الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٤

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٤

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٦٠

وترى ان مضاعفة العذاب ضعفين هي ضعفين على أصل العذاب فهي إذا ثلاثة أضعاف؟ والأجر الذي هو قضية الفضل أحرى بذلك من العذاب العدل وهو «مرتين»! إذا «فضعفين» هما «مرتين» حالا من العذاب ، عذابا وثوابا على سواء ، والمضاعفة هي الزيادة قلّت او كثرت ، من مرتين الى ما شاء الله ، وهي هنا ضعفين ، فالضعف هو الزيادة دونما تحديد و (مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَهُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ) (٣٤ : ٣٧) واقل الضعف لهم عشرة (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها) (وَلَدَيْنا مَزِيدٌ) وكما لمن جاء بالسيئة ضعف في مضاعفتها : (رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ قالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلكِنْ لا تَعْلَمُونَ) (٧ : ٣٨) ومعلوم ان ضعف المضلّل أضعف من ضعف المضلّل وكلّ ضعف! ..

ومن ثم الأضعاف تعني المرات من ثلاثة فما فوقها (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً) (٣ : ١٣٠) اي : مرات مزيدة على الأصل (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً ...) (٢ : ٢٤٥).

إذا فمضاعفة الضعفين من العذاب هي الزيادة المثلين لا زيادة مثلين على أصل العذاب ، وكما الأجر مرتين : عذاب اواجر ، للفاحشة او القنوت ، نفسه في حساب الفاعل ، وآخر تخجيلا او تبجيلا لجو الوحي والتنزيل جزاء وفاقا او عطاء حسابا.

هنالك فاحشة مبينة فعذاب ضعفين (وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) وليس عليه عذابهن عسيرا تمنعه عنه مكانتهن من الرسول حيث الرسول نفسه ايضا مهدد : (لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ. ثُمَ

١٠١

لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ. فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ) (٦٩ : ٤٦)

وهناك قنوت لله ورسوله (وَمَنْ يَقْنُتْ مِنْكُنَّ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ وَتَعْمَلْ صالِحاً) خضوعا لله عبودية ولرسوله طاعة وعملا يصلح لذلك الخضوع ، صالحا لجوّ الوحي والتنزيل (نُؤْتِها أَجْرَها مَرَّتَيْنِ) وزيادة هنا لأنه قضية الفضل : (وَأَعْتَدْنا لَها رِزْقاً كَرِيماً) دونما هناك حيث العذاب قضية العدل فهو عدل للفاحشة دونما ربوة. أترى ان كن عوانا بين ذلك ، لا فاحشة مبينة ولا قنوت لله ورسوله ، فهلّا يكون هنالك اجر ولا عذاب؟

اجل! ولكنه لا ضعف في عذابهن ولا أجرهن ، حيث البعد الثاني من العصيان والطاعة عادم فثاني الأجر والعذاب كذلك عادم ومثلهن إذا كسائر النساء على سواء ، فلا كرامة الا بالتقوى ولا مهانة إلا بالطغوى ، أيا كانت الطغى وان زوجة النبي ، وأيا كانت التقى وان زوجة فرعون الشقي (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما فَلَمْ يُغْنِيا عَنْهُما مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ، وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَكُتُبِهِ وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) (٦٦ : ١٢).

ثم وليست مضاعفة الثواب والعقاب لنساء النبي إلّا للبعد الثاني من الطاعة والعصيان ، دون رعاية للصلة بالنبي ، وإلّا فلا عقاب ام تخفيفا من العذاب كضعف الثواب.

وترى ان مضاعفة العذاب في الفاحشة المبينة تخص الآخرة؟ ام تعم الاولى والآخرة؟ العموم قضية اطلاق العذاب ، فالفاحشة التي فيها الحدّ

١٠٢

يضاعف لهن حدّها في الاولى كما في الأخرى إلّا انه يخص الفاحشة المبيّنة ، لا كل فاحشة ولا المبيّنة دون تبيين وقوفا عند النص فيما يشذ عن القاعدة تأمل.

(يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً)(٣٢).

انه ليس ارتفاع المساوات بين نساء النبي وسائر النساء لأنهن نساء النبي ، بل «ان اتقيتن» كما وليس النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كأحد من الرجال لنبوته .. أنتن في مكانة لا يشارككن فيه احد من النساء ، ولا تشاركن فيها أحدا من النساء ولكن «إن اتقيتن» فليست المسألة مجرد قرابة من النبي بسبب او نسب الّلهم إلّا حسب التقوى وسببها ونسبها ، فالتقوى تقوى ان كانت في مكانة عليا ومحتد أقوى كما الطغوى تقوى على سواء ، فلا بد من القيام بحق هذه القرابة العليا ، وهو القائل «يا فاطمة ابنة محمد! يا صفية ابنة عبد المطلب! يا بني عبد المطلب! لا أملك لكم من الله شيئا سلوني من مالي ما شئتم»(١).

وهل الأوامر والنواهي التالية تخصهن لاختصاص خطاباتها لهن؟ و «ان اتقيتن» تعم كل تقوى واجبة وراجحة من كل متقية منهن وسواهن! وموارد الأمر والنهي هنا لا تخصهن! فانما التقوى لهن تخرجهن عن مساواتهن لسواهنّ دون واجبات او محرمات تختصهن ، وليست المذكورة إلّا

__________________

(١) أخرجه مسلم في صحيحه ويروى المسلم والترمذي ايضا قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار! يا معشر بني كعب أنقذوا أنفسكم من النار! يا معشر بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار! يا فاطمة بنت محمد انقذي نفسك من النار! فاني والله لا املك لكم من الله شيئا إلا ان لكم رحما سأبلها ببلاءها.

١٠٣

عامة لكافة المسلمين دون اختصاص بهن ، فالآية تشجيع لهن على اصل التقوى وإذا (لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ)!

تقوى في القول سلبيا (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) وايجابيا (وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً)!

ينهاهن حين يخاطبن غير ذوي الأرحام عن ان يكون في أقوالهن خضوع له نبرة مثيرة ، ولينة مغيرة ، خضوعا في موسيقا التعبير ، ام ما يحمله من معنى مثير ، فوا ويلاه إذ اجمعا في عبرة القول ونبرته وضحكته! (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ) : الشهوة الكامنة حيث تظهرها القولة الخاضعة ، فلتكن قولة مخضعة ام لأقل تقدير لا خاضعة ولا مخضعة ، لا في موسيقاها ولا في معناها.

للمرأة قولات ثلاث : ١ ـ خضوع ـ مثير باي من ابعاده. فمحظور ٢ ـ لا خضوع ولا كبرياء فغير محظور ، ٣ ـ وإخضاع بكبرياء في قول تطوي نسائية الصوت ولطافته طيا فمحبور مشكور ، فتقوى واجبة في قولهن عدم الخضوع ، ومن ثم راجحة هي إخضاع والقول المعروف هو المعروف عن مسلم حلّا في جنباته ، ثم المعروف عن مؤمنة حلا منها مع غير المحارم ، ثم المعروف عن اهل النبي فهو إذا مثلث المعروف واقله ألّا يكون فيه ما يحرم من مؤمنة لغير محرم!

صحيح انهن كازواج النبي وأمهات المؤمنين ليس ليطمع فيهن طامع ، ولكن المرض في قلوب مقلوبة يستثار ، قلوب مريضة بالشهوات دونما عفاف ، ام ومريضة بنفاق ام نقصان في ايمان ، مهما سلمت القلوب السليمة بإيمان وعفاف على ما فيها من شهوة ، فانها ليست ككل مرضا فان الله خلقها في كل مؤمن ومؤمنة ، وفي النبيين ، وانما يخاف ممن لا يعفّ شهوته.

١٠٤

وإذا كن نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على ما هن عليه من المكانة ، في ذلك الزمن البدائي البسيط هن ينهين عن الخضوع في القول ، فكيف بهذا المجتمع الذي نعيشه اليوم ، المتقدمة فيه الشهوات ، المرفوفة على جوّه الأطماع ، المسعّرة فيه السعارات المحمية الجنسية ، فأحرى بالمؤمنات إذا ألا يخضعن بالقول او يبرزن في اية صورة مثيرة ، فانها مثار الفتنة.

(وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكاةَ وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ ...)(٣٣)

«وقرن» هل إنها امر بالوقار؟ وامره «قرن»! والوقار واجبهن على أية حال ، وباحرى خارج بيوتهن وهنا «بيوتكن»! وقضية الموقف في سرد أو امر ونواهي ، هي العطف كما في سائرها!

فهي إذا «قرن» عطفا ، فهل بعد من قار يقار إذا اجتمع؟ ولا موضوعية في جمعهن في بيوتهن إلّا قرارهن جماعات او فرادى! وأمرها «اقررن»! اللهم إلّا بحذف الحرفين تخفيفا كما في اضرابها فنعما ، ولكنها معنويا غير مناسبة فكلّا!

أم إنها من قرّ يقرّ؟ وأمرها «اقررن» فكذلك الأمر الّا في المعنى ، فانه امر بقرارهن في بيوتهن ، ومن دناءة المراة كونها لفوتا تكثر الخروج من بيتها دون ضرورة تلجئها ، وهذا يناسبها في أدب اللفظ وجمال المعنى ، والاول يخالفهما ، والأوسط يخالف المعنى ، والقرآن حمال ذو وجوه فاحملوه على أحسن الوجوه وهو ثالثها.

يقرر هذا الأمر لهن أصل قرارهن في بيوتهن ، فان اشغالهن في الأكثرية الساحقة أشغال بيتية ، كفين عما سواها بمعونة الرجال مؤونات أما هي؟.

فلا يعني تحريم خروجهن عن بيوتهن اللهم إلّا تبرجا كالجاهلية

١٠٥

الاولى ، فلو كان عطفا لكان «ولا تخرجن» في تبرج وسواه ، فانما نهين عن تبرج الجاهلية الاولى :

(وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى) احتشاما في خروجهن إذا لزم الأمر او رجح ، بتحجّب يناسب حرمة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والتبرج هو تكلف في الظهور كالبرج المظاهر لكل ناظر ، تكلفا في اظهار زينتهن الستيرة تحت ملابسهن ، وتكلّفا في تزيّن زائد على الذاتية النسائية فيهن ، في عطرة تجلب ، او مشية تجذب ، او صوتة تطمع ، او غنجة تثير ، امّا ذا من تظاهر نسائي يعطف إليهن انظار الرجال الأجانب (فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ)!

البيت ستر اوّل للنساء ، ثم إخفاء الزينة وكل جاذبية نسائية (إِلَّا ما ظَهَرَ) وتهدّر بطبيعة الحال دونما تبرج ،

«كانت عائشة إذا قرأت : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) بكت حتى تبل خمارها» (١) وهل كانت تبكيها وطأة الأمر الشاق؟ وليس قرار البيت إلّا راحة للمرأة واحتشاما! ام كانت تبكيها لأنها أضمرت خروجها يوم الجمل؟ نقلوها فانا لا ندري إلّا خروجها يوم الجمل تخلفا عن أمر ربها على إمامها! (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ٥ : ١٩٦ ـ اخرج ابن أبي شيبة وابن سعد وعبد الله بن احمد في زوائد الزهد وابن المنذر عن مسروق قال : كانت عائشة ...

(٢) نور الثقلين ٤ : ٢٦٩ ح ٨٢ في بصائر الدرجات احمد بن محمد والحسن بن علي بن النعمان عن أبيه عن علي بن النعمان عن محمد بن سنان يرفعه قال : ان عائشة قالت : التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل (تعني عليا (عليه السلام)) أبعثه اليه قال : فأتيت به فمثل بين يديها فرفعت اليه رأسها فقالت له : ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ فقال لها : كثيرا ما اتمنى على ربي انه وأصحابه في وسطي فضربت ضربة بالسيف فسبق السيف الدم ، قالت : فأنت له اذهب بكتابي هذا فادفعه ـ

١٠٦

(وَقَرْنَ .. وَلا تَبَرَّجْنَ)!؟ كما وقرن ولم يتبرجن (١).

__________________

ـ اليه ظاعنا رأيته او مقيما ، اما انك ان رأيته رأيته راكبا على بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منتكبا قوسه معلقا كنانته بقربوس سرجه وأصحابه خلفه كأنهم طير صواف قال : فاستقبله راكبا كما قالت فناوله الكتاب ففص خاتمه ثم قرأه فقال : تبلغ الى منزلنا فتصيب من طعامنا وشرابنا ونكتب جواب كتابك؟ فقال : هذا والله ما لا يكون ، قال : فسار خلفه فاحدق به أصحابه ثم قال له : اسألك قال : نعم قال : وتجيبني؟ قال : نعم قال : نشدتك بالله هل قالت : التمسوا لي رجلا شديد العداوة لهذا الرجل فأتى بك فقالت لك : ما بلغ من عداوتك لهذا الرجل؟ فقلت : كثيرا ما اتمنى على ربي انه وأصحابه في وسطي واني ضربت ضربة سبق السيف الدم؟ قال : اللهم نعم! قال : فنشدتك الله هل قالت لك : اذهب بكتابي هذا فادفعه اليه ظاعنا كان او مقيما اما انك ان رأيته رأيته راكبا على بغلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) متنكبا قوسه معلقا كنانته بقربوس سرجه أصحابه خلفه كأنهم طير صواف فتعطيه كتابي هذا؟ قال : اللهم نعم قال : فنشدتك الله هل قالت لك : ان عرض عليك طعامه وشرابه فلا تناولن منه شيئا فان فيه السحر؟ قال : اللهم نعم قال : فتبلغ عني؟ قال : اللهم نعم فاني قد أتيتك وما في الأرض خلق ابغض اليّ منك وانا الساعة ما في الأرض خلق أحب اليّ منك فمرني بما شئت قال : ارجع إليها بكتابي هذا وقل لها : ما أطعت الله ولا رسوله حيث أمرك بلزوم بيتك فخرجت ترددين في العساكر وقل لهم : ما أنصفتم الله ولا رسوله حيث خلفتم حلائلكم في بيوتكم وأخرجتم حليلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فجاء بكتابه فطرح إليها وأبلغها مقالته ثم رجع اليه فأصيب بصفين فقالوا : ما نبعث اليه بأحد الا أفسده علينا.

(١) الدر المنثور ٥ : ١٩٦ ـ اخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن محمد بن سيرين قال نبئت انه قيل لسودة زوج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ما لك لا تحجين ولا تعتمرين كما يفعل أخواتك؟ فقالت : قد حججت واعتمرت وامرني الله ان أقر في بيتي فو الله لا اخرج من بيتي حتى أموت قال : فوالله ما خرجت من باب حجرتها حتى أخرجت بجنازتها وفيه اخرج احمد عن أبي هريرة ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لنسائه عام حجة الوداع هذه ثم ظهور الحصر قال : فكان كلهن يحجن الا زينب ـ

١٠٧

ولماذا تخرج المرأة من بيتها؟ ألما تعنيها من تحصيل النفقة إذ تعانيها؟ وهي من واجبات الرجال! أمّا ذا من واجبات خارج البيتية؟ وهي كلها موضوعة عنها موضوعة على الرجال ، تخفيفا عنهن واحتشاما لهن وحفاظا على حرماتهن!.

للرجال رجولة الأشغال وهي في فسحة خارج البيتية ، وللنساء انوثة الأشغال وهي داخل البيتية ، فعلى كلّ تقديم واجبه ، وفي معاكسة الأشغال أم خروج المرأة لتعمل مع الرجل ، كارثة على البيت لا تجبر ، اللهم إلّا في الضرورات التي تبيح المحظورات ، وبيت المال يضمن مجالاتها الاقتصادية للرجال فضلا عن النساء اللاتي ليس لهن من ينفق عليهن ، او عمل في البيت او مثله في الحفاظ عليها!

واجب النفقة أماذا من اشغال خارج البيتية يتيح للزوجة والأم من الجهد ومن الوقت وهدوء البال ما تشرف على الفراخ الناشئة ، فالام الكادحة المكدودة بالعمل لتحصيل النفقة ، المقيدة بمواعيد العمل ، ليست لتعطي للبيت واجبه التربوي ، فبيوت العاملات والموظفات هي كالفنادق والخانات وأتعس منها وأركس ، حيث الناشئة المحتاجة الى تربية الأم تتهدر فيها ، ولا ينوب أمها غيرها من مربين او مربيات!

فأما ان تخرج المرأة لغير العمل ، بل للاختلاط بالرجال والإشتغال بالملاهي أماذا من لهوات وشهوات فهو الارتكاس الى حماة الحيونات ودرك الجاهليات التي ترد الإنسان الى مراتع الحيوان!

يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «ان المرأة عورة فإذا

__________________

ـ بنت جحش وسودة بنت زمعة وكانتا تقولان : والله لا تحركنا دابة بعد ان سمعنا ذلك من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

١٠٨

خرجت استشرفها الشيطان واقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في بيتها» (١) كما و «جئن الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلن يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ذهب الرجال بالفضل والجهاد في سبيل الله فما لنا عمل ندرك فضل المجاهدين في سبيل الله؟ فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من قعدت منكن في بيتها فإنها تدرك عمل المجاهدين في سبيل الله» (٢). وقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «شر النساء المتبرجات وهن المنافقات لا يدخل الجنة منهن إلا مثل الغراب الأعصم» (٣).

التأكيد في قعودهن في بيوتهن امر ارشادي للحفاظ على العفاف وعدم التبذل امام الرجال ، وأما إذا خرجن غير متبرجات بزينة ، متعففات ، فما عليهن من سبيل ولا سيما في محاويجهن المادية والمعنوية فراجح او واجب ، ولقد كن يخرجن زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) للصلاة وتمريض جرحى الجهاد إمّا ذا من متطلبات راجحة وواجبة ولكن في غير تبرج وتظاهر بمفاتنهن ، بل متعففات متحجبات ، وقد «كان نساء المؤمنين

__________________

(١) المصدر اخرج الترمذي والبزاز عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ...

(٢) المصدر اخرج البزاز عن انس قال : جئن النساء ...

(٣) المصدر اخرج البيهقي في سننه عن أبي أذينة الصدفي ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ... وفيه اخرج الطبراني عن ابن عباس قال لما بايع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) النساء قال : لا تبرجن تبرج الجاهلية الاولى قالت امرأة يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أراك تشترط علينا الا نتبرج وان فلانة قد اسعدتني وقد مات أخوها فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اذهبي فاسعديها ثم تعالي فبايعيني.

١٠٩

يشهدن الفجر مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم يرجعن متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس» (١).

ولو كان خروجهن ممنوعا لما امرن بالحجاب ، فانه سترة عن الرجال الأجانب ، والآية تنهى عن التبرج بعد الأمر بقرارهن في بيوتهن ، فليس خروجهن غير متبرجات تحت النهي ولا تحت الأمر ، فهو إذا مسموح كفرع يستثنى عن اصل قرارهن في بيوتهن لراجح او واجب ام مباح!.

هنالك المنعة عن تبرج الجاهلية الاولى ، مما تلمح بتبرجة اخرى (٢) ام تبرجات ثانية وثالثة اماهيه؟ وكما نعيش اليوم أبشع التبرجات النسائية في بلاد متخلفة عن شرعة الله ، لا يسترن إلّا عوراتهن ولو كانت جميلة ما سترنها ، وقد يتبرجن فيها جلية اكثر لمتاع الجنس وعند ذلك الطامة الكبرى! وجاهلية القرن العشرين من أبشع الجاهليات التي تمر فيها البشرية وعاشتها حتى الآن!

أنت يا ريحانة ماذا تعنين من التبرج ، تظهرين مفاتنك ، وتجملين بدنك وتتغنجين في صوتك وحركاتك ، وتلبسين ما يجلب انظار تجار الجنس وبغاته ، فهل أنت متاع تعرّضين نفسك للشراء ، ام حيوانة شهوة تبغين البغاء وتفتشين عن زبائن ، تعملين من نفسك برجا يقصد وعند ذلك الطامة الكبرى.

للتبرج النسائي دركات ، من مشية بين الرجال تجلب انظارهم وضرب بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن ، بمشية تكسّر وتغنج ، ومن تكشّف ما

__________________

(١) نور الثقلين ٤ : ٢٦٩ ح ٧٩ تفسير القمي عن أبي عبد الله (عليه السلام) في هذه الآية قال : اي ستكون جاهلية اخرى

(٢) كما في الصحيحة عن عائشة.

١١٠

يجب إخفاؤه من زينة ، وكل ما يعطف أنظار طلاب الجنس إليهن بصرا وسمعا وشما ، كل هذه تبرجات مهما اختلفت دركاتها وخطراتها ، والآية تمنع عن تبرج الجاهلية الاولى ولم يكن إلّا تبرجا بزينة كيفما كانت ، اللهم إلّا ما ظهر منها مهما جلبت انظارا ام لم تجلب.

هنالك تستر مطلق في قرارهن في بيوتهن وهو الأصل لحياتهن ، ثم خروج باحتشام في غير تبرج بزينة ، برجا ظاهرا دونما تظاهر ، ثم خروج في تبرج بأية زينة تجعلهن كبرج يقصد ، والممنوع هو الأخير بكل صوره ولا سيما التعري بين الرجال كما كن أحيانا يطفن البيت عاريات قائلات : اليوم يبدو كله او بعضه .. فما بدى منه فلا احلّه!

ولان الجاهلية الاولى ما تجاوزت عن تلكم التبرجات (١) فنحن نعيش الآن جاهلية أعمى وأنحس من الاولى ، غليظة الحس ، حيوانية التصور ، هابطة في درك البشرية الى حضيض مهين وضلال مبين! حيث بلغ التبرج الى ابشع من التعري.

(وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ) كما يحق ، لا قياما للصلاة ولا إتيانها كيفما كان ، وانما إقامتها بظاهرها وباطنها كما تصلح لمحضر الرب سبحانه وتعالى ..» (وَآتِينَ الزَّكاةَ) : الضريبة المالية التي تنمي المال وتطهر صاحب المال

__________________

(١) في الدر المنثور ٥ : ١٩٩ عن مجاهد : كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال فذلك تبرج الجاهلية وعن قتادة : وكانت لهن مشية تكسر وتفنج فتهن الله عن ذلك عن ابن حيان : والتبرج انها تلقى الخمار على رأسها ولا تشده فيرى قلائدها وقرطها وعنقها ويبدو ذلك كله منها وذلك التبرج وقال ابن كثير في التفسير : كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء وربما أظهرت شعرها واقرطة آذانها فامر الله المؤمنات ان يستترن في حياتهن وأحوالهن

١١١

والمجتمع من دنس الفقر وسوء الحال (وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ) فأنتن أحرى بذلك حيث ينزل الوحي في بيوتكن ... إنما ...؟

(... إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٣٣)

هذه آية التطهير ، منقطعة النصير ، في التعريف بمدى العصمة والطهارة للبشير النذير ، واهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وطهرهم بذلك التطهير.

فانها على اتصالها بما قبلها من جملات في آيتها وآيات قبلها ثم «واذكرن» التي بعدها ، هي منفصلة عما احتفت بها في مغزاها ومعناها ، حيث الخطابات في سواها ال ـ (٢٢) كلهما جموع مؤنثة تعني نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهنا جمعان مذكران يعنيان الذكران من اهل البيت (عليهم السلام).

وانها تصلح لفظيا ومعنويا أن تكون آية مستقلة عما تصدرتها نازلة لوقت آخر ، وكما تواترت بذلك روايات الفريقين عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) واهل بيته الكرام (عليهم السلام) (١).

واستقرارها تأليفا في آية القرار : «وقرن ...» أمر قاصد قاسط إذ يعني التأليف بين بيتي النبي الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) في الظاهر النسائي والباطن المعرفي في قمة العصمة والطهارة ، وليس لها موضع أنسب منها هاهنا ، رغم ما يهرف بما لا يعرف فيخرف أنها تحولت

__________________

(١) أحاديث التطهير المتواترة مطبقة على ان آية التطهير مستقلة نزلت دون ألفاظها الأخرى التي معها في التأليف.

١١٢

الى هنا تحريفا عن موضعها بغية تحريف عن موضوعها انها تعني نساء النبي كما عنتهن سائر خطاباتهن؟ وذكورة الضمير دليل قاطع لا مرد له عما يعنيه من ذكران اهل البيت!.

او ان الله جعلها فيها كيلا تحرّف عما تعنيه زعم انها تعني ما تعنيه خطابات النساء ، كحيلة إلهية تحول دون التحريف! ولا تحريف في القرآن ولن .. أيا كان وأيان بادلة الحفظ عقليا وكتابيا وفي السنة القطعية ، فهل يخاف الله المحرفين لكي يحتال حتى لا يغتال؟!

ان ضميري التذكير يحافظان على كيان آية التطهير ، كما و «إنما» و «اهل البيت» إمّا ذا من عساكر البراهين من نفس الآية ومن السنة المتواترة تدلنا على تحول الخطاب عنهن الى رجال اهل البيت ، إذا فالبيت غير البيت واهله غير اهله!

ليست آية التطهير لتعني نساء النبي لا في ادب اللفظ لمكان «كم .. كم» ولا في حدب المعنى لمكان «انما» أما ذا؟ من قرائن قطعية تحافظ على مكانة مخاطبيها ، رغم مكانها بين مخاطبات!.

فكما (يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هذا) لا تحوّل (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) الى مخاطبها ، حيث اختلاف الضمائر يحافظ على ما يعنيه المضمر والضامر ذكرانا وإناثا! كذلك «كم» هنا لا تتحول الى غير مخاطبيها! وقرينة السياق ـ على نقد في أصلها ـ ليست لتسوق مقارنها الى غير الصريح من معناها!

أترى نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كن هنا رجالا لكي

١١٣

يخاطبن بخطابهم «كم» كما يهرفه من لا يعرف ادب اللفظ والمعنى؟ (١) ام نسي الله او تناسى وسهى فخاطبهن بعد خطابات النساء خطاب الرجال؟ ام عنى بهم رجال أهل البيت وفي ضمنهم النساء تغليبا لقبيل الرجال كما في سائر الأحوال؟ وشمول ضمير الرجال للنساء بحاجة الى دليل قاطع! والقرائن القطعية في الآية تنحّيهن وكل من هو دون العصمة القمة عنها! والسنة القطعية لا تضم إليها إلّا الصديقة الكبرى سلام الله عليها! ولئن سألنا نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هل أنتن ام واحدة منكن داخلة في هذه الطهارة القمة الخارج عنها من خرج نبيا وسواه؟ لا نسمع الجواب إلا كلا ، ولا سيما وان القرآن ناطق بالاخطاء الجارفة في بعضهن (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)!

هنا «إنما» في ارادة الطهارة وإذهاب الرجس عن اهل البيت (عليهم السلام) تحصرها في أهل البيت وتحسرها عمن سواهم ، أيا كانوا وأيان من اهل البيوتات الرسالية وملإ العالمين من الملائكة والجنة والناس أجمعين!.

فلا يدخل في ذلك البيت القمة في العصمة العليا نوح وابراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام) ولا جبريل وميكال والروح (عليهم السلام) امّن ذا؟ فضلا عن نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ام ورجال فوقهن في درجات الايمان كمقداد وأبي ذر وسلمان!

اهل البيت في إطلاقها تشمل كل أهل من كل بيت ، بيت السكن

__________________

(١) كعكرمة في قولته «من شاء باهلته انها نزلت في ازواج النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ويشير في قولته الاخرى الى وحدته في وهدته «ليس بالذي تذهبون اليه انما هو نساء النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (الدر المنثور ٥ : ١٩٨).

١١٤

للبدن حيث الإنسان يستريح فيه ببدنه من الأعباء ، فأهله هم الآهلون لتهيئة الراحة البدنية من ازواج وخدم واضرابهم.

ام بيت يبيت فيه الروح ، جوّ روحاني يبتغيه الروح لراحة الاستضاءة من أضواء المعرفة واهله الآهلون لتلك الاستضاءة.

هذا جو روحاني وبيت يحلّق على أهله ، وذاك جو جسداني وبيت يحلق على أهله ، واين بيت من بيت وأهل من أهل؟

وهما قد يجتمعان كبيت علي وفاطمة لهما وللرسول الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد يفترقان كحجرات الرسول بنسائه ، وكمن يعيشون عيشة الحيوان ليس لهم جوّ روحاني يعيشهم عيشة الإنسان!

ولمكان «إنما» هنا ليس من اهل البيت نساءه (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ لا يشملهن لأنهن اهل بيت سكن من حجر ومدر وهو بيت محمد كبشر ، والمسند اليه هنا هو محمد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)!

ترى بعد انهم اهل بيت الرسول (عليه السلام)؟ وهو لا يشمل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهواسه وأساسه! و «انما» الحاصرة تجعله المصداق الاجلى في هذه الاهلية المباركة ، وما سائر اهل البيت الا كمصاديق ثانوية! مهما تواترت الرواية انهم «علي وفاطمة والحسنان» في التنزيل وكما يروى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هؤلاء اهل بيتي وهم أحق بخلافتي» (١).

__________________

(١) غاية المرام في كفاية الخصام ص ٣٧٦ عن مسند احمد بن حنبل عبد الرحمن بن احمد بن حنبل عن أبيه احمد عن شداد بن عمارة ذهبت الى واثلة بن الاسفع وعنده جماعة يسبون عليا فشاركتهم فقال واثلة أتريد ان أخبرك بما سمعت عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قلت : بلى قال : ... ساق حديثه في آية التطهير ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : وهم أحق بخلافتي أقول والاربعة في التنزيل من باب ـ

١١٥

او انهم اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ، أعلى جو روحاني يشمله وإياهم ، وبيت رسالي يعمهم ، لا الرسولي الذي يخص أهل الرسول المعصومين؟ وهذا يناسب حصر الطهارة ، واطلاق البيت (١) وتواتر الأحاديث الاخرى عن الرسول واهل البيت وكما يروى عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) «نحن اهل بيت طهرهم الله من شجرة النبوة وموضع الرسالة ومختلف الملائكة وبيت الرحمة ومعدن العلم» (٢) (عليهم السلام).

__________________

ـ التفسير بالمصداق الثاني المختلف فيه قائله بالمتفق عليه وقد اخرج عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نزولها في الخمسة محمد بن جرير الطبري في التفسير عن خمسة عشر طريقا عن ام سلمة والسيوطي في التفسير عن عشرين طريق والثعلبي في التفسير عن تسعة طرق عن ام سلمة وفي طرق عدة عن عائشة ، وقد نقله جماعة من الحفاظ والمحدثين مثل ابو نصر الحميدي وموفق بن احمد وابو رزين في جامع الصحاح والامام احمد والطبراني عن ام سلمة ، والطبري والثعلبي في تفسيريهما وعبد الله الشافعي في مناقبه والطبراني في المعجم الكبير وابن أبي بكر في مجمع الزوائد والزرندي في نظم درر السمطين والهيثمي في الصواعق وابن حسنويه في درر بحر المناقب والجري في المناقب والبدخشي في مفتاح النجا والقارى في أربعين حديثا والنبهاني في الأنوار المحمدية والواحدي في اسباب النزول والقندوزي في ينابيع المودة والأمر تسرى في أرجح المطالب والقسطلاني في المواهب اللدنية والخمراوي في مشارق الأنوار والنبهاني في الشرف المؤيد والذهبي في تاريخ الإسلام ـ كلهم عن أبي سعيد الخدري عنه (صلى الله عليه وآله وسلم).

(١) حيث التقييد باهل بيت الرسول روحيا كما هو بدنيا لا يناسب اطلاق «اهل البيت ، وبيت الرسالة المحمدية هنا قضية الإطلاق وسائر البراهين القاطعة.

(٢) الدر المنثور ٥ : ١٩١ عن ضحال بن مزاحم ان نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقول : ... أقول «كان يقول» دليل استمراره في قوله هذا وقد اخرج عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) نزولها في الخمسة محمد بن جرير الطبري في خمسة عشر رواية عن شهر بن حوشب عن ام سلمة والسيوطي في التفسير في عشرين رواية والثعلبي عن أبي سعيد الخدري عنها وعن أبي هريرة وعبد الله بن وهب بن زمعة وعمر بن أبي سلمة عنها ومسلم بن الحجاج والبخاري وسائر الصحاح عنها والثعلبي في ـ

١١٦

ولقد اجمع اصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والتابعون ، واتباعهم ، وأئمة الحديث ، والمفسرون في تواتر صارم لا قبل له ولا مثيل بين متواتر الحديث ، أجمعوا على نزول آية التطهير في أهل بيت النبوة ، وقد يربو روات حديث التطهير ألفا مما يجعله كآيته في التواتر الصارم!

ومن المروي عنهم فاطمة الزهراء (عليها السلام) (١) بنت الرسول

__________________

ـ تفسيره بتسعة طرق وابو نصر الحميدي وموفق ابن احمد صدر الائمة وابو رزين في جامع الصحاح كل عن ام سلمة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) والامام احمد والطبراني عنها وكذلك عن عائشة بعدة طرق ، وعشرات وعشرات اخرى من الحفاظ ورجالات الحديث لحد يجعل نزولها في الخمسة أقوى من نزولها في الاربعة!

(١) وقد روي عنها حديث الكساء المشهور ، أخرجه عن جابر بن عبد الله الانصاري جماعة كالشيخ البحراني صاحب العوالم يقول رأيت بخط الشيخ الجليل السيد هاشم البحراني عن السيد ماجد البحراني عن الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد عن المقدس الاردبيلي عن علي بن عبد العالي الكركي عن الشيخ علي بن هلال الجزائري عن الشيخ احمد بن فهد الحلي عن الشيخ علي بن الخازن الحائري عن الشيخ ضياء الدين علي بن الشهيد الاول عن أبيه عن فخر المحققين عن العلامة الحلي عن المحقق الحلي عن ابن نما الحلي عن محمد بن إدريس الحلي عن أبي حمزة الطوسي عن محمد بن شهر آشوب عن الطبرسي صاحب الاحتجاج عن الشيخ حسن بن محمد الطوسي عن أبيه شيخ الطائفة الطوسي عن الشيخ المفيد عن ابن قولويه القمي عن الكليني عن علي بن ابراهيم القمي عن ابراهيم بن هاشم عن احمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي عن قاسم بن يحيى الجلاء الكوفي عن أبي بصير عن ابان بن تغلب عن جابر بن يزيد الجعفي عن جابر بن عبد الله الانصاري انه قال : سمعت فاطمة الزهراء (عليه السلام) انها قالت : دخل علي أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في بعض الأيام فقال : السلام عليك يا فاطمة! فقلت : وعليك السلام يا أبتاه فقال : اني لأجد في بدني ضعفا فقلت له : أعيذك بالله يا أبتاه من الضعف فقال : يا فاطمة ايتيني بالكساء اليماني وغطيني به وصرت انظر اليه فإذا يتلألأ كأنه البدر في ليلة تمامه وكماله فما كانت الا ساعة وإذا بولدي الحسن (عليه السلام) قد اقبل فقال السلام عليك يا أماه فقلت وعليك السلام يا قرة عيني وثمرة فؤادي فقال لي : يا أماه! اني أشم عندك رائحة طيبة ـ

١١٧

__________________

ـ كأنها رائحة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت نعم يا ولدي ان جدك تحت الكساء فاقبل الحسن (عليه السلام) نحو الكساء وقال : السلام عليك يا جداه يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! أتأذن لي ان ادخل معك؟ فقال : وعليك السلام يا ولدي وصاحب حوضي قد أذنت لك فدخل معه تحت الكساء فما كانت الا ساعة فإذا بولدي الحسين (عليه السلام) قد اقبل وقال : السلام عليك يا أماه! فقلت وعليك السلام يا قرة عيني وثمرة فؤادي فقال لي : يا أماه! اني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت : نعم يا بني ان جدك وأخاك تحت الكساء فدنى الحسين (عليه السلام) نحو الكساء وقال : السلام عليك يا جداه السلام عليك يا من اختاره الله أتأذن لي ان أكون معكما تحت هذا الكساء؟ فقال : وعليك السلام يا ولدي ويا شافع امتي قد أذنت لك فدخل معهما تحت الكساء فاقبل عند ذلك ابو الحسن علي بن أبي طالب (عليه السلام) وقال : السلام عليك يا فاطمة يا بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت وعليك السلام يا أبا الحسن ويا امير المؤمنين (عليه السلام) فقال : يا فاطمة اني أشم عندك رائحة طيبة كأنها رائحة اخي وابن عمي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقلت نعم ها هو مع ولديك تحت الكساء فاقبل علي نحو الكساء وقال : السلام عليك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتأذن لي ان أكون معكم تحت الكساء قال له وعليك السلام يا اخي وخليفتي وصاحب لوائي في المحشر نعم قد أذنت لك فدخل علي تحت الكساء ثم أتيت نحو الكساء وقلت السلام عليك يا أبتاه يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أتأذن لي ان أكون معكم تحت الكساء قال لي وعليك السلام يا بنيتي ويا بضعتي قد أذنت لك فدخلت معهم فلما اكتملنا واجتمعنا جميعا تحت الكساء فأخذ أبي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بطرفي الكساء وأومى بيده اليمنى الى السماء وقال : اللهم ان هؤلاء اهل بيتي وخاصتي وهامتي لحمهم لحمي ودمهم دمي يؤلمني ما يؤلمهم ويحزنني ما يحزنهم انا حرب لمن حاربهم وسلم لمن سالمهم وعدو لمن عاداهم ومحب لمن أحبهم وانهم مني وانا منهم فاجعل صلواتك وبركاتك ورحمتك وغفرانك ورضوانك علي وعليهم واذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا فقال عز ـ

١١٨

__________________

ـ وجل : يا ملائكتي ويا سكان سماواتي اني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا فلكا تسري ولا بحرا يجري الى لمحبة هؤلاء الخمسة الذين هم تحت الكساء فقال الأمين جبرئيل يا رب ومن تحت الكساء؟ فقال الله عز وجل: هم اهل بيت النبوة ومعدن الرسالة وهم فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها فقال جبرئيل يا رب أتأذن لي ان اهبط الى الأرض لأكون معهم سادسا فقال الله عز وجل : قد أذنت لك فهبط الأمين جبرئيل وقال لابي : السلام عليك يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) العلي الأعلى يقرئك السلام ويخصك بالتحية والإكرام ويقول لك : وعزتي وجلالي اني ما خلقت سماء مبنية ولا أرضا مدحية ولا قمرا منيرا ولا شمسا مضيئة ولا فلكا يدور ولا بحرا يجري ولا فلكا تسرى إلا لأجلكم ومحبتكم وقد اذن لي ان ادخل معكم فهل تأذن لي أنت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال أبي وعليك السلام يا أمين وحي الله نعم قد أذنت لك فدخل جبرئيل معنا تحت الكساء فقال جبرئيل لابي ان الله قد اوحى إليكم يقول : انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيرا فقال علي (عليه السلام) يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اخبرني ما لجلوسنا هذا تحت هذا الكساء من الفضل عند الله فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل اهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا الا ونزلت عليهم الرحمة وحفت بهم الملائكة واستغفرت لهم الى ان يتفرقوا فقال علي (عليه السلام) : إذا والله فزنا وفاز شيعتنا ورب الكعبة فقال أبي يا علي! والذي بعثني بالحق نبيا واصطفاني بالرسالة نجيا ما ذكر خبرنا هذا في محفل من محافل اهل الأرض وفيه جمع من شيعتنا ومحبينا وفيهم مهموم الا وفرج الله همه ولا مغموم الا وكشف الله غمه ولا طالب حاجة الا وقضى الله حاجته فقال علي (عليه السلام) : إذا والله فزنا وسعدنا وكذلك شيعتنا فازوا وسعدوا في الدنيا والآخرة برب الكعبة».

أقول : ورواه مثله الا في بعض المكررات الشيخ فخر الدين الطريحي في كتابه المنتخب الكبير والديلمي في الغرر والدرر والحسين العلوي والدمشقي الحنفي والشيخ محمد جواد الرازي الكني في نور الافاق ص ٤ وقد نظمه جماعة من نوابغ الأدب من أصحابنا وإخواننا منهم ابو المعز السيد محمد بن السيد مهدي القزويني والسيد هاشم بن المحسن اللعيبي الموسوي والسيد محسن الأمين الحسين العاملي الدمشقي صاحب اعيان الشيعة والشيخ احمد الشافعي على ما في المشارق للعدوي والشيخ يوسف النبهاني البيروتي والسيد محمد بن عبد المحسن المحيوي الخلوتي الدمشقي في ديوانه وتؤيد حديث الكساء الروايات التي تقول جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى فاطمة كما أخرجه ـ

١١٩

(صلى الله عليه وآله وسلم) وعائشة وام سلمة وزينب من أزواجه ، وكافة أئمة اهل البيت (عليهم السلام). (١)

__________________

ـ ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر والطبراني وابن أبي حاتم والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع قال : جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى فاطمة ومعه علي وحسن وحسين حتى دخل .. واخرج سبط ابن الجوزي عن واثلة قال : أتيت فاطمة (عليها السلام) اسألها عن علي فقالت : توجه الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فجلست انتظره فإذا برسول الله قد اقبل ومعه علي والحسن والحسين قد أخذ بيد كل واحد منهم وقليل هذه الروايات التي تقول ان القصة كانت في بيت غير فاطمة ، فانها بين مطلقة وما تدل انها كانت في بيتها. ولفظة «خرج (صلى الله عليه وآله وسلم) في رواية عائشة في الأكثر دليل ان القصة ما كانت في بيت عائشة كما رواه عنها ابن مسعود الشافعي مصابيح السنة والزمخشري في الكشاف وابن جرير في تفسيره وابن حجر في الكافي الشاف في تخريج أحاديث الكشاف والدشتكي الشيرازي في روضة الأحباب ومسلم في صحيحه واخرج ابن أبي شيبة واحمد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في سننه عن واثلة بن الأسقع قال : جاء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الى فاطمة ومعه علي وحسن وحسين حتى دخل ... شو النيسابوري في المستدرك ٢ : ٤١٦ عن واثلة قال : جئت أريد علي ... والقندوزي في ينابيع المودة ٢٢٩ عن واثلة قال : دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على بيت فاطمة ... أقول والرواية عن واثلة في كلمة واحدة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جاء الى بيتها!

(١) ومن أصح ما أسند الى عائشة ما يروى عن مجمع انه دخل مع امه عليها بعد مقتل الامام علي (عليه السلام) فسألتها عن علي (عليه السلام) فقالت : تسأليني عن أحب الناس الى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد رأيت عليا وفاطمة وحسنا وحسينا وجمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بثوب عليهم ثم قال : اللهم هؤلاء اهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا» قلت : وانا من اهل بيتك؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : تنحي أنت على مكانك انما أراد الله بهذه الآية انا وعليا وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) رواه الثعلبي في تفسيره بإسناد متصل الى مجمع الحارثي والبخاري ومسلم من مسند عائشة وابن أبي شيبة واحمد ـ

١٢٠