الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٢

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢٢

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٢٤

أم وكل تقلّباته وتحولاته الحيوية في الساجدين وهم كل المؤمنين معه ، والآية تتحمل مربعة المعاني أدبيا ومعنويا.

(هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ ٢٢١ تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ ٢٢٢ يُلْقُونَ السَّمْعَ وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) ٢٢٣.

أجل إن الشياطين لا تتنزل إلّا على الشياطين وهم كل أفاك أثيم ، دون المؤمنين الصادقين ، ولا سيما المخلصين : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ) (٣٨ : ٨٣).

والإفك هو قلب الخبر إلى غير واقعة ، فالأفّاك هو المقلّب ، والأثيم هو الفعال لكل اثم وقبيح ذميم.

(يُلْقُونَ السَّمْعَ) تسمّعا واستراقا دون سماع صادق مسموح ، فلذلك : (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) فيما ينقلون عن الملإ الأعلى.

ولأن «السمع» تعم المصدر والمفعول ، فمصدره يعني إلقاء التسمّع إلى الملإ الأعلى ، ومفعوله يعني إلقاء ما سمعوه منه إلى شياطينهم ، (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) في تسمعهم وإسماعهم ، وقد يعني يلقون ـ الى ما عناه ـ (كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) ـ (يُلْقُونَ السَّمْعَ) إلى هؤلاء الشياطين دونما تثبت فيما يسمعون (وَأَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) فيما ينقلون ، وحتى القليل الصادقين في سمعهم إنما ينقلون ما يسمعون من الكذب ، ونقل الكذب كذب مهما كان صدقا في النقل.

وفي صيغة «يلقون» لمحة باهرة أنهم كانوا يسمعون بسمعهم دون أنفسهم بعقولهم وقلوبهم ، ففي إلقاءهم سمعهم إلغاءه بانقطاع صلته عن نفوسهم ، ولا سيما (كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ) يحوّلون أسماعهم إلى الشياطين بغير حساب ، ومثله ك (يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ) ـ «إذ تلقون بألسنتكم» عناية إلى

١٢١

إلغاء الألسنة والأسماع عن الرباط بالعقول والأفكار ، يقول ويسمع دون تعقل وتفكير.

وإذا كان (أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) يعني كلا الملقين والملقى إليهم ، سقط القول : كيف (أَكْثَرُهُمْ كاذِبُونَ) والشياطين كلهم كاذبون فيما يقولون أو ينقلون ، مهما خلطوا صدقا إلى كذبهم؟ حيث الأكثر يعني الملقى إليهم فيما ينقلون.

ولأننا لا نجد إفكا ولا إثما في هذا النبي الكريم ، ولا كذبا في قرآنه العظيم ، فليس إذا مما تنزل به الشياطين ، فصدق القرآن بوحيه الأمين ، هو من القضايا التي قياساتها معها دون حاجة إلى برهان آخر ، بل هو البرهان لكل برهان ، والشاهد لكل حق.

(وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) ٢٢٤.

جواب آخر عن فرية أخرى أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) (شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (٥٢ : ٣٠) يخيّل بشعره إلى الناس كلّ ما يقوله كأنه حق يوحى إليه ، حيث الشعر باب من السحر.

وترى من هم الشعراء؟ وما هو الشعر؟

الشعر لغويا من الشّعر : الدقة واللطافة في الإدراك ، ويقال لما يقابل النثر حيث يجمع إلى لطائف المعاني وحقائقها لطائف الأوزان ودقائقها ، وقد يضل المعنى الحق بين الأمرين فيضل ، ويقال لكل واحد ايضا شعر ، معنى دقيق دون وزن الشعر ، وزن الشعر دون معنى دقيق ، والجامع للأمرين هو الشعر المطلق وأحدهما مطلق الشعر.

١٢٢
١٢٣

«والشعراء» من النوع الأول هم غاوون و (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) حيث يذهبون في أقوالهم المذاهب المختلفة ، ويسلكون الطرق المتشعبة ، يهبون مع كل ريح ، ويطيرون بكل جناح ، فيرتكبون أي جناح ، تابعين لكل قائد ، ومجيبين لكل ناعق ، سلسوا القياد لمن يجرّهم ، متصرفين في وجوه الكلام من مدح وذم واستزادة وعتب وغزل ونسيب ورثاء وتشبيب ، أودية متشعبة وسبل مختلفة في الشعر فيها يهيمون :

(أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ٢٢٥ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) ٢٢٦.

الهيمان هو الذهاب على وجه الاسترسال دونما حساب ، كما وهيمان الحب هو المسترسل ، منه فوصفهم بالهيمان فرط مبالغة في صفتهم بالذهاب في أقطارها ، والإبعاد في غاياتها ، والهيمان صفة من صفات من لا مسكة له ولا رجاحة معه ، فهي مخالفة لصفات ذي الحلم الرزين ، والعقل الرصين. ومن طبيعة الشعراء استرسال القول دون حساب في كل الوديان ، «وفي كل مذهب يذهبون» (١) ، وفق الانفعالات المسيطرة عليهم تحت وقع الدوافع الأحيانية والمؤثرات المصحلية الآنية.

يهيمون في كل الوديان حقا وباطلا ، ويتلونون بكل الألوان حسب المصلحيات الوقتية ، والشهوات الأصلية والجانبية ، فلذلك (يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ) أمثالهم ، ثم : (وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) نفاقا عارما بين أقوالهم المفرطة والمفرّطة ، وبين أفعالهم ، إذ

__________________

(١) نور الثقلين ٤ : ٧٢ القمي في قوله جل ذكره : «أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ» يعني : يناظرون بالأباطيل ويجادلون بالحجج المضلين وفي كل مذهب يذهبون وانهم يقولون ما لا يفعلون؟ قال : ...

١٢٤

يعيشون في عالم من الخيالات والشهوات ، فيؤثرونها على واقع الحياة والواقعيات ، فيلقون القول مسترسلين دونما ضابطة أو رابطة إلّا ما تهواهم أنفسهم «يعظون الناس ولا يتعظون ، وينهون عن المنكر ولا ينتهون ، ويأمرون بالمعروف ولا يعملون» (٥٢).

طبيعة الإسلام وهي الواقعية المطلقة والحقيقية المرسلة لا تلائمها طبيعة الشعراء الخياليين الهائمين في كل واد ، حيث الإسلام يحرّض على تصديق الحقائق وتحقيقها ، دون تهرّب منها إلى وهميات ، وليست معارضة الإسلام للشعر والشعراء إلّا في هذين البعدين البعيدين عن الواقعية المطلوبة : (أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ ، وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ) وهما من خلفيات عدم الايمان وعدم الثبات على خط الحق والواقع المصاب.

واما الشعر المستقر على الحق ، المتبنّي إبطال الباطل وتحقيق الحق النابع عن الإيمان ، البعيد عن التخيلات والوهميات وعن كل تفريط وإفراط ، فلا يعارضه الإسلام بل ويحرّض عليه.

فكما يقول الرسول عن الشعر : «لإن يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من ان يمتلئ شعرا» (١) ، كذلك هو يقول جوابا عن : ماذا تقول في الشعراء؟ : ان المؤمن مجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأنما

__________________

(١) الدر المنثور ٥ : ٩٩ ـ اخرج ابن أبي شيبة واحمد عن أبي سعيد قال بينما نحن نسير مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ عرض شاعر ينشد فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : ...

١٢٥

ينضخونهم بالنبل» (١) وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) لحسان بن ثابت أهج المشركين فإن جبريل معك» (٢) وقال : «ان من الشعر حكمة» (٣)

وكما الله يقول : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ٢٢٧.

مواصفات اربع تستثني من الشعراء ، الموصوفين بها ، وهي الايمان وعمل الصالحات وذكر الله كثيرا والإنتصار من بعد الظلم ، والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يتلوا آية الاستثناء على أصحابها (٤).

__________________

(١) نور الثقلين ٤ : ٧٠ المجمع عن الزهري قال حدثني عبد الرحمن بن كعب بن مالك ان كعب قال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ماذا تقول في الشعراء؟ ...

(٢) الدر المنثور ٥ : ١٠٠ ـ اخرج ابن مردويه عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ...

(٣) المصدر اخرج ابن سعد وابن أبي شيبة عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ... وفيه اخرج عن ابن أبي شيبة عن ابن مسعود عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : ان من الشعر حكما وان من البيان سحرا.

(٤) الدر المنثور اخرج عن أبي حسن سالم البراد قال : لما نزلت (وَالشُّعَراءُ ..) جاء عبد الله بن رواحة وكعب بن مالك وحسان بن ثابت وهم يبكون فقالوا : يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لقد انزل الله هذه الآية وهو يعلم أنّا شعراء أهلكنا؟ فانزل الله (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ...) فدعاهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فتلاها عليهم ، وفيه اخرج أحمد والبخاري في تاريخه وأوب يعلى وابن مردويه عن كعب بن مالك انه قال للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الله قد انزل في الشعر ما انزل فكيف ترى فيه؟ فقال : ان المؤمن يجاهد بسيفه ولسانه والذي نفسي بيده لكأنما بوجههم مثل نفج النبل.

١٢٦

هنا (وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) يعني في شعر وسواه ليذهب بفضاضته ، كما (وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) تجعل الشعر ذريعة للانتصار لمن ظلم ، ولا تخص «ظلموا» ظلما شخصيا بالشاعر ، أم وبمن يحبه واكثر من نفسه كالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ومن يحذو محذاه ، أو وبأحرى أحب من كل محبوب وهو الله ، هتكا لساحة الألوهية أو الرسالة أو الإمامة أو الايمان أم أيا كان من ظلم حيث يرجع إلى الشاعر فهنالك (انْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا) دون إفراط أو تفريط وإنما جزاء وفاقا.

وقد «قيل يا رسول الله ان أبا سفيان بن الحرث بن عبد المطلب يهجوك فقام ابن رواحة فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ائذن لي فيه ، قال : أنت الذي تقول : ثبت الله؟ قال : نعم يا رسول الله ، قلت : ثبت الله ما أعطاك من حسن* تثبيت موسى ونصرا مثل ما نصرا (١)

__________________

(١) الدر المنثور ٥ : ١٠٠ ـ اخرج ابن سعد عن البراء بن عازب قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : ... قال : وأنت يفعل الله بك مثل ذلك ثم وثب كعب فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ائذن لي فيه فقال : أنت الذي تقول : همت؟ قال : نعم يا رسول الله قلت :

همت سخينة ان تغالب ربها

فليغلبني مغالب الغلاب

* قال : أما ان الله لم ينس ذلك لك ثم قام حسان الحسام فقال يا رسول الله ائذن لي فيه واخرج لسانه اسود فقال يا رسول الله ائذن لي فيه فقال : اذهب الى أبي بكر فليحدثك حديث القوم وايامهم وأحسابهم واهجم ومعك جبريل.

وفيه اخرج ابن سعد عن ابن سيرين قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليلة وهم في سفر ابن حسان بن ثابت فقال لبيك يا رسول الله وسعديك قال أحد فجعل ينشده ويصغي إليه حتى فرغ من نشيده فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لهذا أشد عليهم من وقع النبل.

١٢٧

اجل وحماية اعراض المسلمين هي تلو حماية عقيدة التوحيد والرسالة والإمامة وقد أمر بها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) (١).

فهؤلاء الكرام ليسوا داخلين في الوصف العام للشعراء حيث امتلأت قلوبهم من عقيدة الأيمان واستقامت حياتهم على منهجه ، فلا يعملون إلّا الصالح ولا يقولون إلّا الجميل ، فتظهر سلبية الايمان «لا إله» وايجابيته «إلّا الله» في نثرهم وشعرهم.

والمذكورون هنا قد نافحوا عن العقيدة في إبّان المعركة المصيرية الضارية مع الشرك على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فاذن لهم ان يهجوهم.

وهذه ضابطة سارية ان الشعر حين ينبع عن التصور الإسلامي والعقلية الإسلامية السامية ، يعتبر من الأعمال الصالحة الايمانية ـ وأحيانا في قمتها.

(.. وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) ٢٢٧.

(سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) (٥٤ : ٢٦) والمستقبل المفهوم من أداته هنا ليس بذلك البعيد في القيامة الكبرى فحسب ، بل في البرزخ والرجعة وقبلهما ايضا ، فان الله يجازي الظالم هنا كما يجازيه في الأخرى ، مهما كان فيها الأوفى.

__________________

ـ وفيه اخرج ابن سعد عن مدرك بن عمارة قال قال عبد الله بن رواحة قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف تقول الشعر إذا أردت ان تقول كأنه يتعجب لذاك؟ قلت : انظر في ذاك ثم أقول ، قال : فعليك بالمشركين.

(١) المصدر اخرج ابن سعد عن جابر ابن عبد الله قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من يحمي اعراض المسلمين؟ فقال عبد الله بن رواحة : انا وقال كعب بن مالك : انا ، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : أنت تحسن الشعر وقال حسان بن ثابت : انا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أهجم فان روح القدس سيعينك.

١٢٨

فقد ختمت السورة بمثل ما ابتدأت به : (فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ، و «منقلب» مصدر ميمي واسم زمان ومكان ، فهو الانقلاب نفسه وزمانه ومكانه كما كان (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً).

و «آل محمد حقهم» في بعض الروايات لا تعني أنها كانت في القرآن ثم حذفت ، بل هي تفسير تطبيقي بأبلغ مصاديق الظلم! ولا يعني «آل محمد» إلا محمدا وآله عليهم السلام ، أم هم فحسب كمصداق أهم ثان بعد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

وقد تلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الآية كما هيه (١) برواية اهل البيت فليست إلا هيه حسب القراءة المتواترة ان الظالمين سيعلمون منقلبهم علم اليقين وحقه ورد العذاب ولات حين متاب.

__________________

(١) تفسير البرهان ٣ : ٢٩٤ ـ ابن بابويه قال حدثنا محمد بن علي ماجيلويه قال حدثنا علي عن أبيه عن علي بن معبد عن الحسين بن خالد عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن أبيه عن آبائه (عليهم السلام) قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من أحب ان يتمسك بديني ويركب سفينة النجاة بعدي فليقتد بعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وليعاد عدوه وليوال وليه فانه وصيي وخليفتي على أمتي في حياتي وبعد وفاتي وهو أمير كل مسلم وأمير كل مؤمن بعدي قوله قولي وأمره أمري ونهيه نهيي وتابعه تابعي وناصره ناصري وخاذله خاذلي ثم قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : من فارق عليا (عليه السلام) بعدي لم يرني ولم أره يوم القيامة ومن خالف عليا (عليه السلام) حرم الله عليه الجنة وجعل مأواه النار ومن خذل عليا خذله الله يوم يعرض عليه ومن نصر عليا (عليه السلام) نصره الله يوم يلقاه ولقنه حجته عند المنازلة ثم قال : الحسن والحسين اماما امتي بعد أبيهما وسيدا شباب أهل الجنة وأمهما سيدة نساء العالمين وأبوهما سيد الوصيين وولد الحسين تسعة أئمة تاسعهم القائم من ولدي طاعتهم طاعتي ومعصيتهم معصيتي الى الله أشكو المنكرين لفضلهم والمضيعين لحقهم بعدي وكفى بالله وليا وكفى بالله نصيرا لعترتي وأئمة امتي ومنتقما من الجاحدين لحقهم (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

١٢٩
١٣٠

سورة النمل مكية

وآياتها ثلاث وتسعون

١٣١
١٣٢

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (٣) إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ (٤) أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ (٥) وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)(٦)

تتسمى هذه السورة باسم قهرمانتها : «النمل» المنقطعة النظير ذكرا في الذكر الحكيم ، وقولا يخرق العادة الجارية ان الحيوان لا تنطق ، بلى وكما (قالَتْ نَمْلَةٌ ... فَتَبَسَّمَ ضاحِكاً مِنْ قَوْلِها ..)! وانها من الطواسين الثلاث

١٣٣

وتنقصها عن أختيها «م» المذكورة في الشعراء والقصص.

(تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ) ١.

«تلك النازلة في مثلث الزمان من الآيات المفصلات هي (آياتُ الْقُرْآنِ) وهو جملة الآيات وهي أبعاضه (وَكِتابٍ مُبِينٍ) علّه النازل عليه ليلة القدر من حكيمة دون تفصيل ، فانه يبين تفصيله في هذه الآيات ، وهو أمّ الكتاب لدى الله ، فانه يبين محكمه للرسول ثم تفصيله إلى العالمين.

وعلّه عبارة أخرى عن القرآن ، فانه مبين نفسه بنفسه ومبين رسالة من جاء به ، أم وهو نبي القرآن حيث «كان خلقه القرآن» وكما يقال عنه «أنا القرآن والسبع المثاني وروح الروح بل روح المعاني» كما و (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) وكتاب حياة الرسول الرسالية مبين إشاراته ولطائفه وحقائقه ، إبانة علمية وواقعية ، فانه (صلى الله عليه وآله وسلم) تفسير واقعي للقرآن مع ما يفسره علميا!.

اجل «تلك» البعيدة المدى ، القريبة الهدى ، من حروفها الرمزية ك «طس» وآياتها البينات المبينات ، هي (آياتُ الْقُرْآنِ) المقروّ على أسماع العالمين من إرسالية رسالية عليا لخاتم المرسلين (وَكِتابٍ مُبِينٍ).

(هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) ٢.

ليس (هُدىً وَبُشْرى) بل هو ككل بمادته وماهيته (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) به ، فلو ان للهدى والبشرى المصدرين مثالا واقعيا لكان هو القرآن لا سواه ، فانه خالص الهدى والبشرى. ولماذا ـ فقط ـ «للمؤمنين»؟ وهو «هدى للناس ـ و ـ للعالمين» أجمعين!

إنه «بشرى» دون ريب ـ فقط ـ للمؤمنين ، إذ لا يبشّر الكافرون وانما هم المنذرون ، وأما «هدى» فهي هنا تعني «هدى» في مثلثها : هدى أولى

١٣٤

هي طبيعتها لحاملها ، حيث يتحرّى عن هدى الله فيصل إلى القرآن وهو قمتها ، وهدى ثانية هي حصيلة الأولى حيث يعيشها في القرآن تخلقا به علميا ومعرفيا وعمليا ، ثم ثالثة هي حصيلة الايمان بالقرآن والتدبر في آيه الكريمة.

ف «هدى» هنا «للمؤمنين» هي على غرار وقرار (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ) ، فالقرآن هدى في مثلثها للمؤمنين المتقين (الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) واما الذين في قلوبهم زيغ فليس لهم هكذا هدى ، وانما دلالية وهم لا يتحرونها ، وهي في كل زواياها وحواياها ـ ولا سيما الزاوية القمة ـ حقيقة عميقة ضخمة ، فانه ليس ـ فقط ـ كتاب تفلسف ونظر بل هو في أصله كتاب القلوب والأنفس : (وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً) (٤ : ٦٣) فيسكب هداه على قلوب المهتدين ، حيث يتلقونه بالايمان واليقين ، وكلما كان القلب أندى والفؤاد أهدى ، أدرك صاحبه من هداه أندى وأهدى.

ليس مفتاح تفهم القرآن ـ فقط ـ الصلاحات المكرورة ، وإتقان الأدب لغويا ونحويا ، بل هو القلب المفتوح ، الفاضي عما سوى الله ، الفائض بنور معرفة الله ، فلن تفتح كنوز القرآن ـ بعد المفاتيح الظاهرة ـ إلّا بمفتاح الايمان ، إذا فهو (هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ) على قدر ايمانهم وايقانهم بوحي القرآن.

وليس المؤمنون هم الذين يؤمنون ـ فقط ـ بقلوبهم فلا يظهر في اعمالهم ، عبادة لله وخدمة وعونا لعباد الله ، بل هم :

(الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) ٣.

هنا يتوسط كلّ ما بين المبدء والمعاد عمليا بين المبدء : «للمؤمنين»

١٣٥

فان قمة الايمان هي الايمان بالله ، والمعاد : (وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) جمعا بين الأصول القمة والفروع القمة ، فالصلاة هي القمة بين الواجبات العبادية ، والزكاة قمة بين الواجبات الخلقية.

ولماذا (هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ) بدلا عن أخصرها «وبالاخرة»؟ لأن الايمان بالمبدء ، الظاهر في التصديق بالوحي ، الناتج عنه إقام الصلاة وإيتاء الزكاة ، هو الدافع للإيقان بالآخرة ، كما الإتيان بها يدفع إلى أعمال الايمان ، فلا يؤمن بالآخرة إلا المؤمن بالله وبوحي الله دون سواه ، فإذ لا مبدء لا مجال للمعاد ، وإذ لا وحي فما هي فائدة المعاد؟!

كما الإيقان بالآخرة هو الذي يشغل بالهم بعد سائر الايمان ، ويصدهم عن جموع الشهوات الطائشة ، حيث يغمر أرواحهم بتقوى الله وينظّفها عن طغوى اللهو ، ويقابلهم تماما :

(إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ فَهُمْ يَعْمَهُونَ) ٤.

غير المؤمن بالآخرة ، مهما كان مؤمنا بالله ـ على زعمه ـ اعماله ـ بطبيعة الحال ـ سيئة ، ومن سوء حاله على سوء أعماله (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) ـ فهم يحسبون انهم يحسنون صنعا ، هنا (زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ) نسبة الفعل الى الله ، وفي غيرها (فَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ ..) (١٦ : ٦٣) وكيف يضيف الله الى نفسه فعلة الشيطان؟ وهو إغواء والله منه براء؟ إذ (قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ) (١٥ : ٣٩)! انه تعالى يزين لهم سوء أعمالهم سلبيا ألّا يصد الشيطان عن تزيينه ، وايجابيا انه يزيغ قلوبهم بما زاغوا : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) كما (خَتَمَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ) (٢ : ٧).

(فَهُمْ يَعْمَهُونَ) لذلك التزيين ، حائرين عن الهدى ، مائرين إلى

١٣٦

الردى ، عمي البصيرة بما تغامضوا عنها ، وقد تصبح النفس البشرية عمها عن اعمالها السيئة حين تخوض اللذات ولا تؤمن بالآخرة ، والنفوس مطبوعة على حب الملذات ، فتوجيها لها إلى حسنات ما لم تهتد بآيات الله ورسالاته البينات.

فكما النفس الانسانية مستعدة للاهتداء إن تفتحت لدلائل الهدى متحرية عنها ، كذلك هي مستعدة للعمه والعمى إن طمست منافذ الإدراك فيها : (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ ..) (٣٥ : ٨).

فالإيمان في أصله قيد الفتك ، والايمان بالآخرة بعد الايمان بالله هو الزمام الذي يكبح نزوات النفس وشهواتها ، تضمينا للقصد والاعتدال في الحياة الدنيا ، ليضمن الفلاح في الأخرى ، فالناكر للحياة الأخرى يظن الفرصة الوحيدة المتاحة له هي الحياة الدنيا ، فتتزين له كل الشهوات والنزوات كغنائم يغتنمها فيها فيميد فيها ويعمه ..

(أُوْلئِكَ الَّذِينَ لَهُمْ سُوءُ الْعَذابِ وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) ٥.

(سُوءُ الْعَذابِ) ليس هو الظلم في الحساب ـ وعوذا بالله ـ ف (لا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) وانما هو الحساب الدقيق الذي لا يبقي على أثر ، دون سماح فيه عن كبيرة ولا صغيرة ولا تخفيف (وَهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ) :

(قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً) (١٨ : ١٠٤).

(وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ)(٦) «لتلقى» تلقيا دون وسيط يكدّره ، وانما يلقّيك الروح الأمين كما يتلقّاه من رب العالمين ، تلقيا حكيما (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ) وعليما «من لدن

١٣٧

عَلِيمٍ».

وانه ليس ـ فقط ـ تلقيا للسمع ألفاظه وانما هو تلق للقلب حيث يتفأد به بنور الوحي : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ، عَلى قَلْبِكَ ..) (٢٦ : ١٩٣).

إذا فكما الملقّي للقرآن حكيم عليم ، كذلك الملقّى يصبح به حكيما عليما ، والروح الأمين الوسيط حكيم عليم ، وهما في الله الأصيل ، وفي الملقّى والملقّى به فرع ظرفا صالحا لتلقّيه.

ومن ذلك الظرف ـ كأصل ـ اللقيا المعرفية والعبودية حيث التلقي تلقّن بلقاء في تكلف وصعوبة ، فان تطهير القلب لحد يصلح لتلقي القرآن صعب مستصعب لا يحتمله أحد إلّا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أن يصّعد قلبه في لقاء ربه إلى أعلى القمم الممكنة لمن سوى الله ، و (مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ) دون «الله» ام سائر صفاته ، قد تلمح الى ان ذلك التلقي انما هو بتلقية حكيمة عليمة ربانية ، فالقرآن يحمل علما وحكمة ربانية ، فليلقّ ظرفا حكيما عليما ، وليكون نورا نازلا على نور ، وكما وسيط وحيه نور ، نور على نور يهدي الله لنوره من يشاء.

(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (٧) فَلَمَّا جاءَها نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَها وَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٨) يا مُوسى

١٣٨

إِنَّهُ أَنَا اللهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩) وَأَلْقِ عَصاكَ فَلَمَّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (١٠) إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ (١١) وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ (١٢) فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ (١٣) وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ)(١٤)

حلقة سريعة من الرسالة الموسوية تلقيا للوحي من النور النار في الشجرة ، تدليلا على ان تلقي القرآن ليس بدعا من تلقي الوحي ، فمن كان في ريب منه فليذكر :

(إِذْ قالَ مُوسى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ ناراً سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) ٧.

هنا «اهله» لا تعني ـ فقط ـ زوجته بنت شعيب ، بل ومعها غيرها من ولد وسواهم لمكان (سَآتِيكُمْ .. تَصْطَلُونَ) والجمع ولا سيما المذكر منه

١٣٩

لا يؤتى به لواحدة.

(إِنِّي آنَسْتُ ناراً ..) وحقيقة الإيناس هي الإحساس بالشيء من جهة يؤنس بها ويسكن إليها ، ويا له من إيناس بعد الإياس في قرّ الليل المظلم بوعثاء السفر ، وفي خبر انه في رجوعه من مدين ضل الطريق في ليلة ظلماء (١).

وقد كانت النيران توقد في البرية فوق البرية فوق المرتفعات لهدي السالكين في الليالي ، فظنها كأنها منها ، دون تأكّد فيها حيث (آنَسْتُ ناراً) ولا تنافيه (إِذْ رَأى ناراً ..) (٢٠ : ١٠) حيث الرؤية قد تكون إيناسا دونما اطمئنان ، فلذلك (سَآتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ ..) ترددا بين «خبر» علّه خبر السماء ، وبين (بِشِهابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) : استيقادا بصلاء شهاب قبس مقتبس من النار ، فالشهاب هو الشعلة الساطعة من النار المشتعلة ، والقبس هو المقبس منها.

وعلّ «لعلّكم» هنا تختص ب (آتِيكُمْ بِشِهابٍ قَبَسٍ) فعندئذ (لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ) وأما «خبر» ف «سآتيكم ..» كأنه متأكد هنا من خبر السماء في النار ، ام مطمئن اليه اكثر من اصل النار ، وقد ذكرت في طه كما هنا وبعكس الترتيب : (إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً) فقد تختص «لعليّ» بالأولى ، ثم «أو أجد» دون «نجد» ـ (عَلَى النَّارِ هُدىً) خارجة عن «لعلّي» كأنها متأكدة ام راجحة مطمئنة ، ثم النص (إِنِّي آنَسْتُ ناراً ..) دون «إنّا» ولو كانت هي

__________________

(١). نور الثقلين ٣ : ٣٧٣ عن الباقر (عليه السلام) في «آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ .. كان قد اخطأ الطريق.

١٤٠