أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

التخلّص من التقاء الساكنين

١ ـ بالكسر

حَكَى أَبو عمرو : أَنَّ أَهلَ نجران (١) يقولون : (بَرَاءَةٌ مِنِ اللهِ) (٢) يجرّون الميم والنون.

قَال أَبو الفتح : حَكَاهَا سِيَبوَيه (٣) وهي أوّل القياسِ ، تَكْسِرُهَا لالتقاء الساكنين غَيرَ أَنَّهُ كَثَرَ استعمالُ (مِنْ) مَعَ لامِ المعرفة فَهَرَبُوا مِنْ تَوَالِي كَسرتين إلى الفَتْحِ (٤) وإذَا كَانُوا قَدْ قَالُوا : (قُمَ الليْلَ) (٥) (وَقُلَ الحَقُّ) (٦) ففتحوا وَلَمْ تَلْتَقِ هُنَاك كَسْرَتَانِ ، فالفتحُ في (مِنَ اللهِ) لِتَوَالِي الَكسْرَتَيْنِ أَوْلَى (٧).

٢ ـ بالكسر وغيره

قَرَأ أُبَيُّ بنُ كَعْب والحسَنُ وابنُ أَبي إسحاقَ : (صَادِ) (٨) بكسر الدَّالِ.

__________________

(١) انظر : مختصر في شواذّ القرآن : ٥١.

(٢) من قوله تعالى من سورة التَّوبة : ٩ / ١ : (بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).

(٣) قال سيبويه : وقد اختلفتِ العرب في (مِنْ) إذا كان بعدَهَا ألِفُ وصل غير ألفِ اللاّمِ فكَسَرَهُ قَومٌ على القياسِ ، وهي أكثرُ في كلامِهِم ، وهي الجيدةُ. الكتاب : ١ / ٢٧٥.

(٤) هذا ملخّص رأي سيبويه. انظر : الكتاب : ١ / ٢٧٥.

(٥) من قوله تعالى من سورة المزمّل : ٧٣ / ٢ : (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيْلاً). والفتح حكاهُ قُطْرُب. اُنظر : هذه القراءة في مختصر في شواذّ القرآن : ١٦٤ والمحتسب : ٢ / ٣٣٦ والبحر المحيط : ٨ / ٣٦٠.

(٦) من قوله تعالى من سورة الكهف : ١٨ / ٢٩ : (وَقُلِ الحَقَّ مِن رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ). والفتح قراءة أبي السَّمَّال. انظر : مختصر في شواذّ القرآن : ٧٩.

(٧) المحتسب : ١ / ٢٨٣.

(٨) من قوله تعالى من سورة ص : ٣٨ / ١ : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ).

٣٢١

وَقَرَأَ : (صَادَ والقُرآنِ) ـ بفتحِ الدَّالِ ـ الثقفي.

قَالَ أَبو الفتح : المَأْثُورُ عَنِ الحسَن أَنَّهُ إِنَّمَا كَانَ يَكْسِرُ الدَّالَ مِنْ (صاد) لأَ نَّهُ عندَهُ أمرٌ مِنَ المُصَادَاةِ ، أي : عارضْ عَمَلَك بالقرآنِ.

قَالَ أبو علي : هو فاعلٌ من الصَّد وَهْوَ ما يعارِضُ الصَّوتَ فِي الأماكِن الخالية من الأجسامِ الصلبةِ ، قَالَ : وَلَيْسَ فيهِ أكثر مِنْ جَعْلِ (الواو) بمعنى الباءِ فِي غير القَسَمْ ، وَقَدْ يُـمْكِنُ أَنْ تَكُونَ كَسْرَة الدّالِ لاِلتقاءِ الساكِنَينِ كَمَا أَنَّ فَتْحَها فَتحٌ لِذَلِك ، وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَنْ فَتَحَ جَعَلَ صاد عَلَماً للسورةِ فَلَمْ يصرفْ ، فالفتحُ عَلى هَذا فتحةُ إعراب (١).

وَقَرأَ : (ياسينَ والقرآن) (٢) بفتحِ النونِ ابنُ أَبي إسحاقَ ـ بخلاف ـ والثقفي.

وَقَرأَ : (ياسينِ) بكسرِ النونِ أَبُو السَّـمَّـال وابنُ أَبي إسحاقَ بخلاف. وَهَارُونُ عَنْ أَبي بَكْر الهُذَلِي عَنْ الكَلْبِي : (ياسينُ) بالرَّفْعِ.

قَالَ : فَلَقِيتُ الكَلْبِي فَسَأَ لْتُهُ فَقَالَ : هي بلغةِ طئ يَا إنْسَانُ.

قَال أَبو الفَتْح : أمَّا الكسرُ والفتحُ جميعاً فكلاهما لالتقاءِ الساكنين وَذَلِك أَنَّهُ بَنى الكلامَ عَلى الإدراج لا على وقف حروف المعجمَ فَحَّرَّك فيهِ لِذَلِك.

وَمَنْ فَتَحَ هَرَبَ إِلى خفّةِ الفتحةِ لأَجلِ ثِقَلِ الياءِ قبلَها والكَسْرَة.

وَمَنْ كَسَرَ جَاءَ بهِ عَلَى أَصْلِ حركةِ التقاءِ السَّاكِنينِ ونظيرُهُ قَوْلُهُمْ : جَيْرِ (٣) وهَيْتِ (٤) لَك وَإيِهِ ، وسيبويهِ ، وَعَمْرَوَيْهِ ، وَبَابهما.

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٢٣٠.

(٢) من قوله تعالى من يس : ٣٦ / ١ و ٢ : (يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ).

(٣) جير : نعم.

(٤) هيت : هلم.

٣٢٢

وَمَنْ ضَمَّ احتمل أَمْرينِ :

أَحَدُهُمَا : أَنْ يَكُونَ أَيْضاً لالتقاءِ الساكِنَينِ كَحَوْبُ (١) في الزَّجْرِ ، ونحنُ ، وَهَيْتُ لك.

الآخر : أنْ يكونَ على ما ذهبَ إليهِ الكلبي وروينَاهُ عَن قُطْرُب :

فَيا لَيْتَني مِن بَعْدِ فَاطَا وَأَهْلِهَا

هَلَكْتُ وَلَمْ أَسْمَعْ بِهَا صوتَ إيسانِ (٢)

ورواه أيضاً : مِنْ بعدِ مَا طافَ أهْلُهَا وَقَالَ مَعْناهُ : صوت إنْسَان.

ويَحتَمِلُ ذلك عندي وجهاً آخرَ ثالثاً ، وهو أنْ يَكُونَ أَرادَ يا إنسانُ إلاَّ أَنَّهُ اكتفى من جميع الاسم بالسين ، فقالَ : يا سينُ فـ (يَا) فيه الآن حرفُ نداء كقولِك يا رجلُ ، وَنَظيرُ حذفِ بعضِ الاسم قولُ النبي صلّى الله عليه وآله : «كفى بالسيف شا» (٣) أي : شاهداً ، فحذفَ العينَ واللاَّمَ.

__________________

(١) الحَوبُ : في الأصلِ الجَمَلُ ثمّ صارَ زَجْراً لهُ.

(٢) البيت لعامر بن جوين الطائي. ويروى (ما طاف) مكان (فاطا و).

انظر : المحتسب : ٢ / ٢٠٣ والمقرب : ٢ / ١٧٠ واللسان : ٧ / ٣٠٩ ومعجم شواهد العربية : ١ / ٣٩٧.

(٣) أصل الحديث أنَّ بعضَ الصحابة قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : «يا رسول الله أرأيت إنْ وجدتُ مع امرأتي رجلاً أأمهله حتى آتي بأربعة شهداء؟! قال : نعم». وفي بعض طرق الحديث : «قال : يا رسول الله أأقتله؟ قال : كفى بالسيف شا».

أراد (صلى الله عليه وآله) أن يقولَ : شاهداً ثمّ توقَّفَ ، فقالَ : «لا».

ورُوي الحديثُ بلفظِ «كفى بالسيف شاهداً» أيضاً : ولا شاهدَ فيه على هذه الرواية.

ينظر في : المصنّف لعبد الرزاق الصنعاني : ٩ / ٤٣٤ / ١٧٩١٨ ، وسنن ابن ماجة : ٢ / ٨٦٨ ـ ٨٦٩ / ٢٦٠٦ باب (٣٤) ، وسنن أبي داود : ٢ / ٣٤٢ ـ ٣٤٣ / ٤٤١٧ باب (٢٣) ، والمبسوط للشيخ الطوسي : ٧ / ٤٨ و ٨ / ١٧١ كتاب الشهادات ، والنهاية في غريب الحديث / ابن الأثير : ١ / ١٩٧ (باب التاء مع الياء).

٣٢٣

وَكَذَلِك حَذَفَ من إنسان الفاءَ والعَينَ غيرَ أَنَّهُ جَعَلَ مَا بِقَي مِنهُ اسماً قائماً بِرَأسِهِ ، وَهو السِّينُ فقيلَ : يا سينُ ، كَقَوْلِك لَوْ قَسْتَ عَلَيهِ نداءَ زيد : يا دال.

وَيُؤَكِّدُ ذَلِك مَا ذَهَبَ إليهِ ابنُ عبَّاس في (حم * عسق) (١) ونحوه أنَّهَا حروف من جملة أَسماءِ اللهِ (٢) (عَزَّوجلَّ) وَهيَ : رَحيمٌ ، وعليمٌ ، وَسَمِيعٌ ، وَقَدِيرٌ ، وَنَحو ذَلِك. وشبيههِ بهِ قَوْلُهُ :

قُلْنَا لَهَا قِفي لَنَا قَالَتْ قَافْ (٣)

أي : وقفتُ ، فاكتفتْ بالحرفِ مِنَ الكلمةِ (٤).

وَقَرَأ الثقفي : (قافَ) (٥) بفتح الفاء. وَقَرَأَ : (قافِ) ـ بالكسر ـ الحسنُ وابنُ أَبي إسحاقَ.

قالَ أَبو الفتح : يَحتَمِلُ (قَافَ) بالفتح أَمرين :

أحَدُهُمَا : أنْ تَكُونَ حَرَكَتَه لالتقاء الساكنين ، كما أَنَّ مَنْ يَقْرَأُ (قَافِ) بالكسر كَذَلِك ، غَيرَ أَنَّ مَنْ فَتَحَ أَتْبَعَ الفتحَةَ صوتَ الأَلفِ لأَ نَّها مِنْهَا ، وَمَنْ كَسَرَ فَعَلَى أصْلِ التقاءِ الساكِنَينِ.

والآخر : أنْ يَكْونَ (قافَ) منصوبةَ الموضِع بفعل مُضْمَر غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ

__________________

(١) سورة الشورى : ٤٢ / ١ و ٢.

(٢) معاني القرآن وإعرابه للزجّاج : ١ / ٢٠ والبحر المحيط : ١ / ٣٤.

(٣) هذا الرجز للوليد بن عقبة. ويروى : قلت لها قفي فقالت قاف.

ويروى :

قلت لها قفي فقالت لي قاف.

أراد : فقالت قد وقفت. انظر : معاني القرآن للفرّاء : ٣ / ٧٥ وتأويل مشكل القرآن : ٣٠٨ والخصائص : ١ / ٣٠ و ٨٠ و ٢٤٦ و ٢ / ٣٦١ والأغاني : ٥ / ١٨١ واللسان : ١١ / ٢٧٥.

(٤) المحتسب : ٢ / ٢٠٣ ـ ٢٠٤.

(٥) من قوله تعالى من سورة ق : ٥٠ / ١ : (ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ).

٣٢٤

يَصْرِفْهَا لاجتماع التعريف والتأنيثِ في معنى السورة (١).

وأما قراءة الحسن (صادِ) (٢) بالكسر فَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّه يُريدُ بِهَا مِثَال الأمر من صادَيِتُ ، أيْ : عارضْ عَمَلَك بالقرآن ، فَلا وَجه لاعادتِهِ. وقيل (قاف) جبل محيط بالأرض (٣) فكانَ قياسُه الرفعُ ، أيْ : هُوَ (قاف) وقد تَمَحَّل الفرّاء في هذا فقال (٤) : جاء ببعض الاسم كقوله : قَلْنَا لَهَا قِفي لَنَا قَالَتْ قَافْ وَفيِ هذا ضعفٌ ، ألاَ تَرَى إلى الفتحِ والكَسْرِ فيهِ (٥)؟

٣ ـ التبلغ بالحركة

قَرَأَ أَبو السَّـمـَّال : (قُمُ الليلَ) (٦) وَرَوح ـ عَنْ أبي اليقظان ـ قال : سَمِعْتُ أَعرابياً من بلعنبر يَقْرَأُ كَذَلِك.

قال أَبو الفتح : عِلَّةُ جوازِ ذَلِك أَنَّ الغَرَضَ فِي هَذِهِ الحركةِ إنَّمَا التبلُّغُ بِهَا هَرباً مِنْ اجتماعِ الساكنين فَبَأَيّ الحركات حَرَّكْتَ أَحدَهُمَا فَقَدْ وقعَ الغرضُ (٧) ، وَلَعَمْرِي إِنَّ الكسر أكثرُ ، فأَمَّا أَلاَّ يَجُوزُ غَيْرُهُ فَلاَ.

__________________

(١) نسب الزجّاج هذا القول إلى الأَخفش. معاني القرآن وإعرابه للزجّاج : ١ / ٢٧.

(٢) ينظر : ما تقدّم في : ص : ٣٢١ والمحتسب : ٢ / ٢٣٠.

(٣) هذا قول الفرّاء. انظر : معاني القرآن للفرّاء : ٣ / ٧٥.

(٤) ينظر : معاني القرآن للفرّاء : ٣ / ٧٥.

(٥) المحتسب : ٢ / ٢٨١.

(٦) من قوله تعالى من سورة المزمّل : ٧٣ / ٢ : (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً).

(٧) هذَا قولَ سيبويه في الكتاب : ٢ / ١٦٠ ، وقال أبو حيَّان : قرأ الجمهور (قُمِ اللَّيلَ) بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين ، وأبو السمَّال بضمِّها إتباعاً للحركة من القاف ، وقرئ بفتحها طلباً لتخفيفِ ، قال ابن جني : الغرض بالحركةِ الهُرُوبُ من التقاء الساكنين فبأي حركة تحرَّكَ الحرفُ حَصَلَ الغرض. ينظر : البحر المحيط : ٨ / ٣٥٣.

٣٢٥

حَكَى قُطربُ عَنْهُم (قُمَ الليلَ) ، (وَقُلَ الحقَّ) (١) وبعَ الثوبَ فَمَنْ كَسَرَهُ فَعَلَى أصل البابِ وَمَنْ ضَمَّ أوْ كَسَر أَيضاً اتَّبَعَ ، ومن فَتَحَ فجنوحاً إلى خفّةِ الفتح (٢).

رُوِيَ عن الحسن وأبي عمرو ـ واختُلِفَ عنهما ـ أَنَّهُما هَمَزَا : (لَتَرَؤُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا) (٣).

قالَ أَبو الفتح : هَذَا عَلَى إجراءِ غَيرِ اللاّزم مجرى اللاّزِم ، وله باب في كتابنا الخصائص (٤).

غَيَر أَنَّهُ هُنَا ضَعيفٌ مَرْذُولٌ ، وَذَلِك أَنَّ الحركَة فيهِ لالتقاءِ الساكنينِ ، وَقَدْ كَرَّرْنَا فِي كَلامِنَا أَنَّ أَعراض التقاء الساكنين غير محفول بِهَا ، هَذَا إذا كَانَا في كلمتين إلاّ أَنَّ الساكنينِ هُنا مِمّا هو جار مجرى الكلمة الواحدة. ألا تَرى أنَّ النون تُبنَى معَ الفعل كَخَمْسَةَ عَشَرَ وَذَلِك فِي قَوْلِك : لأَفْعَلنَّ كَذا؟ فَمِنْ ها هنا ضَارَعَتْ حركةَ نونِ أَينَ وَفَاء كَيْفَ ، وسين أَمسِ ، وهمزة هؤلاءِ ، وذال منذُ. وَكلُّ واحدة مِنْ هذه الحركات معتدَّةٌ وإنْ كانَتْ لالتقاءِ الساكنين.

ألا تَرَى أَنَّهم احتَسَبُوها وَأَثبتوها وَجَعَلُوا مَا هي فيهِ مَبْنيّاً عَلَيْهَا؟ وَهَذِهِ الحركاتُ ـ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ كَونِهَا في كلمة وَاحِدَة ـ أَقوى مِنْ حركاتِ التقائِهما في المنفصلين. ألا تَرَى إلى اجتماعهم على أَنَّهُ لمْ يبنَ فعلٌ على الكسرِ ، هذا

__________________

(١) سورة الكَهف : ١٨ / ٢٩ وتنظر : ص : ٣٢١.

(٢) المحتسب : ٢ / ٣٣٥ ـ ٣٣٦.

(٣) من قوله تعالى من سورة التكاثر : ١٠٢ / ٦ ـ ٧ : (لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ * ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيـَقِينِ).

(٤) الخصائص : ٣ / ٨٧.

٣٢٦

على كثرةِ مَا جاءَ عَنْهُمْ في نَحْوِ (قُمَ اللَّيْلَ) (١) (وقُلَ الحقَّ) (٢) ، وقولِ الشاعرِ :

زِيَادَتُنَا نُعْمَانُ لاَ تَحْرِمَنَّنَا

تَقِ اللهَ فِينَا والكتابَ الَّذِي تَتْلُو (٣)

وَسَبَبُ تَرك اعتدَادِهِم بِهَا كَون الساكنينِ من كلمتينِ ، كَذَلِك أَيْضَا قَوْلُهُمْ : لاَ ضَمّ فِي الفِعلِ وَقَدْ قُرِئَ (قَمُ الليلَ) (٤) وَهَذا واضح. فإذا ثَبَتَ بَذَلِك الفرقُ بَينَ حَرَكَتَي التقاءِ الساكنينِ وَهُمَا مُتَّصِلانِ ، وَبَيْنَهُمَا وَهُمَا مُنفَصِلانِ سكنتَ إلى همز الواو من قولهِ : (وَلَتَرَؤُنَّ الجَحِيم) ، و (لَتَرَؤُنَّهَا) فَاعْرِفْ ذَلِك فَإنَّ جَمَيعَ أَصْحَابِنَا تَلقَّوا همزةَ هَذِهِ الواوِ بالفَسَادِ وَجَمَعُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ هَمْزِ الواوِ مِنْ قَوْلِهِ : (اشْتَرَؤُا الضَّلالَة) (٥) فِيمَنْ هَمَزَ الواوَ (٦) وَهَذِهِ لَعَمْرِي قَبِيحةٌ ، لأَنَّ الساكنينِ مِنْ كَلِمَتَينِ ، فَلِذَلِك فُرِّقَ مَا بَيْنَ

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة المزمّل : ٧٣ / ٢ : (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً) وحكى الفتح قطرب. تنظر : ص : ٣٢١ و ٣٢٦.

(٢) من قوله تعالى من سورة الكهف : ١٨ / ٢٩ : (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) والفتح قراءة أبي السَّمَّال. تنظر : ص : ٣٢١ و ٣٢٦.

(٣) لعبد الله بن همَّام السلولي. ويروى (تنسينها) مكان (تحرمننا) و (خفِ) مكان (تقِ). انظر : نوادر أبي زيد : ٤ و ٢٧ والخصائص : ٢ / ٢٨٦ و ٣ / ٨٩ والمحتسب : ٢ / ٣٧٢ واللسان : (وقى) ٢٠ / ٢٨٢.

(٤) من قوله تعالى من سورة المزّمّل : ٧٣ / ٢ : (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً) وينظر : البحر المحيط : ٨ / ٣٦٠. وتنظر : ص : ٣٢٥ و ٣٢٦.

(٥) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ١٦ : (أُوْلَئِك الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ).

(٦) قال الزَّجَّاجُ : أمَّا مَنْ يبدل من الضَّمَةِ همزةً فيقولُ : (اشترؤا الضلالةَ فغلطٌ). وقال ابن خالويه : (هي عند البصريين لحنٌ) وقالَ ابنُ الأنباري : (أجازَ الكسائي همزَها لانضمامها وهو ضعيفٌ). معاني القرآن وإعرابه للزجّاج : ١ / ٥٧ ومختصر في شواذّ القرآن : ٢ والبيان في غريب إعراب القرآن : ١ / ٥٩.

٣٢٧

الموضِعَينِ (١).

ب ـ الإضافة

وَصْلُ المضاف بالمضافِ إليهِ

رَوَى مُبَارك ، عن الحسن أَنَّه كان يقرأ : (بثلاثه آلاف) (٢) ، و (بِخَمْسَةِ آلاَف) (٣) وقف ولا يجري واحداً مِنْهُمَا.

قَالَ أَبو الفتح : وَجْهُهُ فِي العربيةِ ضَعيفٌ وَذَلِك أنَّ ثلاَثَةَ وَخَمْسَةَ مضافانِ إلى مَا بَعْدَهُمَا والإضافَة تقتضي وَصلَ المضافِ بالمضافِ إليه ، لأَنَّ الثانِي تَمَامُ الأَوّلِ ، وَهُوَ مَعَهُ فِي أكْثرِ الأَحْوَالِ كالجزءِ الوَاحِدِ. وإذَا وَصَلْتَ هذهِ العلامة للتأنيث فهي تاء لا محالة ، وَذَلِك أنَّ أصْلَهَا التاء وإنَّمَا يُبْدَلُ مِنْهَا في الوقفِ الهاء ، وإذَا كانَ كَذَلِك ـ وَهْوَ كَذَلِك ـ فَلاَ وَجْهَ للهاءِ لأَ نَّهَا مِنْ أماراتِ الوَقْفِ ، والموضع على ما ذكرناهُ مُتقاض للوصل غَيرَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ عَنْهُمْ نَحْوَ هَذَا ، حَكَى الفراءُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ أَكَلْتُ لَحْمَا شاة (٤) ، يريدون لَحْمَ شاة

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٣٧١ ـ ٣٧٢.

(٢) من قوله تعالى من سورة آل عمران : ٣ / ١٢٤ : (إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّ كُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَف مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ) وبعد هذا قوله تعالى : (مِنَ الْمَلآئِكَةِ مُنْزَلِينَ) وفي المحتسب : بثلاثة بالتاء لكن القراءة (بثلاثه) بالهاء كما سيبيّن ذلك ابن جنِّي فيما بعد. وكما في البحر المحيط : ٣ / ٥٠.

(٣) من قوله تعالى من سورة آل عمران : ٣ / ١٢٥ : (يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَف مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُسَوِّمِينَ).

(٤) البحر المحيط : ٣ / ٥٠.

٣٢٨

فَيَمطلون الفتحة فَينشئُونَ عَنهَا ألِفاً ، كَمَا يَقُولَونَ في الوقف : قالا ، يريدون : قالَ ، ثُمَّ يمطلون الفتحة فتنشأ عَنْهَا الألِفُ وَهَذَا المطل لا يكون مع الإسراع والاستحثاث وإنَّمَا يَكُونُ مَعَ الروية والتثبت.

وأَنشدَ أبو زيد : مَحْضٌ نِجَارِي طَيـَّبٌ عُنْصُرِّي (١).

يُريد : عُنْصرِي بتخفيف الرَّاء غير أنّه ثَقَّلَها كَما يَفْعَلُ في الوقف نحو خالدّ وجعفرّ.

وَإذَا جَازَ أَنْ ينوي الوقفُ دونَ المُضمَرِ المجرور ـ وهو على غاية الحاجة للطفه عن الانفصال إلى ما قبله ـ جاز أَيضاً أنْ يَعْتَرِضَ هَذَا التَّلوُّمُ والتَّمَكُّثُ دُونَ المُظهَر المضاف إليه ، أعني قوله (آلاف) بل إذا جازَ أنْ يَعتَرِضَ هَذَا الفتورُ والتمادِي بيَن أثناءِ الحروفِ مِنَ المِثَالِ الواحدِ نَحْوَ قَوْلِهِ :

أقول إذْ خَرَّتْ عَلَى الكَلْكالِ

يَا نَاقَتَا مَا جُلْتِ مِنْ مَجَالِ (٢)

وَقَوْلُهُ فِيَما أَنْشَدَنَاهُ :

يَنْبَاعُ مِنْ ذِفْري غَضَوب جَسْرة (٣)

 ......

__________________

(١) يروى (ضخم) و (غض) مكان (محض) ، والنَّجَار : الأصل. الخصائص : ٣ / ٢١١ والمحتسب : ١ / ٧٩ و ١٦٥ والتمام : ٢١٩ وخزانة الأدب : ٢ / ٦٤.

(٢) انظر الإنصاف : ١ / ١٦ و ٢ / ٤٠٣ ولسان العرب : ١٤ / ١١٧ والبحر المحيط : ٣ / ٥٠ وشرح الأشموني : ٣ / ١٩٧.

(٣) عجزه :

 ......

زَيَّافَة مِيْل الفَنِيـقِ المُكْــدَمِ

والبيت لعنترة. انظر : الديوان : ٨٢ والمحتسب : ١ / ٧٨ و ١٦٦ والإنصاف : ١ / ١٦ ولسان العرب : ١٠ / ٢٢٢ والبحر المحيط : ٣ / ٥٠ والخزانة : ١ / ١٢٢ وتاج العروس ـ غضب ـ و ـ نبع ـ ٣ / ٤٨٦ و ٢٢ / ٢٢٩.

٣٢٩

يُريِدُ : يَنْبُعُ ، وَقَوْلُهُ فِيَما أُنشِدَنَاهُ :

وَأَنت من الغوائِل حِينَ تُرْمَى

وَمِنْ ذَمِّ الرِّجالِ بِمُنْتَزَاحِ (١)

يريد : منتزح ، مُفْتَعَل مِنْ نَزَحَ ـ كان (٢) التَأَ نّي والـتَّمادي بالمدّ بَيْنَ المُضَافِ والمُضَافِ إليهِ ، لأ نَّهُمَا فِي الحقيقةِ اسمان لا اسم واحد أَمثلَ (٣).

وَنَحوهُ قَرِاءة الأعرج عن ابن أَبِي الزّنَادِ : (بثلاثه آلاف) (٤) بسكون الهاءِ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فيما قَبْلُ ، فَهَذَا تقويةٌ وعذرٌ لِقِرَاءَةِ أَبي سَعيد وَقَدْ أَفْردَنَاهُ في الخصائص (٥) باباً قائماً بِرَأسِهِ وَذَكَرْنَاهُ أَيضاً في هذا الباب (٦).

وَقَرَأَ الحسن : (غَيْرَ مَضارِ وَصِيَّة) (٧) مضاف.

قَالَ أَبو الفتح : أيْ : غير مضارّ من جهةِ الوصيَّةِ أَو عندَ الوصيَّةِ كَمَا قَالَ طرفة :

__________________

(١) البيت لإبراهيم بن هَرِمة. ويروى (حيث) مكان (حين) و (تنمى) مكان (ترمى). انظر : الخصائص : ٢ / ٣١٦ و ٣ / ١٢١ وأمالي الشجري : ١ / ١٢٢ و ٢٢١ والإنصاف : ١ / ١٦ والبحر المحيط : ٣ / ٥٠.

(٢) جواب (إذا جازَ) في الصفحة السابقة.

(٣) يُوَهِّنُ أبو حيانَ هذا التخريج ويقول : الذي يناسب توجيه هذه القراءة الشاذّة أنّها من إجراء الوصف مجرى الوقف ، أبدلها هاء في الوصل كما أبدلها هاء في الوقف. انظر : البحر المحيط : ٣ / ٥٠.

(٤) من قوله تعالى من سورة آل عمران : ٣ / ١٢٤ : (أنْ يُمِدَّ كُمَ رَبُّكُمْ بِثَلاَثِةِ آلاَف مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ).

(٥) الخصائص : ٣ / ١٢١ ـ ١٢٤.

(٦) المحتسب : ١ / ١٦٥ ـ ١٦٦.

(٧) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ١٢ : (غَيْرَ مُضَآ رّ وَصِيَّةً مِّنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ).

٣٣٠

 ......

 ...... بَضَّةُ المُتَجَرِّدِ (١)

أيْ : بَضَّةٌ عِندَ تَجَرُّدِهَا ، وهو كقولِك فُلانٌ شجاعُ حرب ، وكريمُ مسألة أيْ : شجاعٌ عندَ الحربِ وكريمٌ عندَ المسأَلةِ ، وعليه قولهم : مِدْرُهُ حرب أَيْ : مِدْرَهٌ عندَ الحربِ فهوَ راجعْ إلى مَعْنى قَوْلِهِمْ :

يا سارقَ الليلةِ أهلَ الدارِ (٢)

الإضافة تفيد ما تفيده الصِّفة

قَرَأَ عِكْرِمَة : (وَزَوّجْنَاهُمْ بِحورِ عِين) (٣).

قال أبو الفتح : هَذِهِ الإضافة تُفيد ما تفيده الصِّفة ، لأنَّ حورَ العينِ حورٌ عينٌ في المعنى. إلاَّ أَنَّ لَفظَ الصفةِ أَوفَى مِنْ لَفْظِ الإضافةِ إذ كانَ المضافُ والمضافُ إليهِ جاريينِ مَجرَى المفردِ. والصِّفة تَأَتِي مع الاختصاصِ المستفادِ مِنْهَا مَأَتَى الزيادةِ المُسهَب بِها ، وهيَ معَ ذَلِك أَشدُّ إصراحاً بالمعنى من المضافِ.

ألا تَرى أَنَّك إذا قلتَ : مررتُ بظريفِ كريمِ جازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِك الظريفُ كريماً وَجازَ أَنْ يَكونَ مَنسُوباً إلَيْهِمْ ِلاتصالِهِ بِهِمْ ، وَإنْ لَمْ يَكُنْ كَرِيماً مِثْلَهُمْ؟

__________________

(١) هو قولهِ من معلّقته :

رَحيبٌ قِطَابُ الجَيبِ مِنْهَا رَفيقةٌ

بجس الندا من بضة المتجـرّد

قطاب الجيب : مخرج الرأس منه. وبضة : ناعمة الجلد رقيقة ممتلئة الجسد. الديوان : ٤٨ والمحتسب : ١ / ١٨٣ واللسان : ٢ / ١٧٥ والخزانة ـ بولاق ـ ٢ / ٢٠٣ و ٣ / ٤٨١.

(٢) تقدّم الرَّجزُ في : ص : ٢٨٤ وانظر المحتسب : ١ / ١٨٣.

(٣) من قوله تعالى من سورة الدخان : ٤٤ / ٥٣ ـ ٥٤ : (يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُس وَإِسْتَبْرَق مُّتـَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُور عِين).

٣٣١

وإذا قُلْتَ مررتُ بظريف كريم فَقْد أثبتَّ لَهُ مذهبَ الكرمِ البتة (١).

حذف النون تخفيفاً

قَرَأَ ابنَ أَبي إسحاق وَرَويَ عَنْ أَبي عمرو : (المُقِيمِي الصَّلاةَ) (٢) بالنصب.

قالَ أَبو الفتح : أَرادَ (المُقيمينَ) فحذفَ النونَ تخفيفاً. لاَ لِتعَاقُبِهَا الإِضافة. وَشَبَّه ذَلِك باللَّذَيْنِ والَّذِينَ في قوله :

فَإنَّ الَّذي حانَتْ بِفَلْج دِمَاؤُهُمْ

هُمُ القومُ كُلُّ القومِ يَا أُمَّ خَالِدِ (٣)

حَذَفَ النونَ مِنْ الذين تخفيفاً لِطُولِ الاسمِ ، فَأَما الإِضافة فَسَاقِطَةٌ هُنَا وَعَلَيْهِ قَوْلُ الأَخْطَلِ :

أبني كُلَيْب إنَّ عَمَّيَّ اللَّذَا

قَتَلاَ المُلوك وَفَكَّـكَا الأَغْلاَلاَ (٤)

حذف نونَ (اللّذان) لِمَا ذَكرنا ، لَكنَّ الغريب مِنْ ذَلِك ما حكاهُ أَبو زيد عَنَ أَبِي السَّـمَّـالِ أَو غيرهِ أَنَّهُ قَرَأَ : (غَيْرَ مُعْجِزِي اللهَ) (٥) بالنَّصبِ.

فهذا يكادُ يكونُ لَحْناً لأَ نَّهُ لَيْسَتْ مَعَهُ لامُ التعريفِ المشابهةِ للَّذي ونحوهِ ، غيرَ أَنَّهُ شَبَّه (مُعْجِزِي) بالمعجزي ، وسوَّغَ لَهُ ذَلِك عِلْمُهُ بِأَنَّ (مُعْجِزِي) هذه لا تتعرَّفُ بإضافتِها إِلى اسمِ الله تعالى كما لا يتعرَّفُ بِهَا ما فيه

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٢٦١.

(٢) من قوله تعالى من سورة الحج : ٢٢ / ٣٥ : (الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمـُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).

(٣) تقدّمَ الشاهد في : ص : ١٣٠.

(٤) تقدّم الشاهد في : ص : ١٣٠.

(٥) من قوله تعالى من سورة التَّوبة : ٩ / ٣ : (وَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي اللهِ وَبَشِّرِ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَاب أَلِيم).

٣٣٢

الأَلف واللاّمُ ، وَهْوَ (المُقيمِي الصَّلاةَ) (١) فَكَمَا جَازَ النَّصْبُ فِي (المُقِيمي الصَّلاَةَ) كَذَلِك شَبَّهْ بِه (غَيرُ مُعْجزِي اللهَ) ونحو (المُقيمي الصلاةَ) بيتُ الكتابِ :

الحَافِظُو عَوْرَةَ العَشِيرةِ لاَ

يَأْتِيهِمُ مِنْ وَرَائِهِمْ نَطَفُ (٢)

بِنَصْبِ (العَوْرَة) على ما ذكرتُ لَك ، وَقَالَ آخرُ :

قَتَلْنَا نَاجِياً بقتيلِ عَمْرو

وَخَيْرُ الطَّالِبي التِّرةَ الغَشُومُ (٣)

ومثل قراءة من قرأَ (غيرُ مُعجزِي اللهَ) بالنَّصبِ قولُ سويد :

ومساميحُ بِمَا ضُنَّ بِهِ

حابِسُو الأَنْفُسَ عَنْ سُوءِ الطَّمَعْ (٤)

وَقَدْ قَرَأَ بعضُ الأعرابِ : (إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابَ الاَْلِيمِ) (٥) بالنصب (٦).

وَأَخبرنَا أَبو عليّ عن أَبي بكر عن أَبي العَبَّاسِ قالَ : سَمِعتُ عُمارَةَ يقرأ : (وَلاَ اللَّيْلُ سابقُ النهارَ) (٧) ، فَقُلْتُ لَهُ : ما أَردْتَ؟ فقالَ : أردتُ سابقٌ النهارَ.

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الحج : ٢٢ / ٣٥ : (الَّذِينَ إِذَا ذُ كِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمـُقِيمِي الصَّلاَةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ).

(٢) لقيس بن الخطيم أو عمرو بن امرئ القيس ويروى (من ورائنا) مكان (من ورائهم) و (وَكفَ) مكان (نطفُ). انظر : الكتاب : ١ / ٩٥ والمقتضب : ٤ / ١٤٥ والمنصف : ١ / ٥٧ والبيان : ٢ / ١٧٥ والخزانة : ٢ / ١٨٨ و ٣٥٧ و ٣٨٣ و ٣ / ٤٠٠ و ٤٧٣ والدُّرر اللوامع : ١ / ٢٣.

(٣) انظر : لسان العرب : ـ غشم ـ ١٥ / ٣٣٤.

(٤) هو لسعيد بن أَبي كاهِل ويروى (حاسرو) مكان (حابسو). انظر : المفضليات : ١٩٤ والمحتسب : ٢ / ٨٠ ومعجم شواهد العربية : ١ / ٢٠٨.

(٥) من قوله تعالى من سورة الصافّات : ٣٧ / ٣٨ : (إِنَّكُمْ لَذَائِقُوا الْعَذَابِ الاَْلِيمِ).

(٦) هي قراءة أبي السَّمَّال. انظر : مختصر في شواذ القرآن : ١٢٧.

(٧) من قوله تعالى من سورة يس : ٣٦ / ٤٠ : (لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلاَ اللَّيْلُ سَابِقُ

٣٣٣

فقلتَ لَهُ : فَهَلا قُلتَهُ.

فقالَ : لَو قُلْتُهُ لَكَانَ أَوْزَن (١). يُريدُ أَقوى وَأَقيس. وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا وَنَحَوَهُ فِي كتابِنَا الخصائص (٢) وغيرهِ مِن كُتُبِنَا (٣).

حذف المضاف

قَرَأَ سعيد بن جُبَير ومحمّد بن السُّمَيفَع : (أَو كَإسْوتِهم) (٤) من الإسوة.

قَالَ أَبو الفتح : كَأَ نَّهُ ـ واللهُ أَعلم ـ قَالَ : أَو كما يكفي مثلهم فهو على حذف

مضاف ، أو ككفايةِ إسوتِهم ، وإنْ شِئْتَ جَعَلْتَ الإسوة هيَ الكفاية وَلَمْ تحتج إلى حذفِ مضاف (٥).

وَقَرَأَ جعفر بن محمّد (عليهما السلام) والعلاء بن سيَّابة ، ورواه حسين الجعفي عن أبي عَمرو : (وَأُتْبِعَ الذينَ ظَلَمُوا) (٦) بضمّ الهمزة وإسكان التاء وكسر الباء.

قال أبو الفتح : هو عندنا على حذف المضاف ، أَيْ : أُتْبِعَ الذينَ ظَلَمُوا

__________________

النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَك يَسْبَحُونَ). وانظر القراءة التي ذكرت في : مختصر في شواذ القرآن : ١٢٥ والبحر المحيط : ٧ / ٣٣٨.

(١) انظر : الخصائص : ١ / ١٢٥ والبحر المحيط : ٧ / ٣٣٨.

(٢) الخصائص : ١ / ١٢٥.

(٣) المحتسب : ٢ / ٨٠ ـ ٨١.

(٤) من قوله تَعالى من سورة المائدة : ٥ / ٨٩ : (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَة).

(٥) المحتسب : ١ / ٢١٨.

(٦) من قوله تعالى من سورة هود : ١١ / ١١٦ : (وَا تَّبَعَ الَّذينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ).

٣٣٤

جزاء ما أُترِفوا فيهِ وَكَانُوا مجرمينَ ، أَيْ : جزاء ما أَتْرِفُوا فيهِ وأَجرموا فَلَمْ يَشْكُروا ، بَلْ أُتْرِفُوا فيهِ مجرمينَ ظَالِمينَ (١).

وقرأ السَّلمِي : (شَيْئاً أدَّا) (٢) بالفتحِ.

قَالَ أَبو الفتح : الأَدُّ ، بالفتح : القوة. قالَ :

نَضَوْنَ عَنّي شِرَّةً وَأَدَّا

مِن بَعْدِ مَا كُنْتُ صَمُلاً نَهْدَا (٣)

فَهْوَ إذا على حذف المضاف ، فَكَأنه قالَ : لَقَدْ جِئتم شَيئاً ذا أدّ ، أَيْ : ذا قوّة.

فهو كَقَوْلِهم : رَجُلٌ زَوْرٌ ، وَعَدّلٌ ، وَضَيف ، تصفه بالمَصدر إنْ شئَت على حذفِ المضافِ وَإنْ شِئْتَ على وَجْه آخر أَصْنَعَ مِنْ هَذَا وَأَ لْطَف ، وَذَلِك أَنْ تَجْعَلَهُ نَفْسَه هُوَ المصدر للمبالغةِ ، كَقَولِ الخَنْسَاءِ :

تَرتَعُ مَا غَفَلَتْ حَتَّى إذا ادَّكَرَت

فَإنَّمَا هِيَ إقَبالٌ وَإدْبَارُ (٤)

إنْ شِئْتَ على ذاتِ إقبال وإدبار وإنْ شِئْتَ جعلتها نفسها هي الإقبال والإدْ بَار (٥) ، أَيْ : مخلوقة مِنها ، وَيَدلُّك عَلَى أَنَّ هذا معنىً عِنْدَهُمْ لاَ عَلَى

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٣٣١.

(٢) من قوله تعالى من سورة مريم : ١٩ / ٨٩ : (لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّ اً).

(٣) الشرّة : النشاط والحدّة. والصَّمُلُّ : الشديد الخُلُقِ. والنهد : المشرف الجسيم. انظر : اللسان : ٤ / ٣٧.

(٤) تصف الخنساءُ ناقةً فقدت فصيلها فهي ترتع وتأكل حتَّى إذا تذكرته صارت تقبل وتدبر باحثةً عنه وكأ نّها هي الإقبال والإدبار ، ومن فسّره بأ نَّها ذات إقبال وإدبار فقد أفسد الشعر ، كما يقول الجرجاني. انظر : الديوان : ٤٨ والكتاب : ١ / ١٦٩ والمقتضب : ٣ / ٢٣٠ و ٤ / ٣٠٥ والخصائص : ٢ / ٢٠٣ و ٣ / ١٨٩ والمنصف : ١ / ١٩٧ وشرح المفصل : ١ / ١٤٤ والخزانة : ١ / ٤٣١.

(٥) على هذين الوجهين حمل المُبَرِّدُ البيتَ أَيضاً. انظر : المقتضب : ٣ / ٢٣٠.

٣٣٥

حذفِ المضافِ بَلَّ لأَ نَّهم جَعَلُوهُ الحدثَ نَفْسَهُ ، قولهم ، أَنشدناه أَبو علي :

أَلاَ أَصْبَحَتْ أَسمَاءُ جاذِمَةَ الحَبْلِ

وَضَنَّتْ عَلَيْنَا وَالضَّنينُ مِنَ البُخْلِ (١)

أَيْ : هو مخلوقٌ مِنَ البُخْلِ ، ولاَ تَحْمِلْهُ عَلَى القلبِ ، أَيْ : والبُخْلُ مِنَ الضَّنيِن لصغر معناهُ إلى المعنى الآخر ، وَلأَ نَّهُ مَعَ ذَلِك أَيْضاً نُزُولٌ عَنِ الظَّاهرِ ، وأَنشَدَنَاهُ أَيضاً :

 ......

وَهُنَّ مِنَ الإخلافِ قَبْلَك وَالْمَطْلِ (٢)

وَأَنْشَدَنَا أَيضاً :

 ......

وَهُـنَّ مِنَ الإخـلافِ وَالْوَلَعَـانِ (٣)

وَيَكْفِي مِنْ هَذَا كُلّهِ قَوْلُ اللهِ سُبْحَانَهُ : (خُلِقَ الاْنسَانُ مِنْ عَجَل) (٤) أَي : مِنَ العَجَلَةِ ، لاَ مِنَ الطينِ كَمَا يقولُ قومٌ ، لِقَوْلِهِ : (سَأُوْرِيكُمْ آيَاتِي فَلاَ تَسْتَعْجِلُونِ) (٥). (٦)

__________________

(١) البيت للبعيث. والجذمُ : سرعةُ القطع. انظر : الخصائص : ٢ / ٢٠٢ و ٣ / ٢٥٩ وأَمالي الشجري : ١ / ٧٢ ولسان العرب : ١٧ / ١٣٠ والمغني : ١ / ٣١١ ومعجم شواهد العربية :

١ / ٢٩٩.

(٢) نُسِبَ البيتُ للبعيثِ. وَيُروى (بَعْدَك) مكانَ (قَبْلَك). انظر : التمام : ١٤٣ والخصائص : ٢ / ٢٠٣ واللسان : ١٠ / ٢٩٢ وشواهد العربية : ١ / ٣٠٠.

(٣) صدره :

لِخِلاَّبةِ العَيْنِينِ كَذَّابةِ المُنَى

 ......

انظر : إصلاح المنطق : ٢٩٨ والخصائص : ٢ / ٢٠٣ واللسان : ١٠ / ٢٩٢.

(٤) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٧.

(٥) سورة الأنبياء : ٢١ / ٣٧.

(٦) المحتسب : ٢ / ٤٥ ـ ٤٦.

٣٣٦

وَقَرَأَ عِكْرِمَةُ وابنُ أَبي عبلة وأبو حَيْوةَ : (بِدَعاً مِّنْ الرُّسُلِ) (١).

قَالَ أَبُو الفَتْحِ : هُوَ عَلَى حَذْفِ المُضَافِ ، أيْ : مَا كُنْتُ صَاحِبَ بِدَع ، وَلاَ معروفةً مِنْي البِدَعُ. قَالَ :

وَكَيْفَ تُوَاصِلُ مَنْ أَصْبَحَتْ

خلاَلَتُهُ كَأَبِي مَرْحَبِ (٢)

أَيْ : كَخَلاَلَةِ أَبِي مَرْحَب. وَمَا أَكثر هذا المضاف في القرآن وفصيح الكلام (٣) وَقَرَأَ الحسَن بخلاف ومجاهد وطلحة بن مُصَرّف وعيسى الهمداني : (وُقُودِهَا الناسُ) (٤).

قَالَ أبو الفتح : هذا عندنا على حذف المضاف ، أي : ذو وَقُودِهَا أو أصحاب وقُودِها الناسُ ، وذلك أَنَّ الوُقودَ بالضَّمِّ هو المَصدَرُ ليسَ بالناس لكنْ قد جاءَ عنهم الوَقُودُ بالفتحِ في المصدر لِقولِهِم وَقَدَتِ النَّارُ وَقُوداً وَمِثلَهُ أَولِعتُ بهِ وَلَوعاً وهو حسنُ القَبولِ مِنْك (٥) كلّه شاذّ والبابُ هُوَ

__________________

(١) مِن قوله تعالى من سورة الأحقاف : ٤٦ / ٩ : (قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِّنْ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ مُّبِينٌ).

(٢) البيت للنابغة الجعدي. والخلالة مثلثة الخاء : الصداقة. وأبو مرحب : كنية الظلّ أو كنية عرقوب ، وجعل الأعلم الشنتمري أبا مرحب رجلاً. انظر : الكتاب : ١ / ١١٠ والمقتضب : ٣ / ٢٣١ والمحتسب : ٢ / ٢٦٤ وأمالي المرتضى : ١ / ٢٠٢ وسمط اللآلي : ٤٦٥.

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٦٤ ـ ٢٦٥.

(٤) من قولهِ تعالى من سورة البقرة : ٢ / ٢٤ : (فَإِنْ لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَنْ تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) ومن قوله تعالى من سورة التحريم : ٦٦ / ٦ : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيْكُمْ نَاراً وَقُوْدُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ).

(٥) قال الزَّجَّاجُ : يُقالُ : قد وَقَدَتِ النَّارُ وُقوداً فالمصدرُ مَضمُومٌ ويجوزُ فيه الفتح

٣٣٧

الضم (١).

وَقَرَأَ عليّ (عليه السلام) وابن عباس وروي عن النبي صلّى الله عليه وآله : (وَتَجْعَلُونَ شُكْرَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) (٢).

قَالَ أَبو الفتح : هو حذف المضاف ، أَيْ : تَفعلونَ بَدل شكركم ، ومكان شكركم التكذيب. ومثله قوله العجاج :

ربَيْتُهُ حَتَّى إذَا تَمَعْدَدَا

كَانَ جَزائِي بِالعَصَا أَنْ أُجْلَدَا (٣)

أيْ : كانَ مَكان جزائي الجلد بالعصا (٤).

وَقَرَأَ سِـمَـاك بنُ حرب : (وَغرَّكم بِاللهِ الغُرُورُ) (٥) بِضَمِّ الغين.

__________________

وذهب مكّي ابن أبي طالب إلى أنّ (الوَقُودَ بالفتح الحَطَبُ وبالضمّ المصدر وهو التوقّد).

انظر : معاني القرآن وإعرابه للزجّاج : ١ / ٦٧ ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٨٣.

(١) المحتسب : ١ / ٦٣ و ٢ / ٣٢٤.

(٢) من قوله تعالى من سورة الواقعة : ٥٦ / ٨٢ : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ).

ونُسِبَتْ من قوله تعالى من سورة الواقعة : ٥٦ / ٨٢ : (وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ) ، ونُسِبَتِ القراءة التي ذكرها أبو الفتح هنا بأسناد صحيحة إلى النّبي (صلى الله عليه وآله) في جامع البيان : ٢٧ / ٢٧٠ ـ ٢٧١ / ٢٥٩٧٥ والدُّرّ المنثور : ٦ / ١٦٢ ورُويت في تفسير القمّي : ٢ / ٣٤٩ عن أبي عبد الرّحمن السُّلمي عن علي (عليه السلام) وعن أبي بصير عن الإمام الصّادق عن آبائه عن علي (عليهم السلام) أنّه سَمِعَ النّبيَّ (صلى الله عليه وآله) يقرأ بها والسند صحيح ، ونُسِبَت إلى علي (عليه السلام) وإلى ابن عباس في جامع البيان ٢٧ : ٢٧٠ ـ ٢٧١ / ٢٥٩٧٤ وذيل ٢٥٩٧٥ ، ومجمع البيان : ٩ / ٣٧٤ وزاد المسير : ٧ / ٢٩٤.

(٣) انظر : الديوان : ٧٦ والمنصف : ١ / ١٢٩ و ٣ / ٢٠ والمخصص : ١٤ / ١٧٥ وشرح المفصل : ٩ / ١٥١ والخزانة ـ بولاق ـ ٣ / ٥٦٣ وشواهد العيني : ٣ / ٢٨٤.

(٤) المحتسب : ٢ / ٣١٠.

(٥) من قوله تعالى من سورة الحديد : ٥٧ / ١٤ : (وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الْغَرُورُ).

٣٣٨

قالَ أَبو الفتح : هُوَ كقولِهِ وَغَرَّكُمْ بِاللهِ الاغتِرَارُ ، وتقديرهُ على حذف المضاف ، أيْ : وغرَّكم بالله سلامة الاغترار ، ومعناه سلامتُكُم مِنْهُ معَ اغترارِكُمْ (١) وَقَرَأَ الحَسن : (اتَّخَذُوا إيمَانَهُمْ) (٢) بكسر الهمزة.

قالَ أَبو الفتح : هَذَا علَى حَذْفِ المضافِ ، أَيْ : (اتَّخَذُوا) إظهارَ (إيمَانهِم جُنَّةً فَصَدّوا عَن سَبيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مهِينْ) (٣) ، وهذا حديث المنافقين المعروف (٤).

وَقَرَأَ الأعمش : (أَفَحَكَمَ الجَاهِلِيةِ) (٥) بِفَتْحِ الحاءِ والكافِ والميمِ.

قال أبو الفتح : أَما قَوْلُهُ : (أَفَحَكَمُ الجاهِلِيَّةِ يَبْغونَ) فِيْمَنْ قَرَأَه كَذَلِك ، فَأمرُهُ ظاهر في إعرابه ، غير أن (حَكَما) هُنا ليْسَ مقصوداً بهِ قصد حاكم بعينهِ ، وإنّما هو بمعنى الشياعِ والجنس ، أيْ : أَفَحُكامَ الجَاهِليِةِ يَبْغُونَ (٦)؟ وَجَازَ للمضافِ أَنْ يَقَعَ جنساً كما جاءَ عنهم في الحديث من قولهم : مَنَعَتِ العراقُ قَفيزَهَا وَدِرْهَمَهَا وَمَنَعَتِ مِصْرُ إردبها (٧) وله نظائر.

__________________

(١) المحتسب : ٢ / ٣١١ ـ ٣١٢.

(٢ و ٣) من قوله تعالى من سورة المجادلة : ٥٨ / ١٦ : (اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ).

(٤) المحتسب : ٢ / ٣١٥ و ٣٢٢.

(٥) من قوله تعالى من سورة المائدة : ٥ / ٥٠ : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْماً لِّقَوْم يُوقِنُونَ).

(٦) قال أبو حَيَّان : وهو جنس لا يراد به واحد كأ نَّهُ قبل أحكام الجاهلية وهي إشارة إلى الكُهَّانِ الذين كانوا يأخذون الحلوان وهي رِشَا الكُهَّانِ ويحكمون لهم بحسبه وبحسب الشهوات. انظر : البحر المحيط : ٣ / ٥٠٥.

(٧) انظر : ص : ٨٥.

٣٣٩

ثم يرجع المعنى مِنْ بَعْدُ إلى أنّ معناه معنى : (أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) لأَ نَّهُ ليس المراد والمبغي هنا نفس الحكام ، فإنّما المبغي نفس الحكم ، فهو إذاً على حذف المضاف ، أي : أفحكم حكم الجاهلية يبغون؟ وهذا هو الأوّل في المعنى فاعرف ذلك (١).

١ ـ حذف المضاف بدليل

قَالَ أَبو الفتح : فَأَمَّا قولُهُ تعالى : (هَلْ يَسْمَعَونَكُم إذْ تَدْعُونَ) (٢) فَإنَّهُ على حذفِ المضافِ وتقديُرهُ : هَلْ يَسْمَعونَ دُعَاءَكُمْ؟ وَدَلَّ عليهِ قَوْلُهُ : (إذْ تَدْعُونَ) ، وَيَقُولُ القائِلُ لِصَاحِبِهِ : هَلْ تَسمَعُ حديث أَحَد؟ فَيَقُولُ : مجيباً لَهُ : نَعَمْ أَسْمَعُ زيداً ، أَيْ : حديثَ زيد. وَدَلَّ قَوْلُهُ : حديثَ أحد عليه ، فَإنْ لَمْ تدلَّ عليه دلالةٌ لم يَجُزْ الاقتصارُ على المفعولِ الواحدِ.

لو قلتَ : سمعتُ الطائرَ لَمْ يَجُزْ ، لأَ نَّهُ لا يُعْلَمُ ، أَسَمِعْتَ جَرْسَ طيرانِهِ أو سمعتَ صياحَهُ على اختلاف أنواع الصياح؟ فهذا مِثَالٌ يُقَتَاسُ عَلَيهِ وَيُرَدُّ نحوُهُ ـ إذا أشكلَ ـ عليهِ (٣).

٢ ـ حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه

قَرَأ ابن جَمَّاز : (واللهُ يُريدُ الآخرةِ) (٤) يَحْمِلُهَا عَلَى عَرَضَ الآخرة.

قَالَ أَبو الفتح : وَجْهُ جوازِ ذَلِك على عِزَّتِهِ وَقَلَةِ نظيرهِ أَنَّهُ لَـمَّـا قَالَ :

__________________

(٣) المحتسب : ١ / ٢١١ ـ ٢١٣.

(٤) سورة الشعراء : ٢٦ / ٧٢.

(١) المحتسب : ٢ / ١٣٠.

(٢) من قوله تعالى من سورة الأنفال : ٨ / ٦٧ : (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ).

٣٤٠