أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

وجَرجَ (١) وجَرْجَرَ.

وسَأَ لَنِي أَبو عليّ يوماً فَقَالَ : أَيُّ شيء مِثْلَ غَوْغَاءَ وغُوغَاء؟ فَقُلْتُ لَهُ : قَولُهُم لِلْمَنْخُوبِ (٢) : هُوهٌ وهَوهَاءَةٌ ، ويَنْبَغِي أَنْ يُضَافَ ما ذَكَرْنَاهُ الآنَ مِنْ قَولِهِمْ هَيْه وهَيْهَاتْ (٣).

العـدد

حول عشر وعشرة

قَرَأ الناسُ : (أَحَدَ عَشَرَ) (٤) بِفَتْحِ العَيْنِ ، وأَسْكَنَها أَبُو جَعْفَر ونَافِع بِخِلاَف وطَلْحَة بن سليمان.

قَالَ أَبُو الفتح : سَبَبُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّ الاسمينِ لَـمّـا جُعِلاَ كالاسِم الواحدِ ـ وبُنِي الأولُ مِنْهُما لاَِ نَّهُ كصدرِ الاسمِ ، والثاني منهما لِتَضَمُّنِهِ معنى حرفِ العطفِ ـ لَم يَجُزْ الوقفُ عَلَى الأولِ لاَِ نَّهُ كَصَدْرِ الاسمِ مِنْ عَجْزِهِ ، فَجُعِلَ تسكين أَولِ الثاني دَليلاً عَلَى أَنَّهُما قَدْ صَارَا كالاسمِ الواحدِ ، وكَذَلِكَ بقيةُ العَدَدِ إلى تسعَة عَشَر إلاّ اثنا عَشَرَ واثني عَشَرَ ، فَإنَّهُ لا يُسَكَّنُ العَين لِسُكُونِ الألِفِ والياءِ قَبْلَهمَا.

ومَمَّا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ الاسْمَينِ إذَا جَرَيَا مجرى الاسمِ الواحدِ بالتركيب

__________________

(١) جَرجَ الخاتم في إصْبَعِهِ جالَ لسعتِهِ.

(٢) رجَل منخوب : جبان.

(٣) المحتسب : ٢ / ٩٠ ـ ٩٤.

(٤) من قوله تعالى من سورة يوسف : ١٢ / ٤ : (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ).

٤٨١

عُومِلاَ فِي مَواضَعَ معاملتِهِ ما حكاهُ أبو عمرو الشيباني من قَولِهِم في حَضْرَمَوت : حَضْرَمُوتْ بضمّ المِيمِ ، لِيَكونَ كَحَذْرَفُوت (١) وتَرْنَمُوت (٢)

وعَنْكَبُوت وهَذَا واضِحٌ (٣).

وقَرَأَ يحيى والأَعْمَش وطلحة بن سليمان : (عَشِرةَ) (٤).

وقُرِئَ (عَشَرَة) بفتح الشين بخلاف.

قَالَ أَبُو الفتح : أَمَّا (عَشِرَةَ) بِكَسْرِ الشين فَتَمِيمية ، وأَمَّا إسكَانُها فَحِجَازِيةٌ.

واعْلَمْ أَنَّ هَذَا مَوضِعٌ طريفٌ : وذَلِكَ أَنَّ المَشْهُورَ عَنْ الحِجَازِيِينَ تحريك الثَّاني مِنَ الثّلاثي إذَا كَانَ مَضْمُوماً أو مكسوراً نحو الرُّسُل والطُّنُب والكَبِدِ والفَخِذ ونَحو ظَرُفَ وشَرُفَ وعَلِمَ وقَدِمَ ، وأَمَّا بَنُو تمِيم فَيُسَكِّنُونَ الثَّانِي مِنْ هَذَا ونحوه ، فيقولونَ : رُسْل وكُتْب ، وكَبْد ، وفَخْذ ، وقد ظَرْفَ ، وقَدْ عَلْمَ لَكِنَّ القبيلتينِ جَمَيعاً فَارَقَتَا فِي هَذَا المَوضِعِ مِن العَدَدِ مُعْتَادَ لُغَتِهَما ، وَأَخَذَتْ كُلُّ وَاحِدَة مِنْهُمَا لُغَةَ صَاحِبَتِهَا ، وَتَرَكَتْ مَأْ لُوفَ اللغة السائرةِ عَنْهَا ، فَقَالَ أَهْلُ الحِجازِ : اِثْنتَا عَشْرَةَ بالإسْكَانِ ، والتميمون : عَشِرَةَ بالكسرِ.

وسَبَبُ ذَلِكَ ما اذْكُرُهُ ، وذَلِكَ أَنَّ العَدَدَ مَوضِعٌ يَحدثُ مَعَهُ تَرْكُ الأصول وتُضَمُّ فِيهِ الكلم بَعْضُهُ إلِى بَعْض ، وذَلِك من أَحَدَ عَشَرَ إلى تِسْعَةَ عَشَرَ.

فَلَمَّا فارقوا أُصولَ الكلامِ مِنَ الإفرادِ وصَارُوا إلَى الضَّمِّ فَارَقُوا أَيْضاً

__________________

(١) حذرفوت : قلامة الظفر. لسان العرب : ٢ / ٣٢٨.

(٢) قوس ترنموت : لها حنين عند الرَّمِي. لسان العرب : ١٥ / ١٤٩.

(٣) المحتسب : ١ / ٣٣٢.

(٤) من قوله تعالى من سورة الأعراف : ٧ / ١٦٠ : (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً).

٤٨٢

أَصُولَ أَوضَاعِهِم ، ومَأ لُوفَ لُغَاتِهِم فَاسكنَ مَنْ كَانَ يُحَرَّكُ وحرَّكَ مَنْ كَانَ يُسكن.

أَمَّا (اثنتا عشَرَةَ) بفتحِ الشّينِ فَعَلَى وجْه طَرِيف ، وذَلِكَ أَنَّ قَولَهُ (اثْنَتَيْ) يَخْتَصُّ بالتَّأنِيثِ و (عَشَرة) بِفَتْحِ الشّينِ تَخْتَصُّ بِالتَّذْكِيرِ وكُلَّ واحد مِنْ هَذينِ يَدْفَعُ صَاحِبَهُ وأَقْرَبُ ما تُصْرَفُ هَذِهِ القراءةُ إليهِ أَنْ يَكُونَ شبه اثنتي عشرة بالعقود ما بين العشرين إلى المئة.

أَلاَ تَرَاكَ تَقُولُ عِشْرُونَ وثَلاثُونَ فَتَجد فيه لفظ التَّذكِير ولَفْظ التَّأْنِيثِ.

أَمَّا التَّذْكِير فَالواو والنون ، وأَمَا التَّأْنِيثُ فَقَولُكَ ثَلاَث مِنْ (ثَلاَثُونَ) لِذَلِكَ صَلُحَتْ ثلاثون إلى التسعين لِلمُذَكَّرِ والمُؤنَّثِ فَقُلتَ : ثَلاَثُونَ رَجُلاً وثلاثونَ امرأةً ، وتسعونَ غلاماً وتسعونَ جَاريةً ، فكذلِكَ أَيْضاً هَذَا المَوضِع.

أَلاَ تَرَاهُ قَالَ تَعَالى : (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً) (١) فـَ (أَسْبَاطاً) يُؤذِنُ بالتَّذْكِير ، و (أُمَم) يُؤذِنُ بالتَّأْنِيثِ. وهَذَا واضِحٌ.

وحَسُنَ تَشْبِيهُ (اثْنَتَيْ عَشْرَةَ) برؤوسِ العقودِ دونَ المائةِ مِنْ حَيثُ كَانَ إعرابُ كُلّ واحد مِنْهُمَا بالحرفِ لاَ بالحَرَكَةِ ، وذَلِكَ اثنتا عشْرَةَ واثنتي عشْرةَ فَهَذَا نَحْوٌ مِنْ قَولِهِم عِشْرُون وعِشْرِينَ ، وخَمْسُونَ وخَمْسِينَ وتِسْعُونَ وتِسْعِينَ فَافْهَمْهُ.

وممَّا يَدُلُّكَ أَنَّ ضَمَّ أسماءِ العَدَدِ بَعْضها إلى بَعْض يَدْعُو إلى تحريفِهَا عَنْ عَادَةِ استعمَالِهَا قولُهُم : أَحَدَ عشرَ رَجُلاً ، وإِحْدَى عَشرة امرأَةً ، وكَانَ قيِاسُ أربع وأَربعة وخمس وخمسة أَنْ يَكُونَ هَذَا أَحَد وأَحَدَة أَفَلاَ تَرَى إلى إحْدَى ـ وهي فِعْلَى وأَصْلها وحْدَى ـ كَيْفَ عَاقَبَتْ فِي المُذَكَّرِ فَعَلاً وهو أَحدَ وأَصلُهُ

__________________

(١) سورة الاعراف : ٧ / ١٦٠.

٤٨٣

وحَدٌ ، فَأَمَّا إِحْدَى وعشرونَ إلى التّسْعِينَ فَإنَّهُ لَـمَّـا سبَقَ التحريفُ إليها فِي إحْدَى عشرةَ ثَبَتَ فِيهَا فِيَما بَعْدُ (٢) وقَرَأَ الأعَمَشَ : (اثنَتا عَشَرَةَ) (١) بِفَتحِ الشين.

قَالَ أَبُو الفَتْح : القِراءة في ذلك (عَشْرة) و (عَشِرةَ) ، فَأَمَّا (عَشَرَةَ) فَشَاذُّ ، وهِيَ قِرَاءة الأعْمَش.

وعَلى الجُمْلَةِ فِيَنْبَغِي أَنْ يُعْلَم أَنَّ ألفاظَ العَدَدِ قَدْ كَثُرَ فِيهَا الانحرَافَاتُ والتخليَطاتُ ، ونُقِضَتْ فِي كثير مِنْهَا العاداتُ وذَلِكَ أَنَّ لُغَةَ أَهلِ الحجازِ في غيرِ العَددِ نظير عَشْرة : عَشِرَة وأَهل الحجاز يكسرون الثاني وبنو تميم يسكنونه فيقول الحجازيون : نَبِقَه وفَخِذ ، وبنو تميم تقول : نَبْقَه وفَخْذ فَلَمَّا رُكِّبَ الاسمان استحالَ الوضْعُ فَقَالَ بَنُو تَمِيم إحْدَى عَشِرةَ وثِنتَا عَشِرةَ إلى تسع عَشِرةَ بكسر الشّين ، وقَال أَهْلُ الحِجَازِ : عَشْرة بِسكونِها. ومِنْهُ قَولُهُم فِي الواحِدِ : واحد وأَحد ، فَلَمَّا صاروا إلى العَدَدِ قالَوا : إحْدَى عَشر ، فبنوه عَلَى فِعْلَى ، ومنه قَولُهُمْ : عَشْر وعَشرةٌ ، فَلَمَا صَاغُوا مِنْهُ اسماً لِلْعَدَدِ بِمَنْزِلَةِ (ثلاثونَ) و (أَربْعَونَ) قَالُوا : عِشْرونَ ، فَكَسَرُوا أولَهُ. ومِنْهُ قَولُهُم : ثَلاَثُونَ وأَرْبَعُونَ إلى (التسعون) فجمعوا فِيهِ بَيْنَ لَفْظَينِ ضِدَّينِ أَحَدُهُما يَخْتَصُّ بالتّذْكِيرِ والآخر بالتَّأْنِيثِ ، أَما الُمخْتَصُّ بالتَّذْكِير فَهْو الواو والنونُ ، وأما المختصّ بالتأنيث فهو قولهم : ثلاث وأربع وتسع في صدر (ثلاثون) و (أربعون) و (تسعون) وكلّ واحد من ثلاث وأربع وخمس وستّ إلى تسع

__________________

(٢) المحتسب : ١ / ٢٦١ ـ ٢٦٤.

(٣) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ٦٠ : (وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْـناً).

٤٨٤

هَكَذَا بِغَيْرِ هاءِ مَخْتَصّ بالتأْنِيثِ. ولَمَّا جمعوا في هذه الأَعداد ـ من عشرين إلَى تِسْعيِنَ ـ بينَ لَفْظَي التَّذكِيرِ والتأنيثِ صَلُحَتْ لَهَا جَميعاً ، فَقيلَ : ثَلاثُونَ رَجُلاً وثلاثونَ امرأةً وخَمْسونَ جاريةً وخمسونَ غُلاماً ، وكَذلِكَ إلى التّسعِينَ.

ومِنهُ أَيضاً اختصارُهم من ثلثمائة إلى تسعمائة على أَنْ أَضَافُوهُ إلَى الواحد ، ولَمْ يَقُولُوا : ثَلاَثَ مَئين ، ولا أربع مئات إلاّ مستكرهاً وشاذّاً فكما شاع هذا وغيرُهُ في أسماء العدد قالوا أيضاً : (ثِنْتَا عَشَرةَ) فِي قِرَاءَةِ الأعمش هَذِهِ وينبغي أنْ يَكونَ قد رَوى ذَلِكَ روايةً ولَمْ يَرَهُ رأيّاً لِنَفْسِهِ.

ومِنْ تَحريفِ أَلْفَاظِ العَدَدِ مَا أَنْشَدَهُ أَبو زَيد في نوادِرِهِ :

عَلاَمَ قَتْلُ مُسلم تَعَمُّدَا

مُذْ سَنَةٌ وخَمِسُونَ عَدَدا (١)

بِكَسْرِ الميم مِن خَمِسونَ ، وعذره وعلّته عِنْدِي أَنَّه احتاجَ إلى حَرَكةِ الميم لاِِقامةِ الوزنِ فَلَمْ يَرَ أَنْ يَفْتَحَها فَيَقُولُ : خَمَسونَ ، لاَِ نَّه كَانَ يكون بين أَمْرِين : إمَّا أَنْ يُظَنَّ أَنَّه كَانَ الأصلُ فَتْحَهَا ثُمَّ أُسْكِنَتْ وهَذَا غَيْرُ مَأ لُوف ، لاَِنَّ المَفتُوحَ لا يُسَكَّنُ لِخِفَّةِ الفَتْحَةِ. وأمَّا أنْ يُقَالَ إنَّ الأصْلَ السكونُ فاضْطُرَّ فَفَتَحَها وهَذَا ضَرُورةٌ ، إنَّمَا جَاءَ في الشعر ، نحو قَولِهِ :

مُشْتَبِـهِ الأعْـلاَمِ لَمَّـاعِ الخَفَـق (٢)

أَيْ : الخَفْق. ومِنْهُ قَولُ زُهَير :

__________________

(١) يُرْوَى (تعَبَّدَا) و (تعَبُّدَا) مكان (تعَمُّدَا) و (خَمْسَة) مَكَان (سَنَة). نوادر أبي زيد : ١٦٥ والخصائص : ٢ / ٧٧ ولسان العرب : ١٦ / ١٣٨.

(٢) من رجز لرؤبة وقبله : وقاتم الأعماق خاوي المخترق. تنظر : ص : ٤١٣. والديوان : ١٠٤ والخصائص : ١ / ٢٢٨ و ٢٦٠ و ٢٦٢ والمنصف : ٢ / ٣١٨.

٤٨٥

ثُمَّ استَمَرّوا وقَالوا إنَّ مشرَبُكم

ماءٌ بِشَرْقِيّ سَلمى فَيْدُ أَو رَكَكَ (١)

قَالَ أَبو عُثَْمانَ : قَالَ الأصمعي سألتُ أَعرَابياً ـ ونَحْنُ فِي الموضعِ الَّذي ذَكَرهُ زُهَيْر ـ يعني هذا البيت فقلتُ لَهُ هَلْ تَعْرِفْ رَكَكا؟ فَقَالَ : قَدْ كَانَ هُنَا ماءٌ يُسَمَّى رَكًّا.

قَالَ الأصمعي : فَقْلْتُ : إِنَّ زهيراً احتاجَ إليهِ فَحَرَّكَهُ. فَعَدَلَ عَنِ الفتحِ (٢) لِئَلاَّ يعرف بأثر الضرورة فَعَدَلَه إلى موضع آخر فَكَسَر المِيمَ فكأ نَّهُ راجَعَ بِذَلِكَ أَصلاً حَتَّى كأ نَّهُ كَانَ خَمِسون ثُمَّ أُسْكِنَ تخفيفاً فَلَـمَّـا اضطرَّ إلَى الحَرَكَةِ كَسَرَ ، فَكَانَ بِذَلِك كَمُراجع أَصْلاً لاَ مُسْتَكَرَهاً عَلَى أَنْ يُرَى مُضْطرّاً.

وأَ نَّسَهُ أَيضاً بِذَلِكَ مَا جَاءَ عَنْهُمْ مِنْ قَولهِمِ : إحْدَى عَشْرَةَ وعَشِرَةَ فَصَارَ خَمِس من (خَمِسُونَ) بمنزلة عَشِرة وصَار خَمْسون بمنزلة عَشْر (٣).

وقَرَأَ أَبو جَعْفَر يَزيد وطلحة بن سليمان : (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عْشَرَ) بإسكان العين (٤) وقَرَأَ أَنَس بِن مَالِك : (تِسْعَةَ أَعْشُرَ).

ورُويَ عَنْهُ : (تِسْعَةُ وعْشَرَ).

ورُويَ عَنْهُ (تِسْعَةُ عَشَرَ).

ورُويَ عَنْهُ : (تِسْعَةُ وعَشُرَ).

ورُويَ عَنِ ابنِ عَبّاس (تِسْعَةُ عَشَرَ) بِرَفْعِ تسعةُ.

__________________

(١) سلمي هو أحد جبلي طيء وهما أجا وسلمى شرقي المدينة. وفيد وركك ماءان في البادية. الديوان : ١٤٢ والخصائص : ٢ / ٣٣٤ والمنصف : ٢ / ٣٠٩.

(٢) عاد إلى الحديث عن (خمسون) في بيت النوادر.

(٣) المحتسب : ١ / ٨٥ ـ ٨٧.

(٤) من قوله تعالى من سورة المدثّر : ٧٤ / ٣٠ : (عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ).

٤٨٦

قَالَ أَبو الفتح : أَمَّا (تِسْعَةَ عْشَرَ) ، بِفَتْحِ هَاءِ تسعةَ ، وسكون عَينِ عْشَرَ ، فَلأجْلِ كَثْرَةِ الحَرَكَاتِ ، وأَنَّ الاسمينِ جُعِلاَ كاسم واحد فَلَمْ يوقفْ عَلَى الأولِ مِنْهُمَا فَيحتاج إلى الابتداءِ بالثاني ، فَلَمَّا أُمِنَ ذَلِكَ أُسْكِن أَولُهُ وجُعِلَ ذَلِكَ أَمَارةً لقوةِ اتصالِ أَحَد الاسْميَنِ بصاحبِهِ (١).

قَالَ أَبو الحَسَن (٢) : ولاَ يَجُوزُ ذَلِك مَعَ اثنا عَشَرَ ولا اثني عَشَرَ ، لِسكون الأول مِنَ الحَرفيِنِ ، أَعْنِي الألِف والياء ، فيلتقي ساكنان في الوصل ليس أولهما حرف لين والثاني مُدْغماً.

وعَلى أَنَّه قَدْ رُويَ عَنْ ابنِ جَمَّاز عَنْ أَبِي جعفر اثنا عْشَر ، بسكونِ العينِ وفيهِ ما ذَكَرْنَاهُ.

وقَال أَبو حاتِم في (تِسْعَةَ أَعْشرَ) لاَ وجْهَ لَهُ نَعْرِفُهُ ، إلاَّ أنْ يَعْنِي تِسْعَةَ أَعْشُر جمع العَشر أو شَيئاً غَيرَ الَّذي وقَعِ فِي قُلُوبِنَا.

وأَمَّا (تِسْعَةُ وعْشَرَ) فَطَرِيقُهُ أَنَّهُ فَكّ التركيب وعَطَفَ على تسعة عَشَرَ عَلَى أصل مَا كَان عَلَيهِ الاسمان قَبْلَ التَركِيبِ مِنَ العَطْفِ. أَلاَ تَرَى أَنَّ أَصْلَهُ تِسْعَةٌ وعَشَرةَ؟ كقولِكَ تسعةٌ وعشرونَ إلاَّ أَنَّهُ حَذَفَ التَنْوينَ مِن تسعة لكثرةِ استعماله كما حَكَى أَبو الحسنِ عَنْهُم من قولهم : سلامُ عَلَيكم ، بحذِف تنوين (سَلامٌ) ، قَالَ : وذَلِكَ لِكثْرَةِ استعمَالِهِم إيَّاهُ.

__________________

(١) هَذَا رأي أَبي الحسن الأخْفَش كَمَا سَيَتَّضِحُ.

(٢) نص عبارة أبي الحسن الأخْفَش : «قَالَ بَعْضُهُم : أَحَدَ عْشَرَ وأَسْكَنَ العَينَ وكَذلِكَ تسعَة عْشَرَ إلى العشرين لَمَا طَالَ الاسمُ وكَثُرتَ مُتَحَرّكَاتُهُ اسْكَنُوا ولَمْ يَسْكِنُوا فِي قَولِهِم اثني عَشَر واثنا عَشَرَ للحرفِ السَّاكِن الَّذي قَبْلَ العينِ وحركة العين في هذا كُلِّهِ هو الأصل». معاني القرآن للأخفش : ١٣٦ / أ.

٤٨٧

وأَما (تِسْعَةُ عْشَرَ) بِضَمِّ هاءِ (تسعةُ) ، وسكونِ عينِ عْشَرَةَ فَلأ نَّهُ وإن لَمْ يَكُنْ مُرَكَّباً فَإنَّ العَطفَ فِيهِ واجبٌ لِتَكميلِ العِدَّةَ ، وقَدْ كَانَ سُمِعَ فِيهِ سَكُونُ العينِ فِي قولِ مَن قالَ : (تِسعَة عْشَر) فَلاَحَظَ سكونَهَا هُنَاك فَأقَرَّهُ بِحَالِهِ.

وأَما (تِسْعَةُ وعْشُرَ) فَطَريقُهُ أَنَّهُ أَرادَ : تِسْعَةُ أَعْشُر بِهمزة كَمَا تَرَى ، كالرُوايةِ الأخْرىَ (تِسْعَةُ أَعشرَ) فَخَفَّفَ الهمزةَ بِأَنْ قلبها واواً خالصةً فِي اللَّفظ ، لاَِ نَّهَا مَفْتُوحةٌ وقبلها ضَمَّةً ، فَجَرتْ مجرى تخفيفِ جؤن إذا قلت جون. وعلى أَنَّ هذهِ الهمزة هَا هُنَا منكرة غير معروفة عِنْدَ أَصحَابِنَا ولِذَلِكَ قَالَ سيبويه (١) فِي هَذَا هِيَ : أَحَدَ عَشَرَ بِلاَ أَلِف كقولِكَ أَحَد جَمَل تحايداً عَنْ هذه الهَمزة واستنكاراً لَهَا والعامَّةُ تَقُولُ ذَلِكَ مولعةً بِهَا (٢).

خَمْسَة وخَمَسَة

لَمْ يَقْرَأ أَحَد (خَمَسَةَ) (٣) بِفَتْحِ الميم إلاّ ابنُ كَثير وحْدَهُ فِي روايةِ حسن ابن محمّد عن شبل.

قَالَ أبو الفتح : لَمْ يُحَركْ مِيمُ خمسة إلاّ عَنْ سَـمَـاع ويَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أُتْبِعَتْ عَشَرَةً ، ولَيْسَ يَحْسُنُ أَنْ يُقَالَ : إنَّهُ اتبعَ الفتحَ الفتحَ كقولِ رؤبة :

مُشْتَبِـهِ الأعـلامِ لَـمَّـاعِ الخَفَـقْ (٤)

__________________

(١) عبارة سيبويه : «فَإذا جاوز المذكرُ العشرة فزاد عليها واحداً قلت : أَحَدَ عَشَرَ كَأَ نَّكَ قلت أَحَدَ جَمَلَ. وليستْ فِي عَشَرَةَ ألِف». الكتاب : ٢ / ١٧١.

(٢) المحتسب : ٢ / ٣٣٨ ـ ٣٤٠.

(٣) من قوله تعالى من سورة الكهف : ١٨ / ٢٢ : (وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ).

(٤) تقدّم الشاهد في : ص : ٤٨٥.

٤٨٨

وهْو يُريدُ (الخَفْق) لاَِنَّ هَذَا أَمْرُ يَخْتَصُّ بِهِ ضرورةُ الشِّعْرِ (١).

تِسْعٌ وتَسْعٌ

قَرَأ الحَسَن بِخلاَف : (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تَسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) (٢) قَالَ أَبُو الفَتْح : قَد كَثُرَ عَنْهُمْ مَجِيءُ الفَعْل والفِعْل عَلَى المَعْنَى الواحِدِ نَحو البَزْر والبِزْر والنَّفْط والنِّفْط والسَّكْر والسِّكْر ، والحَبّر والحِبْر والسَّبْر والسِّبر فلا يُنْكَر عَلَى ذَلِكَ ، (التَّسْع) بِمَعْنَى التِّسْع لاَ سيما وهي تجاور العَشَرَة بفتح الفاء (٣).

إِضافة العدد

قَرَأَ عبد الله بن مسلم بن يَسَار وأَبو زُرعَة بن عمرو بن جرير : (بِأَرْبَعَة شُهَدَاءَ) (٤) بالتنوين.

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : هَذَا حَسَنٌ في معناهُ وذلك أَنَّ أسماءَ العَدَدِ مِنْ الثلاثةِ إلى العَشَرَةِ لاَ تُضَافُ إلى الأوصافِ ، لا يُقَالُ : عندي ثلاثةُ ظريفين إلاّ في ضرورة إلى إقامةِ الصفةِ مقامَ الموصوفِ ، وليسَ ذَلِكَ فِي حُسْنِ وضْعِ الاسمِ هُنَاكَ.

والوجُهُ عِندِي : ثلاثةٌ ظريفونَ وكَذَلِكَ قَولُهُ : (بِأَرْبَعَة شُهَدَاءَ) لتجري (شهداءَ) عَلَى (أربعة) وصْفاً ، فَهَذَا هذا.

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٢٧.

(٢) من قوله تعالى من سورة ص : ٣٨ / ٢٣ : (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ).

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٣١.

(٤) من قوله تعالى من سورة النُّور : ٢٤ / ٤ : (والَّذينَ يَرْمُونَ المَحْصَنَاتِ ثُمَّ لَم يَأ تُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً).

٤٨٩

فَأَمَّا وجْهَ قِرَاءَةِ الجَمَاعَة : (بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ) بالإضَافَةِ فَإنَّمَا سَاغَ ذَلِكَ لاَِ نَّهم قَدْ اسْتَعْمَلُوا (الشُّهَدَاءَ) استعمالَ الأسماءِ ، وذَلِكَ كَقَولِهِم : إذَا دُفِنَ الشَّهِيدُ صَلَّتْ عَلَيهِ المَلاَئِكَةُ ، وعُدَّ الشَّهداءُ يَومئذ فَكَانُوا كَذا وكذا ، ومنْزلَةُ الشهيد عِندَ اللهِ مَكيِنَةٌ.

فَلَمَّا أتْسع ذلكَ عَنْهُم جَرَى عِنْدَهُم مجرى الاسمِ فحسنت إضافة اسم العدد إليهِ حُسْنَها إذا أُضيفَ إلى الاسم الصريحِ أَو قَريباً مِنْ ذَلِكَ (١).

الحكايـة

١ ـ حكاية الحال

قَرَأَ طلحة : (ومَا يَسْتَغفرُ إبراهِيمُ لاَِبِيهِ) ورُويَتْ عَنْهُ أَيْضاً : (ومَا استَغْفَرَ إبراهيمُ لاَِبِيهِ) (٢).

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : أَمَّا (يَسْتَغْفِر) فَعَلى حِكَايةِ الحَالِ كَقَولِكَ : كَانَ زَيْدٌ سَيَقُومُ إنْ كان متوقّعاً منهُ القيام. وحكاية الحالِ فاشيةٌ في اللغةِ ، مِنْهَا قولُ اللهِ عِزَّوجلَّ : (فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ) (٣) ولَمْ يَقُلْ أَحَدُهُمَا مِنْ شِيعتهِ والآخر مِنْ عَدُوهِ.

وذَلِك أَنَّهُ تَعَالى لَـمّـا حَكَى الحالَ الماضيةَ صارَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله ومَنْ يسمعُ مِنْ بعدُ كالحاضرين للحالِ ، فقالَ : هَذَا وهَذَا. وقَالَ تَعَالَى : (وَإِنَّ

__________________

(١) تنظر : ص : ٤١٠. والمحتسب : ٢ / ١٠١.

(٢) من قوله تعالى من سورة التوبة : ٩ / ١١٤ : (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لاَِبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَة وَعَدَهَا إِيَّاهُ).

(٣) سورة القصص : ٢٨ / ١٥.

٤٩٠

رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) (١) وهَذِهِ اللاَّمُ إنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى فعلِ الحَالِ الحَاضِرَةِ ، فَحَكَى الحالُ المُسْتَأ نَفَةَ كَمَا حَكَى السَّالِفَةَ (٢).

٢ ـ حكاية الجملة

قَرَأَ ابنُ مُحَيْصِن : (مِنْ سُنْدُس واسْتَبْرَقَ) (٣) بوصلِ الأ لَف.

قَالَ أَبو الفتح : هَذَا عِنْدَنَا سهوٌ أَو كَالسَّهو وسنذكُرُهُ فِي سورةِ الرحمن (٤) بِإذنِ اللهِ (٥).

وعَنْ قراءة ابن محيصن : (مِنَ اسْتَبرَقَ) (٦) بالوصلِ (٧).

قَالَ أَبُو الفتحِ : هَذِه صورةُ الفِعْلِ البتة ، بِمَنْزِلَةِ اسْتَخرَجَ ، وكَأ نَّهُ سُمَّي بِالفِعْلِ وفِيهِ ضَميرُ الفاعلِ فَحُكِيَ كَأَ نَّهُ جملة ، وهَذَا باب إنَّما طريقة في الأعْلاَم ، كَتَأَ بَّطَ شَرّا وذَرَّى حَبّا ، وشَابَ قَرْنَاهَا ، ولَيْسَ الإستبرق عَلَما يُسَمَّى بالجملةِ ، إنَّمَا هُو قَولُكَ بِزْيونُ (٨) ، وعَلَى أَنَّهُ إنَّمَا اسْتَبْرَقَ إذَا بَلَغَ فَدَعا

__________________

(١) سورة النحل : ١٦ / ١٢٤.

(٢) المحتسب : ١ / ٣٠٥.

(٣) من قوله تعالى من سورة الكهف : ١٨ / ٣١ : (وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُندُس وَإِسْتَبْرَق).

(٤) أحال على متأخّر والإحالة تكون عادةً على المتقدّم.

(٥) المحتسب : ٢ / ٢٩.

(٦) من قوله تعالى من سورة الرحمن : ٥٥ / ٥٤ : (مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُش بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَق وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَان).

(٧) انظر : المحتَسب : ٢ / ٣٤٤ حيث قال عن قراءة ابنِ محيصن : (واسْتَبْرَقَ) من سورة الإنسان : ٧٦ / ٢١ قد تقدّم القول على هَذَا عِنْدَ قَولِهِ تعالى : (بَطَائِنُهَا مِنَ اسْتَبْرَق).

(٨) البزيون : السندس. لسان العرب : ١٦ / ١٩٧.

٤٩١

البَصَرَ إلى البَرقِ وقَالَ :

تَسْتَبْرِقُ الأُفُقَ الأقْصَى إذا ابْتَسَمَتْ

لاَحَ السُّيوفُ سِوى أَغْمَادِهَا القُضُبُ (١)

هَذَا إنْ شئت قُلْتَ : مَعْنَاهُ تَسْتَبْرِقُ أَبْصَار أَهل الأْفُق ، وإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : تُبْرِقُهُ ، أَيْ : تَأَتِي بالبَرق مِنْهُ.

وأَمَّا البزْيُون فَبَعيدٌ عَنْ هَذَا ، اللّهمَّ إلاَّ أَنْ نَقُولَ : إنَّهُ لِمَائِهِ ، وصَنْعَتهِ تَسَتْبرقُ ، أَيْ : تَبْرَقُ ، فيكون كَقَرَّ واسْتَقَرَّ ، ولَسْتُ أَدْفَعُ أَنْ تَكُونَ قَرَاءَة ابنِ مُحَيْصِنِ بهذا ، لاَِ نَّهُ تَوهُمٌ فِعْلاً إذ كَانَ عَلَى وزْنِهِ ، فَتَرَكهُ مَفْتُوحاً عَلَى حَالِهِ ، كَمَا تَوهَّمَ الآخر أَنَّ مَلَكَ الموتِ مِنْ مَعْنَى المِلْكِ حَتَّى قَالَ :

فَمَـالِكُ مَوت بِالقَضَاءِ دَهَانِي

فَبَنَى مِنْهُ صورَة فاعل منِ المِلْكِ وهذا أَسْبَقُ مَا فيهِ إليَّ (٢) وقَرَأَ أَبو جعفر : (إنْ يُوحَى إلَيَّ إلاَّ إنَّمَا) (٣) ، بكسرِ الألفِ.

قَالَ أَبو الفتح : هَذَا عَلَى الحكايةِ ، حَتَّى كَأَ نَّهُ قَالَ : إِن يُوحَى ، أَيْ : إنْ يُقَالَ لِي : إلاّ أنْتَ نَذِيرٌ مُبينٌ.

فَإنْ قيلَ : فَإذا كَانَ حكاية فقدْ كَانَ يجبُ أَنْ يَردَ اللفظُ عَينهُ ، وهو لم يَقُلْ لَهُ : أَنَا نَذِيرٌ مبينٌ ، فَهَلاَّ أَعادَهُ البتّةَ ، فقال : إنْ يُوحَى إِليَّ إلاّ أَنتَ نَذِيرٌ مُبينٌ؟ قِيلَ : هَذَا أَرَادَ ، إِلاَّ أَنَّهُ إذَا قَالَ : إلاّ أَنَّـمَـا أَنَا نَذِيرٌ مُبينٌ فَكَأ نَّهُ قَدْ قَالَ : أَنْتَ نَذيِرٌ مُبيُن ، أَلا تَراكَ تقولُ لِصَاحِبكَ : أَنْتَ قُلْتَ : إنَّكَ شجاعٌ فِزدْتَ الحرفَ ، وهُو لَمْ

__________________

(١) يروى البيت في اللسان : ١١ / ٢٩٥ هكذا :

يَسْتَبرِقُ الأُفُقُ الأقصى إذا ابتَسَمَتْ

لَمْعَ السّيوفِ سوى أَغمادِها القُضُبُ

(٢) المحتسب : ٢ / ٣٠٤ ـ ٣٠٥.

(٣) من قوله تعالى من سورة ص : ٣٨ / ٧٠ : (إِن يُوحَى إِلَيَّ إِلاَّ أَنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُّبِينٌ).

٤٩٢

يَقُلْ : إنَّكَ شجاعٌ ، وإنَّمَا قَالَ : أَنَا شَجَاعٌ ، فَلَمَّا أَرَدْتَ قَولَهُ حَاكِياً لَهُ أُوقَعتَ موقع (أَنَا) إنَّكَ.

وعِلَّةُ تحريفِ هَذَا الحرفِ الواحدِ مِنْ الجُمْلَةِ الَمحْكِيَّةِ أَنَّكَ مُخَاطِبٌ لَهُ فَقَلَبَ لَفْظُ الخِطَابِ الحاضِرُ اللفظ المنقضي لِقُوّةِ الحاضِرِ عَلَى الغَائِب.

هَذَا أَيْضاً مَعَ ارتفاعِ الشُّبهَةِ والإِشكالِ فِي أَنَّ الغَرَضَ بِهِمَا جَمِيعاً شيءٌ واحِدٌ. ونَحو مِنْ هَذَا بعضُ الانحرافِ عَنْ الَمحْكِي لِلدلالِةِ عَلَيهِ قَولُ الشَّاعِر :

تَنَـادَوا بالرَّحِـيـلِ غَـدَا

وفِي تَرحَـالِــهِم نَفْسِي (١)

أَجازَ لِي فيهِ أَبو عليّ بحلب سنة سبع وأربعينَ ثلاثَة أَضرب مِنَ الإعرابِ : بالرَّحِيلِ ، والرحيلَ ، والرحيلُ : رَفْعاً ، ونَصْباً ، وجَرًّا.

فَمَنْ رَفَعَ أَو نَصَبَ فَقَدَّرَ فِي الحِكَاية اللفظ المقولَ البتّةَ فَكَأ نَّهُم قالَوا : الرَّحيلَ غداً ، والرَّحيلُ غداً.

فَأَمَّا الجَرُّ فَعَلَى إعمالِ الباءِ فيه (٢) ، وهو معنى ما قالوهُ لكن حكيت منه قولك : غَداً وحْدَهُ ، وهْو خبرُ المبتدأ ، وفي موضعِ رفع لأَ نَّهُ خبرُ المبتدأ.

ولا يكونُ ظرفاً لِقَولِهِ : تَنَادَوا ، لاَِنَّ الفِعْلَ المَاضِي لاَ يَعْمَلُ فِي الزَّمانِ الآتي.

وإذَا قَالَ : تَنَادَوا بالرَّحيلِ غَداً فَنَصَبَ الرَّحِيلَ فَإنَّ (غداً) يجوزُ أَنْ يَكُونَ ظرفاً لِنَفْس الرَّحيلِ فَكَأَ نَّهُم قَالوا : أجمعنا الرَّحِيلَ غداً ، ويجوزُ أَنْ يَكُونَ ظَرْفاً لِفِعْل نَصَبَ الرَّحيلَ آخرَ ، أَيْ : نُحْدِثُ الرَّحِيلَ غَداً.

__________________

(١) انظر : المقرب : ١ / ٢٩٣ والخزانة : ـ بولاق ـ ٤ / ٢٣.

(٢) قال ابنُ عصفور : لا يجوزُ أَنْ تُدخِلَ الجَرَّ على الجملةِ المَحكيَّةِ ، وعُدَّ هذا الشاهد ضرورة وأنّه قبيح. المقرب : ١ / ٢٩٣.

٤٩٣

فَأَمَّا أَنْ يكُونَ ظَرفاً لِتَنَادَوا مُحالٌ ، لِمَا قَدَّمْنَا (١).

٣ ـ حكاية الجملة الاستفهامية

قَالَ أَبُو الفَتْح : إنَّ العَرَب قد تَحْمِل عَلَى ألْفَاظِهَا لِمَعَانِيهَا حَتَّى تُفْسد الإعرابَ لِصَّحَةِ المَعْنَى. ألاَ تَرَى إلى أَنَّ أقْوى اللَّغَتَينِ ـ وهِيَ الحجازيِّةُ ـ في الاستْفَهَامِ عَنْ الأعلام نَحو قَولِهِم : فِيمَنْ قَالَ : مَرَرْتُ بزيد : مَنْ زيد؟ فالجرُّ حكايةٌ لجرِّ المسئول عنه ، فهذا مِمّا احتُمِلَ فيه أضعافُ الإِعراب لتقويةِ المعنى. ألا تَرَى أَنَّهُ لَو ركِبَ اللغة التميميَّةَ طَلَباً لاِصَابَةِ الإعرابِ فَقَالَ : مَنْ زيدٌ (٢)؟ لَمْ يَصِحْ مِنْ ظَاهِرِ اللَّفظِ أَنَّهُ إنَّمَا يَسْأَلُ عَنْ زيد هذا المذكور آنفاً ولَمْ يؤمنْ أَنْ يُظَنَّ بِهِ أَنَّهُ إنَّمَا ارتْجَلَ سؤالاً عن زيد آخر مُسْتَأ نَفاً (٣).

التذكير والتأنيث

حذفُ تاءِ التأنيثِ وإقامةُ الضمير مقامها

روى ابنُ وهب عن حرملةَ بنِ عِمرانَ أنَّهُ سَمِعَ محمّد بن عبد الملك يَقْرأ : (لاََعدّوا لَهُ عُدَّهُ) (٤).

قَالَ أَبُو الفتح : المُسْتَعمَلُ في هَذَا المعنى العُدَّةُ بالتَّاءِ ولَمْ يَمْرُرْ بِنَا في هذا

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٢) قال سيبويه : اعلم أَنَّ أهلَ الحِجَازِ يقولون إذا قال الرَّجُلُ : رأيتُ زيداً : مَنْ زيداً؟ وإذا قالَ : مررتُ بزيد قالوا مَنْ زيد ، وإذا قال : هذا زيدٌ قالوا : من زيدٌ؟ وأما بنو تميم فيرفعونَ عَلَى كلِّ حال وهو أَقيسُ القَولَينِ. الكتاب : ١ / ٤٠٣.

(٣) المحتسب : ٢ / ٢١١.

(٤) من قوله تعالى من سورة التوبة : ٩ / ٤٦ : (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً).

٤٩٤

المَوضِع العُدَّ ، إنَّمَا العُدُّ البَثْرُ يَخرجُ فِي الوجهِ.

وطريقُهُ أَنْ يَكُونَ أَرادَ : ولَوْ أَرادُوا الخروجَ لأَعدوا لَهُ عُدَّتَهُ : أَيْ : تَأَهَّبُوا لَهُ ، إلاَّ أَنَّهُ حَذَف تاءَ التَّأنِيث وجَعَلَ هَاءَ الضميرِ كالعوضِ مِنْهَا. هَذَا عِندِي أَحْسَنُ مِمَّا ذَهَبَ إليهِ الفرّاءُ فِي مَعْنَاهُ ، وذَلِكَ أنَّهُ ذَهَبَ فِي قولِ اللهِ تَعَالى : (وإقامِ الصَّلاَةِ) (١) إلى أَنَّهُ أَرَادَ إقامةِ الصلاةِ ، إلاَّ أَنَّهُ حَذَفَ هاءَ الإقامةِ لاِِضافةِ الاسمِ إلى الصلاةِ (٢).

وإنَّمَا صار ما ذهبت إليه أقوى لاَِ نِّي أَقْمتُ الضَّمِيرَ المجرورَ مقامَ تاءِ التأْنيثِ ، والمُضْمرُ المجرورُ شديدُ الحاجةِ إلى ما جرَّهُ من موضعين :

أَحَدُهُمَا : حاجةُ الَمجْرور إلى مَا جَرّهُ ، أَلاَ تَرَاهُ لاَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا ، وَلاَ يُقَدَّمُ الَمجْرُورَ عَلَى مَا جَرَّهُ؟

والآخر : أَنَّ الَمجْرُورَ فِي (عُدَّهُ) مُضْمَر ، والمُضْمَر الَمجْرُورُ أَضْعَفُ مِنَ المُظْهَرِ الَمجْرورِ لِلُطفِ الضميرِ عَنْ قِيامِهِ بِنَفْسِهِ ، ولَيْستْ الصَّلاةُ بِمُضْمَرة فتضعفُ ضَعْفَ هاءِ (عُدَّهُ) فَبِقَدرِ ضعف الشيءِ وحَاجِتِهِ إلى مَا قَبْلَهُ مَا (٣) يكادُ يَعْتَد جزءاً مِنْهُ ، فيخلف جزءاً محذوفاً مِنْ جملتِهِ (٤) ، فافْهَمْ ذَلِكَ.

وأَمَّا أَصْحَابُنَا فَعِنْدَهُم أَنَّ الإقَام مصدرُ أَقمتُ كالإِقامَةِ ، ولَيْسَ مَذْهَبُنا

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة النور : ٢٤ / ٣٧ : (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ).

(٢) انظر : معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٢٥٤.

(٣) ما : زائدة.

(٤) قال سيبويه : هذا بابُ ما لحقتْهُ هاءُ التأنيثِ عوضاً لِمَا ذهبَ وذلك قولك أقمتُهُ إقامَةً ، وإِنْ شِئتَ لم تعوِّضْ وتركتَ الحرفَ على الأَصلِ قالَ الله عزَّوجلَّ : (رِجَالٌ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ). الكتاب : ٢ / ٢٤٤.

٤٩٥

فِيه كَمَا ظَنَّهُ الفَرَّاءُ (١).

جمع التكسير

جمع القلّة والكثرة

قَرَأَ طَلحة : (فَالصَّوالح قوانِتُ حَوافِظُ لِلْغَيبِ) (٢).

قَالَ أَبو الفتح : التّكْسيرُ هُنَا أَشْبَهُ لَفْظَاً بالمَعْنَى ، وذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُرَادُ هُنَا مَعْنَى الكثرةِ ، لاَ صالحات مِن الثلاثِ إلى العَشْرِ ، ولَفْظُ الكثرةِ أَشْبَهُ بِمَعنَى الكثرةِ مِنْ لَفْظِ القِلَّةِ بِمَعْنَى الكَثْرَةِ ، والألِفُ والتَّاءُ مَوضوعَتَانِ لِلْقِلَّةِ ، فَهُمَا عَلَى حدّ التَّثنيةِ بمنزلةِ (الزيدون) من الواحد إذا كان على حدّ (الزيدانِ).

هَذَا موجب اللغة عَلَى أَوضَاعِهَا غَيْرَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ لفظ الصِّحةِ والمَعْنَى الكثرة ، كَقَولِهِ تَعَالَى : (إنَّ المُسْلِمينَ والمُسْلِمَاتِ) إلَى قَولِهِ تَعَالَى : (والذَّاكِرين اللهَ كَثيراً والذَّاكِرَاتِ) (٣) والغَرَضُ فِي جَمِيعِهِ الكَثْرَةُ لاَ مَا هُو لِمَا بَيْنَ الثَلاثَةِ إلَى العَشَرةِ.

وكانَ أَبو عَليِّ يُنْكِر الحكايةَ المروية عَنِ النَابِغَة وقَدْ عَرَضَ عَلَيهِ حَسَّانُ شِعرَهُ ، وأَ نَّهُ لما صارَ إلى قَولِهِ :

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٢٩٢ ـ ٢٩٣.

(٢) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٣٤ (فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ).

(٣) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٥.

٤٩٦

لَنَا الجَفَنَاتُ الغُرُّ يَلْمَعْنَ بالضُّحَى

وأَسْيَافُنَا يقطُرنَ مِنْ نَجْدَة دَمَا (١)

قال له النابغة : لَقَدْ قَلَّلتَ جِفانَك وسيوفَك.

قال أَبو عليّ : هذا خبرٌ مجهولٌ لا أصلَ له ، لاَِنّ اللهَ تَعَالى يقول : (وهُمْ فِي الغَرَفَاتِ آمِنُونَ) (٢) وَلاَ يجوز أَنْ تَكونَ الغُرَفُ كُلُّهَا التي فِي الجنّةِ من الثلاثِ إلى العَشْرِ.

وعُذْرُ ذَلِك عِنْدِي أَنَّهُ قَدْ كَثُرَ عَنْهُمْ وقُوعُ الواحدِ عَلَى مَعْنَى الجَمِيعِ جِنْساً كَقَولِنَا : أَهلَك الناسَ الدينارُ والدّرْهَمُ ، وذَهَبَ الناسُ بالشاةِ والبَعيرِ.

فَلّمَا كَثُرَ ذَلِك جاؤوا فِي مَوضِعهِ بِلَفْظِ الجمعِ الّذِي هُو أدْنَى إلى الواحدِ أَيْضَاً ، أعنِي الجمعَ بالواو والنُّونِ والألَفِ والتَّاءِ. نَعَمْ وعُلِمَ أَيْضاً أَنَّهُ إذَا جِيءَ فِي هَذَا المَوضِعِ بِلَفظِ جمعِ الكَثْرَةِ ـ لاَ يُتَدارَك مَعْنَى الجنسية ـ فلهوا عنه ، وأقامُوا على لفظِ الواحدِ ولفظ الجمع المقارب للواحِد تارةً أَخرى ، إراحةً لاَِنْفُسِهم مِن طَلَبِ ما لاَ يُدْرَكُ ويأساً مِنْهُ وتوقّفاً دونَهُ. فيكونُ هَذَا كَقَولِهِ :

رَأي الأمرَ يُفْضِي إلَى آخر

فَصَيَّرَ آخَرهُ أَوْلاَ (٣)

ومِثْلُ الجمعِ بالواو والنونِ والألِفِ والتَّاءِ مجيؤهُمُ فِي هَذَا المَوضِعِ

__________________

(١) البيت لحسّان بن ثابت. ونقد النَّابغة هذا ورد في عدد من المصادر ، ونسب بعضهم النقدَ إلى الخنساء. اُنظر : ديوان حسّان : ٣٧١ والكتاب : ٢ / ١٨١ والمقتضب : ٢ / ١٨٨ والكامل : ٢ / ١٩٢ والخصائص : ٢ / ٢١٦ وشرح المفصل : ٥ / ١٠ والخزانة ـ بولاق ـ ٣ / ٤٣٠ وشرح الأشموني : ٤ / ١٢١ وبلوغ الإِرب : ١ / ٢٥.

(٢) سورة سبأ : ٣٤ / ٣٧.

(٣) يروى (غايته) مكان (آخره). انظر : الخصائص : ١ / ٢٠٩ و ٢ / ٣١ و ١٧٠ وشرح المفصل : ٥ / ١٢١.

٤٩٧

بِتَكْسِيرِ القلّةِ ، كَقَولِهِ تَعَالَى : (وَأَعْيُنُهُمْ تَفيضُ مِنَ الدَّمْعِ) (١) وقول حسّان :

 ......

وأَسْيَافُنَا يَقْطُرْنَ مِنْ نَجْدَة دَمَا (٢)

ولَمْ يَقُلْ عيونُهم ولاَ سُيُوفُنَا وقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا ونَحوهُ فِي كتَابِنَا الخصائص (٣).

النسب

قالَ ابن رومي : حدّثني أحمد بن موسى ، وحَدَّثَني الثّقةَ عنه أَنَّهُ قَرَأَ : (النبيّ الأَمّيَّ) (٤) بِفَتحِ الهمزة ، يقول : يَأتم بهِ مَنْ قَبْلَهُ.

قَالَ أَبو الفتح : هَذَا مَنْسوبٌ إلى مصدر أَمَمْت الشيءَ أَمّا كقولِك قَصَدتُهُ قَصْداً ، ثُمَّ أُضِيفَ إليهِ (عليه السلام) عَلَى هَذَا التفسيرِ الَّذي سَبَقَ ذِكْرُهُ.

وقَدْ يَجُوزُ مَعَ هَذَا أنْ يَكونَ أَرادَ الأُمِّي بِضَمِّ الهَمْزَةِ كَقِرَاءةِ الجماعة ثُمَّ لَحِقَهُ تغييرُ النَّسَبِ ، كَقَولِهم فِي الإِضافة إلى أُميَّة أَموي ، بفتحِ الهمزة ، وكقولهم في الدَّهر ، دُهَّرِيّ وفي الأمْس إِمْسيّ ، وفِي الأفُقِ أَفَقِيّ بِفَتْحِ الهمزة ، وهو بابٌ كَبيرٌ واسعٌ عَنهُم (٥).

وقَرأَ ابن مُحَيصِن وعِكرِمَة ـ بخلاف ـ والحسن ـ بخلاف ـ وأبو رجاء :

__________________

(١) سورة التوبة : ٩ / ٩٢.

(٢) تقدَّم الشاهد في : ص : ٤٩٧.

(٣) انظر : الخصائص : ٢ / ٢٠٦ والمحتسب : ١ / ١٨٧ ـ ١٨٨.

(٤) من قوله تعالى من سورة الأعراف : ٧ / ١٥٧ : (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ).

(٥) المحتسب : ١ / ٢٦٠.

٤٩٨

(سلامٌ عَلَى اليَاسِينَ) (١) ، بغير همز.

قَالَ أَبو الفتح : الياسين على هذا كَأَ نَّهُ عَلَى إرادَةِ يـاءِ النَّسَبِ ، كَأَ نَّـهُ الياسيين كما حكى عنهم صاحب الكتاب (٢) : الأَشعرونَ والنميرونَ ، يريد : الأشعريينَ والنميريينَ ، ورويناهُ عَن قُطرُب عنهم : هؤلاءِ زيدونَ منسوبٌ إلى زيد بغير ياء النسبة وقال أَبو عمرو هَلَكَ اليَزِيدُونَ ، يريد : ثلاثـة يزيديين (٣).

كـلّ

لفظها ومعناها

قرأ قتادة : (وَكُلٌّ أَتَاهُ دَاخِريِنَ) (٤) قَالَ أَبُو الفتحِ : حَمَلَ (أَتَاهُ) عَلَى لَفْظِ (كُل) إذْ كَانَ مفرداً و (دَاخِريِنَ) عَلَى مَعْنَاهُ (٥) ولَو قَلَبَ ذَلِك لَمْ يَحسُنْ ، لَو قَالَ : وكُلُّ أَتَوهُ داخراً قَبُحَ وضَعُفَ ، وذَلِكَ أَنَّكَ لَـمَّـا قُلْتَ : (وَكُلٌّ) فَقَدْ جِئتَ بلفظ مفرد ، فَإذَا قُلتَ (أَتَوهُ) فَقَدْ حَمَلْتَ عَلَى المَعْنَى وانْصَرَفْتَ عَنِ اللْفظِ ، ثُمَّ إذَا قُلْتَ مِنْ بَعْدُ دَاخِراً فَأفْرَدْتَ فَقَدْ تَرَاجَعْتَ إلى مَا انصرفْتَ عنه فكان

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الصافّات : ٣٧ / ١٣٠ : (سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ).

(٢) انظر : الكتاب : ٢ / ١٠٣.

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٢٣.

(٤) من قوله تعالى من سورة النمل : ٢٧ / ٨٧ : (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الاَْرْضِ إِلاَّ مَن شَاء اللهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ).

(٥) في أَمثلةِ سيبويهِ في الكتاب مراعاة لمعنى كلّ مثل الآية السابقة ، وكمثاله : كلٌّ ذاهبٌ. وقومُك كُلُّهُم ذاهبٌ. والمُبَرِّدُ مَثَّلَ لـ (وَكُل) في الآية السابقة ، وبقوله تعالى : (وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً) سورة مريم : ١٩ / ٩٥ ثمَّ عقَّبَ قائلاً فهذا على اللفظ والأوّل على المعنى. الكتاب : ١ / ٢٧٣ و ٢٧٤ و ٢ / ٢٨ والمقتضب : ٢ / ٢٩٨.

٤٩٩

ذلك قلقاً في الصَّنْعَةِ وانتكاثاً عن الحُجَّةِ ، المصير إليها المُعْتَزَمَة.

وعَلى ذلكَ قولُ اللهِ سبحانه : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ) (١) فَلَو قَالَ مِن بَعْدُ : حَتَّى إذَا خَرَجَ مَنْ عِنْدِكَ لَمْ يَحْسُنْ وذَلِكَ لاَِ نَّهُ قَدْ تَرَكَ لَفْظَ (مَنْ) إلى مَعْنَاهَا بقولِهِ : يَستَمِعُونَ ، فَلَو عادَ إليه بَعْدَ انصِرَافِهِ عَنهُ قَالَ : خَرَجَ عادَ إلَى مَا كَانَ قَدْ رغِبَ عَنْهُ ، واعتزَم غَيْرَهُ عِوَضاً مِنْهُ. وكَذَلِكَ قولُ الفَرَزْدَقِ :

تَعَشَّ فَانْ عَاهَدْتَنِي لاَ تخونُني

نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يَا ذِئبُ يَصطَحِبَانِ (٢)

ولَو قَالَ بعدَ يَصْطَحِبانِ : فَلاَ تُنْكِر صُحْبَتَه ، أو فَلاَ تذمّ عشرته عوداً إلى لَفْظِ (مَنْ) وإفرَادِهِ لَكَانَ فيه مَا ذَكَرْنَا من كَرَاهِيتِهِ.

وأَعلَم أَنَّ مَفَادَ الاستعمَالِ في (كُلٍّ) أَنَّها إذا كَانَتْ مُفْردَةً أُخْبِرَ عَنْهَا بالجَمْعِ نَحو قَولِهِ تَعَالَى : (وكُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ) (٣) و (كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ) (٤) ، (وَكُلٌّ أَتَوهُ دَاخِرِيِنَ) (٥) فِي قِرَاءَةِ الكافَةِ.

فَإنْ كَانَتْ مضافةً إلِى الجماعةِ أتى الخَبَرُ عَنْهَا مُفْرَداً كَقَولِهِ تَعَالَى : (وكُلُّهُمْ آتِيهِ يَومَ القِيَامَةِ فَرْداً) (٦) ، وذَلِكَ أَنَّ أحدَ عَلَمَي الجمع كاف عندَهُم من صَاحِبِهِ ، وابنِ على ذلكَ (٧).

__________________

(١) سورة يونس : ١٠ / ٤٢.

(٢) تقدَّم الشاهد في : ص : ١٣١.

(٣) سورة يس : ٣٦ / ٤٠.

(٤) سورة البقرة : ٢ / ١١٦.

(٥) سورة النمل : ٢٧ / ٨٧.

(٦) سورة مريم : ١٩ / ٩٥.

(٧) المحتسب : ٢ / ١٤٦.

٥٠٠