أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

الأسماء الستّة

جمع أَب على (أبون وأبين)

قرأ ابن عباس والحسن ويحيى بن يَعمَر وعاصم الجَحْدَري وأبو رجاء بخلاف (وَإلَه أبيك) (١) بالتوحيد (٢).

قال أبو الفتح : بالتّوحيدِ لا وَجْهَ لهُ ، وذلكَ أنَّ أكثرَ القُرَّاء : (وَإِلَهَ آبَائِكَ) جَمْعاً كما ترى ، فإذا كانَ أبيكَ واحداً كانَ مُخالِفاً لِقرَاءةِ الجَمَاعَةِ فَتَحْتَاجُ حينئذ إلى أنْ يَكونَ أبيكَ هنا واحداً في معنى الجَمَاعَةِ ، فإذا أمكَنَ أنْ يَكُونَ جَمْعاً كانَ كقراءَةِ الجَمَاعَةِ ، ولم يَحْتَجْ فيهِ إلى التَّأويل لِوُقُوعِ الوَاحِدِ مَوقِعَ الجَمَاعَةِ. طريقُ ذلك أنْ يَكُونَ (أبيكَ) جَمْعَ أَب على الصِّحَّةِ ، على قوْلِكَ لِلجَمَاعَةِ : هؤلاءِ أَبُون أحرارٌ ، أَي آباءٌ أحرارٌ وقد اتَّسَعَ ذلك عنهم (٣).

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ١٣٣ : (قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ).

(٢) هذه عبارة ابن مجاهد بدليل قول أبي الفتح بعدها : (قول ابن مجاهد بالتوحيد لا وجه له) وهكذا نجد ابن جنِّي يقدِّم غالباً عبارةَ ابنِ مجاهد ثمّ يعقِّبُ عليها مبتدئاً بقوله : قال أبو الفتح وقد حذفنا عبارة (من ذلك قراءة) واقتصرنا على (قرأ) تحاشياً للتكرار المُمِل.

(٣) قال سيبويه : وسألته ـ يعني الخليل ـ عن أَب فقالَ : إنْ ألحقتَ بهِ النُّونَ والزيادةَ التي قبلَها قلتَ : أبون ، وكذلك أخٌ تقول : أخون لا تغير البناءَ إلاّ أنْ تحذف العربُ شيئاً ، كما تقول : دمون.

٨١

ومن أبيات الكتاب :

فَلَـمَّا تَبَيَّنَّ أصواتَنا

بَكينَ وَفَدَّيْنَنَا بالأبِينا (١)

وقال أبو طالب :

ألَمْ ترَ أَنِّي بَعدَ هَمّ هَمَمْتُهُ

لفرقةِ حُرّ مِنْ أبينَ كِرَامِ (٢)

وقال الآخر (٣) :

فَهْـوَ يُفَـدَّى بِالأبِيـنَ والخــالْ (٤)

ويؤكّدُ أَنَّ المرادَ بهِ الجماعة ما جاءَ بعدَهُ مِنْ قولهِ : (إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ) (٥) ، فأبدل الجماعة من أبيك فهو جماعة لا محالةَ لاستحالة إبدال الأكثر من الأقلّ فيصير قوله : (وإِلَهَ أَبِيكَ) كقوله : وإله ذويك (٦).

__________________

وقال الأعلم الشنتري : جمعُ أب جمع سلامةً غريبٌ ، إذ حَقُّهُ لِلأعلام والصِّفاتِ الجاريةِ على فعلها كمسلمين. انظر : الكتاب : ٢ / ١٠. نقل ذلك البغدادي في الخزانة : ٤ / ٤٧٥.

(١) البيت لزياد بن واصل السُّلمي. اُنظر : الكتاب : ٢ / ١٠١ والمحتسب : ١ / ١١٢ واللسان : ١٨ / ٦ والخزانة : ٤ / ٤٧٤.

(٢) ديوانه : ١٠ والخزانة : ٤ / ٤٧٥.

(٣) أورد البغدادي في الخزانة هذه الشواهد نقلاً عن المحتسب. اُنظر : الخزانة : ٤ / ٤٧٥.

(٤) قبله :

أَقبـلَ يَهْـوَى مـن دويـنِ الطِّربَـالْ

هكذا ورد في اللسان : ١٨ / ٧ غير منسوب لأحد. واُنظر : الخزانة : ٤ / ٤٧٥.

(٥) سورة البقرة : ٢ / ١٣٣.

(٦) المحتسب : ١ / ١١٢.

٨٢

المثنّى

المثنّى يراد به الجمع

قرأ زيد بن ثابت وابن مسعود والحسن ـ بخلاف ـ وعاصم الجَحدَري : (فَأصلِحُوا بينَ إخْوانِكُمْ) (١).

قال أبو الفتح : هذه القراءَة تَدُلُّ على أَنَّ القراءَة العامّة التي هي : (بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (٢) لفظُها لفظُ التثنية ، ومعنَاها الجماعة ، أَيْ : كل اثنين فصاعداً من المسلمين اقتتلا فأصلحوا بينَهما. أَلا ترى أَنَّ هذا حكمٌ عامٌّ في الجماعة وليسَ يختصّ بهِ مِنْهم اثنان مقصودان؟ ففيه إذاً شَيئان :

أحدُهُما : لفظ التثنيةِ يراد به الجماعة.

والآخر : لفظُ الإضافة لمعنى الجنس ، وكلاهما قد جاء منه قولهم : لَبَّيك

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الحجرات : ٤٩ / ١٠ : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).

(٢) قال سيبويه عن حنانيك : «وزَعَمَ الخليل (رحمه الله)! أَنَّ معنى التثنيةِ أنَّهُ أرادَ تحنّناً بعد تحنّن كأ نَّهُ قال : كلَّما كنت في رحمة وخير منك فلا ينقطعنَّ وليكنْ موصولاً بآخر من رحمتك» وعن لبيك يقول سيبويه : «كما أَنَّهُ أراد بقولِهِ لَبّيك وسعديك : إجابةً بعدَ إجابة. كأ نَّهُ قالَ : كلّما أجبتُك في أمر ، فأنا في الأمر الآخر مُجِيبٌ». انظر : الكتاب : ١ / ٧٤ ـ ٧٥.

وفي عبارة ابن جِنِّي التبس قولُ الخليل بقول سيبويهِ وعَلَّلَهُ الأساتذة محقّقو المحتسب بأنَّ أبا الفتح ينقل من حفظه. انظر : المحتسب : ٢ / ٢٧٩.

٨٣

وسَعْدَيْك ، فليس المراد هنا إجابتين ثنتين ولا إسعادين اثنين ألا ترى أَن الخليل فسره فقال : معناه كلما كنت في أمر فدعوتني له أجبتك إليه ساعدتك عليه. فقوله : كلّما يؤيد ما نحن عليه ومنه قولهم :

فَلَوْ كُنْتَ مَوْلَى العزّ أَوْ فِي ظِلاَلِهِ

ظَلَمتَ ولكنْ لاَ يَدَى لَك بالظُلْمِ (١)

ألا تَراهُ لاَ يَنْفِي قوتين ثنتين وإنَّما يَنْفِي جَميَعَ قُواهُ؟ وكذلِك قولُ اللهِ تعالى : (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (٢) ، وَنِعَمُ اللهِ تَعالى أكْثَرُ مِنْ أنْ تحصى ، وكذلك قوله :

إذَا شُقَّ بُرْدٌ شُقَّ بِالبُرْدِ مِثْلُهُ

دَوَالَيْك حَتَّى لَيْسَ لِلْبُردِ لاَبِسُ (٣)

أَيْ : مداولة بعد مداولة ، وَكَقُولِ العَجَّاجِ :

ضَرْبَا هَذَا ذَيك وَطَعْنَا وَخَضَا (٤)

أَيْ هَذَّا بعدَ هذّ ، لا هَذَّين اثنين ليسَ غيرُ ، ونظائِرُهُ كثيرةٌ ، وأمَّا إفادةُ المضافِ لِمَعنى الجنسيَّةِ ، فقولُهُم : منعتِ العراقُ قَفِيزَها (٥) ودرهمها ، أي

__________________

(١) البيت للفرزدق. انظر : ديوانه : ٨٢٥ والمحتسب : ٢ / ٢٧٩.

(٢) من قوله تعالى من سورة المائدة : ٥ / ٦٤ : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ).

(٣) البيت لسحيم عبد بني الحسحاس. انظر : الديوان : ١٦ والكتاب : ١ / ١٧٥ والخزانة : ٢ / ١٠٠ وشرح الشواهد للعيني : ٢ / ٢٥٢.

(٤) من أرجوزة في مدح الحجَّاج. انظر : الديوان : ٣٥ والكتاب : ١ / ١٧٥ والخزانة ٢ / ١٠٦ وشرح الشواهد للعيني : ٢ / ٢٥٢.

(٥) القفيز : مكيال كان يكال به قديماً ويختلف مقدارُهُ في البلاد ويعادل بالتقدير العراقي والمصري الحديث نحو ستة عشر كيلو غراماً. وقال في اللسان : هو مكيال لأهل العراق وجمعه أقفزة وقفزان. انظر : اللسان : ٧ / ٢٦٢ والمعجم الوسيط : ٥ / ٧٥٠.

٨٤

قُفزَانَها ودَرَاهِمَها ، ومنعتْ مِصرُ إِردبَها (١) ، أَي أرادبها ، ومنه قوله تعالى : (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) (٢) ، ومنه قولهم : نِعْمَ الرجلانِ الزيدانِ وله أشباه (٣).

جمع المذَكّر السالم

جمع أفعل فعلاء جمع سلامة

قَرأ الحَسَن : (الأَعجَمِيِّين) (٤) منسوب إلى العَجَم.

قال أبو الفتح : هذه القراءَة عذر في القراءة المجتمع عليها. وتفسير للغرض فيها وهي قوله (عَلَى بَعْضِ الاْعْجَمِينَ) ، وذلك أَنَّ ما كان من الصفات فإنّ أفعل وأُنثاه فعلاء لا يُجمع بالواو والنون وَلا مؤنثه بالألف والتاء (٥).

ألا تراك لا تَقول في أَحمر : أحمرون ولا في حمراء : حمراوات؟ فكان قياسهُ ألاَّ يجوزَ فيه الأعجمون ، لأَنَّ مؤنَّثَه عجماء (٦).

__________________

(١) الأردب : مكيال لأهل مصر وقيل غير هذا. اللسان : ١ / ٤٠١.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٦٤.

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٧٨ ـ ٢٨٠.

(٤) من قوله تعالى من سورة الشعراء : ٢٦ / ١٩٨ : (وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَى بَعْضِ الاَعْجَمِينَ).

(٥) هذا هو رأي البصريين وأَجَازَهُ الفرّاء وهو قياس قول الكوفيين ومحل الخلاف ما دام (افعل وفعلاء) باقيين على الوصفية فإن سمّي بهما جمعا جمعَ سلامة. همع الهوامع : ١ / ٢٢ و ٤٣.

(٦) المحتسب : ٢ / ١٣٢.

٨٥

وقرأ الحسن (وَمَاَ تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطُونَ) (١).

قال أبو الفتح : هذا مما يعرض مثله للفصيح ، لتداخل الجمعين عليه ، وتشابههما عنده ، ونحو منه قولهم : مَسِيل فيمن أَخَذَهُ مِنَ السيل ، وعليهِ المعنى ، ثمّ قَالُوا فيهِ : مُسْلاَن وأمسِلَة وَمَعِينٌ (٢) وأقوى المعنى فيه أن يَكُون من العيون ثمّ قالوا : سَالتْ مُعْنَانُهُ (٣).

فإنْ قُلتَ : فَقَد حَكى يعقوب (٤) وغيرُهُ فِي واحده : مَسَل وَمَسْل ، قيل : يُشْبِه أَنْ يَكونَ ذَلِك لِقولِهم : مُسْلان. فلما سمعوا مُسْلاناً جاءوا بواحِدِهِ على فعْل ، كَبَطْن وَبطْنَان وَظَهر وَظُهرَان ، وعلى فَعَل كَحَمَل وَحُمْلان وأخ وأُخْوَان ـ فيمن ضم ـ. كما قال أبو بكر : إنَّ مَنْ قَالَ ضَفَنَ يَضِفَن فَإنَّما حمله على ذلك الشبهةُ عليهم في قولهم : ضَيْفَن ، إذ كان ضَيْفَن ظاهر لفظِهِ بأنْ يكون فَيْعَلاً لا فَعْلَناً ، وعلى كُلّ حال فـ (الشياطون) غلط ، لكن يُشبِهُهُ ، كما أَنَّ مَن هَمَزَ مصائب كَذَلِك عَنْهُم (٥).

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الشعراء : ٢٦ / ٢١٠ : (وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ) ، وانظر القراءة المذكورة : ص ٤٨.

(٢) مَعين الماءِ : الظاهر الجاري وقيل الماءُ العذبُ. انظر : اللسان : ١٧ / ٢٩٨.

(٣) المُعنان : جمع مَعين وهو الماء الظاهر. يقال : مياه مُعنان وماءٌ معين ، أي جار.

انظر : اللسان : ١٧ / ٢٩٨ والمحتسب : ٢ / ٦٩.

(٤) عبارة يعقوب بن السكيت : وتقول : هو مَسِيل الماء والجمع أمْسِلَة ومُسُل وَمُسْلان ومسائِل. ويقال للمسيل : مَسَل.

انظر : إصلاح المنطق : ٣٧١.

(٥) المحتسب : ٢ / ١٣٣.

٨٦

جمع المؤَنّث السالم

تحويل فَعَل إلى فَعُل وجمعه جمع مؤنث سالماً

قرأ أبان بن تغلب : (ثُمُرات) (١) بضمّتين.

قال أبو الفتح : الواحدة ثَمَرَة ، كَخَشَبَة ، وثُمُر كَخُشُب. ومثله أَكَمَه وأُكُم ثمّ ضُمّت الميمُ إشْبَاعاً وتمكيناً ، كقولِهم في بُرْد : بُرُد ، وفي قُفْل قُفُل. ثمّ جمع ثُمُر على ثُمُرات جمع التأنيث ، لأِ نَّه لَمّا لَمْ يَعْقِل جَرَى مجرى المؤنث. وذَلِك عندنا لَتخَضُّعِ (٢) ما لا عقل له ، فلحق بذلك بِضَعْفِهِ التأنيث ، فعليه قالوا : يالثاراتِ فلان : جمع ثار لما لم يكن من ذوي العلم. ونحوه قول أبي طالب :

أُسْدٌ تَهُدُّ بالزَّئيراتِ الصَّفَا (٣)

جمع زئير والعلّة واحدة ، وقد ذكرنا هذا مُسْتَقْصىً فِي تَفسِيرِ ديوانِ المتنبي عند قوله :

 ......

فَفِي النَّاسِ بُوقَاتٌ لَها وَطُبولُ (٤)

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة القصص : ٢٨ / ٥٧ : (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْء).

(٢) التّخَضُّع : التَطامُن والتواضُع. اُنظر : لسان العرب : ٩ / ٤٢٥ ومختار الصحاح : ١٧٩.

(٣) ديوانه : ٦.

(٤) صدره :

إذا كان بعض الناس سيفاً لدولة

 ......

والبيت من قصيدة للمتنبّي يمدح فيها سيف الدولة. اُنظر : الديوان : ٢ / ٨٧.

٨٧

ومنه مَا أَنشَدَهُ الأَصْمَعي من قولِ الراجز :

وَارْدُدْ إِلى حُوَراتِ حُور شِقَّةُ

فَجَمَعَ حُوراً عَلى حُورات لَمَا ذَكَرْنَا (١).

تنوين ألف الإلحاق

حكى ابن سلام قال : قال سيبويه : كان عيسى بن عُمَر يقرأ (٢) (عَلَى تَقْوىً مِنَ اللهِ) (٣) قُلْتُ : على أَيّ شيء نوَّنَ؟ قالَ : لا أدري ، ولا أعرفُ.

قلت : فَهَلْ نوَّنَ أَحدٌ غَيرُهُ؟ قال : لا.

قال أَبو الفتح : أَخبَرَنَا بهذهِ الحكاية أبو بكر جعفر بن علي بن الحَجَّاج ، عن أَبي خليفة الفضل بن الحُبَابِ ، عن محمّد بن سلام. فأمَّا التنوينُ فَإنَّهُ وَإنْ كَانَ غيرَ مسموع إلاَّ في هذه القراءَة فَإنَّ قِيَاسَهُ أَنْ تَكُونَ أَلِفُه لِلإلحاقِ لا للتأنيث كَتَترَىً (٤) فيمن نوّن (٥) وَجَعَلَها ملحقة بجعفر.

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ١٥٣.

(٢) انظر : مختصر في شواذ القرآن : ٥٥ والبحر المحيط : ٥ / ١٠٠ وعيسى بن عُمَر الثقفي : ١١٩ و ١٩٥.

(٣) من قوله تعالى من سورة التوبة : ٩ / ١٠٩ : (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللهِ وَرِضْوَان خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُف هَار).

(٤) منَ قولهِ تعالى من سورة المؤمنون : ٢٣ / ٤٤ : (ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ).

(٥) قرأ بالتنوين أبو عَمرو وابن كثير وأبو جعفر. ينظر : الكشف عن وجوه القراءات : ٢ / ١٢٨ وإتحاف فضلاء البشر : ١٩٥.

٨٨

وَكَان الأشبَه بقدرِ سيبويه أَلاَّ يقفَ في قياس ذلك وألاَّ يقول : لا أدري.

ولولا أَنَّ هَذه الحكاية رواها ابنُ مجاهد ورويناها عن شيخنا أبي بكر لتوقّفتُ فيها. فأمّا أَنْ يقولَ سيبويه : لَم يقرأ بِها أَحَد فجائز. يعني فيما سَمِعَهُ ، لَكنْ لا عذرَ لَهُ في أَنْ يقولَ : لا أَدري ، لأنَّ قياسَ ذلك أخفُّ وأسهلُ على ما شرحنا من كونِ أَلِفه للإلحاق (١).

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣٠٤.

٨٩
٩٠

الباب الثاني

النكرة وأنواع المعارف

٩١
٩٢

النكرة والمعرفة

١ ـ الفرق بين النكرة والمعرفة

قرأ حِطَّانُ بن عبد الله : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ رُسُلٌ) (١) وكذلك هي في مصحف ابن مسعود.

قال أبو الفتح : هذه القراءةُ حسنة في معناها ، وذلِك أَنَّهُ موضع اقتصاد بالنبيّ صلّى الله عليه وآله وإعلام أَنَّهُ لا يلزم ذمّتَه مِمَنْ يُخالفه تبعةٌ ، لقولِهِ تعالى : (وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ الْمُبِينُ) (٢) ، فلما كان موضع اقتصاد به وفك لِيَد الذمِّ عن ذمّته ، وكان مَنْ مَضَى مِنَ الأنبياءِ عليهم السّلام في هذا المعنى مثله ، لاقَ بالحالِ تنكير ذكرهم بقوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُلٌ) (٣). وذلك أَنَّ التنكيرَ ضَربٌ مِنَ الكف والتصغير ، كما أَنَّ التعريفَ ضَربٌ مِنَ الإعلام والتشريفِ ، أَلا تَرى إلى قَوْلِهِ :

فَمَنْ أَنتُمُ إنَّا نَسِينَا مَنْ انتُمُ

وَرِيُحكُم مِنْ أَيِّ ريحِ الأَعاصِرِ (٤)

__________________

(١ و ٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٤. وهي قراءة ابن عباس. انظر : إملاء ما منَّ به الرحمن : ١ / ١٥١. وقرأ الجمهور : (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ) الرسل بالتعريف كما في المصحف. انظر : المحتسب : ١ / ١٦٨.

(٢) سورة العنكبوت : ٢٩ / ١٨.

(٤) البيت لزياد الأعجم. انظر : الخصائص : ٣ / ٨٩ و ١٦٧ وهمع الهوامع : ١ / ١٥٥ والدرر اللوامع : ١ / ١٣٧ وحاشية ياسين : ١ / ٢٥٣.

٩٣

فَأينَ هَذا مِنْ قَولِهِ :

هَذا الذي تَعرِفُ البطحاءُ وَطْأتَهُ

والبيتُ يعرفُهُ والحلُّ والحَرَمُ (١)

ولهذا قال :

مِنْ حَدِيث نَمى إليَّ فَمَا أطْعَمُ

غُمضاً ولاَ أَلَذُّ شَرابي (٢)

فنكَّر الغُمْضَ احتقاراً لَهُ إذ كَانَ لا يعرِفُهُ ، وَعَرّف الشَّرَابَ إذ كَانَ لا بُدَّ أَنْ يشربَ وإن قل. قَالَ :

على كُلّ حال يأكلُ المرءُ زَادَهُ

مِنَ الضُّرِّ والبأسَاءِ وَالحَدَثَانِ (٣)

وِلأَجلِ ذَلِك لَم تندُبِ العربُ المبهمَ ولا النكرةَ لاحتقارها ، وإنَّما تندُب بأشهر أسماءِ المندوبِ ، ليكونَ ذلك عُذراً لَهَا في اختلاطها وتفجّعها (٤).

__________________

(١) نُسِبَ البيتُ في المحتسب إلى الحَزين الكناني في مدح عبد الله بن عبد الملك بن مروان وينسب إلى الفرزدق من قصيدة في مدح الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) وليست في ديوان الفرزدق والقصيدة التي منها هذا البيت منسوبة إلى الفرزدق في مدح الإمام زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) في أكثر من مصدر منها : أمالي المرتضى : ١ / ٦٧ والأغاني (ساسي) : ١٩ / ٤٠ ووفيات الأعيان : ٦ / ٩٥ وشرح شواهد المغني للسيوطي : ٢٤٩. كما ذكرها بروكلمان في تاريخ الأدب العربي : ١ / ٢١٤ فقال توجد قصيدة الفرزدق في مدح زين العابدين مخطوطة في جوتا : ١٤ و ٢٦ وليدن ٥٩٠ وباريس ٥٦ ، ١٢٠٥ و ٥ و ٤٢٦١ وبوهار ٤٣٦ وطبعت على الحجر في طهران سنة ١٢٧٥ هـ.

(٢) البيت لعلفاء بن الحارث. انظر : المحتسب : ١ / ١٦٩ ومعجم الشعراء : ٤٣٣.

(٣) ينسب البيت لأعرابية وهو في : مجالس ثعلب وربيع الأبرار.

(٤) هذا هو رأي البصريين ، أمَّا الكوفيون فذهبوا إلى جواز ندبةِ النكرةِ والأسماءِ الموصولة ، واستشهدوا بقول العرب : (وا من حفر بئر زمزم اهـ) وما أشبَهَ ذلك ، وردَّ البصريون ذلك.

انظر : الكتاب : ١ / ٣٢٤ والإنصاف في مسائل الخلاف : ٢ / ٢٠١ مسألة ٥١.

٩٤

ويؤكّده أَيضا قولُهُ تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِك مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْك وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْك) (١) فجرى قولُهُ سبحانه : (وَمَا مُحَمَّد إلاَّ رَسول قَد خَلَتْ مِن قَبِلِهِ رُسُلٌ) (٢) مجرى قولك لصاحبك : أخدم كَمَا خَدَمَنَا غَيرُك مِن قَبلِك ولا تبعةَ عليك بَعْدَ ذَلِك ، فهذا إذاً موضع اسماح له فلابدّ إذن من إلانة ذكره.

وعليه جاء قولُهُ تعالى : (أَفئِنْ ماتَ أوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ) (٣) فَأضَافَ سبحانَهُ مِن عذرِهم وَأعْلَمَ أنْ لاَ متَعَلَّق عليه بشيء من أمرهم ، فلهذا حسن تنكير (رُسُل) هاهنا (٤).

٢ ـ مفاد نكرة الجنس مفاد معرفته

قرأ الأعمش : (آلحقُّ هو) (٥).

قال أَبو الفتح : اعلم أَنَّ الأجناسَ تتساوى فائِدتَا معرفتِها ونكرتِها في هذا ، تقول : ثِق بأمان مِنَ اللهِ ، وَثِق بالأمانِ من اللهِ ، وهذا حقٌّ وهذا الحقُّ ، وهذا صدقٌ ، وهذا الصدقُ ، ومِنهُ قَولُهُم : خَرَجْتُ فإذَا بالبابِ أسدٌ ، وإذا بالباب الأسد ، المعنى واحد ، ووَضْعُ اللَّفظِ مختلف ، وسببُ ذلك كونُ

__________________

(١) سورة غافر : ٤٠ / ٧٨.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٤ وفي المصحف الشريف (الرُّسُلُ).

(٣) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٤.

(٤) المحتسب : ١ / ١٦٨ ـ ١٦٩.

(٥) من قوله تعالى من سورة يونس : ١٠ / ٥٣ : (وَيَسْتَنبِئُونَك أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ).

٩٥

الموضعِ جِنساً (١).

وَقَرأَ الحسن : (اهْدِنَا صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٢).

قال أَبو الفتح : ينبغي أَنْ يكونَ أَرادَ ـ واللهُ أَعلمُ ـ التذلُّلَ للهِ سبحانَهُ ، وإظهارَ الطاعةِ له ، أَي : قد رَضِينا منك يا ربَّنَا بِمَا يُقالُ لَهُ : صراط مستقيم ، ولسنا نريد المبالغة في قول من قرأَ : (الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ) (٣) أي الصراط الذي قد شاعَت استقامته وَتَعُولِمَتْ في ذلك حالُهُ وطريقتُهُ : فإنَّ قليلَ هذا منك لنا زاك عِندَنا وكثيرٌ من نعمتِك عَلَينَا ، وَنَحنُ لَهُ مطيعون وإلى ما تأمرُ بِهِ وتنهى فيه صائرون.

وزادَ في حسن التنكير هنا ما دخله من المعنى ، وذلك أَنَّ تقديَرهُ أَدِم هِدَايتَك لَنَا ، فَإنَّك إذا فَعَلْتَ ذلك بنا فقد هديتنا إلى صراط مستقيم فجرى حينئذ مَجرى قولِك : لَئِن لقيتَ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وآله) لَتَلْقَيَنَّ مِنْهُ رَجُلاً مُتَنَاهِيًّا في الخيرِ ورسولاً جامعاً لِسُبُلِ الفَضْلِ.

فقد آلتْ بهِ الحالُ إِلى معنى التجريد ، كقولِ الأَخطل :

بنزوةِ لص بعدَ مَا مرّ مصعب

بِأشعثَ لا يُفلَي ولاَ هُوَ يَقمَلُ (٤)

ومصعب نفسهُ هو الأَشعثُ (٥) وعليهِ قولُ طَرَفَة :

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣١٢.

(٢) من قوله تعالى من سورة الفاتحة : ١ / ٦ : (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ).

(٣) سورة الفاتحة : ١ / ٦.

(٤) ديوان الأخطل : ١٠ وإعراب القرآن المنسوب إلى الزجّاج : ٢ / ٦٦٦.

(٥) استشهد بهذا البيت مؤلّف كتاب إعراب القرآن المنسوب إلى الزجّاج : ٢ / ٦٦٦ ثمّ استشهد بهذه العبارة. وبهذا نضع علامة استفهام على نسبة مثل هذا الكتاب إلى الزجّاج المتقدّم على ابن جني زماناً.

٩٦

جازتِ القومَ إلى أَرحُلِنَا

آخرَ الليلِ بيعفور خَدِر (١)

وهي نفسها عندَهُ اليعفورُ. أنشدنا أبو علي :

أفَاءَتْ بَنُو مروانَ أَمسِ دماءَنا

وفي اللهِ إنْ لَمْ يحكُمُوا حكمٌ عدلُ (٢)

وهو سبحانه أعرف المعارف ، وقد سمّاه الشاعر حَكَماً عدلاً ، فأخرجَ اللفظَ مخرجَ التنكيرِ ، فقد ترى كيف آلَ الكلامُ من لفظ التنكير إلى معنى التعريف ، وفيه مع ذلك لفظ الرضا باليسير. وعليه قولُ اللهِ عزّ اسمه : (وَلَهَدَيْنَاهُم صِراطاً مُسْتَقِيماً) (٣) أَي : هديناهم من نعمتنا عليهم ، ونَظَرِنا لَهُم صِراطاً مستقيماً ، وقال كُثَير :

أميرُ المؤمنينَ على صراط

إذا اعوجَّ الموارِدُ مستقيمُ (٤)

وهذا كقولك : أَمير المؤمنين على الصراطِ المستقيمِ ، لا فرقَ بينهما ، وذلك أَنَّ مَفادَ نكرةِ الجنسِ مفادُ معرفتِهِ من حيثُ كانَ في كُلُّ جزء منهُ معنى ما في جملتهِ ، ألا ترى إلى قوله :

وَأَعلَمُ أَنَّ تَسْلِيمَا وتَرْكَا

لَلاَ متشابهانِ وَلا سواءُ (٥)

__________________

(١) انظر : ديوان طرفة : ٦٨ والخصائص : ٢ / ١٧٧. واليعفور : ظبي تعلوه حمرة ، والخَدِر : الفاتر العظام البطئ عند القيام.

(٢) لأَبي الخطَّار الكلبي. انظر : معاهد التنصيص : ٣ / ١٦ وحماسة ابن الشجري : ٤ والخصائص : ٢ / ٤٧٥ وإعراب القرآن المنسوب إلى الزجّاج : ٢ / ٦٦٦.

(٣) سورة النساء : ٤ / ٦٨.

(٤) نسبه ابنُ جِنِّي لكثير وهو لجرير من قصيدة في مدح هشام بن عبد الملك. أُنظر : ديوان جرير : ٥٠٧ وتفسير القرطبي : ١ / ١٢٨ والمحتسب : ٢ / ٣٧٩.

(٥) البيت لأبي حزام غالب بن الحارث العكلي.

أُنظر : همع الهوامع : ١ / ٨٨ وخزانة الأدب. ط. بولاق : ١٢٩٩ هـ : ٤ / ٣٣١ وشرح الشواهد للعيني : ١ / ٢٨١ والمحتسب : ١ / ٤٣.

٩٧

فهذا في المعنى كقولهِ : إنَّ التسليم والترك لا متشابهان ولا سواء (١).

رُويَ عن عاصم أنَّه قرأ : (وَمَا كَانَ صَلاَتَهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ) نصباً (إِلاَّ مُكَاءٌ وَتَصْدِيَةٌ) (٢) رفعاً. رواه عبيدالله ، عن سفيان ، عن الأعمش أَنّ عاصماً قرأ كذلك.

قال الأعمش : وَإنْ لَحَنَ عاصمٌ تلحن أَنت؟ وقد رُوِيَ هذا الحرف أَيضاً عن أبان ابن تغلب أَنَّهُ قرأ كذلك.

قال أبو الفتح : إعلم أَنَّ نكرةَ الجنسِ تفيد مفادَ معرفتِهِ أَلاَ تَرى أَنَّك تقول : خرجتُ فَإذَا أسَدٌ بالبابِ ، فتجد معناهُ معنى قولك خرجت فإذا الأسدُ بالبابِ لا فرق بينهما؟ وذلك أَنَّك في الموضعين لا تريد أَسداً واحداً معيناً ، وإنَّما تريد خرجتُ فإذا بالباب واحدٌ من هذا الجنس ، وَإذا كانَ كذلك جازَ هنا الرفع في (مُكاء وتصدية) جوازاً قريباً حَتَّى كَأ نَّهُ قالَ : وما كانَ صلاتُهم عند البيتِ إلاّ المكاءُ والتصديةُ ، أَي : إلاَّ هذا الجنس من الفعلِ ، فإذا كان كذلك لم يجرِ هذا مجرى قولك : كان قائمٌ أخاك وكان جالسٌ أباك ، لأِ نَّه ليَس في جالس وقائم معنى الجنسيَّةِ التي تلاقي معنيا نكرتها ومعرفتها على ما ذكرنا وقدمنا (٣).

إتباع لاحق لسابق في التنكير

قرأ ابن مسعود : (ومكراً سيئاً) (٤).

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٤١ ـ ٤٣.

(٢) من قوله من سورة الأَنفال : ٨ / ٣٥ : (وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاءً وَتَصْدِيَةً).

(٣) المحتسب : ١ / ٢٧٨ ـ ٢٧٩.

(٤) من قوله تعالى من سورة فاطر : ٣٥ / ٤٣ : (اسْتِكْبَاراً فِي الاَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلاَ يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاَّ بِأَهْلِهِ).

٩٨

قال أَبو الفتح : يشهد لتنكيره تنكير ما قبله من قولِ اللهِ سبحانِهُ : (اسْتِكْبَاراً فِي الاَرْضِ) وقراءة العامة أقوى معنى وذلك أنَّ (المكر) فيها معرفةِ لإِضافته الى المعرفة ، أَعني (السّيء) فكأنَّه قالَ : والمكر السيء الذي هو عال مستكَره مستنكَر في النفوسِ. وعليه قال مِن بَعْدُ : (وَلاَ يَحيِقُ المَكْرُ السّيءُ إلاَّ بأَهْلِهِ) وأَبَدَلَ (استكباراً) وما بعدَهُ من النكرةِ مثله وهي هو من قوله : (مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً) (١) وَحَسُنَ تنكير الاستكبار لأ نَّهُ أدنى إلى (نفور) ممّا بَعْدَهُ ، وقد يَحسُنُ مع القُربِ فيه ما لا يَحسُنُ معَ البعد ، وأعتمد ذَلِك لقوةِ معناهُ بِتَعْرِيفهِ والإخبار عنه بِأ نَّهُ مثله لا يخفى لِعظَمِهِ وشناعته (٢).

الضمير

١ ـ حركات الضمير

أ ـ حركة الهاء وميم الجمع

قال تعالى : (أنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) (٣) ذكر أَبو بكر أحمد بن موسى : أَنَّ فيها سبعَ قراءات :

الأولى : عليهُمُو (٤).

الثانية : وعليهُمُ. بضم الميم من غير إشباع إلى الواو (٥).

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة فاطر : ٣٥ / ٤٢ : (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً).

(٢) المحتسب : ٢ / ٢٠٢.

(٣) سورة الفاتحة : ١ / ٧.

(٤) قراءة ابن أبي إسحاق ومسلم بن جندب والأعرج وعيسى الثقفي وعبد الله بن يزيد وأبي عمرو. انظر : المحتسب : ١ / ٤٢ والبحر المحيط : ١ / ٢٦.

(٥) قراءة ابن أبي إسحاق. مختصر في شواذ القرآن : ١ والمحتسب : ١ / ٤٤.

٩٩

الثالثة : وعليهُمْ. بسكون الميم مع ضمَّة الهاء (١).

الرابعة : وعليهِمي (٢).

الخامسة : وعليهِمْو. بكسر الهاء وسكون الميم (٣).

السادسة : وعليهِمُو. بكسر الهاء وواو بعد الميم (٤).

السابعة : وعليهِمُ. مكسورة الهاءِ مضمومة الميم من غير واو (٥).

وزادَ أبو الحسن سعيد بن مُسْعِدَةَ الأخفش على ما قالَ أبو بكر ثلاث قراءات فصار الجميع عشر قراءات ، كالآتي :

الثامنة : عليهُمِي. بضم الهاء ، وميم مكسورة بعدها ياء (٦).

التاسعة : وعليهُمِ. بضمة الهاء وكسرة الميم من غير إشباع إلى الياءِ (٧).

العاشرة : وعليهِمِ. بكسرة الهاء وكسرة الميم أَيضاً مِنْ غير بلوغِ ياء (٨).

فتلك عشرة أَوجه (٩) خمسة من ضم الهاءِ وخمسة من كسرها.

قال أَبو الفتح : أما (عليهُمُو) فهي الأصل لأِ نّها رَسِيلة عليهُما في التثنية : أَعني : ثبات الواو كثبات الألف (١٠) ، وينبغي أَنْ تعلمَ : أَنَّ أَصلَ هذا الاسم

__________________

(١) قراءة حمزة. البحر المحيط : ١ / ٢٦.

(٢) قراءة الحسن وعمرو بن فايد. مختصر في شواذ القرآن : ١ والمحتسب : ١ / ٤٤.

(٣) قراءة الجمهور. البحر المحيط : ١ / ٢٦.

(٤) قراءة ابن كثير. البحر المحيط : ١ / ٢٦.

(٥) قراءة الأعرج. المحتسب : ١ / ٤٤.

(٦ ـ ٨) لم يذكرها الأخفش في معاني القرآن.

(٩) وكلّها قد قرئ بها. أنظر : إملاء ما منّ به الرحمن : ١ / ٩.

(١٠) قال سيبويه : وإذا كانتِ الواو والياء بعد الميم التي هي علامة الإضمار كنتَ بالخيار : إنْ

١٠٠