الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٦

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٦

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٨٢

(تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٢٥ : ١) (وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (٢١ : ١٠٧) (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) (٨١ : ٢٨) فوحي القرآن ضارب إلى الأعماق في طول العالم وعرضه ، من حضر ومن بلغته دعوته أيا كان وأيان : (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٦ : ١٩) وأم القرى هي المركز الرئيسي والعاصمة الوحيدة الوطيدة الخالدة لهذه الرسالة والدعوة الاخيرة ، فالجنة والناس أجمعون ، والعالمون أجمعون أيا كانوا وأيّان تشملهم هذه الدعوة العالمية دونما استثناء ، وهم كلهم من «من حولها».

إذا فآية أم القرى ـ وهي الآية الأم في التعريف بسعة هذه الرسالة ـ إنها تعتبر مكة المكرمة المركز الرئيسي للرسالة المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث صدرت وانتشرت عنها هذه الدعوة المباركة وعلى طول الزمن ، والقرى هي المجتمعات العالمية والمكلفة في شتى أرجاء الكون ، في هذه المعمورة أم سائر المعمورات في الأنجم ، وهي كلها «من حولها» حيث الحول تعني هنا ما يناسب عمومية القرى المستفادة من مستغرق الجمع فيها ، ولو أن «من حولها» يخص القريب منها دون الجمع ، لكانت القرى هي هذا البعض فقط لا الجمع ، فالمعنى : لتنذر أم بعض القرى! ..

إذا فدعوة الام ورسالتها تشمل القرى كلها وإلا لم تكن من قراها ، والقرى هم العالمون أجمعون حيث الله ربهم أجمعين : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١ : ٣) إذا فالخارجون عن هذه الدعوة ادعاء وتعنتا هم خارجون عن الناس إلى النسناس ، وهم خارجون عن العالمين الأحياء ،

__________________

ـ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنَّهُمْ كانُوا خاسِرِينَ» (٤١ : ٢٥) «وَإِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ» (٤٦ : ٢٩) «قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنَّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً. يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ..» (٧٢ : ١.

١٢١

المتخلفون عن ربوبية الله! وكما أن مكة أم القرى تكوينا وتشريعا ، كذلك الرسول الأقدس وأحرى ، حيث القلوب قرى وأمها ومركزها الأصيل عبر الرسالات وإلى يوم القيامة هو القلب المحمدي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهنا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يبدأ بإنذار نفسه واصطناعه بالقرآن ، ثم سائر القلوب من سائر المكلفين ، خوضا في أغوار البحار المتلاطمة من كافة المكلفين لينجي الغرقى : (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ. قُمِ اللَّيْلَ .. إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) : فبقيام الليل والترتيل يعد نفسه نهارا للسبح الطويل! ..

ثم وهنالك شهادات كتابية تصدق ما شاهدنا في آية «أم القرى» ففي الأصل الانقلوسي من نبؤت هيّلد «محمد .. كليليا» : محمد هو الكل ـ في كله :» في رسالته ودعوته ، كما في صفاته أم ماذا من محمدياته؟.

وفي الأصل العبراني من فرع توراتي : حكّي النبي «وهر عستي ات هغويم وبائو حمدت كال هغويم وملؤتي ات هبيت هزه كابود آمر يهواه صبائوت» :

اهيّج كل الأمم ويأتي محمد كلّ الأمم ومرغوبهم واملأ هذا البيت من الجلال هذا امر رب الجنود».

وفي إنجيل برنابا الحواري : (٩٦ : ٨) أجاب يسوع : لعمر الله الذي تقف بحضرته نفسي إني لست مسيّا الذي تنتظره كل قبائل الأرض كما وعد الله أبانا إبراهيم قائلا : بنسلك أبارك كل قبائل الأرض.

وبركة هذا النسل المبارك مصرحة في الأصل العبراني من التورات : تكوين (١٧ : ٢٠) «وليشمعيل شمعتيخا هينه برختي أوتو وهيفرتي أوتو وهيربتي أوتو بمئد مئد شنيم عاسار نسيئيم يولد ونتيو لغوي غادل» :

«ولإسماعيل سمعته : (إبراهيم) ها أنا أباركه كثيرا وأنميه كثيرا وأثمره

١٢٢

كثيرا وأرفع مقامه كثيرا بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واثنى عشر إماما يلدهم إسماعيل وأجعله أمة كبيرة .. أبارك العالم بهم» (١)

(لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَ)(٢)

(تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)(٧) عطف الإنذار الثاني إلى الأول يوحي بأنه غيره ، فما هو الإنذار بغير يوم الجمع؟ إن هنا نذارة ليوم الفرق الدنيا وأخرى ليوم الجمع الأخرى وكما البشارة تعمهما ، إذ ليس الدين ـ فقط ـ ينحو نحو الإصلاح للأخرى حتى يختص إنذاره وتبشيره بها ، بل ويبتدء بالأولى وينتهي إلى الأخرى ، حيث الأولى مزرعة الأخرى ، وانتفاع الزارع أو خسرانه يعمهما ، .. وقد يعني الإنذار الأول ـ فيما يعني ـ إنذار المبدء قبل المعاد ، أو أن الإنذار الأول يعمهما كليهما ، فلأن الثاني أهمهما يختص هو بالذكر دون الاوّل ، حيث النكبات الدنيوية تتحمل بطيّات شهواتها الحاضرة ، ولكنما الأخروية صارمة لا تحمل بطياتها شهوات ، فالإنذار لها هي هي الأصل وللأولى الفرع.

ثم الجمع (يَوْمَ الْجَمْعِ) يحوي جموعا عدة : جمعا لأجزاء كل إنسان وعظامه : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) (٧٥ : ٣) وجمعا للخلائق المكلفين : (هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) (٧٧ : ٣٨) وجمعا بين الرسل الأشهاد والمرسل إليهم المشهود عليهم : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) (٥ : ١٠٩) ولكي يفتح ويحكم بينهم : (قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ) (٣٤ : ٢٦) ثم وجمعا لأصحاب الجحيم في الجحيم : (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (٤ : ١٤٠) وكما يجمع أصحاب الجنة فيها : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) (٣٣ :)

__________________

(١). راجع كتابنا (رسول الإسلام في الكتب السماوية) تجد تفاصيل هذه البشارات.

١٢٣

٢٣).

وبالجمع بين العمال وأعمالهم ، بينهم وبين كتبهم وشهودهم ، حتى يحقق الجمع بين كل عمل وجزاءه .. : (لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ).

ثم الإنذار كتحقيق وإن كان مرحليا من حيث التطبيق منذ العشيرة الأقربين : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٦ : ٢١٤) إلى قوم لدّ وهم الألداء من العرب : (لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١٩ : ٩٧) وإلى من بلغ : (لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) (٦ : ١٩) ثم الى العالمين أجمعين : (تَبارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعالَمِينَ نَذِيراً) (٢٥ : ١).

ولكنما الإنذار بالقرآن ككل ليس مرحليا ، بل (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) (٦ : ٥١) (لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ) (٦ : ٩٢). والمؤمن بالآخرة لا يحصر في أم القرى والقريبة منها ، بل ويعم كل من سبيله الإيمان أيا كان وأيان.

ثم في المرحلية أيضا إنما يترحّل الإنذار من عشيرته إلى قومه اللّد أيا كانوا ، لا في القرى المجاورة لأم القرى ، فلا العشيرة الأقربون محصورون فيها ، ولا القوم اللد مخصوص بها ، فالأقرب الأحرى في الإنذار هم الأقربون قرابة لا مكانا ، ثم الألداء الأشداء تعنّتا ومكانة لا مكانا ، ولا تصريحة أو إشارة في القرآن أن الأقرب مكانا أحرى وأقرب في الدعوة.

ثم وللإنذار مرحليا وسواه ـ كما سبق ـ موضع في الأولى وآخر في الأخرى كما في طيات آياته (١) ثم وكذلك التبشير ولكن الإنذار يحتل الموقع

__________________

(١) والاكثرية الساحقة من آياته تنحو منحى الأخرى لأنها أحرى واكثر تأثيرا ، وقليل منها تخص الأولى وثالثة تعمها.

١٢٤

الأعلى والركيزة الأولى في الدعوات الرسالية ، فإن حمله على التقوى أقوى من التبشير ، فكثير هؤلاء الذين لا يهمهم ما يبشّرون به من نفع ويهمهم ما ينذرون به من ضر ، ودفع الضرر أولى من جلب النفع ، والجمع أحرى!

(وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمُونَ ما لَهُمْ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) (٨).

ماذا تعني وحدة الأمة المستحيلة بما توحيه «لو»؟ أوحدة تشريعية في شرعة وهي الشرعة الكاملة الأخيرة أن يكلف المكلفين عامة بهذه الشرعة منذ آدم إلى الخاتم؟ ف (لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (٥ : ٤٨).

أم وحدة في ضلالة كما هم قبل البعثة : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢ : ٢١٣) أم وحدة في هداهم تكوينيا (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ) (٦ : ٣٥) جمعا لهم على الهدى والعصمة (١) دون اختيار؟ فهو انتقاص حيث الإختيار في الاهتداء اكتمال وليس كذلك الاضطرار.

أم يجمع من لا يهتدي بسوء الإختيار إلى من يهتدي بحسن الإختيار ، أن يجبر الأولين على الهدى؟ وهذه تسوية بين المتقين والفجار! : (أَمْ نَجْعَلُ

__________________

(١) نور الثقلين ٤ : ٥٥٩ في تفسير علي بن ابراهيم في الآية قال : لو شاء ان يجعلهم كلهم معصومين مثل الملائكة بلا طباع لقدر عليه ولكن يدخل من يشاء في رحمته ..

١٢٥

الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ) (٣٨ : ٢٨) ثم ولا إكراه على الهدى (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ) (١٠ : ١٠٠) (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً وَلا يَزالُونَ مُخْتَلِفِينَ. إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (١١ : ١١٨) (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ) (١٦ : ٩).

(أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَمَماتُهُمْ) (٤٥ : ٢١). وحدة في الثواب أو العقاب في الأخرى على اختلاف في الهدى والضلال في أولاهم! ام يجبر الكلّ على الضلال حتى من يختار الهدى لولا الإجبار ، فهذا إدخال من النور إلى الظلمات لمن يهتدي لولا الإجبار ، ثم تسوية ظالمة بين المهتدي والضال ، وكذلك أيّة تسوية بين الناس تكوينا أو تشريعا في ضلال أو في هدى في الأولى او الأخرى ، كل ذلك بين انتقاص وظلم تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا ، وقد تعني آيتنا إحالة كافة هذه الوحدات.

ولماذا قوبلت «والظالمون» ب «من يشاء» دون «العادلون»؟ .. لأن «من يشاء» يعم العادلين والقاصرين غير المكلفين أو يسامح عنهم من الأطفال والمجانين والمستضعفين الذين لا يجدون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، (فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً) فالعذاب يخص الظالمين ، والرحمة تعم العادلين وغير المكلفين والذين يحق العفو عنهم منهم وقد سبقت رحمته غضبه ، فالغضب قضية العدل وهو محدد بحدود الظلم ما لم يصح العفو ، والرحمة قضية اللطف ، فهي واسعة ما لم تناف العدل.

ثم ول «من يشاء» هنا ايحاء آخر هو أن الرحمة الإلهية لأهلها ليست

١٢٦

مستحقة لهم واجبة على الله إلّا أن يشاء الله وقد شاءها ووعد : (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ..) ولكنما العدل مستحق لأهله واجب على الله بربوبيته ، دون إلزام من فوق إذ ليس عليه فوق ، وإنما بألوهيته وربوبيته.

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٩) وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ (١٠) فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١) لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٢) شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا

١٢٧

الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (١٣) وَما تَفَرَّقُوا إِلاَّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَلَوْ لا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤) فَلِذلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللهُ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ اللهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ (١٥) وَالَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ)(١٦)

١٢٨

(أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ فَاللهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِ الْمَوْتى وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٩).

تعني الولاية هنا ـ بما توحيه «هو الولي» ـ الولاية الخاصة الإلهية في التكوين والتدبير والتشريع أم ماذا؟ فهذه الآية أخص من الأولى (أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ..) وقد يكون التكرار هنا توطئة لبيان مصاديق هذه الولايات الخاصة من أن الله هو المرجع في كافة الاختلافات ، وأنه فاطر الأرض والسماوات وليس كمثله شيء في الأفعال والذات والصفات ، وأن له مقاليد الأرض والسماوات يبسط ويقدر ، وأنه الشارع من الدين شرائع ..

(وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ)(١٠).

إن الاختلاف ـ أيا كان ومن ايّ وأيّان ـ لا مرجع فيه إلّا الله ، فالشيء المختلف فيه يعم كل شيء ، فإن «من شيء» توحي باستغراق ، و (فَحُكْمُهُ إِلَى اللهِ) تحصر الحكم الفصل فيه في الله وتحسره عمن سوى الله : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (١٢ : ٤٠) اللهم إلّا رسول الله أو وليه الذي يحمل أمره عن الله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (٤ : ٥٩) فالقاعدة في مثلث الطاعة هذه هي طاعة الله ، ثم الرسول وقد فصلت طاعته عن طاعته انفصال الفرع عن الأصل (١) ووحّد هذا الفرع مع فرعه (أُولِي الْأَمْرِ

__________________

(١) كما في الآيات التالية : «وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا» (٥ : ٩٢) «قل ـ

١٢٩

مِنْكُمْ) كما وحّد ثانية في الرد إلى الرسول ، ثم جمعت الثلاث في طاعة الله (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ ..)!.

فهنا تعنى من طاعة الله طاعته في كتابه ، ومن طاعة الرسول طاعته في سنته ، ومن طاعة أولى الأمر طاعتهم في حمل السنة كما حمّلوا.

وقد توحّد طاعة الرسول مع الله حين تعني مطلق الطاعة : (قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ ..) (٣ : ٣٢)(١) ف (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٤ : ٨٠) كما قد يوحد الحكمان : (وَإِذا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ) (٢٤ : ٤٨).

والحكم في آيتنا كأضرابها يعم التكويني والتشريعي في الأولى وفي الأخرى ، فكما الله هو الحام يوم الدنيا ، كذلك هو الحاكم يوم الدين : (أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ فِي ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٣٩ : ٤٦) (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (٢ : ١١٣) (وَاللهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ)(١٣ : ٤١) (٢).

إذا فلا حكم في أي خلاف إلّا لله ، يستفاد متنا من كتاب الله ، وهامشا وشرحا من سنة رسول الله ، ثم لا حكم لسواه ، حيث الرجوع

__________________

ـ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ» (٤٧ : ٣٣) «وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ» (٦٤ : ١٢) «قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ» (٢٤ : ٥٤).

(١) كما في التالية ايضا : «وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ» (٣ : ١٣٢) «وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا» (٢٠ : ٩٠) «وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ» (٢٤ : ٥٢).

(٢) نور الثقلين عن تفسير القمي «وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ» من المذاهب واخترتم لأنفسكم من الأديان فحكم ذلك كله الى الله يوم القيامة.

١٣٠

فيما اختلف فيه إلى غير الله لا يزيل الخلاف ، وقد يزيد خلافات على خلاف ، حيث الحيطة العلمية والحكمة العالية والرحمة الواسعة خاصة بالله ، وهي هي التي تزيل الخلافات.

فالرجوع إلى القياسات والاستحسانات أم ماذا مما لم يأمر به الله أو نهى عنه رجوع إلى آجن ماجن ، كما الرجوع إلى من لا يتبنّى من الفقهاء في حكمه كتاب الله وسنة رسول الله رجوع إلى الطاغوت ، فلا حكم إلّا لله!.

إن كتاب الله هو المرجع الرئيسي في أي حكم وفي أية خلافات ، يتبنّى في كل شارد ووارد ، يعرف به الغث عن السمين والخائن عن الأمين ، فما وافق كتاب الله هو وارد وما خالفه فهو مارد.

(ذلِكُمُ اللهُ رَبِّي) ذلك المولى في التكوين وفي التشريع وفي كل شيء «الله» لكل شيء «ربي» حيث رباني ما لم يرب أحدا من العالمين «عليه» لا سواه «توكلت» في أموري كلها «وإليه» لا سواه «أنيب» : رجوعا إليه عما سواه ، وتوكلا عليه دون من سواه ، توكلا وإنابة في التكوين والتشريع سواء.

هذه الآية بما قبلها وما بعدها إلى الآية (١٦) تستعرض جذور الولاية الإلهية في التكوين والتشريع ، وأنه لا ندّ له ولا ضدّ فيهما وفي سائر شؤون الألوهية ، اللهم إلّا الدعوة إلى الله فهنا الولاية الشرعية لمن يصطفيه من عباده.

(فاطِرُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَمِنَ الْأَنْعامِ أَزْواجاً يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(١١).

آية عديمة النظير من محكم القرآن ترجع إليها ما تشابه منه في كيان

١٣١

الألوهية ، تستأصل كل مماثلة بين الله وسواه ، في ذات او صفات او افعال ، تبين خلقه عنه مباينة كينونة في ذات وصفة ، وأنه باين عن خلقه وخلقه باين عنه ، لا هو في خلقه ولا خلقه فيه.

فالمثل هو الشبيه أيا كان وإن بعيدا شبها واحدا في مليارات او اللّانهايات ، فعالم الخلق أشباه في أشباح مهما اختلفت الصور والماهيات ، حيث المادة لزامها الذاتي التركّب والتغير والحركة والزمان أيا كان وايّان ، والله مجرد عن المادة والماديات فلا يشبهها في ذوات او صفات ام ماذا إلا في مقام تحبير اللغات دون الحقيقة والذات ، ف «سبحان من لا يحد ولا يوصف (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)(١) (لَيْسَ كَمِثْلِهِ

__________________

(١) نور الثقلين عن اصول الكافي سهل عن ابراهيم بن محمد الهمداني قال : كتبت الى الرجل (عليه السلام) ان من قبلنا من مواليك قد اختلفوا في التوحيد فمنهم من يقول جسم ومنهم من يقول صورة فكتب بخطه : سبحان ...

أقول : هنا العجب العجاب من التفاسير الاثرية بين الفريقين ، من كثرة أحاديث الشيعة الإمامية حول الآية كما نذكر طرفا منها ، وقلة او عدم اثر من الأحاديث حول نفي المماثلة بين الله وخلقه من السنة وهذا مما يحير العقول كيف لم يرووا ولا حديثا واحدا يشابه آية نفي المثل عن الله تعالى ، سبحانه وتعالى عما يصفون!

وعن امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال له رجل : اين المعبود؟ فقال (عليه السلام) لا يقال له : اين؟ لأنه أين الأينية ، ولا يقال له : كيف؟ لأنه كيف الكيفية ، ولا يقال له : ما هو؟ لأنه خلق الماهية. سبحانه من عظيم تاهت الفطن في تيار أمواج عظمته وحصرت الألباب عند ذكر أزليته وتحيرت العقول في ا فلاك ملكوته.

وقال (عليه السلام): اتقوا ان تمثلوا بالرب الذي لا مثل له او تشبهوه بخلقه او تلقوا عليه الأوهام او تعملوا فيه الفكر وتضربوا له الأمثال او تنعتوه بنعوت المخلوقين فان لمن فعل ذلك نارا.

وعن الإمام الرضا (عليه السلام) من شبه الله بخلقه فهو مشرك ومن وصفه بالمكان فهو كافر .. ـ

١٣٢

شَيْءٌ) وان كان له مثل ، وكل شيء مثل له من أدنى وأعلى : (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (١٦ : ٦) (وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٣٠ : ٢٧) فمثله مستحيل ذاتيا وجعليا ، ومثله كافة الكائنات جعليّا على درجاتها وكما يعنيه الحديث القدسي (عبدي أطعني حتى أجعلك مثلي ..) (١) وهذا من المثل الأعلى الذي يحصل بالعبودية ، فمن المثل لله ما هو حاصل بأصل الخلق ، فإنه الآية ، وفي كل شيء له آية تدل على أنه صانع ، ومنه ما يحصل في تكامل الخلق بما يسعى كالعبودية ، فإنها جوهرة كهنها الربوبية ، أن العبد يصل في مراتب العبودية والمعرفة إلى درجة يرى بفقره غنى الله ، وبجهله علم الله ، وبعجزه قدرة الله ، فالكنه المعرفي للعبودية عرفان الربوبية.

هذه الآية تنفي أية مماثلة بينه وبين خلقه استغراقا لهذا النفي دون إبقاء ، وقد يعني ما تعنيه «خارج عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه» : موجود لا كوجوداتنا ، قادر لا كقدراتنا ، عالم لا كعلومنا ، حي لا كحياتنا ، فالخلق بذاته وأفعاله وصفاته كله صفات سلبية عن ذاته وأفعاله وصفاته تعالى ، فلا توجد ذاته ولا صفاته الثبوتية في خلقه أيا كان ، ف «إذا كان الشيء من مشيته فكان لا يشبه مكونه» (٢) وعلى الخلق أن

__________________

ـ وعن علي بن أبي حمزة قال قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) سمعت هشام بن الحكم يروي عنكم ان الله جل وعز جسم صمدي نوري معرفته ضرورة يمن بها على من يشاء من خلقه ، فقال (عليه السلام) : سبحان من لا يعلم كيف هو الا هو ليس كمثله شيء وهو السميع البصير لا يحد ولا يحس ولا يجس ولا يمس ولا يدركه الحواس ولا يحيط به شيء لا جسم ولا صورة ولا تحفيظ ولا تحديد.

(١) فمن يقرأه «مثلي» فهو جاهل بمحكم القرآن ، ومن يتردد فيه وفي «مثلي» يتجاهل بمحكم القرآن وإليكم أحاديث حول عدم التشبيه ماضية وآتية

(٢) مصباح الشريعة خطبة مروية عن امير المؤمنين (عليه السلام).

١٣٣

يعرفوا (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) كما عليهم عرفان وجوده ووحدته ـ لعلل شتى يجمعها : فساد الخلق وإبطال الربوبية ، لو لم يعرف بعدم المثل (١) ولا شيء فيه من جوهرية الله شيء» (٢).

وترى أن الله شيء تنفى عنه مماثلة كل شيء؟. أجل إنه شيء لا كالأشياء : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ..) (٦ : ١٩).

__________________

(١) نور الثقلين عن عيون اخبار الرضا (عليه السلام) في باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان في آخرها انه سمعها من الرضا (عليه السلام) مرة بعد مرة وشيئا بعد شيء : فان قال : فلم وجب عليهم الإقرار بأنه ليس كمثله شيء؟ قيل : العلل : منها ان يكونوا قاصدين نحوه بالعبادة والطاعة دون غيره غير مشتبه عليهم امر ربهم وصانعهم ورازقهم ، ومنها انهم لو لم يعلموا انه ليس كمثله شيء لم يدروا لعل ربهم وصانعهم هذه الأصنام ورازقهم هذه الأصنام التي نصبها لهم آباؤهم والشمس والقمر والنيران إذا كان جائزا ان يكون عليهم مشتبه ، وكان يكون في ذلك الفساد وترك طاعاته كلها وارتكاب معاصيه كلها على قدر ما يتناهى من اخبار هذه الأرباب وأمرها ونهيها ، ومنها انه لو لم يجب عليهم ان يعرفوا انه ليس كمثله شيء لجاز عندهم ان يجري عليه ما يجري على المخلوقين من العجز والجهل والتغير والزوال والفناء والكذب والاعتداء ومن جازت عليه هذه الأشياء لم يؤمن فناءه ولم يوثق بعد له ولم يحقق قوله وامره ونهيه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وفي ذلك فساد الخلق وابطال الربوبية.

وفي البحار ٣ : ٢٨٧ عن الأمالي للشيخ الطوسي بسند عن محمد بن سماعة قال : سأل بعض أصحابنا الصادق (عليه السلام) فقال : اخبرني اي الأعمال أفضل؟ قال : توحيدك لربك ، قال : فما أعظم الذنوب؟ قال : تشبيهك لخالقك.

(٢) البحار ٣ : ٣٩٢ عن رجال الكشي بسند عن يونس بن بهمن قال قال لي يونس : اكتب الى أبي الحسن (عليه السلام) فأسأله عن آدم هل فيه من جوهرية الله شيء؟ قال : فكتب اليه فأجاب (عليه السلام) : هذه المسألة مسألة رجل على غير السنة ، فقلت ليونس فقال : لا يسمع ذا أصحابنا فيبرءون منك ، قال : قلت ليونس يتبرءون مني او منك؟!.

١٣٤

إنه شيء بحقيقة الشيئية وخلقه شيء بمجازها اللّاحقيقية ، والشيء الله ـ هو لا سواه ـ خالق للشيء المألوه : (قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ) (١٣ : ١٤) إذا يجوز أن يقال الله شيء ، أن تخرجه عن الحدين حد التشبيه وحد التعطيل» (١) أو ترى إذا كان الله شيئا لا كالأشياء ، فهل يصح القول (إنه جسم لا كالأجسام) (٢) أقول : كلّا! حيث الشيء منه جسم ومنه مجرد عن الجسم ، فهو شيء لا كالأشياء يعني شيء مجرد

__________________

(١) نور الثقلين ٤ : ٥٦١ ح ٢٩ عن التوحيد باسناده الى الحسين بن سعيد قال : سال ابو جعفر (عليه السلام) يجوز ان يقال لله انه شيء؟ فقال : نعم تخرجه ...

(٢) البحار ٣ : ٢٩٢ عن امالي الصدوق ابن الوليد عن الصفار عن ابن معروف عن علي بن مهزيار قال : كتبت الى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) جعلت فداك اصلي خلف من يقول بالجسم .. فكتب : لا تصلوا خلفهم ولا تعطوهم من الزكاة وابرءوا منهم برأ الله منهم.

وفيه ٣٠٢ ح ٣٧ باسناده عن محمد بن حكيم قال وصفت لابي ابراهيم (عليه السلام) قول هشام الجواليقي وحكيت له قول هشام بن الحكم انه جسم فقال : ان الله لا يشبهه شيء ، اي فحش او خناء أعظم من قول من يصف خالق الأشياء بجسم او صورة او بخلقة او بتحديد وأعضاء تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

وفيه ٣٠٥ ح ٤٣ عن عبد الملك بن هشام الخياط قال قلت لأبي الحسن الرضا (عليه السلام) اسألك جعلني الله فداك قال (عليه السلام) : سل يا جبلي عماذا تسألني فقلت جعلت فداك زعم هشام بن سالم ان لله عز وجل صورة وان آدم خلق على مثال الرب فيصف هذا ويصف هذا أو أومأت الى جانبي وشعر رأسي وزعم يونس مولى آل يقطين وهشام بن الحكم ان الله شيء لا كالأشياء وان الأشياء بائنة منه وانه بائن من الأشياء وزعما ان اثبات الشيء ان يقال : جسم فهو جسم لا كالأجسام شيء لا كالأشياء ثابت موجود غير مفقود ولا معدوم خارج عن الحدين حد الابطال وحد التشبيه فباي القولين أقول؟ قال : فقال ابو عبد الله (عليه السلام) أراد هذا الإثبات وهذا شبه ربه تعالى بمخلوق تعالى الله الذي ليس له شبه ولا مثل ولا عدل ولا نظير ولا هو بصفة المخلوقين لا تقل بمثل ما قال هشام بن سالم وقل بما قال مولى آل يقطين وصاحبه ...

١٣٥

سرمدي لا كالأشياء المادية الحادثة ، ولكنما الجسم أيا كان يشبه سائر الأجسام في الجسمانية تركبا وتغيرا وحركة وزمانا ، وإن اختلف عنها في العوارض غير الأولية ، ف «جسم لا كالأجسام» لا تنفي عنه المماثلة في أصل الجسمانية وإنما في البعض من ماهياتها.

ثم ترى لماذا «كمثله» لا «مثله»؟ فهل إن الكاف زائدة؟ ولا زائدة على المثل في القرآن البالغ آياته (٧٥) وإن كانت على المثل في (١٣) من (٦٣) حيث المعنيان يختلفان! فهذه قولة زائدة ان الكاف هنا زائدة!.

أم تعني ما تعنيه الوارد على المثل من المشابهة؟ إذا فهي تعني نفي أية مشابهة عن مثله تعالى لا عنه نفسه ، إثباتا لند له مثله ، ونفيا عن مماثلة اي شيء لمثله! وقد يجاب ان هناك حقيقة وافتراضا ، فالحقيقة هي انتفاء المشابهة في هذا البين ، والافتراض أنه لو كان له مثل فلا مثل لمثله ، ولكنه ليس له مثل ، مبالغة في انتفاء المثل ، حال أنه لو كان له مثل واحد لجاز تعدد الأمثال ، والآية في نفيها كمثله تحيل هذا الجائز على افتراض أن يكون له مثل(١).

أو أن الكاف تأكيد من وجه آخر لنفي المثل ، ف (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) إنما تنفي واقع المماثلة ، التي قد يظن أنها المماثلة التامة فلا تنفي غيرها ، وموقف الكاف استئصال أية مماثلة بينه وبين كل شيء ، أن لا مثيل له ولا ناقصا كواحد او كسر لغير النهاية في مليارات أو اللّانهايات من كيانه سبحانه.

وعلّ الجمع بين الوجهين أجمل ، مع العلم أن الكاف ليست زائدة على أية حال.

__________________

(١) كما يقال فلان لا مثيل لظله وان لم يكن له ظلّ نفيا مبالغا لأية مماثلة ، مستأصلا كافة جذورها.

١٣٦

وضمير الغائب في «كمثله» وإن كان راجعا إلى الذات ، ولكنه ذات فاطر الأرض والسماوات بما فطر وجعل وذرء ، فكما ليس كمثله شيء في ذاته كذلك ليس كمثله شيء في صفاته ذاتية وفعلية ، فنفي المماثلة عن ذاته وفعاله ، نفي مضاعف عن صفات ذاته ، فصفات الذات هي عين الذات ، فهي إذا في حكم الذات ، وصفات الفعل صادرة عن صفات الذات ، فنفي المماثلة فيها نفي ـ بأحرى ـ عن صفات الذات.

(سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) : سبحانه عما يصفون من صفات لم يصف به نفسه ، وسبحانه من صفات وصف به نفسه وهم يعنون بها مثل ما يعنون في أنفسهم (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) حيث يصفونه بما وصف به نفسه ، قاصدين جهة السلب المعلومة ، وتاركين جهة الإثبات المجهولة ، فهم يسبحونه بحمده دون أن يحمدوه ناظرين إلى جهات الإثبات بالحيطة أو الإشارة العلمية ، فليس للخلق من صفات الله الثبوتية إلّا أنه «خارج عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه». ف «للناس في التوحيد ثلاثة مذاهب : نفي وتشبيه وإثبات بغير تشبيه ، فمذهب النفي لا يجوز ، ومذهب التشبيه لا يجوز لان الله لا يشبهه شيء ، والسبيل في الطريق الثالثة : إثبات بلا تشبيه» (١) : «خارج عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه».

ف «لا له مثل فيعرف بمثله» (٢) حيث «حد الأشياء كلها عند خلقه إياها إبانة لها من شبهه وإبانة له من شبهها» (٣) ف «لا يخطر ببال أولى الرويات خاطرة من تقدير جلال عزته لبعده من أن يكون في قوى المحدودين لأنه خلاف خلقه» (٤) انه «غير معقول ولا محدود ، فما وقع

__________________

(١) نور الثقلين ٤ : ٥٦١ ح ٢٨ من كتاب التوحيد باسناده الى محمد بن عيسى بن عبيد الله انه قال قال الرضا (عليه السلام) : ..

(٢ ـ ٣ ـ ٤). المصدر عن كتاب التوحيد خطب ثلاث لعلي (عليه السلام).

١٣٧

وهمك عليه من شيء فهو خلافه لا يشبهه شيء ولا تدركه الأوهام كيف تدركه الأوهام وهو خلاف ما يعقل وخلاف ما يتصور في الأوهام إنما يتوهم شيء غير معقول ولا محدود»(١).

فالقول إن لنا وجودا كما الله موجود ، فهذه مماثلة في الذات ، ثم لنا صفات العلم والقدرة والحياة كما لله ، ثم لنا أفعال كما لله أفعال ، مهما اختلف الخلق عن الخالق في الكمال والنقص ، إلّا أن المماثلة كائنة وإن في شيء من ذات او صفات او أفعال؟! إنه هراء جارفة وهرطقة خارفة!.

حيث إن هذه مماثلة في التعبير ، وأما المعبر عنه هنا وهناك ففي غاية المباينة ، فلا يعنى من «الله واحد» إلا أنه أحدي المعنى والإنسان واحد ثنويّ المعنى : جسم وعرض وبدن وروح ، فإنما التشبيه في المعاني لا غير (٢) كما لا يعنى من «الله موجود» وجود كوجود الخلق فإنه تشبيه في الذات ، وإنما يعنى : أنه ليس بمعدوم ، ثم لا نفهم من وجوده شيئا ، وكذلك علمه وحياته وقدرته ، فلا نفهم منها إلّا نفي الجهل والموت والعجز ، لا النفي المطلق ، فلا تعني وجوده وصفاته فيما نفهم إلا أنه «خارج عن الحدين حد التعطيل وحد التشبيه».

.. (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) : سميع لا بآلة بصير لا بأداة ، خارج عن تصرف الحالات«سميع لا بأذن ، بصير لا ببصر» (٣).

__________________

(١) المصدر باسناده الى عبد الرحمن بن أبي نجران قال : سألت أبا جعفر الثاني عن التوحيد فقلت : أتوهم شيئا؟ فقال : نعم غير معقول ..

(٢) البحار ٣٠ : ٣٠٤ في جواب سؤال اليهودي عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

(٣) نور الثقلين ٤ : ٥٦١ ح ٣٠ في عيون الاخبار في باب ما جاء عن الرضا (عليه السلام) من الاخبار في التوحيد حديث طويل يقول فيه (عليه السلام): وقلنا إنه سميع لا يخفى عليه أصوات خلقه ما بين العرش الى الثرى من الذرة الى اكبر منها في برها ـ

١٣٨

فالآيات التي تحمل صفات إلهية تشابهها صفات خلقية تتجرد عما للخلق إلى ما يخص الخالق كالسميع ـ البصير ـ على العرش استوى أم ماذا؟

وامّا التي تحمل صفات إلهية خاصة فلا مثيل لها في التعبير من صفات الخلق ، كالسرمدي ـ الأزلي ـ عليم قدير بكل شيء أم ماذا؟

وكذلك التي تحمل صفات خلقية لا تشابه الإلهية ولو في التعبير كالماشي ـ الراكض ـ الآكل ـ الشارب أم ماذا؟

إن الصفات من النوع الثاني والثالث لا تشابه فيها من الخالق للخلق ولا من الخلق للخالق ، وإنما النوع الأول هي المتشابهة من الصفات التي لا بد من تجريدها عما لا يليق بساحة الربوبية : فيا «إلهي تاهت أوهام المتوهمين ، وقصر طرف الطارفين ، وتلاشت أوصاف الواصفين ، واضمحلت أقاويل المبطلين عن الدرك لعجيب شأنك أو الوقوع بالبلوغ إلى علوك ، فأنت الذي لا تتناهى ولم يقع عليك عيون بإشارة ولا عبارة ، هيهات ثم هيهات يا أولي يا وحداني يا فرداني ، شمخت في العلو بعز الكبر ، وارتفعت من وراء كل غورة ونهاية بجبروت الفخر» (١).

(لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)(١٢)

__________________

ـ وبحرها ولا يشتبه عليه لغاتها فقلنا عند ذلك : سميع لا بإذن ، وقلنا : انه بصير لا ببصر ، لأنه يرى اثر الذرة السمحاء (السوداء) في الليلة الظلماء على الصخرة السوداء ويرى دبيب النمل في الليلة الدجنة (الظلمة) ويرى مضارها ومنافعها واثر سفادها وفراخها ونسلها فقلنا عند ذلك : انه بصير لا كبصر خلقه.

(١) البحار ٣ : ٢٩٨ ـ التوحيد للصدوق عن الإمام الحسن بن علي بن محمد (عليه السلام) انه قال : الهي ...

١٣٩

آية نفي المثل تتوسط آية المقاليد وآيات الولاية في التكوين والتشريع ، فالمماثلة المنفية لا تختص بالذات وصفات الذات ، بل وصفات الفعل كلها من ولاية وحكم وخلق ورزق أم ماذا ، فالمماثلة منفية عن صفات الفعل كما عن الذات وصفات الذات.

والقلد هو الفتل فالمقلاد آلة الفتل وسببه ، فالمقاليد هي وسائل وآلات الفتل والتطويق ، من علم وقدرة وحكمة محيطة بالسماوات والأرض كأنها قلادة لعنق الكون لا تدعه يتلفت شماسا دون حراس واكتراس.

له هذه المقاليد لا لسواه. ف (اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ. لَهُ مَقالِيدُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢٩ : ٦٣) .. مقاليدها غيبا وشهادة كمفاتيحها : (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ..) (٦ : ٥٩) ومن فروع هذه الحيطة الربانية (يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ).

ليس بسط الرزق وقدره بمحاولة زائدة أو ناقصة منا فحسب ، ولا جزافا دونما حكمة من الله ، فرب محاول كثيرا لا يبسط في رزقه ، ورب محاول قليلا أو معاطل يرزق كثيرا ، وإن كان يرزق كل قدر سعيه ، ولكن الرزق المبسوط هو فوق قدره ، ومن قدر عليه رزقه يؤتاه قدر سعيه ، أو وأقل منه حين تقتضي الحكمة ، فلا تسوية في الرزق مهما كان السعي سواء أو لا سواء : (وَلَوْ بَسَطَ اللهُ الرِّزْقَ لِعِبادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ ما يَشاءُ إِنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ) (٤٢ : ٣٧) فالله يقبض لحكمة ويبسط لحكمة : (وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢ : ٢٤٥) (اللهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) (١٣ : ٣٦) (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ

١٤٠