أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

(ت / ٣١٦ هـ) وردّ عليه في كثير من المسائل النحوية واللغوية ، ولذلك بنى لنفسه بهذا الكتاب ـ فضلاً عن سائر كتبه ـ مكانة ومجداً (١) ، ومن أشهر تلاميذه ابنُ جِنِّي (٢) (ت / ٣٩٢ هـ) ، وقد توفّي أبو علي في بغداد (سنة / ٣٧٧ هـ) (٣) ودفن عند قبر أبي بكر الرازي (٤) (ت / ٣١١ هـ) (٥).

كان أبو علي الفارسي بصرياً في مذهبِهِ النحويِّ (٦) ، والأدلّة تؤكّد أنّه شيعي في نحلته (٧) وهناك من يشكِّك في ذلك ، يرى أَنَّ الأدِلَّةَ لم تنهضْ بهذا الادعاء (٨) ويتطرّف آخرون فينفون عنه التشيّع (٩) والله أعْلم بسريرة الرجل الذي شايع أهل البيت (عليهم السلام) ووالاهم.

ابن جنّي

لَيسَ مِنْ مهمةِ هذا الكتاب أن يُحيطَ بِأخبارِ أبي الفتح عثمان بن جني ، فموضوعُهُ موضوعٌ آخر ، ولم يَعُد هَذا العالِمُ العَلَمُ بحاجة إلى التعريف. إنَّهُ صارَ في حياتِنا الثقافيَّة والعلميَّة أشهرَ من أنْ يُعَرَّفَ ، فَبينَ أيدينا مِنْ كتبهِ

__________________

(١) معاني القرآن وإعرابه للزجّاج : (المقدمة) : ق.

(٢) معجم الأُدباء : ٧ / ٢٣٤ وإنباه الرواة : ١ / ٢٧٤.

(٣) بغية الوعاة : ٢١٦.

(٤) هو أبو بكر محمّد بن زكريا الطبيب العلاّمة صاحب كتاب الحاوي في الطِّبِّ وصاحبُ المصنّفاتِ الأُخرى في الطِّبِّ والفلسفة. شذرات الذهب : ٢ / ٢٦٣.

(٥) أعيان الشيعة : ٢١ / ١٦.

(٦) الفهرست : ٦٤ والمسائل الشيرازيات : ١٩١ والحُجَّة ـ المقدّمة : ١٠ ـ ١١ وطبقات النحويين : ١٢٠.

(٧) أبو علي الفارسي : ٨٢ ـ ٨٧.

(٨) الحُجَّة : ـ المقدّمة ـ : ٧ ـ ٩.

(٩) سرّ صناعة الإعراب : ـ المقدّمة ـ : ١ / ٣٤.

٦١

الخصائصُ ، والمحتسبُ ، وسرُّ صناعِة الإعراب والمنصف واللُّمَعُ والفسْرُ والتـَّمـَامُ والفتح الوهبي والمبهج وغيرُها (١) ، وَلَولا أَنَّهُ مؤلّفُ المحتَسب الذي يدُور البحثُ في هذا الكتاب عليهِ لما عرضنا لَهُ بحديث.

كان جِنِّي ـ بكسر الجيم والنون المشددة (٢) ـ مملوكاً روميًّا لسليمانَ بنِ فهد الأزدي (٣) وزير شرف الدولة قرواش صاحب الموصل ، وتتعدّد الروايات في تاريخ مولد صاحبنا أَبي الفتح ابن جنّي ، فبعضهم يذكر أَنَّهُ وُلِدَ سنةَ ثلاثمائة للهجرة (٤) ، وبعضهم يذكر أَنَّهُ وُلِدَ سنةَ اثنتين وثلاثمائة (٥) ، وبعض آخر يذكر أَنَّهُ وُلِدَ سنةَ ثلاثين وثلاثمائة (٦).

وقد رجَّحَ عددٌ من الباحثين أَنَّهُ وُلِدَ سنةَ اثنتين وعشرين وثلاثمائة (٧) وكانت ولادته في الموصل وهو بلد حَسَنُ البناءِ طيبُ الهواءِ صحيحُ الماءِ ولا يخلو من أستاذ عال أَو فقيه مذكور (٨). وانصرفَ مُنْذُ صباهُ إلى طلبِ العلمِ ، وَقَد دَفَعَهُ طُمُوحُهُ إلى أنْ يتصدَّرَ مبكراً مجلسَ التدريس في جامعِ الموصل ، وقبل أن يتمَّ نضجُهُ ، وفي (عام / ٣٣٧ هـ) على الأرجح (٩) كان

__________________

(١) الخصائص : ١ / ٦٥ وما بعدها ، وابن جني النحوي : ٩٣ والمحتسب : ١ / ٧.

(٢) الخصائص : ١ / ٨.

(٣) معجم الأُدباء : ١٢ / ٨١ ، وشذرات الذهب : ٣ / ١٤٠.

(٤) تاريخ الموصل : ٢ / ٦٣ وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان : ٢ / ٢٤٤.

(٥) تاريخ أبي الفداء : ٤ / ٢٩.

(٦) الفهرست : ٨٧ ، ومعجم الأُدباء : ١٢ / ٨٣ ، ووفيّات الأعيان : ٣ / ٢٤٦ وبغية الوعاة : ٣٢٢ ، وروضات الجنّات : ٥ / ١٧٨.

(٧) الخصائص : ١ / ١٠ والمحتسب : ١ / ٦ وابن جني النحوي : ٣٧.

(٨) أحسن التقاسيم : ١٣٨.

(٩) انظر : الخصائص : ١ / ١٠ و ١٨ وابن جِنِّي النِّحوي : ٣٧.

٦٢

ابنُ جنِّي يُدَرِّسُ مَسْأَ لةَ قلبِ الواوِ ألِفاً في نحو قالَ وقامَ فَمَرَّ بهِ شيخٌ وَسَمِعَ حديثَهُ ثمّ اعترضَ عليهِ فَقَصَّرَ ابنُ جنِّي في الجوابِ فقالَ له الشيخُ (تزببْتَ وأَنْتَ حصرم) (١) ، ويبدو أَنَّهُ وَجَدَ عِنْدَ الشيخِ عِلْماً غزيراً ، وهو يحاورُهُ ، فسألَ عنهُ ، فقيلَ لَهُ : هذا أَبو عليّ الفارسي (٢) فلَزِمَهُ ، وصاحَبَهُ إلى أنْ ماتَ أَبو علي (٣) ، وقالوا : إنَّ مدّةَ هذهِ الصحبة أربعَونَ سنة (٤) لم يفترقا بعدها إلاَّ بموتِ أبي علي (٥).

أثر أبي علي الفارسي في ابن جنّي

تأثَّرَ ابنُ جِنِّي باُستاذِهِ أبي عليّ الفارسي في كثير من الأُمور ، في الفِكرِ (٦) وفي المذهبِ النحوي (٧) وفي القراءات أَيضاً.

فقد كان احتجاج ابن جِنِّي للقراءات الشاذَّة بوحيّ من شيخِهِ وتوجيهه. فإنَّ الشيخَ الفارسي بعد أنْ أَلَّفَ الحُجَّةَ في عِللِ القراءاتِ السَّبعِ فكر أنْ يؤلِّفَ

__________________

وقد رجَّحنا ذلك ولم نأخذ بقول من قال إِنَّ هذا الحادث كان (عام / ٣٤١ هـ) لأسباب منها أنَّ الرواة تروي أنَّ ابنَ جِنِّي صاحبَ أبا علي أربعين سنة وأَنَّ أبا علي توفي (سنة / ٣٧٧ هـ). وأَنَّ معز الدولة غزا الموصل (عام / ٣٣٧ هـ) ويُحتَمَلُ أنْ يكونَ أبو علي بصحبتِهِ لأنّه يلازمُهُ. انظر : الكامل : ٦ / ٣٢٩ وأبو علي الفارسي : ٣٢٧.

(١) نزهة الألباء : ٢٤٥.

(٢) نزهة الألباء : ٢٤٥ ، ومعجم الأُدباء : ١٢ / ٩١.

(٣) انظر : نزهة الألباء : ٢٤٥ ، ومعجم الأُدباء : ١٢ / ٩١ ، وبغية الوعاة : ٣٢٢.

(٤) نزهة الألباء : ٢٤٥ ، ومعجم الأُدباء : ١٢ / ٩١ ، وبغية الوعاة : ٣٢٢.

(٥) سرّ صناعة الإعراب : ٣٤.

(٦) المزهر : ١ / ١٠ والأشباه والنظائر : ١ / ٣٠٣.

(٧) الخصائص : ١ / ٤٤ وطبقات النحويين : ١٢٠ وسرّ صناعة الإعراب : ٣٤ والمسائل الشيرازيات : ١٩١ وأبو علي الفارسي : ١٧٥.

٦٣

كتاباً يحتجُّ فيهِ للقراءاتِ الشاذَّةِ ، بل إنَّهُ (قد همَّ أَنْ يضعَ يدَهُ فيهِ ويبدأ بهِ فاعترضتْ خوالجُ هذا الدهرِ دونَهُ وحالتْ كبواتُه بينه وبينه) (١) ولذلك تَقَدَّم أَبو الفتح بن جنّي فحقّق رغبة أُستاذِهِ حينَ أَلَّف كتابه الُمحتَسَب مُحتَجًّا للقراءاتِ الشاذَّةِ متّخذًّا من شيخِهِ قدوةً في هذا العمل.

وَلَعَلَّ من الأَسباب التي حملته على تأليفِ المحتسب أَنَّهُ لم يجدْ كتاباً خاصّاً بالاحتجاج للشاذِّ من القراءاتِ وتوضيح عللها وتخريجها (٢).

وسبب آخر هو أَنَّه أراد أنْ يؤكّد أَنَّه لا موجبَ لهذا الموقف الصلب من شواذ القراءات (٣) ، وأراد أَنْ يتصدَّى للدفاع عنه إذ كان يرى أنَّ ذلك واجب (لأِ نَّه مما أمر الله تعالى بتقبله وأراد منا العمل بموجبه) (٤).

ويبدو أثر أَبي عليّ الفارسي في تلميذه ابن جنّي في المحتسب واضحاً فهو يستشهد به كثيراً (٥) ، وربما كان يختبره أبو عليّ الفارسي كأنْ يقول : «سألني يوماً أبو عليّ فقال : أيُّ شيء مثلُ غَوغاءَ وغَوَغاء؟ فقلت له : قولهم للمنخوبِ (٦) هو هَوْهٌ وَهَوْهَاءَةٌ» (٧) وربَّمَا وصفَ شيخَهُ أَباعليّ بالتَّعَسُّفِ ، نحو

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٢) المحتسب : ١ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٣) غاية النهاية : ٢ / ٥٢ و ٢ / ١٢٣.

(٤) المحتسب : ١ / ٣٣ ـ ٣٤.

(٥) المحتسب : ١ / ٨٨ ، ٩٥ ، ١٣٧ ، ١٧٤ ، ٢٥٨ ، ٣٤٠ و ٢ / ٢٥ ، ٥٤ ، ١٥٢ ، ١٥٥ ، ١٧١ ، ٢٣٩ ، ٣٣٠ وغيرها.

(٦) المنخوب : الجبّان ، من لا فؤاد له.

اُنظر : أساس البلاغة ـ نخب ـ : ٢ / ٤٢٩.

(٧) المحتسب : ٢ / ٩٤.

٦٤

قوله : «فأمَّا مَا أنشدنا أبو علي عن الكسائي (ت / ١٨٩ هـ) من قول الشاعر :

أَخو الذّيبِ يَعوي والغُرابِ وَمَنْ يَكُنْ

شَرِيكَيهِ تَطْمَعْ نَفْسُهُ كُلَّ مَطْمَعِ (١)

ففيه نظر. وكان قياسه ومن يكنْ شريكيها أو من يكونَا شريكيه وقد كان أبو عليّ يتعسَّفُ هذا» (٢).

وربما وَجَدَ شَيخَهُ يتأوّل في بعضِ المسائلِ فَيُنَبّه على ذلك (٣) وإذا وَجَدَ رأياً راجحاً على رأي شيخِهِ أَخَذَ بِهِ (٤) وَقَد يهجُرُ رأي شيخِهِ ويأتي بما يراه أَحسنَ (٥) ، وقد يختلف معه (٦).

وقد تأ ثّر ابنُ جنِّي بأُستاذِهِ أَبي عليّ الفارسي باستعمالِ المنطقِ في احتجاجه (٧) ، ولكنَّهُ لا يبالغ في ذلك مبالغة أُستاذه الذي كان أُسلوبُهُ غَامِضاً أَحياناً ، أَمَّا أسلوبُ ابنِ جِنِّي فهو سلسٌ خال مِنَ التعقيدِ ، وكما كان أبو عليّ لا يطلق القول من غير تثبُّت ، ولكنّه يحتاطُ أحياناً كقوله : (... فيما أَظن) (٨) أو (أحسبني فقد سمعت) (٩) فقد تأثّر ابن جنّي بهذا فكان يقول لتثبّته : (فيما

__________________

(١) البيت لغضوب امرأة من رهط ربيعة بن مالك. انظر : النوادر : ١١٩ والخصائص : ٢ / ٤٢٣.

(٢) المحتسب : ٢ / ١٨٠.

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٣٩.

(٤) المحتسب : ٢ / ٢٢٨.

(٥) التمام : ٢١٨.

(٦) ابن جني النحوي : ٣١٨.

(٧) المحتسب : ١ / ٩٥ ـ ٩٦ و ١ / ٣٢٦.

(٨) الشيرازيات : ١ / ١٠ / أ.

(٩) الشيرازيات : مسألة ٣٨ / ١٥.

٦٥

أظن ...) (١) و (أظنّني سمعت) (٢) و (أظنّني قد ذكرت) (٣) و (أَحسبني سمعت) (٤) وغير ذلك (٥).

موقف ابن جنّي من ابن مجاهد

لقد تعقّب ابنُ جنّي ابنَ مجاهد في عدّة مواضع من المحتسب ، مع اعترافه بفضله وإكباره إيَّاهُ (٦) ، ذلك لأَن أَبا بكر بن مجاهد كان يقول بشذوذ ما خرج عن قراءات الأئمّة السبعة (٧) ، ورأي ابن جنّي كما سبق لا يتّفق معه (٨). فكان يُخطِّئهُ في تعليقاتهِ على القراءات الشَّاذَّة ، من حيثُ التفسيرُ اللغويُّ (٩) والتوجيهُ الإعرابيُّ من المسائل النحويَّةِ (١٠) أو الصرفيَّةِ (١١) ، وابنُ جِنِّي في هذا الجانب أوسَعُ علماً من ابنِ مجاهد وأطولُ باعاً وأعلى كعباً.

يقف ابنُ مجاهد عند بعض القراءات عاجزاً عن تخريجها فيقول : «ما أدري مَا هذا» (١٢) فيعلِّقُ ابنُ جِنِّي قائلاً : «رحمَ اللهُ ابنَ مجاهد فلقد كانَ كبيراً

__________________

(١) المحتسب : ١ / ١٢٩ و ٢ / ١٥.

(٢) المحتسب : ١ / ٦٥.

(٣) المحتسب : ١ / ٢٢٩.

(٤) المحتسب : ١ / ١٥٣.

(٥) المحتسب : ٢ / ٨٦.

(٦) انظر : المحتسب : ١ / ٣٠ ، ٣٥ ، ٣٠٤ ، ٢ / ٣٢٩ وغيرها.

(٧) أبو علي الفارسي : ٣٧٦.

(٨) انظر : المحتسب : ١ / ٣٢.

(٩) انظر : على سبيل المثال : المحتسب : ١ / ١٢١.

(١٠) المحتسب : ١ / ١١٢ ، ١٢٥ ، ١٦٣ ، ١٨٠ ، ٢١١ ، ٢٣٦ ، ٣٢٦ و ٢ / ٢٠٥ ، ٣٢٨.

(١١) المحتسب : ١ / ٧١ و ٩٥.

(١٢) المحتسب : ٢ / ٣٢٨.

٦٦

في موضعهِ مسلّماً فيما لم يَمْـهَرْ بِه» (١).

ويقولُ في مكان آخرَ : «رَحِمَ الله أَبا بكر إنَّه لَم يألُ فيما عَلمَهُ نصحاً ولا يُلزِمُهُ أَنْ يُرِي غيرَهْ ما لم يُرِهِ اللهُ تعالى إيَّاه» (٢).

وقال : «هذا الذي أَنْكَرُهَ ابنُ مجاهد عندي مستقيمٌ جائزٌ» (٣).

وقال : «خَلَّطَ ابنُ مجاهد في هذا التفسير تخليطاً ظاهراً غيرَ لائق بِمَن يُعتَبَرُ إماماً في روايتِهِ وإنْ كانَ مضعوفاً في فقاهتِه» (٤).

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٣٢٩.

(٢) المحتسب : ١ / ٧١.

(٣) المحتسب : ١ / ١٢٥.

(٤) المحتسب : ١ / ١٣٠.

٦٧

أسباب تأثير أبي عليّ الفارسي في ابن جنّي

لقد ترك الشيخُ في تلميذِهِ أثراً واضحاً بلْ انَّ التلميذَ صارَ صورةً منقحةً من شيخِهِ بعدَ الصحبةِ الطويلةِ لَقَدْ أَحبَّ التلميذُ الشيخَ ، كحُبِّ الشيخِ للتلميذِ ، ومن مظاهر هذا الحب المتبادل :

١ ـ إنهما لم يفترقا طوال مدّة أربعين سنة (١) ، ولولا المودّةُ بينَهما لَمَا دامت هذه الصُّحبةُ كُلَّ هذه المدّة ، ولصرفَ أبو علي أبا عثمان بن جني كما صرفَ تلميذَهُ الآخرَ علي بن عيسى الربعي (٢) (ت / ٤٢٠ هـ) بعد أنْ لازمَهُ عشر سنين (٣).

٢ ـ إِنَّهُمَا من مدرسة نحوية واحدة هي مدرسة البصرة (٤).

قال ابن جنّي : «مذهب أصحابنا في كلّ شيء من هذا النحو مِمَّا فيه حرفٌ حلقيٌّ ساكنٌ بعد حرف مفتوح : أنّه لا يُحرَّك إلاَّ على أَنَّه لغةٌ فيهِ ....

__________________

(١) سرّ صناعة الإعراب : ١ / ٣٤.

(٢) هو علي بن عيسى بن الفرج الربعي أَحدُ أَئمّة النحو وحُذَّاقِهِ ، أَخذَ عن السيرافي ورحل إلى شيرازَ ولازمَ أبا علي الفارسي عشرَ سنينَ حتَّى قالَ له ما بقي شيءٌ تَحتَاجُ إليه .. انظر : معجم الأُدباء : ١٤ / ٧٨ وإنباه الرواة : ٢ / ٢٩٧ وبغية الوعاة : ٣ / ٤٤.

(٣) بغية الوعاة : ٣ / ٤٤.

(٤) الفهرست : ٦٤ وطبقات النحويين : ١٢٠ والخصائص : ١ / ٤٤ وسرّ صناعة الإعراب : ١ / ٣٤ والمحتسب : ٢ / ٢٣٨.

٦٨

ومذهبُ الكوفيينَ فيهِ أَنَّهُ يُحَرَّك الثاني .... وما أَرى القولَ من بعدُ إلاَّ معهم» (١).

وقال : «تقدَّمَ القولُ على حديثِ فتحةِ الحرفِ الحلقيِّ إذا كانَ ساكنَ الأَصل تالياً للفتح وذكر الفرق بين قولنا وقول البغداديين (٢) فيه. وإنّني أرى فيه رَأيهم لا رأي أصحابِنَا» (٣). فلا نحسبُهُ يعني بكلمةِ أصحابنا غيرَ البصريينَ (٤) ، بل نقطعُ بذلك إذا كان منهم سيبويه (٥) وقطرب (٦) وأبو علي الفارسي (٧) ، بل يقول بصريح العبارة : «وغرضنا نحن مذهب سيبويه لا غيره» (٨).

٣ ـ الاتفاق الفكري بين التلميذ والأستاذ ، فإذا كانَ أبو علي الفارسي شيعياً حقاً ، وهو الحقُّ ، في غير مواربة ولا مصانعة (٩) ، فإنَّ الأدلّةَ التي

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٨٤.

(٢) زَعَمَ الدكتورُ شوقي ضيف في كتابه المدارس النحوية : ٢٤٦ وجود مذهب نحوي بغدادي ونسب إليه أبا علي الفارسي وابن جني ولكن هذا النص صريح بأن ابن جني ليس من البغداديين ، وإنّ البغداديين ليسوا إلاَّ الكوفيينَ.

وممن فنّد وجود مذهب بغدادي الدكتور مهدي المخزومي في كتابه الدرس النحوي في بغداد : ٢٣٠ ومابعدها والدكتور فاضل السامرائي في كتابه ابن جنِّي النحوي : ٢٤٧ وما بعدها.

(٣) المحتسب : ٢ / ١٦٦.

(٤) اُنظر : المحتسب : ١ / ١٠٨ ، ٢٣٤ ، ٣٤٩ والخصائص : ٣ / ١٦٣ وابن جني النحوي : ٢٥٥.

(٥) المحتسب : ٢ / ٣٤٠.

(٦) المحتسب : ٢ / ٣٤٨.

(٧) المحتسب : ٢ / ٣٤٣.

(٨) التمام : ٢٠١.

(٩) أبو علي الفارسي : ٨٧.

٦٩

وردت في الخصائص (١) وسرّ صناعة الإعراب (٢) والأدلّة الواردة في كتاب ابن جِنِّي النِّحوي (٣) تشهدُ بكلِّ وضوح على ثبوت التشيّع عندَ ابنِ جِنِّي (٤).

٤ ـ كان ابنُ جِنِّي ينظرُ إلى كتبِ شَيخِهِ وكأ نَّها كتبُهُ ، يقول : «وهذه الأبيات قد شرحها أبو علي رحمه اللهُ! في البغداديات فلا وجه لإعادة ذلك هنا» (٥) ، ويقول : «وقد تُقصِّيَ هذا في عدّة أماكن من كلام أبي علي وكلامي فتركت الإطالة بذكره» (٦).

٥ ـ كان ابن جِنِّي يذكرُ أستاذَهُ بالإجلال والتقدير فيقول عنه مثلاً : «وللهِ هو وعليهِ رحمتُهُ! فما كان أَقوى قياسه وأَشدّ بهذا العلم اللطيف الشريف أُنسه! فكأَ نَّهُ إنَّمَا كانَ مخلوقاً لهُ ، وكيفَ لا يكونُ كذلك وقد قام على هذه الطريقة مع جِلَّةِ أصحابِها سبعينَ سنةً زائحةً عللُهُ ساقطةً عنهُ كِلَفَةُ وجعله هَمَّهُ وَسَدَمَهُ (٧)؟» (٨).

وإذا ذكره قال (رضي الله عنه) (٩). وكان أبو علي قد سَمِعَ كُتُبَ ابنِ جنِّي

__________________

(١) الخصائص : ٣٧ وما بعدها.

(٢) سرّ صناعة الإعراب : ٤١ ـ ٤٢.

(٣) ابن جني النحوي : ٥٥ ـ ٦١.

(٤) أبو علي الفارسي : ٨٧.

(٥) الخصائص : ١ / ٣٣١.

(٦) التمام : ٢١١.

(٧) السدمُ : الهَمُّ : انظر : لسان العرب (سدم) : ١٥ / ١٧٥ وأساس البلاغة : ١ / ٤٣١ ومختار الصحاح : ٢٩٢ ومختارات القاموس : ٢٩٥.

(٨) الخصائص : ١ / ٢٧٦ ـ ٢٧٧.

(٩) الخصائص : ١ / ٢٧٧.

٧٠

واستجادَها (١).

٦ ـ امتدتْ رعايةُ الشيخِ بعدَ وفاتِهِ لتلميذِهِ فقد أَوصَى أَبو علي بثلثَ مالهِ لنحاة بغدادَ فكان ثلاثين أَلفَ دينار (٢) ، ومن يمثّل نحاةَ بغدادَ ويتوجَّهُ القصدُ إليهِ ، إلاّ الصاحبُ ابنُ جنّي خليفة الشيخ في مجلسِ درسِهِ (٣)؟

__________________

(١) سرّ صناعة الاعراب : ١ / ٣٤.

(٢) غاية النهاية : ١ / ٢٠٧.

(٣) أبو علي الفارسي : ٣٢٨.

٧١

بين الحجّة والمحتسب في المنهج

يُجمِلُ أبو علي الفارسي منهجَهُ في أَوَّلِ كتابِ الحُجَّةِ حينَ يقولُ : «إنَّ هذا كتابٌ نذكرُ فيه وجوهَ قراءاتِ القُرَّاءِ الذين تثبت قراءتُهم في كتاب أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد المترجَم بمعرفةِ قراءاتِ أهلِ الأمصارِ بالحجازِ والعراقِ والشامِ ، بعد أنْ تقدَّمَ ذِكْرُ كُلِّ حرف من ذلك حسب ما رواه وأخذناهُ عنهُ. وقد كان أبو بكر محمّد بن السري شرع في تفسير صدر من ذلك في كتاب كان ابتدأ بإملائه وارتفعَ منهُ تبييضُ مَا في سورةِ البقرةِ من وجوهِ الاختلاف عنهم وَأَنا أَسند إِليهِ ما فسَّرَ من ذلك في كتابي هذا» (١).

ويُلخِّصُ ابنُ جِنِّي منهجَهُ في مقدّمةِ كتابِهِ الُمحتَسَب بقولِهِ : «وأنا بإذن اللهِ بادئ بكتاب أَذكرُ فيهِ أَحوالَ ما شذَّ عن السبعةِ وقائلٌ في معناهُ مِمَّا يَمُنُّ بِهِ اللهُ عزَّ اسمُه» (٢).

يُفهَمُ من هذين النَّصَينِ أَنَّ الكتابين لهما موضوعانِ مختلفانِ وليسَ موضوعهما واحداً كما يذهب إليهِ الأساتذة محقّقو المحتسب (٣).

صحيح إنّهما كتابان في الاحتجاج للقراءات ولكن (الحجّة) موضوعهُ

__________________

(١) الحُجَّة : ١ / ٣ ـ ٤.

(٢) المحتسب : ١ / ٣٤.

(٣) المحتسب : ١ / ١٣.

٧٢

قراءة القراء السبعة ، (والمحتسب) موضوعه القراءات الشاذّة أو بالأحرى بعض القراءات الشاذّة ، لأنّ المحتسب ليس موضوعاً على جميع القراءات الشاذّة عن قراءة السبعة ، انما الغرض منه إبانة ما لطفتْ صنعتُهُ وغربت طريقتُهُ ، أمَّا ما كان عارياً من الصنعةِ فلا وجهَ للتشاغلِ بِهِ (١).

وأبو علي في الحُجَّة كانَ يعرِضُ خلافَ القُرَّاءِ في القِراءةِ التي يريدُ الاحتجاج لها نقلاً عن ابن مجاهد ثمَّ يأتِي بكلام ابن السَّرَّاج ويضيف إليهِ ما عنده ، وهكذا كان في سورة الفاتحة وآيتين من سورة البقرة ، ثمّ انفردَ بَعْدَ ذَلِك وهو يُعرِبُ ويفسّر ويدقّق ويستطرد ويُطيلُ الاستطرادَ ويستشهدُ بالقرآن والحديثِ والشِّعرِ والأمثالِ ، ويناقش ويعترض ، ثمّ يخرج برأي يراه ، ولا يترك المسأَلةَ إِلاَّ وَقَدْ أَشبعها بحثاً ، وقلَّبها على كُلِّ الوجوهِ وتكثر في أسلْوبهِ الجملُ الاعتراضية ، وفي عبارتِهِ غموض مِمَّا جَعَلَ كتابَهُ لا يُقبِلُ عليهِ إلاَّ خاصَّةُ العُلمَاءِ الذينَ يطيقون فهمه ويحسنون الانتفاع به (٢).

ويدلّك على ذلك قول ابن جنِّي فيه : «وقد كان شيخُنَا أبو علي عمل كتاب الحجّة فأغمضَه وأطالَهُ حتَّى مَنَعَ كثيراً مِمّن يدَّعِي العربيةَ ـ فضلاً عن القراءة ـ منه وأجفاهم عنه» (٣).

وأمَّا ابنُ جِنِّي فكانَ في الُمحتسَبِ يحتجُّ للقراءات الشاذَّةِ بعبارة واضحة سلسة خالية من الغموض ويستشهد بقراءة على قراءة (٤) ،

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣٥.

(٢) الحُجَّة : ١ / ٣١.

(٣) المحتسب : ١ / ٢٣٦ ، وله قول قريب من هذا في الكتاب نفسه : ١ / ١٩٧.

(٤) المحتسب : ١ / ١١٨ و ٣١٦.

٧٣

وبالحديث (١) والشعر (٢) والأمثال (٣) من غير إِسهاب ولا استطراد ، ويصرِّحُ أَنَّهُ يَكرهُ ويَتَحَامَى «الإطالة لا سيّما في الدقيق لأ نّه مِمَّا يجفو على أهلِ القرآن» (٤) ويقول عن المحتسب : «إنَّه كتاب سُئِلنَا اختصارَهُ .... فأوجبتِ الحالُ الإجابة إلى ذلك» (٥).

وللتخلُّصِ من الإطالة (٦) يحيلك ابنُ جِنِّي في المحتسب على مؤلفاتِهِ الأخرى (٧).

كان ابنُ جِنِّي يميل إلى الاختصار (٨) في المحتسب ولا يذكر من الشواهد إلاّ ما يستوجب المقام ذكره وكانَ أَبو علي الفارسي في الحُجَّةِ يستطرد ويُكثِرُ منَ الشواهد وكأ نَّها كانت تتزاحم عليه فيُدلِي بها ولا يكتفي منها بالقليل ، ويُلاحَظ على ابنِ جِنِّي أَنَّهُ كانَ يستشهدُ بشعر المولدين (٩) فقد استشهد بشعر أَبي تمام (١٠) وأبي العتاهية (١١)

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣٥١ و ٢ / ٤٥ و ٢٤٦.

(٢) تطالعك الشواهد الشعرية في أكثر صفحات الكتاب.

(٣) المحتسب : ١ / ١٣٨ و ١٨٤ و ٢ / ٧٠ و ٧٨.

(٤) المحتسب : ١ / ١٩٧.

(٥) المحتسب : ٢ / ٢٣١.

(٦) المحتسب : ١ / ٤٩.

(٧) المحتسب : ١ / ٧٠ و ٩١ وغيرها.

(٨) انظر : المحتسب : ١ / ٢٦٣ و ٢ / ٣٠٣.

(٩) المحتسب : ١ / ٤٣ و ١٤١ و ٢ / ١٩٠ و ٢٩٥.

(١٠) المحتسب : ١ / ٢٢٩ و ٢ / ١٢٨ و ١٤٤ و ٢٣٤.

وأبو تمام هو حبيب بن أوس الطائي شاعرٌ مشهورٌ من شعراء العصر العباسي ، توفي (سنة / ٢٣١ هـ). انظر : الأغاني : ١٥ / ١٠٠ وبروكلمان : ٢ / ٧١.

(١١) المحتسب : ١ / ١٥٣ والاستشهاد هنا في غير اللغة والنحو.

٧٤

والمتنبي (١) ، لكنَّهُ استشهاد للمعاني أو لزيادة البيان وتقريب المسلك ، ويستشهدُ ابنُ جنّي باللهجات (٢) العربية أكثر من شيخه. لقد استفاد ابنُ جِنِّي من تجربةِ أُستاذِهِ فتجنَّبَ كلَّ ما كان يؤخذُ على أبي علي من إبهام وغموض واستطراد ، واستعان به في المسائل والأصول والتفسير اللغوي. أحسن الله لهما وجزاهما خيراً بما خدما القرآنَ واللغةَ.

__________________

وأبو العتاهية هو إسماعيل بن القاسم مولى بن عنزة شاعر الزهد المشهور ، توفي (سنة / ٢١١ هـ).

انظر : الأغاني : ٣ / ١٢٦ وتاريخ الأدب العربي لبروكلمان : ٢ / ٣٤.

(١) المحتسب : ١ / ١٤٠ ، ٢٩٥ ، و ٢ / ١٩ و ١٥٣ و ٢٠١.

(٢) انظر : فهرس اللهجات في المحتسب : ٢ / ٤٧٤.

٧٥

المحتسب من ذخائر النحو والصرف

كالحجّة للفارسي

كما يُعدُّ كتابُ الحُجَّةِ مصدراً جليلاً من مصادر تُراثِنا في اللغة والنحو والصرف ومسائل الخلاف والشواهد والأصوات ولهجات القبائل (١) فإنَّ المحتسبَ يعدُّ من ذخائر النحو والصرفِ واللهجاتِ بما اشتملَ من مسائل لغويَّة ونحويَّة وصرفيَّة وبمَا حوى من الإعراب وما فيه من لهجات القبائل ، لأنَّ ابنَ جِنِّي كانَ ذَا ملاحظة دقيقة وبصر نافذ ومهارة في تأليفِ عدد من الكتبِ القيمةِ ، وفي المحتسب إشاراتٌ إلى بعضِهَا مثل سرِّ صناعةِ الإعرابِ (٢) والمنصف (٣) والتمام (٤) والمحاسن (٥) والتنبيه (٦) والمعرب (٧) والخطيب (٨) وشرح ديوان المتنبي (٩) والخصائص (١٠) وفي كتاب الخصائص

__________________

(١) الحُجَّة : ١ / ٣١.

(٢) المحتسب : ١ / ٦٢ ، ١٢١ ، ١٨١ ، ٢ / ١٣٥ ، ١٦٢ ، ٢٦٦.

(٣) المحتسب : ١ / ٩٢ ، ١٢١ ، ١٨٢ و ٢ / ١٣٥ ، ٢١٨.

(٤) المحتسب : ٢ / ١٣٥.

(٥) المحتسب : ١ / ٢٠٥.

(٦) المحتسب : ١ / ١٩٣.

(٧) المحتسب : ٢ / ٤٤.

(٨) المحتسب : ٢ / ١٦٢ و ٢١٧.

(٩) المحتسب : ١ / ١١٣ و ٢٩٥ و ٢ / ١٥٣.

(١٠) المحتسب : ١ / ٤٧ و ٥٥ و ٧٠ و ٩١ و ٩٣ و ١٠٦ و ١٠٨ و ٣٢٢ و ٣٢٩ و ٢ / ١٣٥ و ١٦٢ و ٣١٧ وغيرها.

٧٦

ـ فضلاً عن غيره ـ مسائل نافعة في أُصول اللغة وفقه اللغة ، بل أن الخصائص أجدر الكتب أنْ يسمّى بفقه اللغة (١). والإشارة إلى هذه الكتب في المحتسب دليلٌ على أَنَّهُ أُ لِّفَ بعدها ، بل هناك أدلّة أخرى على أَنَّ ابنَ جِنِّي أَلَّفَ المحتسب في آخر حياته (٢) عندما شعر أنَّ منيتَهُ قد دَنَتْ وأنَّ حياتَهُ قد آذَ نَتْ بِزَوال (٣) ، وفي مُقدِّمَةِ المحتسبِ نفسِهِ من كلامِ ابنِ جِنِّي ما يشيرُ إلى ذلك (٤).

أريد أن أرتّب على هذا أنَّ ابنَ جِنِّي أَلَّفَ المحتسبَ وهو يحملُ علماً غزيراً فأودع ذلك العلمَ هذا الكتابَ.

__________________

(١) دراسات في فقه اللغة : ٨.

(٢) المحتسب : ١ / ١٣ وأبو علي الفارسي : ٣٣١ ـ ٣٣٢.

(٣) المحتسب : ١ / ١٢.

(٤) المحتسب : ١ / ٣١.

٧٧

تداخل المسائل في المحتسب

لتعدّد مصادرها في القرآن

لقد تداخلتِ المسائلُ في المحتسبِ لتعدُّدِ مصادرِها في القرآن ، فتراه يشرح مسأَلةً نحويَّةً وينتقلُ إلى أخرى صرفيَّة أو لُغَويَّة ويعودُ إلى مسألة نحويَّة وهكذا حسب ورودِ المسائلِ في القرآن الكريمِ ، وهو في كُلِّ ذلك غزيرٌ متدفّقٌ يُقَلِّبُ النظرَ في المسائل ، ويشرحُ بأسلوب واضح خال من الغموض والتعقيد بعيد عن الإسهاب ، وقد أعانَهُ على ذلك علمٌ غزيرٌ في النحو والصرفِ واللغة وتجربةٌ طويلةٌ من صحبته لشيخِهِ أَبي علي الفارسي ، وملاحظةٌ دقيقةٌ ، وبصرٌ نافذٌ ، وفطانةٌ واعيةٌ في عُمْق فقد سَبَقَ أنْ نظر في خصائص اللغة وأحوالها (١) عندما ألّف كتبه الخصائص ، والمنصف ، وسرّ صناعة الإعراب ، والتي كان يشير إليها كثيراً في المحتسب ، فاستغلَّ كلَّ ذلك في الاحتجاج للقراءات. وسنعود ـ إن شاء اللهُ ـ لدراسة هذه المسائل في صلب بحثنا الذي خصّصناه للدراسات النحوية.

__________________

(١) أبو علي الفارسي : ٣٨٠.

٧٨

الباب الأوّل

الأسماء الستّة ، المثنّى ،

الجمع السالم ، التنوين

٧٩
٨٠