعيد إلى غير الله؟ ومن خلاله تعريض أنهم في الحق مائلون عن الله لا إليه! وهكذا يعنى من «هادوا» فيما يسميهم الله.

(إِنْ زَعَمْتُمْ) فطالما يتقولون هذه القولة الجاهلة الجوفاء ، لكنها لا تتخطى الزعم ، وزعمهم كذلك داحض بهذه المباهلة التي هادوا عنها محيدا بعيدا.

(أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) : ولاية تخصهم دون سواهم ، فهم أولياؤه وأبناؤه وشعبه المختار ، فلو صحّت هذه المزعمة فلتحبوا لقاء الله ، والانتقال إلى دار كرامة الله ورحمته عن هذه الفانية الزهيدة الظالمة الفاتكة! (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) في زعمكم هذا ، تمنيا في أعماق الضمائر

٣٣٥

كمبدء ، وكبداية للحياة ، إن كنتم صادقين في ولايتكم ، فإن الموت سبب للقاء مولاكم!.

(وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) :

لا يتمنون الموت أبدا ، خوفا مما فرط منهم من الطالحات ، وما انفرط عنهم من الصالحات ، وتنسب الأفعال إلى الأيدي لغلبة الأيدي عليها ، وإن كان فيها ما يعمل بالقلب واللسان ، وسواهما من جوارح الإنسان.

وهذه الأبدية المنفية عنهم هي من ملاحم الغيب القرآنية ، فمن ناحية تثبت صدق القرآن ، ومن ناحية اخرى كذب الذين هادوا في زعمهم المدعى ، فلا وحسب أنهم لا يتمنون الموت ، بل ومن أمنياتهم البعيدة خلود الحياة لكي يزحزحهم عن العذاب : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (٢ : ٩٦) ، فهم أحرص الناس على حياة بئيسة تعيسة وأحرص من المشركين ، فإنهم ناكروا الحياة الحساب ، واليهود يقرّون بها ، فخوفهم من الموت أكثر من المشركين ، فحرصهم على حياة أشد من المشركين! أية حياة كانت كما يوحي بها تنكير الحياة «حياة».

وطالما هم يفرّون من الموت إلى الحياة ، ولكن الموت لاقيهم لا محالة : ف (كل امرئ لاق في فراره ما منه يفرّ ، والأجل مساق النفس إليه ، والهرب منه موافاته) (١) :

__________________

(١) القمي في تفسيره عن أمير المؤمنين (ع).

٣٣٦

(قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) :

أنتم تفرّون منه وهو راكض وراءكم ، وهو أسرع ركضا مهما أسرعتم فرارا (فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ) لقاء مثلثا : ثالثها الموت إلى الحياة البرزخية ، ومن ثمّ بعد الموت ، وبعد انقضاء الحياة البرزخية (تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ) غيب النيّات وغيب الطويّات (وَالشَّهادَةِ) والكون كله له شهادة ، لا يغيب عنه غائبة : تردّون إلى الله مولاكم الحق (فَيُنَبِّئُكُمْ) علما وجزاء (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ).

وإنها لفتة لطيفة تلفت الفالتين عن الله أن مردّهم لا محالة إلى الله ، فلا ملجأ إلا إليه ، ولا مهرب عنه إلا إليه ، حقيقة يتناساها الناس ، فيتذكرها من سوى النسناس.

ثم لقاءان آخران أحدهما لزام كل أحد ، فإن الإنسان ـ أيا كان ـ هو كل يوم في نقصان من الحياة ، وزيادة من بواعث الموت ، يلاقيه طول حياته ، ولقاء آخر هو موت الروح والضمير الإنساني ، وهو لزام من يفرّ من الموت الثالث بما قدمت يداه ، يفرّ من موت هو يعيشه طول حياته الشرّيرة (١) ، والفرق بين الموتين أن أحدهما في عاجل التكليف ، والآخر في آجل الجزاء.

وهل إن تمني الموت من صالحات التمنيات ، فليعرّض وليّ الله نفسه للموت بغية لقاء الله؟ وإلا فهو من أعداء الله! أقول : نعم وكلا!.

نعم : في الموت الذي يأتي ببواعثه الخارجة عن خيرة الإنسان بإذن الله ، أجلا محتوما ، أم معلقا على ما ليس له فيه عمل ولا أمل ، يتمناه المؤمن تمنيا للقاء الله ، وكما يروى عن علي عليه السلام : (والله لابن أبي طالب آنس بالموت من

__________________

(١) هذا التوسع مستفاد من «ملاقيكم» الدال بصيغة الفاعل على الاستمرار ، لا «يلاقيكم» الدالة على المستقبل.

٣٣٧

الطفل بثدي أمه) فهو يأنس الموت أنسه بألذ الحياة فإن فيه لقاء الله ، ولكنما الفاسق لا يتمنى هكذا موت ، لأنه له لقاء عذاب الله!.

وكلا : في الموت الذي يأتيه باختياره إياه فالمؤمن لا يتمناه ـ اللهم إلا في الدفاع والجهاد في سبيل الله ـ إذ يأمل أن يسعى ويعمل من الصالحات أكثر مما مضى ، حتى تزيده درجات ، فيلاقي ربه عند موته بنفس مطمئنة راضية مرضية ، داخلة في عباد الله وفي جنة الله. والفاسق لا يتمناه خوفا من استعجال عذاب الله ، أو رجاء أن يعمل صالحا فيما ترك ، ويترك ويجبر طالحا فيما فعل ، للفساق الذين يرجى رجوعهم إلى الله.

وأما الذين هادوا فلن يتمنوه أبدا ، لا هذا ولا ذاك ، وإنما يفرّون منه ، معلقه ومحتومه ، فرارا بما قدمت أيديهم (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) :

الآيات المسبقة بعمومها في تسبيح الله ، وشمول الرسالة المحمدية ، والتنديد بمن حمّل الشريعة ثم لم يحملها ، إنها تقدمات وتنبيهات لفريضة الجمعة ، أنها جامعة شاملة للمكلفين أجمع من تواجد زمن الوحي ، وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ، إلا المعذورين ـ الى يوم الدين.

تبدء الآية بخطاب شامل للذين آمنوا بهذه الرسالة ـ أجمع ـ اللهم إلا من لم يؤمن ، فكيف يخاطب بما هو من فروع وملازمات الإيمان؟!.

وفي هذه البداية تنبيهات ثلاث : «يا» «أيّ» «ها» ولينتبه المؤمنون في مثلث التنبيه مدى أهمية هذه الفريضة الإلهية.

و (الَّذِينَ آمَنُوا) هم المؤمنون كافة ، وجاه الكافرين كافة ، المؤمنون في كل عصر ومصر ، طول العالم وعرضه ، من الجنة والناس أجمعين ، ومن معهم من

٣٣٨

المكلفين ، وإلى يوم الدين ، فالسعي إلى فريضة الجمعة هو من لوازم الإيمان ، وكما في خطبة لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم الجمعة : (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه بالجمعة : يوم الجمعة) (١).

كما وأن هذا الشمول هو من طبيعة الفرائض الإسلامية. ف (حلال محمد حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة) ، ثم لا توجد أية حجة تختص فريضة الجمعة بالمؤمنين زمن حضور المعصومين ، ولو كانت لضربت عرض الحائط لمخالفتها الكتاب والسنّة الثابتة ، ومنها ما رواه الفريقان عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه خطب لأول جمعة أقامها في المدينة المنورة فقال : (إن الله افترض عليكم الجمعة في مقامي هذا ، في يومي هذا ، في شهري هذا ، في عامي هذا ، إلى يوم القيامة ، فمن تركها استخفافا بها ، أو جحودا لها ، فلا جمع الله له شمله ، ولا بارك له في أمره ، ألا ولا صلاة له ، ألا ولا زكاة له ، ألا ولا حج له ، ألا ولا صيام له ، ألا ولا برّ له ، ألا ولا بركة له حتى يتوب ، فمن تاب تاب الله عليه) (٢). ولم يستثن ـ في من استثني ـ المؤمنون زمن غيبة الإمام المعصوم رغم استثناء المجنون والصغير اللذين لم يشملهما قلم التكليف (٣).

__________________

(١) بحار الأنوار ج ٨٩ ص ٢١١ نقلا عن شرح النهج لابن أبي الحديد.

(٢) الدر المنثور ٦ : ٣١٨ ، وسائل الشيعة ج ٣ ص ٧ ح ٢٨ ، وعوالي اللآلي عنه (ص) مثله ، والشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره عن جابر عنه (ص) ، ورواه الشهيد الثاني في رسالة الجمعة ، وفي سنن ابن ماجة ج ١ ص ٤٣٣ باب فرض الجمعة. وروى القطب الراوندي في لب الألباب أن النبي (ص) خطب يوم الجمعة وقال فيها : واعلموا أن الله فرض عليكم الجمعة إلى يوم القيامة ...

(٣) ففي الخصال وغيره بأصح الأسناد عن أبي جعفر الباقر (ع) قال : إنما فرض الله عز وجل من الجمعة إلى الجمعة خمسا وثلاثين صلاة فيها صلاة واحدة فرضها الله في جماعة وهي الجمعة ووضعها عن تسعة : عن الصغير والكبير والمجنون والمسافر والعبد والمرأة والمريض والأعمى ومن كان على رأس فرسخين ـ الحديث.

٣٣٩

(إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ) : فما هي الصلاة من يوم الجمعة والنداء لها؟

هل إنها صلاة غير فريضة الظهر أو الجمعة؟ ولا نعرف إسلاميا صلاة أخرى غيرهما يوم الجمعة ، فهي إذا بينهما ، فهل هي الظهر؟ ولا يختص فرضها بيوم الجمعة ، ولا يجب الاجتماع فيها بنداء أو غير نداء! إذا فهي صلاة الجمعة ، كل ذلك إضافة إلى الإجماع والضرورة أن آية الجمعة نزلت بشأن صلاة الجمعة ، وكما يؤيده متواتر السنة من طريق الفريقين عن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وعن آله الكرام عليهم السلام.

وأما النداء لها ـ فهل هي القول : (الصلاة)؟ وليست إلا لصلاة الأموات والعيدين! أو (إلى صلاة الجمعة)؟ ولا نعرف إسلاميا نداء كهذه لصلاة الجمعة ، ولم تسبق من أئمة الجمعات هكذا نداء!.

أو أنها إقامتها كما عن بعض المتفقهين المشترطين في وجوب الحضور لها إقامتها بشروطها؟ ثم يأتي دور البحث عن المقيم لها ، هل هو المعصوم؟ أم والمأذون من قبله خاصا؟ أم العدول القادرون على إلقاء الخطبتين؟ وكل هذه الترديدات في : المقيم لها ، نابعة من مجهولية الفاعل (إِذا نُودِيَ) فعلّه المعصومون لا سواهم ، أو علّهم والمأذونون أم ماذا؟.

وهذه الاحتمالات المسلسلة غريبة في نوعها من الحلقة الاولى : (إِذا نُودِيَ) أي : إذا أقيمت! وليست إقامتها نداء لها ، وإنما هي تطبيق لفرضها ، والنداء لشيء غير المنادى

له بالضرورة ، فهل تقام الجمعة نداء لنفسها ، تحصيلا للحاصل! إضافة إلى أن شرط إقامتها لوجوب حضورها خلاف الضرورة : فإن الجمعة كانت منذ بزوغها واجبة دون هذا الشرط ، قبل نزول الآية وبعدها ، فكيف

__________________

ـ أقول : لو كان حضور المعصوم أو إذنه من شروط الجمعة لكان يذكر هنا ، والحديث في مقام بيان كافة الشروط ، ويؤكده ذكر الصغير والمجنون غير المكلفين ، فالذي لا يحضر الجمعة لا يخلو حاله عن الصغر أو الكبر أو الجنون أو السفر أو أنه مملوك لغيره أو امرأة أو مريض أو أعمى أو هو على رأس فرسخين ، ثم لا يوجد استثناء بعدها عن فرض الجمعة إطلاقا.

٣٤٠