الشيخ محمد الصادقي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٨
تشملها ، وهي في قمتها بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الائمة من آل الرسول (عليهم السلام).
أترى في هذه الدعاء أثرا من أثرة وكبرياء ، في أية مرحلة من مراحل إمامة التقوى؟ كلّا! وإنما هي تسابق في الخيرات ، وتزايد في الدرجات ، ففي سباق الخيرات بدرجاتها ليس لعباد الرحمن الاقتصار بأصل التقوى ، بل وقمتها التي هي بطبيعة الحال أسوة وإمامة لما دونها ممن دونهم ، كل كما يأهل (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).
فالسماح لهكذا دعاء لا يختص بذروة التقوى ، بل يعم كل السالكين في سبيل التقوى ، أن يجعلهم الله فيها لحدّ الإمامة لسائر المتقين ، الذين قصروا عن القمة ام قصّروا.
ميدان فسيح ، ومسرح فصيح لسباق التقوى (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) دون بخل وضنّة بسائر السالكين إلى الله ، وإنما تناصرا في هذه السبيل أئمة او مأمومين ، فلا يؤم المتقين من يأهل إلّا تكملة لسلوكهم ، ولا يأتمون بإمام لهم إلّا تكملة لسلوكهم ، فالركب كله في سبيل الله مهما كانوا درجات حسب القابليات والفاعليات.
ولماذا «إماما» واحدا وهم عدة؟ علّه لأن امامة المتقين واحدة الجذور ، كما المأمومين أمة واحدة : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (٢٣ : ٥٢) مهما كان الأئمة عدة.
ثم وإشارة قاصدة إلى ضرورة وحدة الإمامة المطلقة في كل عصر دون منازع ، مهما كان معه أئمة فروع يأتمون به ، هم أئمة لسواهم ، ف (فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)! لذلك نرى الرسولين موسى وهارون في صيغة مفردة (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)
نرى في هذه الدعاء (أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا) دون سواهم من الأقرباء والأنسباء ، مما يدل على مدى فرض المحبة والحنان أولا للأزواج ، ومن ثم ذرياتهم.
ولأن هذه الدعاء لا تختص من عباد الرحمن ـ فقط ـ قبيل الرجال ، وأن الزوج تشمل الزوجين ف «أزواجنا» تعم قبيلي الأزواج بعولة وزوجات ، بل وتعم أزواج التّقى وهم قرناء التقوى ، وكما «ذرياتنا» تعم ذريات الإيمان.
فأئمة التقوى يؤمنون قرناهم الأتباع ، وذرياتهم الأتباع ، فالأزواج هم الأولون والذريات هم الآخرون.
و «من» تخرج الدعاء عن استحالة الإجابة ، فليس كل الأزواج والذريات نسبيا وسببيا ممن يأهل ان يكون قرة أعين التقوى ، فهي إذا «تبعيضية ، كما وهي نشوية او سببية أن تحصل لنا من ناحيتهم وبسببهم قرة أعين ، وما أجملها جمعا لهذه الثلاث!.
و (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) تعني القرة الغرة في مسرح التقوى ، وهي من «القرّ» : البرد ـ مقابل الساخن ، فالعين الساخنة هي الباكية ، الحاكية عن كآبة ، ولا تبكي عين التقوى إلّا على الطغوى في (أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا)! والعين القرة هي البارة عن حرّ البكاء ، القريرة الغريرة الفرحة على ما ترى من تقوى (أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا)!
وذلك شعور فطري وفي موقف الإمامة ومسئولية القيادة الإيمانية ، أن يتطلب الإمام ويعمل ويسعى لبث القرة الغرة بين المؤتمين به.
و «أعين» منكرة دون «الأعين» لأنها تقصد أعينهم كمتقين لا كل الأعين الشاملة للطاغين ، ويؤيده قلة الجمع في «أعين» دون «عيون»
وهي جمع الكثرة ، فان أعين المتقين هي القلة.
(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً)(٧٦).
«أولئك» المتقين ، أئمة ومأمومين ، بأزواجهم وذرياتهم القرة أعين (يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ...).
هنا الصبر يعتبر كقمة وأساس لبنود التقوى الاثنى عشر ، فإنه صبر على الطاعة وصبر عن المعصية فيشملها كلها ، واما «الغرفة» بين نعيم الجنة فما هي؟ وما هو موقفها بينها حتى تختص بالذكر من بينها؟.
«الغرفة» هي الفعلة من الغرف : رفع الشيء وتناوله ، كما في غرفة الماء (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) (٢ : ٢٤٩) فالغرفة هي العلّيّة ، وهي هنا في الجنة ، علّيّة في جنات النعيم والرضوان ، الشاملة لكل نعيم الجنة روحية مادية أمّاهيه.
ومن «الغرفة» ـ (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) : علّيّة روحية في خضمّ النعيم «تحية» دعاء وتبشيرا بخلودهم في حياة الجنة «وسلاما» كلاما وغير كلام ، فإنهم هناك في دار السلام (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا) عطاء غير مجذوذ ، فإن جذاذ العطاء ليس حسنا كما يحق «ومقاما» قياما وزمانه ومكانه ومفعوله (١).
ومن الطريف الظريف أن هذه الدعاء وتلك الإجابة تاتي بعد واقع الصفات الإحدى عشر لعباد الرحمن ، مما يشير إلى أن ظرف الدعاء هو
__________________
(١) فانه يستعمل في مربع المعنى من الثلاثي المزيد.
مسير العبودية الصالحة بكل جدّ وسعي جادّ ، فليست الدعاء شغل البطالين بل هي زاد السالكين براحلة العبودية الصامدة.
كما ويشير إلى أن الدعاء هي من العبادة ، بل في قمتها حيث تتأخر عن سائر العبادة وكما يروى «الدعاء مخ العبادة» فمن يترك الدعاء فقد ترك مخ العبادة (... فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) :!
(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً)(٧٧).
الإعباء هو الاعتناء لثقل ووزان في المعتنى به ، ف «قل» لهم أجمعين (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) اعتناء بكم واعتبارا لكم (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) و «ما» نافية واستفهامية إنكارية : «لا يعبأ» او «لماذا يعبأ»؟ وهما معا معنيّان حيث هما معنيان متناسبان.
ثم «دعاءكم» قد يعني دعاء ربكم إياكم ، من إضافة المصدر إلى المفعول ، فلولا أنه دعاكم لهداه بما دعى ، وهداكم إياه بما هدى ، لم يكن ـ إذا ـ لكم عبء وثقل بمجرد أنكم إنسان ، فهذه الدعوة الربانية ، ولا سيما المحمدية «ربي» هي التي يعبّيكم فيعتني بكم ربي ، ثم (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) يخص من ترك دعاءه في هداه.
او يعني دعاءكم إياه من اضافة المصدر إلى الفاعل ، سواء دعاء العبادة ، ام دعاء الدعاء الالتماس والدعوة ، فلولا عبادتكم إياه ف (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ ...) ثم ولأن الدعاء هي مخ العبادة فلولاها ، (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ).
و (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) عبادة او دعاء (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) بربوبيته تركا لعبادته ، و «كذبتم» بفقركم وغناه تركا لدعائه ، (فَسَوْفَ يَكُونُ) ذلك التكذيب ـ
ايّا كان ـ «لزاما» لكم لا يفارقكم ، وهو منذ الآن لزام ، ولكنه غير ظاهر إلّا لأهله ، أو أنه قد ينفصل بتوبة ودعاء ، ولكنه منذ الموت حتى القيامة وفيها لزام لكم دون فراق.
وفي الحق إنّ معرفة الرب بالغنى المطلقة وهو يدعونا للدعاء : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ومعرفة النفس بالفاقة المطلقة ، لزامهما الدعاء عبادة ودعاء ، فتارك الدعاء مكذّب بفاقته بجنب الله ، ومكذب بوعده الاستجابة في الدعاء ، ومكذب بغناه تعالى ، فهو ـ إذا ـ يعيش ثالوث التكذيب بجنب الله (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً).
الفهرس
«سورة النور»
حد الزاني والزانية.......................................................... ١٠ ـ ٢٢
حرمة نكاح الانية للمسلم غير الزاني ، وإنكاح الزاني للمسلمة غير الزانيىة بنص القرآن ـ والنظر في الروايات والأقوال والإحتمالات عرضاً على القرآن................................................................... ٢٢ ـ ٣٦
حد القذف وتفاصيله ـ قذف الأزواج وتفاصيله ـ لا يجوز قتل الزوجة حين تراه تزني.. ٣٦ ـ ٦١
قصة الإفك بتفاصيله والأدب الإسلامي في كل إفك........................... ٦١ ـ ٧٤
إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة ..؟ خطوات الشيطان....................... ٧٥ ـ ٨٤
رمي المحصنات الغافلات ـ شهادة الأعضاء يوم بقوم الأشهاد..................... ٨٤ ـ ٩١
آداب الدخول في البيوت ـ وحتى الرسول (ص) كان يستأذن إبنته! فان لم تجدوا فيها احداً؟ أم بيوت غير مسكونة لكم فيها متاع؟ ٩٣ ـ ١٠٥
«قل للمؤمنين بغضوا من أبصارهم ...» حدود الجاب الإسلامي والنظر إلى غير المحارم على ضوء القرآن والسنة في قول فصل ـ الطوائئف المستثناة من حرمة النظر ووجوب الحجاب وهم اثنتا عشرة.................... ١٠٥ ـ ١٣٠
أحكام في النكاح والإنكاح.............................................. ١٣٣ ـ ١٤٥
إكراه الفتيات على البغاء................................................ ١٤٦ ـ ١٤٨
آية النور في قول فصل ـ في بيوت اذن الله ...» «لبيت علي وفاطمة منها»؟... ١٥٠ ـ ١٨٣
جبال من برد؟ خلق كل دابة من ماء؟........................................... ١٩٤
المسؤوليات المتقابلة بين الولات والشعوب.................................. ٢٠٨ ـ ٢١٠
دعائم أربع للصالحين زمن الدولة المهدوية عجل الله تعالى فرجه نصوص من الكتب السماويى بحق هذه الدولة المباركة ٣٠١ ـ ٢٢٥
آداب إسلامية داخل البيوت بين الأهلين ـ أوقات الصلاة الخمسة مفصولة حسب القرآن والسنة ندباً مؤكداً ٢٢٨ ـ ٢٣٥
القواعد من النساء؟ البيوت الإحدي عشر التي يجوز الأكل منها دون اذن..... ٢٣٥ ـ ٢٤٨
واجب رعاية الأمور الجامعة عند الرسول (ص) ـ أدب دعاء الرسول........... ٢٥٠ ـ ٢٥٨
«سورة الفرقان» ما هو الفرقان؟ ودعوة نبي الفرقان العالمية؟................... ٢٨١ ـ ٢٦٧
«أعانة عليه قوم آخرون»! من هم؟ والفرقان نفسه دليل صدقه!................. ١٢ ـ ١٥
«وقال الظالمون ان تتبعون إلاّ رجلاً مسحوراً»! ومنهم مختلفوا الاحاديث انه سُحر ٢٨٣ ـ ٢٨٤
«ويوم يعض الظالم على يديه ..»؟ ومنهم المتخلفون عن باب مدينة علم الرسول (ص)! ٣٠٩ ـ ٣٠٧
القرآن المهجور؟ وفي الحوزات الإسلامية!................................... ٣٠٧ ـ ٣٠٩
«.. لولا نزّل جملة واحدة»؟ «لنثبت به فؤآدك»؟!......................... ٣١٥ ـ ٣١٧
«من اتخذ إلهه هواه ..» لا «هواه إلهه»؟! «إن هم الا كالانعام بل هم أضل ..» ٣٢٢ ـ ٣٢٦
«الم؟! تر الى ربك كيف مدّ الظل ..»؟.................................. ٣٢٦ ـ ٣٢٨
«التي عشر من ميزات عباد الرحمن ، «واجعلناه للمتقين إماماً»؟!............. ٣٢٨ ـ ٣٣٦
«ما يعيق بكم ربي لولا دعاءكم ..»...................................... ٣٤١ ـ ٣٤٢