الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢١

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٢١

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٤٨

واما التجريد فسكوت الآية عنه دليل على عدمه ، فكما الحالة العادية للجلدة هي المتوسطة ، كذلك هي فوق ثوب لا يمنع من تألمه وإلا فهو رحمة عليه منفية في الآية ، وهنا تقبل الرواية الموافقة لظاهر الآية وتطرح غيرها او تؤول (١).

ثم الجلد زمن نزول الآية لم يكن إلّا من الجلد ، فليكن به لا سواه ، إلا إذا كان مثله في العذاب ، فلا يكفي ما دونه ولا يجوز ما فوقه.

وظاهر «فاجلدوا» الحاكم الشرعي ، وإذا أمر غيره فليكن ممن لم يجب عليه الحد ولم يجر عليه ، (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ) فدينه طاعة ائتمارا بأمره : «فاجلدوا» وجزاءه (مِائَةَ جَلْدَةٍ) والرأفة التي تمنع الحد او تنقصه كما او كيفا ، او تؤجله ، إنها محرمة في دين الله ، كما أن نقمته فوق الحد كما او كيفا ، أم إهانته قبل الحد او بعده مخالف لدين الله ، فلا إفراط في الحد ولا تفريط ، فإنما العوان الذي أمر به الله لا سواه.

فالحد ـ أيّا كان ـ محدّد بالكتاب والسنة ، والتجاوز عنه إفراطا أو تفريطا محادة لله ومشاقة! فلا يحل ، ولا شطر كلمة مهينة ، ولا فعلة مهانة بحق فاعلي الفاحشة إلا ما حدّه الله وحدده.

دين الله هو دين الرأفة ، جماهيرية وشخصية ، ولكنها الرأفة بمقترف الفاحشة كشخص ، هو خلاف الرأفة بالكتلة المؤمنة ، إذ ديست كرامتها ،

__________________

(١) المصدر ٣٧٠ ح ٧ عن جعفر عن أبيه (عليه السلام) قال : لا يجرد في حد ولا يشبح يعني يمدّ وقال : ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها إن وجد عريانا ضرب عريانا وان وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه.

وفيه عن أبي ابراهيم (عليه السلام) جوابا عن السؤال : فمن فوق ثيابه؟ قال : بل تخلع ثيابه.

أقول : وقد يعني «تخلع ثيابه» الثياب غير المباشرة لبدنه المانعة من تأثير الضرب.

٢١

إذا فهي بالنسبة لهم قسوة (وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ ...).

وكما قطع يد السارق رحمة لكتلة الإيمان وطمأنينة ، حيث تقطع عنهم أيدي التطاول ، وتلك هي الرحمة السارية في كافة الحدود الإلهية للمجموعة ، مهما كانت زحمة للمتخلفين كحالة شخصية حاضرة ، ولكنها لهم ايضا رحمة ، إذ يتأدبون فلا يعيدون ، ثم في الآخرة لا يعذبون ، ولا تحصل رحمة إلّا بزحمة. (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً. إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)!.

(الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)(٣).

تشديد ثان على فاحشة الزنا بعد الحد ، حيث يقرن كل منهما بمثله في النكاح كما في السفاح ، كما يقرن بالمشرك والمشركة كسياج صارم على هذه العملية النكراء!.

إن الزانين والزانيات على ضروب شتى تختلف فيها أحكام النكاح حظرا وفرضا وبين ذلك عوان ، منهم الدائبون في الزنا دون توبة وقد شهروا بالفاحشة ، ولا يمنعهم النكاح عنها ، وهم القدر المعلوم ممن تعنيهم الآية ، وكما وردت فيهم مستفيض الرواية (١) ولكنما الآية أشمل من شأن نزولها.

__________________

(١) لقد كانت الزانيات الشهيرات بالزنا صاحبات الرايات في مكة والمدينة نساء مثل ام مهزول مملوكة سائب ابن أبي سائب المخزومي وام غليظ لصفوان بن امية وهبة القبطية لعاص بن وائل ومزنة لوالك بن عملية بن الساق وحلالة لسهيل بن عمر ام سويد لعمرو بن عثمان المخزومي وشريفة لدمعة بن الأسود وفرشة لهشام بن أبي ربيعة وقريبا لهلال بن انس وكانت تسمى بيوتهن خرابات.

وفي الدر المنثور ٥ : ١٦ ـ اخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال لما قدم المهاجرون المدينة قدموها وهم بجهد إلا قليل منهم والمدينة غالية السعر شديدة الجهد وفي السوق زوان ـ

٢٢

ومنهم من كانت هذه فعلته ثم تاب بعد الحد أم قبله فلا محظور في نكاحه حيث التائب عن ذنبه كمن لا ذنب له ، فلا يقال له زان أو زانية ، فلا يشمله النهي في الآية ، أو قد يجب نكاحه إن كان شرطا عمليا للتوبة حيث يصده عن الفاحشة ، وهو مصداق عملي للنهي عن المنكر ، او يستحب إذا كان سياجا عن رجوعه إلى فاحشة محتملة.

ومنهم من لا يأتي الفاحشة إلا أحيانا دون إصرار ولا اشتهار ودون توبة ، ولا يمنعه النكاح عن الفاحشة فمحرم أيضا ، سواء ثبتت عليه بحجة شرعية ، أم تثبّتتّ عليه وما لك حجة إلا رؤيتك ، والآية تشمل مثلث الفاحشة ، دون التائب او التائبة لعدم صدق الزاني حينئذ والزانية.

فكل من ثبتت عليه الزنا عندك او بحجة شرعية ، تشمله لفظ الآية ، وليس لزام صدق الفاعل من فعل أن يكون شغله أو أن يكرر ، اللهم إلا في موارد عدة كالبقال والحمال وأضرابهما في صيغة مبالغة ام أية قرينة ، فمن قتل يقال له «قاتل» وإن كانت قتلة واحدة ، ومن باع البقل أياما ثم ترك لا يقال له بقال!

__________________

ـ متعالنات من اهل الكتاب واما الأنصار منهن امية وليدة عبد الله بن أبي ونسيكة بنت امية لرجل من الأنصار بغايا من ولائد الأنصار قد رفعت كل امرأة منهن علامة على بابها ليعرف انها زانية وكن من اخصب اهل المدينة وأكثره خيرا فرغب أناس من مهاجري المسلمين فيما يكتسبن للذي هم فيه من الجهد فاشار بعضهم على بعض لو تزوجنا بعض هؤلاء الزواني فنصيب من فضول أطعماتهن فقال بعضهم نستأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأتوه فقالوا يا رسول الله قد شق علينا الجهد ولا نجد ما نأكل وفي السوق بغايا نساء اهل الكتاب وولائدهن وولائد الأنصار يكتسبن لأنفسهن فيصلح لنا ان نتزوج منهن فنصيب من فضول ما يكتسبن فإذا وجدنا عنهن غنى تركناهن فأنزل الله «الزاني لا ينكح الا زانية او مشركة ... فحرم على المؤمنين ان يتزوجوا الزواني المسافحات العالنات زناهن».

٢٣

ف «الزاني» هو كل من زنى مرة او مرات ، ثبتت عليه بحجة ام لا ، اشتهر بها ام لا ، فما دام زنى او زنت يصدق «زان او زانية» دون هوادة فان تاب فلا يصدق ، وان يتب بالنكاح وجب النكاح او رجح بدليل آيات النهي عن المنكر ورواياته.

ولئن قلت إن بينهما عموما من وجه فلا تقييد أو تخصيص! قلنا إن النهي عن نكاح الزاني ليس إلا من باب السياج على الزنا ، زجا لفاعله في زاوية وعزلة حتى ينتهي ، فلا يشمل ما إذا سبّب ترك الزنا!.

كما وان ادلة النهي عن المنكر أظهر في وجوب هذا النكاح من دلالة آية النور على حرمته لو دلت!

وعلى فرض العموم من وجه فهما متساقطان في النكاح الموجب لترك الزنا فيرجع إلى اصالة الحل!

هذا ، وأما المتهم او المتهمة بالزنا دون ثبوت فمكروه والأشبه عدم الحلّ لآية المائدة (وَالْمُحْصَناتُ ...) الظاهرة في شرط الإحصان.

قد كانت سنة سيئة بين الجاهليين الأشراف استعمال الإماء في الفحشاء والبغاء طوعا او كرها لكي يستفيدوا من محاصيلهن فنزلت (وَلا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً) فرغب بعض المسلمين المعدمين في نكاحهن قضاء للشهوة واستيفاء للفائدة فنزلت هذه الآية قارعة هذه الفكرة الخاطئة ، مبعدة للمؤمنين والمؤمنات عن مناكحة من يأتي الزنا في بعدين من التحظير «لا ينكح ـ وحرم» ومقرنة لأهلها بأهلها وبالمشركين والمشركات ، مفاصلة بعيدة تجعلهم في عزلة عن مناكحة المؤمنين حتى يعتزلوا الفاحشة ويرجعوا إلى الإيمان.

شأن نزول الآية خاص ببعدي :

١ ـ صاحبات رايات البغاء.

٢٤

٢ ـ إذا أريد من نكاحهن الإصابة من فضول أطعمانهن ، ولفظ الآية عام يشمل كل زان وزانية ، في شهرة الكثرة أم ندرة ، في إصابة مال أم سواها ، والعبرة بعموم اللفظ لا خصوص المورد (١) كما هو الضابطة السارية في الآيات كلها ، إلا المطابقة تماما لمورد نزولها.

فالزاني والزانية قبل التوبة تشملهما الآية حتى تعرف منهما التوبة (٢) او يكون النكاح من اسباب التوبة ، فسواء في اصل الحرمة من شهر بالزنا ،

__________________

(١) في نور الثقلين ٣ : ٥٧ ح ٢١ في الكافي عن زرارة قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً ...) قال : هن نساء مشهورات بالزنا ورجال مشهورون بالزنا شهروا به وعرفوا والناس اليوم بذلك المنزل فمن أقيم عليه حد الزنا او متهم بالزنا لم ينبع لأحد ان يناكحه حتى يعرف منه التوبة.

أقول ورواه مثله داود بن سرحان في الصحيح والشيخان في القوي كالصحيح عن زرارة عنه وفيه بدل «او متهم بالزنا» «او شهر بالزنا».

ثم أقول : يعني من «او متهم بالزنا» من ثبت عليه الزنا ولم يقم عليه الحد والا فلما ذا التوبة عما لم يثبت ، كما ان «وعرفوا» يعني من ثبت عليه الزنا حيث قابل «شهروا به» ويؤيده ما رواه ابو الصباح الكناني في القوى قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الآية فقال : كن نسوة مشهورات بالزنا ورجال مشهورون بالزنا قد عرفوا بذلك والناس اليوم بتلك المنزلة فمن أقيم عليه الحد او شهر به لم ينبغ لا حد ان يناكحه حتى يعرف منه التوبة ، وعن محمد بن سالم عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية قال : هم رجال ونساء كانوا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مشهورين بالزنا فنهى الله عن أولئك الرجال والنساء والناس اليوم على تلك المنزلة من شهر شيئا من ذلك او أقيم عليه الحد فلا تزوجوه حتى تعرف توبته ، وعن حكم بن حكيم عن أبي عبد الله (عليه السلام) في الآية قال : انما ذلك في الجهر ثم قال : لو ان إنسانا زنى ثم تاب تزوج حيث شاء» فمقابلة «من أقيم عليه الحد ب «شهر به» دليل عدم اختصاص الحكم بالشهرة وإنما الثبوت.

٢٥

أو من عرف بها دون شهرة ، حدّ او لم يحد (١).

ومما يؤيد عموم الزاني والزانية عموم الزانية والزاني لكل من ثبتت عليه الزنا ، وان كان الحد أضيق موردا من النكاح ، فانه محظور فيمن ثبت لك انه أتى الفاحشة ، ولا حد إلا عند شهادة أربعة أو الإقرار به أربعا أو النكول عن الملاعنة.

هنا نجعل الآية في حوار من حيث الدلالة لكي نجتث القولة بالكراهية بدليل الآية او الرواية! ام أية قولة تخالف الحرمة :

أترى أن (لا يَنْكِحُ ... لا يَنْكِحُها) إخبار عن تركهما نكاحا إلّا أهل الزنا والشرك؟ وهو خلاف الواقع! بل والزاني يرغب في نكاح المؤمنة الأمينة اكثر من غيرها ، كما الزانية في المؤمن ، فواقع التناكح ـ على أية حال ـ بين الزاني والمؤمنة والزانية والمؤمن يفسد إخبارية «لا ينكح ...»! إذا فهو نهي بصيغة الاخبار تأكيدا لحرمة التناكح ، ثم (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) تصريحة أخرى بالحرمة كقرينة قاطعة ثانية على نهي الإخبار ، والإنشاء في صيغة الإخبار آكد منه بصيغة الإنشاء!

أو ترى أن «لا ينكح ...» هنا تعني وطي السفاح لا وطي النكاح أو عقد النكاح بوطي أو سواه كما تعني (وَحُرِّمَ ذلِكَ) تحريم

__________________

(١) كما في الوسائل ١٤ : ٣٣٦ ح ٥ علي بن الحسين المرتضى في رسالة المحكم والمتشابه نقلا من تفسير النعماني باسناده عن علي (عليه السلام) قال : واما ما لفظه خصوص ومعناه عموم فقوله تعالى ـ الى ان قال ـ وقوله سبحانه «الزاني ...» نزلت هذه الآية في نساء كن بمكة معروفات بالزنا منهن سارة وخثيمة ورباب حرم الله نكاحهن فالآية جارية في كل من كان من النساء مثلهن».

أقول : يعني بخصوص اللفظ خصوص مورد النزول ، و «من النساء مثلهن». تعني كافة الزناة لا فقط الشهيرات لأنه خلاف عموم لفظ الآية!

٢٦

السفاح على المؤمنين؟ والنكاح هو مقابل السفاح عقدا ووطيا! ونفي السفاح في «لا ينكح» غلط لغويا حيث النكاح يقابل السفاح وهو وطي محرم زنا والنكاح عقد او وطيء عن عقد ليس الا (١) ، وغلط إخبارا ، حيث الزاني قد يحمل مؤمنة على السفاح كما الزانية قد تحمل مؤمنا على السفاح ، وغلط نهيا إذ تخص تحريم الزنا بالمؤمن والمؤمنة ، تحليلا لها بالزاني والزانية وبالمشرك والمشركة ، والزنا محرمة على أية حال من اي انسان بأي كان! ثم (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) إذا تحرم الزنا فقط على المؤمنين!

أم ترى التناكح المحرم هنا يخص الدوام دون المتعة تقييدا للآية بالرواية (٢)؟ والنكاح يعم المتعة ، ولا سيما في قضية سلبية «لا ينكح» وإذا تمتع فقد نكح ، والمتعة نكاح بإجماع الامة مهما اختلفوا في نسخها ، إذا ، ف (لا يَنْكِحُ ... لا يَنْكِحُها) ظاهرة كالنص في إطلاق الحرمة دونما هوادة!

والتحليل في المائدة خاص بالمحصنة وكما في النساء بالإحصان ، وآية النور آبية عن تقييد الحرمة بالنكاح الدائم ولا سيما برواية شاذة ولا عامل

__________________

(١) لم يأت النكاح بصيغته في القرآن الا بمعنى العقد وفي آية واحدة الوطي عن عقد «حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ» فان زوجا هنا قرينة ان نكاحه لها ليس العقد إذ فرضت زوجيته فانما هو الوطء عن عقد ، ففي ٢٣ نص لم يأت إلا هنا بمعنى الوطي المحلل ، ثم لا نجده بمعنى الوطي دون عقد اللهم إلا في نكاح البهيمة في الرواية ولأنها لا يعقد عليها ولا توطئ عن عقد.

(٢) الوسائل ج ١٤ : ٣٣٤ ـ زرارة قال سأله عمار وانا حاضر عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة؟ قال : لا بأس وان كان التزويج الآخر فليحصّن بابه.

أقول : تخصيص الإحصان بالتزويج الآخر دون المتعة غريب في نوعه ، حيث الإحصان شرط النكاح أيا كان بدليل آية النساء والمائدة.

٢٧

بها ، فالإجماع المركب يؤكد ردها (١).

محور التحريم هنا التناكح بين الزاني والمؤمنة وبين الزانية والمؤمن في نهي الإخبار «لا ينكح ...» وتصريحة التحريم : (وَحُرِّمَ ذلِكَ) فلا يعني ذلك إلا ذلك التناكح المحظور ، لا الزنا حيث تحرم على كافة المكلفين دون خصوص المؤمنين! فقولة الحلية بان النكاح في الآية سفاح مردودة من جهات عدة ، واللفظة الصريحة الصحيحة للوطي المحرم هي الزنا والسفاح دون النكاح الصريح او الظاهر فيما يقابلهما.

ام ترى الآية منسوخة في هذه الحرمة إلى كراهية إمّا ذا؟ وآية المائدة (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ ...) (٥ : ٦) ـ وهي آخر ما نزلت ناسخة غير منسوخة ـ انها تخص حل النكاح بالمحصنات من المؤمنات : غير الزانيات ، (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ).

واما آية النساء في تحريم المحارم نسبيات ام سببيات ورضاعيات ثم تحليل ما وراء ذلك (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ)(٣٤) فقصوى دلالتها إطلاق التحليل خارج مثلث التحريم ، وآية النور نص في حرمة التناكح بين المؤمنين والزانين! بل ولا اطلاق إلا نسبيا يعني عدم الحرمة فيما وراء ذلك ذاتيا مؤبدا لا مطلق التحليل دون شرط وسبب حتى العقد بشروطه! ثم «محصنين» قيد ظاهر للتحليل ، أن تحصنوا أنفسكم وإياهن عن الزنا! ونكاح الزاني والزانية دون توبة تشجيع على الزنا وإيقاح للزانية إلى أفحش مما كانت تعمل ، أن زناها بعد زنا المحصنة! وتقييد الإحصان بالناكح يخالف الإطلاق في «محصنين» والنص

__________________

(١) فان الفتوى هنا بين حلية نكاح الزانية دون تفصيل وبين حرمته كذلك ، واما التفصيل بين المتعة والدوام فلا قائل به ، فالرواية شاذة في بعدين اضافة إلى مخالفة اطلاق الآية الآبي عن هكذا تقييد.

٢٨

في النور والمائدة فلا ناسخ في القرآن لهما في هذه الحرمة!

ثم السنة ليست تنسخ القرآن مهما بلغت حد التواتر وليست إلا دالة على الحرمة كما الآية (١) او تطرح او تؤوّل او هي دالة على ان آية النور باقية غير منسوخة كما تكرر القول «والناس اليوم بتلك المنزلة» (٢) و «اليوم» هو يوم انقطاع الوحي إلى يوم القيامة ، فمنزلتهم من الآية باقية دون تغير وتبدل إلى يوم القيامة.

ولا ينبغي حمل «لا ينبغي» في الرواية على الكراهية (٣) حيث يستند الإمام فيها إلى الآية ، وحتى إذا كانت صريحة فيها فمطروحة أو مؤوّلة بمخالفة نص الآية (٤) وهنا روايات صريحة كالآية تنهى عن هكذا تناكح

__________________

(١) في روضة المتقين ٨ : ٢٠٤ في الموثق كالصحيح والشيخ كالصحيح عن الحلبي قال : قال ابو عبد الله (عليه السلام) لا تتزوج المرأة المستعلنة بالزنا ولا يزوج الرجل المستعلن بالزنا الا ان تعرف منهما التوبة.

أقول : لا يعني استعلان الزنا ان يكون شغله المشهور به وانما ظهورا يعرف ، مهما عرفه واحد ام اكثر دون عدد الشهود ام عددهم أما ذا ، ولذلك أنهى الحل إلى التوبة.

(٢ ، ٣). كما تكررت في الأحاديث السابقة و «لم ينبغ» هي في نفس الروايات التي تقول «والناس اليوم بتلك المنزلة».

(٤) مثل ما رواه علي بن يقطين قال : قلت لأبي الحسن (عليه السلام) نساء اهل المدينة؟ قال : فواسق ـ قلت : فأتزوج منهن؟ قال نعم» (الوسائل ١٤ : ٣٣٣). أقول : منهن راجع إلى كل نساء اهل المدينة فلم تكن الكل فواسق ، وانما فيهن فواسق والسائل يسأل عن جواز النكاح منهن بشبهة الاتهام فيأتي الجواب نعم ، ولو يعني «نعم» جواز نكاح الفواسق منهن فهو مخصوص بالتائبات منهن او اللاتي يتبن بالزواج ، واما المستمرة في الفحشاء بعد الزواج فنكاحها محرم بنص الآية.

وفيه ح (٤) عن زرارة قال سأله عمار وانا حاضر عن الرجل يتزوج الفاجرة متعة؟ قال : لا باس ـ وان كان التزويج الآخر فليحصّن بابه ـ.

أقول يعني : في التزويج الدائم يجب عليه إحصان باب فجورها دون المتعة وهو غريب ـ

٢٩

__________________

ـ كما تقدم وهي يتيمة لا مثيل لها في رواياتنا ولا قائل بالتفصيل المذكور فيها فكيف يقيد بها الإطلاق كالنص في الآية!

وفي ٣٣٣ ح ٢ عن أبي جعفر (عليه السلام) سئل عن رجل أعجبته امرأة فسأل عنها فإذا الثناء عليها في شيء من الفجور فقال : لا بأس بان يتزوجها ويحصنها» وفي ح ٦ عن علي بن رئاب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الفاجرة يتزوجها ، الرجل المسلم قال : نعم وما يمنعه ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخافة الولد. وفيه ح (٥) عن سعد بن عبد الله عن صاحب الزمان في حديث ان سأله عن الفاحشة ـ الى قوله (عليه السلام) ـ فان المرأة إذا زنت وأقيم عليها الحد ليس لمن أرادها ان يمتنع بعد ذلك من التزويج بها لأجل الحد ...».

أقول : «لأجل الحد» يرفع محظور نكاحها من هذه الناحية فقط دون جهات اخرى ، فيختص نفي الامتناع عن تزويجها بما إذا تابت او تتوب بالزواج ، واما المصرة غير التائبة فلا لنص الآية فانه من القدر المتيقن المراد من مواردها.

وفيه ح ٦ عن هاشم بن المثنى قال : ان رجلا سأل أبا عبد الله (عليه السلام) وانا عنده عن الرجل يأتي المرأة حراما أيتزوجها؟ قال : نعم ـ

أقول : «نعم» مخصوص بما إذا تابت تحليلا مبدئيا ينفي الحرمة الأبدية ، ام إذا لم يتوبا ، ويدل على ذلك ح (٧) عن أبي بصير قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد بعد ان يتزوجها فقال : إذا تابت حل له نكاحها ، قلت : كيف يعرف توبتها؟ قال : يدعوها إلى ما كان عليه؟؟ من الحرام فإن امتنعت فاستعفرت ربها عرف توبتها» وهي محمولة على ما إذا تاب فالرواية النافية للبأس مقيدة تنفي البأس مبدئيا وان كانت مطلقة كما رواه زرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث قال : لا بأس إذا زنا رجل بامرأة ان يتزوج بها بعد وضرب مثل ذلك رجل سرق ثمرة نخلة ثم اشتراها بعد.

أقول : وهذا التعليل انما يجري في نكاحها على شروطه ومنها توبتها او تتوب ، وكما في اشتراء ثمر النخلة شروط ، ام إذا لم يتوبا لأنهما زانيان!

واما ما رواه علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن رجل زنا بامرأتين أله ان يتزوج بواحدة منهما؟ قال : نعم ، لا يحرم حلالا حرام» فالتعليل فيه يخص الحرمة الأبدية دون المؤقتة لفاحشة الزنا قبل التوبة! ـ

٣٠

«إلا بعد أن يعرف منهما التوبة» (١) واخرى تسمح به في توبة مستقبلة : «وما يمنعه ولكن إذا فعل فليحصن بابه» (٢) والتائبة ليست زانية فلا تشملها الآية ، والتي تتوب خارجة عنها بنصوص النهي عن المنكر ، ويبقى الزاني والزانية بعد ثبوت الفاحشة دون توبة سابقة أو بالنكاح ، فهما باقيان في حظر الآية.

هذه هي الحرمة البدائية ، فهل تحرم الزانية بعد نكاحها او يحرم الزاني بعد نكاحه؟ إطلاق «لا ينكح ولا ينكحها» يشملهما حيث النكاح الممنوع أعم من العقد والوطي بعقد ، ورواية شاذة او مؤولة (٣) لا تصلح تقييدا للآية.

__________________

ـ ام ان موردها إذا تابا ، وفي الموثق عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) سألته عن الرجل يحل له ان يتزوج امرأة كان يفجر بها؟ فقال : ان انس منها رشدا فنعم والا فليراودها على الحرام فان تابعته فهي عليه حرام وان أبت فليتزوجها(روضة المتقين ٨ : ٢٠٧).

(١) الوسائل ١٤ : ٣٣٥ ـ عن الحلبي قال : قال ابو عبد الله (عليه السلام) لا يتزوج المرأة المعلنة بالزنا ولا يتزوج الرجل المعلن بالزنا الا بعد ان تعرف منهما التوبة ، ومحمد بن علي بن الحسين باسناده عنه أبي المعزا مثله.

أقول : وقد تقدمت أمثالها في شريطة التوبة وفيه ٣٣٦ ح ٣ عن محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) من شهر شيئا من ذلك او أقيم عليه حد فلا تزوجوه حتى تعرف توبته وفيه ح ٤ عن أبي عبد الله (عليه السلام) لو ان إنسانا زنى ثم تاب تزوج حيث شاء وفيه (٥) عن أحدهما (عليهما السلام) لو ان رجلا فجر بامرأة ثم تابا فتزوجها لم يكن عليه من ذلك شيء.

(٢) الوسائل ١٤ : ٣٣٤ ح ٦ عن علي بن رئاب قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة الفاجرة يتزوجها الرجل المسلم؟ قال : نعم ـ وما يمنعه ولكن إذا فعل فليحصن بابه مخافة الولد.

(٣) الوسائل ١٤ : ٣٣٣ ح ١ عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : لا بأس ان يمسك الرجل امرأته ان رآها تزني إذا كانت تزني.

٣١

وهل يجوز نكاح من زني بها؟ نعم ما لم يتوبا لمكان «إلا زانية» ام إذا تابا او يتوبان لخروجهما عن الآية!

فأما أن يتوب أحدهما دون الآخر فلا حيث تشملهما الحظر في الآية ، ففي مثلث التناكح ، المحلل هو مورد المماثلة بينهما في الزنا وعدمها ، او التوبة ، فالمتخالفان لا يتناكحان ، والرواية الدالة على حلية نكاح من زنى بها مطروحة او محمولة على موارد الحلية ١ (١).

وكما تنص آية النور على حرمة مطلق التناكح بين المؤمنين ، والزناة والمشركات ، وبين الزانين والمشركين ، والمؤمنات ، كذلك هي نص على حلّه

__________________

(١) وفي الوسائل ١٤ : ٣٣٠ ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن رجل فجر بامرأة ثم بدا له ان يتزوجها فقال : حلال اوله سفاح وآخره نكاح اوله حرام وآخره حلال.

أقول : يحمل على غير ما تاب أحدهما ، أن يتوبا ام لم يتوبا ، ف «إلا زانية» دليل الحل بينهما ، (وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) دليل الحرمة ان تاب أحدهما ، وإذا تابا فهما خارجان عن الآية ويؤيده ح ٢ عن عمار بن موسى عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن الرجل يحل له ان يتزوج امرأة كان يفجر بها؟ قال : ان آنس منها رشدا فنعم والا فليراودها على الحرام فان تابعته فهي عليه حرام وان أبت فليتزوجها. أقول وهو محمول على انه تائب وإلا فلا تشترط التوبة في حلية التناكح بين الزاني والزانية.

وقول أحدهما (عليهما السلام) لو ان رجلا فجر بامرأة ثم تابا فتزوجها لم يكن عليه شيء من ذلك ،

دليل الحظر فيما إذا تاب أحدهما واما إذا لم يتوبا فحلال بالآية ، وفي تفسير الفخر الرازي ٢٣ : ١٥١ رواه مثله عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اوله سفاح وآخره نكاح والحرام لا يحرم الحلال ، وروى الشيخ في الصحيح عن أبي بصير قال سألته عن رجل فجر بامرأة ثم أراد ان يتزوجها؟ فقال : إذا تابت.

وعلى الجملة فالروايات في المسألة على ضربين : مطلقة في الحل ، فمحمولة على غير صورة التوبة من أحدهما ، ومقيدة للحل بتوبتها ، فمحمولة على توبته ، والقول الفصل أولا وأخيرا هو الآية المباركة.

٣٢

بين الزانين والزناة ، او بينهم وبين المشركين والمشركات ، سواء أكانت الزانية مسلمة ام مشركة ، او المشركة زانية ام غير زانية ، كما المشرك على سواء ، وسواء أكان الناكح هو الزاني بالزانية ام سواه ما صدق أنه زان وانها زانية.

أترى هذا الحل ـ كما ذلك الحرمة ـ باق غير منسوخ بالنسبة لإنكاح الزانية المسلمة للمشرك ، ونكاح الزاني المسلم للمشركة ، وآية البقرة تحرم إنكاح المسلمة للمشرك وإنكاح المشركة للمسلم : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ ...) (٢٢١).

كما وآية الممتحنة تنهي عن إمساك عصم الكوافر مشركات وكتابيات : (وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ) (٦٠ : ١٠) ثم آية المائدة تخص حل الكتابيات بالمحصنات : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ ...)(٦).

وعلّ الحلّ ، أن الممتحنة مكية حرمت على المسلمين نكاح الكوافر ، ثم آية النور المدنية احلتهن للزانين مسلمين وغير مسلمين ، ومن ثم آية البقرة المدنية إن كانت متقدمة على النور فقد تخصصها بغير المسلمة الزانية والمسلم الزاني ، او متأخرة فهي ناسخة لها في خصوص الزانية المسلمة والمسلم الزاني ، وخروج الزاني والزانية في آية النور عن المؤمنين بقرينة (أَوْ مُشْرِكَةً ... أَوْ مُشْرِكٌ) لا يقتضي خروجهما عنهم في آية البقرة ، وعلى احتمال النسخ فهو لردح من الزمن تشديدا على مقترفي الزنا وتأديبا ، ثم آية المائدة تحلل نكاح الكتابيات المحصنات للمسلمين ، دون الزناة منهن لهم وان كانوا زانين بل ولا المتهمات.

هنالك تبقى حرمة التناكح بين المؤمنين والزناة ، والزانين والمؤمنات ،

٣٣

كحليته بين الزانين والزناة أنفسهم ان كانوا مسلمين ، تبقى الآية من هذه الجهة غير منسوخة ولا مخصّصة ، مهما خرج ما خرج بنسخ او تخصيص.

هذا ـ! وحتى إذا شكلنا في حل التناكح بين المسلمة الزانية والمشرك ، او بين المسلم الزاني والمشركة ، فالأصل هو الحرمة ، إذ لا اطلاق ولا عموم فوقيا يحلّق على الحل في هذا الميدان ، لا كتابا ولا سنة ، بخلاف الأصل في الأموال وأضرابها ، ولكن مورد الشك هو محط تضارب العمومات بين هذه الآيات ، ولولا القناعة فيما بيناه من النسخ الجانبي او التخصيص ، فعموم الحظر او إطلاقه محكّم في مورد الشك وهذا منه.

وحصالة البحث في آية النور ومساعداتها كضابطة ، حرمة نكاح الزانية وإنكاح الزاني إلا من زان أو زانية او مشرك او مشركة ، إلا إذا عرف منهما التوبة او يتوب ويحصّن بالنكاح ، فأما قضاء الشهوة بنكاح الزانية دون توبة او رجاءها فمحرمة بنص الآية كإنكاح الزاني ـ سواء (١) ، ولا فرق في الحرمة بين كون الزوج هو الزاني ام غيره ، ولا بين كون الزواج دائما او منقطعا ، وكل ذلك في الزواج البدائي ، وأما الاستمرار فيما حدث الزنا بعد النكاح فجائز بعد التوبة او يتوب ، وإلا فحرام بإطلاق الآية ، وبأحرى جوازا إذا علم أحدهما بعد الزواج بزنا سابق عليه ، حيث الآية المحرّمة لا تعني إلا موارد العلم بالزنا ، إذ التحريم في موارد الجهل تكليف بالمحال او تكليف محال ، فالآية خاصة بموارد العلم إلا أن وطيها بعد العقد وعلمه بزناها نكاح لها فتشمله الآية كالتي زنت بعد العقد ، فالحرمة ـ إذا ـ أشبه إلّا إذا تابت (٢).

__________________

(١) قد ذهب إلى الحرمة فيمن ذهب علي (عليه السلام) وابن مسعود وابو بكر وعمر وعائشة (الفخر الرازي ٢٣ : ١٥٠).

(٢) روى الشيخان في الصحيح عن معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد الله (عليه ـ

٣٤

ولأن جواز هكذا نكاح ـ على حرمته ـ كان شريطة صدق الزاني والزانية وبسبب الزنا ، فعند التوبة لا تشملهما آية النور ، وإنما شملتهما قبل التوبة ، بل تشملهما حينئذ آية البقرة والممتحنة وهما تعمان البداية والاستدامة ، ولا حاجة إلى حملهما على الطلاق او طلاق الحاكم ، حيث ينقطع النكاح بانقطاع سببه فتعتد المسلمة عدة الوفاة كما تعتد المشركة عدة الطلاق ، كالمرتد عن زوجة مسلمة او المرتدة عن زوج مسلم.

وإذا تزوج بمحصنة وهو محصن ثم زنى او زنت قبل الدخول فهل يفرق بينهما لمكان النهي في الآية ، ف «لا ينكح» أعم من العقد ومن الوطي بعد العقد ، وكما تدل عليه روايات (١) ام لا يفرق حيث القدر المعلوم من «لا ينكح» العقد ، والأشبه كتابا وسنة هو الاوّل ، ف «لا ينكح» لا تختص بالعقد ، بل والوطي عن عقد ايضا وهو الأصل المقصود من العقد!.

وعليه مهرها ان كان هو الزاني لان الفصل من قبله ، ولا مهر لها إن كانت هي الزانية لأن الفصل من قبلها (٢).

__________________

ـ السلام) عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها انها كانت زنت! قال : ان شاء زوجها ان يأخذ الصداق من الذي زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها وان شاء تركها ، وروى الشيخ في القوي عن عبد الرحمن بن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل تزوج امرأة فعلم بعد ما تزوجها انها كانت زنت قال : ان شاء زوجها أخذ الصداق ممن زوجها ولها الصداق بما استحل من فرجها وان شاء تركها قال : وترد المرأة من العضل والبرص والجذام والجنون ، أقول يحمل جواز الإبقاء على النكاح على ما إذا تابت او كانت تائبة ، فغير التائبة مشمولة للآية في حرمة النكاح.

(١ ، ٢) الوافي ٣ : ٢٥ باب زنا احد الزوجين قبل الدخول يب طلحة بن زيد في الموثق عن جعفر عن أبيه عليهما السلام قال : قرأت في كتاب علي (عليه السلام) ان الرجل إذا تزوج المرأة فزنى قبل ان يدخل بها لم تحل له لأنه زان ويفرق بينهما ويعطيها نصف ـ

٣٥

(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٥).

آية الرمي القذف ـ هذه ـ دون شهادة ، تحكم على الرامي بالجلد والفسق وعدم قبول الشهادة إلّا بعد التوبة والإصلاح ، وآيته الثانية (٦) في بديل الشهادة : (وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللهِ) تقبل الرمي لولا أن هناك نقضا لهذا البديل ، وآيته الثالثة (٢٣) تلعن الذين يرمون المحصنات في الدنيا والآخرة ، وكل هذه الثلاث في رمي المحصنات دون المحصنين ، اللهم إلّا في اطلاق آية الافك (١١) حيث تشمل رميهم كما تشمل رميهن ، وعلّ السبب في ذلك الإختصاص أنّ فاحشة الزنا بالنسبة للمؤمنات أفحش منها للمؤمنين فلا تجد في هذا المربع من

__________________

الصداق ومثله علي بن جعفر عن أخيه وعن الفضل بن يونس في الموثق قال سألت أبا الحسن موسى (عليه السلام) عن رجل تزوج بامراة فلم يدخل بها فزنت قال يفرق بينهما وتجد الحد ولا صداق لها ، ومثله عن امير المؤمنين (عليه السلام) في المرأة إذا زنت قبل ان يدخل بها الرجل يفرق بينهما ولا صداق لها ان الحدث كان من قبلها ، وروى علي بن جعفر في الصحيح عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال : سألته عن رجل تزوج بامرأة فلم يدخل بها فزنى ما عليه؟ قال : ـ يجلد الحد ويحلق رأسه ويفرق بينه وبين اهله وينفى سنة.

واما ما رواه في العلل عن رفاعة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل يزني قبل ان يدخل باهله أيرجم؟ قال : لا قلت يفرق بينهما إذا زنى قبل ان يدخل بها؟ قال : لا ، فهو إما مطروح لمخافة الكتاب والسنة او مؤول إلى مورد التوبة! ومثله ما رواه الشيخ في الموثق كالصحيح عن عباد بن صهيب عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : لا بأس ان يمسك الرجل امرأته ان رآها تزني إذا كانت تزني وان لم يقم عليها الحد فليس عليه من إثمها شيء».

٣٦

التنديد بالرمي إلّا زاوية الإفك الشاملة للمؤمنين بإطلاقها! فإذا قذفت امرأة رجلا بالزنا حدّت حدّ القذف (١) حيث الرمي نفس الرمي مهما اختلف المرمي والرامي ذكورة وأنوثة! فكما (الَّذِينَ يَرْمُونَ) يشمل الأناث إلى جانب الذكور ، كذلك «المحصنات» قد تشمل الذكور إلى جانب الأناث ، كلّ بسند الأغلبية ، حيث المعاكسة في الأغلبية لرمي الفاحشة الجنسية بين قبيلي الرامي والمرمي إليه ، إضافة إلى أن رميها إلى الأناث أفحش!

والرمي هنا هو القذف إلى فاحشة جنسية بقرينة المحصنات وآية الزاني و «أزواجهم» أماذا؟ والرامي أعم من الشاهد ، فقد يرمي ولم يكن شاهدا لما يرمي ، وقد يكون شاهدا ولا يرمي حيث لم تكمل شروط الشهادة ، وقد يرمي وهو شاهد لما يرمي ، فتكمل بعد رميه الشهادة وهو من الشهود الأربع ، ولا يفسق بمجرد الرمي حتى تسقط شهادته بعد الرمي ، بل إذا لم يأت بالشهداء ، (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ) هنا هو الرامي بشهادة أم سواها (لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) ولكن إذا رمى دون شهادة ثم أتى بأربعة شهداء فلم يكن هو منهم ، أو رمى وهو شاهد عدل ثم أتى بشهود ثلاث وهو رابعهم ، شرط ألّا يشهد قبلهم ، فالفرضان تشملهما الآية في الآتي بأربعة شهداء ، فلا حدّ عليه بل على المرمي ، ولكن إذا رمى ولم يأت بشهادة كاملة شملته الآية في (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) مهما كان رميه دون شهادة أو بشهادته وحده أو أتى بثلاث آخرين بعد شهادته ، أو شهد ما دون الأربع او الأربع دون شروط الشهادة ، ففي كل هذه هم يحدون للفرية ولا يحدّ المرمي!

__________________

(١) الوسائل ١٨ : ٤٣٢ ح ١ عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السلام) في امراة قذفت رجلا؟ قال : تجلد ثمانين جلدة. وح ٣ عن السكوني عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : إذا سألت الفاجرة من فجر بك؟ فقالت : فلان ـ فان عليها حدين حدا من فجورها وحدا من فريتها على الرجل المسلم ورواه الشيخ باسناده عن القمي.

٣٧

وهل يعم القذف غير الزنا من لواط ومساحقة؟ لعلّه لا ، حيث اللواط لا يناسب المحصنات ، فكل فعل فيهن من الرجال زنا قبلا او دبرا ، ومن النساء مساحقة ، ولأن الزنا هي محور البحث فيما قبلها : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي ... الزَّانِي لا يَنْكِحُ ...).

او علّه نعم إلّا في اللواط ، فرمي المحصنات بالزنا والمساحقة دون أربعة شهداء يستوجب جلد الثمانين ، بإطلاق الآية ، وكذلك في اللواط بنص الرواية (١) ام بالاولوية القطعية قياسا إلى الآية حيث اللواط أفحش وحدّه أغلظ فليحدّ قاذفه ـ لأقل تقدير ـ وكما يقذف في الزنا.

و «المحصنات» هنا اللاتي احصنّ عن الزنا بعفاف وإحصان ذاتي ، كما انهن كذلك في كلما أطلقت دون قرينة ، لا فقط المزوجات وإن كن من المحصنات ، حيث الزواج مما يحصن عن الزنا ، ولا فقط الحرائر مزوجات وغير مزوجات (٢) إذ كانت الإماء يجبرن على الزنا او يأتينها إذ لم يكن تؤتى

__________________

(١) المصدر ٤٣٣ ح ١ عن جعفر بن محمد (عليه السلام) قال : إذا قذف الرجل الرجل فقال : إنك تعمل عمل قوم لوط تنكح الرجال يجلد حدّ القاذف ثمانين جلدة وح ٢ عباد بن صهيب عنه (عليه السلام) قال كان علي (عليه السلام) يقول : إذا قال الرجل للرجل يا معفوج (مفتوح) يا منكوح في دبره فان عليه حدّ القاذف.

(٢) جاءت المحصنات بالمعاني الثلاثة : الحرائر : «وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ» (٤ : ٢٥) والعفائف : «وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ» (٥ : ٥) والمزوجات والحرائر : «فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ» (٤ : ٢٥) ف «أحصن» يعني تزوجن و «عَلَى الْمُحْصَناتِ» اي الحرائر ، والأصل في الإحصان في الرجل والمرأة إحصان الفرج عن الفحشاء بأي سبب كان ، داخليا نفسيا وهو الأصل : «وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا» (٢١ : ٩١) أم بالزواج حيث يمنع عن الزنا لأنه يرفع الحاجة إلا للفساق ، ودونهما الحرية ، إذ يمنع شيئا ما عن الزنا فإنها ليست مبتذلة والزواج لها أيسر من الأمة!

٣٨

حاجتهن من الزواج ، إذ كن مبتذلات ومبتذلات فلا يرغب فيهن الرجال رواجا إلّا سفاحا!

فالمحصنات هنا العفائف غير الزانيات ، حرائر أم إماء ، مزوجات وخليّات مسلمات ام كافرات ما دمن غير زانيات (١) بإثباتات شرعية ، فإن رأيتها تزني ولا إثبات بشهود أو شهادات أو إقرارات ، فهي في ظاهر الحكم بين الكتلة المسلمة محصنة لا يجوز رميها! فالأصل إسلاميا في كل مسلم إحصانه إلّا إذا ثبت عند الحاكم الشرعي خلافه ولم يتب ، إذا ف «المحصنات» هنا لا تعني واقع الإحصان ، وإنما ظاهره الأصيل إسلاميا ما لم تنقضه إثباتات شرعية!.

رمي المحصنات بين محرّم ومسموح ، فالرامي إذا أتى على رميه بأربعة شهداء عند الحاكم الشرعي على شروطها ، أو كان هو من الشهود فرمى قبل شهادته ، فمسموح أو قد يجب تحقيقا لحدود الله ، وأما (الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً) وأما رمي غير المحصنات من الزانيات فإذا كان بعد الإثبات كالشهيرات المعلنات بالزنا التي ثبت زناها بالشهادة ، فلا بأس ، وأما الرمي بزنا لم تثبت في خصوصهما وإن كانت زانية ففيه التعزير ثمانون جلده.

كلما لم تثبت بالإثباتات الشرعية من فاحشة فهو رمي فيه الحد ، سواء أكان الرامي غير شاهد ، أم شاهدا دون الأربعة ، أم اربعة في اختلاف الشهادة زمانا أو مكانا او كيفية ، فالحد شامل للكل دون هوادة ، وكذلك

__________________

(١) لأن المحصنات لم تقيد بالمؤمنات ، وما في التهذيب بسند صحيح عن أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت له : جعلت فداك ما تقول في الرجل يقذف بعض جاهلية العرب؟ قال : يضرب الحد ان ذلك يدخل على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، أقول : ولا أثر في اخبار الباب عن الاختصاص بالمسلمات.

٣٩

عدم قبول الشهادة أبدا وثبوت الفسق.

فإنما الدارء للحد هو الإتيان بأربعة شهداء عدول ، فإن كان الرامي من الأربعة ، أن رمى ثم شهد فيهم فهو ، وأما إذا شهد ثم ضم الثلاثة فلا ، لأنه بشهادته الوحيدة استحق الحدّ فلا تقبل شهادته ، فيضرب الثلاثة حدّ القذف إلّا إذا جهلوا أمره ، وأما إذا رمى وليس شهيدا ثم أتى بأربعة شهداء لم يحدّ.

(بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) هي الأصل في الشهادة المثبتة للفاحشة زنا ولواطا ومساحقة ، وقد تكفي ثلاثة وامرأتان إطلاقا ، أو رجلان وأربع نساء دون الرجم بالسنة الثابتة ، فتقيّد (لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ) بغيرهما ، فإنهما يقومان مقامهم بثابت السنة ، أترى والإتيان بالمرمي لإقرار هل يقوم مقام الإتيان بالشهداء حيث الإقرار إحدى المثبتات؟ علّه نعم ، حيث السبب الدارئ لحد القذف هو الإثبات الشرعي للفاحشة والإقرار يثبت! وكأنه لا ، حيث الإتيان بالمرمي لإقراره غير مسموح ، إلّا ان يأتي هو دون أن يؤتى به ، ويقر مخيرا لا مسيّرا ، ف (ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا ...) ليست لتشمل إلّا الشهادة ، أصلية كالأربعة وبديلة كرجلين وأربع نساء ، ثم بديل ثان هو الإقرار على شروطه الماضية! فان أقرّ دون شروطه لم يقبل كما الشهادة غير المقبولة ، فيحد الرامي ، وإن حكم الحاكم بالفاحشة بحمل المرمي على إقرار حدّ الحاكم مع الرامي للقذف ، وإن حدّ المرمي بهذا الحكم ضرب ثمانين أخرى اعتداء بمثل ما اعتدى ، فهذه ثمانون ثلاثة أضعاف!

ترى هل من محيص عن هذه الثلاث بتوبة؟ أم تتبعض في تأثير التوبة مهما قبلت ككفارة للخطيئة؟

وهنالك عذاب مثلث على الرامين دون شهادة ـ إذا رموا عند الحاكم ، أم ثبت رميهم بعدلين أو الإقرار مرتين عنده ـ ١ (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ

٤٠