الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٤

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٠

١
٢

٣
٤

سورة الأحزاب مدنيّة

وآياتها ثلاث وسبعون

٥
٦

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً (٢) وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً (٣) ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاَّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ (٤) ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (٥) النَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ

٧

أَنْفُسِهِمْ وَأَزْواجُهُ أُمَّهاتُهُمْ وَأُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهاجِرِينَ إِلاَّ أَنْ تَفْعَلُوا إِلى أَوْلِيائِكُمْ مَعْرُوفاً كانَ ذلِكَ فِي الْكِتابِ مَسْطُوراً (٦) وَإِذْ أَخَذْنا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً (٧) لِيَسْئَلَ الصَّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ وَأَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً أَلِيماً)(٨)

الحزب جماعة فيها غلظ وتماسك مهما قلّت أو كثرت فعدّة التماسك هي ركنها دون عدّة المتماسكين فإنها زيادة في عدّتهم ، فقد تكون جماعة كثيرة وليست حزبا لعدم الغلظة التماسك ، أو قليلة هي حزب للغلظة التماسك ، فهذه حزب دون تلك مهما كانت حزب الرحمان أم حزب الشيطان ولم يأت الحزب في سائر القران السبعة بخير إلّا في المائدة : (وَمَنْ يَتَوَلَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغالِبُونَ) (٥٦)

٨

والمجادلة : (رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (٢٢) وفي الكهف : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً) (١٢).

ولم يأت الأحزاب الإحدى عشر فيه إلّا بشرّ (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ) (٤٠ : ٥) مما يدل على أن في عديد الأحزاب شرا قضية الاختلاف وإن كانوا من حزب الله : (فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (٤٢ : ٦٥) فإنما الاختلاف والاختلاق في حزب الشيطان ، وحزب الله واحد : (وَأَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) (٦ : ١٥٣) (... وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ. مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٣٠ : ٣٢) (فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ) (٢٣ : ٥٣)! وهؤلاء هم أهل كتاب واحد وأمر واحد فتقطعوا أمرهم بينهم ..

والأحزاب ثلاثة ، هنا في الأحزاب كلها حزب الشيطان ، ولذلك تتسمى سورة الأحزاب مستعرضة سيرة الأحزاب وثورتهم وسريرتهم ، ولكي ينتبه المؤمنون فيتماسكوا قدر المستطاع في حزبهم الواحد «حزب الله» : (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ...)! وأهم تماسك بين أفراد يجعلهم حزبا هو العقائدي الذي يحلّق على كافة الوحدات والطبقات سياسيا واقتصاديا وثقافيا أماذا ، وفي قمتها التوحيد حيث يوحد بين قطاعات عظيمة بشرية يجعلها حزب التوحيد ، ومن ثم الرسالة الإلهية ، فأحرى بالمسلمين أن يكونوا حزبا واحدا هو حزب الله مهما اختلفت درجات إيمانهم وسائر ميزّاتهم وفوارقهم حيث تظل تحت ظل الإسلام وحدة متماسكة وصفا متراصّا لهم قوتهم الصارمة ضد الأحزاب الكافرة ، وحين لا نجد أي حزب في صارم الوحدة من كل الجهات إلّا وحدة جانبية

٩

سياسية أو اقتصادية ، وهم احزاب لهم قوّاتهم بما تجمّعوا ، فلما ذا لا نتوحّد نحن المسلمين في حزب الله ، وكل اختلاف وراء العقيدة تتوحد على ضوئها أم تذوب؟!

ولماذا نختلف في أحزاب متعارضة متباغضة لأهداف سياسية مختلفة أما هيه ، تحليقا لسائر الوحدات على الوحدة العقيدية الإسلامية؟ تلك إذا قسمة ضيزى!.

فلأن الله واحد وشرعته واحدة فحزب الله واحد ، وعديد الأحزاب بين المسلمين دليل تخلّفهم عن شرعة الله ، أو تفضيلهم سائر الوحدات على الوحدة الإسلامية السامية ، ألا (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا ..) فلا مبرّر لأي اختلاف بعد الوحدة الإسلامية :

هذه السورة تبدء بتحذير الرسول «صلى الله عليه وآله وسلم) عن الأحزاب الكافرين والمنافقين ، وأمره باتباع ما يوحى إليه والتوكل على الله ، ثم تتناول قطاعا واقعيته من حياة الكتلة المؤمنة في فترة تمتد بعد بدر الكبرى إلى ما قبل صلح الحديبية ، بازدحام الأحداث خلال هذه الفترة ، والتنظيمات التي انشأها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لتبني الدولة المجيدة الإسلامية واستمراريتها المعصومة بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى القائم المهدي (عجل الله تعالى فرجه) كما تتبناها آية التطهير ، وبطيات سرد النظم الحديثة يستطرد الحديث عن غزوة الأحزاب وبني قريظة ومواقف الكفار والمنافقين واليهود والمرجفين في المدينة ودسائسهم وسط الجماعة المؤمنة!

ثم وفي السورة نبذات هي نبضات في هذه الحياة الجديدة تثبتا لبعض التقاليد مع إصلاحها ، وتبديدا لأخرى كالمظاهرة والتبني ، وإخضاعا للأمة للشرعة الجديدة الجادة.

١٠

وسورة الأحزاب هي هذه الحاضرة لدينا ، دونما زيادة عليها أو نقيصة عنها ، أو تقديم لآية أو بعضها أو تأخير كسائر السور بأسرها في حصرها لآياتها جملات وآيات ، خلاف ما يهرف به من لا يعرف ، تحريفا فيها بنقيصة أماهيه؟ (١).

__________________

(١) نور الثقلين ٤ : ٢٣٣ ح ١ في كتاب ثواب الأعمال باسناده الى أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من كان كثير القرائة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأزواجه ثم قال : سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم يا ابن سنان سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب وكانت أطول من سورة البقرة ولكن نقصوها وحرفوها».

أقول : ليضرب هذه واضرابها عرض الحائط لمخالفتها في بعدين بعيدين لكتاب الله ، آية الحفظ واضرابها ، وانها تخالف القرآن المتواتر الموجود ، وأحاديث العرض تضربها عرض الحائط ، وترى كيف بالإمكان أنها (٧٣) كانت أطول من البقرة وهي (٢٨٦) آية فتنقص منها اكثر من مائتين ما عرفها إلّا ابن سنان دون المسلمين الحضور زمن تأليف القرآن ، ولم يكن يجرأ مثل الخليفة عمر أن يترك الواو الثاني في (مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ) حيث صرخوا عليه اين الواو يا خليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فلم تكن تهمة التحريف وبهذه الوسعة الشاسعة إلّا الأهرطقة إسرائيلية وما شاكلها!

وفي الدر المنثور ٥ : ١٧٩ مثله كالتالي : واخرج عبد الرزاق في المصنف والطيالسي وسعيد بن منصور وعبد الله بن احمد في زوائد المسند وابن منيع والنسائي وابن المنذر وابن الانباري في المصاحف والدار قطني في الافراد والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة عن زر قال قال لي أبي بن كعب كيف تقرء سورة الأحزاب او لم تعدها؟ قلت ثلاثا وسبعين آية فقال أبي : قد رأيتها وانها لتعادل البقرة واكثر من سورة البقرة ولقد قرأنا فيها «الشيخ والشيخة إذ زينا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم» فرفع منها ما رفع ، واخرج عبد الرزاق في المصنف عن ابن عباس قال : امر عمر ابن الخطاب مناديا فنادى ان الصلاة جامعة ثم صعد المنبر فحمد الله واثنى عليه ثم قال : يا ايها الناس لا تجزعنّ من آية الرجم فانها آية نزلت في كتاب الله وقرأناها ولكنها ذهبت في قرآن كثير ذهب مع محمد وآية ذلك ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ

١١

بدايتها مسك بمسك التقوى (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ ...) وختامها مسك بمسك التوبة» ويتوب الله على المؤمنين والمؤمنات وكان الله غفورا

__________________

ـ قد رجم وان أبا بكر قد رجم ورجمت بعدهما وانه سيجيء قوم من هذه الأمة يكذبون بالرجم.

أقول : لو كانت آية الرجم من كتاب الله وعمل بها منذ الرسول الى عمر فكانت ـ إذا ـ معروفة لدى حفاظ القرآن وسواهم فلما ذا لم يثبتها عمر ، وفيه أخرج احمد والنسائي عن عبد الرحمن بن عوف ان عمر بن خطاب خطب الناس فسمعته يقول : الا وان أناسا يقولون ما بال الرجم وفي كتاب الله الجلد وقد رجم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورجمنا بعده ولولا ان يقول قائلون ويتكلم متكلمون ان عمر زاد في كتاب الله ما ليس منه لأثبتها كما نزلت.

أقول : أضحك به وأغرب ومن الغريب أنهم ينسبون إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحريف آية الرجم ، كما أخرج النسائي وابو يعلى عن كثير بن الصلت قال : كنا عند مروان وفينا زيد بن ثابت فقال زيد ما تقرء «الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة»؟ قال : جاء رجل الى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انبئني آية الرجم قال : لا أستطيع الآن ، هذا وقد أخرج ابن الضريس عن أبي امامة بن سهل بن حنيف ان خالته أخبرته قالت لقد اقرأنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) آية الرجم «الشيخ والشيخة إذا زينا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة»! ثم نرى نقيضه فيما اخرج ابن الضريس عن عمر قال قلت لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما نزلت آية الرجم أكتمها يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لا أستطيع ذلك ، واخرج ابن الضريس عن زيد بن اسلم ان عمر بن خطاب خطب الناس فقال : لا تشكوا في الرجم فانه حق قد رجم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورجم ابو بكر ورجمت ولقد هممت ان اكتب في المصحف فسأل أبي بن كعب عن آية الرجم فقال أبي : الست أتيتني وانا استقرئها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدفعت في صدري وقلت أتستقرئه آية الرجم وهم يتسامرون تسامر الحمر؟» أقول فاقض العجب من هذه الهرطقات المتناقضة وتبرء منها الى الله!

١٢

رحيما» وبينهما رائحة المسك في توجيهات تتبنّى تقوى الله والتوبة عن الطغوى!

(يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً. ١ وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً ٢. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً)(٣).

يرسم في هذه الثلاث تخلية السلب : (اتَّقِ ... لا تُطِعِ) وتحلية الإيجاب : «واتبع» ثم يتبعهما بسياج التوكل على الله في كل سلب وإيجاب ، ليرسم حياته الرسالية كلها بكلمة الإخلاص (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ)!

وإنها آية فريدة منقطعة النظير ، آمرة بتقوى البشير النذير ، لأن موقفه من الكافرين والمنافقين خطير خطير ، وهذه تقوى سياسية تجنبا عن أن يدلوه بمواعيدهم العسلة ، كأن يرفض ذكر آلهتهم حتى يدعوه وربه (١)

__________________

(١) في المجمع نزلت في أبي سفيان بن حرب وعكرمة بن أبي جهل وأبي الأعور السلمي قدموا المدينة ونزلوا على عبد الله بن أبي بعد غزوة احد بأمان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليكلّموه فقاموا وقام معهم عبد الله بن أبي وعبد الله بن سعيد بن أبي سرح وطعمة بن أبيرق فدخلوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا : يا محمد! ارفض ذكر آلهتنا اللات والعزى ومناة وقل : ان لها شفاعة لمن عبدها وندعك وربك ، فشق ذلك على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال عمر بن الخطاب ائذن لنا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في قتلهم فقال : إني أعطيتهم الأمان وامر (صلى الله عليه وآله وسلم) فاخرجوا من المدينة ونزلت الآية (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ) من اهل مكة أبا سفيان وأبا الأعور وعكرمة والمنافقين ابن أبي وابن سعيد وطعمة.

وفي الدر المنثور ٥ : ١٨٠ ـ اخرج ابن جرير من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس قال : ان اهل مكة منهم الوليد بن المغيرة وشيبة بن ربيعة دعوا النبي (صلى ـ

١٣

معاملة التهاتر بعملة الوعد الكذب ، ما لو كان صادقا لكان صادا للدعوة الإسلامية لفترة ، مما يدل على تسرّب المصلحية السياسية في هذه الدعوة فتبوء بالفشل والخسار والدمار ، فظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب!

فلذلك «يا ايها ..» لا «يا» فقط أو «أيها» تدليلا على خطورة المنادى له وتنبيه المنادى.

أترى أن النبي كان متلبسا بطاعة الكافرين والمنافقين حتى يتقيها؟ كلّا والتقوى هي الابتعاد عن المحظور ، وأصلها ما لم يتلبس وهو على أشرافه ، وأوامر الله ونواهيه الموجهة إلى شخص النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) تنقسم إلى تشريعية لو لولاها لم يعرف النبي إيجابا او تحريما ، كالأحكام التعبدية غير الضرورية ، وإلى تأكيدية فيما هو ضروري معلوم ك ـ (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) و (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) وإلى سياسية ظاهرها غير باطنها فهي تنبيهية كهذه : (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ ...).

«اتق الله» للنبي التقي في القمة ، تنبيهة لاستمرارية التقوى ، ولتقوى تقواه كل حين أقوى مما مضى ، فلانه يزداد علما (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) فليزدد على ضوءه وتباعا له تقوى : (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) وليس لذلك اليقين حدّ يقف عليه ، فلا وقفة لعبادته وتقواه ، ثم للتقوى واجهتان : أن تتقي بنفسك عن الحق وهو الاتقاء بإسناد النقائص كلها إليك عن إسنادها ـ أيا كان ـ إليه ، فتجعل نفسك وقاية له تعالى.

__________________

ـ الله عليه وآله وسلم) الى ان يرجع عن قوله على ان يعطوه شطر أموالهم وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة ان لم يرجع قتلوه فانزل الله (يا أَيُّهَا النَّبِيُّ)

أقول : هذا يناسب جوّ مكة وقد مضى ، واما المدينة فلا يناسبها هذا الاقتراح وقد يئسوا من تطميعه بمال او منال!

١٤

أو تتقي بالحق عن نفسك وهو الاتقاء بإسناد الكمالات كلها إليه تعالى عن إسنادها إليك فتجعله وقاية لك ، وهما كمال التقوى أن تتخلى عن كلما يختص بالله وتخلّيه تعالى عن كلما تختص بك ، وكلما وراءهما طغوى بدركاتها ، كما هما تقوى بدرجاتها.

وأما «لا تطع» فهو متكرر له في الذكر الحكيم ، نهيا عن المسايرات السياسية فيما ظاهرها مصلحة ، لولا العصمة الإلهية لتفلت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بالتفاتها (وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ وَدَعْ أَذاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (٣٣ : ٤٨) لا تؤذهم وإن يؤذوك ، ولا تطعهم وعد ألّا يؤذوك! (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِماً أَوْ كَفُوراً) (٧٦ : ٢٤) (فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ. وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ) (٦٨ : ٨) (فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَجاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً) (٢٥ : ٥٢) (وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنا وَاتَّبَعَ هَواهُ وَكانَ أَمْرُهُ فُرُطاً) (١٨ : ٢٨) وعلى الجملة :

(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ) (٦ : ١١٦) كل ذلك نهي عن طاعتهم ولمّا يقترف ، ولكي يبقى مفارقا غير مقارف ، وكل ذلك في التلبيسات السياسية التي تزلّ فيها الأقدام ، والله يعصم رسوله فيها عصمة كاملة كافلة للدعوة الرسالية المعصومة العاصمة للأمة!

إنه (صلى الله عليه وآله وسلم) قطعا لم تخلد بخلده لهم طاعة ، ولم تحصل في أي من هذه الموارد ، فالنهي تأكيد للترك ، والتداوم على الترك ، ولكي يسمع الكافرون والمنافقون الطامعون طاعته ، يسمعوا تحذيره من الإذاعة القرآنية فيتركوا اقتراحاتهم التي تشق عليه وتؤذيه! «لا تطع ..» ل (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً) بك وبهم «حكيما» بما يصلح لك كرسول ، وعليهم كمتربصي الدوائر بالرسالة والرسول ، فالله

١٥

عليم بما يجهلونه وما تجهله ، حكيم بما لا تحكمه ، وأنت كرسول دائب إلى قمم من العبودية.

والرسالة بما أراك الله ، ولا تكن للخائنين خصيما ، فمهما أرادوا ليكيدوك ويغروك أن في إجابتهم اخمادا لنائرة الحرب ، وتقربا لهم إلى الإسلام بتلك الاستمالة والتقارب ، ولكنه أمر ظاهره فيه الرحمة وباطنه من قبله العذاب (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً)!

(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) فلأنه ربك في كل صغيرة وكبيرة ، ظاهرة وباطنة ، ولكي تكون رسول ربك بما رباك ـ ف ـ (اتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) وقد أحاط علما بما يعمله الكافرون والمنافقون من شيطنة السياسات ، وتهاترات المعاملات ، التي تبوء بالخساء للرسول ، وبالدمار للرسالة (إِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً) وكما أحاط خبرا وعلما بما تعمله أنت ومن معك ، ف ـ (بِما تَعْمَلُونَ) تشملها ، تنديدا بأعمالهما وحيطة على أعماله بمن معه.

ولكي تكون على اهبة كاملة كافلة لتقوى مطلقة ، وترك لطاعتهم مطلقا ، رغم المناوئات والعرقلات التي لا تملك صدها ، بعد ما وفيت وكفيت جهودك كلها :

(وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٣) فلا توكّل على سواه إذ لا وكيل في المخاطر والضرورات إلّا الله ، فتوكل على الله لا سواه ، في أن : (اتَّقِ اللهَ) لا سواه وفي أن : «لا تطع ..» إلّا إياه!

أصل السلب : «لا إله» وأصل الإيجاب : «إلا الله» محوّل إلى محاولة العبد ، ثم المطلق فيهما موكل إلى حول الله ، ف ـ (اتَّقِ اللهَ .. وَلا تُطِعِ .. وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ) (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ... قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).

١٦

وهلّا يطع الكافرين ـ فقط ـ والمنافقين ـ إذا ـ فله ان يطيع غيرهما من المسلمين والمؤمنين؟! كلّا! فلا طاعة لغير الله ، وعل تخصيصهما بالذكر هنا لأنهما اراداها منه دون غيرهما ، وأن طاعتهما طاعة كافرة او منافقة ، وطاعة غيرهما طاعة فاسقة ، أو أن كل من طلب منه (صلى الله عليه وآله وسلم) طاعته من دون الله او مع الله فهو بذلك يصبح في صف الكافرين او المنافقين ، ولا طاعة لخصوص الرسول إلّا طاعة الله ولا اتباع له (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا لوحي الله ، إذ ليس يتأمر عليه ولي إلّا الله ، فمهما صحت طاعة لغير الرسول غير الله ، من رسول او امام معصوم امّن ذا من الدعاة الى الله ، فلا تصح للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلّا طاعة الله واتباع وحي الله!.

ولو لم تدلنا (لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ) على الّا يطع غيرهما ، فقد يدلنا (وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) اضافة الى سائر الآيات في طاعته واتباعه (صلى الله عليه وآله وسلم).

فهذه الثلاث رصيدات لهذه الداعية حيث تقيم وتقّوم دعوته على المنهج الواضح الناصح : تقوى الله وترك طاعة من سوى الله ، والتوكل فيهما على الله! مهما كان من باب إياك اعني واسمعي يا جاره ، يسمعانه فيقطعان آمالهم عن طاعته ويسمعه المؤمنون فيتقون!

(ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَاللهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ). (٤)

هنا امور ثلاثة ما جعلها الله من تكوينية تحيل ان يجعلها غير الله ، ومن تشريعية تحرّم عليهم جعلها ، أترى ان بينها في سلبها او إيجابها صلة ورباطا؟ ثم ترى أن لها أم لأولاها رباطا بما سلفها؟

١٧

ان لأولاها رباطا عريقا سالفها ولا حقها ، فطاعة الله وطاعة الذين يحادون الله تتطلب قلبين اثنين إذ لا تجتمعان في قلب واحد ، فالذي يمزج بينهما ـ ضغث من هذا وضغث من ذاك ـ لا يطيع إلّا هواه ، دون الله وسواه ، حيث الطاعة المطلقة التي هي الطاعة لا سواها ، تحيل كونها بين اتجاهين متناحرين ، إلّا ان يكون للمطيع قلبان اثنان فيصبح كشخصين يطيع ويهوى بأحدهما الله ، وبثانيهما من سواه.

كما ولم يجعل لرجل من امّين اثنين ، التي ولدته والتي ظاهر منها ، لا جعلا تكوينيا ولا تشريعيا ، ان تنزّل الزوجة المظاهرة منزلة الام ، وان أمكن في غيرها كالام الرضاعية ، وكذلك الأمر في الأدعياء فهم ليسوا أبناء ولا بمنزلة الأبناء.

وليس لقلب واحد ان يتجه ويهوى الى أمّين على سواء ، ولا الى ابنين على سواء ، وأحدهما مجازي مجعول بحق او باطل ، اللهم إلّا ان يكون لرجل من قلبين في جوفه!

فالضابطة الرئيسية في هذا البين (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ) أن يصبح كشخصين يتجه كل الى وجهة ، مضادة او مناقضة للأخرى في حب مطلق وهوى او بغض مطلق أما ذا؟

فالجمع بين اثنين في قلب واحد مستحيل في متناقضين ، او ناقص في مختلفين ، فانه بكماله مستحيل كتمام الحب لهذا وتمامه لعدوّه ، واما ان تجتمع في قلب واحد امور عدة لحالة واحدة واتجاه واحد مع الغض عن حب وبغض وطاعة وعصيان ، وكلما يستحيل جمعه في تصديق ام حب وبغض ، فانه من مقام جمع الجمع ، يختص بالمقربين كقلب محمد وقلوب المحمديين المعصومين ، فلهم الحيطة العلمية بما يتلقون من اعمال ، هم

١٨

من الشهداء فيها إلقاء يوم الله ، والله تعالى فوقهم ف (كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) لا يشغله شان عن شان ، دون من سواه ومن سواهم.

ولقد ورد في شأن نزول آية القلبين منازل عدة ومن ذلك قلب المصلي : «فمن كان قلبه متعلقا في صلاته بشيء دون الله فهو قريب من ذلك الشيء بعيد عن حقيقة ما أراد الله منه في صلاته» (١) فانها حقيقة التعلق بالله فلا تجمعها تعلق بغير الله ف ـ (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) ولقد كان قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وذويه متعلقا متدليا بالله ، ومهما خطر خطره في الصلاة وغيرها تدليلا على امر مّا فهو ايضا من الله وان أخطأ في أمره خاطئون (٢).

ومهما كان من شئون نزولها تكذيب رجل ادعى ان له قلبين (٣)

__________________

(١) نور الثقلين ٤ : ٢٣٤ ح ٥ في مصباح الشريعة قال الصادق (عليه السلام) في كلام طويل له : .. قال الله عز وجل : ما جعل الله ...

(٢) الدر المنثور ٥ : ١٨٠ ـ اخرج احمد والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس قال قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يوما يصلي فخطر خطره فقال المنافقون الذين يصلون معه الا ترى ان له قلبين قلبا معكم وقلبا معهم فانزل الله (ما جَعَلَ اللهُ ...)

وفيه اخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال صلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) صلاة فسها فيها فخطرت منه كلمة فسمعها المنافقون فأكثروا فقالوا ان له قلبين الم تسمعوا الى قوله وكلامه في الصلاة ان له قلبا معكم وقلبا مع أصحابه فنزلت يا ايها النبي اتق الله .. ما جعل الله ..

أقول : ظاهر قولهم «قلبا معكم» انه لم يكن سهوا وانما قرء آية تندد بالمنافقين واخرى تبشر المؤمنين فظنوا ظنهم وخيل الى ابن عباس انه سهى ولم يكن الا سهوا منه لا منه (صلى الله عليه وآله وسلم)!

(٣) الدر المنثور ٥ : ١٨٠ عن مجاهد قال ان رجلا من بني فهر قال : ان في جوفي قلبين اعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد فنزلت وفي المجمع نزلت في أبي معمر ـ

١٩

فليست لتكذب من جعل الله له مقام جمع الجمع ان يحيط علما بأمرين امّا زاد ، ولا يجمع صاحب هذا المقام بين متناقضين ، ام حبين لمتباغضين ، كمن سواه من العالمين وكما الله رب العالمين ـ وليس له قلب ـ فليس ليجمع حب المؤمن الى حب الكافر ام بغضهما وهو لا يشغله شأن عن شأن!.

ولان الواجب من حب الله وطاعته هو توحيده فيهما دونما ند ولا شريك ، فالجمع بين هكذا حب وطاعة ، وحب الغير وطاعته لا يمكن في قلب واحد ، إلّا ضغث من هذا وضغث من ذاك وهو من حب الهوى وطاعتها ، اللهم إلّا في قلبين ، هذا يحبه تماما وهذا يحب غيره ، فممكن الجمع بين حبين في قلب واحد غير مطلوب ، ومستحيله يمكن في قلبين و (ما جَعَلَ اللهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ)! ف ـ «لن يحبنا من يحب مبغضنا إن ذلك لا يجتمع في قلب واحد» (١)

__________________

ـ حميد بن معمر بن جيب الفهدي وكان لبيبا حافظا لما يسمع وكان يقول ان في جوفي لقلبين اعقل بكل واحد منهما أفضل من عقل محمد وكانت قريش تسميه ذا القلبين فلما كان يوم بدر وهزم المشركون وفيهم ابو معمر تلقاه ابو سفيان بن حرب وهو آخذ بيده احدى نعليه فقال له يا معمر ما حال الناس؟ قال : انهزموا قال : فما بالك إحدى نعليك في يدك والاخرى في رجلك؟ فقال ابو معمر : ما شعرت الا انهما في رجلي فعرفوا يومئذ انه لم يكن له الا قلب واحد لما نسي نعله في يده.

(١) نور الثقلين ٤ : ٢٣٤ ح ٦ في امالى الطوسي باسناده الى صالح بن ميثم التمار قال وجدت في كتاب ميثم يقول : تمسينا ليلة عند امير المؤمنين (عليه السلام) فقال لنا : ان عبدا لن يقصر في حبنا لخير جعله في قلبه ولن يحبنا من يحب مبغضنا ان ذلك لا يجتمع في قلب واحد وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه يحب بهذا قوما ويحب بالآخر عدوهم والذي يحبنا فهو يخلص حبنا كما يخلص الذهب لا غش فيه والقمي في رواية ابن الجارود عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية قال علي بن أبي طالب (عليه السلام) لا يجتمع حبنا وحب عدونا في جوف انسان ... فمن أراد ان يعلم فليمتحن قلبه فان شارك في حبنا عدونا فليس منا ولسنا منه والله عدوهم وجبرئيل وميكائيل والله عدو للكافرين.

٢٠