الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

تقول الروايات إن هذه الآيات نزلت بعد صلح الحديبية الذي جاء فيه :

(على ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا) زعما من المشركين أنه يشمل النساء أيضا (١) ، أو إذا شملهن يرضى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بردّهن الى الكفار فيرجعن كافرات! فلما كان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ والمسلمون معه ـ بأسفل الحديبية ، جاءته نساء مؤمنات يطلبن الانضمام إلى دار الإسلام في المدينة ، فجاءت قريش تطلب ردّهن ، زعم تنفيذ المعاهدة ، فنزلت الآيتان تمنعان ردّ المهاجرات المؤمنات بعد الامتحان والعلم بإيمانهن كيلا يكنّ منافقات فترجع هجرتهن بالخسار على دار الإسلام.

(فَامْتَحِنُوهُنَّ) : وكيف الامتحان؟ هل انه الإقرار بالشهادتين (٢)؟

وليس امتحانا ، فإنه محنة ولا محنة في لفظة القول ، وقد أقرّ بهما المنافقون ، ثم النص تفرض الإيمان موضوعا للهجرة قبل الامتحان (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ) ، والشهادتان من أقل الإيمان! لحدّ قد لا تسمّيان إيمانا (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا).

أو انه التحقق من واقع الشهادتين في قلوبهن؟ فهذا حق ، ولكنه كيف

__________________

(١) عن الجبائي : لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا رد الرجال دون النساء ، ولم يجر للنساء ذكر ، وأن ام كلثوم بنت عتبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة فجاء أخواها الى المدينة وسالا رسول الله (ص) ردها عليهما ، فقال (ص) : إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء فلم يردها عليهما ، وفي الدر المنثور ٦ : ٢٠٦ ـ أخرج ابن سعد عن ابن شهاب ـ مثله ـ وفيه : جاء أخواها يريدان أن يخرجاها ويرداها إليهم ، فانزل الله ... أقول : وفي أحاديث عدة (ان الله نسخ العقد بالنسبة للنساء) ولكنها تخالف جوهر الإسلام الذي يفرض رعاية العهود مع من لم ينقضوها ، وان رد النساء المؤمنات خلاف المصالح الاسلامية جماعية وفردية ، فكيف يعاهدهم الرسول (ص) هكذا ، ويمضيها الله تعالى ثم ينقضها؟ رغم التصريح في الآية : (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ ...) ، إذ تلمح بانه حكم ثابت على طول الخط.

(٢) خلافا لما في الدر المنثور ٦ : ٢٠٧ ـ أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ..

٢٨١

يتحقق؟ فهل بالاشتراط عليهن : «ألا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف» فذلك حق كله وهي من اصول الإيمان العملي الذي يدل على تعرّق الإيمان في قلوبهن ، ولكن مجرد قبول الشرط لا يكفي شاهدا على الالتزام به وبواقعه!.

إذا فليكن الامتحان في أمثال هذه عمليا بعد الاشتراط ، ليجمع بين عمل الإيمان وعقيدة الإيمان ، طالما لا يحصل منه اليقين ، وإنما العلم العادي ، وقد اكتفى الله للمؤمنين به : (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ) دون أن يحمّلنا العلم الحقيقي كما الله يعلم :

(اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَ) :

إن حصيلة الامتحان هذا هي العلم بأنهن ما خرجن طامعات ، وإنما مؤمنات ، فليركز الامتحان ـ أيا كان ـ على ركيزة الهجرة ، امتحان الحلف : (بالله ما خرجت من بغض زوج ، وبالله ما خرجت رغبة عن أرض إلى أرض ، وبالله ما خرجت التماس دنيا ، وبالله ما خرجت إلا حبا لله ورسوله) ثم يتمم بامتحانهن عمليا فيما هي شريطة قبول بيعتهن ، فقبل البيعة بشروطها لا يمكن العلم بإيمانهن ، إذا :

(فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ ..) :

إن رجع المؤمنات المهاجرات ، بعد العلم بإيمانهن ، إنه محرّم عليكم وعليهن وعلى أزواجهن ، عليكم لأنه قد يسبب رجوعهن الى الكفر ، وعليهن كذلك ، ولأنه سبيل للكافر على المؤمن ، وعليهم إذ انقطعت الصلة بينهم وبينهن ، والزوجية حالة اندماج فاستقرار ، ولا اندماج بين الكفر والإيمان فلا استقرار ، فلا الشرع يسمح بهكذا رجع ، حفاظا على صالح الإيمان ، ولا الواقع يجاوبه إذ لا سكن ولا اطمئنان بين المؤمن ومن ليس له إيمان.

٢٨٢

وهل الكفر المانع من زواج المؤمنة هو الشرك فحسب؟ كما المشركون فقط هم شأن نزول الآية ، إذ كانوا هم فقط في مكة المكرمة ، أم إن الكفر هو المانع إطلاقا ، كفرا بالله أو كفرا بالإسلام ، كما هو موضوع الحكم بالحرمة هنا (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) فلم يقل «إلى المشركين» ، وهو كالصريح في موضوعية مطلق الكفر ، وشأن النزول لا يخص الآية بنفسه.

وتدل عليه آية البقرة أيضا ، إذ تعلل حرمة نكاح المؤمنة للمشرك ب :

(أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) فعموم الكفار هنا وفعلة الدعوة الى النار في المشرك ، المعممة له الى مطلق الكافر أيضا ، يثبتان عموم التحريم على الكافر مشركا أم كتابيا ، فسبيل الكافر على المؤمن ، الممنوعة ، ودعوته الزوجة المؤمنة الى النار ، يساندان عموم التحريم على الكفار ، دون المؤمن والكتابية ، إذ تعكس بينهما الدعوة والسبيل ، وآية المائدة تسمح بزواج الكتابية للمؤمن ، دون زواج الكافر بالمؤمنة كما يأتي.

وهل ان المؤمنة المهاجرة أو غير المهاجرة ، غير العريقة في الإيمان ، الساقطة في الامتحان ، هل يحل رجعها الى الكفار ، أو زواجها به بدوا؟ هنا الآية لا تحرّم ، وعلّه للظروف الخاصة السياسية آنذاك ، التي تتطلب تخليص دار الإسلام عن عناصر غير صالحة ، حفاظا على صالح الدولة الإسلامية ، إلا أن رجعها الى الكافر لا يجوز مبدئيا ، بسند دليل الدعوة والسبيل ، وعموم آية البقرة في تحريم المؤمنة على الكافر ، إذ تشمل كافة مراتب الإيمان ، كما تشمل كافة مراحل الكفر ، ولا أقل من نسخ آية البقرة في عموم التحريم ، آية الممتحنة في خصوصها على المؤمنات الممتحنات ، ولنا إلقاء خصوصية الامتحان وكمال الإيمان للأدلة المسبقة ، وأن (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) حكم مستقل عن (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) ، ففي رجع الممتحنة حرمة مغلّظة ،

٢٨٣

وفي رجع غيرها من المؤمنات حرمة عادية ، وقد تؤيده السنة (١).

إذا فلا تحلّ المسلمة ـ وحتى المقرّة بالشهادتين فحسب ـ على الكافر ، وحتى الكتابي الموحد ، لا استدامة ، ولا ابتداء.

وإذ لا يحلّ رجعهن إلى الكفار فكيف يجبر خسارهم فيما أنفقوا ، فهل تذهب أزواجهم بما أخذن منهم هدرا؟ كلا! إن الإسلام أعدل من هذا ولو بالنسبة للكفار المعاهدين :

(وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا) : سواء أنكحتموهن أم لا ، ما أنفقوا في أصل الزواج ، دون النفقات الاخرى ، فقد أخذوا حقوقهم منهن مضاجعة وسواها بدل ما أعطوا من هذه النفقات ، وإنما على المسلمين رجع نفقات الزواج الى الأزواج ، ثم وما هو دور نكاحهن :

(وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) : لا محظور في نكاحهن شرط أن تؤتوهن أجورهن ، دون أن تحاسبوا عليهن ما آتيتم أزواجهن من أجورهن ، فإنه زواج ثان لا يحكم عليه بحكم الأول وقد مضى.

إن إيمان زوجة الكافر يفصلها عنه دون طلاق ، فهل تعتد عدة الطلاق ، أم عدة الوفاة ، أم لا عدة وإنما تريّث لاستبراء رحمها ، أم ولا تريّث إطلاقا؟

إن آيات العدد وفاة وطلاقا مختصة بهما ، لا تتخطاهما الى غيرهما إلا بحجة قاطعة ، وآيتنا هذه تنفي الجناح عن نكاحهن شريطة المهر دون ذكر عدة ولا تريّث ، إذا فلا عدة هنا لعدم الحجة ، اللهم إلا لاولات الأحمال منهن :

__________________

(١) في الكافي بإسناده عن الفضيل بن يسار قال : قلت لأبي عبد الله (ع) : ان لامرأتي أختا عازمة على ديننا وليس على ديننا بالبصيرة إلا قليل ، فإن زوجها لا يرى رأيها ، قال (ع): لا ـ ولا نعمة ، ان الله عز وجل يقول : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ).

٢٨٤

(وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ) (٦٥ : ٤) اللهم إلا أن يختص الحكم بالمطلقات ، لأن الآية بما قبلها ، في بيان أحكام الطلاق ، ثم التريّث أيضا لا دليل عليه ، إلا أن لحوق الولد بالفراش أقل ما يفرضه هنا هو التريث ، لكي لا يختلط أمر الولد بين الزوجين ، طالما لا حرمة للزوج الكافر تعتد هي لأجلها ، ففي العدة حكم عدة ، منها حرمة الزوجية وقد انتفت هنا ، ومنها عدم اختلاط المياه ، والحفاظ على النسب ، ويكفيه التريث للتعرّف الى كونها حاملا أم لا.

والخبر الدال على عدة الطلاق (١) ، إضافة الى أنه من الآحاد ، يختص بالنصراني ، فلا ينهض حجة لإثبات حكم لا يلائم القرآن ، إلا أن الأحوط هنا الأخذ بأقل العدد : عدة الطلاق.

وكما ان المرأة المؤمنة تنفصل عن الكافر دون طلاق ، كذلك الكافرة تنفصل عن المؤمن دون طلاق ، لانفصام العلاقة هنا وهناك :

(وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) : فلا يحل إمساك نساءكم اللاتي بقين على الكفر ، والعصمة ما يعتصم به ، وهي بين الزوجين علقة الزوجية الحاصلة بالعقد ، ف : لا تقيموا على نكاح الكافرات وخلاطهن كأزواج ، بعد ما انقطعت عصمة الإيمان وعلقته بينكم ، بإيمانكم وبقائهن على الكفر.

وحرمة الإمساك بعصمة الكافرة ـ وقد كانت زوجة ـ تتخطاه إلى حرمة النكاح البادئ ـ وأحرى ـ فلا تحل الكافرات للمؤمنين على أية حال ، بداية واستدامة.

__________________

(١) فروع الكافي ج ٢ ص ١٣٣ والتهذيب ج ٢ ص ٢٧٤ حمران عن الباقر (ع) في ام ولد لنصراني أسلمت أيتزوجها المسلم؟ قال : نعم ، وعدتها من النصراني إذا أسلمت عدة الحرة المطلقة ثلاثة قروء ، فإذا انقضت عدتها فليتزوجها إن شاءت. ورواه الشيخ بإسناده عن الحسن ابن محبوب مثله.

٢٨٥

وهل ان الكافرات هنا المشركات ، كما الآيات نازلة فيهن وفي المشركين؟ أم هن والكتابيات ، لأن شأن النزول لا يخص الآية بموردها ، وإنما المتبع فيها عموم اللفظ : «الكوافر» لا خصوص المورد : «المشركات»؟ وجهان أشبههما ثانيهما ، فلا تحل ـ إذا ـ نكاح الكتابيات على أية حال لعموم هذه الآية.

اللهم إلا أن آية البقرة تخص الحرمة بالمشركات ، فعلّها ناسخة عموم الكوافر هنا ، وآية المائدة تصرح بحلّ الكتابيات ، فهي ناسخة آية الكوافر ، ومؤكدة ان المشركات في البقرة لا تعم الكتابيات ، أو إذا عمت بما تعلّل فهي أيضا منسوخة بآية المائدة ، فتحل الكتابيات على المؤمنين ، وتبقى حرمة المؤمنات على الكافرين مشركين أم كتابين ، على قوتها ، في عموم آيتي الممتحنة والبقرة.

فآية الممتحنة حرمت المؤمنات على الكافرين : (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) مشركين وكتابيين ، وحرمت الكافرات على المؤمنين (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) كذلك فإن موضوع الحرمة فيها هو الكفر لا خصوص الشرك ، رغم أنه مورد نزولها.

ثم آية البقرة ، وإن كانت تختص الحرمة بالشرك دون مطلق الكفر : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (٢ : ٢٢١).

هذا ـ ولكن الغاية التي تزيل الحرمة : (حتى يؤمن .. حتى يؤمنوا) إنها تضم الكتابيين والكتابيات إلى جماعة الشرك ، إذ لم يؤمنوا ولم يؤمن ، واحتمال ان الإيمان هنا هو الخروج عن الشرك فيعم الكتابي ، انه ـ على بعده ـ تدفعه حكمة الحكم أو علته : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) مهما اختلفت نار الدعوة بين المشركين والكتابيين ، وعلّ اختصاص المشرك بالذكر بحساب أنه الأصل في الحرمة ، التي لا علاج لها ولا استثناء فيها ، دون الكتابي.

٢٨٦

وأخيرا تأتي آية المائدة ـ وهي آخر ما نزلت ، ناسخة غير منسوخة ـ تأتي ناسخة لعموم الحرمة في الكتابيات فقط : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ ..) (٥ : ٥) فصدرها يدل على سابق الحرمة : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ).

فإنما خرجت عن حرمة الزواج الكتابيات ، على شروط فصلت في الروايات دون الكتابيين على المؤمنات ، فهم باقون على قوة الحرمة بعمومها في آية الممتحنة ، وبما يقرب النص في آية البقرة : (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) فسيطرة الزوج على الزوجة في مختلف الطاقات والإمكانيات والمتطلبات تجعل لدعوته إياها تأثيرا ، دون العكس ، إلا بالمغريات والملهيات ، فدعوة إلى النار لها زوجها المؤمن ، أو ولدها ، فهذا الزواج أيضا محظور ، وكما تؤيده الروايات.

وما ألطف التشريع في هذه الآيات الثلاث ، ان الاولى تعم الحرمة في الكافرات ، مشركات أم كتابيات ، والثانية تعتبر موضوع الحرمة المشركين والمشركات ، مع التلويح ـ لمكان الغاية والتعليل ـ إلى حرمة الكتابيات ، والثالثة الناسخة تحلل الكتابيات ، وتبقي الكتابيين في عموم التحريم ، والروايات الناظرة إلى الآيات ، والمفسرة لها متضاربه ، بين ما يوافق هذه الآيات الثلاث وما في مجراها فمقبولة (١) أو لا توافقها ، أو تخالفها فمضروبة عرض

__________________

(١) الوسائل ١٤ ب ٢ ص ٤١٣ ج ٦ علي بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلا عن تفسير النعماني باسناده عن علي (ع) قال : وأما الآيات التي نصفها منسوخ ونصفها متروك بحاله وما جاء من الرخصة في العزيمة فقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ) وذلك ان المسلمين كانوا ينكحون في أهل الكتاب من اليهود والنصارى وينكحونهم حتى نزلت هذه الآية نهيا أن ينكح المسلم من المشرك أو ينكحونه ثم قال تعالى في سورة المائدة : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فأطلق الله مناكحتهن بعد ان كان نهى وترك قوله : (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) على حاله لم ينسخه.

أقول : وهو مقبول على تأمل في سابق حل الكتابي ذكرا وأنثى. ومما يلائم الآيات الأحاديث المعللة لمنع نكاح الكتابيات كما رواه عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال : (وما أحسب للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية ولا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يتنصر).

وما رواه معاوية بن وهب وغيره جميعا عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يتزوج اليهودية والنصرانية فقال : إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له : يكون له فيها الهوى ، قال : إن فعل فليمنعها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم أن عليه في دينه غضاضة.

٢٨٧

الحائط (١) أو مردودة إلى أهلها.

وحكمة الحرمة أو علتها في آية البقرة (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) ليست بالتي تنسخها آية المائدة أو أي ناسخ ، وإنما تنسخ أصل الحرمة كضابطة عامة ، مع بقاء الحرمة في موارد الدعوة إلى النار ، فلا تحل الكتابية التي تدعوه للضلالة أو أولاده (٢) ، ولا تزويجها على مسلمة ، فإن لزامه سبيل الكافرة عليها بالمشاركة في حقوق الزوجية ، وتسوية بينهما فيها (٣) ، ولا أن يتزوج مسلمة على كتابية وهي

__________________

ـ نهى وترك قوله : «ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا» على حاله لم لسخه. أقول وهو مقبول على تأمل في سابق حل الكناني ذكرا وأنثى ومما يلائم الآات الآحاديث المعلة لمنع نكاح الكتابيات كما وراه عبد الله بن سنان عن ابي عبد الله (ع) في حديث قال ، (وما أحسب) للرجل المسلم أن يتزوج اليهودية والا النصرانية مخافة أن يتهود ولده أو يقتصر).

وما رواه معاوية بن وهب وغيره جميعا عن أبي عبد الله (ع) في الرجل يتزوج اليهودية والنصرانية فقال ، إذا أصاب المسلمة فما يصنع باليهودية والنصرانية؟ فقلت له : يكون له فيها الهوى ، قال ان فعل فليمها من شرب الخمر وأكل لحم الخنزير ، واعلم أن عليه في دينه غضاضة.

(١) كما ورد في أن آية المائدة منسوخة بآية الممتحنة ، ففي الوسائل ج ١٤ ص ٤١٠ عن زرارة بن أعين قال : سألت أبا جعفر (ع) عن قول الله عز وجل : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) فقال : هي منسوخة بقوله : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) ، وآية المائدة خاصة وناسخة ، لأن المائدة آخر ما نزلت ، وإلا فكيف تنسخ بآية الممتحنة وهي من اوليات المدنيات؟.

(٢) انظر صفحة ٢٨٨ هامش رقم (١).

(٣) المصدر ص ٤١٨ ـ محمد بن مسلم عن أبي جعفر (ع) قال : لا تتزوج اليهودية والنصرانية على المسلمة. وعن أبي عبد الله (ع) في رجل تزوج ذمية على مسلمة قال : يفرق بينهما ويضرب ثمن حد الزاني اثنا عشر سوطا ونصفا ، فإن رضيت المسلمة ضرب ثمن الحد ولم يفرق بينهما.

٢٨٨

لا تعلم لأنه مس من كرامتها ، اللهم إلا برضاها (١) ، فلو أمن كل ذلك جاز نكاحها على كراهية ، إلا البله المستضعفة ، فلا كراهية (٢) ، وإلا التي يرجى إسلامها فراجح أو واجب ، والضابطة العامة هي حرمة نكاح المشركين والمشركات إطلاقا ، وكذا الكتابيين ، وحلّ الكتابيات كحكم ثانوي على الشروط المسبقة ، وعلة الحرمة (أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) تتخطى غير المسلمين إلى فساق المسلمين الذين يدعون إلى الفسق ، أو لا يؤمن عليهم ، ففي الحرمة هنا وهناك مراتب عدة حسب مراحل الأخطار التي يجلبها الزواج المتخلف.

وبعد إجراء هذه التفاريق بين المؤمن والكافر في الزواج يأتي دور إجراء التعويض على مقتضى العدل والمساواة :

(وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا) : فيرد على الزوج الكافر قيمة ما أنفق من المهر على زوجته التي فارقته لإيمانها ، كما يرد على الزوج المؤمن قيمة ما أنفق من المهر على زوجته التي ظلت كافرة أو ارتدّت ، وهكذا يكون حكم الله بعيدا عن الجور حتى بالنسبة للكافرين ، ضامنا للعدل حتى مع الظالمين : (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

وفيما إذا لم يدفع الكافر مثل نفقة زوجة المؤمن ـ الفائتة ـ اليه ، فعلى الدولة الإسلامية أن تدفع ولا سيما إذا أراد الزواج :

__________________

(١) المصدر ص ٤٢٠ ـ أبو بصير المرادي في حديث عن أبي جعفر (ع) : فإن تزوج عليها (يهودية ونصرانية) حرة مسلمة ولم تعلم أن له امرأة نصرانية ويهودية ثم دخل بها فإن لها ما أخذت من المهر ، فإن شاءت أن تقيم بعد معه أقامت ، وإن شاءت أن تذهب إلى أهلها ذهبت ، وإذا حاضت ثلاثة حيض أو مرت لها ثلاثة أشهر حلت للأزواج ، قلت : فإن طلق عليها اليهودية والنصرانية قبل أن تنقضي عدة المسلمة ، له عليها سبيل أن يردها الى منزله؟ قال : نعم.

(٢) المصدر ص ٤١٤ ـ عن زرارة قال قلت لأبي جعفر (ع) : إني أخشى أن لا يحل لي أن أتزوج ممن لم يكن على أمري ، فقال : وما يمنعك من البله؟ قلت : وما البله؟ قال : هن المستضعفات من اللاتي لا ينصبن ولا يعرفن ما أنتم عليه.

٢٨٩

(وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ) :

فقد تفوت زوجات المؤمنين إلى الكفار بانفلاتهن إليهم كافرات ، أو أسرهن عندهم مؤمنات ، ثم تحصل المعاقبة ، فعلى الآخرين ـ ممن بأيديهم أزمة امور المسلمين ـ أن يعوضوا المحرومين عما أنفقوا مثل ما أنفقوا ، فما هي المعاقبة؟ وممن هي؟

إنها قد تكون معاقبة الزواج لمن فاتتهم أزواجهم ، فإنها الوصول إلى عقبى الشيء وهي هنا زواج بعد الاولى تعقبها ، وكما عن الإمام الرضا عليه السّلام : (أن يتزوج اخرى) (١) ، أو معاقبتهم أزواجهم دون أن يقدروا على رجعهن ، أو معاقبتهم ـ بسائر جنود الإسلام ـ الكفار ، ولكي يحصلوا على ما أنفقوا ولم يحصلوا.

ولفظ الآية يتحملها جمعاء ، والقدر المتيقن منها وجوب إنفاق ما أنفق ، إذا لم يحصل عليه من الكفار ، وأراد معاقبة الزواج ، سواء غنم المسلمون منهم شيئا أم لم يغنموا ، والمتيقن من عدمه أو عدم جوازه من بيت المال ، ما إذا حصل

__________________

(١) وفي علل الشرائع بإسناده عن يونس عن أصحابه عن أبي جعفر وأبي عبد الله (ع) قال قلت : رجل لحقت امرأته بالكفار وقد قال الله عز وجل في كتابه : (وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا) ما معنى العقوبة هاهنا؟ قال : إن الذي ذهبت امرأته فعاقب على امرأة اخرى غيرها يعني تزوجها ، فإذا هو تزوج امرأة اخرى غيرها فعلى الامام ان يعطيه مهر امرأته الذاهبة ، فسألته : فكيف صار المؤمنون يردون على زوجها المهر بغير فعل منهم في ذهابها؟ وعلى المؤمنين ان يردوا على زوجها ما أنفق عليها مما يصيب المؤمنين؟ قال : يرد الامام عليه أصابوا من الكفار أم لم يصيبوا ، لأن على الامام ان يجبر حاجته من تحت يده وإن حضرت القسمة فله ان يسد كل نائبة تنوبه قبل القسمة وإن بقي بعد ذلك شيء قسمه بينهم وإن لم يبق لهم شيء فلا شيء لهم.

٢٩٠

على ما أنفق ولم يرد الزواج ، وأما إذا لم يرد الزواج ولم يحصل على حقه ففيه تردد ، وإطلاق المعاقبة يشمله فيؤتى من بيت المال.

ثم الخطاب الأول «فاتكم» للأزواج ، والثاني «فعاقبتم» يعمّهم وغيرهم حسب المحتملات ، والثالث «فآتوا» يخص غيرهم ، فان الإنسان لا يؤتي نفسه ولا يعوض عن نفسه ، ومزج الخطاب هنا وهناك يوحي بأن المسلمين إخوة لا يفرق بينهم أي فارق.

ثم يأتي مرة ثانية مكملة للأولى ، دور المؤمنات في تفاصيل البيعة وموادها الأساسية :

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ) (١) : مهاجرات وغير مهاجرات ، مجيئا إليك لغاية المبايعة الإيمانية ، المسرودة إليهن موادها الأصيلة مسبقا :

(عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ) : كحلقة اولى من مقومات الحياة الجديدة ، وهي كلها هنا سلبية توحي بأن لترك المنكرات عقائدية وعملية سبقا على فعل واجباتهما ، فتلك تزكية وهذه تحلية ، والاولى هي أساس للثانية.

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ٢١١ ـ أخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس أن رسول الله (ص) أمر عمر بن الخطاب فقال : قل لهن ان رسول الله يبايعكن على أن لا تشركن بالله شيئا ، وكانت هند متنكرة في النساء ، فقال لعمر : قل لهن ولا يسرقن ، قالت هند : والله إني لا صيب من مال أبي سفيان الهنة ، فقال : ولا يزنين ، فقالت : وهل تزني الحرة؟ (في نقل آخر : فتبسم عمر بن الخطاب لما جرى بينه وبينها في الجاهلية) فقال : ولا يقتلن أولادهن ، قالت هند : أنت قتلتهم يوم بدر ، قال : ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ... وأخرج عبد الرزاق في المصنف وأحمد وابن مردويه عن انس قال : أخذ النبي (ص) على النساء حين بايعهن ان لا ينحن ، فقلن يا رسول الله ، ان نساء أسعدتنا في الجاهلية أفنسعدهن في الإسلام؟ فقال النبي (ص) : لا إسعاد في الإسلام ولا شطار ولا عقر في الإسلام ولا خبب ولا جنب ، ومن انتهب فليس منا.

٢٩١

(وَلا يَسْرِقْنَ) الأموال والنفوس والأعراض ، من أزواجهن وسواهم.

(وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ) كما كان من دأب الجاهلية وأد البنات مخافة العار أو خشية إملاق أم ماذا؟

(وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَ) : من حمل عن زنا يحمّلنه أزواجهن زورا وافتراء ، فقد كانت المرأة في الجاهلية تبيح نفسها لعدة رجال شهوة وتجارة ، فإذا حملت ألحقته بمن تهواه وهي تعلم من أبوه ، وعلّ بهتان «بين أرجلهن» يختص بإزالة البكارة إذا كانت بغير زوجها ، ثم هي تفتريها على زوجها.

(وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) : ف «ك» هنا تصريح وتلميح ، تصريح للرسول خاصة ، ف «في معروف» قيد توضيحي ، فان كل أوامره معروفة ، فلا يتقيد أمره بشيء لأنه يصدر عن الله ، وكما لله طاعة مطلقة دون شرط ، اصالة ، كذلك للرسول طاعة مطلقة ولأولي الأمر المعصومين (ع) الصادرين عنه دون قصور أو تقصير ، رسالة عنه.

ثم وتلميح الخطاب يعمّ غير الله والرسول وأولي الأمر ، الذين يحكمون بين المسلمين ، فلا تجب طاعتهم إلا «في معروف» ، وهذا الشرط هو أحد القواعد الأساسية في نظام الإسلام : ان لا طاعة عمياء لأحد على المسلمين إلا في المعروف الذي تقرره شريعة الله ، إلا في الله ورسوله وآله ، فطاعتهم مطلقة إذ لا خطأ ولا جهل ولا جور فيها إطلاقا.

وإنما نسب العصيان الى الرسول (لا يَعْصِينَكَ) دون الله (لا يَعْصُونَ اللهَ) وإن كانت طاعة الرسول هي طاعة الله (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) ، لأن طاعة الرسول تعني ما سنّة ، كما أن طاعة الله تعني ما فرضه في كتابه ، فللرسول أوامر بالولاء بما خوّله الله (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (٤ : ١٠٥) فلا يطلب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم فيما يأمر أو ينهى كولي الأمر ، بحجة من كتاب الله ، لأن سنته

٢٩٢

حجة بعد كتاب الله ، والكل راجع إلى الله مهما اختلفت كيفية الصدور عن الله (١). ومن ثم ، إذا أكملن هذه الشروط : (فَبايِعْهُنَّ) كما تناسبك ، (وقد قالت ام حكيم : يا رسول الله! كيف نبايعك؟ قال : إنني لا أصافح النساء ، فدعا بقدح من ماء فأدخل يده ثم أخرجها فقال : أدخلن أيديكن في هذا الماء) (٢). بايعهن حتى يستقبلن حياة جديدة طاهرة زاهرة ، وأما بالنسبة لما مضى :

(وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) : فلاستغفار الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ حيث يشفع باستغفار المذنبين ـ أثر عظيم في الغفران ، شفعا عزيزا لا يردّه الله : (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) (٤ : ٦٤).

وهنا السورة تنتهي بما بدأت به من النهي الشديد عن تولي المغضوب عليهم :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) :

__________________

(١) لذلك ذكرت في الأحاديث من المعروف هنا ما لا يعرف من كتاب الله ، فقد سألت ام حكيم رسول الله (ص) : ما ذاك المعروف الذي أمرنا الله أن لا نعصيك فيه؟ قال : لا تلطمن خدا ولا تخمشن وجها ولا تنتفن شعرا ولا تشققن جيبا ولا تسودن ثوبا ولا تدعين بويل ... فبايعن رسول الله (ص) على هذا. وفي بعضها أضيف البعض من أوامر الله ليدل على شمول (وَلا يَعْصِينَكَ) لما أمر الله به ، كما رواه عبد الله بن سنان قال : سألت أبا عبد الله (ع) عن قول الله (وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ) قال : هو ما فرض الله عليهن من الصلاة والزكاة وما أمرهن به من خير.

(٢) في الكافي بإسناده عن ابان عن أبي عبد الله (ع) قال : لما فتح رسول الله (ص) مكة بايع الرجال ثم جاءت النساء يبايعنه ، فأنزل الله عز وجل : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ ...)

٢٩٣

علّ القوم المغضوب عليهم هنا هم اليهود وكما في آيات عدة ، وقد يشهد له تنظيرهم في يأسهم من الآخرة بيأس الكفار من أصحاب القبور ، وهم المشركون الناكرون للآخرة ، ولقد حرّم توليهم على المسلمين لأنهم تماشوا المشركين في نكران يوم الدين ، أو عدم المبالاة به : (قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ) : من ثوابها بما قدمت أيديهم : (قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ. وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ) (٢ : ٩٦).

فهذا يأس بحساب عدم الثواب ، ولهم يأس آخر بنكران الحساب ، وهو أشبه بيأس الكفار من أصحاب القبور ، إذ يئسوا من حياتهم ومن حسابهم بعد موتهم ، فكما يئس المشركون الناكرون لحياة الحساب من أصحاب القبور كذلك اليهود يئسوا من الآخرة ، رغم أن المعاد من اصول دينهم.

٢٩٤

(سورة الصف ـ مدنية ـ وآياتها أربع عشرة)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ (٢) كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ (٣) إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ (٤) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ (٥) وَإِذْ قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يا بَنِي إِسْرائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جاءَهُمْ بِالْبَيِّناتِ قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (٦) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُوَ يُدْعى إِلَى الْإِسْلامِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (٧)

٢٩٥

يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ (٨) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٩) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ (١٠) تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١١) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَمَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٢) وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ (١٣) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) (١٤)

(سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) :

مضي التسبيح في فعله : «سبح» للتدليل على أنه لزام الخلائق في ذواتهم منذ

٢٩٦

خلقوا ، كما ان مضارعه : «يسبح» في سواها ، للدلالة على استمراره دون انقطاع ما وجدوا ، فالخلق ، بما انه فعل الله ، انه تسبيح لله بذاته وصفاته الخلقية ، يسبحه عما ينافي العزة والحكمة (وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ).

ومن ثم فهذه التسبيحة الشاملة من الكون كله في مطلع السورة توحي بأن شريعة الإسلام ـ وهي الأخيرة من شرائع الدين ـ انها تشمل كل ألوان التسابيح لله العزيز الحكيم ، فالأمانة التي يقوم عليها المسلمون هي ـ إذا ـ أمانة الكون كله ، وانها تتجاوب ما في السماوات وما في الأرض إذ سبح ويسبح لله كله ، فالتنديد بالمؤمنين بهذا الدين ، لو تركوه أو بعضه ، يكون أشد مما على الخلق كله ، وهنا التنديد بآية شاملة :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ. كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) :

تقول الآيات والروايات إنها نزلت في جماعة من الذين آمنوا ، يتمنون ان لو كتب عليها القتال ، فلما كتب كرهوه وتمنوا خلافه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً. أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) (٤ : ٧٨) (وَيَقُولُونَ طاعَةٌ فَإِذا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ) (٤ : ٨١).

هذا وكما توحي به التالية لآية المقت أيضا : آية البنيان المرصوص ، ولكنما النصوص القرآنية أبعد مدى من الحوادث المفردة الماضية التي تنزل الآيات لمواجهتها ، فعلينا أن نسير في مسيرات مدلولاتها العامة والمرسلة ، دون أن

٢٩٧

نختصها بمناسبات نزولها فنموّت القرآن بموتها وهو كتاب الحياة الخالدة يجري كجري الشمس.

فآية المقت تعلمنا ضابطة عامة أن القول المنافق للفعل مقت كبير ، كما أن القول الموافق له واجب كل مؤمن ، فليكن المعني من القول هنا هو المطلوب فعله ، سابقا أو لاحقا أو على أية حال ، فمن الأقوال ما يطلب تركها كالمنكرات ، ومنها ما لا فعل لها ، فليساهما داخلين في نطاق الآية التي تندد بالذين يقولون ما لا يفعلون.

ثم القول هنا يشمل الوعد الحسن فيجب الوفاء به ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فيجب على الآمر الائتمار بما يأمر به ، وعلى الناهي الانتهاء عما ينهى عنه ، وكذلك سائر الأقوال الحسنة الواصفة للحسنات ، أو المخبر بها ، فلتصدّق في فعلها من قائلها ، فإذا كان القول الحسن هنا وهناك وهنالك لا يجاوبه الواقع ، فليترك هذا القول فإنه تقوّل انقلب سيئا ومقتا كبيرا عند الله إذ ينافق فعله ، مهما كان حسنا عند الله لو يوافق فعله ، إذ لا قيمة لقول لا يسنده ويسانده فعله ، فإما السكوت عن هكذا قول ، أم ضم الفعل إليه كما يستطاع.

فخلف الوعد مقت ولو مع الكفار غير الناقضين عهودهم ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مقت لمن لا يأتمر فيما يأمر أو لا ينتهي عما ينهى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) (٢ : ٤٤) فهذا النفاق في الأمر والنهي إفساد ، وإن كان القصد منهما الإصلاح ، وكما يشير إليه شعيب عليه السّلام : (وَما أُرِيدُ أَنْ أُخالِفَكُمْ إِلى ما أَنْهاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ..) (١١ : ٨٨) فتارك المعروف المأمور من قبل تاركه ، وفاعل المنكر المنهي من قبل فاعله ، انهما يزدادان جرأة وهتكا في حرمات الله ، ووهنا في عقيدة الإيمان إن كانت لهما ، وان ذلك يكشف عن أن الآمر الناهي كأنه

٢٩٨

مستهزء بشريعة الله ، فهو «كالذابح نفسه» على حدّ المروي عن الإمام الصادق عليه السّلام (١) كما ويذبح غيره.

وحاشا الله أن يأمر ، او يسمح بأمر ونهي فيهما الفساد ، وهو يصرح انه خلاف العقل : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) وانه ممقوت عنده مقتا عظيما (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) فهو يستجر اللعنة بدل الرحمة كما عن الإمام علي عليه السّلام : «لعن الله الآمرين بالمعروف التاركين له والناهين عن المنكر العاملين به» و :

«فانهوا عن المنكر وتناهوا عنه فإنما أمرتم بالنهي بعد التناهي».

فالتقوّل في عدم اشتراط وجوب أو جواز الأمر والنهي بفعل ما يأمر وترك ما ينهى ، إنه خلاف العقل ، وخلاف النقل كتابا وسنة ، ونشبع البحث كما يجب في آياته الخاصة إن شاء الله.

كذلك وسائر الأقوال الحسنة المخبرة عن أفعالك ، أو الواصفة لحسنات الآخرين ، يجب أن تجاوب أفعالك أنت ، أو تكون كذبا ومقتا كبيرا عند الله (٢) ، فإنما القول تعبير عما في الضمير ، أو ما تضمر من نية أو عقيدة أو فعل ، فليجاوبها كما يمكن ويرام ، وهو لزام الإيمان ، ولذلك يخاطب به المؤمنون :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ..) إيحاء بأن عقيدة الإيمان تستلزم عمل الإيمان ، وإلا فلا إيمان ، إلا صورته وخياله ، وهذا مقت كبير عند الله : (كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللهِ أَنْ تَقُولُوا ما لا تَفْعَلُونَ) فمهما كان ترك الفعل الحسن لمن لا يقول مقتا ، فهو ممّن يقول أشد مقتا.

__________________

(١) البرهان ج ١ ص ٩٣ العياشي عن يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (ع) قال قلت له : «أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ ..» قال : فوضع يده على حلقه ـ قال : كالذابح نفسه.

(٢) ومن ألطف ما ورد في نفاق الكذب ما رواه أحمد بن حنبل وأبو داود عن عبد الله بن عامر بن ربيعة قال : أتانا رسول الله (ص) وأنا صبي فذهبت لأخرج لألعب ، فقالت امي : يا عبد الله تعال أعطك ، فقال لها رسول الله (ص): «وما أردت أن تعطيه»؟ فقالت : تمرا ، فقال (ص): «أما انك لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة».

٢٩٩

وفي تقسيم حاصر بين القول والفعل ، قد يفعل الإنسان قبل أن يقول ، ففعله هو قوله قبل قوله ، وإذا يقول فليس بدافع التشهر والفخر ، وإنما توجيها للآخرين ، فهذا هو العليين من القول والفعل ، وقد يقول ولا يفعل ، بل ويضاد فعله قوله ، وهذا هو السجين منهما ، ثم بينهما متوسطات من زيادة القول على الفعل دون رئاء ، أو قول يجاوب الفعل ولكنه رئاء ، أم ماذا ، فإنما يحسن من القول ما يعتقده القائل ويفعله تماما.

(إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) :

ان سبيل الله في كافة مجالاتها ، هي سبيل مرضاة الله ، وهي سبيل مصلحة الإنسان دينا ودنيا ، مجتمعات وأفرادا ، وفي كل متطلباته كإنسان ، فسبيل الله ـ إذا ـ هي سبيل صالح الإنسان ، والله هو الغني عن عباده وهم الفقراء إليه ، وهكذا يفسر نصرة الله وصراط الله ، وكلما لله مما يؤمر به الناس.

ثم المقاتلة في سبيل الله ليست فوضى دون نظام وقيادة صالحة ، فكما لا قتال إلا في سبيل الله ، متحللا عن الأطماع التوسعية ، كذلك لا قتال في سبيل الله إلا (صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) في تضامن عن قيادة ونظام بين الجماعة المسلمة ، داخل صفوف متراصة : برية وبحرية وجوية ، متضامنة منضمة كل مع بعض ، كما يتضامن كلّ مع صفيفه ، وكلّ صف واحد ، فإنهم يقاتلون تحت قيادة واحدة ونظام واحد (كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ) تتضامن أبعاضه في صميمه ، مهما اختلفت شكليا ومن حيث الوظائف في تصميمه.

ولو كان المسلمون أجمع ، أو المسلمون العرب على أقل تقدير ، لو كانوا هكذا في مواجهة ثالوث الاستعمار الصيهوني الانكلو أمريكي ، والاستحمار الروسي المناوئ له شكليا ، والمساند إياه ضد المسلمين واقعيا ، لو كانوا مقاتلين في سبيل الله صفا كأنهم بنيان مرصوص ، لما انهزموا واصطدموا من دويلة العصابات الصهيونية وعملائها المرتزقة داخل البلاد.

٣٠٠