أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

يُرِيدُ : يَا مخنوق ويا ليلُ ، ويا كروانُ. وعَلَى أَنَّ الأمثَالَ عِنْدَنَا وإنْ كانتْ مَنْثُورةً فَإنَّهَا تَجري فِي تَحَمُّلِ الضرورةِ لها مجرى المنظوم فِي ذَلِكَ.

قَالَ أَبو عَليّ : لاَِنَّ الغَرَضَ فِي الأَمثال إِنَّمَا هُو التسيير ، كَمَا أَنَّ الشّعْرَ كَذَلِكَ فَجَرى المَثَلُ مجرى الشّعْرِ فِي تَجَوُّزِ الضَّرُورةِ فِيهِ ومِنَ الشّعْرِ قَولُهُ :

عجبتُ لِعَطَار أتَانَا يَسُومُنَا

بِدَسْكَرَةِ المَرَانِ دُهْنَ البَنَفْسَجِ

فَقْلْتُ لَهُ عَطَارُ هَلاّ أَتَيْتَنَا

بِنَورِ الخُزَامَى أَو بِخُوصةِ عَرفَجِ (١)

أَرَادَ يَا عَطَّارُ.

وقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا فِي غيرِ موضع من كُتُبِنَا ، وإنَّمَا قَالَ ابنُ مُجَاهد والألِفِ ساقطةٌ لاَِجْلِ قِرَاءةِ ابنِ عَبَّاسَ وعَكْرِمَةَ ويحيى بن يعْمَر والجَحْدَرِي والضَّحَّاك وابنِ مُحَيصِن : (رَبِّي أَحْكَمُ بالحَقّ) (٢) بياء ثَابتة ، وفَتْحِ الألفِ والكافِ ، ورَفْعِ الميم (٣).

__________________

اسكتْ وتَوقَّ انتشارَ ما تلفظ بهِ كَراهَةَ ما يتعقّبهُ. والكرا : الكروان ، ويقال أنّه مرخّم الكروان ، ويقال لَهُ : اطرقْ كَرَا إ نَّكَ لاَ تَرى ، فيصيدونه بهذه الكلمة.

اُنظر : مجمع الأمثال : ١ / ٤٣١ وخزانة الأدب : ٢ / ٣٧٤.

(١) العَرْفَج : ضربٌ مِنَ النباتِ سهْلِيٌّ طيبُ الريح أَغبرُ اللَّونِ إِلى الخُضرةِ. انظر : مجمع البيان : ١٧ / ٦٥ وتاج العروس ـ طبعة الكويت ـ ٦ / ١٠٠.

(٢) قال أَبو حيَّان : وقرأ ابن عباس وعِكْرمة والجَحْدَرِي وابنُ مُحيْصِن : (رَبَّيْ) بإسكان الياء (أَحْكَمُ) جعله أفعلَ التفضيل. فَرَبي أَحْكَمُ مبتدأ وخبر.

البحر المحيط : ٦ / ٣٤٥.

(٣) المحتسب : ٢ / ٦٩ ـ ٧١.

٤٦١

النَّدْبَة

قَرَأَ : (ابْنَاهُ) (١) ممدودة الألف السُّديّ عَلَى النداءِ ، وبَلَغَنِي أَنّه عَلَى التَّرثِّي.

قَالَ أبو الفتح : قراءة السُّدْيّ : (ابْنَاهُ) يريدُ بِهَا النُّدبة ، وهْو قَولهِمِ : التَّرثِّي.

وهْو عَلَى الحكايةِ : أَيْ قَالَ لَهُ : يَا ابْنَاهُ ، على النداءِ ولو أرادَ حقيقة الندبةِ لم يكنْ بُدٌّ مِن أحِد الحرفين يا ابناه أو وابناه كَقَولِك فِيهَا : وازَيْدَاهُ ويَا زَيدَاهُ (٢).

التَّرْخِيم

قَرَأَ عَليّ بنُ أَبِي طَالِب (عليه السلام) وابنُ مَسْعُود (رضي الله عنه) ويَحْيَى والأعْمَش (يَا مَالِ) (٣).

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة هود : ١١ / ٤٢ : (وَنَادَى نُوْحٌ ابْنَهُ).

(٢) المحتسب : ١ / ٣٢٢.

(٣) من قوله تعالى من سورة الزخرف : ٤٣ / ٧٧ : (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ).

وقراءَة : (يَا مَالِ) ، على الترخيم الذي هو لترقيق الأسماء وتليينها وتسهيل النُّطقِ بها بحذف أواخرها ، ولأنَّ أهل النار في شُغُل شَاغِل عن التَّرخيم ، حملَهُ ابنُ جنَّي على الضَّعفَ الذي لحِقَهم من العذاب فاختصروا بحذف بعض حروف الاسم المنادى.

ونسبةُ هذه القراءة إلى الإمام علي عليه السلام ، لم تثبت بسند صحيح ، وإنَّما نُسِبَتْ إليه من غير إسناد في : القراءات الشاذة لابن خالويه (ت / ٣٧٠ هـ) ، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ، تحقيق الدكتور التركي : ١٩ / ٨٤ ، ومجمع البيان : ٩ / ٩٥ ، والبحر المحيط : ٨ / ٢٧ ، ولعلّ الأصل فيها هو ابن خالويه الذي لم يذكرْ عَمَّن أخذها ، إذ لم نجد أحداً أَخرجها عنه عليه السلام بطريق معتبر ، ولا غير معتبر. بل لم يسبقِ ابنَ خالويه أَحدٌ

٤٦٢

...

__________________

إلى تلكَ النسبة ، بحدود تتبعي. والمرويُّ عنه عليه السلام أنَّهُ قَرَأَ الآيةَ بلفظ : (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنـَا رَبُّكَ) ، كما في المُصحَفِ. روى ذلك القمي في تفسيرِهِ كما في البحار : ٨ / ٢٩٢ / ٣٤ ، وكذلك عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى : ٦٠ ، في وصيته عليه السلام الرائعة إلى كميل بن زياد النَّخَعي ، وفي مناقب ابن شهرآشوب أورد قراءة الآية كما في المصحف عن الإمام الحسن بن علي عليهما السلام وعنه في بحار الأنوار ٢٤ / ٣١٦ ـ ٣١٧ / ٢١. ثم إن القرّاء السَّبعَةَ أجمعُوا على قراءة : (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنـَا رَبُّكَ).

فهذا عاصم بن أبي النَّجُود شيخ القراء في الكوفة ، وعلى قراءته قراءة المسلمين اليوم في عموم المشرق العربي ، وأواسط آسيا والهند ، وبلاد الغرب ، وهو أخذَ القراءة عن أبي عبد الرَّحمن السُّلَمِي ، وعن زُر بن حَبيش ، وكُلٌّ منهما أخذ عن علي بن أبي طالب عليه السلام. ينظر في : السبعة : ٧٠ ، وغاية النهاية : ١ / ٣١٥ ، وأصول التلاوة : ٢٢.

ونافع بن عبد الرَّحمن بن أبي نعيم المدني ، قارئ المدينة ، الذي على قراءته اليوم عموم المسلمين في المغرب العربي ، قرأَ على أبي جعفر يزيد بن القعقاع وعبد الرحمن ابن هرمز الأعرج ، وكل منهما أخذها عن عبد الله بن عباس ، عن علي عليه السلام. السبعة : ٥٤ ، و ٥٦ وغاية النهاية : ٢ / ٢٧٨ ، وأصول التلاوة : ٢٥.

وعبد الله بن كثير ، قارئ مكّة ، أخذ القراءةَ عن مجاهد بن جبر ، عن عبد الله بن عباس ، عن علي عليه السلام. السبعة : ٦٥ ، وغاية النهاية : ١ / ٣٩٦ ، وأصول التلاوة : ٢١.

وأبو عمرو بن العلاء قارئ البصرة وعالمها أخذ القراءة عن عاصم ، عن أبي عبد الرحمن السُّلَمِي ، عن علي عليه السلام ، وعن مُجاهد بن جبر ، وعن سعيد بن جُبَير ، ويحيى بن يَعْمَر ; وكُلٌّ منهم أخذَها عن عبدِ اللهِ بن عباس ، عن علي بن أبي طالب عليه السلام. السَّبْعة : ٨٣ ، وغاية النهاية : ١ / ٢٦٢ ، وأصول التلاوة : ٢٣.

وحمزة بن حبيب الزيات ، قارئ الكوفة ، أخذ القراءة عن الإمام جعفر الصادق ، عن أبيه محمد الباقر ، عن الإمام علي بن الحسين زين العابدين ، عن الحسين الشهيد ، عن علي عليهم السلام ، وأخذها عن الأعمش ، عن عاصم ، عن أبي عبد الرَّحمن السُّلَمِي ،

٤٦٣

قَالَ أَبو الفتح : هَذَا المَذْهَبُ المَألُوفُ في الترخيمِ إلاَّ أَنَّ فِيهِ فِي هذَا الموضع سرًّا جديداً ، وذَلِك أَنَّهُم لِعُظْمِ مَا هُمْ عَلَيهِ ضَعُفَتْ قواهم وذَ لَّتْ أَنفُسُهم ، وصَغُر كَلاَمُهْمُ ، فَكَانَ هَذَا مِنْ مَواضِعِ الاختصار ضرورةً عَلَيهِ ، ووقُوفاً دُونَ تَجَاوزِهِ إِلى مَا يُسْتَعْمِلُهُ المَالِك لِقَولِهِ ، القَادِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِي مَنْطِقِهِ (١).

__________________

عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام. السبعة : ٧٤ ، وغاية النهاية : ١ / ١٧٩ ، و ٢٣٦ ، وأصول التلاوة : ٢٤.

وهذا علي بن حمزة الكسائي الذي صارت إليه رئاسةُ الإِقراء في الكوفة بعد حمزة ، وهو زعيم مدرستها النحويَّة ، واللغوية ، هو ومن ذكرتُهم قبله من القراء السبعة ، أخذَ القراءة عن حمزة الزيات ، وحمزة أخذها عن الإمام جعفر الصادق ، عن أبيه الإمام الباقر ، عن أبيه الإمام زين العابدين ، عن أبيه الإمام الحسين ، عن أبيه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام. السبعة : ٧٥ ، و ٧٨ ، وغاية النهاية : ١ / ٤٧٤ ، وأصول التلاوة : ٢٦.

كلّ هؤلاء قرأوا : (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنـَا رَبُّكَ) وقد أخذوها عن الإمام علي عليه السلام.

(١) المحتسب : ٢ / ٢٥٧.

٤٦٤

الباب العاشر

أسماء الأفعال والأصوات ، العدد ،

الحكاية ، التذكير والتأنيث ،

جمع التكسير ، النسب ،

تحقيق في لفظ كل ومعناها

٤٦٥
٤٦٦

من أسماء الأَفعال

١ ـ عَلَيْكَ ٢ ـ دُونَكَ ٣ ـ عِنْدَكَ

قَرَأَ محمّد بن السُّمَيْفَع : (كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُم) (١) ، مفتوحة الكافِ ، ولَيْسَ بَعْدَ التاءِ أَلفٌ ، والياءُ نصبٌ.

قَالَ أَبو الفَتْحِ : فِي هَذِهِ القراءةِ دَليلٌ عَلَى أَنَّ قَولِهِ : (عَلَيْكُمْ) مِنْ (كِتَابَ اللهِ عَلَيكُمْ) في قراءة الجماعة مُعَلَّقَةٌ بِنَفْسِ كتاب ، كَمَا تَعَلَّقَتْ فِي (كَتَبَ اللهُ عَلَيكُمْ) بِنَفْسِ كَتَبَ ، وانّه لَيْسَ (عَلَيْكُمْ) مِنْ (كِتَابَ اللهِ عَلْيكُم) اسماً سُمِّيَ بِهِ الفِعْلُ (٢).

كَقَولِهِم عَلَيْكَ زيداً إذا أَرَدْتَ خُذْ زَيْداً ، وذَلِك أَنَّ عَلَيْك ودُونَك وعِنْدَك إذَا جُعِلْنَ اسماً لِلْفِعْلِ لَسْنَ منصوبات المواضع ، ولاَ هُنَّ مُتَعَلَّقَات بالفعلِ مُظْهَرَاً ولاَ مُضْمَراً ولاَ الفتحة فِي نحو دُونَكَ زيداً فتحة إعراب كفتحة الظرفِ فِي قَولِك : جَلَسْتُ دُونَكَ ، بَلْ هِيَ فتحة بناء لاَِنَّ الاسم الذِي هُو عنْدَك زيداً

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٢٤ : (كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ).

(٢) ذَهَبَ البصريّونَ والفرّاءُ إلى أنَّ (عَلَيْكَ ودْونَكَ وعِنْدَكَ) لا يجوز تقديم معمولاتِها عَلَيْهَا لاَِ نَّها لَيْسَتْ كالأفعال في قوّتِها ، وذَهَب الكوفيّون إلى جواز ذلك. المقتضب : ٣ / ٢٠٤ والمقتصد في شرح الإيضاح : ١ / ٥٢٤ والإنْصَاف : ١ / ١٢٦ مسألة ٢٧ والبيان : ١ / ٢٤٨ وإملاء ما منَّ به الرحمن : ١ / ١٧ والبحر المحيط : ٣ / ٢١٤ وضياء السالك إلى أوضح المسالك : ٣ / ٣٢٤.

٤٦٧

بمنزلة صَه ومَه ولاَ إِعرابَ فِيهِ كَما لاَ إعرَابَ في صه وَمَه وحَيْهَلْ ، غَيرَ أَنَّهُ بُنِي عَلَى الحَرَكَةِ الَّتِي كَانَتْ لَهُ فِي حالِ الظرفيّةِ ، كَمَا أَنَّ فَتْحَةَ لامِ رَجُل من قولِكَ : لاَ رَجُلَ في الدارِ ، وهي الحركةُ التي تُحْدِثُها (لا) إعراباً فِي المُضَافِ والمَمْطُولِ نَحْو لاَ غلامَ رَجُل عِنْدَكَ ولاَ خيراً مِنْكَ فِيهَا ، وكَذَلِكَ قولُ اللهِ تعَالَى : (مَكَانَكُم أَنْتُم وشُرَكَاؤكُم) (١) ، الفَتْحَةِ فِي نونِ مَكَانِكُمْ فتحة بناء ، لاَِ نَّهُ اسمٌ لِقَولِكَ : اثبتوا ، ولَيْسَتْ كَفَتْحَةِ النُّونِ مِنْ قَولِكَ : الزَموا مَكَانَكُم هَذَه إِعرابٌ ، وتِلْكَ في الآيةِ بناءٌ. وهَذَا مَوضِعٌ فيهِ لِطيفٌ فتفهمْهُ.

ولَما دَخَلَ شيخُنَا أَبو عليّ الموصلَ سنةَ إحْدَى وأَربعين ، قَالَ لَنَا : لَو عرفتُ فِي هَذَا البلدِ مَنْ يعرف الكلاَم عَنْ قَولِكَ : دُونَكَ زيداً لغدوتُ إلى بابِهِ ورُحتُ ، وكَذَلِكَ قَولُهُ تَعَالى : (كَتَبَ اللهُ عَلَيْكُم) و (كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُم) (٢) (عَلَيْكُم) فِي المَوْضِعينِ مَنْصُوبةُ الموضِعِ بنفسِ كَتَبَ وكتاب ولَو قُلْتَ : عَلَيْكُم كتابَ اللهِ لَـمَـا كَانَ لِقَولِك عَلَيْكُم مِنَ الإعراب أَصلاً ولاَ كَانَتْ مُتَعِلّقَةً بشيء ظاهر ولاَ محذوف ولاَ مُضْمَر عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، فاعْرِفْهُ (٣).

٤ ـ هيـت

قَرَأَ : (هَيْتِ لَكَ) (٤) بِفَتْحِ الهاءِ وكَسْرِ التَّاءِ ابنُ عَبَّاس ـ بِخِلاف ـ وابنُ

__________________

(١) سورة يونس : ١٠ / ٢٨.

(٢) سورة النساء : ٤ / ٢٤.

(٣) المحتسب : ١ / ١٨٥ ـ ١٨٦.

(٤) من قوله تعالى من سورة يوسف : ١٢ / ٢٣ : (وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَن نَّفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ).

٤٦٨

مُحَيْصن وابنُ أَبِي إسْحَاق وأَبو الأسود وعيسى الثقفي.

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : فِيها لُغاتٌ : هَيْتَ لَك ، وهِيْتَ لَك ، وهَيْتُ لَك. وكُلُّهَا أَسْـمَـاءٌ سُمِّيَ بِهَا الفِعْلُ بِمُنْزلَةِ صَهْ ومَهْ وإيه فِي ذَلِكَ.

ومَعْنَى (هَيْتَ) وبقية أخواتها : أَسْرِعْ وبَادِر (١) ، قَالَ :

أَبْلِغْ أَمِيرَ المُؤمِـ

ـنينَ أَخَا العِرَاقِ إذَا أَتَيْتَا

إنَّ العِرَاقَ وأَهْلَهُ

عُنقٌ إلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا (٢)

وقَالَ طَرَفَة :

لَيْسَ قَومِي بالأبعْدِينَ إذَا مَا

قَال دَاع مِنَ العَشِيرةِ : هَيْتُ

هُمْ يُجِيبُونَ وا هلُمَّ سِرَاعاً

كالأبابيلِ لا يغادرُ بَيْتُ (٣)

والحركات في أواخرها لالتقاء الساكنين ، واللاّمُ مُتَعَلَّقة بنفسِ هَيْتَ وهَيْتِ وهِيْتَ وهَيتُ كَتَعَلُّقِهَا بنفس هَلُمَّ مِنْ قَولِهِم : هَلُمْ لَكَ. وإنْ شِئْتَ كَانَتْ خبَر مبتدأ محذوف ، أيْ : إرادَتي لِذَلِكَ (٤).

__________________

(١) قال أُحَيحَةُ الأنصاري :

به أَحمي المضافَ إِذا دعاني

إِذا ما قيلَ للأبطـالِ هيتـا

انظر : الإتقان : ٢ / ٧٨.

(٢) البيتان لشاعر قالهِما فِي الإمام عليِّ (عليه السلام). ويروي (إنَّ العراقَ) بكسرِ الهمزةِ مَكان فَتحها. و (سَلّمٌ عَلَيه) و (سَلْمٌ إليْكَ) مَكان (عُنُقٌ إليْكَ). معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٤٠ والخصائص : ١ / ٢٧٩ ومجمع البيان : ١٢ / ٣٧ وشرح المفصل : ٤ / ٣٢ واللسان : ٢ / ٤١١.

(٣) ويروى (لا تغادر بيتاً) مكان (لا يغادر بيت) وبذلك لا يكون هذان البيتان شاهداً على ضمِّ التَّاءِ وإنّمَا يكونانِ شاهداً على فتحها. انظر : مجمع البيان : ١٢ / ٣٧ وليسا في ديوان طرفة.

(٤) المحتسب : ١ / ٣٣٧ ـ ٣٣٨.

٤٦٩

٥ ـ ويْ

قَرَأَ يَعْقُوب : (ويْكَ) (١) يَقِفُ عَلَيْهَا ، ثُمَّ يَبْتَدِئُ فَيَقُولُ : (أَنَّهُ) ، وكَذَلِكَ الحرفُ الآخر (٢) مثله.

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : فِي (ويْكَأَ نَّهُ) ثَلاثَةُ أَقْوال :

١ ـ مِنْهُم مَنْ جَعَلَهَا كَلَمَةً واحِدَةً ، فَقَالَ : (ويْكَأَ نَّهُ) ، فَلَمْ يَقِفْ عَلَى (ويْ).

٢ ـ ومِنْهُم مَنْ يَقِفُ عَلَى (ويْ).

٣ ـ ويَعْقُوب (٣) على ما مضى يقولُ : (ويْكَ) وهْو مَذْهَب أَبِي الحَسَن (٤).

والوجْهُ فِيهِ عِنْدَنَا قَولُ الخَلِيلِ وسيِبَويه (٥) ، وهْو أَنَّ (ويْ) عَلَى قِياسِ مَذْهَبِهِمَا اسمٌ سُمّي به الفعل فِي الخَبَر فَكَأَ نَّه اسمُ أَعجب ، ثمّ ابتدأَ فَقَالَ : (كَأَ نَّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُون) و (ويْ كَأَنَّ الله يَبُسطُ الرّزقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ). فـ (كَأَنَّ) هُنَا إخْبَارٌ عار مِنْ مَعْنَى التَّشبِيهِ ، ومَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ يَبْبُسطُ الرّزْقَ لِمَنْ

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة القصص : ٢٨ / ٨٢ (وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالاَْمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلاَ أَن مَّنَّ اللهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَ نَّهُ لاَ يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ).

(٢) أيْ أَنَّ يعقوب يقف على ويك ويبتدئ : (أَنّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ) كَمَا في المحتسب : ٢ / ١٥٥ وشرح المفصل : ٤ / ٧٧.

(٣) أيْ أَنَّ يعقوب يقف على ويك ويبتدئ : (أَنّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ) كَمَا في المحتسب : ٢ / ١٥٥ وشرح المفصل : ٤ / ٧٧.

(٤) انظر : شرح المفصل : ٤ / ٧٧ والبيان في غريب إعراب القرآن : ٢ / ٢٣٧.

(٥) قَالَ سيبويه في الكتاب : ١ / ٢٩٠ ، وسَألْتُ الخَليلَ عَنْ قَولِهِ : (أَنّهُ لاَ يُفْلِحُ الكَافِرُونَ) وعن قولِهِ : (وَيْكَأَنَّ الله) فَزَعَمَ أنَّها مفصولَة من (كَأَن). والمَعْنَى على أنَّ القومَ تَنَبَّهُوا فَتَكَلَّمُوا على قَدْرِ عِلمِهِم أو نُبِّهُوا فقيلَ لَهُمْ : أما يشبه أَنْ يكونَ ذا عندكم هكذا؟

٤٧٠

يَشَاءُ. و (ويْ) مُنفَصِلَةٌ مِنْ (كَأَنَّ) وعَلَيْهِ بيتُ الكِتَاب :

ويْ كَأَنْ مَنْ يَكُنْ لَهُ نَشَبٌ يُحـ

ـبَبْ ومَن يَفَتِقرْ يَعْشْ عَيْشَ ضُرِّ (١)

ومما جاء فيه (كَأَنْ) عاريةً من معنى التشبيه ما أَنشدَهُ أبو عليّ :

كأَ نَّنِي حِينَ أُمسي لا تُكَلِّمُنِي

مُتَيَّمٌ يَشتَهي مَا ليس موجودا (٢)

أَيْ : أَنَا حِينَ أُمْسِي (مُتَيَّمَ) مِنْ حَالِي كَذَا وكَذَا.

ومَنْ قَالَ : إنَّها (وَيْك) فَكَأَ نَّهُ قَالَ : أَعْجَبُ لأَ نَّهُ لا يُفْلُحُ الكَافِرُونَ ، وأَعجبُ لاَِنَّ اللهَ يَبْسُطُ الرَّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وهْو قَولُ أَبِي الحَسَنِ (٣).

ويَنْبَغِي أَنْ تَكونَ الكَافُ هُنَا حرفُ خِطَاب لا اسماً ، بلْ هِيَ بِمَنزِلَةِ الكافِ فِي ذَلِكَ وأولئك ، وذَلِكَ أَنَّ (ويْ) لَيْسَتْ مِمَّا يُضَافُ.

ومَنْ وقَفَ عَلَى (ويْكَ) ثمّ استأْ نَفَ فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ أرادَ أَنْ يُعْلَمَ أَنَّ الكافَ مِنْ جملةِ (وَيْ) ولَيْسَتْ بالتي فِي صَدْرِ (كَأَنَّ) ، فَوقَفَ شَيئاً لبيانِ هَذَا المَعْنَى. ويَشْهَدُ لِهَذا المَذْهبِ قَولُ عَنْتَرةَ :

__________________

(١) البيت لزيد بن عمرو بن نَفيل ويُنْسَب لِنَبِيه بنِ الحَجَّاج السَّهْمِي ولِسَعيد بنِ زيد بن عمرو بن نفيل. انظر : الكتاب : ١ / ٢٩٠ ومعاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٣١٢ وَتَأويلِ مُشْكِل القرآن : ٥٢٦ والخصائص : ٣ / ٤١ و ١٦٩ والكشاف : ٢ / ١٥١ ومجمع البيان : ٢٠ / ٣١٩ واللسان : ٢٠ / ٣٠١ والبحر المحيط : ٧ / ١٣٥ والخزانة ـ بولاق ـ ٣ / ٩٧ ومعجم شواهد العربية : ١ / ١٩٢.

(٢) ينسب هذا البيت إلى عمر بن أبي ربيعة كما ينسب إلى يزيد بن الحكم. وهو في ديوان عمر بن أبي ربيعة. ويروى (ذو بغية) مكان (متيم). انظر : الديوان : ٣١٢ ومجمع البيان : ٢٠ / ٣١٩ ولسان العرب : ٤ / ٣١٣ وشرح المفصل : ٤ / ٧٧ والمغني : ٢ / ٣٦٩.

(٣) انظر : البحر المحيط : ٧ / ١٣٥ والمغني : ٢ / ٣٦٩.

٤٧١

ولَقَدْ شَفَى نَفْسِي وأَبْرأَ سُقْمَهَا

قِيلُ الفَوارِسِ وَيْك عَنْتَرَ أَقْدِمِ (١)

قَالَ الكِسَائِي (٢) ـ فيَما أَظُنُّ ـ أَرَادَ ويْلَكَ (٣) ثُمَّ حَذَفَ اللاّم ، وهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى خَبرِ نَبيّ لِيُقْبَلَ. وقَولُ مَنْ قَالَ : إنَّ (وَيْكَأَ نَّهُ) كَلِمَةٌ واحِدَةٌ إنَّما يُريدُ بِهِ أَنَّهُ لا يَفْصَلُ بَعْضُهُ عَنْ بَعْض (٤).

٦ ـ أُف

قَرَأَ أَبو السَّـمَّـال : (أُفٌ) (٥) مَضْمُومَةً غيرَ منوّنة ، وقَرَأَ : (أَفَ) خفيفة ابنُ عَبَّاس.

قَالَ هَارُونُ النَّحوي : ويُقرأُ : (أُفٌّ) ، ولَو قُرِئَتْ (أَفًّا) لَكَانَ جَائِزاً ولَكِنْ لَيْسَ فِي الكتابِ أَلِفٌ.

قَالَ أَبو الفتح : فِيها ثَمَانِي لغات : أُفِّ ، وأُفّ ، وأُفَّ ، وأُفّا ، أُفُّ ، أُفٌّ ، وأُفي مُمَال ، وهَيَ الَّتِي يَقُولُ لَهَا العامَّةُ : أُفِّي ، بالياءِ ، وأُفْ ، خفيفة ساكنة. وأَمَّا (أُفَ) خفيفةً مفتوحةً فقياسُهَا قِياسُ رُبَ خفيفة مفتوحةً ، وكَانَ قياسُها إِذَا خُفِّفَتْ

__________________

(١) هذا من قصيدته المسمّاة بالمعلّقة. انظر : معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٣١٢ وشرح المعلّقات السبع : ١٥٢ وشرح القصائد العشر : ٢٧٨.

(٢) انظر : شرح المفصل : ٤ / ٧٨ والبحر المحيط : ٧ / ١٣٥ والمغني : ٢ / ٦٩.

(٣) قال الخطيب التبريزي : قال بعضُ النحويينَ : معناهُ ويْحَكَ وقَالَ بَعْضُهُم : مَعْنَاهُ ويْلَكَ وكِلاَ القَوْلَينِ خَطأ. ورُويَ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ التَّفْسير أَنَّ المعنى ويْكَ أَلَمْ تَرَ وأمَا تَرَى ، والأحْسَن في هذا ما رُويَ عن سيبويهِ عن الخليلِ ، وهو أَنَّ ويْ منفصلةٌ وهِيَ كلمةٌ يقُولُهَا المُتَنَدّم إذا تَنَبَّه على ما كانَ مِنْهُ. شرح القصائد العشر : ٢٧٨.

(٤) المحتسب : ٢ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

(٥) من قوله تعالى من سورة الإسراء : ١٧ / ٢٣ : (فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً).

٤٧٢

أَنْ يُسَكَّنْ آخِرُهَا لاَِ نَّهُ لَمْ يَلْتَقِ فِيهْا سَاكِنَانِ فتحرك ، لَكِنّهُمْ بِقَّوا الحركَة مَعَ التخفيفِ أَمَارةً ودلالةً عَلَى أَنَّهَا قَدْ كَانَتْ مُثقلة مَفْتُوحةً.

كَمَا قَالَ : لاَ أَكلّمُكَ حِيْريْ دَهْر (١) ، فَأسكنَ الياءَ في موضع النَّصبِ في غير ضرورة شعر ، لاَِ نَّهُ أَرَادَ التَّشديدَ فِي حِيريَّ دَهر ، فَكَمَا أَنَّهُ لَو أَدْغَمَ الياءَ الأَولى فِي الثَّانِيةِ لَمْ تَكُنْ إِلاّ سَاكِنَةً فَكَذَلِك إذَا حَذَفَ الثانية تخفيفاً أَقَرَّ الأولى عَلَى سكونها دلالة وتنبيها عَلى إرادَة الإدْغَامِ الَّذي لاَبُدّ مَعَهُ مِنْ سكونِ الأُولَى (٢).

٧ ـ ما كان على وزن فَعَالِ

مساسِ

قَرَأَ أَبو حَيْوَةَ : (لاَ مَسَاسِ) (٣) قَالَ أَبو الفتح : أَمَّا قِراءَةُ الجماعةِ : (لاَ مِسَاسِ) فَوَاضِحَةٌ لاَِ نَّهُ المماسَّة : مَاسَسْتُهُ مِسَاساً كَضَارَبْتُهُ ضِرَاباً ، لَكِنَّ فِي قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : (لاَ مَسَاسِ) نظراً ، وذَلِكَ انَّ (مَسَاسِ) هَذِهِ كَنَزَالِ ودَرَاكِ وحَذَارِ ، ولَيْسَ هَذَا الضربُ مِنَ الكلامِ ـ أَعْنِي ما سُمِّي بِهِ الفِعْلُ ـ مِمَّا تَدْخُلُ (لا) النافيةُ للنكرةِ عَلَيْهِ ، نَحْو لاَ رَجُلَ عِنْدَك ولاَ غُلاَمَ لَك ، فـَ (لاَ) إذا فِي

__________________

(١) قالَ ابنُ الأَعرابيَ ، حِيْريْ الدَّهْرِ أيْ : طولَ الدَّهْرِ. وقَالَ أَبو الحَسَنِ الحِيْرِيُّ الدَّهرُ كُلَّهُ. وحَيْري تُروى بفتح الحاء وتشديد الياء الثانية وفتحها حَيْريَّ. وقال ابن الأَثير : ويروى حيريْ بياء ساكنة. وحيريَ دهر بياء مخفّفة. انظر : لسان العرب : ٥ / ٣٠٧ وتاج العروس ـ ط ـ الكويت ١١ / ١١٧.

(٢) المحتسب : ٢ / ١٨.

(٣) من قوله تعالى من سورة طه : ٢٠ / ٩٧ : (قَالَ فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَك فِي الْحَيَاةِ أَن تَقُولَ لاَ مِسَاسَ وَإِنَّ لَك مَوْعِداً لَّنْ تُخْلَفَهُ).

٤٧٣

قَولِهِ (لاَ مَسَاسِ) نَفْي لِلْفِعْلِ كَقَولِكَ : لاَ أَمسَّكَ ولاَ أَقْرَبُ مِنْك فَكَأَ نَّهُ حِكَايَةُ قَولِ القائِلِ : مَسَاسِ كَدَرَاكِ ونَزالِ فَقَالَ : لاَ مَسَاسِ (١) ، أَيْ : لا أَقولُ : مَسَاسِ ، وكَان أَبُو عَليّ ينعم التأَمّل لهذا الموضِعِ لِمَا ذَكَرْتُهُ لك (٢).

وقَالَ الكميت :

 ......

 ...... لاَ هَمَامِ لِي لاَ هَمَامِ (٣)

أيْ لاَ أَقول هَمَامِ فَكَأَ نَّهُ مِنْ بَعْدُ لاَ أَهِمَّ بِذَلِك ولاَ بُدَّ مِنْ الحِكَايةِ أَنْ تَكُونَ مقدرةً ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لاَ يجوزُ أَنْ تَقُولَ : لاَ اضربْ ، فتنفي بـ (لا) لفظَ الأمر ، لتنافي اجتماع الأمرِ والنَّهي. فالحكايَةُ إِذاً مُقَدَّرَةٌ مُعْتَقَدَةٌ.

فَإنْ قَالَ قَائِلٌ : فَأَنْتَ لاَ تَقَولُ : مَسَاسِ فِي مَعْنَى امسس ، فيا ليت شعري ما الَّذي بنيت؟ قِيلَ : لَيْسَ هَذَا أَولَ معتقد مُعتَزَم تقديراً ، وإِنْ لَمْ يَخْرُجْ إلَى اللَّفظِ استعمالاً ، ألاَ تَرَى إلَى مَلاَمِح وليال فِي قَولِ سيبويه ومَذَاكير ومَشَابِه (٤) لا آحَادَ لَهَا مُسْتَعْمَلة وإنَّما هِيَ مُرادَةٌ مَتْصُورَةٌ مُعْتَقَدَةُ ، فَكَأَنَّ

__________________

(١) أَخَذَ صاحبُ اللسانِ هَذَا التخريج عن ابن جِنِّي. انظر : اللسان : ١٦ / ١٠٣.

(٢) قال سيبويه : العرب تقول : أَنتَ لاَ مَسَاسِ ، ومَعنَاهُ لاَ تَمُسَّني ، ولا أمَسُّكَ ، دَعْنِي كِفافِ فَهَذَا مَعْدُولٌ عَنْ مُؤنّث وإنْ كَانُوا لَم يَسْتَعْمِلوا فِي كَلاَمِهِم ذَلِكَ المَؤنَّثَ الّذي عُدِلَ عَنهُ. انظر : الكتاب : ٢ / ٣٩.

(٣) البيت بتمامه :

عادلاً غيرَهُـمْ مِنَ الناسِ طُـرا

بِهُمُ ، لا هَمَام لِي لاَ هَمَـامِ

وضمير (غَيرَهُمْ) يَعُودَ عَلَى آلِ البيَتِ الذينَ يَمدَحُهُم بهَذَا البيتِ.

انظر : أساس البلاغة : ٢ / ٥٥٣ واللسان : ١٦ / ١٠٣.

(٤) قال سيبويه : «جَاءَ بعضُ الجمعِ عَلَى غير مَا يُسْتَعْمَل واحداً في الكلامِ نحو : مَذَاكير

٤٧٤

الواحد مَلْمَحَة ، ومَشْبَه ، ولَيْلاَة ، ومِذْكَار أو مِذْكِير أَو نحو ذَلِكَ ، فَكَذَلِكَ (لاَ مَسَاسِ) جَاءَ عَلَى أَنَّهُ قَدْ استُعمِلَ منه في الأمر مساس فنفي عَلَى تصور الحِكايةِ والقولِ وإنْ لَمْ يَأْتِ بِهِ مَسْمُوع ونَظَائِرُهُ كَثِيرةٌ ، وكَذلِك القولُ فِي (هَمَامِ) مِنْ بيِت الكميت (١).

٨ ـ هيهات

قَرَأَ أَبو جَعْفَر والثَّقَفِي : (هَيْهَاتِ هَيْهَاتِ) (٢) بكسر التاءِ غَيْرَ منوّنة.

وقَرَأَ : (هَيْهَات هَيْهَات) عيسى بن عمر.

وقَرَأَ : (هَيْهَاتٌ هَيْهَاتٌ) رَفْعُ مُنَوّنٌ ـ أَبُو حَيْوة.

وقَرَأَ : (هَيْهَاتْ هَيْهَاتْ) مُرْسَلَة التاءِ عِيسى الهَمَدَانِي وَرُويَتْ عَنْ أَبِي عمرو.

قَالَ أَبو الفتح : أَمَّا الفتح ـ وهي قِراءَة العَامَّةِ ـ فَعَلَى أَنَّهُ واحَد ، وهُو اسمٌ سُمِّيَ بِهِ الفِعْلُ فِي الخَبَر ، وهُو اسمُ (بَعُدَ). كَمَا أَنَّ شتَّانَ اسمُ (افتَرقَ) ، وأُواهُ اسمُ (أَتَأَ لَّمُ) ، وَأُفّ اسم (أَتَضَجَّر) وقَدْ ذَكَرْنَا فِي (أُفٌّ) طرفاً صَالِحاً مِنْ هَذَا الحَديثِ (٣) ، ومَنْ كَسَرَ فَقَالَ : (هَيْهَات) منوّناً أَو غَيْرَ منوّن فَهُو جَمْعُ هَيْهَات ، وأَصْلُهُ هَيْهيَات : إلاّ أَنَّهُ حذف الألِف لاَِ نَّهَا فِي آخر اسم غيرِ مُتَمَكّنْ كما حُذِفَتْ يَاءُ الذِي في التثنية إذَا قُلْتَ : اللَّذَانِ وأَلِف ذَا إذَا قُلْتَ : ذانِ ، ومَنْ نَوّنَ

__________________

ومَلامِح» وقَالَ : قَالُوا مَلاَمِح ومَشَابِه ولَيال فَجَاءَ جَمْعُهُ عَلَى حَدِّ مَا لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي الكلامِ لا يقولون ولا مَلْمَحَة ولا ليلاة. الكتاب : ٢ / ٣٠ و ٣٩.

(١) المحتسب : ٢ / ٥٦ ـ ٥٧.

(٢) من قوله تعالى من سورة المؤمنون : ٢٣ / ٣٦ : (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ).

(٣) تنظر : ص : ٤٧٢ والمحتسب : ٢ / ١٨.

٤٧٥

ذَهَبَ إلى التَّنْكِيرِ ، أَيْ : بُعْداً بعداً.

ومَنْ لَمْ يَنُوَّنْ ذَهَبَ إِلى التعريف ، أَرَادَ : البُعْدَ البُعْدَ.

وَمَنْ فَتَحَ وَقَفَ بالهاءِ لاَِ نَّهَا كهاءِ أَرْطَاة وَسِعْلاَة وَمَنْ كَسَرَ كَتَبَها بالتاءِ لاَِ نَّها جَمَاعةٌ ، والكَسْرُ فِي الجماعة بمنزلة الفتحة في الواحد كما أَنَّ سقوط النون من ضَرَبَا بمنزلةِ الفَتْحَةِ فِي ضرب طرداً عَلَى سقوطِ النُّونِ فِي لَنْ يَضْرِبَا بمنزلةِ الفتحةِ فِي أَنْ يَضْرِبَ. فَلَفْظُ البِنَاءِ في هذا كَلَفْظِ الإعراب.

ومَن قَالَ : هيْهاةٌ هيْهاةٌ فَإِنَّهُ يَكْتُـبُهَا بِالهَاء (١) لاَِنَّ أَكْثَرَ القِرَاءةِ (هَيْهَاةَ) بالفَتْحِ ، والفَتْحُ يَدُلُّ عَلَى الإفراد والإفراد بالهاءِ كَهَاءِ أَرْطَاة وعَلقَاةِ ، غَيرَ أَنَّ مَنْ رَفَعَ فَقَالَ (هَيْهَاةٌ) فَإنَّهُ يَحْتَمِلُ أَمْرَينِ : أَحَدُهُما : أَنْ يَكونَ أَخْلَصَهَا اسماً مُعْرَباً فِيهِ مَعْنَى البُعْدِ ولَمْ يَجْعَلْهُ اسماً للفِعْلِ فَيبنيهِ كَمَا بَنَى الناسُ غَيْرَهُ ، وقَولُهُ : (لِمَا تُوعَدُونَ) خَبَرٌ عَنْهُ ، كَأَ نَّهُ قَالَ : البُعْدُ لِوعْدِكُمْ ، كَمَا يَقُولُ القَائِلُ : الخُلْفُ لِمَوعِدِكَ ، والضَّلاَلُ لاِِرشَادِكَ ، والخَيبَةُ لانتجاعِكَ.

والآخر : أَنْ تَكُونَ مبنيّةً عَلَى الضَّمِّ ، كَمَا بُنِيَتْ نَحْنُ عَلَيهِ ، وكَمَا بُنيتْ حَوبُ (٢) عَلَيهِ فِي الزَّجْرِ ، ثُمَّ اعتَقَد فِيهِ التَنْكِير ، فلحقه التنوين عَلَى مَا مَضَى.

ونَحْوٌ مِنْ ذَلِكَ مَا حُكِي عَنْ بَعضِهِم مِنْ ضمّةِ نونِ التثنية في الزَّيْدَانُ والعُمْرَانُ (٣).

__________________

(١) مذهب أَبي عليّ أَنَّها تُكتَبُ بالتَّاءِ. انظر : شرح الأِشموني : ٣ / ١٩٩.

(٢) الحَوْبُ : الجَمَلُ. ثمّ كَثُرَ حَتَّى صارَ زجراً له.

(٣) وهو من الشُّذُوذ بحيثُ لا يقاسُ عليه. وقال الشَّيْبَانِي : ضَمُّ النُّونِ في التثنية لغةٌ ، قال أبو حيَّانَ : يعني مع الأَلف لا مع الياء لأ نَّها شُبِّهَتْ بألفِ غضبانَ وعُثمَانَ وأنشدَ المطرزي

٤٧٦

وأَمَّا (هَيْهَاتْ هَيْهَاتْ) ، سَاكِنَةً بالتاءِ فينبغي أَنْ يَكونَ جَمَاعةً ، وتكتب بالتاءِ ، وذَلِكَ أَنَّهَا لَو كَانَتْ هاءً كهاءِ عَلْقَاة وسُـمَـانَاة (١) للزمَ في الوقفِ عَلَيْهَا أَنْ يلفظ بالهاءِ كَمَا يوقف مع الفتح ، فيقال : هَيْهَاه هَيْهَاه ، فَبقاءُ التَّاءِ فِي الوقْفِ مَعَ السُّكُونِ دَليلٌ عَلَى أَنَّهَا تَاءٌ ، وإِذَا كَانَتْ تاءً فهيَ للجَمَاعَةِ ، وهْو أَمْثَل مِنْ أَنْ يعتقد فيها أَنَّهَا أُجْرِيَتْ فِي الوقْفِ مجراها في الوصلِ مَعَ كَونِهَا تاءً ، كَقْولِنَا : عَلَيهِ السلام والرحمت ، وقوله :

بَلْ جَوزِ تَيْهَاءَ كَظَهْرِ الحَجَفَتْ (٢)

لقلّةِ هَذَا وكثرةِ الأول ، وكَذَلِكَ يَقِفُ الكِسَائِي عَلَيْهَا (٣) وهْو عِنْدِي حَسَنٌ لِمَا ذَكَرْتُهُ. وعُذْرُ مَنْ وقَفَ بالتَّاءِ كونُهَا فِي أَكْثرِ الأمْرِ مُصَاحِبةَ لِلأُخرى مِنْ بَعْدِها ، ولأَ نَّهَا أَيضاً تشبه الفعلَ ، والفعلُ أَبداً متطاولٌ إِلَى الفاعِل ، وهَذَا طريقُ الوصلِ ، ولاَِنَّ الضَّميرَ فيها لَمْ يُوكدْ قَط فَأشبهتِ الفعلَ الَّذي لاَ ضَميرَ فيهِ ، فَكَانَ ذَلِكَ أَدْعَى فِي اللَّفظِ إلَى إدْرَاجها بالتوقِع لَهُ.

__________________

في اليواقيت :

يا أَبَتَا أَرَّقَنِي القِــدَانُ

فالنُّومُ لا تُطْعَمُهُ العَيْنَانُ

والقِدان بالدالِ والذال : البَراغيثُ. انظر : همع الهوامع : ١ / ٤٩ وضياء السالك : ١ / ٧٩.

(١) السُّمَانَاةُ : طائرٌ.

(٢) البيت لِسُؤرِ الذئب. وقوله : (بل جوز تيهاء) أي ربَّ جوزِ تيهاءَ. وجوز التيهاء : وسط المفازة ، والحجفة : الترس من جلد ، وقوله : كظهر الحجفة : أي في الاستواء. انظر : الخصائص : ١ / ٣٠٤ و ٢ / ٩٨ والمخصص : ٩ / ٧ ، ١٦ / ٨٤ ، ٩٦ ، ١٢٠ والإنصاف : ٢٣٢ وشرح المفصل : ٢ / ١١٨ ، ٤ / ٦٧ و ٨ / ١٠٥ ، ٩ / ٨٠ ، ٨١ و ١٠ / ٤٥ ولسان العرب : ١٠ / ٣٨٣ و ١٣ / ٧٤ وشرح شواهد الشافية : ٤ / ٢٠٠.

(٣) انظر : معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٢٣٦ والإرشادات الجلية : ٣١٨.

٤٧٧

والَّذي حَسَّن الوقوفَ عَلَيْهَا حَتَّى نَطَقَ بِالهاءِ فِيها ما أَذْكُرُهُ لَكَ وهُو أَنَّ هيهاة جاريةٌ مَجرَى الفعلِ فِي اقتضائِها الفاعل ، فَإذَا قَالَ : هَيْهَاتَ فَكَأَ نَّهُ قَالَ : بَعُدَ بَعْثُكُمْ ، بَعُدَ إنْشَاؤكُم ، بَعُدَ إخْراجُكُم ، فَإذَا وقَفَ عَلَيهِ أَعْلَمَ أَنّ فِيهِ فَاعلاً مَضْمَراً وأَنَّ الكلمةَ قَدِ اسْتَقَلَّتْ بالضميرِ الذِي فِيهَا ، وإذا وصَلَهَا بالأُخْرَى أَوهم حاجةَ الأولى إلى الآخِرَةِ ، فَأَذِنَ بالوقُوفِ عَلَيْهَا باسْتِقْلاَلِهَا ، وغنائِها عَنْ الأُخْرَى مِنْ بَعْدِهَا ، فَافْهَمْ ذَلِكَ.

ولاَ يَجُوزُ أنْ يَكُونَ قَولُهُ : (لِمَا تُوعَدُونَ) هو الفاعلُ ، لاِنَّ حرفَ الجرِّ لا يكونُ فاعلاً ، ولا يَحْسُنُ اعتقادُ زِيَادَةِ اللاَّمِ هُنَا ، حَتَّى كَأَ نَّهُ قَالَ : بَعُدَ ما تُوعَدُونَ ، لاَِ نَّهُ لَمْ تُؤلَّفْ زِيَادَةُ اللاَّمِ فِي نَحو هَذَا ، وإنَّمَا زِيدَتْ فِي المَوضِعِ الَّذي الغرض بزيادتِها فِيهِ تَمْكينُ مَعْنَى الإضَافةِ ، كَقَولِهِ :

يَا بُؤسَ لِلحَرْبِ الَّتي

وضَعْتَ أراذِلَ فَاسْتَرَاحُوا (١)

وكَقْولِهِ :

 ......

يَا بؤسَ لِلْجَهْلِ ضَرَّاراً لاَِقْوَامِ (٢)

وإذا لَمْ يَكُنْ لها بُدٌّ مِنَ الفاعلِ ولَمْ يَكُنْ الظَّاهِرُ بَعْدَهَا فَاعِلاً لَهَا فَفَيها ضميرُ فَاعل لاَ محالة ، وهو ما قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ.

ومِمَّا نُوِّنَ وهو مَبنيّ عَلَى الضمِّ قَولُهُ :

__________________

(١) البيتُ لِسَعْد بن مالك بن ضبيعة البكري ، جد طَرَفَةَ بن العَبْد البكري والبيت من قصيدة لَهُ في الحربِ التي نشبت بين بكر وتَغلِب لمقتل كليب وقوله : وضعتْ أَراهِط أَيْ : حَطت قوماً بالقعود عنها وأسقطتهم عن مرتبة الشرف والضمير يعود على الحرب. الخصائص : ٣ / ١٠٦ والتمام : ١٢٠ وديوان الحماسة : ١ / ١٩٢ والمغني : ١ / ٢١٦.

(٢) تقدَّم الشاهد في : ص : ٣١٠.

٤٧٨

سلامُ اللهِ يَا مَطَرٌ عَلَيْهَا

ولَيْسَ عَلَيْك يَا مَطَرُ السَّلاَمُ (١)

ومِنْهُ قَوْلُهُمْ فِي الضَّجَرِ : أُفٌّ فِيمَنْ ضَمَّ ونَوّنَ ، ويُؤنُسُكَ باسْتعْمَالِهِم مِنْ هَذَا اللَّفظِ اسماً مُعْرَباً قولُ رؤبة :

هَيْهَاتَ مِنْ مُنْخَرِق هَيْهَـأوهُ (٢)

فَكَأَ نَّهُ قَالَ : بَعُدَ بُعْدُهُ وهْو كَقَولِهِم : جُنَّ جُنُونُهُ ، وضَلَّ ضَلاَلُهُ ، وقَولُهُمْ موتٌ مَائِتٌ ، وشِعْرٌ شَاعِرٌ عَلَى طريقةِ المُبالَغةِ. وهَيْهَاؤهُ إذا فَعْلاَلُهُ ، كَزَلْزَالِهِ ، وقَلْقَالِهِ والهَمْزَةُ فِيهِ مَنْقِلَبِةٌ عَنْ يَاء لاَِ نَّه مِنْ بَابِ حَاحَيْتُ وعَاعَيْتُ (٣).

أسماء الأصوات

وقريب من لفظه ومَعْنَاهُ ما أنْشَدَنَاهُ أَبو عليِّ مِنْ قولِ بَعْضِهِم :

 ......

فَأَرفَعُ الجَفْنَةَ بالهَيْهِ الرَّثِع (٤)

__________________

(١) البِيتِ للأحوص الأنصاري وكَانَ يهوى امرأة ويشبب بهَا ولا يُفصِحُ عَنْهَا فَتَزَوّجَهَا رَجُلٌ اسمه مَطَر فغلب الوَجْدُ والعِشق عَلَى الأحوْص فَقَالَ هَذَا الشّعْر.

انظر : ديوانه : ١٧٣ والكتاب : ١ / ٣١٣ والمقتضب : ٤ / ٢١٤ و ٢٢٤ ومجالس ثعلب : ٧٤ وأمالي الزجاجي : ٥٣ وأمالي الشجري : ١ / ٣٤١ وشرح شذور الذهب : ١٥٣ وشرح ابن عقيل : ٢ / ٢٦٢ والمغني : ٢ / ٣٤٣ والهمع : ٢ / ٨٠ والدرر اللوامع : ٢ / ١٠٥ وشرح الأشموني : ٣ / ١٤٤ والخزانة : ٢ / ١٥٠.

(٢) وفي ديوانه (في) مكان (من). انظر : الديوان : ٤ والخصائص : ٣ / ٤٣.

(٣) قال سيبويه : أما يستعور فالياء فيه بمنزلةِ عضرفوط لأَنَّ الحروفَ الزوائَد لاَ تَلْحَقُ بناتِ الأَربْعَةِ أولاً إِلاّ الميم التي فِي الاسِم الَّذي يَكُونُ عَلَى فِعِله فَصَارَ كفعل بَنَاتِ الثلاثةِ المَزيد ..... ومِثلُهُ عاعَيتُ وحَاحَيتُ وهاهَيْتُ لاَِ نَّك تَقَولُ الهاهاةُ والحَاحَاةُ والحَيْحَاءُ كالزلزلةِ والزَّلزال وقَدْ قَالُوا : معاعاة. انظر : الكتاب : ٢ / ٣٤٧.

(٤) يُروَى (وأَرقع) بالقاف مكان (فأَرفع) بالفاء ، فقد أَنْشَدَ الأزهري عن ابن الأعرابي بلا عُزو :

٤٧٩

فَالهَيهُ المُرَقَّع مِنَ الناس المَرْذُولُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ في إبعادِهِ : هَيْه ، فَسُمِّي بالصوتِ الَّذي يُقَال ، كَمَا قَالَ الآخر :

إذَا حَملتُ بِزَّتي عَلَى عَدَس

فَمَا أُبَالِي مَنْ مَضَى ومَنْ جَلَسْ (١)

يَعْنِي : البَغْلَ ، لاَِ نَّهُ يَقَالُ لَهُ في الزَّجْرِ : عَدَسْ. قَالَ :

عَدَسْ مَا لِعَبَّاد عليك إِمارَةٌ

نجوتِ وهَذَا تَحْمِلينَ طَليقُ (٢)

فالهَيْهَةُ ـ كَمَا تَرَى ـ ثُلاَثِي وهَيْهَاتَ ـ عَلَى مَا مَضى ـ رُبَاعِيّ ، فاللّفْظَانِ أَخَوانِ ، والمعنيانِ مُتَقَارِبانِ ، لاَِنّ هَيْهَات اسم بَعُدَ ، وهَيْه زجرٌ وإبعادٌ ، ونظير هَيْه وهَيْهات قَولُهُم : سَلِسَ وسَلْسَلَ ، وقَلِقَ وقَلْقَلَ ،

__________________

قَدَ أَخْصِمُ الخَصْمَ وآتِي بِالرُّبُعْ

وَأَرْقَـعُ الجَفْنَـةَ بِالهَيْـهِ الرَّثِـعْ

أَخْصِمُ الخَصْمَ : أَغلبُهُ في الخُصُومَةِ ، والرُّبُعُ بضم الباء يريد بِهِ رُبُع الغنيمة ، وروي بفتحها (الرَّبَع) ، وهو فصيل النَّاقة تَضَعُهُ في الربيع ، وهو أول النتاج ، ومعنى آتي بالرَّبَع أقتاده أو أسوقه. والرَّثِع بالرَّاء والثاء المثلثة المكسورة ، وبالعين المهملة الدنئُ الشَّرِهُ الحريصُ الذي لا يبالي ما يأكل وما يفعل ويُقالُ لهُ الهُيْه ، يُريدُ أنَّهُ يُدنيه ويُطعِمَهُ على حالِهِ تلكَ ، ودناءتِهِ. نَقَلَ الأزهري عن ابن الأَعرابي أن الهَيْهَ هو الذي يُزجَرُ فيُقالُ له هِيهِ هِيْهِ ، لدَنَسِ ثِيابِهِ. الرَّثَعُ ، محركة : الدَّناءةُ والشَّرَهُ والحِرْص الشديد ومَيْلُ النفس إِلى دَنيء المَطامِع ، والراثع من يرضى بالطفيف من العطية ، ومن يخادن أخدان السوء ، وفيه دناءة. ينظر في : تهذيب اللغة : ٢ / ٣٢٧ ، و ٤٨١ ـ ٤٨٤ ، ولسان العرب ـ رثع ـ و ـ هيه ـ : ٩ / ٤٧١ ، و ١٧ / ٤٥ ، وتاج العروس : ٢١ / ٦٤ ، و ٣٦ / ٥٥٦.

(١) البِزَّةُ : السِّلاحُ. ويروى (فلا) مكان (فما) و (أو من) مكان (ومن). المخصص : ٦ / ١٨٣ وشرح المفصل : ٤ / ٢٤ ، ٧٩ واللسان : ٨ / ٧.

(٢) البيتُ لِيزيد بن مُفرِغ الحميري قاله بعد أن خرج من سجن عبيد الله بن زياد ، وعباد هو عباد بن زياد بن أبي سفيان وكان يزيد قد هجاه. أمالي الشجري : ٢ / ١٧٠ وشرح المفصل : ٢ / ١٦ و ٤ / ٢٣ و ٢٤ وشرح شذور الذهب : ١٩١ والمغني : ٢ / ٤٦٢ والهمع : ١ / ٨٤ وشرح الأشموني : ١ / ١٦٠ و ٣ / ٢٠٨ وخزانة الأدب ـ بولاق ـ : ٢ / ٥١٤ و ٣ / ٨٩.

٤٨٠