الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

بعضه من ارتضى من رسول ، وفي تقديم الغيب على الشهادة ايحاء لطيف ألا فرق بينهما عنده تعالى لحدّ كأنه أعلم بالغيب من الشهادة!

(هُوَ الرَّحْمنُ) بجميع خلقه فإنها الرحمة العامة (الرَّحِيمُ) بالمؤمنين خاصة فإنها الرحمة الخاصة ، وهما تشملان كافة الصفات الإلهية ذوات الفاعلية والعلاقات العامة أو الخاصة بالكون ، على علم نافذ فيهما دون عزوب عن أية خافية.

توحي هذه الصفات الثلاث بعد تصريحة التوحيد ، بوحدانيته تعالى في علمه ورحمانيته ورحيميته ، ما يشمل توحيده في كافة صفاته وأسماءه الحسنى.

ومن ثم تبرز هذه الثلاث ، بعد الحياة العقلانية العقيدية للإنسان ، تبرز في حياته العملية ، في كمال منهجه تفكيرا وشعورا وسلوكا ، أنه مراقب من الله ، وغريق في رحمانيته ورحيميته ، فلا يغفل ولا يطغى.

(هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) :

أسماء أخرى ثمان بعد الثلاث ، وهي كلها بعد توحيده الذي هو أم الأسماء ، وهذه الثمان تفاصيل لتلكم الثلاث ، إذ إنها من شؤون علمه ورحمانيته ورحيميته ، كما انها كلها بسائر الأسماء لزامات توحيده تعالى ـ ف (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ).

وعلّ هذه الثمان حملة عرش الأسماء والصفات ، وكما أن لعرشه تعالى يوم القيامة حملة ثمان.

(الْمَلِكُ) : وحيد في ملكيته ومالكيته ، لا يشركه فيها أحد : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) (١٧ : ١١١) ولا يشبهه (فَتَعالَى اللهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) (٢٣ : ١١٦) فهو مالك الملك لزاما لألوهيته لا سواه : (قُلِ اللهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ) (٣ : ٢٦) ملك المبدء : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما يَخْلُقُ ما

٢٦١

يَشاءُ) (٥ : ١٧) وملك المصير : (وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) (٥ : ١٨) إذا فليس للخلق سيد سواه.

(الْقُدُّوسُ) : مبالغة في القدس ، حقا في الله الملك ، فلا قدس يحق ويجب في الملك إلا وفيه حقه غير المحدود ، لا يملك إلا بقداسة ، ولا يحكم ويحاسب إلا بقداسة ، ولا يعذب إلا بقداسة ، فالقداسة المطلقة اللانهائية مشعة في الملك الإله دون من سواه ، ومن قدوسيته سلامه : (السَّلامُ) : سلام في ذاته ، عن كل نقص ورين ، وفي صفاته عن كل ظلم وشين ، سلام في دعوته : (وَاللهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ) (١٠ : ٢٥) وفي هدايته لمن يتقبل دعوته : (يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ) (٥ : ١٦) وفي جزاءه للسالكين سبل السّلام : (لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ) (٦ : ١٢٧) (وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ) (١٠ : ١٠) لذلك يحق له التسليم : (بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ) (٢ : ١١٢) (أَفَغَيْرَ دِينِ اللهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) (٣ : ٨٣).

أجل انه سلام دون سأم ، وليس السأم إلا بما كسبت أيدينا ويعفو عن كثير فعذابه السأم سلام في حساب الحق والعدل ، وكما ان سلامه لغير أهله ـ والعياذ به ـ سأم في هذا الحساب ، فالخير كله بيديه والشر ليس إليه ، فإنه يؤمن ولا يؤمن عليه : (الْمُؤْمِنُ) : يؤمن بذاته المقدسة الملك القدوس السّلام ، ويؤمن خلقه أجمع مما تتعرض لهم من بواعث البوار ، به وبما يرسل عليهم حفظة : (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) (٦ : ٦١) ويؤمن المؤمنين ويؤمّنهم عن الزلة والانحراف يوم الدنيا ، وعن ذلة العذاب والانجراف في النار يوم الدين ، فهو مؤمن بعد له وفضله من يستحق الأمن أو لا يستحقه ، فضلا منه لمن يستحقه.

(الْمُهَيْمِنُ) : سلطان على خلقه رقيب ، كما وان كتابه مهيمن على ما قبله

٢٦٢

من كتاب : (وَأَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ) (٥ : ٢٨) هيمنة حكيمة لا نفاذ فيها ممن سواه ولا نفاد ، وإنما سيطرة الملك القدوس السّلام المؤمن : (الْعَزِيزُ) : الغالب ـ عزيز في ملكه وقدسه وسلامه وهيمنته ، عزيز في ذاته وصفاته وأفعاله ، عزيز في حكمته (٢ : ٢٢٠) عزيز في انتقامه (٣ : ٤) عزيز في قوته (١١ : ٦٦) عزيز في رحمته (٢١ : ٩) عزيز في غفرانه (٦٧ : ٢) فلا عزة إلا له وبه ومنه (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٦٣ : ٨).

(الْجَبَّارُ) : والجبر هو إصلاح الشيء بضرب من القهر ، فالجبّار هو كثير الجبر لكل كسر من كل كسير ، كسرا في الخلق أو الخلق ، في القلب أو القالب ، فهو جبار في الإصلاح ، لا تحمله إلا هذه الآية ، ثم أهل الطغوى جبارون في الإفساد ، بين جبار عصي (١٩ : ١٤) وجبار شقي (١٩ : ٣٢) وجبار عنيد (١١ : ٥٩) في بطشة جبارة : (وَإِذا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ) (٢٦ : ١٣٠) فهذا الجبار العصي العنيد الشقي يقابل الجبار المصلح الوفي : (إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ) (٢٨ : ١٩) فهناك جبار يجبر الكسير (١) ، وهنا جبار يكسر الجبير ، فأين جبار من جبار سبحان العلي القدير ، ولا يوجد جبار في الإصلاح إلا الله ، حتى ولا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلا في بلاغ الرسالة ، لا في التكوين ولا التشريع! (وَما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ) (٥٠ : ٤٥).

وكل جبره تعالى إصلاح ، سواء جبره الخلق في ذواتهم والبعض من أفعالهم ، أو في أحوالهم المنكسرة التي تتطلب الجبر ، وللعارفين نصيب من هذا الاسم المجيد لأنفسهم مهما حرموا عن كامله (٢).

__________________

(١) من أدعية الإمام علي (ع) : «يا جابر كل كسير ومسهل كل عسير».

(٢) من حظه أن يقبل على نفسه ، مجبرا نقائصها باستكمال الفضائل ، فيحملها على ملازمة التقوى ومجانبة الطغوى ، ويكسر منها الهوى الطائشة والشهوات الفاحشة ، ويترفع عما سوى الله ، متخليا عنهم متحليا بالله ، لا يزلزله تعاور الحوادث.

٢٦٣

(الْمُتَكَبِّرُ) : (الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ) (١٣ : ٩) (الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٢٢ : ٦٢) فلا كبير إلا الله ، فمن سواه صغار في صغار

(والكبرياء ردائي فمن شار كني في ردائي ألبسته ثوب الذلّ) (١) ، فهنا تكبّر بالحق بمعنى التعظم وإظهار الكبرياء ، وآخر بالباطل لمن ليس له : (سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (٧ : ١٤٦) والمتكبر من يرى غيره حقيرا صغيرا بالنسبة لنفسه وهذا لا يحق إلا لله (٢). وكما الجبار في الله تحمله فقط هذه الآية ، كذلك المتكبر ، فسائر الآيات تعبر عنه بالكبير ، فالمتكبر الكبير غير المتكبر الصغير ، فهذا باطل يتظاهر بالكبرياء وليست له ولن تكون ، وذلك حق تظهر الكبرياء في صفاته وأفعاله ، مما تدل على كبرياء الذات ، دون تكلّف ولا ادّعاء ، فهو متكبر : يظهر الكبرياء ، لأنه كبير عليّ متعال ، وإنما التواضع كمال لغير الكبير ، ونقص للكبير ، وبديله فيه هو العدل والفضل والرحمة ، متكبرا عما لزامه الصغار ، وعلى من سواه فإنهم كلهم بجنبه صغار.

(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) به في هذه الأسماء والصفات.

(هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) :

صفات اخرى ثلاث ، تمثيلا عن أسمائه وصفاته الفعلية الظاهرة في خلقه ، صفات مترتبات في المظاهر الخارجية ، خلقا ، ثم برءا لما خلق من : برء العود ، فهو يخلق عود الخلائق ثم يبرئها : بريئا هو من تفويت وتنقيص ، وبريئة هي كخلقه من التفاوت والتهافت (ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ) والتخلق

__________________

(١) حديث قدسي.

(٢) الكبير خاص بمن له حق الكبر أيا كان ، والمستكبر خاص بمن لا يتكلفه ولا يستحقه ، والمتكبر أعم منها ويتبع في معناه القرينة كما هنا.

٢٦٤

بهذا الاسم هو أن يبرئ العبد أعماله عن الاتجاهات غير الإلهية ، وعن التناقضات والاختلافات ، ثم تصويرا بإعطاء الملامح المميزة ، والسمات المتميزة التي تمنح لكلّ شخصيته الخاصة المائزة له عما سواه : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) (٨٢ : ٨) فالتسوية والتعديل من البرء والتقدير وقبلهما الخلق وبعدهما التصوير ، سبحان العليّ القدير.

ومهما كانت هذه الصفات مترتبات زمنيا في الخلق ، ولكنها موحدة في ذات الله ، فإنه خالق إذ لا مخلوق ، وبارئ إذ لا مبروء ، ومصوّر إذ لا صورة!

(لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) : وهي هي صفاته العليا ، صفات الذات وصفات الفعل ، وحسنى الأسماء والصفات هي التي تليق بهذه الذات ، والقبيح كل القبيح أن ندعوه بغيرها : (وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧ : ١٨).

والإلحاد في أسماء الله أن تختلق له أسماء لم يسمّ بها نفسه ، أو تفسر أسماءه بما لا يليق بذاته المقدسة ، وعلى المؤمن أن يستوحي من أسماء الله الحسنى فيصوغ نفسه وفق إيحاءاتها واتجاهاتها ، تخلّقا بأخلاق الله ما أمكن ، لا تشبّها إذ لا يمكن ، وفي المروي عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمة من آل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أن الأسماء الحسنى مائة إلا واحدا ، من أحصاها دخل الجنة (١) ، إحصاء في القلب

__________________

(١) التوحيد للصدوق بإسناده الى علي بن أبي طالب (ع) قال قال رسول الله (ص) : إن لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحدا من أحصاها دخل الجنة ، وهي : (الله. الإله. الواحد. الأحد. الصمد. الأول. الآخر. السميع. البصير. القدير. القاهر. العلي. الأعلى. الباقي. البديع. البارئ. الأكرم. الظاهر. الباطن. الحي. الحكيم. العليم. الحليم. الحفيظ. الحق. الحسيب. الحميد. الحفي. الرب. الرحمان. الرحيم. الذارئ. الرازق. الرقيب. الرءوف. الرائي. السلام. المؤمن. المهيمن. العزيز. الجبار. المتكبر. السبوح. الشهيد. الصادق. الصانع. الظاهر. العدل. العفو. الغفور. الغني. الغياث. الفاطر. الفرد. الفتاح. الفالق. القديم. الملك. القدوس. القوي. القريب. القيوم.

٢٦٥

وإحصاء في القالب ، في عقيدة الإيمان وعمل الإيمان ، ويروى عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنها أربعة أرباع على حدّ قوله : (أسألك بكل اسم سمّيت به نفسك ، أو أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أو استأثرت به في علم الغيب) (١).

(يُسَبِّحُ لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) :

فألسنة الكائنات من الأرض والسماوات ناطقة ـ بيانا أو برهانا ـ عما لا يليق بالالوهية ، وعن أن يكون له شريك في الملك أو ولي من الذلّ فكبّره تكبيرا.

__________________

(١). تفسير روح البيان للآلوسي ج ٩ ص ٤٦٨.

٢٦٦

(سورة الممتحنة (١) ـ مدنية ـ وآياتها ثلاث عشرة)

(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ (١) إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ (٢) لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا

__________________

(١). تسمت السورة ب «الممتحنة» بمناسبة آية النساء المؤمنات المهاجرات ، فللامتحان مكانته ، كما للنساء مكانتهن ، فسورة النساء ومريم والممتحنة والمجادلة ، إنها مما توحي بعطف الله ولطفه الخاص بالنساء ، بدل ما أهينوا طوال التاريخ ، وكما لا نرى سورة تتسمى باسم الرجال إلا بعض رجالات الوحي : محمد ـ نوح ـ إبراهيم ـ يوسف ـ هود ـ يونس ـ ثم واسم يشملهم أجمع «الأنبياء».

٢٦٧

أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٣) قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلاَّ قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ (٤) رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٥) لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (٦) عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٧) لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨) إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٩)

٢٦٨

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ) :

ملامح هذه الآية وما بعدها ، ومصارحها أيضا ، تشهد أنها نزلت تنديدا ببعض المهاجرين الذين اخرجوا من ديارهم وأموالهم وأهليهم ، وظلت نفوسهم مشدودة عالقة إلى بعض من خلفوا هناك من الأهلين ، فاتخذوا مشركي مكة أولياء ، يعتاضون بولايتهم الحفاظ على أهليهم ، ومنهم ـ كحاطب بن أبي بلتعة ـ من ألقى إليهم بالمودّة ، فلم يكتف هذا الذليل الهزيل الإيمان بموادتهم ، فقد تخطاها إلى إلقاء أسرار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم إليهم بالمودة ، يتسقطهم أسراره ذات الخطورة ، فإلقاء المودة شيء ، والإلقاء بالمودة شيء آخر يتطلب مفعولا به محذوفا ، وما هو إلا أسرار النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم وكما تقول الروايات (١) ، كما وأن نفس

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ٢٠٣ ـ أخرج أحمد والحميدي وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو عوانة وابن حبان وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي وأبو نعيم معا في الدلائل عن علي (ع) قال : بعثني رسول الله (ص) أنا والزبير والمقداد فقال : انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ ، فإن بها ظعينة معها كتاب فخذوه منها فائتوني به ، فخرجنا حتى أتينا الروضة فإذا نحن بالظعينة ، فقلنا : اخرجي الكتاب ، قالت : ما معي كتاب ، قلنا : لتخرجن الكتاب أو لتلقين الثياب ، فأخرجته من عقاصها فأتينا به النبي (ص) فإذا فيه : من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناس من المشركين بمكة يخبرهم ببعض أمر النبي (ص) ، فقال النبي (ص) : ما هذا يا حاطب؟ قال : تجد الجواب في المتن.

وروى القمي أن حاطب بن أبي بلتعة قد أسلم وهاجر الى المدينة وكان عياله بمكة وكانت قريش تخاف أن يغزوهم رسول الله (ص) ، فصاروا الى عيال حاطب وسألوا أن يكتبوا الى حاطب يسألوه عن خبر محمد هل يريد أن يغزو مكة؟ فكتبوا الى حاطب يسألوه عن ذلك ، فكتب إليهم حاطب : إن رسول الله (ص) يريد ذلك ، ودفع الكتاب الى امرأة تسمى صفية فوضعته في قرونها ومرت ، فنزل جبرئيل على رسول الله (ص) وأخبره بذلك ، فبعث رسول الله (ص) أمير المؤمنين (ع) ...

٢٦٩

الإلقاء إيحاء بكيان هذه الولاية ، أنها ملقاة مفصولة عن القلب ، بمكتوب أو سواه بعث لهم سرا.

ف (تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) و (تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) تقتضيان أدبيا أن جماعة منهم ألقوا إلى المشركين مسرّين شيئا من الأسرار ، وقد فضحهم الله كما يفضح المنافقين ، لأنهم اعتملوا عملية النفاق ، وإن لم يكونوا منافقين ، ولكنه ضلال عن سواء السبيل ، فما دور الأرحام والأولاد بجنب الإيمان إلا دور الأغارب البعيدين سواء ، فلما ذا الاعتياض بإلقاء الأسرار بهم بالمودة؟ إعلانا أو إسرارا (وَأَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَما أَعْلَنْتُمْ)؟.

يقف الإنسان هنا حائرا من فعلة حاطب وأضرابه ، وهو مسلم مهاجر ، فيا للنفس البشرية من منحنيات عجيبة ، قد يحتمي لمن يعانده حفاظا على قرابته وأحمّته ، وبينه وبين الذين يلقي إليهم بالمودة ثالوث المفارقات : (عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ) (كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ) (يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ).

إنهم عادوا الله إذ أشركوا به ، وعادوا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ كذبوه ، وكفروا بالحق الذي جاءكم من الله يحمله رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأخرجوا الرسول والمؤمنين مغبّة إيمانهم بالله ومحبة إدخالهم في الكفر كما هم : (أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللهِ رَبِّكُمْ) لا تتخذوهم أولياء (إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَابْتِغاءَ مَرْضاتِي) فمفاصلة أعداء الله من شروط الإيمان الذي يدفعكم للخروج عن الأموال والأهلين جهادا في سبيل الله وابتغاء مرضاة الله.

فكيف يوادهم ويلقي إليهم بالمودة أسرارا ، من هم رجال الله المنتسبون اليه الذين يحملون شارته في هذه الأرض المغبرة ، ويمثلون شاشة الحق في مصارح ومسارح المجتمع المتصارعة؟ .. إنه ليس إلا ضعف الإيمان ولمّا ينضج ، وإنه من عقبات رواسب الأواصر القريبة ، والعصبيات الصغيرة ، والقرابات التافهة ، التي يجب أن تذوب في بوتقة الإيمان ولمّا تذب!

٢٧٠

ولئن سأل سائل : إذا كان هؤلاء أعداء الله وأعداء المؤمنين فكيف بالإمكان موالاتهم والإلقاء إليهم بالمودة ، والقلب لا يتحمل المتناقضين؟ فالجواب : ان الموالاة هنا ليست هي القلبية ، وإنما ظاهرية دفاعا عن شرّ يزعم ، وشاهدا عليه ـ إضافة إلى شاهد الإلقاء ـ ترجّي المودة في المستقبل إذا زال الكفر : (عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً).

ثم هذه الآيات وإن كانت تنديدا شديدا من زاوية بمن اعتمل هذه العملية النكراء الخائنة ، ولكنها من زوايا اخرى بين محذرة الكفار المستغلين ، ومربية البعض من المؤمنين المستغلين الضالين هنا سواء السبيل.

فهنا لك نقف مرة اخرى وقفة الحائرين أمام عظمة العطف الرباني بشأن هؤلاء إذ يخاطبهم خطاب المؤمنين ، لا المنافقين ، رجاء رجوعهم عما فعلوا ، وندمهم عما افتعلوا كما فعلوا ، وكذلك العطف النبوي المعطوف إلى العطف الرباني بخلقة العظيم إذ لا يعجل بحاطب حتى يسأل : (ما حملك على ما صنعت؟) بكل رحابة صدر وحنان ، فلما صارحه بما قصد مجيبا عتاب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : (لا تعجل عليّ يا رسول الله! إني كنت امرءا ملصقا من قريش ولم أكن من أنفسها ، وكان معك من المهاجرين لهم قرابات يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكة ، فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن أصطنع إليهم يدا يحمون بها قرابتي ، وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا عن ديني) (والله يا رسول الله ما نافقت ولا غيّرت ولا بدّلت ، وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله حقا) (١).

هنا يكف الصحابة عنه بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : (صدق ، لا تقولوا إلا خيرا) ، ولينتهضه من عثرته من فوره ، دون مطاردة ومشاردة.

ونجد خلاف هذا الحزم في الخليفة عمر ، إذ ينظر إلى العثرة ذاتها ، دون أن

__________________

(١). الفقرة الاولى في الدر المنثور ، والثانية في تفسير القمي.

٢٧١

يفكر في علاجاتها قائلا : (إنه قد خان الله ورسوله والمؤمنين ، فدعني أضرب عنقه) ، فأين علاج من علاج فيه كل فجاج وحراج! وفي أحاديث عدة أن النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم أجاب عمر : (إنه شهد بدرا ، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم) ، ولكنه لا يوافق الأصول الإسلامية لا كتابا ولا سنة ، فمن أعجب العجاب أن يرفع قلم التكليف عمن أتى بواجب الجهاد! ولا يرفع عن النبي الذي كلّ حياته جهاد! ومن أقرب ما يعارض هذه الفرية الفاتكة نفس الآية (وَمَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ).

ثم هذا الخطاب اللطيف العتاب يجعل من هذا المؤمن الجاهل الضعيف مؤمنا عارفا قويا نادما على ما افتعل ، وينبّه سائر المؤمنين ألا يفعلوا فعلته ، مبينا مع الآيات التالية أخطارها :

(إِنْ يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) :

إن عداء هؤلاء الأعداء لكم مركوز في كيانهم وقلوبهم المقلوبة ، مهما تظاهروا بالولاية ، بغية مساندتكم إياهم ، إلقاء بالمودة لهم أسرار الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، ولكنه يظهر لكم ببسط أيديهم وألسنتهم بالسوء إليكم (إِنْ يَثْقَفُوكُمْ) : يظهروا عليكم ، وهذه الصيغة المضارعة بعد أداة الشرط «إن» تشير الى التحذير من مستقبل الثّقف الذي يعدّه المؤمن على نفسه بجهالة التصرفات الفوضى ، كما أن مضيّ «ودّوا» إيحاء الى تعمّق هذا الودّ قديما في نفوسهم ـ دون رباط بشرط الثقف ـ ، إلا أن «لو» الدالة على امتناع مدخولها ، تكافح هذا الخطر الكامن ، ما دام المؤمنون متمسكون بعروة الإيمان.

وبما أن البسط مقابل القبض ، فبسط الألسن هو إظهار الكلام السيئ فيهم بعد زمّ الألسن عنهم ، فيكون الكلام كالشيء الذي بسط بعد انطوائه واظهر

٢٧٢

بعد إخفائه ، وكذلك بسط الأيدي ، وإن كان هذه ضررها بالإيقاع وتلك ضررها بالسماع.

والثّقف : الحذق في إدراك الشيء وفعله ، فإذا أدركوكم وسيطروا عليكم بحذقهم الكافر الماكر ، حينذاك يظهر لكم مدى عدائهم لكم لحدّ : (وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ) : جمعا بين العداء في القلب وفي القالب ، وعداء القلب ان : (لَوْ تَكْفُرُونَ) هي أمرّ وأدهى ، إذ توحي بكافة ألوان المحاولات والحيل ليردّوكم ويرجعوكم عن الإيمان ، ولحدّ المستحيل الموحى به ب «لو».

فهم دائما ينتفعون ولا ينفعون مهما تظاهروا بالوداد ، وإنما هم شداد في عدائهم العارم ، فكيف تتولونهم؟.

ثم ولو يتولونكم في التخفيف عن أرحامكم وأولادكم ولن يخففوا ، ف :

(لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ):

إنهم لن ينفعوكم وإن كانوا مؤمنين ، فكيف ينفعونكم وهم كافرون؟ فوشائج القرابة المتأصلة في كيانكم ، المشتجرّة في زوايا قلوبكم ، إنها قد تنسيكم ما يتوجب عليكم في ظل الإيمان بالله ، فإنه الوشيجة الدائبة التي لا انقطاع لها ولا فصال ، لا بد أن تنسي المؤمن سواها من الوشائج على طول الخط ، فكل وصال إلى فصال (يَوْمَ الْقِيامَةِ يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ) إلا وصال في الله واتصال بالله ، وعلى المؤمنين أن يتأسوا في صمود وشيجة الإيمان بالرعيل الأعلى ليذيبوا سائر الوشائج ولا يذابوا فيها.

(قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ

٢٧٣

وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) :

الأسوة كالقدوة ، هي الحالة التي يكون عليها الإنسان في اتباع غيره ، إن حسنا أو قبيحا ، ولذلك تقيد هنا وأشباهه ب «حسنة».

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ(١) كَثِيراً) (٣٣ : ٢١) فالأسوة الحسنة في الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم تعمّ أحواله وأفعاله وأقواله ، وهي أشمل وأكمل من الأسوة بإبراهيم ، وإنما أمرنا هنا باسوة حسنة في إبراهيم بما كان منه في آزر (عمه أو جده لأمه) ، ولم يكن هكذا للرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وأسوة إبراهيم ـ هذه الخاصة ـ تخصص بغير قوله لأبيه :

(لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ) ربي ، وأسوة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم تلكم الشاملة نافذة المفعول دون استثناء ، فأين أسوة من أسوة؟! (قَدْ كانَتْ لَكُمْ ..) توحي بأن هذه الاسوة لها كينونة عريقة مسبقة في المؤمنين ، حسب التشريع الإسلامي ، وكما هي شريطة الإيمان دوما وخريطة مستملكات الإيمان كذلك : «التولي في الله ـ التبري في الله» وشيجته مشيجة بقلوب المؤمنين.

(فِي إِبْراهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ) : الإبراهيميون في هذه السنة السنية ، سواء أكانوا معه في عصره ، أم بعده بعصور ، وإلى زمننا ، وإلى يوم الدين ، فإن النص (وَالَّذِينَ مَعَهُ) مما يوحي بالمعية غير المتقيدة بزمان ولا مكان ، لا «والذين كانوا معه» لكي يختص بالغابرين ، وبهذا المعنى يكون محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم والمسلمون الذين معه ابراهيميين ، مهما سبقه الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم في هذه السنّة حقها ومظاهرها ، فإن المعية لها درجات ، قد يكون المعطوف أقوى من المعطوف عليه ، كما ان آية الاسوة في محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم. الشاملة ، تشهد ـ بقرنها بآية الاسوة في ابراهيم الخاصة المقيدة ـ تشهد له بهذه الأفضلية ، إنها شجرة ضخمة باسقة عميقة الجذور

٢٧٤

كثيرة الفروع وارفة الظلال غرسها شيخ النبيين ابراهيم الخليل عليه السّلام مهما سبقه البعض ممن لحقه كالرسول الأقدس محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم!

(إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ) براءة بريئة عن كل شين ورين ، صامدة في وجه القرابات الكافرة ، قاطعة وشائجها مهما تشجرت واستطالت وحتى الأبوة والعمومة ، لحد الكفر بهم ونكرانهم كأن لا قرابة (كَفَرْنا بِكُمْ) كفر البراءة (١) والنكران والمفاصلة ، لا كفر الايمان ، إذ ما كانوا مؤمنين بهم مسبقا حتى يكفروا بهم عن إيمانهم لا حقا ، (وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ) فالإيمان هنا هو نهاية العداء وبداية الولاء ، فإذا آمنوا زال هناك كفران : كفرهم بالله ، وكفر المؤمنين بهم براءة وعداء.

(إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ ..) قاله قبل أن يتبين له انه عدو لله ، لا تحتمل هداه ، إذ أمره بهجره مليا : «قال أراغب أنت عن آلهتي يا ابراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا» (١٩ : ٤٦) هنا يستلهم ابراهيم من هجره مليا : مدة طويلة ، لا دائما ، انه يتروى في أمره فيها ، فقد تجوز هدايته ، لذلك يسلم عليه ويعده الاستغفار : (قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا) (١٩ : ٤٨) فوعد الاستغفار مربوط باحتمال الاهتداء ، فلما طال الأمد وظن ابراهيم انه اهتدى حقق وعده : (وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ) استغفر له وهو بعد حي ظن انه اهتدى ، أو سوف يهتدي ، وكان فيما مضى من الضالين المعاندين ، ولما تبين له انه عدو لله تبرء منه كما في آية الاعتذار حيث تفسر آية الاستغفار : (ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا

__________________

(١) اصول الكافي بإسناده عن أبي عمرو الزبيري عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له : أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عز وجل ، قال (ع) : الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه (إلى أن قال) والوجه الخامس من الكفر كفر البرائة وذلك قول الله عز وجل يحكي قول ابراهيم (كَفَرْنا بِكُمْ ..).

٢٧٥

لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) (٩ : ١١٤).

فليس وعد الاستغفار في آيته ، إلا نتيجة احتمال الاهتداء المشيرة إليه آية الاعتذار : (عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) : موعدة آزر التي وعدها ابراهيم بقوله :

(وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا) لا التي وعدها ابراهيم آزر بدافع القرابة فإنها محظورة قطعا كما في آيتي الاعتذار والاستغفار.

فالمحرم قطعا هو الاستغفار ووعده للمشركين من بعد ما تبين انهم أصحاب الجحيم ، ولا يتبين هكذا إلا ممن ثبت عداءه للحق بعد ما جاءه كمن صرح بهم القرآن ومن تثبتنا عليه ذلك ولا نحتمل هداه.

وأما المشرك المرجو هدايته ، كآزر في ظن ابراهيم ، إذ أمره بهجره مليا ، الملهم لتروّيه فيه ، فقد يجوز الاستغفار له قبل هدايته ، وكما فعل ابراهيم.

وإذ لم يكن في استغفاره لآزر محظور ، فلما ذا الاستثناء فيه عن أسوة ابراهيم؟ علّه رعاية الواقع ، فإن آزر كان عدوا لله لا يستحق الاستغفار ، مهما أخطأ ابراهيم في ظنه وكان معذورا ، ولم يكن استغفاره محظورا ، فالأسوة تشمل حق العلم والواقع ، وحاشا الله أن يأمرنا بأسوة تخالف الواقع ، مهما كان صاحبها معذورا ظنّ الواقع ، ولكنها محظور حسب الواقع.

ابراهيم يعد أباه الاستغفار مشفّعا له بأنه لا يملك من الله إلا الافتقار : (وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللهِ مِنْ شَيْءٍ) : لا قبول الاستغفار ، ولا أن تأهل الاستغفار ، إنما دعاء معه رجاء : (رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ) تسليم لله بلا حدود ، وتسلّم لأمره بلا قيود ، سمة إيمانية بارزة في ابراهيم طول حياته ، ولأنه يحتمل مكيدة أبيه في ملامح وعده من هجره الملي ، يلوذ بربه أن ينجيه :

٢٧٦

(رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) :

يستغفر ربه لو جعل فتنة للكافرين كما جعل في فتنته لآزر في استغفاره ، فسنادا الى عزته تعالى يسأله الخروج عن الفتنة ، وإلى حكمته المغفرة لو افتتن ، فيا لهذه العبودية الخالصة من سمّو وعلوّ! ومع ذلك كله تستثنى هذه الفتنة المغفورة ، غير العامدة ، عن اسوته : (إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ ..) فيا للرسالة الإسلامية من نزاهة تفوق الرسالة الإبراهيمية! إذ لا ترضى من الأسوة إلا الحسنة علما وواقعا ، لا السيئة ـ ولم تكن في إبراهيم ـ ولا بينهما : حسنة في ظنه ، سيئة معذورة كما فعله إبراهيم ، إنما حسنة خالصة :

(لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَمَنْ يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) :

فيا لها من تربية رابية على الابراهيمية الحنيفة ، تختص الأمة الإسلامية ، إذ تستخلص لهم خالص التربيات عبر الرسالات كلها ، كما ان رسالتها خالصة الرسالات كلها ، أو انها الرسالة الإلهية وحدها ، وما سواها إنما تحضّر لها وتهيئ كبذرات لإنماءاتها (لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللهَ) أن يلاقيه في الدنيا والآخرة معرفيا ورضوانا (وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وهو آخر المطاف وغايته ، (وَمَنْ يَتَوَلَّ) عن هذه الرسالة ، فيتولى مناوئيها ممن يتربصون له ويترصدون (فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ) : غني عن إيمانكم ، وهو يحمد على أية حال ، توليتم له أو توليتم عنه ، سواء ، ولكنه لا يرضى لعباده الكفر (١).

__________________

(١) من صحاح الأحاديث القدسية : «يا عبادي! انكم لن تبلغوا ضرري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني ، يا عبادي! لو ان أولكم وآخركم وإنكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا ، يا عبادي! لو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا ، يا عبادي! لو ان أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما ـ

٢٧٧

(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :

تلميح بفتح مكة المكرمة بصيغة الترجي : «عسى الله» : هنا موضع رجاء لكم ، لا ان الله يرجوا ، وإنما يرجي المؤمنين بما كانوا يأملون علهم لتحقيقه يعملون ، وهو بشارة لفتح مكة ، الذي سبب دخول الناس في دين الله أفواجا :

طوعا أو كرها ، ف «عسى» هنا وفي أمثاله حتم من الله ، يكلّل بالرجاء ، ولكي يحيى المؤمنون حياة الرجاء ، ليكونوا دائبي الحراك والسعي لتحقيق الرجاء (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى)! عسى الله أن يعوضكم عن أرحامكم المشركين ، بأرحام لكم مؤمنين في مكة ، منهم ، ومن سواهم بقرابة مستقبلة ، فيجعل بينكم مودة (وَاللهُ قَدِيرٌ) على تحقيق هذه الأمنية (وَاللهُ غَفُورٌ) للمشرك إذا آمن (رَحِيمٌ) له ، وللمؤمن ، المتقاربين نسبا أو صهرا.

ولقد وقع هذا الأمل بعد أمد قصير ، ان فتحت مكة ، فأسلمت قريش ، ووقفت مع المهاجرين والأنصار تحت لواء التوحيد ، مهما كان فيهم منافقون.

وهكذا يعالج الإسلام وشائج القرابات ، ولكي يتخطاها إلى وشيجة الإيمان ، خطوات وخطوات ، ولكي يجتمع الجميع في حزب الله ، والاخوة في الله ، في جو عطر رائع لا خبر فيه عما سوى الله (وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)! من مظاهر المودة الموعودة بفتح مكة تزويج النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ام حبيبة بنت أبي سفيان حيث أصبحت من أمهات المؤمنين ، رغم ما كان من أبيها من عداء عارم ،

٢٧٨

إلا أنه الآن عريكة أبي سفيان ، فاسترخت شكيمته في عداء الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (١).

ان المفاصلة بين المسلمين والكفار قاطعة شاملة ، ثم بينهم وبين المستسلمين المنافقين قلبية فحسب ، ثم بينهم وبين فرقاءهم في الإيمان مواصلة شاملة دون أية مفاصلة ، والمودة الموعودة تشمل المواصلتين.

ان حرمة الموادة تتركز على المعادين المحاربين ، دون الكفار المسالمين ، فعاشروهم بالمعروف وأقسطوا إليهم علّهم يؤمنون :

(لا يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) :

فهؤلاء ، برهم ، والأقساط إليهم غير محظور ، بل هو محبوب ، وانها من أسس شرعة الحق والعدل ، ان الأصل للمسلم مع من سواه البر والخير والعدل إلا مع المحاربين المعتدين ، دفاعا عن الحق ، وحفاظا على الحقوق.

(إِنَّما يَنْهاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) :

إنها مقاتلة في الدين وتشريد ومظاهرة على إخراجكم في الدين ، هي التي تمنعكم عن موادتهم ، وتفرض عليكم عداءهم ، لا أصل الكفر وكما تشهد له الروايات (٢) ، ولا أية مقاتلة ولا أي إخراج ، فلو قاتلك الكافر على نفسه وماله

__________________

(١) قد أسلمت أم حبيبة من قبل وهاجرت مع زوجها عبد الله بن جحش إلى الحبشة فتنصر وراودها على النصرانية فأبت وصبرت على دينها ومات زوجها فبعث رسول الله (ص) إلى النجاشي فخطبها عليه وساق إليها اربعمائة دينار وبلغ ذلك أباها فقال : ذلك الفحل لا يفدع أنفه.

(٢) الدر المنثور ٦ : ٢٠٥ ـ أخرج الطيالسي وأحمد والبزاز وأبو يعلي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس في تاريخه والحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه عن عبد الله بن ـ

٢٧٩

وحقه ، وأخرجك من داره التي اغتصبتها ، فلا عليك ولا لك معاداته ، ولا تحرم لك موالاته.

انه نظام سياسي ثابت صامد للمسلمين ما عاشوا ، دون اختصاص بمن مضى من مشركي العرب ، فهناك كانت امبراطوريتان قويتان الفارسية والرومانية تحيطان بأرض الإسلام ، بدأتا تجمعان له ، إذ تشعران بخطورته ، تؤلبان عليه الإمارات العربية وسواها ، من مستعمراتها ، كذلك واضرابها من الدول المستعمرة المعادية للإسلام طول التاريخ ، فلم يكن بد من تطهير المعسكر الإسلامي من أعدائه الجهال أو المعاندين ، وتخليصه من المرتزقة ، ولكي تكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى.

لا فحسب الرجال في عسكر الإسلام هم الذين يجب امتحانهم ، فامتهانهم وتأنيبهم أو تأديبهم ، بل النساء كذلك يدخلن في هذه البوتقة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ وَسْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (١٠) وَإِنْ فاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْواجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعاقَبْتُمْ فَآتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْواجُهُمْ مِثْلَ ما أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (١١) يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا جاءَكَ الْمُؤْمِناتُ يُبايِعْنَكَ عَلى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً وَلا يَسْرِقْنَ وَلا يَزْنِينَ وَلا يَقْتُلْنَ أَوْلادَهُنَّ وَلا يَأْتِينَ بِبُهْتانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٢) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ) (١٣)

أحكام عدة بشأن المؤمنات المهاجرات ، تبتدئ بامتحانهن وتحرّي أسباب هجرتهن ، ألا تكون وراء حب فردي في دار الإسلام ، أو تخلصا عن زواج مكروه في دار الكفر ، وإنما هجرة في الله ، خالصة في دين الله ، وتنتهي بشرط قبول رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مبايعتهن ، وبذلك يكمل إيمانهن.

٢٨٠