أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

الباب الحادي عشر

عوامل الفعل المضارع ،

نون التوكيد ، الفعل المعتل

٥٠١
٥٠٢

نصب الفعل المضارع

لام كـي (١)

قَرَأَ الحَسَنُ وابنُ شَرَف : (وَلْتَصْغَى ، ولْيَرْضَوه ، ولْيَقْتَرِفُوا) (٢) جزمِ اللاّمِ فِي جميعِ ذَلِكَ.

قَال أَبو الفتح : هَذِهِ اللاّمُ هِيَ الجَارَّةُ ، أَعنِي لامُ كَي (٣) ، وهِي مَعْطُوفَةٌ عَلَى الغرور مِنْ قَولِ اللهِ تَعَالى : (يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْض زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً) (٤) أَيْ : لِلْغَرور (٥) ، (وَلِتَصْغَى إلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوهُ وَلِيَقْتَرِفُوا مَا هُمْ مُقْتَرِفُونَ) (٦) ، إلاَّ أَنَّ إسْكَانَ هَذه اللاَّمِ شَاذُّ فِي الاستعمالِ عَلَى قوّتِهِ في القياسِ وذلِكَ لاَِنَّ هذا الإسكان إنّما كثُرَ عنهم في لام الأمر نحو قَولِهِ تعالى : (ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ

__________________

(١) لام كي : هي لامُ التَّعليل ، وسُمِّيَتْ لامَ كي لاِ نّها تفيد ما تُفيدُ كي مع التَّعليلِ.

انظر : الجنى الداني : ١٥٦.

(٢) من قوله تعالى من سورة الأنعام : ٦ / ١١٣ : (وَلِتَصْغَى إِلَيْهِ أَفْئِدَةُ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ وَلِيَرْضَوْهُ وَلِيَقْتَرِفُواْ مَا هُم مُّـقْتَرِفُونَ).

(٣) قال الزجّاج : أما لامُ كي في قولك جئت لتقومَ يا هذا فهي لامُ الإِضافةِ التي في قولك : (المالُ لزيد) وإنّما نَصَبَتْ لاِ نّها تقومُ بإضمار (أَنْ) أَو (كي) التي في معنى (أَنْ) فالمعنى جئت لقيامِكَ. معاني القرآن وإعرابه للزجّاج : ١ / ٤.

(٤) سورة الأنعام : ٦ / ١١٢.

(٥) وعلى هذا حمله ابنُ الأنباري. انظر : البيان : ١ / ٣٣٥.

(٦) سورة الأنعام : ٦ / ١١٣.

٥٠٣

الْعَتِيقِ) (١) وإنّمَا أُسْكِنَتْ تَخْفِيفاً لِثِقَلِ الكَسْرَةِ فِيهَا ، وفرقوا بينها وبين لام كي بَأَنْ لَمْ يُسكنوها ، فَكَأَ نَّهُمْ إنَّمَا اختاروا السُّكُونَ لِلاَمِ الأمْرِ ، والتحريك لِلاَم كَي مِنْ حَيْثُ كَانَتْ لامُ كَي نائبَةً فِي أَكْثَرِ الأمِرْ عَنْ أَنْ (٢) ، وهِي أَيضاً فِي جوابِ كَان سيفعلُ إذا قُلْتَ : مَا كَان ليفعل ، محذوفة مع اللاّم البتّة ، فلمَّا نابتْ عنها قوَّوها بإِقرار حركتِها فيها ، لاَِنَّ الحرفَ المُتَحَرِّكَ أَقْوى مِنَ السَّاكِنِ ، والأَقْوى أَشْبَهُ بِأَنْ يَنُوبَ عَنْ غيرِهِ مِنْ الأضْعَفِ.

نَعَمْ وقَدْ رَأَيْنَاهُم ، إذَا أَسكنُوا بعضَ الحروفِ أَنابوهُ عنْ حركتِهِ وعاقبُوا بينَهُ وبينَهَا ، وذلك نحو الجواري والغواشي صارتِ الياءُ فِي موضع الرَّفْعِ والجَرِّ معاقِبَةً لضَمَّتِها وكسرتِها في قولِكَ : هؤلاءِ الجواري ومررتُ بالجواري ، فكأنَّ لامَ كي على هذا إذَا أُسْكِنَتْ معاقِبَةً لاَِنْ ، وكَالمُعَاقِبَة أَيضاً لِكسرتِها ، فَلِذَلِكَ أَقَرُّوهَا عَلَى كَسْرتِها ولَمْ يَجْمَعُوا عَلَيْهَا مَنَابَها فِي أَكثرِ الأَمرِ عَن أَنْ وقَدْ ابتزّتْ حَرَكَةَ نَفْسِهَا أَيضاً.

وأَيضاً فَإنَّ الأمرَ مَوضِعُ إيجاز واستغناء ، أَلاَ تَرَاهُمْ قَالَوا : صَه ومَه ، فأَنابُوهُمَا عَنِ الفِعْلِ المُتَصَرِّفِ وكَذَلِكَ حَاءِ (٣) وعَاءِ (٤)

__________________

(١) سورة الحجِّ : ٢٢ / ٢٩.

(٢) قال أبو القاسم الزجّاجي : ينتصب الفعل بَعْدَ لام كي عند البصريين بإضمار (أَنْ) وعند الكوفيين اللاّم بنفسها ناصبة ، وهي في كلا المذهبين مُتَضَمِّنَةٌ مَعنَى كي وهذه اللاّم عند البصريين هي الخافضة للأَسماء. كتاب اللاّمات : ٥٣.

(٣) حاحا : اسم صوت لدعاء الضَّان والفعل منه حَاحَيتُ. شرح التصريح : ٢ / ٢٠١.

(٤) عَاعَا : اسم صوت لزجر الإِبِلِ ، وَيُروَى أَنَّهُ لِدُعَاءِ المعزّ والفعل منه عاعيتُ. حاشية الصَّبَّان على شرح الأَشموني : ٣ / ٢٠٨.

٥٠٤

وهَاءِ (١). (٢)

وقَرَأَ الناس : (مَاءً لِيُطَهِّرَكُم بِهِ) (٣) وقَرَأَ الشعبي : (مَا لِيُطَهّركُم بِهِ) عَلَى مَعْنَى الَّذي بِهِ.

قال أَبو الفتح : (مَا) هَا هُنَا موصولةٌ ، وصِلَتُها حَرفُ الجَرِّ بِمَا جَرَّهُ ، وكَأَ نَّهُ قَالَ : ما للطَّهُورِ ، كقولِكَ : كسوتُهُ الثوبَ الَّذي لِدَفِعِ البَردِ ، ودفعتُ إليهِ المالَ الَّذي للجهادِ ، واشتريتُ الغلامَ الَّذي لِلقِتَالِ (٤).

ألا ترى أَنْ تقديره : ويُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِنَ السَّـمَـاءِ الماءَ الَّذي لاَِنْ يُطَهِّرَكُمْ بِهِ ، أيْ : الماءَ الَّذي لِطهَارَتِكم أَو لِتَطْهِيرِكُم بِهِ. وهَذِهِ اللاّمُ في قراءةِ الجَمَاعَةِ : (مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ) هِيَ لاَمُ المَفْعُولِ لَهُ (٥) ، كَقَولِهِ : زرِتك لتكرمني ، وهي متعلّقة بزرتك ، وَلاَ ضميرَ فِيها لِتَعَلُّقِهَا بالظاهِر.

فهي كقوله تعالى : (إنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً * لِيغْفِرَ لَكَ اللهُ) (٦) فهي ـ كما ترى ـ متعلّقةٌ بنفس (فَتَحْنَا) تَعَلُّقَ حرفِ الجَرِّ بالفعلِ قبلَهُ.

وأَمّا اللاّمُ فِي قراءةِ مَنْ قَرَأَ : (مَا لِيُطَهّرُكُم بِهِ) أَيْ : الَّذي لِلْطّهَارَةِ بِهِ ،

__________________

(١) في شرح التصريح : ٢ / ٢٠١ : يُقالُ للإِبِلِ إذا دُعِيَتْ لِلعَلَفِ هَأهَأ والاسم الهيء.

(٢) المحتسب : ١ / ٢٢٧ ـ ٢٢٨.

(٣) من قوله تعالى من سورة الأنفال : ٨ / ١١ : (إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِّنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُم مِّن السَّمَاء مَاء لِّيُطَهِّرَكُم بِهِ).

(٤) قال أَبو حَيَّان : وظَاهِرُ هَذَا التَّخريج فَاسِدٌ لاَِنَّ لامَ كَي لا تكونُ صِلَةً وَيُمكِنُ تَخريجُ هذهِ القِرَاءَةِ عَلَى وجْه آخَر وهُو أَنَّ (مَا) لَيْسَ مَوصْولاً بِمَعْنَى الّذِي وأَ نَّهُ بِمعنَى (مَاء) الممدود وذلك أنّهم حكوا عن العرب حذف هذه الهمزة. البحر المحيط : ٤ / ٤٦٨.

(٥) قال العكبري : الجُمهُورُ على المَدِّ والجَارِّ صفة له. إِملاء ما منَّ به الرحمن : ٢ / ٤.

(٦) سورة الفتح : ٤٨ / ١ ـ ٢.

٥٠٥

فمتعلّقةٌ بِمَحذوف ، كَقَولِك : دَفَعْتُ إليهِ المَالَ الَّذي لَهُ ، أَيْ : اسْتَقَرَّ أو ثَبَتَ لَهُ ، وفِيهَا ضَميرٌ لِتَعَلُّقِهَا بِالَمحْذُفِ. وأَمّا لاَمُ المَفْعُولِ لَهُ فَلاَ تَكُونُ إلاَّ مُتَعَلّقَةً بالظَّاهِرِ نَحو زِرْتُهُ لِيُكْرِمَنِي وأعطيْتُهُ لِيَشْكُرَنِي ، أو بظاهر يقومُ مقامَ الفعلِ كقولِكَ : المالُ لِزيد لِيَنْتَفِعَ بهِ ، فالَّلاَم في لِزيد متعلّقةٌ بمحذوف عَلَى ما مضى ، والتي في قولك : لينتفعَ بِهِ هي لامُ المفعولِ لهُ وهي متعلّقةٌ بنفس قولك : لزيد تعلّقَهَا بالظَّرفِ النَّائِبِ عن المحذوفِ في نحو قولِكَ : أَزَيدٌ عِنْدَكَ لتنتفعَ بحضورِهِ؟ وأَزيد بين يديك لِيُؤنِسَك؟ فاللاّم هُنَا متعلّقة بنفسِ الظرفين اللّذين هُمَا عِنْدَكَ وبينَ يَديكَ.

وعَلَى كُلِّ حَال فَمَعْنَى القِرَاءَةِ بقَولِهِ : (ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ).

والقراءِة : (مَا لِيُطَهِرَكم بِهِ) يِرجَعان إلى شيء واحد ، إلاّ أَنَّ أَشدَّهُمَا إفْصَاحاً بِأَنَّ المَاءَ أُ نْزِلَ للتَّطهُّرِ بهِ هي قراءة مَنْ قَرَأَ : (ماءً لِيُطَهّركُمْ بِهِ) لاَِنَّ فِيهِ تَصْرِيحاً بِأَنَّ الماءَ أُ نْزِلَ للطّهارَةِ ، وتْلِك القراءة الشاذَّةُ ، إنَّمَا يُعْلَمُ أَنَّهُ أُنْزِلَ للطّهَارَةِ بِهِ فالقراءة الأُخرى وبِغَيرِهَا ، مِمَّا فيهِ إصْراحٌ بِذَلِكَ.

وعَلَى كُلِّ حال فَلاَمُ المفعولِ لَهُ لاَ تَتَعَلَّقُ بِمَحْذُوف أَبداً إِنَّمَا تَعَلُّقُهَا بالظَّاهِرِ ، فِعْلاً كَانَ أَو غَيْرهُ مِمَّا يُقامُ مقامه (١).

وقَرَأَ سعيد بن جُبَير ورُويَ عَنِ الحَسَنِ ومُجَاهِد : (أَخْفِيهَا) (٢) بفتحِ الأَلِفِ.

قَالَ أَبُو الَفْتحِ : أَخْفَيتُ الشَّيءَ : كَتُمْتُهُ وأَظْهَرْتُهُ جَمِيعاً. وخَفَيْتُهُ بِلاَ أَلِف :

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥.

(٢) من قوله تعالى من سورة طه : ٢٠ / ١٥ : (إِنَّ السَّاعَةَ ءاَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا).

٥٠٦

أَظْهَرْتُهُ البتة (١).

فَأَمَّا (أَخْفِيهَا) بِفَتْحِ الألفِ فَإِنَّهُ أُظْهِرُها. فَإذَا كَانَ (أَخْفِيهَا) بَالفَتْحِ أَو (أُخْفِيهَا) بِمَعْنَى أُظْهِرُهَا فاللاّمُ فِي قُولِهِ : (لِتُجْزَى) (٢) معلّقة بنفسِ (أَخفيها) ولاَ يَحسن الوقفُ دونَها.

وإِذَا كَانَ مِنْ مَعْنَى الإخفاءِ والسَّتر فاللاّم متعلّقةٌ بنفس (آتِيَة) أَيْ : إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لِتُجْزى كُلَّ نفس بِمَا تَسْعَى ، أَكَادُ أُخفِيهَا.

فالوجْهُ أَنْ تَقِفَ بَعْدَ أُخفِيها وقْفَةً قَصيِرَةً. أَمَّا الوقْفَة فَلِئَلاَّ يُظَنُّ أَنَّ اللاّمَ مُعَلَّقَةٌ بنفسِ (أُخفيها) وهذا ضدُّ المعنى. لاَِ نَّها إذَا لَمْ تَظْهَرْ لم يكنْ هناكَ جزاء ، إنَّمَا الجَزَاءُ مَعَ ظِهُورِهَا. فَأَمَّا قِصَرُ الوقْفَةِ فَلاَِنَّ اللاَّمَ مُتَعَلّقَةٌ بنفسِ (آتيةٌ) فَلاَ يحسنُ إتْمَامُ الوقفِ دونَهَا ، لاتّصال العاملِ بالمعمولِ فيه. وهذه الوقفةُ القصيرةُ ذكرَهَا أَبو الحَسَنِ ومَا أَحْسَنَها وأَ لْطَفَ الصنعةِ فيها (٣)!! وَقَرَأَ الحَسَنُ : (لَيْلاَ يَعْلَمَ أَهْلُ الكِتَابِ) (٤) بنصِب اللاّمِ ، وبجزمِ الياءِ ولا يهمز.

قَالَ أَبو الفتح : حكاها قُطرُب ـ فِيَما رويناهُ عَنْهُ ـ (لِيْلاَ) بكسر اللاّم ، وسكون الياء ، وَقَالَ : حَذَفَ همزةَ (أَنْ) وَأَبْدَلَ (النُّونَ) ياءً ، هَكَذَا قالَ.

وَالَّذي حكاه ابنُ مُجَاهِد : بفتح اللاَّمِ وسكونِ الياءِ. وَمَا ذَكَرَهُ قُطرُب مِنَ

__________________

(١) قال أبو عبيدة : خَفَيتُ وأَخْفيَتُ بمعنى واحد وقَدْ حَكَاهُ أَبُو الخَطَّابِ.

البحر المحيط : ٦ / ٢٣٣.

(٢) سورة طه : ٢٠ / ١٥.

(٣) المحتسب : ٢ / ٤٧ ـ ٤٨.

(٤) من قوله تعالى من سورة الحديد : ٥٧ / ٢٩ : (لِئَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْء مِّن فَضْلِ اللَّهِ).

٥٠٧

الكَسْرِ أَقْرَبُ.

وَأَمَّا فَتْحُ اللاَّم مِنْ (لَيْلاَ) فجائزٌ هُوَ والبَدَلُ جَمِيعاً ، وَذَلِكَ مَنْهُمْ مَنْ يَفْتَحُ لامَ الجَرِّ مَعَ الظَاهِرِ.

حَكَى أَبو الحسنِ عَنْ أَبي عبيدة أَنَّ بَعْضَهم قَرَأَ (١) : (وَإنْ كَانَ مَكْرِهُمْ لَتَزُولَ مِنْهُ الجِبَالُ) (٢) ، وحسنُ ذَلِكَ مَعَ (أَنْ) لِمُشَابَهَتِهِمَا المضمر ، كما يُشبِهُ المُضمَرُ الحرفَ ، فيبنى.

فَاْجْتَمعَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ صَارَ اللفظُ إلى (لَيْلاَ) وَعَلَيهِ قَال الخَلِيلُ (٣) في لن : أنّ أَصْلَهَا لاَ أَنْ فحذف الهَمْزَةَ تَخْفِيفاً والألِف لالتقاء الساكنين (٤).

اللاَّم الزائدة

قَرَأَ عبدُ اللهِ والأَعمشُ : (يُرِيدُ لِيُنْقَضَ) (٥) إنْ شِئْتَ قُلْتَ : إنَّ اللاَّمَ زَائِدَةٌ ، واحتَجَجْتَ فِيه بقراءة النبيّ صلّى الله عليه وآله (٦) ، وإنْ شِئْتَ قُلْتَ : تَقْدِيرُهُ

إرادَتُهُ لِكَذَا كَقَوْلِكَ قيامُهُ لِكَذَا وَجُلُوسُهُ لِكَذَا (٧).

__________________

(١) رصف المباني : ٢٥٢ والبحر المحيط : ٥ / ٤٣٨.

(٢) من قوله تعالى من سورة إبراهيم : ١٤ / ٤٦ : (وَقَدْ مَكَرُواْ مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) وقد عقد الزَّجاجي فصلاً خاصّاً للحديث عن اللاّم في هذه الآية. اللاَّمات : ١٧٩.

(٣) انظر : الكتاب : ١ / ٤٠٧.

(٤) المحتسب : ٢ / ٣١٣ ـ ٣١٤.

(٥) من قوله تعالى من سورة الكهف : ١٨ / ٧٧ : (فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَة اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَن يُضَيِّـفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَاراً يُرِيدُ أَنْ يَنقَـضَّ فَـأَ قَامَهُ).

(٦) تقدّم ذلك في الباب السابع في (نصب الفعل المضارع) مورد : قيام الفعل مقام المصدر : ص : ٣٨١ ، الحاشية الرابعة ، فلينظر هناك.

(٧) المحتسب : ٢ / ٣٢.

٥٠٨

النصب بِأَنْ المقدّرة

قَرَأَ الحَسَنُ والجراح : (ثَمَّ يُدرِكَهُ الموتُ) (١) بنصبِ الكافِ.

قَالَ أَبُو الفتحِ : أَمَّا قراءةُ الحَسَنِ : (ثُمَّ يُدْرِكَهُ الموتُ) بالنَّصْبِ ، فَعَلَى إضْـمَـارِ (أَنْ) كَقَولِ الأعْشَى :

لَنَا هَضْبَةُ لا يَنْزِلُ الذلُّ وَسْطَهَا

وَيَأوي إلَيْهَا المُسْتَجيرُ فَيُعْصَمَا (٢)

أَرادَ فَأَنْ يُعْصَـمَـا. وَهَذَا لَيْسَ بالسَّهْلِ وَإنَّما بابه الشعر لا القرآن.

وَمِنْ أَبياتِ الكِتَابِ :

سَأَتْرُكُ مَنْزِلي لِبَني تَمِيم

وَأَلْحَقُ بالحِجَازِ فَأسْتَرِيحا (٣)

والآيةُ عَلَى كُلِّ حَال أَقوى مِنْ ذَلِكَ لِتَقَدُّمِ الشرطِ قَبْلَ المَعْطُوفِ وَلَيْسَ بواجب وَهَذَا واضحٌ (٤).

وَقَرَأَ الأعْرَج وابنُ أَبي إسْحَاق وَعيِسَى الثَّقَفِي وعمرو بنُ عُبَيد ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي عمرو : (وَيَتُوبَ اللهُ) (٥) بالنَّصبِ.

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ١٠٠ : (وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْـتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللّهِ).

(٢) البيت لطرفة. ويروى : (يدخل) مكان (ينزل) و (ليعصما) مكان (فيعصما). الديوان : ١٣٩ والكتاب : ١ / ٤٢٣ والمقتضب : ٢ / ٢٤ والخصائص : ١ / ٣٨٩ واللسان : ١٢ / ٣١٠ ورصف المباني : ٢٢٦ والجنى الداني : ١٦٢.

(٣) البيت للمغيرة بن حبناء. الكتاب : ١ / ٤٢٣ والمقتضب : ٢ / ٢٤ ومعاني القرآن وإعرابه المنسوب للزجّاج : ١ / ٣٥٥ والمقرب : ٢٦٣ ورصف المباني : ٣٧٩ والهمع : ١ / ٥١ وشرح الأشموني : ٣ / ٣٠٥ والخزانة ـ بولاق ـ ٣ / ٦٠٠.

(٤) المحتسب : ١ / ١٩٧.

(٥) من قوله تعالى من سورة التوبة : ٩ / ١٤ ـ ١٥ : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ

٥٠٩

قَالَ أَبو الفتح : إذا نصبَ فالتوبةُ داخلةٌ في جوابِ الشَّرُطِ مَعْنىً ، وَإذَا رَفَعَ كَقَرِاءَةِ الجماعةِ فَقالَ : (ويتوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) فَهْوَ اسئناف ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُّؤْمِنِينَ) (١) فَهْوَ كقولِكَ : إنْ تَزُرْنِي أُحْسِنُ إليَكَ وأُعطيَ زيداً درهماً فتنصبُهُ على إضمارِ أَنْ ، أي : إنْ تَزُرْنِي أَجْمَعْ بينَ الإِحسانِ إليكَ والإِعطاءِ لِزيد.

وَالوَجْهُ قِرَاءَةُ الجَمَاعة عَلَى الاستئنافِ ، لاَِ نَّهُ تَمَّ الكلامُ عَلَى قولِهِ تَعَالى : (وَيُذْهِبُ غَيظَ قُلوبِهِم) ثُمَّ استَأ نَفَ فَقَالَ : (ويَتوبُ اللهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ) فالتوبةُ مِنْهُ سبحانَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ لَيْسَتْ مسبّبة عن قتالهم ، هذا هو الظاهر ، لاَِنَّ هذهِ حالٌ موجودةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى قاتَلُوهم أَوْ لَمْ يُقَاتِلوهم ، فَلاَ وَجْهَ لتعليقها بقاتِلُوهُمْ. فَإنْ ذَهَبْتَ تعلّق هذه التوبة بقتالهم إيّاهُم كَانَ فيهِ ضربٌ من التَّعَسُّفِ بالمَعْنَى (٢).

رَوى الحَلَوانِي ، عَنْ قَالُونَ عَنْ شيبةَ : (أَوْ آوِيَ) (٣) بفتح الياءِ. وروى أَيْضاً عَنْ أَبِي جعفر مِثْلَهُ.

قَالَ ابنُ مُجَاهد : ولا يجوزُ تحريك الياءِ هَا هُنَا.

__________________

وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

(١) من قوله تعالى من سورة التوبة : ٩ / ١٤ ـ ١٥ : (قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْم مُّؤْمِنِينَ * وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ اللهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ).

(٢) المحتسب : ١ / ٢٨٤ ـ ٢٨٥.

(٣) من قوله تعالى من سورة هود : ١١ / ٨٠ : (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْن شَدِيد).

٥١٠

قَالَ أَبو الفتح : هَذَا الَّذي أَنْكَرَهُ ابنُ مُجاهد عِنْدِي سَائِغٌ جائزٌ ، وَهُوَ أَنْ تَعْطِفَ (آوي) عَلى (قُوّة) فَكَأَ نَّهُ (قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ) آوِياً (إِلَى رُكْن شَدِيد).

فَإذَا صرتَ إلى اعتقادِ المَصْدَرِ ، فَقَدْ وَجَبَ إضْـمَـارُ أَنْ وَنَصْب الفِعلِ بِهَا ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ مَيْسُونُ بِنْتُ بَجْدَل الكُلَيْبِيَّة (١) :

لَلُبْسُ عَبَاءَة وَتَقَرَّ عَيْنِي

أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ لُبْسِ الشُّفُوفِ (٢)

فَكَأَ نَّها قَالَتْ : لَلْبْسُ عَبَاءَة وأَنْ تَقَرَّ عَيْنِي ، أَيْ : لإِنْ أَلْبَسُ عَبَاءَةً وَتَقَرَّ عَيْنِي أَحَبُ إلَيَّ مِنْ كَذَا ، وَعَليْهِ بَيْتُ الكِتَابِ أَيْضاً :

فَلَوْلاَ رِجَالٌ مِنْ رِزَام اعِزّةٌ

وَآل سُبَيْع أَوْ أَسَوءَكَ عَلْقَماً (٣)

أَيْ : أَوْ أَنْ أَسوءَكَ ، فَكَأَ نَّهُ قَالَ : أَوْ مَسَاءَتِي إِيَّاكَ فَكَذَلِكَ هَذِهِ القراءة : (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ) آوِياً ، أَيْ : أَوْ أَنْ آوِيَ إلَى رُكْن شديد وَهَذَا واضحٌ (٤).

وَقَرَأَ الأعمش : (وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرَ) (٥) نَصْباً.

__________________

(١) هكذا وردتْ بصيغةِ التَّصغير.

(٢) يُروى (وَلُبْسَ) مكان (لَلُبسُ). انظر : الكتاب : ١ / ٤٢٦ والمقتضب : ٢ / ٢٧ وشرح المفصل : ٧ / ٢٥ وشرح شواهد المغني : ٢ / ٦٥٣ ـ ٦٥٤ والهمع : ٢ / ١٧ والدرر اللوامع : ٢ / ١٠ وشرح الأشموني : ٣ / ٣١٣ والخزانة ـ بولاق ـ ٣ / ٥٩٢.

(٣) البيت للحُصَين بن الحِمَام المُريِّ (رزام بن مالك) و (رزام بن مازن) ومالك هو ابن رزام ابن مازن بن ثعلبةَ بنُ مُسعَد بنُ ذبيان.

الكتاب : ١ / ٤٢٩ والمفضليات : ٦٦ والهمع : ٢ / ١٠ وشرح التصريح : ٢ / ٢٤٤ وشرح الأَشموني : ٣ / ٢٩٦.

(٤) المحتسب : ١ / ٣٢٦ ـ ٣٢٧.

(٥) من قوله تعالى من سورة المدّثّر : ٧٤ / ٦ : (وَلاَ تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ).

٥١١

قَالَ أَبُو الفتحِ : أَمَّا (تَسْتَكْثِرَ) بالنَّصبِ فَبِأَنْ مُضْمَرَة عَلَى مَا أَذْكُرُهُ لَكَ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بدلاً مِنْ قَوْلِهِ : (وَلاَ تَمنُنْ) عَلَى المَعْنَى. أَلاَ تَرَى أَنَّ مَعْنَاهُ لاَ يَكُنْ مِنْكَ مَنُّ واستِكثَارُ؟ فَكَأَ نَّهُ قَالَ : لاَ يَكُنْ مِنْكَ مَنُّ أَنْ تَسْتَكْثِرَ فَتُضْمر أَنْ لتكونَ مَعَ الفِعْلِ المَنْصُوبِ بِهَا بَدَلاً مِنْ المَنِّ فِي المَعنَى الَّذي دَلَّ عَلَيهِ الفِعْلُ ، وَنَظِيرُ اعتِقَادِ المَصْدَرِ مغروماً (١) عَنْ الفِعْل فِي نَحوِ هَذَا قَوْلُهُمْ : لا تَشْتُمهُ فَيَشْتِمَكَ ، أَيْ : لاَ يَكُنْ مِنْكَ شتمٌ لَهُ ، وَلاَ مِنْهُ أنْ يشتمَكَ فَكَما ساغَ هُنَاكَ تقديرُ المَصْدَرِ ، فَكَذَلِكَ سَاغَ هُنَا تَقديرُهُ أَيضاً. وَمِمَّا وَقَعَ فِيهِ الفِعْلُ مُوقِعَ المَصْدَرِ مَا أَنْشَدَهُ أَبُو زيد مِنْ قَوْلَهِ :

فَقَالُوا مَا تَشَاءُ فَقُلْتُ أَلْهُو

إِلَى الإِصْبَاحِ آثِرَ ذِي أَثِيرِ (٢)

أَرَادَ اللهوَ مَوْضِعَ أَلْهُو وَهَذَا وَاضِحٌ (٣).

المَصْدَرُ المُؤَوَّلُ

قَرَأَ المَاجشُونُ (٤) : (أَنْ ذُكّرْتُمْ) (٥) بهمزة وَاحِدَة مَفْتُوحة مقصورة وَلاَ يَاءَ بَعْدَهَا.

قَالَ أَبو الفتح : أَمَّا (أَنْ ذُكّرْتُم) فَمَنْصُوبَةُ الموضِعِ بِقَوْلِهِ سُبَحَانَهُ : (طَائِرُكُمْ

__________________

(١) مغروماً : مؤدّى ومأخوذ من قولهم : غرم الدية.

(٢) تنظر : ص : ٣٨٢.

(٣) المحتسب : ٢ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

(٤) هو يوسف بن يعقوب بن عبد الله بن أبي سلمى المدني أخذ القراءةَ عن أبيهِ تُوفي سنة أربع أو خمس وثمانين ومئة. غاية النهاية : ٢ / ٤٠٥ والبحر المحيط : ٧ / ٣٢٧.

(٥) من قوله تعالى من سورة يس : ٣٦ / ١٩ : (قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ).

٥١٢

مَعَكُمْ) وَذَلِكَ أَنَّهُم لَـمَّـا قَالُوا لَهُم : (إنَّا تَطَيْرَنَا بِكُمْ) أَيْ : تَشَاءَمْنَا ، قَالُوا لَهُمْ جَواباً عَنْ ذَلِكَ بَلْ (طائِرُكُم مَعَكُم) أَيْ : بَلْ شُؤْمُكُمْ مَعَكُم (أَنْ ذُكِّرْتُمْ) ، أَيْ : هُوَ مَعَكُمْ لاَِنْ ذُكِّرتُم فَلَم تذكروا ، وَلَمْ تَنْتَهُوا فَاكْتَفَى بالسَّبَبِ الَّذي هُوَ التَذْكِيرُ مِنَ المُسَبِّبِ الذي هُوَ الانْتِهَاءُ على مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ إقَامَتِهِم كُلَّ وَاحِد مِنَ المُسَبِّبِ والسَّبَبِ مقامَ صاحِبِهِ وَمَنْ رأى أَنَّ (أَنْ) قَدْ حُذِفَ الجارُ عَنْ لَفْظِهَا وإرادَتِهِ فِيهَا مَجرورةً رأى ذَلِكَ هُنَا فِيهَا وَهُوَ (١) الخَليِلُ (٢).

جواب الجزاء بالواو

قَرَأَ عُبيدُ اللهِ بن موسى وطلحة بن سليمان : (وَيَجْعَلَ لَكَ) (٣) بالنَّصبِ قَالَ أَبو الفتح : نَصَبَهُ عَلَى أَنَّهُ جوابُ الجزاءِ بالواوِ ، كَقَوْلِكَ إنْ تَأْتِنِي آتِكَ وَأُحسنَ إلَيكَ. وَجَازَتْ إجَابَتُه بِالنَّصْبِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ وَاجِباً إِلاَّ بُوقُوع الشَّرْطِ مِنْ قَبْلِهِ وَلَيْسَ قويّاً مَعَ ذَلِكَ ، أَلاَ تَرَاهُ بِمَعْنَى قَوْلِكَ أَفْعَل كَذَا إنْ شَاءَ اللهُ (٤)؟

أَصْلُ لَنْ

قَالَ الخَليل : في (لَنْ) : إِنَّ أَصْلَهَا (٥) (لاَ أَنْ) فحذف الهمزة تخفيفاً والألف

__________________

(١) للخليل رأيٌ حولَ حذفِ اللاّمِ قَبلَ (أَنَّ) قَالَ سيبويه : وسألتُ الخليلَ عن قولِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ : (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَ نَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٢ ، فقال : إنّما هي على حذف اللاّم. وقالَ سيبويه : واعلم ان اللاّمَ ونحوها من حروف الجَرِّ قد تُحذَفُ من ان. كما حذفت من أَنْ. انظر : الكتاب : ١ / ٤٦٤ و ٤٦٧.

(٢) المحتسب : ٢ / ٢٠٥ ـ ٢٠٦.

(٣) من قوله تعالى من سورة الفرقان : ٢٥ / ١٠ : (تَبَارَكَ الَّذِي إِنْ شَاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِّن ذَلِكَ جَنَّات تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الاَْنْهَارُ وَيَجْعَلْ لَّكَ قُصُوراً).

(٤) المحتسب : ٢ / ١١٨.

(٥) وذهب هذا المذهب الكسائي. ويرى سيبويه والجمهور أنّ (لن) بسيطة.

٥١٣

لالتقاء الساكنين (١).

جزم الفعل المضارع

لمّا

قَرَأ الأعرج فيما يروى عنه : (لَـمَّـا آتيناكم) (٢) بِفَتحِ اللاّم وتشديد الميم ، آتيناكم بِأَلف قبلَ الكافِ.

قال أَبو الفتح : في هذه القراءة إغراب وَلَيْستْ لَـمَّـا هَا هُنَا بمعروفَة في اللغة (٣) ، وَذَلِك انّها عَلَى أوجْه (٤) :

١ ـ تكونُ حَرفاً جازماً (٥) كقولِ الله تعالى : (وَلَمَّا يَعْلَمِ اللهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ) (٦).

__________________

انظر : الكتاب : ١ / ٤٠٧ وتهذيب اللغة : ١٥ / ٣٣٢ والجنى الداني : ٢٨٤.

(١) انظر : ص : ٥٠٩. والكتاب : ١ / ٤٠٧ والمحتسب : ٢ / ٣١٤.

(٢) من قوله تعالى من سورة آل عمران : ٣ / ٨١ : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْـتُكُم مِّن كِتَاب وَحِكْمَة). قرأَ حمزة وحدَهُ (لِمَا آتَيتُكُمْ) بِكَسر اللاّم والباقون بفَتحِها وقَرَأَ نافع آتيناكم على الجمع وباقي السبعة آتيتكَم. انظر : الكشف عن وجوه القراءات السبع : ١ / ٣٥١ ومجمع البيان : ٣ / ١٢٨.

(٣) كان الكسائي يقول : لا أَعرفُ وَجْهَ لَمّا بالتَّشديدِ. اللسان : ١٦ / ٢٧.

(٤) انظر هذه الأوجه في : معاني الحروف : ١٣٢ والأُزهية : ٢٠٦ وشرح المفصل : ٨ / ١٠٩ ورصف المباني : ٢٨١ والجَنَى الدَّاني : ٥٣٧ والمغني : ٣٠٨.

(٥) تجزمُ الفعلَ المضارعَ وتصرفُ معناهُ إلى المُضِيّ. واختُلِفَ في لمّا فقيلَ مُرَكَّبَةٌ من (لم) و (ما) وهو مذهبُ الجمهور وقِيلَ بسيطة. الجنى الداني : ٥٣٧.

(٦) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٢.

٥١٤

٢ ـ وَتَكُونَ ظرفاً (١) في نحو قولهِ : (وَلَمَّا تَوَجّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ) (٢).

٣ ـ وَتَكُونُ بَمعْنَى إِلاَّ (٣) في نَحوِ قَولِهِم : أَقسمْتُ عَلَيكَ لَمَّا فَعَلْتَ ، أي : إِلاَّ فَعَلْتَ ، وَلاَ وَجَه لواحدة مِنْهُنَّ فِي هَذِهِ الآيةِ.

٤ ـ وَأَقرَبُ ما فَيهِ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ) لِمَنْ مَا آتَيناكُم وَهُوَ يريدُ القراءةَ العامةَ : (لَمَا آتَيْنَاكُمْ) فَزَادَ مِنْ عَلَى مَذْهَبِ أَبي الحَسَن (٤) في الواجب فصارت (لَمِمَّا) فَلَمَّا التقتْ ثلاثُ مِيَمات فثقلنَ حُذِفَتِ الأَولى مِنْهُنَّ فَبَقِيَ (لَمَّا) مُشَدَّداً كما تَرَى. وَلَو فُكّتْ لصارتْ لَْنمَا ، غيرَ أَنَّ النُّونَ أُدْغِمَتْ في المِيمِ كَمَا يجبُ فِي ذَلِكَ ، فَصَارَتْ (لَمَّا) هَذَا أَوْجَهُ مَا فِيهَا إنْ صَحَّتِ الروايةُ بِهَا (٥).

__________________

(١) على مذهب أبي عليّ الفارسي وذَهَبَ سيبويه إلى أَنّها حرف بمنزلة (لو). الكتاب : ٢ / ٣١٢ والبحر المحيط : ١ / ٧٥ و ٢٦٥ و ٣ / ١٠٦ و ٧ / ١١ والجنى الداني : ٥٣٨ والمغني : ١ / ٣١٠.

(٢) سورة القصص : ٢٨ / ٢٢.

(٣) حَكاهَا الخليلُ وسيبويه والكسائي وهي قليلةٌ في كلامِ العَرَبِ ويُروَى أَنَّها في لغةِ هُذَيل يجعلونَ (لمّا) بمعنى (إِلاَّ) ويَرى بعضُ النُّحَاةِ أَنَّهُ ينبغي التَّوَقُّفُ في إِجازةِ ذلك حَتَّى يردَ في كلام العربِ ما يشهدُ بصحّتِهِ. الكتاب : ١ / ٤٥٥ وتهذيب اللغة : ١٥ / ٣٤٥ واللسان : ١٦ / ٢٧ والجنى الداني : ٥٣٨.

(٤) (من) لا تُزَاد عند سيبويه وجمهور البصريين إلاّ بشرطين ، وذهب الأخفش والكسائي وهشام إلى زيادتِها بلا شرط بينما ذهبَ سائرُ الكوفيين إلى زيادتها بشرط واحد وهو تنكيرُ مجرورِها. البيان في غريب إعراب القرآن : ١ / ٣٢٠ وإِملاء ما من به الرَّحمن : ١ / ٧٥ و ١١٣ و ١١٦ و ٢٤٠ و ٢ / ١٠٢ و ١٤٠ وشرح المفصل : ٨ / ١٣ وتسهيل الفوائد : ١٤٤ والبحر المحيط : ٤ / ١١٣ وشرح الكافية : ٢ / ٥٨ و ٣١٩ و ٣٢٢ والجنى الداني : ٣٢١ والمغني : ١ / ٣٦٠ وشرح التصريح : ٢ / ٨.

(٥) المحتسب : ١ / ١٦٤.

٥١٥

وَقَرَأ الحَسَن : (أَلَـمَّـا يَأَنِ لِلَّذِينَ) (١) مُثَقَّلة.

قَالَ أَبو الفتح : أَصْلُ (لَمَّا) لَمْ ، زِيدَ عَلَيْهَا مَا (٢) ، فَصَارَتْ نفياً لقولِهِ : قَدْ كَانَ كَذَا ، وَ (لَمْ) نَفْيُ فَعَلَ. تَقُولُ : قَامَ زيد ، فيقولُ الُمجيبُ بِالنَّفِي : لَمْ يَقُمْ. فَإنْ قَالَ : قَدْ قَامَ. قُلْتَ : لَمَّا يَقُمْ ، لَمَّا زَادَ فِي الإثباتِ (قَدْ) زَادَ فِي النَّفِي (مَا) ، إِلاَّ أَنَّهَم لَمَّا ركبوا (لَمْ) مَعَ (مَا) حَدَثَ لَهَا مَعْنَى وَلَفظٌ.

أَمَّا المَعْنَى فإِنَّهَا صارتْ في بعض المواضع ظرفاً ، فقالوا : لَمَّا قمتَ قام زيدٌ ، أي : وقت قيامِكَ قامَ زيدٌ.

وَأَمَّا اللَّفْظُ فَلاَِ نَّها جَازَ أَنْ يَقفَ عَلَيْهَا دون مَجْزُومِهَا. كَقَولِكَ : جِئْتَ وَلَمَّا ، أَيْ : وَلَمَّا تجئ. وَلَوْ قُلْتَ : جِئْتَ وَلَمْ ، لَمْ يَجُزْ.

فَإنْ قُلْتَ : فَقَدْ عَلِمْنَا أَنَّ أَصْل لَـمَّـا ـ عَلَى مَا وَصَفْتَ ـ (لَمْ) و (مَا) وَهُمَا حرفانِ ، وَأَمَّا الظرفُ ، فاسمٌ ، فكيفَ جازَ للحرفِ أنْ يستحيلَ فيصير اسماً؟ قِيلَ : كَمَا استحالَ الاسمُ لمَّا رُكِّبَ مَعَ الحرفِ ، فَاعتُدَّ مجموعهما حرفاً في قَوْلِهِم : إذْ مَا تَقُمْ أَقَمْ. أَلا تَرَى أَنَّ سِيبَويه (٣) ذكر (إذْ مَا) في الحرفِ وَقَرنَهَا بِـ (إِنّ) فِي الشَّرْطِ؟ وَذَلِكَ أَنَّ التركيبَ يُحدِثُ لِلمُرَكَّبَينِ حُكماً مُسْتَأَنَفاً ، ويخلقُهُ خَلْقاً مُرْتَجَلاً.

أَلاَ تَرَى إلى قَوْلِهِم : بَأبَأتُ الصبي : إذَا قُلْتُ لَهُ : بِأَبِي أَنْتَ والبَاءُ في أَوَّلِهِ مَزِيدَةٌ للجرّ ، والثانية أَيضاً قَدْ يُمْكنُ أَنْ تَكونَ للجرِّ كمُرِّرَتْ إِلاَّ أَنَّكَ إذَا مَثَّلْتَ

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الحديد : ٥٧ / ١٦ : (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ).

(٢) تنظر : ص : ٥١٤. الحاشية (٥).

(٣) الكتاب : ١ / ٤٣٢.

٥١٦

قُلْتَ : هوَ فَعْلَلْتُ ، فَجَعَلْتَ البَاءَ الزَّائِدَةَ للجرّ مُقَابلَة للفاءِ؟ وَكَذَلِكَ قَوْلُهُم : بَسْمَلْتُ ، فالباءُ مِنْ قَوْلِهِم : (بِسْمِ اللهِ) زَائِدَة ، والسين فَاءُ (اسم) واللاّمُ عينُ إِله ، ثُمَّ إِنَّكَ إذَا قُلْتَ بَسْمَلْتُ قُلْتَ : هوَ فَعْلَلْتُ ، وَمِثلُهُ حَوْقَلْتُ : إذَا قُلْتَ : لاَ حولَ وَلاَ قوّةَ إِلاَّ باللهِ ، ومِثَالُ حَوْقَلْتُ : فَوْعَلْتُ والواو ـ كما تَرَى ـ زائدةٌ وَهِيَ عينُ حولَ فِي الأصلِ.

أَفَلا تَرَى إلى استحالةِ أَحوال الحروف مِنَ الزّيادَةِ إلى الأصْلِ وَمِنَ الأصْلِ إلى الزيادةِ ، وَهَذَا كقولِ اللهِ سبحانَهُ : (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ) (١). (٢)

لام الأمر

قَرَأَ الحَسَنُ : (فَلِيَتَوَكَّلِ المُؤمِنُونَ) (٣) قَالَ أَبو الفتح : هَذَا لَعَمْرِي الأصلُ فِي لامِ الأمْرِ : أَنْ تَكُونَ مَكْسُورةً إِلاَّ أَنَّهُمْ أَقَرُّوا إسْكَانَها تخفيفاً (٤).

وَإذَا كانُوا يَقُولُونَ مَرْهُ فَلْيَقُمْ فَيُسْكِنُونَهَا مَعَ قِلَّةِ الحروفِ وَالحَرَكَاتِ فَإسَّكَانُها مَعَ كَثْرةِ الحروفِ أَمْثَل ، وَتِلْكَ حَالُهَا فِي قَوْلِهِ : (فَلِيَتَوكَّلِ المُؤمِنُونَ) لا سيّما وقبلها كسرةُ الهاءِ ، فاعرفْ ذَلِك فَإنَّ مصارفةَ الألفاظِ بابٌ مُعْتَّمدٌ في الاستثقالِ والاسْتِخْفَافِ (٥).

وَقَرَأ أُبَي بن كَعْب : (وَلِنَسُوءاً) (٦) بالتنوين.

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ١٤.

(٢) المحتسب : ٢ / ٣١٢ ـ ٣١٣.

(٣) من قوله تعالى من سورة إبراهيم : ١٤ / ١١ : (وَعلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ).

(٤) الأصل في لام الأمر أنَّهَا مكسورةٌ ، إلاّ أَنَّها لِشِدَّةِ اتِّصالِها بما بعدَها حتَّى صارتْ كبعضِ حروفِهِ جازَ فيها التسكينُ. شرح المفصل : ٩ / ١٣٩ ورصف المباني : ٢٢٨.

(٥) المحتسب : ١ / ٣٥٩.

(٦) من قوله تعالى من سورة الإسراء : ١٧ / ٧ : (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُئُواْ وُجُوهَكُمْ

٥١٧

قَالَ أَبُو الفتح : لَمْ يَذْكرْ أَبُو حَاتِم التنوينَ لَكِنّهُ قَالَ : وَبَلَغَني أَنَّهَا فِي مُصْحَفِ أُبي (لِيُسيءَ) بالياءِ مَضْمُومَةً بغيرِ وَاو ، فَأَمّا التنوينُ فِي (فَلْنَسُوءاً وُجُوهَكُم) عَلَى لَفْظِ الأَمرِ كما تقولُ : إذَا سألتني فَلاُْعْطِيَنَكَ ، كَأَنْكَ تَأمُرُ نَفْسَكَ وَمَعْنَاهُ فَلاُْعْطِيَنَّكَ واللاّمَانِ بَعْدَهُ لِلأَمرِ أَيضاً ، وَهُمَا : (وَلْيَدْخُلُوا المَسْجِدَ ... وَلْيُتبِّروُّا) (١) وَيَقُوِّي ذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ لـ (إِذَا) جوابٌ فِيَما بَعْد ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ تَقْدِيرهُ فلنسوءاً وجوهَكُمْ ، أَيْ : فَلْتَسُؤَنَّ وجوهَكُمْ (٢).

دخول لام الأمر على المضارع المبدوء بتاء الخطاب

قَرَأَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وعثمانُ بن عفان وَأُبي بن كَعب والحَسَن وأَبو رَجاء ومحمّد بن سيرين والأعرج وَأَبو جعفر بِخِلاَف وَالسُّلَمِي وَقَتَادَةَ والجَحْدَرِي وَهِلالُ بُن يَسَاف والأَعْمَش بِخِلاَف وَعَبَّاس بنُ الفَضْلِ وَعَمرو ابن فَائد : (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) (٣) بالتاءِ.

قَالَ أَبُو الفتح : خُرِّجَتْ قِرَاءَة : (فَلْتَفْرَحُوا) (٤) بالتَّاءِ عَلَى

__________________

وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً).

(١) من قوله تعالى من سورة الإسراء : ١٧ / ٧ : (فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُواْ وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُواْ الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّة وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوْاْ تَتْبِيراً).

(٢) المحتسب : ٢ / ١٥.

(٣) من قوله تعالى من سورة يونس : ١٠ / ٥٨ : (قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ).

(٤) قال الفراء : كان الكسائي يعيب قولهم : فلتفرحوا ، لأ نّه وجده قليلاً فجعله عيباً ، وقَال الأَخَفشُ عن هذه القراءة : إِنَّها لُغَةٌ للعربِ ردِيئَةٌ ، وقال الجوهري : لامُ الأمر تأمرُ بها الغائبَ ، وربما أمروا بها المخاطب ، وقرئَ : (فَبِذَلِكَ فَلْتَفْرَحُوا) ، بينمَا استدلّ بهذه القراءة عددٌ من النُّحاة على جوازِ دُخولِ لامِ الأمرِ على الفعلِ المضارعِ المبدوءِ بتاءِ الخطابِ ،

٥١٨

أَصْلِهَا (١) ، وَذَلِكَ أَنَّ أَصْلَ الأَمرِ أَنْ يَكونَ بحرفِ الأمرِ وَهُوَ اللاّمُ فَأَصلُ اضربْ لِتضربْ ، وَأَصلُقُمْ لِتَقُمْ. كَمَا تَقُولُ لِلْغَائِبِ : لِيَقُمْ زَيْدٌ ، وَلْتَضربْ هندٌ ، لَكنْ لَمَّا كَثُرَ أَمْرُ الحَاضِرِ نَحْوَ قُمْ واقعُدْ وادْخُلْ واخرجْ وَخُذْ وَدَعْ حَذُفوا حَرْفَ المُضَارعَة تَخْفيفاً ، بَقِي مَا بَعْدَهُ ، وَدَلَّ حاضرُ الحالِ عَلَى ان المأمور

__________________

ومنهم : الزَّمخشري وابنُ يعيش وابنُ مالك وابنُ هشام والسّيُوطي. ينظر في : معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٦٩ ، ومعاني القرآن للأخفش : ١٣ / ب ، وشرح المفصل : ٦١ / ٧ ، وشرح التسهيل : ١٣٤ ، والاقتراح : ١٥ ، ولسان العرب : ١٢ / ٥٦٠ (لوم) ، ومنهج الأخفش الأوسط : ١٨٥.

(١) قَدَّمنَا وأَخْرَنَا فِي عِبَارةِ ابنَ جني ليستقيمَ المعنى ، على أنَّ هذه القراءة المنسوبة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) أوردها أحمد بن حنبل في مسنده : ٥ / ٢٢ وأبو داود في سننه : ٢ / ٢٤٥ / ١٩٨١ ، والطيالسي وأبو الفرج بن الجوزي في زاد المسير : ٤ / ٤١ ، والحاكم وابن مردويه ـ كما في الدر المنثور تحقيق الدكتور التركي : ٧ / ٦٦٦ ـ ٦٦٧ عن ابن عُمرَ عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) مرفوعة ، وأخرجها ـ كما في الدر المنثور أيضاً ـ الطبري وابن أبي عُمرَ العدني والطبراني وابن مردويه ، مرفوعة ، وفي زاد المسير : ٤ / ٤١ : قرأَ أُبَيّ بنُ كعب وأبو مجلِز وقتادة وأبو العالية ، ورويس عن يعقوب (فَلْيَفْرَحُوا) وقرأَ الحسن ومُعاذُ القارِئُ مثلَ ذلكَ ، إلاّ أَنَّهم كَسَرُوا اللاّمَ ، ونُقِلَتْ عن ابن عُمرَ عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) مرفوعةً ، وبعضُ من ذكرناهم هنا لم يذكرهم أبو الفتح بن جني ، وأغلب الروايات مرفوعة ، وفي طرق بعضها مدلسون ، ومن لم يحتج بحديثه ، وذكرها أبو جعفر النَّحَّاس في معاني القرآن : ٣ / ٣٠٠ ، وابن الجزري في النشر : ٢ / ٢٨٥ ، ورفعها أبو حيان في البحر المحيط : ٥ / ١٧٢ ، فقال : رُوِيَتْ هذه القراءة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، وهي قراءة جماعة من السلف ، والجمهورُ على الياء ، ولم تثبت هذه القراءة عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ، ولو ثبتت عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لما جعلها الكسائي عيباً ، ولما قَال الأَخَفشُ عنها : إِنَّها لُغَةٌ للعربِ ردِيئَةٌ ، ولما رفضَ أبو الفتح بن جني أن يقاس عليها بقوله في المحتسب : ١ / ٣١٤ : (وَلاَ تَقُلْ قِياساً عَلَى ذَلِكَ : فَبِذَلِكَ فَلْتَحْزنُوا) ، وعلّله بقوله : (لاَِنَّ الحُزْنَ لاَ تَقْبَلْهُ النَّفْسُ قَبُولَ الفَرَحِ ، إِلاَّ أَنْ

٥١٩

هو الحاضر المخاطب ، فلمَّا حُذِفَ حرفُ المضارعة بقِيَ ما بعدَهُ في أكثرِ الأمرِ ساكناً فاحتيجَ إلى همزةِ الوَصلِ ليقعَ الابتداءُ بِهَا فَقِيلَ : اضربْ ، اذهبْ ونحوَ ذَلِكَ.

فَإنْ قِيلَ : وَلِمَ كَانَ أَمْرُ الحاضِرِ أَكْثَرَ حَتَّى دَعَتِ الحالُ إلَى تخفيفهِ لكثرتِهِ؟ قِيلَ : لاَِنَّ الغائبَ بعيدٌ عَنْكَ فَإذَا أَردْتَ أَنْ تَأْمُرَهُ احتجتَ إلى أَنْ تَأْمُرَ الحَاضِرَ لِتُؤَدّي إليهِ أَنَّكَ تَأْمرُهُ ، فَقُلْتَ : يَا زَيدُ قُلْ لِعَمرو : قُمْ. وَيَا محمّد ، قُلْ لِجَعفر : اذهبْ ، فَلاَ تَصِلُ إلَى أَمرِ الغَائِبِ إِلاَّ بَعْدَ أَنْ تَأْمُرَ الحاضِرَ أَنْ يؤدِّيَ إليهِ أَمرَكَ إيَّاهُ ، والحَاضِرُ لاَ يَحْتَاجُ إلى ذَلِكَ لاَِنَّ خِطَابَكَ إيَّاهُ قَدْ أَغْنَى عَنْ تَكْليفِكَ غَيْرَهُ أَنْ يَتحَمَّلَ إليهِ أَمْرَكَ لَهُ.

وَيَدُلُّك عَلَى تَمَكّنِ أَمْرِ الحَاضِرِ أَنَّكَ لاَ تَأْمرُ الغائِبَ بالأَسماءِ المُسَمَّي بِهَا الفِعْلُ فِي الأَمر نَحوَ : صَه ، وَمَه ، وَإِيه ، وإِيهاً وَحَيَّهلْ وَدُونَكَ وَعِنْدَكَ وَنَحوَ ذَلِكَ وَلاَ تَقُول : دُونَهُ زيداً وَلاَ عَلَيهِ جعفراً كَقَوْلِكَ : دُونَكَ زيداً وَعَليكَ سعداً ، وَقَدْ شَذَّ حرفٌ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا : عَلِيهِ رَجُلاً لَيْسَنِي (١) ، وَلِهذَا المَعْنَى قَوِي ضَمِيرُ الحَاضِر عَلَى ضَمِيرِ الغَائِبِ فقالوا : أَنْتَ وَهُوَ فَلَمَّا صاغُوا لَهُمَا اسماً وَاحِداً صَاغُوهُ عَلَى لفظِ الحُضُورِ لاَ لَفْظِ الغَيْبةِ فَقَالُوا : أَنْـتُـمـا ، فَضَمُّوا الغَائِبَ

__________________

تريد إصْغَارَهُم وإرْغَامَهُم ، فَتُؤكِّد ذَلِكَ بالتَّاءِ) ، وكما سيرد بعد قليل في آخر كلامِهِ عن هذهِ القراءةِ ، لذلك لم ترد منسوبة إلى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عند الإمامية ولم يقبلها الشيخ الطوسي وانتقدها وروى أنَّ الكسائي كان يراها معيبة كما في : معاني القرآن للفراء : ١ / ٤٦٩.

(١) وَقَد سُمِعَ اسمُ الفِعلِ مَعَ غيرِ ضميرِ المُخَاطب شُذوذاً نحو (عليه رجلاً غَيري) أي لِيلزمه و (عَلَيَّ الشيءَ) أي : لأَلزمه. انظر : محاضرات أُستاذنا علي النجدي ناصف في طلاب الماجستير قسم النحو والصرف والعروض ـ كلية دار العلوم ـ ٩٧٥ ـ ٩٧٦ صفحة ٢٨.

٥٢٠