أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

(قراءة السبعة) فكان أوَّل مَنْ سَبَّعَ القراءات السبع (١) وتوَّج بعمله جهود السَّلفِ. ونشطتْ حركة المؤلّفين في زمان ابن مجاهد وبعده (٢) ، فأَ لّف أبو بكر ابن السرّاج (٣) (ت / ٣١٦ هـ) كتاباً يحتجُّ فيه للقراءات الواردةِ في كتاب السَّبعةِ لابن مجاهد ، فاحتجَّ لِمَا وردَ في سورة الفاتحة من قراءات وجزء من سورة البقرة ومات قبل أنْ يُتِمَّ هذا العمل (٤).

وقد ألّف ابنُ مُقَسِّم (٥) (ت / ٣٥٤ هـ) في هذا العلم أربعةَ كتب (٦) ، وأَ لّفَ ابن خالويه (٧) (ت / ٣٧٠ هـ) كتاب الحجّة (٨) والمختصر في شواذ القرآن (٩).

ثمّ جاء أَبو علي الفارسي (ت / ٣٧٧ هـ) فَأَ لّف كتاب الحجّة محتجّاً فيه

__________________

(١) الحجّة : ١ / ٤ وغاية النهاية : ١ / ١٣٩ والنشر : ١ / ٢٤ والبيان في تفسير القرآن : ١ / ١١٤ وتاريخ التراث العربي : ١٦٤.

(٢) النشر : ١ / ٣٤.

(٣) هو أبو بكر محمّد بن السري السرّاج تلميذ المبرِّد وشيخ أَبي علي الفارسي وإليه انتهتِ الرئاسةُ في النحو بعد الزجّاج. توفي (سنة / ٣١٦ هـ). نور القبس : ٣٤٢ وإنباه الرواة : ٣ / ١٤٥ وغاية النهاية : ٢ / ١٤٢.

(٤) الحجّة : ١ / ٤.

(٥) هو أبو بكر محمّد بن الحسن بن مقسم أَحد القرّاء ببغداد. انظر الفهرست : ٣٣ وغاية النهاية : ٢ / ١٢٥.

(٦) الفهرست : ٣٣.

(٧) هو أَبو عبد الله الحسين بن أحمد بن خالويه ، قرأ على أبي سعيد السيرافي وغيره توفي في حلب. الفهرست : ٨٤ وبغية الوعاة : ٢٣١.

(٨) حقّقه عام ١٩٧١ م الدكتور عبد العال سالم مكرم.

(٩) نشره براجشتراسر سنة ١٩٣٤ م.

٢١

للقراءات السبع التي جمعها ابن مجاهد ، وجاء أَبو الفتح بن جني (ت / ٣٩٢ هـ) فَأَ لّف المحتسب في الاحتجاج للقراءات الشاذّة.

ولا يسعنا أَن نذكر هنا أَمثلةً من الاحتجاج للقراءات في هذه المؤلّفات ، إِنّما نكتفي بشاهد من احتجاج الفرّاء للقراءات في كتابه (معاني القرآن). فقد قال في قوله تعالى : (وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِك) (١) : في الحق النصب والرفع (٢). إِنْ جعلتَ (هو) اسماً رَفعتَ (الحقَّ) بـ (هو) وإِنْ جعلتَها عِماداً بمنزلةِ الصِّلةِ نصبتَ (الحَق) (٣).

__________________

(١) سورة الأنفال : ٨ / ٣٢.

(٢) النصب على قراءة العامّة والرفع قراءة زيد بن علي (عليهما السلام) والمطوَّعي عن الأعمش. مختصر في شواذ القرآن : ٤٩ والبحر المحيط : ٤ / ٤٨٨.

(٣) معاني القرآن للفرّاء : ١ / ٤٠٩.

٢٢

اختلاف القراءات

إِنَّ أَوجه الاختلاف في القراءات هي (١) :

١ ـ الاختلاف في حركة الكلمة من غير تغيير المعنى والصورة نحو : (إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ) (٢) قُرِئَتِ الآيَة بضمّ القاف وفتحها (٣).

٢ ـ الاختلاف في الحركات مع تغيير المعنى لا الصورة نحو : (رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) (٤) فقد قرئ (٥) : (فَقَالُوا رَبُّنَا بَاعَدَ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) (٦) بضمّ الباء وفتح الدال.

__________________

(١) اُنظر : تأويل مشكل القرآن : ٣٦ ـ ٣٩ والنشر : ١ / ٢٦ والقراءات واللهجات : ١٤ وتاريخ القرآن للأبياري : ١٢٧ وقراءة ابن كثير وأثرها في الدراسات النحوية : ١١٦.

(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٤٠ وبعدها (فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ).

(٣) قرأ أبو بكر والكسائي وخلف بضمّ القاف ووافقهم الأعمش وقرأ الباقون بالفتح.

انظر : النشر : ١ / ١٠٨.

(٤) سورة سبأ : ٣٤ / ١٩ ، وعلى هذه القراءة تكون الآية جملة إنشائية ، و (رَبَّنَا) منادى منصوب ، و (بَاعِدْ) فعل أمر مبني على السكون.

(٥) الثانية قراءَة يعقوب والأُولى قراءة الباقين. انظر : إتحاف فضلاء البشر : ٣٥٩ وبالثانية قرأ يحيى بن يعمر. انظر : مختصر في شواذ القرآن : ١٢١.

(٦) على هذه القراءة تكون الآية جملة خبرية باُسلوب الشكوى ، و (رَبُّنا) مبتدأ مرفوع ، و (بَاعَدَ) فعلُ ماض مبني على الفتح وفاعله ضميرٌ مُستَتِرٌ ، و (بين) على القراءتين مفعولٌ به لا ظرف وجملة (بَاعَدَ بين أسفارنا) خبر المبتدأ.

٢٣

٣ ـ الاختلاف في الحروف مع تغيير المعنى من غير تغيير الصورة نحو : (وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا) (١) قُرِئ بالنون المضمومة وبالزاي وقرئ بالنون المضمومة وبالراء (٢).

٤ ـ الاختلاف في الحروف مع تغيير الصورة لا المعنى نحو : (كَالعِهْنِ المَنْفُوشِ) (٣) قرئ (كالصوفِ المنفوش) (٤).

٥ ـ الاختـلاف في الحروف مع تغيير المعنى والصورة نحو : (وطَلْح مَنْضُود) (٥) قُرِئت (وَطَلْع) بالعين (٦) وقد عدَّ ابنُ الجزري (٧) من هذا الباب قراءة : (فامضوا إِلى ذِكْرِ اللهِ) (٨) في قوله تعالى : (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ) (٩) ، وعدَّ الأُستاذ عبد الوهاب حمودة (١٠) من هذا الباب أَيضاً قراءة : (كالصَّوفِ

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٥٩.

(٢) قرأَ ابنُ عامر وعاصم وحمزة وخلف والكسائي بالزاي والباقون بالراء وعن الحسن أَنَّهُ قرأ بالنون المفتوحة والشين المضمومة والراء. اُنظر : إتحاف فضلاء البشر : ١٦٢.

(٣) سورة القارعة : ١٠١ / ٥ ، وقبلها : (وَتَكُونُ الجِبَالُ).

(٤) قراءة ابن مسعود. انظر : مختصر في شواذ القرآن : ١٧٨ ومفاتيح الغيب (تفسير الرازي) : ٨ / ١٦٥.

(٥) سورة الواقعة : ٥٦ / ٢٩.

(٦) قراءة الجمهور بالحاء وعلي وجعفر بن محمّد (عليهم السلام) وعبد الله بالعين.

انظر : مختصر في شواذ القرآن : ١٥١ والبحر المحيط : ٨ / ٢٠٦ والكشاف : ٤ / ٥٨.

(٧) النشر : ١ / ٢٦.

(٨) قراءة ابنِ مسعود وعمرَ بنِ الخطابِ وابنِ الزبيرِ.

اُنظر : مختصر في شواذ القرآن : ١٥٦ والتبيان : ١٠ / ٨.

(٩) سورة الجمعة : ٦٢ / ٩.

(١٠) القراءات واللهجات : ١٥.

٢٤

المنفوشِ) (١) بدلاً من : (كَالعِهْنِ المَنْفُوشِ) (٢) ويبدو أَنَّ هذين المثالين يدخلان في الباب الرابع.

٦ ـ الاختلاف بالتقديم والتأخِير نحو : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الموتِ بالحَقِّ) (٣) حيث قُرِئ فيها : (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الحَقِّ بالمَوْتِ) (٤).

٧ ـ الاختلاف بالزيادة والنقصان نحو : (إِنَّ اللهَ هُوَ الغَنِيُ الحَمِيدُ) (٥) فقد قُرِئ فيها (إِن الله الغَنِيُ الحَمِيدُ) (٦).

هذِا هو الاختلاف الجوهري في القراءات وقد ذَكَرَه كلٌّ من ابن قتيبة (٧) وأبو الفضل الرازي وابن الجَزري (٨) ، وأسبقهم ابن قتيبة.

وأَمَّا نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم والإشمام والتفخيم والترقيق والنقل مِمَّا يُعبَّر عنه بالأُصول فهذا ليس من الاختلاف الذي يتنوع فيه اللفظ والمعنى لأنَّ هذهِ الصفات المتنوعة في أداء اللفظ لاتخرجه عن أنْ يكونَ لفظاً واحداً ، وَلَئِن فرض فيكون في الوجه الأَوّل وهو الذي لا تتغير فيه الصورة والمعنى (٩). وهذا الاختلاف جعله الرازي أَحدَ الوجوه في تقسيمه (١٠).

__________________

(١) قراءة ابن مسعود. اُنظر : مختصر في شواذ القرآن : ١٧٨ ومفاتيح الغيب (تفسيرالرازي) : ٨ / ١٦٥.

(٢) سورة القارعة : ٥٦ / ٥ ، وقبلها : (وَتَكُونُ الجِبَالُ).

(٣) سورة ق : ٥٠ / ١٩.

(٤) قراءة أبي بكر وابن مسعود. انظر : الكشاف : ٤ / ٢١.

(٥) سورة لقمان : ٣١ / ٢٦.

(٦) كما ثبت في مصحف أُبَيّ بن كعب. انظر : البحر المحيط : ٥ / ٥٤٤.

(٧) تأويل مشكل القرآن : ٣٦ ـ ٣٩.

(٨) النشر : ١ / ٢٦ ـ ٢٨.

(٩) النشر : ١ / ٢٦.

(١٠) النشر : ١ / ٢٧ والقرآن والنحو : ١٥.

٢٥

أسباب اختلاف القراءات

إنّ العربَ يومَ بُعِثَ بينَهم النبيُّ محمّدٌ صلّى الله عليه وآله كانتْ لَهُم لهجات مختلفة ، وما زالوا على لهجات شتّى ، وقد نزلَ القرآنُ بلهجةِ قريش فشقَّ على غيرِهم أَنْ يقرؤوا باللهجة التي نَزَلَ بِهَا ، لذلك زعم بعضهم أن النبي صلّى الله عليه وآله أذن لهم أنْ يقرؤا القرآن بلحونهم ولهجاتِهم ، تَسْهِيلاً عَليْهم وتيسيراً لقراءةِ القرآن وتلاوتِهِ (١).

ولذلك نسبوا إلى النبي صلّى الله عليه وآله بناء على حديث موضوع أنّه قال : «إِنَّ هَذا القرآن أُنزل على سبعةِ أَحرف فاقرؤوا ما تيسّر منه» (٢). وقالوا إِنَّ المقصودَ بالسبعةِ التوسعةُ على القارئ ولم يقصد الحصر (٣).

وأهم ما يذكر من الأسباب التي دعت إلى تعدِّد القراءات :

١ ـ زعمهم اختلاف قراءة النبيّ صلّى الله عليه وآله واستدلّوا على ذلك باختلاف عمر وهشام بن حكيم بن حزام حول قراءة سورة الفرقان وزعموا أَنَّ كلاًّ منهما سمعَ ما قرأ من النبيّ صلّى الله عليه وآله ، وأنّهما

__________________

(١) انظر : أطوار الثقافة والفكر : ٧٨.

(٢) صحيح البخاري : ١ / ١٧٥ وتأويل مشكل القرآن : ٣٣ ونص الحديث أخذناه عن البخاري وهو في تأويل مشكل القرآن بلفظ يختلف قليلاً.

(٣) البرهان : ١ / ٢١٢.

٢٦

رجعا إليه صلّى الله عليه وآله فقال : لكلّ منهما : كذلك أنزلت (١).

٢ ـ تقرير النبي صلّى الله عليه وآله لقراءات المسلمين المختلفة.

قال عبد الله بن مسعود : ولقد رأَيتنا نتنازع عِندَ رَسولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله فيأمرنا فنقرأ عليه فيخبرنا أَنَّ كُلَّنَا محسن (٢).

٣ ـ ومن أخطر ما زعموه اختلاف النزول فيما ذهب إِليه صاحب المباني (٣) حيث يرى أَنَّ سبب اختلاف القراءات هو اختلاف النزول (٤).

وكلّ ما ذكروه إن لم يغيّر صورة اللفظ ومعناه وحروفه من غير تقديم ولا تأخير ولا زيادة ولا نقصان واقتصر على القراءة المقبولة بشروطها فهو مقبول ، وإلاّ فهو باطل لا نقبله ، فعن الإمام الصادق عليه السّلام في رواية سفيان بن السمط قال :

«سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن تنزيل القرآن ، فقال : اقرؤوا كما علمتم» (٥). وهذا إمضاء للقراءات الصحيحة الثابتة المشتملة على سائر الشروط المطلوبة والتي لا تتعدّى ـ في الأعم الأغلب ـ الوجه الأول من وجوه الاختلاف في القراءات الذي مرّ سابقاً.

وفي رواية الفضيل بن يسار قال : «قلت لأبي عبد الله عليه السّلام : إنّ الناس يقولون : إنّ القرآن نزل على سبعة أحرف ، فقال : كذبوا أعداء الله ،

__________________

(١) انظر : صحيح البخاري : ٥ / ١٨٥.

(٢) إعجاز القرآن : ٤٩.

(٣) هو مؤلف مجهول ألّف كتاب المباني في نظم المعاني (سنة / ٤٢٥ هـ) ويرجح المستشرق آرثر جفري إنّه من علماء المغرب.

(٤) مقدّمتان : ١٧٠ ـ ١٧١.

(٥) أصول الكافي : ٢ / ٦٣١ / ١٥ باب النوادر من كتاب فضل القرآن.

٢٧

ولكنّه نزل على حرف واحد من عند الواحد» (١).

وهذا يناسب اختلاف القراءة من الوجه الأول المذكور ، ولا يناسب الوجوه الأخرى ، ولا قولهم إنّ القرآن إنّما هو من قبيل : هلم ، وتعال ، وأقبل ، بل رواية الفضيل فيها تكذيب صريح لذلك.

والأسباب الثلاثة المتقدّمة معتمدة على روايات موضوعة.

٤ ـ اختلاف نسخ المصاحف العثمانية.

وقد تبنّى الزمخشري هذا الرأي وفي المحتسب ما يشير إلى وجود اختلاف في نسخ المصاحف (٢).

قال في الكشاف عند قوله تعالى : (وَكَذَلِك زَيَّنَ لِكَثِير مِّنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلاَدِهِمْ شُرَكآؤُهُمْ) (٣).

وأما قراءة ابن عامر (٤) برفعِ القتلِ ونصبِ الأولادِ وجرِّ الشركاءِ على إِضافةِ القتلِ إِلى الشركاءِ والفصل بينهما بغيرِ الظرفِ ، فالذي حَمَلَهُ على ذَلِك أنْ رَأى في بعضِ المصاحفِ (شُرَكَائِهمْ) مكتوباً بالياءِ (٥) ويذهبُ هذا المذهب من المستشرقين آرثر جفري إِذْ يقول : «وَجَدَ القرَّاءُ في المصاحفِ التي بعثَها عثمانُ إلى الأقطارِ اختلافاً في بعضِ الحروف» (٦).

__________________

(١) أصول الكافي : ١ / ٦٠٣ / ١٣ من الباب السابق.

(٢) المحتسب : ١ / ٣٠٩.

(٣) سورة الأنعام : ٦ / ١٣٧.

(٤) هو عبد الله بن عامر اليحصبي إمام أهل الشام في القراءة قِيْلَ أَنّهُ عَرَضَ على عثمانَ.

توفي (سنة / ١١٨ هـ). غاية النهاية : ١ / ٤٢٥.

(٥) الكشاف : ٢ / ٤١.

(٦) المصاحف : ٧.

٢٨

وقد عَلَّلَ أبو عمرو الداني (ت / ٤٤٤ هـ) ذلك بِأَنَّ عثمانَ لمَّا جمَعَ القرآنَ في المصاحفِ ونسخَها على صورة واحدة فَرَّقَ الحروفَ المختلفةُ في المصاحفِ لكي تحفظَها الأُمّة كَما نَزَلَتْ مِنْ عِنْدِ اللهِ (١) وكيفَ يكونُ اختلافُ المصاحفِ سبباً لاختلافِ القراءةِ ، والقراءةُ أَسبقُ مِنْ نسخِ المصاحفِ العثمانيةِ؟ فلا يمكن أَنْ يكون نسخُ المصاحفِ علّةً لاختلافِ القراءاتِ بلِ العكس. وَلِهذا يُقَالُ : إِنَّ «أَسبَابَ اختلافِ المصاحفِ العثمانية فيما بينَها يرجعُ في الأغلبِ إلى القراءاتِ» (٢).

٥ ـ وَيعُدُّ المستشرقُ آرثر جفري (٣) أنَّ مِنْ أَسباب اختلاف القراءةِ هو اعتمادُ مصاحفِ الصحابةِ (٤) غير المصحف العثماني.

ولا إِشكالَ في أنَّ الصحابةَ كانوا قد كتبوا مصاحفَ لَهُم خاصّة ومصحف عثمان يخالفُها بعَض المخالفة (٥) وهو الذي جمع عثمان الناس عليه ، وأمر بكلّ ماسواه أنْ يُحرَقَ (٦) ، وقد كانَ بعضُ الصحابةِ يكتبُ التفسيرَ في مصحفهِ مع الأصلِ (٧) ، فليَس كُلُّ مافي مصاحفِ الصحابةِ قرآناً. إِنَّما القرآنُ هُوَ المنزلُ على رَسُولِ اللهِ صلّى الله عليه وآله المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة (٨).

__________________

(١) المقنع : ١٢٣ ـ ١٢٤.

(٢) القراءات واللهجات : ١١٢.

(٣) المصاحف : (المقدّمة) : ٧.

(٤) انظر : ما كتبه الدكتور عبد الصبور شاهين في كتابه تاريخ القرآن : ١٢٥ عن آرثر جفري وغيره من المستشرقين.

(٥) القراءات واللهجات : ٩٧.

(٦) النشر : ١ / ٧.

(٧) النشر : ١ / ٣١.

(٨) القراءات واللهجات : ٩٩.

٢٩

وَإنَّ هَذا الَّذِي يُقَرِّرُهُ آرثر جفري سببُه جهلُ المستشرقينَ بأسلوبِ تلقّي المسلمينَ القرآنَ ، إذا أردنا إِحسان الظنِّ بهم ، (فإنّ الاعتماد في نقل القرآنِ على حفظِ القلوبِ والصدورِ لا على حفظِ المصاحفِ والكتبِ) (١).

٦ ـ اختلاف الروايةِ عن الصحابةِ والتابعينَ.

يقولُ ابنُ مجاهد (ت / ٣٢٤ هـ) : ورويتِ الآثارُ بالاختلافِ عن الصحابةِ والتابعينَ توسعةً ورحمةً بالمسلمين (٢).

وَقَد ذَهَبَ إلى هذا الرأي ابن أَبي هاشم (٣) (ت / ٣٤٩ هـ) (٤).

وَيَرى السيدُ أبو القاسمِ الخوئي ـ تبعاً لما ورد عن أهل البيت (عليهم السلام) ـ أنَّ اختلافَ القراءةِ قد جاءَ مِنْ قِبَلِ الرواةِ (٥).

٧ ـ اختلاف اللغاتِ واللهجاتِ.

قال بهذا ابن قتيبة (ت / ٢٧٦ هـ) (٦) وابن الجَزَري (ت / ٨٣٣ هـ) (٧) وتبنّى هذا الرأي بعضُ المُعاصرين (٨).

__________________

(١) النشر : ١ / ٦.

(٢) السبعة : ٤٥.

(٣) هو عبد الواحد بن عمر بن محمّد بن أبي هاشم أبو طاهر البغدادي البزار ، أخذ القراءة عن ابن مجاهد وغيره. وهو والد محمّد بن أبي عمر الزاهد غلام ثعلب.

انظر : غاية النهاية : ١ / ٤٧٥.

(٤) البيان في تفسير القرآن : ١ / ١١٦.

(٥) البيان في تفسير القرآن : ١ / ١٣٥.

(٦) تأويل مشكل القرآن : ٣٩.

(٧) النشر : ١ / ٢١ ـ ٢٢.

(٨) انظر : الشعر الجاهلي : ٣٤ وفي الأدب الجاهلي : ١١٩ وأطوار الثقافة والفكر : ١ / ٨٠ وتاريخ القرآن لإبراهيم الأبياري : ١١٨ و ١٣٠.

٣٠

وَأَرجع بعضُ الباحثينَ الصفاتِ الصوتيةَ كالفَتْحِ والإِمالةِ والإِدغامِ والهمز إلى اختلاف اللهجات (١).

وجاؤوا بأحاديثَ زَعَموا أنَّ هدفَها التَّيْسيرُ (٢) على المسلمينَ والتَّوسِعَةُ ، وقالوا ماأَرادَ الرَّسُولُ (صلى الله عليه وآله) أنْ يأخذَ المسلمينَ بالشدّةِ ويثقلَ عليهم.

٨ ـ عدم نَقْطِ المصاحفِ الأئمّةِ وَشَكْلِها واجتهادُ القراءِ في القراءَةِ وقَدْ ذَهَبَ إِلى هذا المستشرقونَ نولدكه (٣) وجولد تسيهر (٤) وآرثر جفري وبلاشير (٥). وقد تصدّى عدد من الباحثين للردّ على جولد تسيهر (٦) وذهب إلى هذا الرأي أيضاً السيّد أبوالقاسم الخوئي (٧) وغيره (٨).

__________________

(١) في اللهجات العربية : ٥٨ وتاريخ التراث العربي : ١ / ١٤٥.

(٢) مناهل العرفان : ١ / ٢٣٨.

(٣) تاريخ القرآن للدكتور عبد الصبور شاهين : ٨٢ ـ ٨٤ والمصحف المرتّل : ٢٠٠.

(٤) مذاهب التفسير الإسلامي : ٨.

(٥) مقدّمتان : ٢٧٤ ومقدّمة كتاب المصاحف : ٤ وتاريخ القرآن للدكتور عبد الصبور شاهين : ٨٤ والمصحف المرتّل : ٢٠٠ والقرآن نزوله وتدوينه : ٣٣.

(٦) انظر على سبيل المثال ما كتبه :

عبد الوهاب حمودة : القراءات واللهجات : ١٨٢ وما بعدها.

والدكتور لبيب سعيد : المصحف المرتّل : ٢٠٠ وما بعدها.

والدكتور عبد الرحمن السيّد : مجلة المربد : ١ / ٨٧ السنة الأولى.

والدكتور عبد الصبور شاهين : تاريخ القرآن : ٨٢ وما بعدها.

والدكتور عبد العال سالم مكرم : القرآن الكريم وأثره : ٢٣ وما بعدها.

ومحمّد طاهر الكردي في كتابه : تاريخ القرآن : ١١٣ وما بعدها.

(٧) البيان في تفسير القرآن : ١ / ١١٦.

(٨) انظر : ما كتبه جواد علي في مجلة المجمع العلمي العراقي المجلد / ٣ الجزء / ٤

٣١

٩ ـ القراءة بالمعنى.

يقول بهذا المستشرق بلاشير وغيره وقد تصدّى للردّ عليهم بعض الباحثين (١).

ولعلّ أَقوى سبب عندهم هوَ اختلافُ اللهجاتِ ولكن لا على أَساسِ أَنَّ القرآنَ تتقاسَمُهُ اللهجاتُ حسبَ الهوى وَلَكنّ اللهجاتِ المختلفةَ كانت سبباً ـ كما يرون ـ في صدور الرُّخْصَة ـ على زعمهم ـ بقراءة القرآن قراءات متعدِّدة ومعيَّنَة زعموا أنَّ النبيّ صلّى الله عليه وآله قرأ بها ، أو أقرَّ القراءةَ بِهَا تَسهيلاً على المسلمين لأنَّ القراءَةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ (٢).

ابن مجاهد والقرّاء السبعة

فاقَ ابنُ مجاهد في عصرهِ سائرَ نظرائهِ مِن أَهلِ صناعتِهِ معَ اتساعِ علمهِ وبراعةِ فهمهِ وصدق لهَجته وظهور نسكه (٣).

وقال ابن جني وَهوَ يصفُ كتابَهُ في الشواذِّ : «هوَ أثبتُ في النفسِ من كثير مِنَ الشواذِّ المحكيةِ عَمَّنْ لَيْسَتْ لَهْ روايتُهُ ، ولا توفيقه

__________________

الصفحة ٨٩ وما كتبه الدكتور إبراهيم السامرائي في كتابه مباحث لغوية : ١٨٩ ـ ١٩١ وما كتبه عبد المتعال الصعيدي في مجلة الرسالة العدد : ٤٨٨ نوفمبر ١٩٤٢ م صفحة ١٠٥١ وقد ردّ عليه محمّد عزت عرفة في مجلة الرسالة العدد : ٤٨٩ في ١٦ من نوفمبر ١٩٤٢ م الصفحة ١٠٧١.

(١) انظر : آراء المستشرقين والردّ عليهم في : تاريخ القرآن للدكتور عبد الصبور شاهين : ٨٢ وما بعدها.

(٢) الكتاب ـ بولاق ـ : ١ / ٧٤ والكتاب ـ تحقيق هارون ـ : ١ / ١٤٨ والحُجَّة : ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢ وإعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم : ٢٤ و ٤٢ و ٥٤ والمحتسب : ١ / ٢٣٣ و ٢٩٢ والإتقان : ١ / ٢٦٠ والقراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة : ٤١.

(٣) قراءة ابن كثير وأثرها : ٧٠.

٣٢

ولا هدايته» (١).

اختيارُ ابن مجاهد للقراءات

لقد تَعَدَّدَ القراءُ الذينَ أَخذوا عنِ الصحابةِ والتابعينَ حتى بَلَغُوا حَدّاً لا يحصى وانتشروا في الآفاق وظهر في كُلّ مصر مِنَ الأمصارِ عددٌ مِنَ القُرَّاءِ ، كانَ الناسُ يقرأون بقراءاتِهم. وفي المائة الثالثة اتسع الخرق وقلّ الضبط فتصدّى بعضُ الأئمّة لضبط ما رواه من القراءات فكان أوَّلُ إمام معتبر جمع القراءات في كتاب هو أبو عبيد القاسم بن سلام (ت / ٢٢٤ هـ) ثمّ أحمد بن جبير الأنطاكي (ت / ٢٥٨ هـ) وجمع الطبري (ت / ٣١٠ هـ) نيّفاً وعشرين قراءةً ثُمَ جاءَ ابنُ مجاهد (ت / ٣٢٤ هـ) فاقتصر على قراءة القرّاء السبعة (٢).

القُرَّاء والقِراء السبعة

من هم القرّاءُ السبعةُ الذينَ اختارَ ابنُ مجاهد قراءاتِهم؟ إِنّهم :

١ ـ عبد الله بن عامر اليحصبي الدمشقي (ت / ١١٨ هـ) (٣).

٢ ـ عبد الله بن كثير بن عمرو المكي (ت / ١٢٠ هـ) (٤).

٣ ـ أبو بكر عاصم بن بهدلة الكوفي (ت / ١٢٧ هـ) (٥).

٤ ـ أبو عمرو بن العلاء البصري (ت / ١٥٤ هـ) (٦).

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣٥.

(٢) النشر : ٢٤ ، ٣٣ ـ ٣٤.

(٣) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ١ / ٤٢٤.

(٤) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ١ / ٤٤٣ والبيان : ١ / ٩٤.

(٥) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ١ / ٣٤٦ والبيان : ١ / ٩٥.

(٦) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ١ / ٢٨٨.

٣٣

٥ ـ حمزة بن حبيب الزيات (ت / ١٥٦ هـ) (١).

٦ ـ نافع بن عبد الرحمن بن أبي نُعَيم المدني (ت / ١٦٩ هـ) (٢).

٧ ـ علي بن حمزة الكسائي (ت / ١٨٩ هـ) (٣).

وقد أَلحق المحقّقون بهؤلاء السبعة ثلاثة قرّاء هم : (٤)

٨ ـ خلف بن هاشم البزار البغدادي (ت / ١٢٩ هـ) (٥).

٩ ـ يزيد بن القعقاع المدني (ت / ٢٣٠ هـ) (٦).

١٠ ـ يعقوب بن إسحاق الحضرمي البصري (ت / ٢٠٥ هـ) (٧).

ثمّ أضاف بعضهم أربعةً من القراء فأصبح عددهم أربعةً عشر قارئاً (٨) أما الأربعة الذيَن أُلحِقُوا فهم :

١١ ـ الحسن البصري (ت / ١١٠ هـ) (٩).

١٢ ـ محمّد بن محيصن (ت / ١٢٣ هـ) (١٠).

١٣ ـ يحيى بن المبارك اليزيدي (ت / ٢٠٢ هـ) (١١).

__________________

(١) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ١ / ٢٦١ والبيان : ١ / ٩٩.

(٢) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ٢ / ٣٣٠ والبيان : ١ / ١٠٠.

(٣) انظر : ترجمته في مراتب النحويين : ١٢٠ وغاية النهاية : ١ / ٣٣٥.

(٤) مناهل العرفان : ١ / ٤٥٦.

(٥) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ١ / ٢٧٢ والبيان : ١ / ١٠٣.

(٦) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ٢ / ٣٨٢ والبيان : ١ / ١٠٢.

(٧) انظر : ترجمته في إنباه الرواة : ٤ / ٤٥ وغاية النهاية : ٢ / ٣٨٦.

(٨) مناهل العرفان : ١ / ٤٥٧.

(٩) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ١ / ٢٣٥ ومناهل العرفان : ١ / ٤٦٥.

(١٠) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ٢ / ٢٦٧ ومناهل العرفان : ١ / ٤٦٥.

(١١) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ٢ / ٣٧٥ ومناهل العرفان : ١ / ٤٦٥.

٣٤

١٤ ـ سليمان بن مهران الأعمش (ت / ١٤٨ هـ) (١).

ووضع بعضهم مكانه محمد بن أحمد بن إبراهيم الشنبوذي (ت / ٣٨٨ هـ) تلميذ ابن شنبوذ (٢) ، وليست القراءة مقتصرة على هؤلاء الذين ذكرنا ، انَّمَا هؤلاء المشهورون منهم (٣).

نقد اختيار ابن مجاهد للقراءات

وَلاَ نَجِدُ عِنْدَ ابن مجاهد ما يُبَيّنُ سر اختيارهِ للسبعة الذين اختارهم.

ويرى الدكتور شوقي ضيف «أَنّ أَحداً لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يُرَاجِعَ ابنَ مجاهد في مَنْ رَأْى تقديمَهُ على القراءِ مِنْ هؤلاءِ السبعة ، فقد ارتضوهم جميعاً ومعنى ذلك انهم ارتضوا اجتهاده في تقديمهم» (٤).

غير أنّنا وجدنا أنّ عَدَداً من العلماءِ قد راجعَ ابنَ مجاهد فيهم.

يقول مكي بن أبي طالب القيسي (٥) (ت / ٤٣٧ هـ) : «ذكر الناسُ من الأئمّة أَكثر من سبعين مِمَّنْ هو أعلى رُتبةً وأجلّ قدراً من هؤلاء السبعة على أنَّهُ ترك جماعة من العلماء في كتبهم في القراءات ذكر بعض هؤلاء السبعة واطَّرَحَهُمْ ، فقد ترك أَبو حاتِم (٦) (ت / ٢٥٥ هـ) ذكر حمزة والكسائي

__________________

(١) انظر : ترجمته في غاية النهاية : ٢ / ٥٠ وإتحاف فضلاء البشر : ٧.

(٢) مناهل العرفان : ١ / ٤١٧ ومباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح : ٢٥٠.

(٣) النشر : ١ / ٣٣.

(٤) السبعة : المقدّمة : ٢٠.

(٥) هو أبو محمد مكي بن أبي طالب بن حموش القيسي شيخ القراءات والمجوِّدِين وُلد (سنة / ٣٥٥ هـ) بالقيروان. إنباه الرواة : ٣ / ١١٥ وغاية النهاية : ٢ / ٣٠٩ وبغية الوعاة : ٣٩٦.

(٦) تقدّمت ترجمته في الحاشية الثامنة ، ص : ١٧.

٣٥

وابن عامر وزادوا نحو عشرين رجلاً من الأئمّة مِمَّنْ فوق هؤلاء السبعة» (١).

ومثله فعل أبو حيان الأندلسي (٢) (ت / ٧٤٥ هـ) (٣).

ويعتقد مكي بن أبي طالب (ت / ٤٣٧ هـ) أنَّ ابنَ مجاهد إنِّمَا جعلَ عددَ القراء سبعة لسببين :

١ ـ إنَّه جعلَ عددَ القراء على عدد المصاحف العثمانية.

٢ ـ إنَّهُ جعلَ عددَهم على عددِ الحروفِ التي نزلَ بها القرآن وهي ـ بزعمه ـ سبعة (٤).

ولم يسلم عمل ابن مجاهد من النقد فقد كَرِهَ كثيرٌ من العلماء المتقدمين اقتصارهُ على سبعة من القراءِ وخطّؤوه في ذلك وقالوا : ألاَ اقتصرَ على ما دونَ هذا العَدَدِ أو زادَهُ (٥)؟!!

وإِنَّمَا كَرِهُوا ذلِك لأَنَّ بَعضَهم اعتقدَ بصحَّةِ نزولِ القرآن على سبعةِ أحرف وَلأَنَّ بعضَ من لا عِلمَ لَهُ اعتقدُ أَنَّ القراءاتِ الصحيحةَ هي التي عن هؤلاءِ السبعة ، وأَنَّ الأَحرفَ السبعةَ التي أَشار إليها النبيّ (صلى الله عليه وآله) ـ فيما نسبوا إليه ـ هي قراءة هؤلاءِ السبعة (٦) وهذا مجرّد وهم.

قال المهدوي (٧) (ت / ٤٣٠ هـ) : «لقد فعل مُسَبّعُ هؤلاءِ السبعة ما لا ينبغي

__________________

(١) الإبانة : ٦ ـ ٧ والنشر : ٣٦ ـ ٣٧.

(٢) هو محمّد بن يوسف أثير الدين أبو حيَّان النحوي الأَندلسي شيخ العربية والأَدب والقراءات. غاية النهاية : ٢ / ٢٨٥ وأبو حيَّان النحوي : ٢١.

(٣) النشر : ١ / ٤٠ ـ ٤١ والإتقان : ١ / ٢٧٤.

(٤) الإبانة : ٥١ ومنجد المقرئين : ٧٣.

(٥) النشر : ١ / ٣٦.

(٦) النشر : ١ / ٣٥.

(٧) هو أحمد بن عمار المهدوي نسبة إلى المهدية في المغرب أستاذ مشهور ألّفَ تفسيراً

٣٦

أن يفعله وأشكلَ على العامةِ حتى جهلوا ما لم يسعهم جهله وأوهم كُلَّ من قلَ نظرُهُ أَنَّ هذهِ هي المذكورةُ في الخبر النبوي (١) لا غير وأَكّد وَهْمَ السابقِ اللاحقُ وَلَيْتَهُ إذْ اقتصرَ نَقَّصَ عَنَ السبعةِ أو زادَ ليزيلَ هذهِ الشبهةَ» (٢).

وإِنَّ الناس إنما ثَمَّنوا القراءاتِ وعشرُوهَا أَو زادُوا على عَدَدِ السبعةِ الذين اقتصَرَ عليهم ابنُ مجاهد لإزالة هذهِ الشبهة (٣).

واتُّهِم ابنُ مجاهد بأ نّهُ ادّعى ما ليس عندَهُ ، فأخطأ بسبب ذلك الناس ، لاِ نّهُ قال في ديباجةِ كتابهِ : «ومخبر عن القراءةِ التي عليها الناس بالحجازِ والعراقِ والشامِ» (٤) ، وليس كذلك ، بل ترك كثيراً مِمَّا عليه الناسُ في هذهِ الأمصار في زمانهِ (٥) ولم يَشأ بعضُ العلماءِ أنْ يسكتَ عنْ صنيع اِبن مجاهد فأ لّفَ مِثلَهُ في قراءاتِ بعضِ الأئمّةِ وَلَكنّهُ لم يتقيّد بالعددِ الذي تقيّدَ به بل زادَ عليهِ أو نقص منه (٦). فأ لّف بعضُهم في القراءات الست (٧) وبعضهم في القراءات الثمان (٨) وبعضهم في القراءات العشر (٩) وغير

__________________

وأَ لّفَ كتابَ الهدايةِ في القراءات السبع. غاية النهاية : ١ / ١٦٠.

(١) وقد بيّنا فيما سبق كذب هذا الخبر واختلاقه ، وإنّ القرآن الكريم لم ينزل إلاّ على حرف واحد.

(٢) النشر : ١ / ٣٦ ومنجد المقرئين : ٧١ والإتقان : ١ / ٢٧٤.

(٣) النشر : ١ / ٤٣.

(٤) السبعة : ٤٥.

(٥) منجد المقرئين : ٧٢.

(٦) انظر : بحث أستاذنا علي النجدي ناصف (بين القرّاء والنحاة) في مجلة مجمع اللغة العربية الجزء : ١٧ السنة ١٩٦٤ م ص : ٤٢.

(٧) النشر : ١ / ٨٤.

(٨) النشر : ٧٢ و ٩٢.

(٩) مثل كتاب النشر في القراءات العشر.

٣٧

ذلك (١). ومع كُلّ ما يُوجَّهُ إلى ابنِ مجاهد من نقد ، يجب الاعترافُ بأ نَّهُ فَتَحَ باباً جديداً للدراسات القرآنيَّة ثمَّ تَوَسَّعَتْ بعدَ ذلك دراساتُ الاحتجاجِ للقراءاتِ بعدِ أنْ جُمِعَتِ القراءاتُ ورَأينا فيَما سَبَقَ (٢) كَيْفَ نشطتْ حَرَكةُ التأليفِ في زمانِهِ وَبَعْدَهُ في الاحتجاجِ للقراءاتِ إِلى أَنْ أَلّفَ أَبو علي الفارسيّ (ت / ٣٧٧ هـ) كتابَ الحُجَّة محتجّاً للقراءاتِ التي جمعها ابنُ مجاهد ثم ألّفَ ابنُ جِنِّي (ت / ٣٩٢ هـ) كتاب المُحتَسَب في شواذِّ القراءاتِ ، وبهذا يُعدُّ ابنُ مجاهد من أَهم العوامل في تَنشيطِ حركةِ التألِيف في القراءات.

القراءة الشاذّة وغير الشاذّة

لقد قسّم علماءُ العامّة القراءاتِ على أقسام والذي يهمّنا هنا القراءَة الشاذة ، وَقَبْلَ أنْ نعرف القراءة الشاذة ينبغي أَنْ نعرف ما هو ضابط القراءة المقبولة عندهم؟ وهي : ١ ـ موافقتها العربيةَ وَلَوْ بوجه. ٢ ـ موافقتها أَحد المصاحف العثمانية ولو احتمالاً. ٣ ـ صحّة سندها (٣). ويرد على الأوّل : أنّ أكثر القراءات الشاذّة موافقة للعربيّة بوجه أو أكثر. وأمّا الثاني ، فهو شرطٌ عجيب إذ لا يُبنى الاستدلال على مجرّد الاحتمال. ويرد على الثالث : أنّ صحّة السند لا تخرج القراءة عن حيّز الخبر الواحد إلى التواتر المطلوب ، ولا إلى الشهرة المعتبرة المستلزمة لحجّيّة القراءة.

هذا هو الضابط الذي تُقبل به القراءة عندهم سواء أكانت عن السبعة أم عن العشرة أم عن غيرهم من القرّاء المقبولين ، ومتى اختلَّ ركنٌ من هذهِ

__________________

(١) النشر : ٧٣ و ٩٠.

(٢) انظر : ص : ١٨.

(٣) النشر : ١ / ٩ والإتحاف : ٣.

٣٨

الأركان الثلاثة أُطلِقَ عليها ضعيفة أَوْ شاذة أَوْ باطلة سواء أكانت عن السبعة أم عمَّن هو أكبرُ مِنهم (١) وَقَد شَرَطَ بَعْضُهُم التواتر ولم يكتفِ بصحّةِ السند (٢) ، ولكنَّ مكيّاً (ت / ٤٣٧ هـ) وابن الجَزَري (ت / ٨٣٣ هـ) وَتَبِعَهُم كَثيرٌ منَ القُرّاءِ اتّفقوا على أَنّهُ لاَ يلْزُم التواتُر (٣) وقد أكّدُوا صحّةَ السند فقالوا : الشرط واحدٌ وهو صحّةُ النقلِ ويلزمُ الآخرانِ (٤) وهذا هو رأي ابنِ جِنِّي الذي يقول بصريح العبارة : فإِنّ وَجْهَ القراءةِ المطابقِ للمصحف لا يُقْدَمُ عليه إلاَّ أنْ يَرِدَ بِهِ أَثَرٌ وإنْ كانَ في العربيةِ سائغاً (٥).

مَعْنَى الشذوذ في القراءات

عندما نستفتي المراجعَ اللغويةَ في مَعْنَى شذَّ يشذُّ نَجِد اللغويينَ يقولونَ : شَذَّ عَنّهُ يَشُذُّ وَيَشِذُّ ، بضمّ الشينِ وكسرِهَا شذوذاً ، انْفَردَ عَنِ الجُمهورِ فهوَ شاذٌّ وأَشذَّهُ غَيْرُهُ (٦). والقراءاتُ الشاذَّةُ يُعَبِّرُ عَنْهَا العلماء تعابير لا نستطيع أَنْ نَعُدَّها تعريفاً فَنِّيًّا وهم مختلفونَ. فلنستعرضْ تحديدهم لَها.

١ ـ أطلقَ ابنُ جنِّي وصفَ الشاذِّ على ما عدا القراءاتِ السبعِ ، وَزَعَمَ انها تسميةٌ شاعت عِندَ أَهلِ زمانِهِ فَقَالَ : «وضرباً تَعدَّى ذَلِك فسـمَّـاهُ أهلُ زمانِنا

__________________

(١) تأويل مشكل القرآن : ٤٢ والنشر ١ / ٩ و ١ / ١٣ ومنجد المقرئين : ١٥ والإبانة : ١٨ والمصاحف : ٨ والإتحاف : ٣ والإتقان : ١ / ٢٥٨.

(٢) القراءة في الشواذ : ٧٠ والإتقان : ١ / ٢٦١ ومنجد المقرئين : ١٧.

(٣) القراءة في الشواذ : ٧١.

(٤) النشر : ١ / ١٣ والإتقان : ١ / ٢٦٢.

(٥) المحتسب : ١ / ٣٠٨.

(٦) الصحاح ـ شذذ ـ : ٢ / ٥٦٤ ولسان العرب : ٥ / ٢٨ ومختارات القاموس : ٣٢٦.

٣٩

شاذًّا أي : خارجاً عن قراءةِ القرَّاءِ السَّبعةِ المقدَّم ذِكرُهُم» (١) ، وقالَ : «وأَنَا بإِذنِ اللهِ بادئٌ بكتاب أذكرُ فيهِ أحوالَ ما شذَّ عن السّبْعِ» (٢). ونَسَبَ أبو عمرو الداني (ت / ٤٤٤ هـ) هذا القولَ إلى ابن مُجاهد (٣) الذي اختارَ السبعةَ وَدَعَا قراءةَ مَنْ سواهم شاذّة (٤).

٢ ـ وأطلقوا القراءة الشاذّةَ على ما وراءِ العشرةِ (٥).

٣ ـ وذهب القاضي عياض (٦) (ت / ٥٤٤ هـ) إِلى أنَّ القراءة الشاذة هي المخالِفة لرسم المصحف وبهذا قال ابنُ الجزري (٧) وأبو حيَّان النحوي (٨) (ت / ٧٥٤ هـ).

٤ ـ وقال الكواشي (٩) (ت / ٦٨٠ هـ) : القراءة الشاذَّة ما فقدت واحداً من الشروط الثلاثة : صحّة السند ، والاستقامة في العربية ، وموافقة خط المصحف (١٠) الإمام وقال به ابن الجزري (١١).

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٣٢.

(٢) المحتسب : ١ / ٣٤.

(٣) منجد المقرئين : ٥٢.

(٤) السبعة : ١٩.

(٥) منجد المقرئين : ١٦ وغيث النفع : ٧ والبرهان : ١ / ٣٣١ والقراءة في الشواذ : ٦٩.

(٦) هو عِياض بن موسى بن عِياض اليحصُبي عالم المغرب وإمام أهل الحديث في زمانه توفي بمراكش. انظر : وفيات الأعيان : ٣ / ٤٨٣ والأَعلام : ٥ / ٢٨٢.

(٧) النشر : ١ / ١١ ومنجد المقرئين : ١٦ ـ ١٧ وغاية النهاية : ٢ / ٥٤.

(٨) البحر المحيط : ٧ / ٢٦٨.

(٩) هو الشيخ أحمد بن يوسف بن الحسن بن رافع الشيباني الموصلي من فقهاء الشافعيّة.

انظر : شذرات الذهب : ٥ / ٣٦٥.

(١٠) النشر : ١ / ٤٣ والإتقان : ١ / ٢٧٦.

(١١) النشر : ١ / ٩.

٤٠