الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

وكما الله يحب هكذا مقاتلين ، فإنه كذلك يبغض غيرهم ، ممن لا يقاتل هكذا في ظروفها الموجبة ، بين من يترك القتال الواجب ، أو يقاتل في غير سبيل الله ، أو في سبيل غير الله ، أو يقاتل في سبيله منعزلا عن صف كبنيان مرصوص ، كالهجمات والمدافعات الفوضى ، دون نظام وقيادة ، اللهم في الدفاع الفردي ، دون الجماهيري ، فمنذ اليوم الأول قام مجتمع إسلامي ذو قيادة مفترضة الطاعة هي قيادة الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وقبل أن تقوم دولة الإسلام في المدينة المنورة ، فتلك القيادة الجزئية الصغيرة الحجم ظاهرا ، كانت حجر الأساس للدولة الإسلامية في المدينة وعلى طول الخط.

والقرآن ـ دائما ـ يبني أولا أفرادا ، كما لمسناه من الآيتين الأوليين ، أن يكونوا مؤمنين صادقين غير منافقين ، وأن تكون حياتهم تسبيحات لله ، ثم يتبنى هؤلاء ـ كلبنات لبناء هيكل الإسلام ـ يتبناهم جماعة موحدة مسلمة رزينة رصينة متراصة ، فطالما الشر عارم ، والباطل متبجح ، والشيطان يقود ، من ثم يتعين على حملة الإيمان وحرّاسه أن يكونوا نبهاء أقوياء ليغلبوا عملاء الشيطان ، ولكي يقاتلوا في سبيل الله وحده ، فيما لا سبيل للحراس على كيانهم إلا القتال وحده ، فالله سبحانه وتعالى لا يتشهّى القتال ، ولا يشهّي المؤمنين ـ فيه ، وإنما يفرضه فيما يحتمه الواقع ، ولدافع مدقع ، حفاظا على الكرامة ، وحسما لمواد الفساد التي لا يحسمها إلا القتال ، ممن يقاتلون في سبيل الله (صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) : بنيان تتعاون لبناته ، وتتضامّ متماسكة ، تؤدي كل لبنة دورها وتسد ثغرتها ، ولكي يسدوا ثغور الإسلام عن هجمات الكافرين.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) :

(وَإِذْ قالَ ..) علّها عطف على أذى الرسول من بعض المؤمنين ، وهم الذين يقولون ما لا يفعلون ، أم وعلى سائر الأذى طوال تاريخ الرسالات من قبل

٣٠١

المناوئين ضد رجالات الله ، وفي هذه التذكارات تسلية لخاطر النبي الأقدس محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه ليس وحده يؤذى بين المرسلين ، وثانية بما يزيغ الله قلوب الزائغين ، ثم في آية البشارة التالية يبشره أنه مبشر به من قبل السيد المسيح ، ويخبره بكيد الفاسقين المتخلفين عنها ، ذاكرا فيها رسالة عيسى التي هي امتداد لرسالة موسى ، وممهد للرسالة الأخيرة المحمدية.

(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي ..) : فقد آذوه ألوان الأذيات (وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) وأذية رسول الله هي أذية لله ، وهي تستجر اللعنة في الدنيا كإزاغة القلوب ، وفي الآخرة بألوان العذاب : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُهِيناً) (٣٣ : ٥٧).

(فَلَمَّا زاغُوا) : مالوا وانحرفوا عن حق الطاعة ، وانجرفوا إلى باطل العصيان ، (أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) : ان ترك هدايتهم ، إذ أبعدهم عن جنابه وخلاهم وما يختارون ، ووكلهم إلى أنفسهم ، كما ويجاوبه ذيل الآية كتعليل للإزاغة : (إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ) : فالذي يفسق عن أمر ربه ، ويزيغ بعناد وعتاد عن طاعته ، انه لا يستحق الهداية الإلهية ، التي هي جزاء لقبول الهداية واستقبال الهداة ، اللهم إلا تسييرا للهداية وهو مذموم ، كما التسيير للضلالة مذموم.

فإذ ينسب الله الإزاغة بعد الزيغ إلى نفسه ، لا يعني منها الدفع إلى ضلال اكثر ، وإنما ترك التوفيق والهداية الثانوية ، فانها خاصة بالمهتدين : (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْناهُمْ هُدىً) (١٨ : ١٣).

وإذ يسترجي الراسخون في العلم أن لا يزيغ الله قلوبهم : (رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا) (٣ : ٨) فالمعني منه : أدم لنا ألطافك وعصمك لتدوم قلوبنا على الاستقامة ، ولا تزيغ عن مناهج الطاعة ، دعاء مستجاب للمؤمنين بفضل الله ورحمته وكما وعدهم (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وكان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول : «ربنا لا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين أبدا».

٣٠٢

فالهداية الاولى : دلالة الطريق ـ أوجبها الله على نفسه عدلا ، والثانية : إيصال الطريق فضلا ، فهذه تستوجب الدعاء دون الاولى الحاصلة دون دعاء.

(وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) :

آية بينة عديمة النظير في القرآن من حيث البشارة الصريحة التي تحملها عن السيد المسيح عليه السّلام ، تؤيدها عشرات من آيات البشارات العامة في القرآن ، وفي سائر كتابات الوحي ، تنقبنا عنها في مؤلفنا الخاص بها (١).

ومما يجلب النظر في هذه الآية أنها تحصر رسالة السيد المسيح في مهمتين اثنتين أو أنهما من أهمها : تصديق التوراة ، التبشير بخاتم النبيين ، وفي الحق لم تكن الرسالة الإنجيلية مستقلة عن شريعة التوراة ، وكما يصرح في آيات أنه بعث بشريعة التوراة وزيادات أخلاقية وتحليل بعض ما حرّم على اليهود تأديبا (٢) ثم البشارة الأحمدية ـ التي يلمح لها في الإنجيل ببشارة الملكوت ـ هي المهمة الثانية ، طالما هي الاولى في الدعوات الرسالية لأنها الأساس في الرسالات الإلهية من آدم إلى السيد المسيح ومن بينهما.

وبما ان التبشير هو الاخبار السارّ ، وليس مجيء رسول بذهاب آخر بشرى سارة إلا إذا كان أفضل منه ، وشريعته أكمل من شريعته ، فآية البشارة هذه تفضل المبشّر به على المبشّر ، وكما ان «أحمد» في نص البشارة تدل على ذلك :

__________________

(١) رسول الإسلام في الكتب السماوية وهو يضم تسعة وخمسين بشارة من الكتب السماوية بصورة المناظرة مع علماء أهل الكتاب ، ولقد بشر فيها ب : «أحمد ـ محمد ـ بمئد مئد ـ قدوس» كما ذكر مولده وصفاته ودعوته وسائر ميزاته.

(٢) راجع سورة الجن في الآية «إِنَّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى».

٣٠٣

انه أحمد وأفضل من المسيح ومن قبله من حملة الرسالات.

«و» أذكر بين ذكريات الرسالات المعرقلة من قبل المناوئين ، والبشارات المكذوبة بهم (إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) وطالما النبيون وغيرهم لا يذكرون بنسبة الآباء والأمهات في القرآن ، لأن بناء شخصية الإنسان ما يتبناه هو لا سواه ، نرى السيد المسيح ينسب إلى امه ، لا لإثبات شخصية روحانية له من قبلها ، وإنما لإثبات آية خارقة إلهية هي ولادته دون أب ، وللذود عن ساحة مريم (ع) إذ نسبت إلى الزنا ، فليس المسيح ابن رجل لا حلالا ولا حراما ، إنما ابن باكرة طاهرة!

(إِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ) ولا تعني «إليكم» تخصيص الرسالة الإنجيلية ببني إسرائيل ، وإنما هم المحور والمنطق الأول لهذه الرسالة ، يجب أن تتخطاهم إلى العالم كله ، كما تناصرت بذلك الآيات القرآنية والإنجيلية سواء (مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ) لا (ما بَيْنَ أَيْدِيكُمْ) فأين ما بين أيديهم من التوراة المحرفة : (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (٢ : ٧٩) ، أين هو مما بين يدي المسيح من خالص وحي التوراة : (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) (٥ : ٤٤) وإن كان فيما بين أيديهم الشيء الكثير مما بين أيدي السيد المسيح ، وبذلك يحتج عليهم ، وبذلك يستقر بهم الى دعوته.

(وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) :

ان (أحمد) هو (محمد) في نص البشارة ومعناها ، فإنها حسب النص اليوناني (بيركلتوس) : كثير الحمد ـ المترجم إلى (أحمد ومحمد) سواء ، فإن

٣٠٤

الأفعل والمفعّل من مادة الحمد ، أو أية مادة ، يفسران بمعنى واحد رغم اختلاف الصيغة ، وإن كان أحمد أفضل بحكم (أفعل) ومن القريب ان اسم المبشر به على لسان السيد المسيح كان (أحمد) ثم يوحنا الذي ألف انجيله باللغة اليونانية ، ترجمه إلى ما يفيد معناه في لغة (بيركلتوس).

هذا ـ وإن كان المحرفون الكنسيون حرفوا (بيركلتوس) أيضا إلى (باراكلتوس) ليحولوا محمدا إلى المسلّي ، ولكنما ألفاظ البشارة نفسها تنأبى إلا أن تكون بشارة برسول بعد السيد المسيح عليه السّلام هو أعظم منه وأكمل ـ كما وأن البشارة لغويا تلمح بأنه أكمل منه وممن قبله أيضا ، فهو إذا رسول ، لا روح القدس الذي كان معه ، وهاكم نص البشارة حسب الأصل السرياني المترجم عن الأصل اليوناني : في يوحنا ١٤ : ١٦ (وأنا بت طالبن من ببي وخين پارقليطا بت يبل لو خون هل أبد).

(وأنا أطلب من الآب (الخالق) فيعطيكم (بيركلتوس) آخر ليمكث معكم إلى الأبد ـ روح الحق الذي لا يستطيع العالم أن يقبله لأنه لا يراه ولا يعرفه وأما أنتم فتعرفونه لأنه ماكث معكم ويكون فيكم).

وفي يوحنا ١٥ : ٢٦ (إين إيمن دأتي پارقليطا هود أنا شادو رون لكسلو خون من لكس ببّي روخاد سر ستوتا هود من لكس ببّي پالت هو بت يبل سهدوت بس ديّى).

(ومتى جاء (بيركلتوس) الذي سأرسله أنا إليكم من الآب (الخالق) روح الحق من عند الآب ينبثق فهو يشهد لي وتشهدون أنتم أيضا لأنكم معي من الابتداء).

وفي يوحنا ١٦ : ٧ ـ ١٥ (إلا أن سر ستوتا بمرون إلّو خون وصپايلا قتوخون دأن لا أزن سبب د أن لا أزن پارقليطا لي أتى

٣٠٥

لكسلو خون إين إن أزن بت شادرنّه لكسلو خون).

«لكني أقول لكم الحق إنه خير لكم أن انطلق. لأنه إن لم انطلق لا يأتيكم (البيركلتوس) ، ولكني ان ذهبت أرسله إليكم ، ومتى جاء يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي. وأما على بر فلأني ذاهب إلى خالقي ولا ترونني أيضا. وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين : ان لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية ويمجدني لأنه يأخذ مما لي ويخبركم. كل ما للأب هو لي ، لهذا قلت انه يأخذ مما لي ويخبركم» (١).

ان (بيركلتوس) هنا وهناك ، نصا ومواصفات ، لا تنطبق إلا على الرسول الأقدس (أحمد) محمد بن عبد الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مهما حاول المحولون المحرفون الكلم عن مواضعه ، ان يحرفوها عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم فالحق يتجلى كالشمس بين ظلمات الأباطيل وزخرفات الأقاويل.

ولقد صرح بعض الخبراء باللغة اليونانية من المستشرقين (٢) ومعهم بعض

__________________

(١) نقل الترجمة عن اللغة اليونانية سنة ١٩٠٦ ـ الكتاب المقدس ـ ونحن نقلناها هنا حرفيا إلا ترجمة البار قليطا ، والترجمة هنا تزيد عن الأصل السرياني ، إذ المقصود من نقل الأصل الإشارة إلى نص «بار قليطا» وإلا فالأصل الأولي يوناني ، وقد ترجمنا «الآب» ب «الخالق» حسب ما تعنيه في اللغة اليونانية خلاف الترجمات الإنجيلية التي تطلب من (الآب) أن يكون (الأب) لكي يصبح المسيح ابنه.

(٢) كالدكتور (كارلونلينو) المستشرق الطلياني إذ يسأله فتحي عثمان ـ كما في كتابه (مع المسيح في الأناجيل الأربعة ص ٣٤٨) قلت له : ما معنى بيركلتوس؟ فأجابني بقوله : ان القسس يقولون معناها المعزي ، فقلت : إني اسأل الدكتور (كارلونلينو) الحاصل على شهادة الدكتوراه في آداب اللغة اليونانية القديمة ، فقال : ان معناه : الذي له حمد كثير ، فقلت : هل ذلك يوافق أفعل التفضيل حمد؟ فقال : نعم ـ فقلت ان رسول الإسلام من أسمائه احمد!

٣٠٦

الكتاب المسيحيين المبشرين (١) ان (بيركلتوس) اليونانية تعني : الذي له حمد كثير : (أحمد ـ محمد) ، مهما حاول الآخرون أن يجعلوها (باركلتوس) لكي تعنى المسلي حتى يتخلصوا عن محمد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ويتسلوا إلى روح القدس المزعوم الذي يوحي لهم كما يشتهون ، فيصبحوا أنبياء يوحي الكنيسة من الروح ، إلا أن تواجد الاولى في الترجمات الإنجيلية قبل الإسلام ، ثم تحرّفها إلى الثانية بعد الإسلام مما يكشف عن مدى ميدهم عن حق البشارة إلى باطل يهوونه ، غلطة عامدة تجرهم إلى غلطات.

ومما يدلنا تاريخيا ان المبشر به هنا نبي بعد السيد المسيح لا روح القدس المسلي دعوى جماعة من المسيحيين انهم (بيركلتوس) الموعود المنتظر (٢).

ومن ثم مواصفات المبشر به في آياتها تحيل أن يكون هو روح القدس المسلي ، فإنه : (بيركلتوس آخر) (يوحنا ١٤ : ١٦) وروح القدس واحد ليس معه ولا بعده آخر ، فانما هو نبي آخر ، حيث الحمد الكثير يحمله النبيون أجمع فهم كلهم معنويا : (بيركلتوس) : أحمد ، وإن كانوا في ذلك درجات ، ثم النبي الآخر له من معناه النصيب الأوفر ، لحدّ خص باسمه دونهم (أحمد ـ محمد) مهما شاركوه في درجات أدنى من معناه : الحمد الكثير!

__________________

(١) كعبد المسيح في ينابيع الإسلام ص ١٥٢ حيث يقول : زعم العرب ان فار قليطا معرب بريكليطوس ولكنه من بار اكليطوس ، وكالاستاذ الحداد في كتابه مدخل إلى الحوار الإسلامي المسيحي.

(٢) يقول وليم ميور في كتابه لب التاريخ ط ١٨٤٨ ـ ان «منتنس المسيحي الذي كان رجلا تقيا شديد الرياضة ادعى في آسيا الصغرى اني فارقليط موعود المسيح الذي تنتظرونه فآمن به طائفة منهم ، ويقول أيضا : ان اليهود والنصارى زمن محمد كانوا بانتظار النبي الموعود فار قليطا فاتخذه محمد ظرفا صالحا للادعاء اني أنا فار قليطا موعود المسيح.

وفي التواريخ والآثار : انه لما كتب الرسول محمد (ص) كتاب الدعوة إلى الإسلام للنجاشي ، انه لما وصله الكتاب قال : أشهد بالله انه هو النبي الذي ينتظره أهل الكتاب وكتب في جوابه : أشهد انك رسول الله (ص).

٣٠٧

ولئن سئلنا لماذا بشر بأحمد؟ ومحمد أشهر! فالجواب : ان (بيركلتوس) اسم وصفي عني به محمد وصفا في : (بيركلتوس آخر) : نبي آخر ، فان النبيين كلهم محمّدون أوصافا إذ يحملون الحمد الكثير ، مهما حمله محمد الأخير اسما ووصفا وكما في نص سليمان عليه السّلام (وكولو محمّد يم) : وكله محمد : اسما ووصفا وخلقا ودينا وفي كل شيء (١) ، ثم وعني به أحمد في سواه (٢) إذ قصد تفضيله على السيد المسيح وسواه كما في النص الثالث الآتي شرحه ، فأحمد هو الأفضل إطلاقا في حمل الحمد ، وكما هو حامل لواء الحمد يوم القيامة.

ومما يفضل به هذا المحمد الآخر انه الأخير من مواكب الرسالات الإلهية أيضا : «فيعطيكم بيركلتوس آخر ليمكث معكم إلى الأبد» (يوحنا ١٤ : ١٦) ف (كم) هنا لا يعني ـ ومحال أن يعني ـ الجماعة المخاطبين زمن المسيح فقط ، إذ لم يكونوا مؤبدين بأشخاصهم ، وكما أن أبدية المحمد الآخر هي أبدية الشخصية الرسالية لا الشخص ، فهو خاتم النبيين.

وسمة أخرى ل (بيركلتوس) يعنى فيها (أحمد) «انه خير لكم أن أنطلق لأنه ان لم انطلق لا يأتيكم (بيركلتوس)» فهل ان روح القدس خير من السيد المسيح حتى يصبح ذهابه لمجيء الروح خيرا لهم؟ أم وإذا كان خيرا منه ، أينفصل عنه ولحد استحالة الجمع بينهما؟ «إن لم انطلق لا يأتيكم» وهذه تصريحة بينة ان المبشر به كائن مستحيل الاتصال بالسيد المسيح ، وإذا كان هو روح القدس المتصل بالنبيين أجمع ، استحالت نبوة السيد المسيح ، فالذين يحاولون في

__________________

(١) في نشيد الأناشيد ٥ : ١٥ «حكو ممتقيم وكولو محمد يم زه دودي وزه رعى بنت يرشالام ، أي : فمه حلو وكله محمد هذا محبوبي وهذا ناصري الذي يرعاني يا بنات أورشليم.

(٢) إذا فلا يتم في «احمد» رغم ما يتقوله الأستاذ حداد في (مدخل إلى الحوار الاسلامي المسيحي) بقوله : اسم النبي العربي في القرآن هو محمد كما يرد في أربع آيات : (٣ : ١٤٤) (٣٣ : ٤٠) (٤٧ : ٢) (٤٨ : ٢٩) لذلك فوروده بلفظ احمد مرة يتيمة مشبوه ولا يعرفه الواقع التاريخي.

٣٠٨

تحويل أحمد إلى روح القدس ، انهم يحيلون نبوة السيد المسيح في الوقت ذاته ، إذ أحال المسيح مجيء (بيركلتوس) لو لم يذهب هو ، وجنّد ذهابه لمجيء (بيركلتوس) فهل هو إذا روح القدس ملازم النبيين ، وملازم السيد المسيح طوال رسالته؟! إنه أفضل من السيد المسيح إذ اعتبر ذهابه خيرا لغاية مجيء (بيركلتوس) ولأنه (أحمد) أفضل منه محامد وممن سواه ، فليكن من أفضل أولى العزم من الرسل ، ومن شهود هذه الأحمدية : «ولكن متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق» (يوحنا ١٦ : ١٣) مما يوحي أن السيد المسيح لم يرشد إلى جميع الحق ، ولأن حامل هذا الإرشاد الشامل ، شرطه أن يحمل الحمد الشامل : أن يكون (أحمد) ليرشد العالم مع الأبد إلى كل خير ، كما وأن لفظ البشارة (أحمد) يوحي بهذه الأفضلية الأحمدية.

لذلك ، وأن المبشر به يحمل الرسالة الأخيرة التي هي الرسالات كلها وزيادة نرى السيد المسيح يردد تأكيده به في توصيات : «الآن قلت لكم قبل أن يكون حتى متى كان تؤمنون» (يوحنا ١٤ : ٢٩).

وأنه يعتبر حفظ وصاياه من شروط مجيء (بيركلتوس) : «إن كنتم تحبونني فاحفظوا وصاياي. وأنا أطلب من الخالق فيعطيكم (بيركلتوس) آخر ليمكث معكم إلى الأبد» (يوحنا ١٤ : ١٥ ـ ١٦).

ولقد عبر عن أحمد في نص يوناني آخر ب (ايودكيا) كما في (لوقا ٣ : ١٤) : «وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماويين يسبحون الله ويقولون : الحمد لله في الأعالي وعلى الأرض (إسلام) وللناس (احمد) ، رغم ان التراجم تقول : «وعلى الأرض السّلام للناس الذين بهم المسرة» وكما هو دأبهم في تحريف الترجمات عن البشارات المحمدية.

فهم يترجمون (ايريني) ب (سلام) و (ايودكيا) ب (مسرة) رغم انهما

٣٠٩

(إسلام واحمد) حسب الأصل اليوناني واقعيا ولغويا.

واقعيا لأن الأرض لا تحمل السّلام التام ما دام فيها تضارب العقائد والأحكام.

فهذا هو السيد المسيح عليه السّلام يقول عن سلام الأرض : «ما جئت لألقي سلاما على الأرض بل سيفا» (متى ١٠ : ٣٤) «جئت لألقي نارا على الأرض أتظنون أني جئت لألقي سلاما؟ كلا! أقول لكم بل انقساما» (لوقا ١٢ : ٥٣).

إذا ف (ايريني) على الأرض ليس سلامها ، وإنما هو إسلامها الذي سوف ينتهي إلى سلامها التام في دولة القائم المنتظر عليه السّلام : ملكوت الله الذي يلتمسه المسيحيون في صلواتهم ليل نهار ، والملائكة تعني بهذا الهتاف ان (أحمد) سوف يؤسس الإسلام على الأرض فيشملها كما الحمد لله شامل في الأعالي.

ولغويا : الحق ان (ايودكيا) مركبة من (ايو ـ دكيا) ايو بمعنى : حسن ، جيد ، صالح ، مرحي ، حقيقي ، حسن ملاحة ـ و (دوكيا) لم نجدها هكذا في كتب اللغة وإنما (دو كوئه) أي : الحمد ، الاشتهاء ، الشوق ، الرغبة ، البيان ، الفكر ، ثم الصفات المشتقة من (دوكسا) : وهي ، حمد ، محمود ، ممدوح ، نفيس ، مشتهي ، مرغوب ، مجيد ، والمركب من هذين هو «محمد وأحمد».

كما وان الأصل العبراني (شلم حمد) هو الإسلام وأحمد ، لا السّلام والمسرة ، وإن كان الإسلام وأحمد سلاما ومسرة للمؤمنين (١).

هذان الأحمدان طرف من البشارات الإنجيلية بجنب العديد من البشارات المحمدية في التوراة والإنجيل نتحدث عنها في طيات آياتها إنشاء الله تعالى ومنها ما في كتاب أشعياء (٤٢ : ١٠) «يسبحون الرب تسبيحا جديدا ويبقى أثر

__________________

(١) راجع كتابنا (رسول الإسلام في الكتب السماوية) تجد فيه تفصيل القول حول «بيركلتوس» و «ايريني ايودكيا» ، ننقله عن الأب عبد الأحد الآشوري العراقي من كتابه «الإنجيل والصليب» ط القاهرة ١٣٥١ ه‍ نقله عن التركية إلى العربية مسلم عراقي.

٣١٠

سلطانه بعده واسمه (أحمد)» (١).

هكذا يترجم الآية القسيس أو سكان الأرمني ، بعد الآيات السابقة لها ، المبشرة برسالة عالمية من نسل قيدار بن إسماعيل ، وأحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم من ولده.

وهكذا يبشر السيد المسيح بني إسرائيل والحواريين بالرسالة الأحمدية المحمدية ، مفضلا له على نفسه وسواه ، وانه يستقل بشريعة عالمية خالدة فيها تبيان كل شيء : كما بشر به النبيون من قبل :

(فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) : بينات فيما بشر به من اسمه وسماته وصفاته ، وآيات بينات في كتابه تبين بوضوح انه من عند الله العزيز الحكيم ، وبينات في تشريعاته وتصرفاته ، بحيث أصبح كله بينات ، ولكنهم لحقدهم العصيب (قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) ترى كيف تكون الحقيقة إذا كانت البينات الأحمدية سحرا؟! ان صيغ البشارة بالنبي الآتي ، التي نعهدها من حملة الرسالات الإلهية ، تصور لنا حلقات الرسالة المترابطة ، يسلم بعضها إلى بعض ، وهي وحدة متماسكة في أصلها واتجاهها ، مهما اختلفت في شكلياتها حسب المقتضيات ، انها ممتدة من السماء إلى الأرض ، وبشارة السيد المسيح ثابتة بهذا النص ، سواء تواجدت في الأناجيل الحالية أم لا ، ولكنها موجودة كما عرفناه وإن كان عليها سمة التحريف فإن نور الله لا يطفئ مهما حاول الكافرون في إطفائه.

وبشارة السيد المسيح لا تختص باسم (أحمد) وإن كانت أفضلها إذ يحمل تفضيله صلّى الله عليه وآله وسلّم .. فالنص «وإذ قال» مما يدل على انه من بشاراته ، لا «إذ كان يقول» حتى تدل على انه كان (أحمد) دائما ، بل و (محمد) أيضا.

هنا نلفت أنظار الذين يقولون : اننا مسيحيون ، ثم لا يؤمنون بمحمد صلّى الله عليه وآله وسلّم

__________________

(١) راجع (رسول الإسلام) ص ٥٨ ـ ٦١.

٣١١

انهم ليسوا بمسيحيين أيضا إذ رفضوا بشارته وتركوا وصيته في محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.

وأما الذين آمنوا به فهم حقا مسيحيون ومسلمون إذ آمنوا به تطبيقا لوصية السيد المسيح عليه السّلام.

(وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) :

المفترون على الله الكذب فرق شتى ، بين مفتر لا يعلم ، ومتجاهل يعلم ، وعالم لا يجهل ولا يتجاهل ، وإنما يفتري علما وعنادا فلا أظلم منه ، ومنهم من يدعى إلى الإسلام ، بحجة البشارات الصادقة لرسول الإسلام ، وبسائر الحجج القاطعة للأعذار ، ورغم كل ذلك يفتري على الله الكذب ، في تكذيب رسوله المبشر به من قبل ، وتكذيب رسالته التي تحمل كافة بينات الصدق ، فمن أظلم منه (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) إذ لا يريدون الهداية ويرفضون الهداة.

(يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) :

نور الله هنا هو الرسول محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فإنه نور الأنوار الرسالية ، وهو القرآن :

(فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٧ : ١٥٧) (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٩ : ٣٢).

والفرق بين «ليطفئوا» و «أن يطفئوا» أن في الأول الإرادة واجهة لأمر يتوصلون به إلى إطفاء نور الله ، كنكران البشارات ، وتسحير المعجزات ، ولكي يطفأ النور المحمدي ، وفي الثاني القصد إلى إطفاء نور الله بالقضاء على النبي ودعوته قصدا بالذات.

فرغم محاولات الكافرين وحيلهم في إطفاء نور الله ، ان الله حتم على نفسه

٣١٢

إبقاء نوره وإتمامه ، وكما نرى البشارات المحرّفة بأيدي الدس والتحريف ، انها تدلّ على تحرّفها ، وتدلّ من خلاله دلالات بيّنة على صاحب الرسالة السامية محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وتفضح المحرفين ، فالذين حوّلوا (بيركلتوس) : أحمد ـ إلى (باركلتوس) : المسلي ، لكي يحوّلوه عن أحمد الرسول إلى مسلي الروح ، فهل باستطاعتهم تحويل صفاته وسماته إلى غيرها؟ لذلك ظلّت هذه البشارة الأحمدية مشرقة دائبة خارقة ظلمات التحريف والتجديف! وهي الإرادة ليطفئوا نور الله ، وكذلك إطفاءه بالقضاء على الدعوة الإسلامية ، فإنها مطلّة على العالم أجمع وطالعة ما طلعت الشمس وغربت ، لا تطفئ نوره ولا ذاته وصفاته.

إنه نص يرثي الكافرين مستهزئا بهم ، فما قولهم بأفواههم (هذا سِحْرٌ مُبِينٌ) إشارة الى المعجزة التامة الكافلة ، إلا كمن يحاول إطفاء نور الشمس بنفخة من فيه ، فما أفضحه وأعجزه من هؤلاء الضعاف المهازيل!.

فالنار هي التي تطفأ مهما طالت زبانيتها ، ولكنما النور ، المستمدة من نور الله وإرادته ، إنها ليست بالتي تطفأ ، وإنما تزداد إشراقا وتهاما رغم تطاول الإطفائيات الطائلة الجاهلة ، مهما يخيّل للطغاة الجبارين ، وللأبطال المصطنعين بأيدي وعلى أعين الصليبيين والصهاينة المجرمين ، أنهم بالغوا هذا الهدف البعيد.

ترى ان الله تطفأ ذاته النورية بإطفاء الكافرين؟ فكذلك نوره ، فإنه طالع من مطلع ليس له أفول وهو الحضرة الإلهية : (اللهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ فِيها مِصْباحٌ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ. فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ. رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ) (٢٤ : ٣٧).

٣١٣

ومن أرجل وأبطل هؤلاء الرجال الأنوار ، الرسول الأقدس محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم وأهل بيته الطاهرون المعصومون كما وردت بذلك متواتر الآثار.

إنه ليس إتمام النور المحمدي بإبقاء شخصه حيّا ، ولا ببقاء دينه حينا سليما عن النقص والنقض ، وإنما هو إظهاره على الدين كله : أن يحكم العالم أجمع ولو كره الكافرون والمشركون :

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) (هُوَ الَّذِي ... وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) (٤٨ : ٢٨).

(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ) : كأنه الرسول لا سواه ، فمن هكذا إضافة يستفاد الحصر ، ولأنه يحمل الرسالات الإلهية وزيادة خالدة (بِالْهُدى) : كل الهدى التي تتطلبها وتحتاجها الحياة العقلانية وأضرابها على طول الخط ، دون نقص أو نسخ (وَدِينِ الْحَقِّ) : دين للحق : الثابت ـ لا «الدين الحق» لأن رسل الله كلهم مرسلون بالدين الحق ، ف «دين الحق» هو الثابت من الدين الذي ليس له دور خاص ولا جماعة خاصة ، فدوره شامل ما دامت هذه الحياة قائمة ، وجماعته هم المكلفون أجمعون ، حق بكافة معانيه : ثبوتا وجاه زلازل التشويهات والتمزيقات والتحريفات ، وثبوتا تجاه النسخ بشريعة اخرى إلهية ، فإنه لا شريعة بعده ، فهو حق يجري في مجاري الحياة جري الشمس.

فلقد حرفت الكتب الإلهامية الاخرى ، وانتهت لحال لا تصلح معها لشيء من قيادة الحياة ، وحتى لو ظلت سليمة عن التحريفات ، فهي نسخة سابقة مؤقتة لأدوارها المحددة لها ، لا تشمل كافة طلبات الحياة المترامية الأطراف ، المتجددة دائبة ، فليست هي «دين الحق» مهما كانت «الدين الحق».

و «دين الحق» هكذا يستحق الظهور على الدين كله ، وكما جعل غاية لحقه : (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) : على الدين الباطل كله : الطاعة الباطلة ، وهي شرعة

٣١٤

الشيطان ، وعلى الدين الحق كله (١) ، إذ ينسخ الشرائع كلها ، ويكمّلها ، فلا يبقى دين إلا دين الإسلام ، وكما وعدناه في دولة القائم المهدي محمد بن الحسن العسكري عليه السّلام الذي به يملأ الله الأرض قسطا وعدلا بعد ما ملئت ظلما وجورا.

إن جذور ومؤهلات هذه الغاية متواجدة في شريعة الإسلام ، مهما لم تتحقق زمن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وخلفائه حتى الآن ظهورا على الأديان ، ولكنها سوف تتحقق في الدولة المحمدية الأخيرة التي يبتدء بها مؤسسا لها حفيده المهدي المنتظر عليه السّلام (لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ) : ظهورا وغلبا شاملا بدينه وكتابه ، وبشخصيته الرسالية ، مهما قضى شخصه نحبه ، وانقضى دوره كشخص ، ولكنه مستمر في دعوته ، في كتابه وكيانه ، في خلفائه الأوصياء الأوفياء ، فيمن تخضع له الأمم كما بشرنا به في كتابات السماء (٢).

إن الديانات الاخرى ، من حق وباطل ، ليست لها مؤهلات الغلبة الشاملة ، وتأسيس دولة موحدة عالمية ، لا في ذواتها ، ولا في زعاماتها ، ولكنما الإسلام يملك هذه الأهلية فيهما معا ، فدستوره العالمي هو قرآنه الكامل ، الحافل لكافة متطلبات الحياة ، وقيادته العالمية هي الظاهرة في رسوله وأوصيائه ، والباهرة أخيرا في القائم المهدي عليه السّلام (وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) : الذين يشركون بالله في طاعته وعبادته ، في دينه وحكمه ، فليحكم دين الله وحده ، ظاهرا على الدين كله (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً) إذ يشهد في كتاباته ببشارات تتلاحق بحق هذا الدين وهذا الظهور ، وإذ يشهد بما يؤيد أهل هذا الدين فيما يأملون ، من كانوا يعلمون ويعملون ، (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

__________________

(١) تفسير البرهان ٤ : ٣٣٠ ـ عن أبي الفضيل عن أبي الحسن الماضي (ع) في الآية قال : يظهره على جميع الأديان عند قيام القائم (ع).

(٢) راجع (رسول الإسلام في الكتب السماوية) تجد فيه بشارات عدة بشأن القائم المهدي (ع).

٣١٥

إن الإسلام ليس فكرا أو نظرية في بطون الكتب ، تترسمها الأجيال فيعيشوا الخيال بعيدا عن الواقع ، إنما هو دين الحياة الواقعة ، حقيقة في عالم الواقع ، ما تزال هذه الحقيقة تنبعث بين حين وآخر ، وتنبض وتنتفض قائمة على جذورها المجردة عن الأباطيل ، رغم كل ما جرّد على الإسلام والمسلمين من كيد وحرب وتنكيل ، وظهرت قوة وحقيقة ونظاما على سائر الدين قدر ما أظهرتها جماعتها ، فدانت لها معظم الرقعة العامرة مدى قرون من الزمن .. وإلى أن يدين لها كل المعمورة طوعا أو كرها بقوة النور والنار ، طوع الأبرار وكره الأشرار (وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ الْمُشْرِكُونَ).

إن إتمام نور الإسلام ليس إلا في زمن يشمل العالم كله ، فيرتفع فيه علم الإسلام مرفرفا لا ندّ له ولا ضد ، وكما سمع علي عليه السّلام يقول تفسيرا لهذه الآية : (كلا والذي نفسي بيده حتى لا يبقى قرية إلا وينادى فيها بشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بكرة وعشيا) (١).

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) :

__________________

(١) تفسير العياشي بالإسناد عن عمران بن هيثم عن عباية انه سمع أمير المؤمنين (ع) يقول في الآية : أظهر ذلك بعد؟ قالوا : نعم. قال : كلا ...

وعن ابن عباس في الآية قال : لا يكون ذلك حتى لا يبقى يهودي ولا نصراني ولا صاحب ملة إلا صار الى الإسلام ، حتى تأمن الشاة والذئب والبقرة والأسد والإنسان والحية ، حتى لا تقرض فارة جرابا وحتى توضع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير ، وهو قوله تعالى : «لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ» وذلك يكون عند قيام القائم (ع).

وعن جابر بن يزيد عن أبي جعفر (ع) في الآية قال : يظهره الله عز وجل في الرجعة(تفسير البرهان ٤ : ٣٣٠).

٣١٦

هنا إيمان أول هو رسمه وصورته قبل أن يتعرّق في القلوب ، وهو الإيمان التقليدي ، فهو لا ينجي ـ بمجرده ـ من عذاب أليم ، إنما هو رأس مال يتجر به ، والتجارة تصرف في رأس المال طلبا للربح ، وهذا الإيمان الأول هو رأس مال لربح الإيمان العريق بالله ورسوله والجهاد في سبيله بالأموال والأنفس ، ثم هذا الربح أيضا رأس مال لتجارة ثانية وربحها النجاة من عذاب أليم ، تجارة متسلسلة ترجع لآخر المطاف الى نجاة قاطعة عن حياة بئيسة في الدنيا وفي الآخرة ، دون اختصاص بالأولى ، مهما كانت في الآخرة أتمّ وأولى.

إنها تجارة من رأس مالها أنفس المؤمنين وأموالهم ـ وهي من الله ـ : (إِنَّ اللهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ... فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بايَعْتُمْ بِهِ) (٩ : ١١١).

فبأنفسهم يؤمنون بالله ورسوله ثانيا ، ويفتدون بهما في سبيل الله مجاهدين ، وبأموالهم كذلك يجاهدون صرفا لها في سبيل الله ، ولكي تصبح حياتهم المؤمنة كلها قنطرة وسبيلا لله دون أن يكون لغير الله فيها نصيب.

في آية التجارة تقدّم الأموال لتقدّمها في تقديم المجاهدين بالعدد المكافحة ، ثم إذا نفدت الأموال أو ما كفت أو ما أفادت لحسم جذور الفساد ، فلتقدّم الأنفس فداء بعد الأموال في سبيل الله ، وفي الآية الثانية تقدّم الأنفس لأنها الأصل في الجهاد ، وإذا قدّم الأصل فتقديم الفرع ـ وهو المال ـ سهل.

ومن عوائد هذه التجارة غفر الذنوب ودخول الجنة ، إيجابا للرحمة بعد البعد عن العذاب :

(يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) :

فغفر الذنوب كلها «ذنوبكم» الغابرة والحاضرة ـ وهي صغائر المعاصي ـ إنه رهين هذا الإيمان العقائدي والعملي التام ، فإنه يضم كبائر الطاعات فعلا :

٣١٧

(إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ) (١١ : ١١٤) وكبائر المعاصي تركا : (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٤ : ٣١) ، ثم بقية حاضرة بجنب أمثالها والمستقبلة :

(وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) :

وتجارة وعائدة أخرى ، تحبونها هنا (نَصْرٌ مِنَ اللهِ) إذ تنصرون دينه (وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) : فتح مكة المكرمة وهو فتح الفتوح فيما مضى ، وفتح القائم المهدي عليه السّلام (١) ، وهو أشمل ، وإن كان متأخرا بزمن ، فكل آت قريب. فقد تربحكم هذه التجارة في الحياتين (وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ) بهذه الفتوحات والأرباح الدائبة ، وإنما المؤمنين المجاهدين بكل ما لديهم من إمكانيات ، لا القاعدين.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) :

هذه المقالة من السيد المسيح هي لما أحسّ منهم الكفر : «فلما أحسّ عيسى منهم الكفر قال من أنصاري الى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنّا بالله واشهد بأنّا مسلمون. ربنا آمنّا بما أنزلت واتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين. (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) (٣ : ٥٤).

كون الإنسان من أنصار الله والأنصار إلى الله لا يعني أن الله بحاجة إلى نصرة في ذاته أو صفاته أو أفعاله إلى عباده الضعفاء المهازيل ، وإنما يعني نصرة الإنسان نفسه في صالحه الحيوي بكافة مجالاتها ، الذي لا يصلح إلا بإرادة الله ودلالته ، فليس بإمكان الإنسان أيا كان أن ينصر نفسه إلا على ضوء شريعة الله

__________________

(١) القمي أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في الآية : يعني في الدنيا بفتح القائم (ع) ، وأيضا فتح مكة.

٣١٨

المسنونة لصالح الإنسان ، وتوفيقه الذي يرافقه فيه : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٦ : ١٥٣).

ومن نصرة الله نصرة رسوله الدال عليه ، السالك سبيله : (قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) (١٢ : ١٠٨) كما والتنظير : (كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ) يوحي بأصالة هذه النصرة في نصرة الله ، فكونوا أنصارا لرسول الله في الدعوة والاتجاه الى الله ، وتطبيق ونشر شريعة الله ، في صفوف متراصّة رزينة رصينة صامدة لا تنفصم : (فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٧ : ١٥٧) وتعاكس نصرة الله هكذا أن ينصر ناصريه ، مما يدلّ على أن نصرته تعالى هي نصرتهم أنفسهم بدلالته وتوفيقه : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (٤٧ : ٧) (وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢٢ : ٤٠).

والحواريون الأنصار هم تلاميذ السيد المسيح ، الأخصاء ، منطلق دعوته الذين كانوا يلوذون به ويأخذون عنه ، منقطعين عمن سواه من معلمين (قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) أنصارك الى الله ، بما أنك وسيط في هذه السبيل ، لا أصيل (فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ) بالمسيح أو بنصرته الى الله (وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) كذلك (فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ) الكافرين والتاركين لنصرته «فأصبحوا» بإيمانهم بالله ومن ثم بتأييد الله «ظاهرين» غالبين على عدوهم ، ومن ذلك أنهم (مَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) في محاولة صلبه إذ صلب من ألقي عليه شبهه ورفع هو الى سماء رحمة الله ، وهكذا يكون دور الإيمان والمناصرة في الله ، عاليا ظاهرا على الأعداء مهما كانت جولة الباطل ، فإن للحق دولة!.

والعبرة المستفادة عبر نصرة الحواريين والذين حذوا حذوهم ، هي استنهاض همّة المؤمنين بالشريعة الأخيرة من دين الله ، المختارين لهذه المهمة الكبرى ، أن يقوموا قومة رجل واحد لنصرة صاحب الرسالة السامية الأخيرة ، ليؤدّوا هذه

٣١٩

الأمانة الكبرى الى الأمم سليمة عزيزة ، ولكي تحكم العالم أجمع في جولته الأخيرة.

ولعمر الله إن نصرة المؤمنين بهذه الرسالة كانت عالية غالية ، إذ نصروا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم وآله (عليهم السلام) في مختلف الأخطار الحاسمة (١) ، خلاف ما نبّئنا عن أنصار السيد المسيح ، إذ كانوا قلة وهم لم ينصروه إلا قليلا حتى رفعه الله!.

__________________

(١) اصول الكافي عن أبي عبد الله (ع) قال : إن حواري عيسى كانوا شيعته وإن شيعتنا حوارينا وما كان حواري عيسى بأطوع له من حوارينا لنا ، وإنما قال عيسى للحواريين من أنصاري الى الله قال الحواريون نحن أنصار الله ، فلا والله ما نصروه من اليهود ولا قاتلوهم دونه ، وشيعتنا والله لا يزالون منذ قبض الله عز وجل رسوله ينصروننا ويقاتلون دوننا ويحرقون ويعذبون ويشردون من البلدان ، جزاهم الله عنا خيرا. وقد قال أمير المؤمنين (ع) : والله لو ضربت خيشوم محبينا بالسيف ما أبغضونا ، والله لو آويت مبغضيه أو حبوت لهم من المال ما أحبونا.

٣٢٠