الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٨

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات
الطبعة: ٠
الصفحات: ٤٥٧

وكفانا حضوره بما نسرّ ونعلن رهبة منه ، ورغبة في طاعته ، ولكنه ينبئنا بما عملنا يوم القيامة ، رجفة فوق رجفة : (ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) وانه يعاملنا بما عملنا ويحكم (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً).

وعلّ تخصيص الذكر بالعددين الفردين بمناسبة النزول (١) وان الله يحب الوتر لأنه وتر طالما بين الوترين من بون.

ثم التناجي بالإثم والعدوان ومعصية الرسول ، وما يحزن الذين آمنوا ، إنها محرمة وأحيانا لحد الكفر ، كما أن التناجي بالبر والتقوى محللة ولحد الوجوب أحيانا فيما يحمل تحقيق واجب أو الذب عن محرّم ، فلا تحرم ولا تجب ذاتيا ، إلا بما تحمل من مفروض أو محظور :

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَيَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ).

أتى ذكر النجوى بخيرها وشرها في سبع سور (٢) تندد بالذين يزعمون أن الله لا يعلم سرهم ونجواهم (٤٣ : ٨٠) (٩ : ٧٨) وأن النجوى لا خير فيها (إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (٤ : ١١٤) ناهية عن نجوى الظالمين : (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) (٢١ : ٣).

ولقد كانت للمنافقين والذين في قلوبهم مرض مؤامرات سرية يتناجون فيها ضد الرسالة الإسلامية (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ) وضد الرسول : «معصيت الرسول»

__________________

(١) قيل نزلت في قوم من المنافقين اجتمعوا على التناجي مغايظة للمؤمنين وكانوا على هذين العددين.

(٢) هذه السورة والإسراء ، طه ، الأنبياء ، النساء ، التوبة ، الزخرف.

٢٠١

الثالوث المنحوس من نجواهم ، رغم ما أمروا بطاعة الله والرسول ، فطاعة الله تعم العلاقات الفردية والجماعية سلبا وإيجابا : محرمات وواجبات ، فالإثم المقرون بالعدوان هنا هو التخلفات من القسم الأول التي لا تعدو المتخلف الى سواه إلا شذرا ، والعدوان هو الثاني الذي يعدوه الى سواه ، ومعصيت الرسول لا تعمهما ، وإنما تخص التخلف عن أوامره ونواهيه الولائية كرئيس للدولة الإسلامية ، فطاعته فيها طاعة الله بالعنوان الثانوي ومعصيته معصيته ، فلو لا أمره أو نهيه لم يك وجوب ولا حرمة.

فالمتآمرون ضد الإسلام كانوا يتناجون في ثالوثهم المنحوس «بالإثم والعدوان ومعصية الرسول» ما ينهار به الإسلام من أساس ، ولكن الله كان يخبر الرسول بهذه الخطط اللئيمة ، والدسائس الخفية ، والتدابير السيئة للجماعة الإسلامية.

لقد نهاهم الله عن نجواهم هذه ، ثم يعودون لما نهوا عنه إصرارا في إسرارهم المكائد اللئيمة ، فيطلع الله نبيه والمؤمنين بثالوث النجوى ، وأنهم يحيّون الرسول بغير التحية الإسلامية : «حيوك بما لم يحيك به الله» فهل إنها (السام عليك) كما كان من اليهود قاصدين : (الموت أو المرض عليك)؟ أو انها (أنعم صباحا وأنعم مساء) : تحية أهل الجاهلية (١)؟ علّ الآية تشملهما ، ولكنها لا تخص الاولى ، بل قد تخص الثانية ، فان «ما لم يحيك به الله» توحي بأنهم كانوا تاركي السنة الاسلامية في تحيتهم وهي «السلام عليكم» لا انهم كانوا يسبون الرسول في تحيتهم ليّا بألسنتهم وطعنا في الدين كما اليهود كانوا يفعلون.

ويرد عليهم أيضا قولهم في أنفسهم : (لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللهُ بِما نَقُولُ) بقوله :

(حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ) : فعذاب الدنيا لا يحسب له حساب

__________________

(١) القمي في تفسيره .. وقولهم إذا أتوه : أنعم صباحا وأنعم مساء وهي تحية أهل الجاهلية ، فأنزل الله (وَإِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللهُ) ، فقال لهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قد أبدلنا الله بخير تحية أهل الجنة : السلام عليكم (نور الثقلين ٥ : ٢٦١).

٢٠٢

بجنب الآخرة ، إذ يصلون : يوقدون ، جهنم ، كما كانوا وقودا لنيران المؤامرات يوم الدنيا ، وحسبهم من عذاب الدنيا أن الله يفضحهم في مكائدهم ومصائدهم ضد الرسالة الإسلامية (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ)!.

وطالما لم يؤثر النهي عن النجوى في المنافقين ، ولكنه مؤثر في الجماعة المؤمنة التي قد تنجرف في نجوى سيئة فتؤدي بها إلى «الإثم (وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) كالتشاور فيما يرتبط بالسياسة الإسلامية ، بعيدا عن القيادة ، والتجمعات الجانبية ، تناجيا هنا وهناك ، المنافية لروح التنظيم الإسلامي ، فإنها قد تؤدي ـ وكثيرا ما تؤدي ـ إلى البلبلة والفوضى ، الراجعة (بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ) وإن لم تكن مقصودة! إلا أن مجرد الإثارة للمسائل الجارية ، وإبداء الآراء فيها على غير علم ، وبعيدا عن القيادة ، قد يؤدي إلى هذا الثالوث المنحوس الذي يبغيه المنافقون ضد الإسلام.

فحذار حذار أيتها الجماعة المسلمة أن تعاونوا المنافقين على أنفسكم في تناجيكم الجانبية ، فتصبحوا أعداء أنفسكم وسائر المؤمنين!.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا تَناجَيْتُمْ فَلا تَتَناجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَتَناجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوى وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) :

(تَناجَوْا بِالْبِرِّ) : في علاقاتكم الفردية والجماعية ، ما ثبت أنه برّ : واسع الخير والبركة (وَالتَّقْوى) : التجنب عن سخط الله ، وعن معصية رسول الله ، «تناجوا» فيما بينكم لترك التصميمات الجانبية ، فيما يرتبط بالقيادة والتنظيم والسياسة الاسلامية «تناجوا» تخفيا عن الأعداء ـ لا عن المؤمنين المسالمين ـ أو تخفيا عن ضعفاء العقول من المؤمنين ، الذين يفشون الأسرار جهلا فتبوء بالخسارة والدمار ، «تناجوا» متقين عن محاظير التناجي فرديا وجماعيا.

(إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) :

٢٠٣

فقد تكون النجوى خالية عن الإيذاء والإزراء والمؤامرة ، وإنما بالبر والتقوى كما في تناجي الرسول والمؤمنين ، فهي راجحة أو واجبة ، وقد تكون محزنة ومؤذية للمؤمنين وإن لم تكن فيما يضرّهم ، فهي محرّمة تشملها الآية.

وقد وردت الأحاديث النبوية بالنهي عن التناجي في الحالات التي توقع الريبة ، وتزعزع الثقة ، وتبعث التوجّس ، وعلى حدّ قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم : (... ما هذه النجوى! ألم أنهكم عن النجوى؟» (١). كما عن الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم : (إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث ، فإن ذلك يحزنه) (٢). اللهم إلا فيما لا مندوحة عنه وهو أوجب من وجوب رعاية أشخاص المؤمنين ، كالتناجي فيما يهمّ الدولة الاسلامية ، ويجب إسراره لأنه من أسرار الدولة ، تقديما للواجب الأهمّ.

وقد تكون مؤامرة ضد المسلمين ومؤذية للمؤمنين : (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) ، فتشملها الآيات : هذه والمسبقتان ، حرمة مضاعفة ، سواء أكانت من المؤمنين ، أم من المنافقين ، مهما كانت مختلفة في دركاتها.

والنجوى اللئيمة لا تضرّ المؤمنين ـ كما الشيطان لا يضرّ ـ إلا بإذن الله ، ألا يمنع أذاها ، بأن لا يخبر الرسول والمؤمنين بمؤامرات المنافقين السرية ، فيقعوا في فخاخهم من غير علم ، بلوى وامتحانا من الله ، لا امتهانا!.

وفي هذه المحن لا سبيل للخلاص إلا التوكل على الله أن يكفى بأسهم ، بعد

__________________

(١) الدر المنثور ٦ ـ ١٨٤ أخرج البخاري ومسلم وابن مردويه عن ابن مسعود قال : قال رسول الله (ص) : ... وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال : كنا نتناوب رسول الله (ص) يطرقه أمر ويأمر بشيء فكثر أهل النوب والمحتسبون ليلة ، حتى إذا كنا نتحدث فخرج علينا رسول الله (ص) من الليل فقال : ما هذه النجوى؟ ألم تنهوا عن النجوى!.

(٢) مسند احمد بن حنبل ٣ : ٣٠.

٢٠٤

سلوك السبل المستطاعة ، فقصورها وكلالها عن كفاية البأس ، فالتوكل على الله قادرين وقاصرين : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) (٦٥ : ٣).

فلا يعني التوكل على الله ترك الأسباب تفريطا لها ، ولا فيما إذا كلّت أو قلّت فحسب ، وإنما ترك التوكل على غيره من أسباب ، بل التوسل بها لوصول البغية متوكلا في كل ذلك على الله ، دون توهّم لاستقلال الأسباب وإن كانت كافية حسب الظاهر ، فإن له تعقيمها ، كما له تتميمها إذا قلّت أو كلّت.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ وَإِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) :

بما أن الدين ليس تكاليف حرفية جافة ، ولكنه تحوّل في الشعور ، واستجاشة لمكارم الأخلاق ، وحساسية في الضمير ، لذلك نرى الآيات تترى في تأديب الجماعة المسلمة بالمثل العليا ، وتأنيبها فيما ينافيها ، في كل قولة وحركة وسكون.

والتفسح في المجالس هو التوسع فيها ، وأحرى المجالس بذلك مجالس النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ، كما أنه أفضل القائلين : (تفسّحوا ـ انشزوا) ، وقد كان المسلمون يتضامّون في مجالسه صلّى الله عليه وآله وسلّم ركاما ، تنافسا على القرب منه ، وتحارصا على استماع كلامه ، فإذا ورد وارد ضنّوا بالتفسح له ، فأمرهم رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ألا يضنّوا ، ويتفسحوا في المجالس ترحيبا وترغيبا للواردين ، ولا سيما إذا كانوا أفضل منهم في الإيمان ـ هنا ـ «فافسحوا» وبأحرى إذا كان الوافد أعلم ، «فانشزوا» : ارفعوا : قوموا وقدموهم على أنفسكم في المكان كما هم أفضل منكم في المكانة.

نزلت الآية يوم الجمعة ورسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جالس في الصفّة وفي مكان ضيق ، وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فقدم جماعة منهم عليه صلّى الله عليه وآله وسلّم ،

٢٠٥

فما فسح لهم في المكان ، فأمرهم الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم «تفسّحوا» وأمر بعضهم «فانشزوا» : ارفعوا.

أجل وإن فسح المكان والمجال للأفضل والأعلم فرض من الله إكراما للعلم والإيمان (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ).

فعلى المؤمنين النابهين أن يفسحوا أو ينشزوا : يقوموا للأفضل منهم ، وعلى القائد المسئول عن تنظيم الجماعة المسلمة أن يأمر الغافلين غير العارفين أن يتأدبوا بهذا الأدب الرائع ، ولكي يكون الجو دائما جو التفضيل للأفضل ، فالتنافس في الفضائل ، وهذه الفسحة في المكان تتخطاهم الى فسحة في النفس ، ووسعة في الصدر ، ورحبة في القلب ، فمتى رحب القلب اتسع وتسامح واستقبل الجالس إخوانه بالحب والسماحة. كما وأن النشوز عن المكان يتخطاه الى النشوز والرفعة في المكانة.

(تَفَسَّحُوا ... يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ) : في الدنيا أن يخرجكم عن ضيق الحياة وضنك العيش ، وفي الآخرة ألا يضيق عليكم في الحساب ، فيدخلكم في فسيح جنته ووسيع رحمته.

إن ذيل الآية (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) يتجاوب تماما وما استوحيناه ، أن واجب التوسع والنشوز هو للقادم الأفضل في العلم أو الإيمان ، مهما كان راجحا لغير الأفضل تأدبا ، وكما فعله الرسول الأقدس صلّى الله عليه وآله وسلّم بالقادمين من أهل بدر (١) ، وفعله الإمام علي بن محمد النقي عليه السّلام برجل من فقهاء

__________________

(١) الدر المنثور ٦ : ١٨٥ ـ نزلت الآية يوم الجمعة وجلس رسول الله (ص) يومئذ في الصفة وفي مكان ضيق وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ، فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوا الى المجلس ، فقاموا حيال رسول الله (ص) فقالوا : السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، فرد النبي (ص) عليهم ، ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم ، فقاموا على أرجلهم

٢٠٦

الشيعة (١) ، ولكن هذا لا يعني أنه يحق للقادم ـ ولو كان أفضل ـ أن يقيم الجالسين فيجلس مكانهم ، وكما عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم : (لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه ، ولكن تفسحوا أو توسعوا) (٢) ، وإنما الأدب الاسلامي للقادم أن يجلس بدون الشرف ، كما كان من دأب الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم والأئمة من آل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم (٣).

__________________

ـ ينتظرون أن يوسع لهم فعرف النبي (ص) ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم فشق ذلك عليه فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر : قم يا فلان وأنت يا فلان ، فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام من أهل بدر ، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه فنزلت الآية.

(١) الاحتجاج للطبرسي : روي عن الحسن العسكري (ع) انه اتصل بأبي الحسن علي بن محمد العسكري (ع) ان رجلا من فقهاء شيعته كلم بعض النصاب فأفحمه بحجته حتى أبان عن فضيحته ، فدخل على علي بن محمد (ع) وفي صدر مجلسه دست عظيم منصوب وهو قاعد خارج الدست وبحضرته خلق من العلويين وبني هاشم ، فما زال يرفعه حتى أجلسه في ذلك الدست وأقبل عليه ، فاشتد ذلك على أولئك الأشراف ، فأما العلويون فعجلوه عن العتاب ، وأما الهاشميون فقال له شيخهم : يا ابن رسول الله! هكذا تؤثر عاميا على سادات بني هاشم من الطالبيين والعباسيين؟ فقال (ع) : إياكم وأن تكونوا من الذين قال الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُدْعَوْنَ إِلى كِتابِ اللهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ) ، أترضون بكتاب الله عز وجل حكما؟ قالوا : بلى ، قال : أليس الله يقول : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللهُ لَكُمْ .. يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ) فلم يرض للعالم المؤمن إلا أن يرفع على المؤمن غير العالم ، كما لم يرض للمؤمن إلا ان يرفع على من ليس بمؤمن ، أخبروني عنه قال : (يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ)؟ أو قال : يرفع الله الذين أوتوا شرف النسب درجات؟ أو ليس قال الله عز وجل : (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ؟) فكيف تنكرون رفعي لهذا لما وفقه الله؟ ان كسر هذا فلان الناصب بحجج الله التي علمه إياها ، لأفضل له من كل شرف في النسب.

(٢) الدر المنثور ٦ : ١٨٥ ـ أخرج البخاري ومسلم عن عمر أن رسول الله (ص) قال : ...

(٣) الكافي عن أبي عبد الله الصادق (ع) قال : كان رسول الله (ص) إذا دخل منزلا قعد في أوفى المجلس اليه حين يدخل. وفيه عنه (ع) : من رضي بدون الشرف من المجلس لم يزل الله عز وجل وملائكته يصلون عليه حتى يقوم.

٢٠٧

ثم ورفع درجات للذين آمنوا والذين أوتوا العلم ، ذلك حسب درجات العلم والإيمان ـ كما للجهال والذين كفروا دركات ـ درجات في الدنيا ودرجات في الآخرة ، ومن درجات الدنيا فرض التفسح لهم في المجالس ، والقيام لهم احتراما وإجلاسهم في مقامهم ، ومنها اختصاصهم أو تقدمهم في مناجاة الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم كما فرض في آيته ، فالرفعة لهم شاملة للدارين وفي الناحيتين الصورية والمعنوية ، وعلى المؤمنين بالله التخلق بأخلاق الله في هكذا ترفيع.

ثم ولا ريب أن للعالم الدّين درجات على العالم غير الدّين ، أو الدّين غير العالم ، وفيما إذا جمعا في اثنين واختلفا في الدرجات ، فالفضل للعالم الأتقى ، ف (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وآية الاستواء (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) إنما تفضل العالم على الجاهل ، فتبقى أفضلية الأتقى بين العلماء ـ على درجاتهم ـ ثابتة.

(وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) : هكذا تؤمرون بتفضيل الفضلاء في العلم والإيمان ، ولكي تخلقوا جوا طاهرا يلمس فيه هذا الأدب الرائع ، والله خبير بأعمالكم ، الموافقة لأوامره ، والمخالفة سواء.

الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ (١٣) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤) أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٥) اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ (١٦) لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (١٧) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ (١٨) اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٩) إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ (٢٠) كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ (٢١) لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ

٢٠٨

أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢٢)

٢٠٩

يبدو أنهم كانوا يتنافسون متهافتين على تناجي الرسول (ص) كلّ في شأن يخصه ، ليسمعه بالانفراد ، وكأوسمة شرف ، وهذا مما يخلق فوضى ، وليس بإمكان الرسول (ص) أن يقتسم أوقاته بين المتنافسين ، وله مهامّ جماعية ، وأوقاته الشريفة تعم الكل ، فلا تصلح مناجاته إلا في صالح الامة ، وليتضح لهم مدى اهتمامهم بنجواه ، لذلك كله يقرر الله ضريبة لمن يريد نجواه ، كصدقة تصرف في صالح الامة أيضا فقال :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) :

وذلك حينما أكثر الأغنياء مناجاة النبي (ص) وغلبوا الفقراء على المجالس عنده حتى كره الرسول (ص) ذلك ، واستطالة جلوسهم وكثرة مناجاتهم ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، يأمرهم بالصدقة أمام المناجاة.

أما أهل العسرة فلم يجدوا فعفي عنهم ، ولكن الأغنياء بخلوا ، بين عاص في مناجاته دون صدقة ، وبين من ضنّ بها وترك مناجاته ، فنزلت الآية راشقة بسهام الملام ، ناسخة بحكمها حيث أحجم من كان دأبه الإقدام.

وفي هذا الأمر ونسخة تعظيم للرسول (ص) ونفع للفقراء ، وتمييز بين المخلص

٢١٠

وغيره ، ودفع للتكاثر عليه (ص) من غير حاجة جماعية مدقعة.

(ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ) : كجماعة المسلمين ، فإنه لصالحكم جماعيا (وَأَطْهَرُ) : لقلوبكم ، إذ تدل الصدقة أن النجوى بعدها خالصة لوجه الله ، ولكن الفقير ماذا يصنع؟ هل يحرم لأنه فقير المال ، فيضاف إليه فقر الحال؟ كلا : (فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) غفران يخص المعدمين دون أن يعم الواجدين ، مما يجاوب الأمر بالصدقة في الدلالة على وجوبها ، فإنها بين أمر وغفر ، كما تجاوبه توبة الله عليهم إذ لم يفعلوا. ولقد تواترت الروايات أنه لم يعمل بهذه الآية إلا الإمام أمير المؤمنين علي (ع) (١) وعلى حدّ قوله : (ان في كتاب الله لآية ما عمل بها أحد قبلي ولا يعمل بها أحد بعدي : آية النجوى .. كان عندي دينار فبعثه بعشرة دراهم فكنت كلما ناجيت النبي (ص) قدمت بين يدي درهما ، ثم نسخت ، فلم يعمل بها أحد ، فنزلت : (أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ) (٢).

__________________

(١) أورده الثعلبي والواحدي وغيرهما من المفسرين والمحدثين ، فمن ذلك ما يقوله الشيخ شرف الدين بعد نقل كثير من أخبار النجوى : «أعلم أن محمد بن العباس ذكر في تفسيره سبعين حديثا من طريق الفريقين يتضمن ان المناجي للرسول (ص) هو أمير المؤمنين (ع) دون الناس أجمعين» وأخرجه ابن بطريق في العمدة بأسانيد كثيرة عن الثعلبي وابن المغازلي ورزين وغيرهم ، وفي المستدرك عن أبي نعيم باسناده عن أبي صالح عن أبن عباس ، وباسناده عن مجاهد وعلي بن علقمة عن علي (ع) وابن مردويه في المناقب بأربع طرق أحدها يرفعه إلى سالم بن أبي الجعد عن علي مثله ، وفي الجمع بين الصحاح الستة قال ابو عبد الله البخاري وروى مثله ، وعن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس مثله ، والحافظ ابو نعيم في كتاب ما نزل من القرآن في علي بسنده عن ابن جريح عن عطاء عن ابن عباس ، وعن مقاتل عن الضحاك عن ابن عباس ، إلى غير ذلك من الأسانيد.

(٢) أخرج سعيد بن منصور وابن راهويه وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والحاكم وصححه عن علي (ع) قال : وفي بعض الأحاديث انه (ع) استقرض هذا الدينار لنجوى الرسول (ص).

٢١١

ويروى عنه (ع) : ان آية النجوى ما كانت إلا ساعة ويروى عشر ليال ، وهذه أوفق بفرصة الامتحان ، وغاية الامتهان ، وان ساعة ومثلها لا تكفي للمناجات عشر مرات (١)! ويروى انه سأله (ص) بين الآيتين عن عشر خصال (٢) فهل في ساعة واحدة عشر مراجعات في عشر نجوات تحمل كل واحدة استعلام خصلة؟! فقد ناجاه (ص) عشر مرات في هذه الفترة ، فاستعلمه (ص) عشر خصال ، مما يثير العجب من مدى رغبته في نجواه لحدّ تصدق بكل ماله الذي استقرضه ، نجوات تترى دونما انقطاع ، رغم إهمال من سواه إشفاقا أن يقدموا بين يدي نجواهم صدقات ، وليس في ذلك تنديد بالامة أجمع ، إنما بمن كان يناجيه تباعا ثم ترك أو ترك الصدقة قبل مناجاته إذ واصل فيها ، واما من لم يكن يناجيه رعاية للمصلحة الجماعية ، أو تقديما للأصلح في نجواه ، أو لم يحصل له سؤال هام يتطلب النجوى في هذه الفترة ، أما بالنسبة لهؤلاء فلا (٣).

فقد تبين هنا للعامل الوحيد بالآية فضيلتان : أنه ما ترك نجواه بل قد زاد فيها ، وأنه الذي يحق أن يناجي الرسول (ص) بما فيها من صالح الامة الإسلامية لأنه باب مدينة علمه والصادر عنه ، وكم له من ميزات أجمعت الامة عليها ، وهذه

__________________

(١) أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي (ع) قال : ويروى انه كان عشر ليال كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل.

(٢) أخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال نهوا عن مناجاة النبي (ص) حتى يقدموا صدقة فلم يناجه إلا علي بن أبي طالب فإنه قدم دينارا فتصدق به ثم ناجى النبي (ص) فسأله عن عشر خصال ثم نزلت الرخصة.

(٣) أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في الآية قال : ان المسلمين أكثروا المسائل على رسول الله (ص) حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه فلما قال ذلك امتنع كثير من الناس وكفوا عن المسألة فأنزل الله بعد هذا «أَأَشْفَقْتُمْ ...» () لدر المنثور ٦ : ١٨٥).

٢١٢

منها (١) رغم ما نقم منه الناقمون لحدّ أضمروا عن اسمه فقالوا : (رجل من المهاجرين) وأشركوا معه في هذه الكرامة غيره (٢) خلافا لإجماع الرواة والمفسرين.

ولما ترك جماعة من المسلمين المناجاة خشية الإنفاق وخيّم عليهم الإشفاق : العناية المختلطة بخوف ، نسخ الله تعالى حكم صدقة المناجاة شفقة عليهم ورحمة ، وتاب عليهم ، فاختصت الفضيلة في تطبيق الآية بالإمام علي (ع) لحدّ يتحسر منه الخليفة عمر (٣).

(أَأَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) :

فهنا «نجواكم» توحي بأنهم تناجوا الرسول بعد النهى ولم يقدموا صدقات ، وهكذا يوحي الإشفاق أيضا فإنه عناية مختلطة بخوف ، عناية في مناجاة

__________________

(١) عنه (ع) يقول للقوم بعد موت عمر بن الخطاب : نشدتكم بالله هل فيكم أحد نزلت فيه هذه الآية ... فكنت انا الذي قدم الصدقة ، غيري؟ قالوا : «لا» وكما احتج به على أبي بكر بقوله (ع) فأنشدك بالله أنت الذي قدم بين يدي نجواه لرسول الله (ص) صدقة فناجاه وعاتب الله تعالى قوما فقال : ءأشفقتم ... أم أنا؟ قال : بل أنت (نور الثقلين ٥ : ٢٦٥ عن الاحتجاج للطبرسي).

(٢) كما أخرجه ابن أبي حاتم عن مقاتل ينقل القصة إلى أن يقول : فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا وأما أهل الميسرة فمنع بعضهم ماله وحبس نفسه إلا طوائف منهم جعلوا يقدمون الصدقة بين يدي النجوى ويزعمون أنه لم يفعل ذلك غير رجل من المهاجرين من أهل بدر فأنزل الله «ءأشفقتم ...» (الدر المنثور ٦ : ١٨٥).

(٣) تفسير روح البيان ٩ : ٤٠٦ ـ لإسماعيل حقي البروسي عن عمر رضي الله عنه : كان لعلي رضي الله عنه ثلاث لو كانت لي واحدة منهن كانت أحب إلى من حمر النعم : تزويجه فاطمة رضي الله عنها وإعطاؤه الراية يوم خيبر وآية النجوى».

٢١٣

الرسول (ص) وخوف من الصدقات ، وخوف من الله في تركها ، فابتلوا بهذه البلية ، ولو استمرت لكانت بلاء لزاما ، ولكنه تعالى : (وضعها عنهم بعد ان فرضها عليهم برحمته ومنّه) وكما يروى عن الرسول (ص) (١).

لذلك تاب الله عليهم : ان غفر لهم إذ لم يفعلوا ، ونسخ الوجوب لكيلا يبتلوا ، توبتان من الله عليهم ، شرط أن يواصلوا في إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله ورسوله ، فيتركوا الإثم والعدوان ومعصية الرسول المسبق ذكرها (وَاللهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) من صالحات وطالحات.

فلم تكن المناجاة واجبة حتى يتوب الله عليهم في تركها ، ولا الصدقة واجبة لولاها حتى يتوب عليهم إذ لم يقدموها ، وإنما الواجب تقديم الصدقة عند المناجاة ولم يفعلوها : (فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتابَ اللهُ عَلَيْكُمْ) : ناجيتم ولم تقدموا صدقات «فهل تكون التوبة إلا عن ذلك» كما يروى عن صاحب النجوى عليه السلام (٢).

وكما أسلفناه لم تكن الخطيئة للجميع ، وإنما للمجموع ، أن جماعة من الأثرياء ضنّوا بالعطاء وتناجوا ، كما كانوا يضنون بإفساح المجال للقادمين الفضلاء لمجلس الرسول (ص) فوبخهم الله تعالى ، دون من ترك المناجاة لعلل مسبقة ، اللهم إلا إشفاق الصدقة ، فتاب الله على من لم يفعل : الصدقة بعد المناجاة ، أو لم يفعل المناجاة خشية الصدقة ، وتاب عليهم في فرض الصدقة ان نسخها.

__________________

(١) الاحتجاج للطبرسي عن النبي (ص) حديث طويل في مكالمة بينه وبين اليهود وفيه : فأنزل الله عز وجل ألا يكلموني حتى يتصدقوا بصدقة وما كان ذلك لنبي قط (ثم ذكر (ص) الآية وقال) : ثم وضعها عنهم بعد ان فرضها عليهم برحمته ومنه. (نور الثقلين ٥ : ٢٦٤).

(٢) الخصال للصدوق في مناقب أمير المؤمنين وتعدادها قال : وأما الرابع والعشرون فإن الله أنزل على رسوله (وذكر آية النجوى والقصة ثم قال) : فو الله ما فعل هذا أحد من الصحابة قبلي ولا بعدي فأنزل الله عز وجل (وذكر الآية الناسخة ثم قال) : فهل تكون التوبة إلا عن ذلك؟ (نور الثقلين ٥ : ٢٦٥).

٢١٤

وإبدال صدقة النجوى بهذه الواجبات يوحي بأنها لم تكن من مهام الواجبات ، ولا الأصيلة منها ، وإنما هي ابتلائية ، ولذلك نسخت إذ أطاقها المسلمون وأشفقوا منها ، إلا أن طاعة الله والرسول هنا تربطهم برباط التنظيم في نجواهم ، وأن يخرجوا عن فوضاها ، والاستئثار بها دونما ملزم أو مرجح ، فكما الأفضل علما وإيمانا يفسح له وينشز ، كرامة للعلم والإيمان ، فبأحرى يقدم الأفضل فيهما في مناجاة الرسول (ص).

(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَلا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) :

حملة قوية على المنافقين الذين يتظاهرون بالإيمان ويسرون الكفر ، متآمرين في إسرارهم ضد المسلمين ، ف «ما هم منكم» لكفرهم المبطن «ولا منهم» لإظهارهم الإسلام : (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ لا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ) (٤ : ١٤٣) وإن كان كلّ متول لقوم ، منهم : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ) (٥ : ٥١) : هو منهم فيما به الكافر كافر وهو كفر القلب والضمير ، فالمنافق مؤمن اللسان وكافر القلب ، فهو ليس مؤمنا خالصا ، ولا كافرا خالصا ، وإن كان من حزب الكفار أصالة ، فالآيتان تتجاوبان دون تهافت واختلاف.

إنهم يعيشون نفاقا عارما ، وفيما يفضحهم الله ، أن يخبر الرسول (ص) والمؤمنين بمكائدهم اللئيمة (يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ) : أنهم براء مما قيل عليهم ، وأنهم مؤمنون حقا ، ويحلفون على الكذب في صدهم المؤمنين عن سبيل الله ، علّهم يصدقونهم بجنة الحلف ، فهم يعيشون الكذب على الله وعلى الرسول والمؤمنين علّهم يفلحون في كيدهم ، ويفلحون المؤمنين في ميدهم ، (وَهُمْ يَعْلَمُونَ) بكذبهم ، وهذا الحلف الكذب يعني محاولة استمرارهم في كيدهم ، ويوحي بضعفهم وجاه الدولة الإسلامية آنذاك ، إذ كانت قوية سائدة.

٢١٥

(أَعَدَّ اللهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) :

عذابا شديدا في الدنيا بفضحهم على رؤوس الاشهاد ، وفي الآخرة برضخهم ودقهم يوم تقوم الاشهاد :

(اتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ) :

يهينهم الله بعذابه كما أهانوا دين الله ، وصدّوا عن سبيل الله ، بما اتخذوا أيمانهم جنة: وقاية عما يصيبهم بتجسّسهم ضد المسلمين ، وتحسّسهم لصالح الكافرين ، وهم هنا جماعة من اليهود المغضوب عليهم كما في آيات عدة ، تحالفت معهم جماعة من المنافقين ضد الدولة الإسلامية.

(لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ) :

فإنما المغني من الله ـ إضافة إلى فضل الله ـ عقيدة الايمان وعمل الايمان ، فأما الأموال والأولاد فلا ، إلا إذا استخدمت في سبيل الله ... وكما كانوا أصحاب نيران المكائد حياتهم ، ف (أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ) في الآخرة (هُمْ فِيها خالِدُونَ) :

(يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) :

(فَيَحْلِفُونَ لَهُ) : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) (٦ : ٢٣) مما يوحي بأن النفاق قد مزج قلوبهم لحدّ لا يفصلهم عنه فاصل البرزخ والقيامة ، وهما يوما بروز الحقائق (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ) من الحياة عن العذاب بهذه القولة الماكرة (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) كأن الكذب يخصّهم وهم يخصّونه ، فلا كاذب إلا إياهم! كذبا في حلفهم ، وكذبا في زعمهم.

٢١٦

(اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) :

الحوذ أن يتبع السائق حاذيي البعير أي أدبار فخذيه فيعنّف في سوقه ، فاستحواذ الشيطان على حزبه أن يركب أدبارهم معنّفا في سوقهم وكما وعد : (لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلاً) (١٧ : ٦٢) والاستحواذ أشد ألوان الاحتناك ، إذا فهم سيّقة الشيطان : يسوقهم حيثما يريد ، فقد يبدأ اللعين بتمشيتهم وراءه : أن يتبعوا خطواته ، ثم يركبهم محتنكا إياهم ، ثم يستحوذ عليهم ، وبهذا الثالوث اللعين يفقدهم مشاعرهم كأنهم ظلاله في ضلاله (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ) ولحد الإعراض ، (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ) : خالصين له مخلصين ، واقفين تحت لوائه ، عاملين باسمه ، منفذين غاياته ، وهو الشر الخالص الواصب الذي ينتهي إلى الخسران الخالص.

وللشيطان في كافة الأحزاب ـ إلا حزب الله ـ أعوان بمختلف الألوان وإن كانوا دركات ، كما ان حزب الله درجات (كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) ومن دركات حزب الشيطان التفرقات عن الوحدة الايمانية ، عقائديا وعمليا ، ومنها ترك الجماعات في الصلاة ، وعلى حد قول الرسول (ص) (ما من ثلاثة في قرية ولا بدّ ولا تقام فيهم الصلاة إلا قد استحوذ عليهم الشيطان ، فعليكم بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية) (١). وكما ان من ظروفها ومصائدها : (أهواء تتبع وأحكام تبتدع يخالف فيها كتاب الله ويتولى عليها رجال رجالا) على حد قول الإمام علي (ع) (٢).

__________________

(١) الدر المنثور أخرج ابو داود والنسائي والحاكم وصححه وابن مردويه عن أبي الدرداء قال سمعت رسول الله (ص) يقول :

(٢) اصول الكافي باسناده عن محمد بن مسلم عن الباقر (ع) قال : خطب أمير المؤمنين (ع) الناس فقال : «أيها الناس إنما بدء وقوع الفتن ـ إلى قوله ـ يخالف فيها كتاب الله يتولى فيها ـ

٢١٧

ان القلوب تحيى وتطمئن بذكر الله ، والشيطان يستحوذ على أوليائه ينسيهم ذكر الله ، يجعل أعينهم في غشاء وغطاء عن ذكر الله (الَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي) (١٨ : ١٠١) : ذكر الله الذي يذهب بالحجب والأدران عن العقول والصدور والقلوب والألباب ، فيعيش ذووا الألباب ذكر الله إسرارا وإعلانا ، عملا ولسانا ، فلا يعنى من ذكر الله لقلقة اللسان ولا خبر عنه في الجنان ، فإنما اللسان آلة لذكر القلب وليس هو ذاكرا في الحق : (أَلا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) وأرفع المقامات في ذكر الله أن ينسى الذاكر من سوى الله حتى نفسه (فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى).

(إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) :

فهناك أذلاء وهم عصاة أمر الله ، على مدى عصيانهم ، وقد يكونون من المؤمنين ، وهناك أذلون وهم الذين ينعزلون الى حزب الشيطان محادّين الله ورسوله : أن له ولرسوله حدّه ، ولنا حدودنا ، كأن لا سلطان له عليهم ، وهم آلهة أنفسهم ، أم الشيطان إلهم! فبمقدار ما يكون الله وحزبه أعز ، فالشيطان وحزبه كذلك ـ أذلّون ـ في كافة الحقول ، مهما كثرت وطاشت شهواتهم ، أذلّون في محكمة الفطرة والعقل والواقع ، في الدنيا والآخرة.

فمهما ذل المؤمنون أحيانا في هجمات الكافرين فهم أعزة بإيمانهم ، تزول عنهم

٢١٨

الذلة الظاهرة : (وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) (٣ : ١٢٣) (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٦٣ : ٨) ، ولكنما المحادّين لله ورسوله ، الذلة لزامهم إذ لا مولى لهم : (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) : غريقون في الذل دائبا لا يزول ، ولكنما المؤمن له العز والغلبة مهما بلغت به الصعوبات واصطدمته العرقلات في سبيل الله :

(كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) :

«كتب الله» : إن كتابة الغلبة الإلهية لا تغني نقشا على ورق : إنشاء أو إخبارا ، إنما هي تثبيت الغلبة بمثبتاتها ومعداتها : غلبة في التكوين والتشريع ، وفي التشريع غلبة في الحجة والمهجة ، وغلبة في التطبيق ، وكل ذلك نتيجة الارادة الإلهية وتأييده رسله في غلبهم بحجج الرسالات وبيناته.

(لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي) : لا «لنغلبن» رغم واقع الجمع ، إنما «لأغلبن» لأن الله لا يعد ويردف نفسه المقدسة في عداد خلقه وحتى رسله ، وأن غلب الرسل من غلبه ، فإنهم لا يغلبون إلا بما يحملون من الرسالات وإثباتاتها ومعجزاتها ، ولو لا فضل من الله ورحمة لكانوا كسواهم من الأذلين المغلوبين (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) فرسل الله بقوة الله وعزته يغلبون ، وإلا فهم الفقراء لا يملكون شيئا! (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) (٣ : ١٢٦).

أجل «ورسلي» المختصون في تحقيق رسالات الله ، حاصرين طاقاتهم كلها في وجه الله ، لا يبتغون إلا مرضاة الله فلهم سابق كلمة النصر : (وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ) (٣٧ : ١٧٢) كما والمؤمنون كذلك منصورون غالبون بنصر الله على قدر إيمانهم بالله : (إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٤٠ : ٥١) نصرة في الدنيا تناسب الرسالة والإيمان ، ونصرة في الآخرة هي تحقيق وعد الله لهم بالجنة ، ولقد كتب على نفسه نصرهم حقا : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ) (٣٠ : ٤٧).

٢١٩

إن الغلب والنصر هنا وهناك للمرسلين والمؤمنين ليس في الشهوات والمغريات ، وإنما في بلاغ الرسالات وتطبيقها ، مهما كانت التضحيات في هذه السبيل الشائكة المزدحمة بالعرقلات.

ففكرة الإله منتصرة في كافة الميادين ، بعساكر الفلسفات العقلية والعلوم التجريبية ، تتقدم على تقدمها قدما الى الأمام ، مهما حاول الملحدون إطفاء نور الله ، ومع صراعهم الطويل ، فإن العقيدة في الله ظلت هي السائدة المسيطرة الثابتة ، رغم أن الإلحاد الى زوال مؤكد مهما أبرق وعربد ، فالبشرية تهتدي كل يوم الى أدلة جديدة تهدي : ان الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل.

ورسل الله والمؤمنون الحقيقيون لا يقفون لحد في تضحياتهم بمبدئهم المجيد :

(إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ) : نحن من أهل الجنة قاتلين ومقتولين ، وأعدائنا من أهل النار قاتلين ومقتولين ، فثباتهم على الدفاع لا يتقيد بقيد الحفاظ على النفس والنفيس ، دون حزب الشيطان ، فإن مهمتهم التي يعملون لها ويأملونها ، هي الدنيا برغباتها وشهواتها ، فلو أشرفوا على خطورة أو مهلكة انهزموا مدبرين ، أو استسلموا أذلة وآمنوا مقبلين ، كما تشهد بذلك غزوات الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بما أدت اليه من الفتح المبين ، رغم كونها سجالا ، لكنها ما انتهت إلا الى تقدم المسلمين وغلبهم ، إلا فيما ضعف الإيمان ، فامتحان بامتهان الهزيمة لكي يجدد دور الإيمان ، إذا فهم الأعلون : (وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣ : ١٣٩) فلم تقف الفتوحات الاسلامية ولا تفرقت جموع المسلمين أيادي سبأ إلا نتيجة ضعف الايمان ، ولا يزال ، إلا أن يستحكموا عرى الإيمان والوحدة الاسلامية فهم الأعلون وأعدائهم هم الأذلون.

فليس حرمان المؤمنين عن ملذات الحياة ، وزجهم في السجون ، وتسفيرهم وتقتيلهم والتنكيل بهم ، ليست هذه العقبات الشائكة الصعبة الملتوية ، ذلّا لهم وغلبا لأعدائهم ، وإنما هي صورة اخرى لانتصار الايمان في معركته مع الكفر ،

٢٢٠