أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

إلَى الحَاضِرِ ، وَلَمْ يَقُولُوا : هُمَا فَيَضُمُّوا الحَاضِرَ إلَى الغائِبِ ، فَهَذَا كُلُّهُ يُرِيكَ استغْنَاءَهُمْ بقُمْ عَنْ لِتَقُمْ وَنَحْوَهُ.

وَكَانَ الّذِي حَسَّنَ التَّاءَ هُنَا أَنَّهُ أَمْرٌ لَهُمْ بِالفَرَحِ فَخُوطِبُوا بالتَّاءِ لاَِ نَّها أَذْهَبُ فِي قُوّةِ الخِطَابِ ، فَاعْرِفْهُ وَلاَ تَقُلْ قِياساً عَلَى ذَلِكَ : فَبِذَلِكَ فَلْتَحْزنُوا ، لاَِنَّ الحُزْنَ لاَ تَقْبَلْهُ النَّفْسُ قَبُولَ الفَرَحِ ، إِلاَّ أَنْ تُريدَ إصْغَارَهُم وإرْغَامَهُم ، فَتُؤكِّد ذَلِكَ بالتَّاءِ عَلَى مَا مَضَى (١).

وَيُرْوَى عَنْ النَّبِي صلّى الله عليه وآله : (وَلْتَعْفُوا وَلْتَصْفحُوا) (٢) بالتاء ، وَرُوِيَ عَنْهُ باليَاءِ.

قَالَ أَبُو الفتحِ : هَذِهِ القِرَاءَةُ بالتَّاءِ كَالأُخْرَى المَأْثُورَةِ عَنْهُ (عَلَيهِ السَّلاَمُ) : (فَبِذَلِك فَلْتَفْرَحُوا) (٣) وَقَدْ ذَكَرْنَا ذلِكَ ، وَأَ نَّهُ هُوَ الأصْلُ إِلاَّ أَنَّهُ أَصْلٌ مَرْفُوضٌ (٤) استغنَاءً عَنهُ بِقَوْلِهِم : اعفُوا واصْفَحُوا وافْرَحُوا ، وَلاَ وَجْهَ لإِعَادَتِهِ (٥).

وَقَرَأَ أَبُو جعفر يزيد : (وَلْتُصنَعْ عَلَى) (٦) بجزمِ اللاّمِ والعينِ.

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٢) من قوله تعالى من سورة النور : ٢٤ / ٢٢ : (وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

(٣) من قوله تعالى من سورة يونس : ١٠ / ٥٨ : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).

(٤) تنظر : ص : ٥١٩ و ٥٢٠. والمحتسب : ١ / ٣١٣.

(٥) المحتسب : ٢ / ١٠٦.

(٦) من قوله تعالى من سورة طه : ٢٠ / ٣٩ : (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْك مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْـنِي).

٥٢١

قَالَ أَبو الفتح : لَيْسَ دُخولُ لامِ الأمر هُنَا كدخولها في قراءة النبيّ صلّى الله عليه وآله وَغَيرِهِ مِمَّن قَرأَهَا مَعَهُ : (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) بالتاءِ وفرقُ بيْنَهُمَا أَنَّ الَمأمُورَ فِي (فَلْتَفْرَحَوا) مُخَاطَبٌ ، وَعُرْفُ ذلِكَ وَعَادَتُهُ أَن يُحْذَفَ حرفُ المُضَارِعة فِيهِ كَقَوْلِنَا : قُمْ واقْعُدْ ، وَخُذْ ، وَسِرْ ، وَبِعْ. وَأَمَّا (وَلْتُصْنَعْ) فَإنَّ المأمورَ غائبٌ غير مُخَاطَب فَإنَّمَا هو كقولنا : وَلْتُعْنَ بِحَاجَتِي ، وَلْتُوضَعْ (١) فِي تِجَارتِك لاَِنَّ العانِي بِهَا والواضِع فِيها غَيرُهُمَا ، وَهُمَا الُمخَاطَبَانِ ، فَهَذَا كَقَوْلِكَ : لِيُضْرَبْ زَيدٌ وَلْتُضْرَبْ هندٌ. وَأَمَّا قَوْلُ الرَّجُلِ لِصَاحِبِهِ خُذْ طَرَفَكَ وَلآخُذْ طَرَفِي (٢) وَقَوْلُهُم : لَِنمْشِ كُلُّنَا ، وَلْنَقُمْ إلى فَلان وَنَحْوَ ذَلِكَ فَإنَّمَا جَاءَ باللاّمِ لاَِ نَّهُ لَمْ يَكْثُرْ أَمْرُ الإنسانِ نَفْسَهُ ، فَلَمَّا قَلَّ استعَمالُهُ لَمْ يخفّفْ بِحَذْفِ اللاّمِ كَمَا يَكْثُر أَمرُ المَأمورِ الحاضِر فَخُفِّفَ نَحو قُمْ ، وَسِرْ ، وَبِعْ ، وخفْ ، ونمْ (٣).

لا الناهية

قرأ الحسن : (لاَ يَضُرْكُمْ) (٤) وَقِراءة إبراهيم : (لاَ يَضِرْكُمْ) قَالَ أَبُو الفتح : جَزَمَ يَضُرْكُم وَيَضِرْكُمْ لاَِ نَّهُ جُعِلَ جَوابَ الأمرِ ، أَعْنِي قَوْلَهُ (عَلْيكمْ أَنْفُسُكُمْ) (٥) ويجوزُ أَنْ تَكُونَ (لاَ) هُنَا

__________________

(١) وَضَعَ في تِجَارتِهِ وأَوضعَ خسرَ.

(٢) تنظر : ص : ٣٤٤.

(٣) المحتسب : ٢ / ٥١ و ٥٢.

(٤) من قوله تعالى من سورة المائدة : ٥ / ١٠٥ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ).

(٥) (عليكم) : اسم فعل وبه انتصبَ (أنْفُسَكُمْ) والتقديرُ : احْفَظُوا أَنْفُسَكُمْ والكاف والميم في

٥٢٢

نَهْياً (١) كَقَولِكَ : لا تقمْ إذا قامَ غيرُكَ والأَولُ أَجودُ (٢).

وَقَرَأَ الأعْرَجُ وَأبَانُ بنُ عثمانَ : (فَيَطْمَعِ الَّذي) (٣) بِكَسرِ العينِ.

قَالَ أَبو الفتح : هو معطوفٌ على قولِ الله تعالى : (فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ) أَيْ : فَلاَ يَطْمَع الّذي فِي قَلبه مَرَضٌ ، فَكِلاهُمَا مِنْهِيٌّ عنهُ ، إلاَّ أَنَّ النصبَ أَقْوىَ مَعْنَىً ، وَأَشَدُّ إصَابَةً للعذرِ وَذَلِكَ أَنَّهُ إذَا نَصَبَ كَانَ معناهُ أَنَّ طمَعَهُ إنَّمَا هوَ مُسَبَّبٌ عَنْ خضوعِهِنَّ بالقولِ. فالأصلُ فِي ذَلِك مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، وَالمَنْهِيّ مُسَبَّبٌ عَنْ فِعْلِهِنَّ ، وَإِذَا عَطَفَهُ كَانَ نهياً لَهُنَّ وَلَهُ ، وَلَيْسَ فِيه دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّمَعَ رَاجِعُ في الأَصل إلَيْهِنَّ ، وَوَاقِعٌ مِنْ أَجْلِهِنَّ ، وَعَلَيْهِ بيتُ امرئ القيس :

فَقُلْتُ لَهُ صَوّبْ وَلاَ تُجْهِدَنَّهُ

فَيُذْرِكَ مِنْ أُخْرى القَطَاةِ فَتَزْلَقِ (٤)

فَهَذَا نَهْيُّ بَعْدَ نَهيّ كَالِقَراءَةِ الشَّاذَةِ (٥).

__________________

موضع جرّ لأنّ اسم الفعل هو الجار والمجرور وعلى وَحْدَهَم لم تستعمل اسماً للفعل. إملاء ما منَّ به الرحمن : ١ / ٢٢٨.

(١) نقل الطبرسِي هذه العبارة في مجمع البيان : ٧ / ٢١٦.

(٢) المحتسب : ١ / ٢٢٠.

(٣) من قوله تعالى من سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٢ : (يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَد مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْـتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ).

(٤) البيت لامرئ القيس وهو في ديوانه وينسب لعمرو بن عمّار الطائي. يروى (فيدنك) مكان (فيذرك) و (أَعلى) مكان (أُخرى) ويروى (فتزلق) بالرفع ، والشاعر يخاطب غلامه وقد حمله على فرسه ليصيد له. ديوان امرئ القيس : ١٧٤ وفي نسخة السندوبي : ٩١ والكتاب : ١ / ٤٥٢ والمقتضب : ٢ / ٢٣ واللسان : ١٨ / ٣٠٩.

(٥) المحتسب : ٢ / ١٨١.

٥٢٣

العطف على المجزوم

قَرأَ الأَعرج : (ثُمَّ نُتْبِعْهُمْ) (١) بالجزمِ.

قالَ أَبو الفتح : يَحتَمِلُ جزمُهُ أَمرين :

أَحدهما : أَنْ يكونَ أَرادَ معنى قراءةِ الجماعةِ : (نُتْبِعُهُمْ) بالرَّفِع فأَسكنَ العينَ استثقالاً لتوالي الحَرَكَاتِ عَلَى مَا مَضَى فِي غيرِ موضع مَنْ هذا الكتاب (٢).

والآخر : أَنْ يَكُونَ جزماً فَيَعْطِفُهُ (٢) على قولِهِ : (نُهْلِكْ) (٤) فيجري مجرَى قولِكَ : أَلَمْ تَزُرْنِي ثُمَّ أُعطكَ؟ كقولِكَ (٥) : فَأُعطِكَ أَلَمْ أَحْسِنْ إليكَ ثمَّ أُوالي ذَلِكَ عَلَيْكَ؟ فيكون مَعْنَى هَذِهِ القراءةِ أَنَّهُ يريدُ قوماً أَهلكهم اللهُ سبحانَهُ بعدَ قوم قَبْلَهُم عَلَى اختلافِ أَوقَاتِ المُرْسَلينَ شيئاً بعدَ شيء ، فَلمَّا ذَكَر مَا تقَّضى على اختلاف الأوقاتِ فيهِ ، قَالَ تَعَالَى مُسْتَأنِفاً : (كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالمُجْرِمِينَ) (٦) فَيكونُ (الُمجْرِمُونَ) هُنَا مِنْ نُهْلِك مِنْ بَعْدُ.

وَقَدْ يَجَوزُ أَنْ يَعْنِي بِالِْمجْرِمينَ مَنْ مَضَى مِنْهُم وَمَنْ يَأَتِي فِيَما بَعْدُ ، المعنيان جميعاً متوجّهَانِ (٧).

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة المرسلات : ٧٧ / ١٧ : (ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الآخِرِينَ).

(٢) المحتسب : ١ / ١٠٩ و ٢ / ٣٣٨.

(٣) هذا الوجه ذَكَرَهُ الأَخفشُ والفرَّاءُ. معاني القرآن للأَخفش : ١٧٩ / أومعاني القرآن للفرَّاء : ٣ / ٢٢٣.

(٤) من قوله تعالى من سورة المرسلات : ٧٧ / ١٦ : (أَلَمْ نُهْلِكِ الاَْوَّلِينَ).

(٥) يبدو أنَّ في العبارِة تقديماً وتأخيراً وَقَدْ نَبَّهْ عَلَى ذَلِك محقّقو المحتسب.

(٦) سورة المرسلات : ٧٧ / ١٨.

(٧) المحتسب : ٢ / ٣٤٦.

٥٢٤

جزم المضارع المعتل الآخر

قَرَأَ السَّلَمِي : (أَلَمْ تَرْ أَنَّ اللهَ) (١) سَاكِنَةَ الرَّاءِ.

قَالَ أَبو الفتح : فِيها ضَعْفٌ لاَِ نَّهُ حذفُ الأَلف للجزم فقد وجب إِبقاؤهُ للحركة قبلها دليلاً عَلَيْهَا ، كالعوضِ منها ، لا سيما وهيَ خفيفةٌ ، إِلاَّ أَنَّهُ شَبَّهَ الفتحةَ بالكسرةِ المحذوفةِ في نحو هذا استخفافاً. أَنْشَدَ أَبو زيد :

قَالتْ سُلَيمَى اشترْ لَنَا دقيقاً (٢)

 ......

وأَنشدَ أيضاً :

قالتْ سليمى كِلْمَةً تَلجْلَجَا

لَوْ طُبِخَ النَّيءُ بِهَا لاَُنْضِجَا

يَا شيخُ لا بُدَّ لَنَا أَنْ نَحْجُجَا

قد حَجَّ فِي ذَا العامِ مَنْ كَانَ رَجَا

فاكْتَرْ لَنَا كَرِيَّ صِدْق فَالنَّجَا

واحذَرْ فَلاَ تَكْتَرْ كَرَيًّا أعوَجَا

عِلْجَا إذَا سَاقَ بِنَا عَفَنْجَجَا (٣)

فَأَسْكَنَ الرَّاءَ مِنْ (اشترْ) و (اكتَرْ) استخفافاً واجراءً للوصلِ عَلَى حَدِّ الوَقْفِ ، وَرَوَيْنَا عَنْ أَبي بكر محمّد بنِ الحسنِ عَنْ أَحمدَ بن يحيى قولَ الشاعر :

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة إبراهيم : ١٤ / ١٩ : (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ خَلَقَ السَّموَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحقِّ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْق جَدِيد).

(٢) للعذافر الكندي وبعده : وَهَاتِ خبزَ البُرَّ أو سُويْقا.

المحتسب : ١ / ٣٦١.

(٣) يروى (قالت له كليمة تلجلجا). ويروى (من تَحَرَّجا) مكان (من كانَ رَجَا) و (فاحذرْ ولا) مكان (واحذرْ فلا) والعلج : الرجل الشديد ، الغليظ والعَفَنْجَج : الضَّخْمُ الأَحمق. المنصف : ٣ / ٩ ولسان العرب : ٣ / ١٢٥.

٥٢٥

وَمَنْ يَتَّقْ فَإنَّ اللهَ مَعْهُ

وَرزْقُ اللهِ مَؤْتَابٌ وَغَادِي (١)

فَأَسْكَنَ قافَ (يَتَّقْ) لِمَا ذكرنَا وكذلَكَ شَبَّه السُّلَمِي (أَلَمْ تَرْ) بِذَلِكَ ، إذْ كَانَتْ الكسرةُ أَثقلَ ، أو لاَِ نَّهُ أَجرى الوصلَ مَجرَى الوقفِ (٢).

قَرأ أبو عبدِ الرَّحمن : (أَلَم تَرْ كَيْفَ) (٣) ساكنةَ الرَّاء.

قالَ أَبو الفتح : هذا السكون إنَّما بابه الشعر ، لا القرآنُ ، لِمَا فيهِ مِن استهلاك الحرفِ والحركةِ قَبْلَهُ ، يَعْنِي الألف والفتحة مِنْ (ترى) (٤) أَنشَدَ أَبُو زَيد في نَوادِرِهِ :

قَالَتْ سليمى اشترْ لَنَا سُوَيْقاً (٥)

 ......

يريدُ اشترِ فحذف الياءَ من يشتري والكسرةَ ، وَفِيهَا أَيضاً :

قالت لَهُ كُلَيْمَةً تَلجْلَجَا

لَوْ طُبِخَ النَّيءُ بِهَا لاَُنْضِجَا

يَا شيخُ لابُدَّ لَنَا أَنْ نَحْجُجَا

قد حَجَّ فِي ذَا العام مَنْ كَانَ رَجَا

فاكْتَرْ لَنَا كَرِيَّ صدق فالنَّجَا

واحذَرْ فَلاَ تَكْتَرْ كَرَيَّا أعوجَا

عِلْجَا إذَا سَاقَ بِنَا عَفَنْجَجَا (٦)

فَحَذَفَ كَسْرَةَ (اكترِ) في الموضعين كَمَا تَرى.

__________________

(١) مؤتاب : راجع. انظر : الخصائص : ١ / ٣٠٦ و ٢ / ٣١٧ و ٣٣٩ واللسان : ٢٠ / ٢٨٢.

(٢) المحتسب : ١ / ٣٦٠.

(٣) من قوله تعالى من سورة الفيل : ١٠٥ / ١ : (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ).

(٤) في المحتسب (ترا) بالألف الممدودة ، ولا أرى لهُ وجهاً.

(٥) تقدَّمَ الشاهد في : ص : ٥٢٥. وهناك (دقيقا) مكان (سويقا) وهذا الشاهد مع الشواهد التالية كرّرها أبو الفتح هنا وقد تابعناهُ على ذلكَ.

(٦) تقدَّمَ الشاهد في : ص : ٥٢٥.

٥٢٦

وروينا عن أَبِي بكر محمّد بن الحسن بن يعقوبَ بنِ مُقَسَّم :

وَمَنْ يَتَّقْ فَإنَّ اللهَ مَعْهُ

وَرِزْقُ اللهِ مُؤْتَابٌ وَغَادِي (١)

يريد (يَتَّقِ) فحذفَ الكسرةَ بعدَ الياءِ (٢).

جزم المضعّف

روى هارون عن أَسِيد عن الأعرج : أنَّه قرأَ : (لاَ تُضَارْ وَالِدَةٌ) (٣) جزمٌ ، كَذَا قَالَ جزم.

قال أبو الفتح : إذا صح سكون الرَّاءِ في (تُضَارْ) فينبغي أَنْ يكونَ أَرادَ : لا تضارَرْ كَقِراءَة ، أَبِي عمرو ، إِلاَّ أَنَّهُ حذَفَ إحْدَى الرَّائين تخفيفاً. وَيَنبْغِي أَنْ تَكُونَ الَمحْذُوفَة الثانية ، لاَِ نَّهَا أضعفُ وبتكريرها وقع الاستثقال.

فَأَمَّا قولُ اللهِ تعالى : (ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً) (٤) فِإِنَّ الَمحْذُوفَ هي الأُولَى ، وَذَلِكَ أَنَّهُم شَبَّهُوا المُضَعَّفَ بِالمُعْتَلِّ العَينِ ، فَكَمَا قَالُوا : لستَ قالوا : ضَلْتَ. وَمِثلُهُ مَسْتَ في مَسِسْتَ ، وَأحَسْتَ فِي أَحْسَسْتَ (٥). قَالَ أَبُو زَبِيد :

خَلاَ أَنَّ العِتاقَ من المَطايا

أَحْسن بِهِ فَهُنَّ إليهِ شُوسُ (٦)

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣٦٠.

(٢) المحتسب : ٢ / ٣٧٣.

(٣) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ٢٣٣ : (لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآ رَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ).

(٤) سورة طه : ٢٠ / ٩٧.

(٥) قال الفرّاء : تقول العرب : قَدْ مَسْتُ ذلِكَ وَمَستُه ، وَهَمَمْتُ بِذَلِكَ وَهَمْتُ ... وَهَلْ أَحْسَسْتَ صَاحِبَكَ وأَحْسَتَ. معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ١٩١.

(٦) يروى (سوى) مكان (خلا) و (حَسِينَ) مكان (أحْسن) وشوسٌ : جمعُ أَشوس وهو الذي

٥٢٧

فَإنْ قُلْتَ : فَهَلاَّ كَانَتِ الأُولَى هِيَ الَمحْذُوفَة مَنْ تُضَارِرْ كَمَا حُذِفَتْ الأُولى مِنْ ظَلِلْتُ وَمَسِسْت وَأَحْسَسْتُ؟ قِيلَ : هذِهِ الأَحرفُ إنَّما حُذِفْنَ لاَِ نَّهُنَّ شُبِّهْنَ بحروفِ اللّين ، وحروفُ اللينِ تَصِحُّ بعدَ هَذِهِ الألفِ نَحْوَ عاوَدَ وَطَاوَلَ وَبايَعَ وَسايَرَ ، والثانيةُ في موضعِ اللاّمِ المحذوفةِ ، نحوَ لا تُرام.

فإن قِيلَ : فكانَ يجبُ على هذا (لا تُضارِ) لاَِنَّ الأولَى مكسورة في الأَصلِ فيجب ان تُقَرَّ عَلَى كَسْرِهَا.

قِيلَ : لاَ ، بَلْ لَمَّا حُذِفَتْ الثانيةِ وَقَدْ كَانَتْ الأُولَى ساكنةً لاَِ نَّهَا كانتْ مُدْغَمَةً في الثانيةِ أُقِرَّتْ على سُكُونِهَا ليكونَ ذَلِكَ دَلِيلاً عَلَى أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ مُدَغَمةً قَبْلَ الحذفِ ، وِلِذَلِكَ نَظَائِر مِنْهَا قَوْلُهُ :

وَكَحَّـلَ العَيْنَـيـنِ بالعَـــوَاوِرِ (١)

... وَلِذَلِكَ نظائر كثيرةُ ، فَكَذَلِكَ تَرْكُ الرَّاءِ مِن (تضارْ) سَاكِنَةً كَمَا كَانَتْ تَكُونُ سَاكِنَةً لَوْ خرجتْ عَلَى الإدغَامِ المُرَاد فِيها. نَعَمْ ، وَإذَا كانَ نَافِعٌ قَدْ قَرَأَ : (وَمَحْيايْ وَمَمَاتِي) (٢) ساكنَ الياءِ مِنْ (مَحْيَايَ) ولا تقديرَ إدغام هُنَاكَ كَانَ سُكُونُ الرَّاءِ مِنْ لاَ تُضَارْ ـ وَهُوَ يُريدُ تُضَارَّ ـ أَجْدَرَ. وبعدَ هَذَا كلِّهِ ففيهِ ضعفٌ ، أَلاَ تَرَى أَنَّكَ لَوْ رَخَّمْتَ قاصّاً ـ اسمَ رجل ـ على قولِكَ يا حَارِ لقلتَ :

__________________

ينظر بمؤخّر العين. المقتضب : ١ / ٢٤٥ والخصائص : ٢ / ٤٣٨ والمنصف : ٣ / ٨٤ وأمالي الشجري : ١ / ٩٧ ومجمع البيان : ٦ / ١٤٠ وشرح المفصل : ١٠ / ١٥٤ واللسان : ٧ / ٣٤٩ و ١٨ / ١٩٣.

(١) الرَّجزُ لجندل بنِ المثنى الطَّهوي التَّميمي ونَسَبَهُ ابنُ جِنِّي في الخصائص للعجاج. الكتاب : ٢ / ٣٧٤ والمنصف : ٢ / ٤٩ والخصائص : ١ / ١٩٥ و ٣ / ١٦٤ و ٣٢٦.

(٢) من قوله تعالى من سورة الأَنعام : ٦ / ١٦٢ : (قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ).

٥٢٨

يا قاصِ ، فَرَدَدْتَ عينَ الفِعْلِ إلِى الكَسْرِ لاَِ نَّهُ فاعلٌ ، وَأَصْلُهُ قَاصِصْ ، فَمِنْ هُنَا ضَعُفَتْ هذه القراءَةُ وإنْ كَانَ فِيها من الاعتذارِ والاعتلالِ ما قَدَّمنا ذِكْرَهُ (١).

الشرط والجزاء

من أدوات الشرط

١ ـ إنْ

قَرَأَ ابنُ مَسْعُود : (وَلاَ يُجْرِمَنَّكُم) ـ بَضَمّ الياءِ ـ (شَنَآنُ قَوْم إِنْ يَصُدّوكُمْ) (٢) بكسر الأَلف.

قالَ أَبو الفتح : في هذه القراءة ضعفٌ ، وذلك لاَِ نَّهُ جَزَمَ بِإِنْ وَلَمْ يأتِ لَهَا بجواب مَجْزُوم أَوْ بالفاءِ (٣) ، كَقَوْلِكَ : إِنْ تَزُرْنِي أَعطيكَ دِرْهَماً ، أَوْ فَلَكَ دِرْهَمٌ ، وَلَوْ قُلْتَ : إنْ تزُرْنِي أَعْطَيْتُكَ دِرْهَماً قَبُحَ (٤) لِمَا ذَكَرْنَا وَإنَّمَا بَابُهُ الشعر :

__________________

(١) المحتسب : ١ / ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٢) من قوله تعالى من سورة المائدة : ٥ / ٢ : (وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآ نُ قَوْم أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ). قَرَأ أبو عمرو وابنُ كثير بكسر الهمزة ، وقرأ باقي السبعة بالفتح.

وَلَمْ أَجدْ فيما بينَ يَدَيَّ مِنْ مصادِر (يَصُدُّكُمْ) بالمضارع ، والموجود (صَدّوكُمْ) بالماضي ، وَصَرَّحَ أَبو حيَّانَ فقالَ : قرأَ أَبو عمرو وابنُ كثير : (إِنْ صَدُّوكُمْ) بِكَسْر الهمزةِ عَلَى أَنَّهَا شَرْطِيَّةٌ ويؤيّدُ قراءَةَ ابنِ مَسعُود إنْ صَدُّوكُمْ ... انظر : الكشف عن وجوه القراءات السبع : ١ / ٤٠٥ ومجمع البيان : ٦ / ١٠ والبحرالمحيط : ٣ / ٤٢٢ وإِتحاف فضلاء البشر : ١١٩.

(٣) أَنْكَر ابن جرير والنحاس قراءة كسر (إِنْ) وقال ابنُ الأَنباري : فَمَنْ قَرَأَ بالكسرِ كانَتْ شرطيَّةً و (وَلاَ يُجْرِمَنَّكُم) سَدَّ مَسَدَّ الجوابِ. ينظر : البيان في غَريب إِعراب القرآن : ١ / ٢٨٣.

(٤) قالَ المُبَرّدَ : «أَمّا إنْ تَأْتِنِي أَتَيْتُكَ فَإنَّ بِعْضَهُمْ قَدْ يجيزهُ في غيرِ الشعرِ». وَيَرى ابنُ مالك

٥٢٩

إنْ يَسْمَعُوا رِيبَةً طَارُوا بِهَا فَرَحاً

يوماً وَمَا سَمِعُوا مِنْ صالِح دَفَنُوا (١)

وَقَرَأَ أَبَان بن تَغْلِب : (خَطَايَانَا إِنْ كُنَّا) (٢) بالكسر.

قَالَ أَبُو الفتح : هَذَا كلام يعتادُهُ المستظهر المُدِلِّ بِمَا عِنْدَهُ ، يقولُ الرَّجُلُ لِصَاحِبِهِ : أَنَا أَحْفَظُ عَلَيْكَ إنْ كُنْتَ وافياً ، وَلاَ يَضِيعُ لَكَ جَمِيلٌ عِنْدِي إنْ كُنْتَ شاكراً ، أَيْ : ابنِ هَذَا عَلَى هَذَا ، فَإنْ كُنْتَ تَعْلَمُ ، أَنّي شاكرٌ وَاف فَلَنْ يضيعَ لَكَ عِنْدِي جَمِيلٌ ، أَيْ فَكَمَا تَعْلم أَنَّ هَذَا مَعْرُوفٌ مِنْ حَالِي فَثِقْ بِوَفَائِي وَزَكاءِ صَنِيعكَ عِنْدِي وَمِثْلُهُ بَيتُ الكِتَاب :

__________________

جوازَ ذَلِكَ في الاختيار ، قَالَ : والصحيحُ الحُكْمُ بِجَوازِهِ مطلقاً لِثبُوتِهِ فِي كلامِ أفصحِ الفُصَحَاءِ ، وكثرةِ صُدُورِهِ عن فُحُولِ الشُّعَرَاءِ. ثمّ استشهد :

١ ـ بالحديث الشريف : مَنْ يَقمْ لَيْلَةَ القدر غُفِرَ لَهُ.

٢ ـ وقول عائشة : إنَّ أَبَا بكر رَجُلٌ أَسيفٌ متَى يَقُمْ مَقَامَك رَق.

٣ ـ وذكر شواهد من الشعر.

وقال الرضيُّ الأسترآباذي : «وَمِثله قليلٌ لم يأتِ في الكتاب العزيز وقال بعضُهُم : لا يجيء إِلاَّ في ضَرُورَةِ الشِّعرِ» وقال المَالِقِي عن (إنْ) : قَدْ تَدْخُلُ عَلَى مضارع وماض فتعملُ في الأوْلِ لاَِ نَّهُ مضارعٌ ولا تعملُ فِي الثاني لاَِ نَّهُ مبنيٌّ وَذَلِكَ أَيضاً قليلٌ. وَقَالَ ابنُ هِشَام ولا يجوزُ (إنْ يَقُمْ زَيْدٌ قَامَ عمروٌ) فِي الأصَحِّ إلاّ في الشعرِ. إذ لا يكون في النثر فعل الشرط مضارعاً والجوابُ ماضياً. المقتضب : ٢ / ٧١ وشَوَاهِد التَّوضِيح والتَّصحيح : ١٤ ـ ١٦ وشرح الكافية : ٢ / ٢٣٢ ورصف المباني : ١٠٥ والمغني : ٢ / ٦٩٢.

(١) البيت لقعنب بنِ أُمِّ صاحب واسمُهُ ضمرة أَحدُ بني عبد الله بن غطفان. ويروى (سبة) مكان : (ريبة) ويُروَى : (مني) و (عني) مكان : (يوما).

انظر : ديوان الحماسة : ٢ / ١٨٧ والمحتسب : ١ / ٢٠٦ وشواهد التوضيح والتصحيح : ١٦ والمغني : ٢ / ٢٩٢ وشرح الأشموني : ٤ / ١٧.

(٢) من قوله تعالى من سورة الشعراء : ٢٦ / ٥١ : (إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ).

٥٣٠

أَتَغْضَبُ إنْ أُذْ نَا قُتَيْبَةَ حُزَّتَا

جهَاراً وَلَمْ تَغْضَبْ لِقَتْلِ ابنِ خَازِمِ (١)

فَشَرَطَ بِذَلِكَ وَقَدْ كَانَ وَقَعَ قَبَلَ ذَلِكَ. وَمِثْلُهُ ما أَنْشَدَنَاهُ أَبُو علي :

فَإِنْ تَقْتُلُونَا يَومَ حَرَّةِ وَاقِم

فَلَسْنَا عَلَى الإسلاَمِ أَوْلَ مَنْ قُتِلْ (٢)

وَقَدْ كَانَ القتلُ من قبلُ وقع وعلم وجاءَ به الطائي الكبير فقال :

وَمَكَارماً عُتُقَ النِّجَار تليدةً

إِنْ كَانَ هَضْبُ عِمَايَتينِ تَلَيدَا (٣)

أَيْ : فَكَمَا أَنَّ هضب عمايتين تليدٌ لا محالةَ فكذلكَ هذهِ المَكَارِمُ تَلِيدةٌ (٤).

وَقَرَأَ الحَسَنُ وَعمرو بن عُبيد وَمُوسى الأَسَوَارِي : (وَإنْ يُسْتَعْتَبُوا ـ بِضَمّ الياء ـ فَمَا هُمْ مِنَ المُعْتِبِيِنَ) (٥) بكسر التاء.

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : أَيْ : لَوْ استَعْتَبُوا لَمَا اعْتَبُوا ، كَقَولِكَ لَوْ اسْتُعْطِفُوا لَمَا

__________________

(١) يروى (ليوم) مكان (لقتل). يفتخر الفرزدق على قيس لاَِنَّ تميماً قتلتْ قُتَيبَةَ بنَ مسلم الباهلي ، وباهلةُ من قيس وقتلتْ عبدَ الله بنَ خَازِم السُّلَمِي أَمير خُرَاسانَ من قِبَلِ ابنِ الزُّبير وسُلَيم من قيس. ففخر الفرزدق عليهم وزَعَمَ أنَّ قيساً غَضِبَتْ لقتلِ قتيبةَ ولم تغضبْ لقتلِ ابنِ خازم. انظر : الديوان : ٨٥٥ والكتاب : ٤٧٩ والمغني : ١ / ٢٦ و ٣٥ و ٣٦ والخزانة : ٤ / ٢٠.

(٢) الحرة : أَرضٌ بظاهر المدينةِ تحتَ واقم ولذا تعرف بحرة واقم وبها كانت وقعة الحرة أيام يزيد بن معاوية في ذي الحجة سنة ثلاث وستين من الهجرة.

تاج العروس ـ طبعة الكويت ـ : ١٠ / ٥٨٠.

(٣) البيت من قصيدة لأبي تمام يمدح فيها خالد بن يزيد الشيباني.

الديوان : ٨١ ومجمع البيان : ٩ / ١٥٢.

(٤) المحتسب : ٢ / ١٢٧ ـ ١٢٨.

(٥) من قوله تعالى من سورة فصلت : ٤١ / ٢٤ : (فَإِن يَصْبِرُوا فَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ وَإِن يَسْتَعْتِبُوا فَمَا هُم مِّنَ الْمُعْتَبِينَ).

٥٣١

عَطَفُوا ، لأ نَّهُ لا غَنَاءَ عِنْدَهُمْ ، ولا خيرَ فيهم ، فيجيبوا إِلى جميلِ أو يُدعوا إلَى حَسَن.

وإذَا جَازَ للشاعرِ أنْ يَقُولَ :

لَهَا حَافِرٌ مِثْلُ قَعْبِ الوَلِيدِ

تَتَّخِذُ الفَأرُ فِيهِ مَغَارَا (١)

ومعناه لو اتخذتْ فِيهِ مَغَارا لَوسعها ، جاز أَيْضاً أَنْ يُقَالَ : (وَإِنْ يُسْتَعْتَبُوا) لاِنَّ الشرط لَيْسَ بصريح إِيجاب ، وَلاَ بُدَّ فِيهِ مِنْ مَعْنَى الشَّكِّ ، وتتّخذُ الَفأْرُ فِيهِ لفظُ التَّصْرِيحِ بِهِ وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَمْ يَقَعْ وَلاَ يَقَعُ.

فَهَذَا طَرِيقُ قَوْلِهِ تَعَالَى : (وَإنْ يُسْتَعْتَبُوا فَمَا هُمْ مِنَ المُعْتِبِينَ) لاَِنَّ لَفْظَ الشَّكِّ ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ استعتابٌ لَهُمْ أَصْلاً أَلاَ تَرَى إلَى قَوْلِهِ فِي الآيةِ الأُخْرَى : (فَاليَومَ لاَ يُخْرَجُونَ مِنْهَا وَلاَ هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) (٢)؟ (٣) وَقَرَأَ أَهْلُ مَكّةَ ـ فيما حكاهُ أَبو جعفر الرؤاسي ـ : (إنْ تَأْتِهِمُ) (٤) بَكَسِرِ الألِف من غيرِ ياء.

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : هَذَا عَلَى استئنافِ شرط ، لاَِ نَّهُ وَقَفَ عَلَى قَوْلِهِ : (هَلْ ينظرونَ إِلاَّ الساعةَ) ثُمَّ قَالَ : (إنْ تَأْتِهِم بَغْتَةً فَقَدُ جَاءَ أَشْرَاطُهَا) فَأَجَابَ الشرط بقولهِ : (فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا).

فَإنْ قُلْتَ : فَإنَّ الشَّرْطَ لا بُدَّ فِيهِ مِنَ الشَّكِّ ، وَهَذَا مَوْضِعٌ محذوفٌ عنهُ

__________________

(١) البيت لِعَوف بِن عطية بن الخرع من بني تيم من عبد مناة.

انظر : الكامل للمبرد : ٣ / ١١١.

(٢) سورة الجاثية : ٤٥ / ٣٥.

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٤٥ ـ ٢٤٦.

(٤) من قوله تعالى من سورة محمّد (صلى الله عليه وآله) : ٤٧ / ١٨ : (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءِ أَشْرَاطُهَا).

٥٣٢

الشَّكُّ البتةَ. أَلاَ تَرَى إلى قَوْلِهِ تَعَالَى : (إنَّ السَّاعَةَ لاَتِيَةٌ لاَ ريبَ فِيها) (١) وَغَيرِ ذَلِكَ مِنَ الآي القَاطِعَة بإتيانِهَا؟ قِيلَ : لفظ الشَّكِّ مِنَ اللهِ (سبحانَه) ، وَمَعْنَاهُ مِنّا ، أَيْ : إنْ شَكّوا في مجيئها بغتة فَقَدْ جَاءَ أشراطُها ، أَيْ : أَعلامُها ، فهلا توقعوها وَتَأَهبوا لوقوعها معَ دواعيالعلمِ بذلكَ لَهُمْ إلى حالِ وقوعِهِا.

فَنَظِيرهُ مِمَّا اللفظُ فِيهِ مِنْ اللهِ تعالى ، وَمَعْنَاهُ مِنَّا ، قُوْلُهُ تَعَالى : (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِاْئَةِ أَلْف أَوْ يَزِيدُونَ) (٢) أيْ : يَزِيدُونَ عِنْدَكُمْ أَنْتُم ، لاَِ نَّكُم لَوْ رأَيْتُم جَمْعَهُم لَقُلْتُمْ أَنْتُمْ : هؤلاءِ مَئةُ أَلْف أَوْ يَزيِدُونَ (٣).

روى الحُلْوَانِيُّ عَنْ أَبي مَعْمَر عَنْ عَبِد الوارثِ عَنْ أَبِي عمرو : (وَيُخْرِجُ أَضْغَانَكُمْ) (٤) مَرْفُوعةَ الجيم.

قالَ أَبو الفتح : هو من القطع تقديره : (إنْ يَسْأَ لْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا) تَمَّ الكلام هنا ثمَّ استأنف فقال : وهو (يُخْرِجُ أَضْغَانَكُمْ) على كلّ حال ، أي : هذا مِمَّا يصحُّ فيه ، فاحذرُوهُ أَنْ يَتُمَّ منهُ عليكُم ، فهو راجعٌ بالمعنى إلى معنى الجزم.

وهذا كقولك : إذا زرتني فأنا مِمَّنْ يُحْسِنُ إِليكَ ، أي : فحريٌّ بي أَنْ أُحسِنَ إليكَ. وَلَوْ جاءَ بالفعلِ مُصَارِحاً بهِ فَقَالَ : إِذَا زُرْتَنِي أَحسنْتُ إِلَيْكَ لَمْ يَكُنْ فِي لَفظْهِ ذكر عَادَتِهِ الَّتِي يستعملها من الإحسانِ إلى زائره. وَجَازَ أَيْضاً أَنْ يُظَنَّ بِهِ

__________________

(١) سورة غافر : ٤٠ / ٥٩.

(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ١٤٧. تنظر : ص : ٤٢٢. والمحتسب : ٢ / ٢٢٧.

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٧٠ ـ ٢٧١.

(٤) من قوله تعالى من سورة محمّد (صلى الله عليه وآله) : ٤٧ / ٣٧ : (إِن يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ).

٥٣٣

عَجْزٌ عَنْهُ ، أَو وُنِيٌّ وَفتورٌ دونَهُ. فَإذَا ذكر أَنَّ ذَلِكَ عَادَتُهُ ، وَمَظَنَةٌ مِنهُ كَانَتِ النفسُ إلَى وقوعهِ أسكنَ وبِهِ أَوثَقَ (١).

٢ ـ لوْ وحركتها

قَرَأَ يَحيى : (وَلَوُ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ) (٢) بضمّ الواو.

قَالَ أَبو الفتح : الضمُّ في هذِه الواو قليلٌ ، وَإنَّمَا بَابُهَا الكَسْرُ كقراءةِ الجماعةِ غَير أَنَّ مَنْ ضَمَّهَا شَبَّهَهَا ـ لسكونِها وانفتاح ما قبلهَا ـ بواوِ الجمعِ ، كقولِ اللهِ تَعَالى : (اشْتَرَوُا الضلالةَ) (٣) كَمَا شَبَّهَ بعضُهُم واوَ الجمعِ هَذِهِ بِها فَقَرأ : (اشْتَرَوِا الضَّلاَلَةَ) (٤). (٥)

٣ ـ أَينَ

قَرَأَ : (أَيْنَ) بهمزة بعدَها ياءٌ ساكنةٌ ، والنونُ مَفْتُوحةٌ (ذُكِرْتُمْ) (٦) مضمومة الذَّالِ خفيفة الكافِ الأعمش وأَبُو جعفر يزيد.

قال أَبو الفتح : معناهُ : أَيْنَ حَلَلْتُم ، وكنتم ، وَوُجِدْتُم ، فذكرتم ، فاكتفى

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٢٧٣ ـ ٢٧٤.

(٢) من قوله تعالى من سورة المؤمنون : ٢٣ / ٧١ : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّموَاتُ وَالاَْرْضُ وَمَن فِيهِنَّ).

(٣) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ١٦ : (أُوْلَئِك الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ).

(٤) تنظر : ص : ١٠٨ و ١٠٩. والمحتسب : ١ / ٥٤.

(٥) المحتسب : ٢ / ٩٧.

(٦) من قوله تعالى من سورة يس : ٣٦ / ١٩ : (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ).

٥٣٤

بالمسبب الَّذي هو الذكر من السبب الَّذي هو الوجود ، وَأَينَ هُنَا شرطُ وجوابِها محذوفٌ (١) لدلالة (طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ) عليهِ فَكَأَ نّهُ قَالَ : أَيْنَ ذُكِرْتُمْ ، أَوْ أَينَ وُجِدْتُم وُجِدَ شُؤْمُكُم مَعَكَمْ.

وَهَذَا كَقَوْلِكَ سَيْفُكَ مَعَكَ أَيْنَ حَلَلْتَ ، وجودُكَ مَعَكَ مَتَى سُئِلْتَ كُنْتَ جواداً ، وكقولك : أَنتَ ظالمٌ إنْ فَعَلْتَ ، أيْ : إنْ فَعَلْتَ ظَلَمت.

وَلاَ يَجوزُ الوقُوفُ فِي هَاتَينِ القَرِاءَتينِ عَلَى (مَعَكُمْ) لاتصالِ (أَنْ) (٢) و (أَيْنَ) بِهَا (٣).

٤ ـ إذَا والعامل فيها

حَوْلَ قولهِ تَعَالى : (إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ) (٤).

قَالَ أَبو الفتح : العَامِلُ فِي (إذَا) مَحْذُوفٌ لِدلالةِ المَكَانِ عَلَيهِ كَأَ نَّهُ قَالَ : إذَا وَقَعَتِ الواقعةُ كَذَلِكَ فَازَ المؤمنونَ وَخَابَ الكافِرُونَ ، وَنَحو ذَلِكَ ويجوز أَنْ

__________________

(١) قال الأخفش : (طائركم مَعَكم أَيْنَ ذُكِرتُم) أَيْ : إن ذُكِرْتُمْ فَمَعَكُم طَائِرُكُمْ. وَقَالَ الفَرَاءُ : طائِرُكُم مَعَكُمْ حَيْثُمَا كُنْتُم. وَقَالَ أَبو حيَان : حذف الجزاء للدلالة عليهِ وتقديره أَيِن ذُكِرْتُم صحبكم طائركم وَيَدُلُّ عَلَيهِ قَوْلُهُ طائِرُكُم مَعَكُم وَمَنْ جَوَّزَ تقديمَ الجزاءِ عَلَى الشرطِ وَهم الكوفيون وأبو زيدِ والمُبرِّد يجوز أن يكون الجواب طائركم معكم ، وكان أصله أَين ذُكِرتُم فطائركُم مَعَكُم فلما قُدِّمَ حْذِفَتِ الفاءُ. معاني القرآن للأَخفش : ١٦١ / أومعاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٣٧٤ والبحر المحيط : ٧ / ٣٢٨.

(٢) قرأ أبو سلمة يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أَبي سلمى الماجشون المدني : (أَنْ ذُكِّرْتُم) بهمزة واحدة مفتوحة مقصورة ولا ياءَ بَعدَهَا. المحتسب : ٢ / ٢٠٥ والبحر المحيط : ٧ / ٣٢٨.

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٤) سورة الواقعة : ٥٦ / ١.

٥٣٥

تَكُونَ (إذَا) الثانيةَ وهْيَ قولُهُ : (إِذَا رُجَّتِ الاَْرْضُ رَجّاً) (١) خبراً عَنْ (إذا) الأُولى ، وَنَظِيرُهُ إذَا تزورُنِي إذاً يقومُ زيدٌ ، أَيْ : وقتُ زيارتِك إيَّاي وَقْتَ قيامِ زيد.

وَجَازَ لـ (إِذا) أَنْ تُفَارِقَ الظَّرْفِيةَ ، وَترتفع بالابتداء (٢) كما جازَ لَهَا أَنْ تَخْرُجَ بحرفِ الجرِّ عَنِ الظَّرفيةِ (٣) ، كَقَوْلِهِ :

حَتَّى إذا أَلقتْ يَدا في كافر

وَأَجَنَّ عَوراتِ الثُغور ظَلاَمُهَا (٤)

وَقَالَ سبحانَهُ : (حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْك) (٥) وإذا مجرورةٌ عِندَ أَبِي الحَسَنِ (٦) ، وَذَلِكَ يخرجها من الظرفية كَمَا تَرى (٧).

الفاءُ الرابطة لجوابِ الشَّرْطِ

قَرَأَ ابنُ عبَّاس وزيد بنُ أَسْلَم وَقَتَادَة وزيدٌ بن علي : (ألاَ مَنْ تَوَلَّى) (٨)

__________________

(١) سورة الواقعة : ٥٦ / ٤.

(٢) يرى جمهور النحاةِ أَنَّ (إِذَا) لا تَخرُجُ عن الظرفية. انظر : المغني : ١ / ٩٤ وهمع الهوامع : ١ / ٢٢٦.

(٣) أي : بدخول حرف الجرّ عليها. وسَبق لأَبي الفتح أَنْ قَالَ : «وتلك عادةُ سيبويه إذَا أراد تجريدَ الظرفِ مِن معنى الظرفيّة فَإنَّهُ يمثله بالإضافَةِ إليه ، وذلك مِمّا يُنافي تقدير حرف الجرِّ مَعَه». تنظر : ص : ٢٨٤. والكتاب : ١ / ٨٩ والمحتسب : ٢ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦.

(٤) ضمير أَلقت يعود على الشمس ، والكافر الليل ، يريد أن يقول حتَّى إذا غَرُبَتِ الشمسُ واظلمَّ الليلُ والبيت للبيد. انظر : شرح المعلّقات السبع : ٩١.

(٥) سورة يونس : ١٠ / ٢٢.

(٦) انظر : المغني : ١ / ٩٤.

(٧) المحتسب : ٤ / ٣٠٧ ـ ٣٠٨.

(٨) من قوله تعالى من سورة الغاشية : ٨٨ / ٢٣ ـ ٢٤ : (إِلاَّ مَن تَوَلَّى وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذَابَ الاَْكْبَرَ).

٥٣٦

بالتخفيف.

قَالَ أَبو الفتح : (أَلاَ) افتتاحُ كلام ، و (مَنْ) هُنَا شرطٌ ، وَجَوابُهُ (فَيُعَذِّبُهُ اللهُ) كقولِكَ : مَنْ قَامَ فيضربُهُ زَيدٌ. وَكَذلِكَ الآية ، أَيْ : مَنْ يَتَولَّ وَيَكفر فَهُوَ يُعذّبهُ اللهُ ، لاَ بُدَّ مِن تَقْديرِ المُبتدأِ هُنَا ، وَذَلِكَ أَنَّ الفَاءَ إنَّما يُؤْتَى بِهَا فِي جوابِ الجَزَاءِ بَدَلاً مِنْ الفِعْلِ الَّذىِ يُجَابُ بِهِ ، فَإذَا رَأَيْتَ الفَاءَ مَعَ الفِعْلِ الَّذي يَصْلُحُ أَنْ يكونَ جواباً للجزاءِ فَلا بُدَّ مِنْ تَقْدير مُبتدأ محذوف (١) هُنَاكَ لاَِ نَّهُ لَو أُريدَ الجوابُ عَلَى الظَّاهِر لَكانَ هُنَاكَ فِعْلٌ يَصلُحُ لَهُ ، فَكَانَ يُقالُ : أَلاَ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ يُعَذّبُهُ اللهُ ، كَقَوْلِكَ : مَنْ يَقُمْ أُعْطِهِ دِرْهَمَا. وَلَوْ دخلتِ الفَاءُ لَقُلْتَ : مَنْ يقمْ فَأُعطيهِ دِرْهَماً ، فَهُوَ كقولِ الله سبحانه : (وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) (٢) أَيْ : فَهْوَ يَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ (٣).

قَرَأَ عِيسى الثَّقَفِي : (الزَّانِيَةَ وَالزَّانِي ـ بِالنَّصْبِ ـ فَاجلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَة) (٤).

قَالَ أَبو الفتح : جَازَ دُخُولُ الفاءِ فِي هَذَا الوَجهِ لاَِ نَّهُ موضعُ أَمر ، ولا يجوزُ زيداً فضربتُه ، لاَِ نَّهُ خبرٌ. وساغتِ الفَاءُ مَعَ الأمْرِ لِمُضَارَعَتِهِ

__________________

(١) قال سيبويه : إنْ تَأَتِني فَأُكْرمُكَ ، أَيْ فَأَ نَا أَكْرِمُكَ فَلاَ بُدَّ مِنْ رَفْع أُكْرِمُكَ إِذَا سَكَتَ عَلَيهِ لاَِ نَّهُ جوابٌ ، وَأَنمَا اَرْتَفَعَ لاَِ نَّهُ مَبْني عَلَى مبتدأ. وَمْثِلُ ذَلِكَ قَولْهُ عَزَّوَجَلَّ : (وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَام). الكتاب : ١ / ٤٣٧.

(٢) سورة المائدة : ٥ / ٩٥.

(٣) المحتسب : ٢ / ٣٥٧.

(٤) من قوله تعالى من سورة النور : ٢٤ / ٢ : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِّنْهُمَا مِاْئَةَ جَلْدَة وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ).

٥٣٧

الشرط (١) أَلاَ تَرَاهُ دَالاًّ عَلَى الشَّرْطِ وَلِذَلِكَ انْجَزَمَ جوابُهُ فِي قَوْلِكَ : زُرْنِي أَزُرْكَ لاِنَّ مَعْنَاهُ : زُرْنِي ، فَأَ نَّكَ إنْ تَزُرْنِي أَزُرْكَ ، فَلَمَّا آلَ مَعْنَاهُ إلى الشَّرطِ جَازَ دُخُولُ الفاءِ فِي الفِعْلِ المُفَسّر لِلْمُضْمَرِ ، فَعَلَيهِ تَقُولُ : بزيد فَامْرُرْ وَعَلَى جعفر فانْزِلْ (٢).

وَقَرَأَ الحَسَنُ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمنُوا فَصَلُّوا عَلَيهِ) (٣).

قَالَ أَبو الفتح : دُخولُ الفاءِ إنَّمَا هُوَ لِمَا ضُمّنَه الحَدِيثُ مِنْ مَعْنَى الشرطِ وَذَلِك أَنَّهُ إِنَّما وَجَبَتْ عَلَيهِ الصلاةُ مِنَّا لاَِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ قَدْ صَلَّى عَلَيْهِ ، فَجَرَى ذَلِك مجرى قولِهم : قَدْ أَعطيتُك فَخُذْ أَيْ : إنَّمَا وَجَبَ عَليك الأخذُ مِنْ أَجْلِ العطيةِ. وَإذَا قَالَ أعطيتُك خُذْ فَالوقوفُ عَلَى أعطيتكَ ، ثُمَّ استأنَفَ الأمرَ لَهُ بالأَخْذِ فَهُوَ أَعْلَى مَعْنَى وأَقْوَمُ قيلاً.

وَذَلِك أَنّهُ إِذَا عَلّلَ الأخذ فَجَعَلَهُ وَاجِباً عَنْ العَطِيةِ فَجَائزٌ أَنْ يُعَارِضَهُ المَأَمور بالأَخذِ ، بِأَنْ يَقُولَ : قَدْ ثَبَتَ أَنَّ الأخْذَ لاَ يَجِبُ بِعَطِيتِكَ ، فَإِنْ كَانَ أَخْذِي لغير ذَلِكَ فعلتُ. وهو إذْ ارتجَلَ قَولَه : خُذْ لَمْ يُسْرِعِ المعارضةَ لَهُ فِي أَمْرهِ إيَّاهُ ، لاستبهامِ مَعْنَى موجبِ الأَخْذِ ، كَمَا قَدْ تَقعُ المُعَارَضةُ إذَا ذَكَرَ العِلَّةَ فِي ذَلِكَ.

فَإِنْ قُلْتَ : فَقَدْ يجوزُ أنْ يُعارِضَ أَمَرَهُ بالأخذِ مرسلاً ، كَمَا قَدْ يُعَارِضُهُ

__________________

(١) قال المُبَرِّدُ : إنَمَا وَجَبَ الجلدُ للزنى فَهَذَا مجازاةٌ ومن ثمَّ جَازَ : الَّذي يأتيني فَلُه دِرْهَمٌ فدخلتِ الفاءُ لاَِ نَّهُ استحقَّ الدّرْهَمَ بالإتيانِ. الكامل : ٢ / ٢٦٥.

(٢) المحتسب : ٢ / ١٠٠.

(٣) من قوله تعالى من سورة الأحزاب : ٣٣ / ٥٦ : (إِنَّ اللهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً).

٥٣٨

مُعَلَّلاً.

أَلاَ تَرَاهُ قَدْ يَقولُ لَهُ : اذكْر لِي علَة الأخذِ لاَِرَى فيه رأيي فتوقّفَ عَنِ الأَخْذِ إِلى أَنْ يَعْرِفَ عَلَّةَ الأَمْرِ لَهُ بِذَلِكَ؟ قيل : على كلِّ حال الأمرُ المحتومُ بِهِ على حالاتِهِ أثبتَ في النفسِ من المعلّل بما يجوز أَن يعارض. وَإِذَا رَاجَعْتَ نَظَرَكَ وَأَعْمَلْتَ فِكرَتَكَ وَجْدَتَ الحالَ عَلَى مَا ذَكَرْتُ لَكَ ، فَلِذَلِكَ كَانَ قولُهُ تَعَالَى : (صَلَّوا عَلَيهِ) أَقْوَى مَعْنَى (١).

وَقَرَأَ طلحة بن سليمان : (أَيْنَـمَـا تَكُونُواْ يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ) (٢) برفع الكافين قَالَ ابن مَجَاهِد : وهَذَا مردودٌ فِي العربيةِ.

قَالَ أَبو الفتحِ : هُوَ لعَمري ضَعيفٌ فِي العربية وبَابُهُ الشِّعْرُ والضَّرُورَةُ إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ بمردود لاَِ نَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْهُم وَلَوْ قَالَ مَردودٌ في القرآن لَكَانَ أَصْحَ معنى ، وذلك أَنَّهُ عَلَى حذف الفاءِ كَأَ نَّهُ قَالَ : فيدركُكُمُ المَوتُ. وَمِثْلُهُ بيتُ الكتابِ :

مَنْ يفعلِ الحسناتِ اللهُ يَشْكُرُهَا

والشَّرُّ بالشَّرِّ عِنْدَ اللهِ مثلانِ (٣)

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ١٨٣.

(٢) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٧٨ : (أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوج مُّشَيَّدَة).

(٣) البيت لعبد الرحمن بن حسان بن ثابت وينسب لحسان بن ثابت وليس في ديوان حسان. ويروي الأَصمعي أَنَّ صَدْرَ البيتِ :

مَنْ يفعلِ الخيرَ فالرّحمنُ يَشْكُرُهُ

 ......

وأنَّ الروايَةَ الأخرَى صَنَعَهَا النحاةُ. انظر : الكتاب : ٤٣٥ ونوادر أَبي زيد : ٣١ والخصائص : ٢ / ٢٨١ والمنصف : ٣ / ١١٨ وأمالي الشّجَري : ١ / ٨٤ و ٢٩٠ و ٣٧١ وشرح المفصل : ٩ / ٢ ـ ٣ والخزانة : ٣ / ٦٤٤ و ٦٥٥ و ٤ / ٥٤٧ والمغني : ١ / ٥٦ و ١٦٥.

(٤) تقدَّمَ الشاهد في : ص : ١٤٣ على رواية : بَني ثُعَل .. إلخ.

٥٣٩

أيْ : فاللهُ يَشْكُرُهَا. ومثله بيتُهُ أَيضاً :

بَنُو ثُعَل لاَ تَنْكَعُوا العَنْزَ شِربِهَا

بَني ثُعَل مَنْ يَنْكَع العَنْزَ ظالمُ (١)

فَكَأَ نَّهُ قَالَ : فَهْوَ ظَالمٌ فَحَذَفَ الفاءَ والمبتدأَ جَمِيعاً إِلاَّ أَنَّهُ لَـمَـا تَرَكَ هناكَ اسمَ الفاعلِ فَهْوَ لِشَبهه بِالفِعلِ كَأَ نَّهُ هُوَ الفِعْلُ ، فيصيرُ إِلى أَنَّهُ كَأَ نَّهُ قَالَ : مَنْ يَنْكَعِ العنزَ يَظْلِمُ ، وَشَبَهُ الفِعْلِ فِي هَذِهِ اللُّغَةِ أَفْشَى مِنْ الشَّمْسِ حَتَّى أَنَّهُم

استجازُوا لِذَلِكَ أَنْ يُولُوهُ نُونَ التَّوكِيدِ الُمخْتَّصة بالفعلِ فَقَالُوا :

أَريتَ إنْ جِئتُ بِهِ أُملودا

مُرَجَلاً وَيَلْبَسُ البُرُودا

أَقَائِلُـنَّ أَحْضِـرِي الشُّهُـودَا (٢)

فَكَأَ نَّهُ قَالَ : أَيقولُنَّ والنظائرُ فيهِ كثيرةٌ جِدًّا (٣).

جواب الطلب

قَرَأَ العَلاءُ بنُ سَيَّابة : (يَرْتَعِ) (٤) بالياءِ وَكَسْرِ العَينِ ، (وَيَلْعبُ) رَفْعاً وَقَرأَ : (يُرْتِعْ وَيَلْعَبْ) أَبُو رَجَاء.

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : أَمَّا (يَرْتَع) فجزم لاَِ نَّهُ جوابُ (أَرْسِلْهُ) (٥) ، وَ (وَيَلْعبُ)

__________________

(١) من قصَّة هذا الرَّجَز أنّ رَجُلاً من العربِ أتَى أَمَةً لهُ فلمَّا حَبَلَتْ جَحَدَهَا وَزَعَمَ أنّه لم يقربها فقالت هذا الرجز. ويروى (جاءت) مكان (جئت) و (احضروا) و (اعجلي) مكان (احضري) وينسب هذا الرجز إلى رؤبة كما ينسب إلى رجل من هذيل. الخصائص : ١ / ١٣٦ والتمام : ٤٢ والخزانة ـ بولاق ـ ٤ / ٥٧٤.

(٢) المحتسب : ١ / ١٩٣ ـ ١٩٤.

(٣) من قوله تعالى من سورة يوسف : ١٢ / ١٢ : (أَرْسِلْهُ مَعَنَا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).

(٤) وحذفت الياء من الفعل (يَرْتَعي) علامة للجزم ، فصار : (يَرْتَع).

٥٤٠