الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢١

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢١

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٨

تشملها ، وهي في قمتها بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) مع الائمة من آل الرسول (عليهم السلام).

أترى في هذه الدعاء أثرا من أثرة وكبرياء ، في أية مرحلة من مراحل إمامة التقوى؟ كلّا! وإنما هي تسابق في الخيرات ، وتزايد في الدرجات ، ففي سباق الخيرات بدرجاتها ليس لعباد الرحمن الاقتصار بأصل التقوى ، بل وقمتها التي هي بطبيعة الحال أسوة وإمامة لما دونها ممن دونهم ، كل كما يأهل (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

فالسماح لهكذا دعاء لا يختص بذروة التقوى ، بل يعم كل السالكين في سبيل التقوى ، أن يجعلهم الله فيها لحدّ الإمامة لسائر المتقين ، الذين قصروا عن القمة ام قصّروا.

ميدان فسيح ، ومسرح فصيح لسباق التقوى (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ) دون بخل وضنّة بسائر السالكين إلى الله ، وإنما تناصرا في هذه السبيل أئمة او مأمومين ، فلا يؤم المتقين من يأهل إلّا تكملة لسلوكهم ، ولا يأتمون بإمام لهم إلّا تكملة لسلوكهم ، فالركب كله في سبيل الله مهما كانوا درجات حسب القابليات والفاعليات.

ولماذا «إماما» واحدا وهم عدة؟ علّه لأن امامة المتقين واحدة الجذور ، كما المأمومين أمة واحدة : (وَإِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً) (٢٣ : ٥٢) مهما كان الأئمة عدة.

ثم وإشارة قاصدة إلى ضرورة وحدة الإمامة المطلقة في كل عصر دون منازع ، مهما كان معه أئمة فروع يأتمون به ، هم أئمة لسواهم ، ف (فَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)! لذلك نرى الرسولين موسى وهارون في صيغة مفردة (إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعالَمِينَ)

٣٤١

نرى في هذه الدعاء (أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا) دون سواهم من الأقرباء والأنسباء ، مما يدل على مدى فرض المحبة والحنان أولا للأزواج ، ومن ثم ذرياتهم.

ولأن هذه الدعاء لا تختص من عباد الرحمن ـ فقط ـ قبيل الرجال ، وأن الزوج تشمل الزوجين ف «أزواجنا» تعم قبيلي الأزواج بعولة وزوجات ، بل وتعم أزواج التّقى وهم قرناء التقوى ، وكما «ذرياتنا» تعم ذريات الإيمان.

فأئمة التقوى يؤمنون قرناهم الأتباع ، وذرياتهم الأتباع ، فالأزواج هم الأولون والذريات هم الآخرون.

و «من» تخرج الدعاء عن استحالة الإجابة ، فليس كل الأزواج والذريات نسبيا وسببيا ممن يأهل ان يكون قرة أعين التقوى ، فهي إذا «تبعيضية ، كما وهي نشوية او سببية أن تحصل لنا من ناحيتهم وبسببهم قرة أعين ، وما أجملها جمعا لهذه الثلاث!.

و (قُرَّةَ أَعْيُنٍ) تعني القرة الغرة في مسرح التقوى ، وهي من «القرّ» : البرد ـ مقابل الساخن ، فالعين الساخنة هي الباكية ، الحاكية عن كآبة ، ولا تبكي عين التقوى إلّا على الطغوى في (أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا)! والعين القرة هي البارة عن حرّ البكاء ، القريرة الغريرة الفرحة على ما ترى من تقوى (أَزْواجِنا وَذُرِّيَّاتِنا)!

وذلك شعور فطري وفي موقف الإمامة ومسئولية القيادة الإيمانية ، أن يتطلب الإمام ويعمل ويسعى لبث القرة الغرة بين المؤتمين به.

و «أعين» منكرة دون «الأعين» لأنها تقصد أعينهم كمتقين لا كل الأعين الشاملة للطاغين ، ويؤيده قلة الجمع في «أعين» دون «عيون»

٣٤٢

وهي جمع الكثرة ، فان أعين المتقين هي القلة.

(أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً (٧٥) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقاماً)(٧٦).

«أولئك» المتقين ، أئمة ومأمومين ، بأزواجهم وذرياتهم القرة أعين (يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا ...).

هنا الصبر يعتبر كقمة وأساس لبنود التقوى الاثنى عشر ، فإنه صبر على الطاعة وصبر عن المعصية فيشملها كلها ، واما «الغرفة» بين نعيم الجنة فما هي؟ وما هو موقفها بينها حتى تختص بالذكر من بينها؟.

«الغرفة» هي الفعلة من الغرف : رفع الشيء وتناوله ، كما في غرفة الماء (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) (٢ : ٢٤٩) فالغرفة هي العلّيّة ، وهي هنا في الجنة ، علّيّة في جنات النعيم والرضوان ، الشاملة لكل نعيم الجنة روحية مادية أمّاهيه.

ومن «الغرفة» ـ (وَيُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَسَلاماً) : علّيّة روحية في خضمّ النعيم «تحية» دعاء وتبشيرا بخلودهم في حياة الجنة «وسلاما» كلاما وغير كلام ، فإنهم هناك في دار السلام (خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا) عطاء غير مجذوذ ، فإن جذاذ العطاء ليس حسنا كما يحق «ومقاما» قياما وزمانه ومكانه ومفعوله (١).

ومن الطريف الظريف أن هذه الدعاء وتلك الإجابة تاتي بعد واقع الصفات الإحدى عشر لعباد الرحمن ، مما يشير إلى أن ظرف الدعاء هو

__________________

(١) فانه يستعمل في مربع المعنى من الثلاثي المزيد.

٣٤٣

مسير العبودية الصالحة بكل جدّ وسعي جادّ ، فليست الدعاء شغل البطالين بل هي زاد السالكين براحلة العبودية الصامدة.

كما ويشير إلى أن الدعاء هي من العبادة ، بل في قمتها حيث تتأخر عن سائر العبادة وكما يروى «الدعاء مخ العبادة» فمن يترك الدعاء فقد ترك مخ العبادة (... فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً) :!

(قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْ لا دُعاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً)(٧٧).

الإعباء هو الاعتناء لثقل ووزان في المعتنى به ، ف «قل» لهم أجمعين (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي) اعتناء بكم واعتبارا لكم (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) و «ما» نافية واستفهامية إنكارية : «لا يعبأ» او «لماذا يعبأ»؟ وهما معا معنيّان حيث هما معنيان متناسبان.

ثم «دعاءكم» قد يعني دعاء ربكم إياكم ، من إضافة المصدر إلى المفعول ، فلولا أنه دعاكم لهداه بما دعى ، وهداكم إياه بما هدى ، لم يكن ـ إذا ـ لكم عبء وثقل بمجرد أنكم إنسان ، فهذه الدعوة الربانية ، ولا سيما المحمدية «ربي» هي التي يعبّيكم فيعتني بكم ربي ، ثم (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) يخص من ترك دعاءه في هداه.

او يعني دعاءكم إياه من اضافة المصدر إلى الفاعل ، سواء دعاء العبادة ، ام دعاء الدعاء الالتماس والدعوة ، فلولا عبادتكم إياه ف (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ ...) ثم ولأن الدعاء هي مخ العبادة فلولاها ، (ما يَعْبَؤُا بِكُمْ).

و (لَوْ لا دُعاؤُكُمْ) عبادة او دعاء (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ) بربوبيته تركا لعبادته ، و «كذبتم» بفقركم وغناه تركا لدعائه ، (فَسَوْفَ يَكُونُ) ذلك التكذيب ـ

٣٤٤

ايّا كان ـ «لزاما» لكم لا يفارقكم ، وهو منذ الآن لزام ، ولكنه غير ظاهر إلّا لأهله ، أو أنه قد ينفصل بتوبة ودعاء ، ولكنه منذ الموت حتى القيامة وفيها لزام لكم دون فراق.

وفي الحق إنّ معرفة الرب بالغنى المطلقة وهو يدعونا للدعاء : (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) ومعرفة النفس بالفاقة المطلقة ، لزامهما الدعاء عبادة ودعاء ، فتارك الدعاء مكذّب بفاقته بجنب الله ، ومكذب بوعده الاستجابة في الدعاء ، ومكذب بغناه تعالى ، فهو ـ إذا ـ يعيش ثالوث التكذيب بجنب الله (فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً).

٣٤٥

الفهرس

«سورة النور»

حد الزاني والزانية.......................................................... ١٠ ـ ٢٢

حرمة نكاح الانية للمسلم غير الزاني ، وإنكاح الزاني للمسلمة غير الزانيىة بنص القرآن ـ والنظر في الروايات والأقوال والإحتمالات عرضاً على القرآن................................................................... ٢٢ ـ ٣٦

حد القذف وتفاصيله ـ قذف الأزواج وتفاصيله ـ لا يجوز قتل الزوجة حين تراه تزني.. ٣٦ ـ ٦١

قصة الإفك بتفاصيله والأدب الإسلامي في كل إفك........................... ٦١ ـ ٧٤

إن الذين يحبون ان تشيع الفاحشة ..؟ خطوات الشيطان....................... ٧٥ ـ ٨٤

رمي المحصنات الغافلات ـ شهادة الأعضاء يوم بقوم الأشهاد..................... ٨٤ ـ ٩١

آداب الدخول في البيوت ـ وحتى الرسول (ص) كان يستأذن إبنته! فان لم تجدوا فيها احداً؟ أم بيوت غير مسكونة لكم فيها متاع؟        ٩٣ ـ ١٠٥

«قل للمؤمنين بغضوا من أبصارهم ...» حدود الجاب الإسلامي والنظر إلى غير المحارم على ضوء القرآن والسنة في قول فصل ـ الطوائئف المستثناة من حرمة النظر ووجوب الحجاب وهم اثنتا عشرة.................... ١٠٥ ـ ١٣٠

أحكام في النكاح والإنكاح.............................................. ١٣٣ ـ ١٤٥

٣٤٦

إكراه الفتيات على البغاء................................................ ١٤٦ ـ ١٤٨

آية النور في قول فصل ـ في بيوت اذن الله ...» «لبيت علي وفاطمة منها»؟... ١٥٠ ـ ١٨٣

جبال من برد؟ خلق كل دابة من ماء؟........................................... ١٩٤

المسؤوليات المتقابلة بين الولات والشعوب.................................. ٢٠٨ ـ ٢١٠

دعائم أربع للصالحين زمن الدولة المهدوية عجل الله تعالى فرجه نصوص من الكتب السماويى بحق هذه الدولة المباركة    ٣٠١ ـ ٢٢٥

آداب إسلامية داخل البيوت بين الأهلين ـ أوقات الصلاة الخمسة مفصولة حسب القرآن والسنة ندباً مؤكداً   ٢٢٨ ـ ٢٣٥

القواعد من النساء؟ البيوت الإحدي عشر التي يجوز الأكل منها دون اذن..... ٢٣٥ ـ ٢٤٨

واجب رعاية الأمور الجامعة عند الرسول (ص) ـ أدب دعاء الرسول........... ٢٥٠ ـ ٢٥٨

«سورة الفرقان» ما هو الفرقان؟ ودعوة نبي الفرقان العالمية؟................... ٢٨١ ـ ٢٦٧

«أعانة عليه قوم آخرون»! من هم؟ والفرقان نفسه دليل صدقه!................. ١٢ ـ ١٥

«وقال الظالمون ان تتبعون إلاّ رجلاً مسحوراً»! ومنهم مختلفوا الاحاديث انه سُحر ٢٨٣ ـ ٢٨٤

«ويوم يعض الظالم على يديه ..»؟ ومنهم المتخلفون عن باب مدينة علم الرسول (ص)! ٣٠٩ ـ ٣٠٧

القرآن المهجور؟ وفي الحوزات الإسلامية!................................... ٣٠٧ ـ ٣٠٩

«.. لولا نزّل جملة واحدة»؟ «لنثبت به فؤآدك»؟!......................... ٣١٥ ـ ٣١٧

«من اتخذ إلهه هواه ..» لا «هواه إلهه»؟! «إن هم الا كالانعام بل هم أضل ..» ٣٢٢ ـ ٣٢٦

٣٤٧

«الم؟! تر الى ربك كيف مدّ الظل ..»؟.................................. ٣٢٦ ـ ٣٢٨

«التي عشر من ميزات عباد الرحمن ، «واجعلناه للمتقين إماماً»؟!............. ٣٢٨ ـ ٣٣٦

«ما يعيق بكم ربي لولا دعاءكم ..»...................................... ٣٤١ ـ ٣٤٢

٣٤٨