أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

مرفوْعٌ لاَِ نَّهُ جَعَلَهُ استئنافاً ، أَيْ : هُوَ مِمَّنْ يَلْعَبُ كقولِكَ : زُرنِي أَحْسِنُ إلَيْكَ ، أَيْ : أَنَا مِمَّنْ يُحْسِنُ إليكَ إِلاَّ أنَّ الرفعَ فِي (أُحْسِنُ) هُنَا يُضْعِفُ الضَّـمَـان ، أَلاَ تَرَى أَنَّ مَعْنَاهُ : أَنَا كَذَلِكَ وَلَيْسَ فيهِ قُوَّةُ مَعْنَى الإحسان إليه مَعَ الجزمِ؟ وَأَمَّا (يُرْتِعْ وَيَلْعَبْ) فَمَجْزُومَانِ لاَِ نَّهُمَا جَوَابانِ : أَحَدُهُمَا مَعْطُوفٌ عَلَى صَاحِبِهِ ، وَهُوَ عَلَى حَذفِ المَفْعُولِ ، أَيْ : يُرتِعْ مَطيتَهُ فحذَفَ المَفْعُولَ (١).

وقرأَ الحَسنُ وابنُ مُحَيْصِن : (وَأَذِنَ فِي الناسِ) (٢) ، بالتَّخفيف.

قَالَ أَبو الفتح : (أَذِنَ) معطوفٌ عَلَى (بَوَّأَ نَا) فَكَأَ نَّهُ قَالَ : (وَإِذْ بَوَّأْ نَا لاِِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ) ، وأَذِن ، فَأمَّا قَوْلُهُ عَلَى هَذَا : (يَأْتُوكَ رِجَالاً) فَإنَّهُ انْجَزَمَ لاَِ نَّهُ جوابُ قَولِهِ : (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ) ، وَهُوَ عَلَى قِرَاءَةِ الجَمَاعةِ جَوابُ قَوْلِهِ : (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) (٣).

رَفع الفعلِ المضارع

إسكان المرفوع تخفيفاً

قَرَأَ : (وَيَذَرْكَ) (٤) بِإسْكَانِ الرَّاءِ الأَشْهَبُ.

__________________

(١) تنظر : ص : ٢٥٥. والمحتسب : ١ / ٣٣٣ و ٣٦٣ و ٢ / ١١ و ٨٩ و ١٢٩ و ٣٥٦.

(٢) من قوله تعالى من سورة الحج : ٢٢ / ٢٦ ـ ٢٧ : (وَإِذْ بَوَّأْ نَا لاِِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِك بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوك رِجَالاً وَعَلَى كُـلِّ ضَامِر يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجّ عَمِيق).

(٣) المحتسب : ٢ / ٧٨.

(٤) من قوله تعالى من سورة الأعراف : ٧ / ١٢٧ : (وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ).

٥٤١

قَالَ أَبُو الفتحِ : أَمَّا (وَيَذْركَ) بالإِسْكَانِ فَمِنْ يَذَرُكَ كَقِراءَةِ أَبِي عَمرو (إِنَّ اللهَ يَأمُرْكُمْ) (١).

وَحَكَى أَبُو زَيد : (رُسُلْنَا) (٢) بِاسكانِ اللاّمِ استثقالاً للضَّمَّةِ معَ توالي الحركاتِ وَلَمْ يُسْكِنْ أَبو عمرو (يَأَمُرُهُمْ) (٣). كَمَا أَسْكَنَ (يَأَمُرُكُمْ) وَذَلِك لِخَفاءِ الهاءِ وَخِفَّتِها فَجَاءَ الرَّفْعُ عَلَى وَاجِبِهِ وَلَيْسَتِ الكافُ فِي (يَأمُرْكُم) بخفية وَلاَ خفيفةَ خفّة الهاءِ ولا خفاءَهَا. فَثَقُلَ النُّطْقُ بِهَا فَحَذَفَ ضَمَّتَها (٤).

وَقَرَأَ الحَسَنُ وأبُو رَجاء وقَتَادة وَسَلاَّم وَيَعقوبُ وعبدُ اللهِ بنُ يزيدَ والأعمشُ والهمذاني : (وَيَذَرْهُمْ) (٥) بالياءِ وَجزمِ الراءِ.

قَالَ أبو الفتح : قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ إِسكانِ المرفوعِ تخفيفاً (٦) ، وَعَليهِ قراءة من قرأ أَيْضاً : (وَمَا يُشْعِرْكُمْ) (٧) بِإسْكَانِ الرَّاءِ وَكَأَنَّ (يشعْركُمْ) أَعذر من (يَذَرْهُم)

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٥٨ : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ).

(٢) من قوله تعالى من سورة الزخرف : ٤٣ / ٨٠ : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُـنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) وسكون اللاّم رواية أَبي زيد. المحتسب : ١ / ١٩٩.

(٣) من قوله تعالى من سورة الأعراف : ٧ / ١٥٧ : (يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُـمْ عَـنِ الْمُنكَرِ).

(٤) انظر : المحتسب : ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٥) من قوله تعالى من سورة الانعام : ٦ / ١١٠ : (وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّة وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ).

(٦) اُنظر : المحتسب : ١ / ٢٥٦ ـ ٢٥٧.

(٧) من قوله تعالى من سورة الأنعام : ٦ / ١٠٩ : (قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِندَ اللهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لاَ يُؤْمِنُونَ) ، والقِرَاءَةُ المُشَارُ إلَيهَا هِيَ قِرَاءَةُ أَبِي عمرو. إتحاف فضلاءِ البشر : ١٢٩.

٥٤٢

لاَِنَّ فيه خروجاً من كسرِ إِلى ضَمّ ، وهو في (يَذَرْهُم) خُرُوجٌ مِنْ فَتْح إلَى ضَمّ (١).

وَقَرَأَ مَسْلَمة بنُ مُحارب : (وَإِذْ يَعِدْكُمُ اللهُ) (٢) بإسكان الدَّالِ.

قَالَ أَبُو الفتح : أَسْكَنَ ذَلِكَ لِتَوَالِي الحَرَكَاتِ وَثِقلِ الضمّة (٣).

قَالَ حَمَّاد بن شُعَيب : قُلْتُ لِلأَعْمَش : (يَعِدُهُم وَيُمَنِّيهم وَمَا يعدُهُم) (٤) فَقَالَ : أَيعدُهُم؟ إنَّمَا هُوَ : (يَعِدْهُم وَيُمَنّيهم وَمَا يَعِدْهُم) ، ساكنة.

قالَ أَبو الفتح : قَدْ تَقَدَّمَ القولُ عَلَى نحوِ هَذَا ممَّا أُسْكِنَ فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ تخفيفاً لِثقلِ الضَّمَّةِ. قَالَ أَبُو زيد فِيما حَكَاهُ عَنْهُم : (بَلَى وَرُسُلْنا لَدَيْهِم يَكتُبُونَ) (٥) بِسكُونِ اللاّمِ تخفيفاً عَلى هَذَا (٦).

وَقَرَأَ مَسْلَمَة : (فَسَيُحْشُرْهُم) (٧) (فَيُعَذّبْهُمُ) (٨) ساكنة الرَّاءِ والباءِ.

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٢٢٧.

(٢) من قوله تعالى من سورة الأنفال : ٨ / ٧ : (وَإِذْ يَعِدُ كُـمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ).

(٣) المحتسب : ١ / ٢٧٣.

(٤) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ١٢٠ : (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُـمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُوراً).

(٥) من قوله تعالى من سورة الزخرف : ٤٣ / ٨٠ : (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لاَ نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُـنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ).

(٦) المحتسب : ١ / ١٩٩.

(٧) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ١٧٢ : (وَمَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إلَيْهِ جَمِيْعاً).

(٨) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ١٧٣ : (وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَاباً أَلِيماً).

٥٤٣

قَالَ أَبُو الفَتحِ : قَدْ سَبَقَ نحو هذا وأَ نَّهُ إنَّمَا يُسَكَّنُ استثقالاً للضَّمَّةِ ، نَعَمْ وربما كَانَ العمَلُ خَلْساً فَظُنَّ سُكُوناً وَقَدْ سَبَقَتْ شَوَاهِدُ السُّكُونِ بِمَا فِيهِ (١).

قد التَّحقِيقِيَّة

قَرَأَ حُذيفَةُ : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَقَدِ انْشَقَّ القَمَرُ) (٢).

قَالَ أَبُو الفتحِ : هَذَا يَجْرِي مجرى المُوافقة عَلَى إسقاطِ العُذرِ ورَفعِ التَّشَاك ، أيْ : قَدْ كَانَ انشقاقُ القَمَرِ مُتَوَقَّعاً دلالةً عَلَى قُرْبِ السَّاعَةِ فَإذَا كَانَ قَدْ انْشَقَّ ـ وانْشِقَاقُهُ مِنْ أَشْرَاطِهَا وَأَحَدِ أَدِلَّة قُربِهَا ـ فَقَدْ تَوَكَّدَ الأمرُ فِي قربِ وُقُوعِهَا وَذَلِكَ أَنَّ (قَدْ) إنَّمَا هِيَ جوابُ وقوعِ أَمر كانَ متوقّعاً.

يقولُ القائلُ : انظر أَقَامَ زَيدٌ وَهَلْ قَامَ زَيدٌ؟ وَأَرجُو أَلاَّ يَتَأَخَّر زَيَدٌ فَيَقُولُ الُمجيبُ : قَدْ قَامَ. أَيْ : قَدْ وَقَعَ مَا كَانَ مُتَوَقَّعاً (٣).

نونا التوكيد

١ ـ الثقيلة

قَرَأَ لاحق بن حُمَيد : (فَلاَ يَنْزِعَنَّك) (٤) قَالَ أَبُو الفَتح : ظَاهِرُ هَذَا فَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ عن دِينِكَ إلى أَدْيَانِهِم ، فَيَكُونُ بصورةِ المَنْزُوعِ عَنْ شَيء إلَى غيره.

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٢٠٤.

(٢) من قوله تعالى من سورة القمر : ٥٤ / ١ : (اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ).

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٩٧.

(٤) من قوله تعالى من سورة الحج : ٢٢ / ٦٧ : (لِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يُنَازِعُنَّكَ فِي الاَْمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم).

٥٤٤

وَمِنْهُ قَولُ اللهِ : (وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّك الَّذِينَ لاَ يُوْقِنُونَ) (١) ونحوه قول يونس (٢) في قولِ اللهِ تَعَالى : (ثُمّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلَّ شِيعَة أَيَّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمنِ عُتِيا) (٣) أَلاَ تَرَاه كَيفَ ذَهَبَ إلى تعليقِ ينزع في هَذَا الموضعِ؟ وَلَوْ كَانَ بمنزلةِ نَزَعَ الرَّجُلُ الرِّجْلَ مِنَ الخُفِّ أَو المِسْـمَـارَ مِنَ الجِذْعِ ونحوه ، لَمَا جَازَ تعليقُهُ.

قَالَ أَبُو عَلِيّ : فَإنَّمَا هُوَ إذاً كقولك لَـنُـمَيِّزَنَّهُمْ بالاعتقادِ والعِلْمِ فَنَخُّصُّهُمْ باسْتْحِقَاقِ الذَّمِّ بِمَا يَجِبُ اعتقادُهُ فِي مِثْلِهِم.

هَذَا مَحْصُولُ ما كَانَ يقولُهُ أَبُو عَلِيّ وَإنْ لَمْ يَحضرنِي الآنَ صورةُ لفظِهِ.

فَكَذَلِكَ إذاً قولُهُ : (لِكُلِّ أُمَّة جَعَلْنَا مَنسَكاً هُمْ نَاسِكُوهُ فَلاَ يَنَزِعَنَّكَ فِي الاَْمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُّسْتَقِيم). أَيْ : فَاثْبُت عَلَى دينك ولا يمل بكَ هواكَ إلى اعتقاد دينِ غيركَ.

وَأَما قراءة العامّة : (فَلاَ يُنَازِعُنَّك فِي الاَْمْرِ) أي : فاثبت على يقينكَ في صحَّةِ دينكَ ولا تلتفت إِلى فسادِ أَقوالِهِم حَتَّى إِذَا رأَوك كَذَلِكَ أَمْسَكُوا عَنْكَ وَلَمْ يُنَازِعُوكَ ، فَلفَظُ النَّهي لَهُم وَمَعناهُ لَهُ صلّى الله عليه وآله. ومثله قولهم : لا أَرينَّكَ هَاهُنّا.

أَلاَ تَرَى أَنَّ مَعْنَاهُ : لاَ تَكُنْ هُنَا فَأَراكَ؟ فالنَّهيُّ فِي اللّفْظِ لِنَفْسِهِ ، وَمَحْصُولُ مَعْنَاهُ لِلْمُخَاطَبِ. وَمِثْلُهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ :

__________________

(١) سورة الروم : ٣٠ / ٦٠.

(٢) الكتاب : ١ / ٣٩٨.

(٣) سورة مريم : ١٩ / ٦٩ وتنظر : ص : ٥٣ و ٥٤. و (عُتِيّا) بضمّ العين قراءة غير الكسائي وحمزة والأعمش وحفص. كما في : إتحاف فضلاء البشر : ١٨١ وقرأ عبد الله بن مسعود (عَتِيّا) بفتح العين. انظر : ص : ٣٥٧. والمحتسب : ٢ / ٣٩.

٥٤٥

لاَ أَعرِفا رَبْرَبا حُوراً مَدَامِعُهَا

كَأَنَّ أَبْكَارَها نِعَاجُ دَوَّار (١)

أي : لا تدنُ مِنّي كَذَلِكَ فاعرفها (٢).

وَقَرأَ علي بن أَبي طالب (كرّم الله وجهه وعليه السلام) وَمسلَمَة بن

مُحَارِب : (فَدَمِّرانِّهم تَدْمِيراً) (٣).

قال أَبو الفتح : أَلْحَقَ نُونَ التَّوكيدِ أَلِفَ التَّثْنِيةِ ، كَمَا تَقُولُ اضربانِّ زيداً ، وَلاَ تقتلانِّ جعفراً (٤).

وَقَرَأَ ابنُ عَبَّاس وأَبو سراج وابنُ أبي عمّار عبدُ الرَّحمن ـ ويُقالُ عمّار ابن أبي عمَّار ـ وأبو عمرو ـ بخلاف ـ وابن محيصن : (هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونَ فَأَطْلِعَ) (٥).

__________________

(١) روى لا أَعرفا وروى العجز :

 ......

كَأَ نَّهُنَّ نِعَاجٌ حَولَ دَوَّارِ

الرَّبرَب : قطيع بقر الوحش وأَبْكَارها : صغارها والدوَّار : ما استدار من الرَّمل. الديوان : ٤٢ والكتاب : ٢ / ١٥٠.

(٢) المحتسب : ٢ / ٨٥ ـ ٨٦.

(٣) من قوله تعالى من سورة الفرقان : ٢٥ / ٣٦ : (فَقُلْنَا اذْهَبَا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآ يَاتِنَا فَدَمَّرْنَاهُمْ تَدْمِيراً). والقراءة التي ذكرها أبو الفتح بن جني مَنسُوبَةً إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام لم أقف لها على سند لا صحيح ولا ضعيف ، وقد نسبها إليه عليه السلام أيضاً الطبرسي في مجمع البيان : ٧ / ٢٩٤ ووصفها بأنها من الشواذ ، ومثله في جوامع الجامع : ٢ / ٦٥٢. وكذلك فعل ابن حجر العسقلاني في فتح الباري : ٩ / ٢٨ ، وأبو حيان الأندلسي في البحر المحيط ـ تحقيق الدكتور التركي : ٦ / ٤٥٧ ويبدو أَنَّ الأصلَ في تلك النسبة هو المحتسب إذ لا أثر ولا عين لها عند أحد قبله ، بحدود تتبعي ، وربما أخذها من مصادر لم أطلع عليها.

(٤) المحتسب : ٢ / ١٢٢ ـ ١٢٣.

(٥) من قوله تعالى من سورة الصافّات : ٣٧ / ٥٤ ـ ٥٥ : (قَالَ هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ * فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي

٥٤٦

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : قَالَ أَبُو حَاتِم : لاَ يجوزُ إِلاَّ فتح النون من (مُطّلِعُونَ) مُشَدَّدَةَ الطَّاءِ كانت أَو مخفّفة.

قَالَ : وقد شكلها بعضُ الجُهَّالِ بالحضرةِ مَكْسُورةَ النُّونِ.

قالَ : وهذَا خَطأٌ. لو كانَ كَذَلكَ لَكَانَ : مُطْلِعِيِّ ، تقلب واو مُطْلِعُونَ ياءً ، يَعني لوقوع ياءِ المتكلم بعدَهَا والأمرُ عَلَى ما ذهبَ إليهِ أَبو حاتِم إلاَّ أنْ يكونَ عَلَى لُغَة ضعيفة وَهْوَ أَنْ يَجْرِي اسمُ الفاعلِ مُجرى الفِعْلِ المضارعِ ، لقربهِ مِنْهُ ، فَيُجْرَى مُطْلِعُونَ مُجْرَى يُطْلِعُونَ. وَعَليهِ قَوُلُ بَعْضَهِم :

أَرَيْتَ إِنْ جِئْتُ بهِ أَمْلُودَا

مُرَجَلاً وَيَلْبَسُ البُرُودَا

أقائِلُـنَّ أَحْضِـرِي الشُّهُــودَا (١)

فَوَكَّدَ اسمَ الفاعِلِ بالنُّونِ وإنَّمَا بَابُهَا الفِعْل كَقَولِ اللهِ تعالى : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ) (٢) ، وقوله تعالى : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَن طَبَق) (٣) ، وَنَحو ذَلِكَ. وَمِنْهُ قَولُ الآخر :

وَمَا أدْرِي وَظَنّي كُلُّ ظنّ

أَمُسْلِمُنِي إِلى قَومِي شَرَاحِي (٤)

يُريدُ : أَمسلميّ ، وهذا شاذ كما ترى ، فلا وجه للقياس عليه (٥).

__________________

سَوَاءِ الْجَحِيمِ).

(١) تقدّم الشاهد في : ص : ٥٤٠.

(٢) سورة التكاثر : ١٠٢ / ٦.

(٣) سورة الانشقاق : ٨٤ / ١٩.

(٤) البيت ليزيد بن محمّد الحارثي. وشراحي مرخم من شراحيل على غير نداء.

المقرب : ١ / ١٢٥ والبحر المحيط : ٧ / ٣٦١ والمغني : ٢ / ٣٤٥ والهمع : ١ / ٦٥ والدرر اللوامع : ١ / ٦٣ وحاشية يس : ١ / ٤٢.

(٥) المحتسب : ٢ / ٢١٩ ـ ٢٢٠.

٥٤٧

٢ ـ الخفيفة

قَرَأَ الحَسَن : (أَلْقياً فِي جَهَنَّم) (١) بالنُّون الخفيفة.

قَالَ أَبو الفتح : هَذَا يُؤَكِّدُ قَوْلَ أصحابِنَا فِي (أَلْقِيَا) إِنَّهُ أَرَادَ (أَلْقِياً) وَأجرى الوصل فيه مُجْرَى الوقف (٢) كَقَوْلِهِ : يَا حَرَسْي (٣) أضربَا عُنُقَهُ (٤).

الخليل بن أَسد النوشجاني قَالَ : حَدَّثَنَا أَبو العَبَّاس العَرُوضِي قَالَ : سَمِعتُ أَبا جعفر المنصور يَقرأ : (أَلَمْ نَشْرَحَ لَك صَدْرَك) (٥) قَالَ ابنُ مجاهد : هذا غير جائز أَصلاً وَإنَّمَا ذَكَرُتُهُ لِتَعْرِفَهُ.

قَالَ أَبُو الفتح : ظَاهِرُ الأمرِ ومألوفُ الاستعمال ما ذَكَرهُ ابنُ مجاهد ، غيرَ أَنَّه قَدْ جاءَ مِثْلُ هَذَا سواء في الشعر.

قَرَأَتُ عَلَى أَبِي عَليّ في نوادرِ أَبي زيد :

مِن أَيِّ يَوْميَّ مِنَ المَوْتِ أَفِرْ

يَوْمَ لَمْ يُقْدَرَ أمْ يَوْمَ قُدِرْ (٦)

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة ق : ٥٠ / ٢٤ : (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّار عَنِيد).

(٢) وصف ابن الأنباري هذا الوجه بِأَ نَّه ضعيفٌ ، لاَِنَّ إِجراءَ الوصلِ مجرى الوقفِ ضعيف في القياس. البيان في غريب إعراب القرآن : ٢ / ٣٨٧.

(٣) كان الحجّاج يقولُ : يَا حَرَسِيُّ اضربَا عُنُقَهُ. مجمع البيان : ٢٦ / ١٠٩.

(٤) المحتسب : ٢ / ٢٨٤.

(٥) من قوله تعالى من سورة الشرح : ٩٤ / ١ : (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ).

(٦) ينسب البيت إلى الإمام علي (عليه السلام) ويروى أَنَّهُ كانَ يقفُ يوَم صفّينَ بينَ الصفّينِ ويقولُ :

أَيَّ يَوْميَّ مِنَ المَوْتِ أَفِرْ

يَومَ لاَ يُقدرُ أَوْ يوَم قُدِرْ

يومَ لاَ يُقْدَرُ لاَ أَرْهَبُهُ

وَمِنَ المَقْدُورِ لاَ يُنْجِي الحَذَرْ

٥٤٨

قِيلَ : أَرَادَ : لَمْ يُقْدَرَا بالنُّون الخفيفة وَحَذَفَهَا.

وَهَذَا عِنْدَنَا غير جَائِزٌ وَذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ النُّونُ للتَّوكِيدِ والتَّوْكِيدُ أَشْبَهُ شيء بهِ الإِسهابُ والإِطْنَابُ لا الإِيجاز والاختصار لكن فيه قولٌ ذُو مَنْعَة وَقَدْ ذَكَرْتُهُ فِي كتابي الموسومِ بِسرّ الصِّنَاعَة (١).

وفي نوادرِ أَبي زيد أَيضاً بيت آخر ويقال : إنّه مصنوع ، وهو قوله :

إِضْرِبَ عَنْكَ الهُمُومَ طَارِقَهَا

ضَرْبَكَ بِالسيفِ قَوْنَسَ الفَرَسِ

فَقَالُوا : أَرَادَ اضرباً بالنُّون الخفيفة ، وَحَذَفَهَا (٢).

حركة المعتل الآخر

قَرَأَ الحسن : (أَوْ يَعْفُوْ الَّذي) (٣) ساكنة الواو.

__________________

كما ينسب إلى الحارث بن المنذر الجَرمي. ويروى (في أي يومي) مكان (من أي يومي). انظر : النوادر : ١٣ والعقد الفريد : ١ / ١٠٥ والخصائص : ٣ / ٩٤ والمغني : ١ / ٢٧٧ والأشموني : ٤ / ٨ ومعجم شواهد العربية : ٢ / ٤٦٨.

(١) قال الزَّمخشري ـ وقد عزا هذه القراءة إلى أَبي جعفر المنصور ـ : «لعلّه بَيّنَ الحاءَ وأَشبعها في مخرجها فظنَّ السامعُ أَنَّهُ فَتَحَهَا» وَيقولُ أَبُو حَيَّانَ : وَلِهذِهِ القراءة تخريجٌ أَحْسَنُ من هذا كلّهِ وهو أَنَّهُ لغةٌ لبعضِ العربِ ، حكاها اللحياني في نوادره وهي الجزم بلن والنصب بلم عكسَ المعروف عند الناس. وقالت نهى حازم الحلي : «والذي أراه أنَّ لم حرف جزم وليست ناصبةً والذي قرأ بفتح الحاء ضغطَ على الحاء بعض الشيء فجاءت حركته مناسبة لحركة الرَّاء قبله وحركة اللاّم بعده فظنَّ السَّامِعُ أنَّهُ نصبَ بلم خصوصاً وأنَّ أبا جعفر المنصور لم يُحسبْ من القرَّاء وقد تنبَّه إلى هذا النسق الصوتي العبقري اللغوي أبو الفتح عثمان بن جنِّي المعروف بعبقريته الوقَّادة ولا أعرف أحداً سبقه إلى هذه اللفتة». المحتسب : ٢ / ٣٦٦ والخصائص : ٣ / ٩٥ وسر صناعة الإعراب : ١ / ٨٥ و ٨٦ والكشاف : ٢ / ٥٥١ والبحر المحيط : ٨ / ٤٨٨ وأثر اللهجات العربية في الدراسات النحوية والقراءات القرآنية : ٣١٥.

(٢) المحتسب : ٢ / ٣٦٦.

(٣) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ٢٣٧ : (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ

٥٤٩

قَالَ أَبو الفتح : سكُون الواو مِنَ المضارعِ فِي موضعِ النَّصْبِ قَليلٌ وَسَكونُ الياءِ فِيهِ أَكْثرُ. وَأَصْلُ السكونِ في هَذَا إنَّمَا هُوَ لِلألِفِ لاَِ نَّهَا لاَ تُحرَّك أَبداً ، وذلكَ كقولكَ : أُريدُ أَنْ تَحْيَا وَأَحِبُّ أَنْ تَسْعَى ، ثُمَّ شُبِّهَتِ اليَاءُ بالألِفِ لِقُرْبِهَا ، فَجَاءَ عَنْهُم مُجِيئاً كَالمُسْتَمِر ، نَحوَ قولِهِ :

كَأَنَّ أَيْدِيِهِنَّ بالموماةِ

أيْدِي جوار بِتْنَ نَاعِمَاتِ (١)

وَقَالَ الآخرِ :

كَأَنَّ أَيدِيِهِنَّ بالقاعِ القَرِقْ

أيْدِي جَوار يَتَعَاطَيْنَ الوَرِقْ (٢)

وقَالَ الأعشى :

إذَا كَانَ هَادِي الفَتَى في البلادِ

صَدْرُ القَنَاةِ أَطَاعَ الأمِيرا (٣)

فِيمَنْ رَواهُ بِرَفْعِ الصدر. وَقَالَ الآخر :

حُدْبا حَدَابير مِنَ الْوَخْشَنِّ

تَرَكْنَ رَاعِيهِنَّ مِثْلَ الشِّنِّ (٤)

__________________

فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَافَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ).

(١) شَبَّهَ إخفَافَ الإبلِ وقد تخضّبتَ بالدماء بأيدي الجواري التي زينها الخضاب.

انظر : مجمع البيان : ٢ / ٢٥٨.

(٢) الرجز لرؤبة : والضمير في (أيديـهن) يعود للإبل والقرق : الأملس والمكان المستوي والورق : الدراهم.

الديوان : ١٧٩ والخصائص : ١ / ٣٠٦ وأمالي الشجري : ١ / ١٠٥ واللسان : ١٢ / ١٩٧.

(٣) صدر القناة أعلى العصا التي يمسك بها الأعمى والأمير يريد به هنا الذي يأمره بالسير والوقوف ويقوده.

انظر : الديوان : ٦٩.

(٤) يصف نوقاً بأ نّها نحيفة قد انحفت ظهورها من الهزال. والحدابير : جمع حدبار ، أو حدبير

٥٥٠

وَقَال الآخر :

يَا دَارَ هند عفتْ إلاّ أَثافِيَها

 ...... (١)

وَقَالَ رؤبَة :

سَوَّى مَسَاحِيهِنَّ تقطيطَ الحُقَقْ

تَفْليلُ مَا قارعْنَ من سُمْرِ الطُّرَقْ (٢)

وَكَان أَبو العَبَّاسِ يَذْهب إلى أنّ إِسْكَانَ هَذِهِ الياءِ فِي موضعِ النَّصْبِ مِنْ أَحْسَنِ الضَّرُورِاتِ (٣) وَذَلِكَ لاَِنَّ الألِفَ سَاكِنَةُ فِي الأَحَوالِ كُلِّهَا ، فَكَذَلِكَ

__________________

وهي من النوق الضامرة التي ذهب لحمها وسنامُها من الهزال. والوخشن : رذالة الناس وغيرهم للواحد والجمع والمذكر والمؤنث.

لسان العرب : ٨ / ٢٦٥ وتاج العروس ـ ط ـ الكويت : ١٠ / ٥٦٤.

(١) صدر بيت للحطيئة وعجزه :

 ......

بَيْنَ الطَّوىْ فَصَارات فَوَادِيهَا

عَفَتْ : دَرَسَتْ ، والأثافي : جمع أُثفية وهي الحجارة تنصب عليها القدر.

والطَّويُّ : البئرُ المطويَّةُ بالحجارة. (فصارات) من وضع الجمع مكان المفرد يريد (اصارة) وهو جبل بين تيماء ووادي القرى ، والصَّارة أيضاً : رأس الجبل. انظر : الكتاب : ٢ / ٥٥ والخصائص : ١ / ٣٠٧ والمنصف : ٢ / ١٨٥ وأمالي الشَّجَري : ٢ / ٢٩٦ وشرح المفصل : ١٠ / ١٠٠ و ١٠٢.

(٢) الرجز لرؤبة. استعيرتِ المساحي هنا لحوافرِ الحمير التي يعود الضمير عليها. أي : سوى مساحيهن تكسير ما قارعت من الطرق جمع طرقة وهي حجارة بعضها فوق بعض. ويروى (سم) مكان (سمر). الديوان : ١٠٦ والمنصف : ٢ / ١١٤ واللسان : ٩ / ٢٥٦ و ١٩ / ٩٣.

(٣) وأجازه أَبو حاتم السجستاني في الاختيار وقال : إنَّهُ لغةٌ فصيحةٌ وَقَالَ في حاشية الصَّبْانِي على شرح الأشموني : والأصح جوازه في السَّعَةِ بدليلِ قراءةِ جعفر الصادق (عليه السلام) : (مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْالِيكُمْ) المائدة : ٥ / ٨٩ بسكون الياء. انظر : همع

٥٥١

جعلت هذه ، ثُمَّ شُبَّهتِ الواو في ذلك بالياء فَقَالَ الأخْطَلُ :

إذَا شِئْتَ أَنْ تَلْهُو ببعضِ حَدِيثِهَا

رَفَعْنَ وَأَنْزَلْنَ القَطِينَ المُوَلَّدَا (١)

وَقَالَ الآخر :

فَمَا سَوَّدَتْنِيَ عامِرٌ عَنْ وِراثة

أَبَى اللهُ أَنْ أَسْمُو بأُمّ وَلاَ أَبِ (٢)

فَعَلَى ذَلِكَ يَنْبغِي أَنْ نحمِلَ قراءةَ الحَسَنِ : (أَوْ يَعْفُوْ الّذِي) فَقَالَ ابنُ مجاهد : وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِي الوَقْفِ ، فَأَمَّا فِي الوَصْلِ فَلاَ يَكُونُ ، وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا فِيهِ. وَعَلَى كُلِّ حَال فالفتح أَعرَبُ : (أَوْ يَعْفُوَ الَّذي) (٣).

وَقَرأَ طَلْحَة بن سليمان : (فَأُوَارِيْ سَوْءَةَ أَخِي) (٤) بِسكون الياءِ فِي (أُوَارِيْ).

قَالَ أَبو الفتح : قَدْ سَبَق القولُ عَلَى سُكُونِ هَذِهِ الياءِ فِي موضعِ النَّصْبِ فِي نحوِ قَوْلِهِ :

كَأَنَّ أَيْدِيِهِنَّ بالموماةِ

أَيْدِي جوار بِتْنَ نَاعِمَاتِ (٥)

__________________

الهوامع : ١ / ٥٣ وحاشية الصباني على شرح الاشموني : ١ / ١٠١ وحاشية ياسين على شرح التصريح : ١ / ٩٠.

(١) يروى (نزلن) مكان (رفعن) ، والقطين : الخدم. الديوان : ٩١ والخصائص : ٢ / ٣٤٢ والمنصف : ٢ / ١١٥.

(٢) البيت لعامر بن الطفيل. شرح المفصل : ١٠ / ١٠٠ و ١٠١ والمغني : ٢ / ٦٧٧ وشرح الأَشموني : ١ / ٢٤٢ وخزانة الأدب ـ بولاق ـ ٣ / ٣٢٧.

(٣) المحتسب : ١ / ١٢٥ ـ ١٢٧.

(٤) من قوله تعالى من سورة المائدة : ٥ / ٣١ : (قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ).

(٥) تقدّم الشاهد في : ص : ٥٥٠.

٥٥٢

وَقولُ أَبِي العَبَّاسِ : إنَّها مِنْ أَحْسَنِ الضَّرُوَراتِ (١).

روى أَيوبَ عَنْ يَحْيَى عن ابنِ عامر أَنه قَرأَ : (وَإنْ أَدْرِيَ لَعَلّهُ) (٢) (وَإنْ أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ) (٣) بفتحِ الياءِ فِيهِمَا جميعاً.

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : أَنْكَر ابنُ مُجاهد تحريكَ هاتين اليائينِ وظاهرُ الأمر لَعَمْرِي كَذَلِكَ لاَِ نَّهَا لام الفِعل بمنزلةِ ياءِ أَرمي وَأَقْضِي ، إِلاَّ أَنَّ تحريكَها بالفَتْحِ فِي هَذِينِ المَوْضِعَينِ لِشُبْهَة عَرَضَتْ هُناكَ وَلَيسَ خطأً ساذَجاً بَحْتاً.

وَذَلِكَ أَنَّكَ إذَا قُلْتَ : أَدْرِي فَلَكَ هُنَاكَ ضميرٌ وإنْ كَانَ فاعلاً فَأَشْبَهَ آخِرُهُ آخِرَ مَالكَ فِيهِ ضَميرٌ وَإن كَانَ مُضَافاً إليهِ ، كَقَولِكَ : غُلامِيَ ودارِيَ فلمَّا تَشَابَهَ الآخِرانِ بكونِهِمَا ياءَين وهناكَ أَيضاً للمتكلم ضميرانِ وَهُمَا المرفوع في (أدري) والمجرور في (داري) و (غُلاَمِي) أَشْبَهَ آخِرُ (أَدْرِي) ـ لِمَا ذَكَرْنَا ـ آخِر (دارِي) و (صاحِبي) ففتحتِ الياءُ فِي (أَدْرِي) كَمَا تُفْتَح فِي نحو (دَارِيَ) وَ (غُلامِيَ) (٤).

وَروَى يَحيى عَنِ ابن عامر : (أَدْرِيَ أَقَرِيبٌ) (٥) وَهَذَا لا يجوز.

قَالَ أَبو الفتح : طريقُ هَذَا أَنَّه أَشْبَهَ آخرَ فعلِ المتكلمِ بيائِهِ كقولِكَ : هَذَا

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٢٠٩.

(٢) من قوله تعالى من سورة الأنبياء : ٢١ / ١١١ : (وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ وَمَتَـاعٌ إِلَى حِين).

(٣) من قوله تعالى من سورة الأنبياء : ٢١ / ١٠٩ : (وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَم بَعِيـدٌ مَّـا تُوعَدُونَ).

(٤) المحتسب : ٢ / ٦٨.

(٥) من قوله تعالى من سورة الجن : ٧٢ / ٢٥ : (قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً).

٥٥٣

غُلامِيَ وَصَاحِبيَ ، وَأَ نَّسَهُ بِذَلِكَ أَنَّ لِلْمُتكَلِّم فِي (أَدْرِي) حُصَّةٌ ، وهي همزةُ المُضَارِعة ، كَمَا أَنَّ لَهُ حُصَّةً في اللَّفْظِ ، وَهي ياؤُهُ. وَعَلَى كُلِّ حَال فَهَذِهِ شُبْهَةُ السهو فيهِ ، لا علة الصحة له ، كما أَن ياءَ مصيبة أشبهتْ في اللفظ ياءَ صَحِيفَة حَتَّى قالوا : مصائِب سهواً كَما قَالوا صحائف (١).

وَقَرأَ طلحة بن سليمان : (أَنْ يُحْيِيْ المَوْتَى) (٢) ساكنة.

قال أبو الفتح : معنى قول ابن مجاهد : أَنَّهُ قَرَأَهُ عَلَى سكونِ الياءِ مِنْ (يُحْيِيْ) عَلَى لغةِ مَنْ قَالَ :

يا دارَ هند عفتْ إِلاَّ أثافيها

 ...... (٣)

فَأَسْكَنَ الياءَ من موضعِ النَّصب لاَ أَنَّ الياءَ فِي قولِهِ : (يُحيي المَوْتَى) ساكنة ، وَذلِكَ أَنَّه لا ياءَ هناكَ في اللَّفْظِ أَصلاً لا ساكنة ولا متحركة ، لاَِ نَّهَا قَدْ حُذِفَتْ لِسْكُونِها وسكونِ اللاّم في الموتى.

قَالَ أَبو العبَّاس : إِسكانْ هذهِ الياء في موضعِ النَّصْب مِنْ أَحْسَنِ الضَّرورَاتِ حتى أَنَّهُ لو جاءَ بِهِ جاء فِي النثرِ لَكَانَ جائزاً (٤). وشواهدُ ذَلِكَ في الشعر أَكَثر مِنْ أَنْ يؤتَى بِهَا.

وَمِمَّا جَاءَ في النثر قَوْلُهُم : لاَ أُكَلِّمُكَ حِيْرِي دَهر (٥) فَأَسْكَنَ الياء مِنْ

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٣٣٤.

(٢) من قوله تعالى من سورة القيامة : ٧٥ / ٤٠ : (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِر عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى).

(٣) تقدَّمَ الشاهد في : ص : ٥٥١.

(٤) ينظر في : ص : ٥٥١.

(٥) تُنظر : ص : ٤٧٣.

٥٥٤

(حِيرِي) وَهِيَ فِي موضعِ نَصْب.

وَفِيهِ عِنْدِي شيءٌ لَمْ يَذْكُرُه أَبو عَليّ وَلاَ غيرُهُ مِنْ أَصحابِنَا (١) وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَهُ (حِيرِيّ دَهْر) ، مَعْنَاهُ مُدَّةَ الدهرِ فَكَأَ نَّهُ مُدَّةَ تَحيرِ الدَّهْرِ وبقائِهِ ، فَلَمَّا حُذِفَتْ أُخرى اليائين بقيتْ الياءُ ساكنَةً كَمَا كانتْ قَبْلَ الحَذْفِ دلالةً عَلَى أنَّ هَذَا الَمحْذُوفَ مِنْ ذَلِكَ الَّذي لو لم يحذفْ لمَا كانَتْ يَاؤُه إِلاّ ساكنةً ، وَمِثْلُ ذَلِكَ عِنْدِي قولُ الهُذَلِي :

 ......

رُبْ هَيْضَل لَجِب لَفَفْتُ بِهَيْضَلِ (٢)

أَرَادَ رُبَّ فَحَذَف إحْدَى الياءين وَبَقَّى الثانيَةَ مجزومةً ، كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الحذفِ ، وإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ موجبٌ للحركةِ لالتقاءِ الساكنينِ ، ولولا ذلك لوجب تسكين باء رب كتسكين لام هَلْ وَبَلْ ، وَدَال قَدْ إذْ لا ساكنينِ هُنَاكَ فتجبُ الحَرَكةُ لاِلتقائِهما.

وَلِهَذَا نظائر كثيرة فِي المجيء باللفظ على حكم لفظ آخر لاَِ نَّهُ فِي مَعْنَاهُ وَإِنْ عَرِي هَذَا مِنْ مُوجِبِ اللَّفْظِ فِي ذَلِكَ (٣).

__________________

(١) نقل ذلك الزبيدي في تاج العروس ـ ط ـ الكويت ١١ / ١١٧.

(٢) عجز بيت لاَِبِي كبير الهُذَلِي وصدرُهُ :

أزهيرُ إنْ يَشِبِ القُذَالُ فَإِنَّنِي

 ......

ويريد بزهير زهيرة. ويروى (مرس) مكان (لجب) و (إِنَّه) مكان (إِنَّنِي) والهيضل : جماعة مُسلحة أمرُهم في الحرب واحدٌ. ديوان الهذليين : ٢ / ٨٨ وأمالي الشجري : ٢ / ٤ و ٣٠٢ وشرح المفصل : ٥ / ١١٩ و ٨ / ٣١ والمقرّب : ١ / ٢٠٠ والخزانة ـ بولاق ـ ٤ / ١٦٥ ورصف المباني : ٥٢ و ١٩٢.

(٣) المحتسب : ٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٤.

٥٥٥

حذف اللاّم من (فَعَل) المعتل الآخر تخفيفاً

قَرَأَ الحَسَنُ فيَِما رَواهُ عَنْهُ قَتادَة : (تَعَالُوا) (١) بضمّ اللاّم.

قَالَ أَبو الفتح : وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ حَذَفَ اللاَّمَ مِنْ تَعَالَيْتَ استحساناً وَتَخْفِيفاً ، فَلَمَّا زَالَتِ اللاَّمُ مِنْ (تَعَالَى) ضُمَّت لامُ تَعَال لِوقُوُعِ واوِ الجمعِ بعدَهَا كقولِكَ تَقدَّمُوا وتأخَّرُوا ، ونظير ذلك في حذفِ اللاّم اسْتِخْفَافاً قولهم ، ما باليتُ بالةً وأَصلها باليَة كالعافية والعاقبة ثمَّ حُذِفَتِ اللاّمُ كَمَا تَرى ... وَلَو كانَتْ إنَّمَا حُذِفَتْ لاَمُ (تَعَالُوا) لالتقاءِ الساكِنَينَ كَمَا حُذِفَتْ لِذَلِكَ فِي قَوْلِكَ للجماعة آمِراً : تَرَامَوا وَتَغَازَوا لَبَقِيتْ العين مفتوحةً دلالةً على الألفِ المحذوفةِ ، وكنحو قولِكَ : اخشَوا واسعَوا إذَا أَمَرْتَ الجماعة.

وَنَظيرُ حَذْفِ اللاّمِ استحساناً فِي هَذِهِ القراءَةِ قراءَة الحسن أَيضاً : (إِلاَّ مَنْ هُوَ صالُ الجَحِيم) (٢).

حَدَّثَنا بِذَلِكَ أَبُو عَليّ ، وَذَهَبَ إلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ حَذفِ اللاَّمِ استخفَافاً وَإلَى أنَّه يَجوزُ أنْ يَكُونَ أرادَ إلاَّ مَنْ هُو صَالُونَ الجحيمَ فحذفَ النُّونَ للإضَافَةِ وحذفَ الواوَ التي هي علم الجمع لفظاً لالتقاءِ الساكنين ، واستعمَل لفظَ الجَمْعِ حَمْلاً عَلَى المَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ ، كَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (٣) وَلَه نظائرُ ، إلاّ أنَّ الظَاهِرَ ما ذَهَب إِليهِ

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٦١ : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا أَنزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنـكَ صُـدُوداً).

(٢) من قوله تعالى من سورة الصافّات : ٣٧ / ١٦٣ : (إِلاَّ مَنْ هُوَ صَالِ الْجَحِيمِ).

(٣) سورة يونس : ١٠ / ٤٢.

٥٥٦

أَبُو عَليّ (١).

المعتل الأَوّل

قَرَأَ عبد الله بن يزيد : (يَزِفُونَ) (٢) خَفِيفَة.

قَالَ أَبو الفتح : المسموع في هذا زَفَّ القُومَ يزِفُّونَ زَفِيفاً ، وَقَالُوا أَيْضاً : أَزَفُّوا يُزِفُّونَ كَمَا قَالُوا : زَفَفْتُ العَرْوسَ ، وَقَالُوا أَزْفَفْتُها أَيْضاً.

فَأَمَّا (يَزِفُونَ) بالتخفيف فَذَهَبَ قُطرب إِلى أَنَّهَا تخفيف يَزِفُّون ، كما قال الله تعالى : (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) (٣) أَيْ : اقْرَرْنَ. قَالَ الهُذَلِي :

وَزَفَّتِ الشولُ مِنْ بَرْدِ العَشِيِّ كَمَا

زَفَّ النَّعَامُ إِلَى خَفَّانِهِ الرُّوحُ (٤)

إلاَّ أَنَّ ظاهر يَزِفُون أَنْ يكونَ مِن وَزَفَ (٥) كَيَعِدُونَ مِنْ وَعَدَ وَيُؤَنِّس بِذَلِكَ قُربُهُ مِنْ لَفْظِ الوَفْز (٦) ، وَهُوَ أَحَدُ الأَوْفَازِ مِنْ قَوْلِهِم : أنا على أَوفاز. وَإِذا كَانَ كذلك فهو قريب من لفظ وَزَفَ ، أَيْ : أَسرَعَ وَقَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهُ.

وَلَمْ يُثبِتِ الكسائِي وَلاَ الفرَّاءُ (وَزَفَ) إِلاَّ أَنَّ ظَاهِرَ اللَّفْظِ ، مقتض لَهَا

__________________

(١) المحتسب : ١ / ١٩١.

(٢) من قوله تعالى من سورة الصافّات : ٣٧ / ٩٤ : (فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ).

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٣.

(٤) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. وزَفَّتْ : أَسرعتْ. والشُّولُ : الإبلُ التي خَفَّ لبنُها وأتى على نتاجها سبعةُ أشهر أوْ ثمانيةٌ. وخفانه : صغاره ، والروح : جمع روحاء وكلّ نعامة روحاء أي بها روح وهو انفتاح في الرجل يميل إلى الشقّ الوحشي. انظر : ديوان الهذليين : ١ / ١٠٦ واللسان : ٣ / ٢٩٤.

(٥) وَزَفَ : أَسرَعَ. مختار الصحاح : ٧١٩.

(٦) الوَفْزُ : العَجَلَةُ. مختار الصحاح : ٧٣٠.

٥٥٧

عَلَى مَا مَضَى. وعلى أَنَّ أَحمد بن يحيى قد أَثْبَتَ وَزَفَ : إذا أَسرع وَشَاهِدُه عندَهُ هذه القراءة : (يَزِفُونَ) أَيْ يُسْرِعُونَ (١).

وَقَرأَ : (مَا وَدَعَك) (٢) ـ خفيفة ـ النبيُّ صلّى الله عليه وآله (٣) وعروةُ بنُ الزُّبير (٤).

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٢٢١ ـ ٢٢٢.

(٢) من قوله تعالى من سورة الضحى : ٩٣ / ٣ : (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى).

(٣) لم أقفْ على ما يُصَحِّحُ نسبة هذه القراءة الشاذَّة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، بل لا يُعلَمُ أَصلُ تلكَ النِّسبة ، وإنْ تَرَدَّدَتْ في غير المحتسب ، كالصِّحاح للجوهري ـ ودع ـ والنِّهاية لابن الأثير : ٥ / ١٦٦ ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي تحقيق الدكتور التركي : ٢٢ / ٣٣٩ ، والعُباب للصاغاني ـ ودع ـ والبحر المحيط : ٨ / ٧٨٧ ، ولسان العرب : ٨ / ٣٨٤ ـ ودع ـ وتاج العروس : ٢٢ / ٣٠٤ إلاّ من جهة الرواية عن ابن عباس ، عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أنَّه قرأ (ما وَدَعَكَ) مخفّفة. نقل ذلك رضي الدين الأسترآباذي في شرح الشافية لابن الحاجب : ٤ / ٥١ ، ولكن بلا سند إلى ابن عباس. وما لم تثبت القراءة بطريق صحيح مع شذوذها لا يمكن نسبتها إلى النبي صلّى الله عليه وآله وإنْ جازت في اللغة فما كل ما يجوز في اللغة يُقرأُ به فالقراءة سنة كما يقول سيبويه ، وقال ابن خالويه : القراءة سنة يأخذها آخر عن أول ولا تُحمَل على قياس العربية. ينظر في : كتاب سيبويه طبعة بولاق : ١ / ٧٤ ، وإعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم : ٢٤ و ٤٢ و ٥٢ ، والقراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة : ٤١ ، وقال أبو عمرو بن العلاء : ولولا أنْ ليس لِي أنْ أقرأ إلاّ بما قُرِئَ لَقَرَأْتُ كَذا كذا وكذا كذا. غاية النهاية : ١ / ٣٩٠ ، والقراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة : ٤٩.

(٤) نسبت هذه القراءة إلى بعض الصحابة والتابعين وغيرهم ، كأنس بن مالك ، وعمر بن الخطاب ، وعروة بن الزبير وابنه هشام ومقاتل وأبي حيوة وإبي البَرَهْسَم عِمران بن عثمان ، وهو في تاج العروس طبعة بنغازي محرفاً أبو إبراهيم ، وأبي بحرية عبد الله بن قيس ، ويحيى بن يعمر ، وابن أبي عبلة ، وأبي حاتِم عن يعقوب ، وأبي العالية رفيع بن

٥٥٨

قال أَبو الفتح : هَذِهِ قليلةُ الاستعَمالِ. قَال سيبويه : استغنوا عن وَذَرَ وَودَعَ بقولِهِم : تَرَكَ (١) ، وَعَلى أَنَّهَا قَدْ جاءَتْ فِي شِعْرِ أَبِي الأسودِ ، قَالَ وأنشدناه أبو علي :

لَيْتَ شِعْرِي عَنْ خَلِيلي مَا الَّذي

غَالَهُ فِي الحُبّ حَتَّى وَدَعَهْ (٢)

إلاّ أَنَّهُمْ قَدْ استعملوا مضارِعَه فَقَالُوا : يَدَعَ ، وَيُروى بيتُ الفرزدق :

وَعَضُّ زَمان يا بنَ مَروانَ لَمْ يَدَعُ

مِنَ المالِ إلاّ مُسْحَتاً أَوْ مَجَلَّفُ (٣)

عَلَى ثلاثةِ أَضرب :

١ ـ لَمْ يَدَعْ.

٢ ـ وَلَم يَدِعْ ـ بكسر الدال ، وفتح الياء ـ.

٣ ـ ولم يُدَعْ ، بِضَمِّ الياءِ.

__________________

مهران الرياحي ، ومجاهد بن جبر ، ويزيد النحوي ، ولا أعرف بين القراء من عرف بيزيد النحوي. ينظر : زاد المسير : ٨ / ٢٦٨ ، والمجموع في شرح المهذب للنووي تحقيق محمد نجيب المطيعي : ١٥ / ٣ ـ كتاب الوديعة ـ ، وشرح الشافية لابن الحاجب. رضي الدين الأسترآباذي : ٥١ / ٤ ، وفتح الباري لابن حجر العسقلاني تحقيق عبد القادر رشيد الحمد : ٨ / ٥٩٤ ، والطبعة الأولى الميمونية : ٨ / ٥٤٦ ، ولسان العرب : ٨ / ٣٨٤ ـ ودع ـ ، وشرح شواهد الشافية للبغدادي على شرح الشافية : ٤ / ٥١ ، وتاج العروس : ٢٢ / ٣٠٥.

(١) عبارة سيبويه : «كما انَّ يَدَعُ ويَذَرُ على ودعت ووذرت وإِنْ لم يُستَعمَلْ». الكتاب : ٢ / ٢٥٦.

(٢) البيتُ لاَِبي الأسود. وروى الأزهري عن ابن أخي الأصمعي عن عَمِّهِ أنشدَهُ لاَِنس بنِ زنيم الليثي :

لَيْتَ شِعري عن أميري مَا الَّذِي

غَالَهُ في الحُبّ حتى وَدَعَه

ديوان أبي الأسود : ٣٦ ومجمع البيان : ٣٠ / ١٦٣ واللسان : ١٠ / ٢٦٣.

(٣) تقدَّم الشاهد في : ص : ١٥٣.

٥٥٩

فأما يَدَعْ ـ بفتح الياء والدَّالِ ـ فهو المشهورُ ، وإعرابُهُ أَنَّهُ لَـمَّـا قَالَ : لَمْ يَدَعْ مِنَ المَالِ إلاّ مسحتاً دَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَدْ بَقِي ، فَأضْمَرَ ما يَدُلُّ عَلَيهِ القَولُ (١). فَكَأَ نَّهُ قَالَ : وَبَقِي مُجَلَّفٌ.

وَأَمَّا يَدِعْ ـ بفتح الياء وكسر الدَّالِ ـ فهو من الاتِّدَّاع ، كَقَولِكَ : قَدْ استراحَ وَوَدِع وهو وَادِع من تَعَبِهِ.

فالمسحت ـ على هذه الرواية ـ مرفوع بفعله ، ومجلف معطوفٌ عليه ، وهذا ما لا نظر فيه لوضوحه.

وأما يُدَعْ ـ بِضمّ الياءِ ـ فَقِياسُهُ يُودَع ، كقولِ اللهِ تعالى : (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) (٢) ومثله يُوضَع ، والحديدُ يُوقَع ، أي : يُطْرَقُ مِنْ قَوْلِهِم : وَقَعْتُ الحَديدةَ ، أَيْ : طَرَقْـتُهَا.

قَالُوا : إِلاَّ أَنَّ هَذَا الحرفَ كَأَ نَّهُ ـ لِكَثْرَةِ استْعَمالِهِ ـ جَاءَ شَاذًّا (٣) فَحُذِفَتْ واوهُ تخفيفاً فَقِيلَ : لَمْ يُدَعْ أَيْ : لَمْ يُتْرَكْ ، وَالمُسْحَتُ والُمجَلَّفُ جميعاً مرفوعانِ (٤) أَيضاً ، كَمَا يَجِبُ (٥).

__________________

(١) رأي أبي الفتح هذا نقله عنه البغدادي في الخزانة : ٥ / ١٤٧.

(٢) سورة الإخلاص : ١١٢ / ٣.

(٣) لا أدري كيف تكون كثرة الاستعمال شذوذاً. ربما قصد ـ لقلّة استعماله ـ.

(٤) قد كثر الحديث حول إعرابِ بيتِ الفرزدق هذا حتَّى قال الزَّمخشري هذا البيت لا تزال الرُّكَبُ تَصْطَكُّ في تسويةِ إِعرابِهِ. ويرى ابنُ قتيبةَ أَنَّهُ أَتعبَ أَهلَ الإعرابِ في طلب الحيلة. ويكفي أن نعلم أَنّ عبد الله بن أبي إسحاقَ سألَ الفرزدقَ : بمَ رفعتَ : أَو مجلف؟ فقال : بما يسؤك وينوؤك ، علينا أَنْ نَقولَ وعليكُم أَنْ تتأوّلوا ، ثمّ هجاهُ وللعلماء عدّة توجيهات فيه. اُنظر : تلك الآراء في خزانة الأدب : ٥ / ١٤٦.

(٥) المحتسب : ٢ / ٣٦٤ ـ ٣٦٥.

٥٦٠