أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

العَلَم

دخول لام التعريف على الأعلام

قَرَأَ ابنُ محيصن وعِكرِمة ـ بخلاف ـ والحسنُ وأَبو رجاء : (وَإنَّ الْيَاسَ) (١) بغير همز. (سَلاَمٌ عَلى الْيَاسِينَ) (٢) بغير همز.

قال أبو الفتح : أَمَّا (الْياسَ) موصولَ الألفِ فَإنَّ الاسم مِنْهُ (يَاسٌ) بمنزلة باب ودار ثمّ لحقه لامُ التعريفِ فصارَ (الياس) بمنزلة الباب والدار. ويشهد لوصل ألف (الْيَاس) قوله :

 ......

أُمَّهَتـيِ خِنْـدِفُ واْليَـاسُ أَبِـي (٣)

وتكونُ لام التعريفِ هُنَا ـ بمنزلتِها في اليسع (٤) ـ زائدة لأِنَّ الاسمَ علمٌ

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الصافّات : ٣٧ / ١٢٣ : (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنْ الْمُرْسَلِينَ).

(٢) سورة الصافّات : ٣٧ / ١٣٠ : (سَلاَمٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ).

(٣) لقصيّ بن كلاب جدِّ النبي (صلى الله عليه وآله) وقبله :

إنِّي لَدَى الحربِ رخِيُّ اللبَبِ

عندَ تنادِيهم بِهَال وَهَبِ

معتزمُ الصولةِ عالي النَّسَبِ

أمَّهَتِي خِنْدِفُ والياسُ أَبي

انظر : المحتسب : ٢ / ٢٢٤ وجمهرة أشعار العرب : ٣ / ٢٦٧.

(٤) اليسع : اسم أَعجمي معرفة والألف واللاّم فيه زائدتان وقيل هو فعل مستقبل سُمِّيَ بِهِ ونكر فدخله حرفا التعريف. انظر : مشكل إعراب القرآن : ١ / ٢٥٩ ـ ٢٦٠ وإملاء ما منَّ به الرحمن : ١ / ٢٥١ والبيان : ١ / ٣٣٠.

١٢١

ولَيْسَ بصفة فيجري مجرى العباسِ والحارثِ (١).

قالَ أَبو عثمان (٢) : سَأَ لْتُ الأصمعيَّ عَنّ قَولِ الشاعِر :

وَلَقَد جَنَيتُك أَكموءاً وَعَسَاقِلاً

وَلَقْدَ نَهَيْتُك عَنْ بَنَاتِ الأوْبَرِ (٣)

فقالَ : الألِفُ واللاّمُ هُنَا زِيَادَةٌ. ولِذَلِك نظائر كثيرة ، ولو قيل : إنَّها لَحِقَتْ هنا لأِ نَّهُ مَصدَرٌ ، فَشُبِّهَ بالصفة ، كالعلاءِ والفَضْلِ لَكانَ وَجْهاً (٤).

دخول لام التعريف على الأعلام لغير المدح

قَرَأَ سعيد بن جُبَير : (ثُم أَفِيضُوا مِن حَيثُ أَفَاضَ النَّاسِي) (٥) يعني آدم (عليه السلام) لقوله تعالى : (فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً) (٦).

قال أَبو الفتح : في هذهِ القراءةِ دلالة على فَسَادِ قولِ مَنْ قَالَ : إنَّ لامَ التعريفِ إنَّما تدخلُ عَلى الأعلامِ للمدحِ والتعظيم ، وذلك نحو العبَّاس والمظفّر ، وما جرى مجراهما. ووجه الدلالةِ مِنْ ذَلِك : أَنَّ قولَهُ (النَّاسِي) إنَّمَا

__________________

(١) دخول لام التعريف في مثل هذا المقام للمدح والتعظيم. قال سيبويه : زَعَمَ الخليل أَنَّ الذين قالوا : الحارث والحسن والعبّاس إنَّمَا أرادوا أَنْ يجعلوا الرجلَ هو الشيءُ ولم يجعلوه سُمِّيَ به ، ولكنَّهم جعلوه كأ نَّهُ وصفٌ له غلبَ عليهِ. الكتاب : ١ / ٢٦٧ والمحتسب : ١ / ١١٩.

(٢) اُنظر : المنصف : ٣ / ١٣٤.

(٣) العساقل : الكبار البيض الجياد من الكمأةِ ، وبنات أوبر : كمأة لها زغب وهي رديئة. اُنظر : المحتسب : ٢ / ٢٢٤ والخصائص : ٣ / ٥٨ والمنصف : ٣ / ١٣٤ وشرح المفصل لابن يعيش : ٥ / ٧١.

(٤) المحتسب : ٢ / ٢٢٣ ـ ٢٢٤.

(٥) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ١٩٩ : (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ).

(٦) سورة طه : ٢٠ / ١١٥.

١٢٢

يُعْنَى بِهِ آدم عليه السلام فصارت صفة غالبة كالنابغة والصَّعِق ، وَكَذَلِك الحارث والعبّاس ، والحسن والحسين ، هي وإنْ كانِتْ أعلاماً فَإنَّها تَجري مجرى الصفات وَلِذَلِك قالَ الخليل (١) : إنَّهُم جعلوهُ الشَيءَ بِعَينِهِ أَيْ الذي حَرَثَ وَعَبَسَ ، فمحمولُ هَذَا أَنَّ في هذِه الأسماءِ الأَعلام التي أصْلُها الصفات معاني الأَفعالِ ، وَكَانتِ الأَفعالُ كما تَكونُ مَدْحاً فكذلك ما (٢) تَكَون ذمّاً فهي تُحقِّق في العلم مَعْنَى الصِّفَةِ ، مدحاً كانت الصِّفَةُ أوْ ذَمّاً.

فالمدحُ ما ذكرناه من نحو الحارث والمظفّر والحسين والحسن والذَّمُّ ما جاء من نحو قولهم : فلان بن الصَّعِق ، لأَنَّ ذلك داءٌ ناله فهي بلوى ، وأنْ يكون ذَمَّاً أَولى مِنْ أَنْ يَكُون مَدْحاً ، أَلاَ تَرَى أَنَّ المَدحَ ليسَ في مَقَامِ ذكر الأمراض والبلاوى ، وإنَّمَا يُقالَ فيه إنَّهُ كالأسدِ وإنَّهُ كَالسَّيفِ؟ وَمِنْهُ عمرو بن الحَمِقِ ، فَهذا ذَمٌّ لَهُ لا مدحٌ ، وعَلى أَنَّهُم قَد قَالُوا في الحَمِق ، إنَّهُ الصَّغيرُ اللحيةِ. والمعنى الآخر أَشيع فيه ألا ترى إلى قوله :

فَأَمَّا كَيِّسٌ فَنَجَا وَلَكِنْ

عَسَى يَغْتَرُّ بِي حَمِقٌ لَئِيمُ (٣)

وَمِنْهُ قُولُهُم : فلان بن الثعلَب فَدَخَلَته اللاّمُ ، وَهْوَ عَلَمٌ لِمَا فيهِ مِنْ معَنى الخِبِّ والخُبْثِ ، وذلك عيبٌ فيه لا ثناءٌ عليه.

والبابُ فيه فاش واسعٌ. فقد صحَّ إِذاً أنَّ ما جَاءَ من الأعلام وفيهِ لامُ

__________________

(١) انظر : الكتاب : ١ / ٢٦٧.

(٢) ما : زائدة.

(٣) هو من شواهد سيبويه التي سمّيت خطأً بالخمسين وهي أكثر والتي لم يعرف قائلها.

انظر : الكتاب : ١ / ٤٧٨ والمحتسب : ١ / ١١٩.

١٢٣

التعريفِ فَإنَّما ذَلِك لَمِا فيهِ مِنْ مَعنى الفعل والوصفيَّةِ ، ثناءً عليهِ كان ذلك أوْ ذَمّاً لَهُ.

وَإنَّما دَعَا الكتَّابَ وَنَحوَهُمْ إلى أنْ قَالوا : إنَّ دخولَ اللاّم هنا انَّما هو لِمَعنَى المدحِ أَنْ كان أَكثره كَذَلِك ، لأِ نَّهُ إنَّمَا العرف فيه أَنْ يُسمَّى من الأسماء الحاملةِ لمعاني الأفعالِ مِمَّا كانَ فيه مَعنَى المدحِ ، لا أَنَّ هذا مقصور على المدح دُونَ الذَّمِّ عندنا لما ذكرنا (١).

__________________

(١) المحتسب : ١ / ١١٩ ـ ١٢٠.

١٢٤

الممنوع من الصرف

قرأَ النبيُّ صلّى الله عليه وآله وعثمانُ ونصرُ بن علي والجَحدَري وأبو الجلْد ومالك بن دينار وأبو طعمة وابن مُحَيْصِن وزهير الفرقبي : (رَفَارِفَ خُضْر وَعَبَاقِريَّ حِسَان) (١).

قال أبو الفتح : أمَّا ترك صرفِ (عَبَاقِريَّ) فشاذٌّ في القياسِ ولا يستنكر شذوذُهُ في القياس ، مع استمراره في الاستعمال كما جاءَ عن الجماعة : (استحَوذَ عَلَيْهِمُ الشَّيطَانُ) (٢) وهو شاذٌّ في القياس مع استمرارِه في الاستعمالِ ، نعم وإذا كان قد جاء عنهم عنكبوت وعناكيب ، وتَخربُوت (٣) وتخاريب ، كانَ عَبَاقِريّ أَسهْلَ منه ، من حيث كانَ فيه حرف مشدَّدٌ ، يكادُ يجري مُجرى الحرفِ الواحِد ومع ذلك أنَّهُ في آخر الكلمة كيائي بُخَاتِيّ (٤) وزرابيّ وليس لَنَا أَنْ نتلقّى قراءَةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله إلاّ بقبولها والاعتراف لها (٥).

إنَّهم منعوا صرفَ أَحمدَ وأصرم (٦) لَمَّا أشبهَا بالمثال نحو اركب

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الرحمن : ٥٥ / ٧٦ : (مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَف خُضْر وَعَبْـقَرِيّ حِسَان).

(٢) سورة المجادلة : ٥٨ / ١٩.

(٣) التخربوت : الخيار الفارهة من الإبل.

(٤) البخاتيّ : الإبل الخراسانيّة الواحدة بختيّة : لسان العرب : ٢ / ٣١٣.

(٥) المحتسب : ٢ / ٣٠٦.

(٦) الأصرم : الفقير الكثير العيال. وفي الحديث أنَّهُ غيَّرَ اسمَ أصرم فجعله زُرعَة كراهةً لِمَا

١٢٥

واذهب (١).

أقول : لو صَحَّتْ نسبةُ هذه القراءة عن النَّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ليس لنا إلاّ قبُولُها لأنَّ القراءةَ سُنَّةٌ مُتَّبَعةٌ (٢) ; لكنَّ هذه القراءة عن الأرطباني ، عن عاصم الجحدري ، عن أبي بكرة ، قال : سمعتُ النَّبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقرأ : «رَفَارِفَ خُضْر وَعَبَاقِريَّ حِسَان» ولم يروِها غيرُهُ ، والأرطباني ضعيف ، قال أبو خيثمةَ لمَّا أُخبِرَ بهذه القراءةِ : (أَيش الأرطباني ، أيش الأرطباني ، أَحدٌ يسمعُ حديثَ الأرطباني!) (٣). وقال محمد بنُ يزيدَ الطَّبري (ت / ٣١٠ هـ) : (والقُرَّاءُ في جميع الأمصار على قراءةِ ذلكَ : «عَلَى رَفْرَف خُضْر وَعَبْقَرِيّ حِسَان» بغير أَلِف في كلا الحَرفينِ. وذُكِر عن النَّبيِّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) خبرٌ غيرُ محفُوظ ولا صحيحِ السَّندِ : «رَفَارِفَ خُضْر وَعَبَاقِريَّ حِسَان» (٤). ونَقَلَ ابنُ الجوزي قولَ الزَّجَّاج بشأنِ تلكَ القِرَاءةِ : (ولا وجهَ لهذهِ القراءةِ في العربيَّةِ) (٥). وقال الرَّازي (ت / ٦٦٦ هـ) : (وَقَرَأَ بعضُهُم : «وَعَبَاقِريَّ» ; وهو خطأ ; لأ نّهُ منسوبٌ لا يُجمَعُ مَعَ نسبتِهِ) (٦). وقالَ

__________________

فيه من معنى القطع. لسان العرب : ١٥ / ٢٣٢.

(١) المحتسب : ٢ / ٦٨.

(٢) الكتاب ـ بولاق ـ : ١ / ٧٤ والكتاب ـ تحقيق هارون ـ : ١ / ١٤٨ والحُجَّة : ٥٠ ، ٥١ ، ٥٢ وإعراب ثلاثين سورة من القرآن الكريم : ٢٤ و ٤٢ و ٥٤ والمحتسب : ١ / ٢٣٣ و ٢٩٢ والإتقان : ١ / ٢٦٠ والقراءات القرآنية بين المستشرقين والنحاة : ٤١.

(٣) تهذيب الكمال : ١٤ / ٤٢٥.

(٤) جامع البيان ٢٧ : ٢١٤ / ٢٥٧٣٩.

(٥) زاد المسير ٧ : ٢٧٤.

(٦) مختار الصحاح : ٢١٧ ـ عبقر ـ.

١٢٦

الشَّيخُ الطُّوسي (ت / ٤٦٠ هـ) : (ومَنَ قَرَأَ : «وَعَبَاقِريَّ» ; فقد غَلِطَ ; لأ نّه لا يكونُ بعدَ ألِفِ الجَمْعِ أربعةُ أحرف ولا ثلاثةٌ إلاّ أن يكونَ الثَّاني ليّناً نحو قناديل) (١).

عدم صرف ما ينصرف

قرأ الحسن : (مَكَانا سُوى) (٢) غير منوّن.

قال أَبو الفتح : ترك صرفِ (سُوى) ههُنَا مُشْكِلٌ ، وذلك أَنَّهُ وصفٌ على فُعَل ، وَذَلِك مَصْرُوفٌ عِنْدَهُمْ كَمال لُبَد (٣) ، وَرَجُل حُطَم (٤) ، ودليل خُتَع (٥) ، وسُكَع (٦) ، إلاَّ أَنَّهُ ينبَغي أَن يُحْمَلَ عليه أَنَّهُ محمول على الوقفِ عليهِ فجاءَ بترك التنوينِ ، فَإن وصل على ذلك فَعلى نحو من قولهِم : سَبسَبا (٧) وكلكلاً (٨) ، فجرى في الوصل مجراه في الوقف (٩).

__________________

(١) التبيان ٩ : ٤٨٦.

(٢) من قوله تعالى من سورة طه : ٢٠ / ٥٨ : (فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْر مِّثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ مَكَاناً سُوًى).

(٣) مال لُبَد : كثير. انظر : لسان العرب : ٤ / ٣٩٢.

(٤) الحُطَم : الظَّلُوم. ورجل حُطَم وحُطُم لا يشبَع لأِ نَّه يأكُلُ كلَّ شيء.

انظر : لسان العرب : ٥ / ٢٨.

(٥) دليل خُتَع : حاذق وماهر بالدلالة. لسان العرب : ١٠ / ٢٣.

(٦) السُّكَع : المُتحيّر. انظر : لسان العرب : ١٠ / ٢٣.

(٧) السَّبسَبُ : الأرض القفر ، والسبسب شجر يتّخذ منه السهام. لسان العرب : ١ / ٤٤٣.

(٨) الكلكل من الفرس : ما بينَ محزمِهِ إلى ما مسَّ الأرضَ منهُ إذا رَبَضَ.

انظر : لسان العرب : ١٤ / ١١٧.

(٩) المحتسب : ٢ / ٥٢.

١٢٧

أسماء الإشارة

هذه أصلها هذي

قَرأ ابن مُحَيْصِن (١) : (مِنْ هَذِي الشَّجرةِ) (٢).

قال أبو الفتح : هَذا هو الأصل في هذه الكلمة ، وإنَّمَا الهاءُ في (ذه) بدل من الياء في (ذي) (٣) يدلُّ على الياءَ الأَصل قولهم : في المذكر (ذا) فالأَلِف في (ذا) بدلٌ من الياءِ في (ذي) وأَصل (ذَا) عندنا (ذِيٌّ) ، وهو مِنْ مضاعفِ الياء مثل (حيٌّ) فَحُذِفَتِ الياءُ الثانيةُ التي هي لامٌ تخفيفاً فبقيَ ذي.

قال لي أبو علي : فكرهوا أنْ يشبه آخرُهُ آخِرَ (كيْ) و (رأيْ) ، وأبدلوها أَلِفاً (٤) كما أبدِلَتْ في ياءَس

__________________

(١) نَسبَ ابنُ خالويه هذه القراءة في الآية : ٢ / ٣٥ : من سورة البقرة إلى ابن كثير ولم يتعرّض لهذه القراءة في الأعراف. انظر : مختصر في شواذّ القرآن : ٤ و ٤٢ وفي البحر المحيط : ١ / ١٥٨ نُسِبَتْ إلى ابنِ مُحَيْصِن في سورة البقرة ولم يذكرها في سورة الأعراف. وانظر ما ذكرناه عن هذه القراءة في : ص : ١٠٦.

(٢) من قوله تعالى من سورة الأعراف : ٧ / ١٩ : (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ). وفي المحتسب : ١ / ٢٤٤ : (من هذه الشجرة) وهو تحريف. انظر : الحاشية (٥) وما ذكرناه في : ص : ١٠٦.

(٣) في الأصول في النحو لابن السراج : ٢ / ٤٠٢ : «تقول هذي أَمَةُ اللهِ ، فإذا وقفتَ قلتَ هذه فتكون الهاء عوضاً عن الياء».

(٤) البيان : ٣٥٧ وإِملاء ما منَّ به الرحمن : ١ / ٣١ و ٢٧٠.

١٢٨

ويايَس (١) ويدلُّ على أنَّ أَصلَ ذا ذَيٌّ وَأ نَّهُ ثلاثيٌّ جَوَازُ تحقيرِهِ في قولِك : ذيَّا ، ولو كان ثنائيًّا لَمَا جازَ تحقيرُهُ كما لا تحقر (ما) و (مَنْ) لِذَلِك. فَأمَّا الياءُ اللاّحقةُ بعدَ الهاء في (هذهِي سبيلي) (٢) ونحوه فزائدة لحقت بعدَ الهاءِ تشبيهاً لَها بِهَا والإِضمار في نحو مررتُ بِهيِ ، ووجه الشَّبَهِ بينَهُما أَنَّ كُلَّ واحد مِنْ الاسمين معرفة مبهمة لا يجوز تنكيره ، وإذا وقفتَ قلتَ هذهْ فَأَسكَنتَ الهاءَ. ومنهم من يدعها على سكونها في الوصل كما يُسَكّنها عند الوقف عليها (٣) ، كما أن منهم مَن يُسَكِّنُ الهاءَ المضمرة إذا وصلها (٤).

الأسماء الموصولة وحذف الضمير العائد

١ ـ حمل اللفظ على المعنى

أ ـ التي

قرأ ابن هرمز : (التي أرْضَعْنَكُم) (٥) بلفظ الواحد.

__________________

(١) المنصف : ٣ / ٣٥.

(٢) من قوله تعالى من سورة يوسف : ١٢ / ١٠٨ : (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَة أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي).

(٣) قال سيبويه : «ونحو ما ذكرنا قولُ بَني تَميم في الوقفِ : هذه فإذا وصلوا قالوا هذي فلانة ، لأنَّ الياءَ خفيَّةٌ فإذا سكتَّ عندها كان أخفى والكسرةُ مع الياء أَخفَى فإذا أَخفَيتَ الكسرةَ ازدادَتْ الياءُ خفاءً كما ازدادتِ الكسرةُ فأبدلوا مكانَها حرفاً من موضع أَكثر الحروف بها مشابهةً وتكون الكسرةُ معه أَبينَ. وأَمَّا أهلُ الحِجَازِ وغيرُهُم من قيس فألزموها الهاء في الوقف وغيره كما ألزمت طيء. اُنظر : الكتاب : ٢ / ٢٨٧ ـ ٢٨٨.

(٤) المحتسب : ١ / ٢٤٤ واُنظر : ص : ١٠٦ ـ ١٠٧.

(٥) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٢٣ : (وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ).

١٢٩

قال أَبو الفتح : ينبغي أن تكونَ التي هنا جنساً فيعودُ الضَّميرُ عليه على معناه دونَ لفظهِ ، كما قال اللهُ سبحانَهُ : (وَالَّذِي جَاء بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) (١) ثمّ قال (أُوْلَئِك هُمُ الْمُتَّقُونَ) (٢) فهذا على مذهب الجنسية كقولك : الرجل أفضل من المرأة ، وهو أَمثل مِنْ أنْ يُعتَقَد فيهِ حذفُ النونِ من الذي كما حذفت في (اللذا) في قوله :

 ...... إنَّ عَمَّيّ اللذا

 ...... (٣)

ألا ترى ان قوله : (التي أرْضَعتكم) لا يجوز أن يعتقد فيه حذف النون لأ نّه لا يقال : اللتين ، والقول الآخر وجه إلاّ أَنَّ هذا أَقوى لهذه القراءة وعليه قول الأشهب بن رُمَيلَة :

وإنَّ الذي حانتْ بفلج دماؤُهم

همُ القوُم كل القوم يا أُمَّ خَالدِ (٤)

يحتمل المذهبين : حذف النون من الذين واعتقاد مذهب الجنسية على ما مضى (٥).

ب ـ مَـنْ

قَرأَ عمرو بن فائد الأسواري ، ورويت عن يعقوب : (يا نساء النبي من

__________________

(١ و ٢) سورة الزمر : ٣٩ / ٣٣.

(٣) من قول الأخطل :

أَبَنِي كُلَيْب إِنَّ عَمَّيَّ اللذا

قَتَـلا المُلـوك وَفـكَّـكَا الأَغْــلالا

انظر : ديوان الأخطل : ٤٤ والكتاب : ١ / ٩٦ والمحتسب : ١ / ١٨٥.

(٤) انظر : الكتاب : ١ / ٩٦ والخزانة طبعة بولاق : ٢ / ٥٠٧ وشواهد المغني للسيوطي : ١ / ١٧٥ والمحتسب : ١ / ١٨٥.

(٥) المحتسب : ١ / ١٨٥.

١٣٠

تأت منكنَّ) (١) بالتاء.

قال أبو الفتح : هذا حمل على المعنى ، كأَنَّ (مَنْ) هُنا امرأة في المعنى ، فكأ نّه قال : أيَّة امرأة أتتْ مِنُكنَّ بفاحشة ، أو تأتي بفاحشة ، وهو كثير في الكلام معناهُ للبيانِ كقولِ اللهِ سبحانَهُ : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ) (٢) ، وقول الفرزدق :

تَعَشَ فَإنْ عَاهَدتَني لاَ تَخُونُنِي

نَكُنْ مِثْلَ مَنْ يا ذئبُ يصطحبانِ (٣)

أي مثل اللذينِ يصطحبانِ ، أَو مثلَ اثنينِ يصطحبانِ وأَنْ يكونَ على الصّلةِ أَولى مِنْ أَنْ يكونَ على الصّفةِ. فكأنَّ الموضع في هذا الحمل على المعنى إنَّمَا بابهُ الصّلةُ ثمّ شابهت بها الصّفة ، ثمّ شُبِّهتِ الحالُ بالصّفةِ ، ثمّ شُبِّهَ الخبرُ بالحال ، كذا ينبغي أَنْ يُرَتَّبَ هذا البابُ مِنْ تنزيل ، ولا ينبغي أَنْ يؤخذَ باباً سرداً وطرحاً واحداً ، وذلك أَنَّ الصّلَةَ أذهبُ في بابِ التخصيص من الصّفةِ لإبهام الموصل فَلَمَّا قويتِ الحاجةُ إلى البيان في الصّلة جاء ضميرُها من الصّلةِ على معناها لأِ نَّهُ أَشدُّ إفصاحاً بالغرضِ وأَذهبُ في البيان المعتمدِ.

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الأحزاب : ٣٣ / ٣٠ : (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَة مُّبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ) والمراد بالفاحشة هنا الذنب الكبير.

(٢) من قوله تعالى من سورة يونس : ١٠ / ٤٢ (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ).

(٣) يروى (تعال) مكان (تعش) و (وَاثَقْتَنِي) مكان (عَاهَدْتَنِي). انظر : ديوان الفرزدق : ٨٧٠ والكتاب : ١ / ٤٠٤ والمقتضب : ٢ / ٢٩٥ والخصائص : ٢ / ٤٢٢ والمحتسب : ١ / ٢١٩ و ٢ / ١٧٩ وشرح المفصل : ٢ / ١٣٢ و ٤ / ١٣ والمغني : ٢ / ٤٠٤ والهمع : ١ / ٨٧ ـ ٨٨ وشرح الأشموني : ١ / ١٥٣.

١٣١

فأمَّا ما أنشدَنَا أبو علي عن الكسائي من قول الشاعر :

أخُو الذِّئبِ يعوي والغُرابُ وَمَن يَكُنْ

شَرِيكَيهِ تَطْمَعْ نَفْسُهُ كُلَّ مَطْمَعِ (١)

ففيه نظر ، وكان قياسُه وَمَن يَكُنْ شريكيهما أوْ مَن يَكونا شَرِيكيهِ ، وَقَد كانَ أبو علي يتعسّف (٢) هذا وأقرب ما فيه أَنْ يكونَ تقديرُهُ : وَأيّ إِنسان يكونا شريكيه إلاَّ أَنَّهُ أعادَ إليهما معاً ضميراً واحداً ، وهو الضمير في (يَكُنْ) وساغَ ذلك إذ كانتِ (٣) الذئبُ والغرابُ في أكثر الأَحوال مصطحبين فجريا مجرى الشيء الواحد فعاد الضمير كذلك ، ومثله قوله :

لِمَنْ زُحلُوقــــةٌ زلُّ

بِهَا العينَانِ تنهـــلُّ (٤)

ولم يقل تنهلان لكونهما كالعضو الواحد. ومثله للفرزدق :

وَلوْ رَضِيَتْ يَدَايَ بِهَا وضَنَّتْ

لَكَانَ عليَّ لِلقَدَرِ الخيارُ (٥)

ولم يقل (٦) ضنتا (٧).

وَقَرأَ الحسنُ : (لَيَقولُنَّ) (٨) بضم اللاّم على الجمع.

__________________

(١) تقدّم الشاهد : ص : ٦٥.

(٢) انظر : ص : ٦٤.

(٣) كأ نّه ذهب بالذئب إلى معنى البهيمة.

(٤) البيت لامرئ القيس يصف القبر ويشبِّهُهُ بالزحلوقة وهي آثار تزلّج الصبيان من فوق التلِّ إلى أسفله. انظر : الديوان : ٧٤ والهمع : ١ / ٥٠ ولسان العرب : ١٣ / ٣٢٥.

(٥) روي (قرّت) مكان (ضنَّت) و (لها على القدر) مكان (علي للقدر) ، وضمير بها للنوار زوجه. انظر : الديوان : ٢٦٤ والخصائص : ١ / ٣٥٨ والمحتسب : ٢ / ١٨١.

(٦) في المحتسب رضيتا وما أثبتناه عن تصويب المحقّقين.

(٧) المحتسب : ٢ / ١٨١.

(٨) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٧٣ : (وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِّنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيتَنِي كُنتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً).

١٣٢

قال أبو الفتح : أعاد الضمير على معنى (مَنْ) لا على لفظها الذي هو قراءة الجماعة ، وذلك أنَّ قولَ اللهِ تعالى : (وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ) (١) لا يُعنى بهِ رجلٌ واحدٌ ، لكن معناه أنَّ هناك جماعة هذا وصفُ كلِّ واحد منهم ، فلمّا كان جمعاً في المعنى أعيد الضمير على معناه دون لفظهِ كقولهِ : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْك) (٢) الحال فيها واحدٌ ، وَكَأنَّ الموضعَ لَحِقَهُ احتياطٌ في اللفظ خوفاً مِنْ إشْكَالِ معناه ، فضمَّ اللاّم من ليقولُن ليُعلم أَنَّ هذا حكمٌ سارِ في جماعة ، ولا يُرى أَنَّهُ واحدٌ لا أكثر منهُ ، فاعرفْهُ (٣).

ج ـ الذي

قرأ ابن يَعمَر (٤) : (تَمامَا عَلى الَّذِي أَحْسَنُ) (٥).

قال أبو الفتح : هذا مستضعَفُ الاِعرابِ (٦) عندنا (٧) ، لِحَذفِك المبتدأ العائد

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة النساء : ٤ / ٧٢ : (وَإِنَّ مِنكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيداً).

(٢) من قوله تعالى من سورة يونس : ١٠ / ٤٢ : (وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ أَفَأَنتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَلَوْ كَانُواْ لاَ يَعْقِلُونَ).

(٣) المحتسب : ١ / ١٩٢.

(٤) ونسبت إلى ابن أبي إسحاق والحسن والأعمش. انظر : البحر المحيط : ٤ / ٢٥٥ وإتحاف فضلاء البشر : ١٣٢.

(٥) من قوله تعالى من سورة الأنعام : ٦ / ١٥٤ : (تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْء).

(٦) قال سيبويه : واعلم أنّه قبيح أنْ تقولَ هذا مَنْ منطلقٌ إذا جعلتَ المُنطلقَ حشواً : أو وصفاً ، فإنْ أطلتَ الكلامَ فقلتَ مَنْ خيرٌ منك حَسُنَ في الوصفِ والحَشوِ.

انظر : الكتاب : ١ / ٢٧٠ وإملاء ما منَّ به الرحمن : ١ / ٢٦٦.

(٧) لم يرَ الكوفيون في ذلك ضعفاً. انظر : همع الهوامع : ١ / ٩٠.

١٣٣

على الذي ، لأَنَّ تقديره : تماماً على الذي هو أَحسنُ ، وَحذفُ (هوَ) من هنا ضعيفٌ ، وذلك أنّه إنِّما يُحذَفُ من صلةِ الذي الهاء المنصوبة بالفعل الذي هو صلتها ، نحو مَرَرْتُ بالذي ضربتَ أي ضربتَهُ ، وأكرمتُ الذي أهنتَ أي أهنتَهُ فالهاءُ ضميرُ المفعولِ ومن المفعولِ بدٌ وطالَ الاسمُ بصلتِهِ فَحُذِفَتِ الهاءُ لذلك وليس المبتدأ بنيِّف ولا فضلة فيُحذَفُ تخفيفاً ، ولا سيّما وهو عائدُ الموصولِ وإِنَّ هذا قد جاءَ نحوهُ عَنْهُمْ.

حَكَى سيبويه عن الخليل : (ما أنا بالذي قائل لك شيئاً وسواءاً) (١) أي : بالذي هو قائل ، وقال :

لَمْ أَر مِثْلَ الفِتْيَان فِي غبن الـ

أيَّامِ يَنسونَ ما عواقِبُها (٢)

أي ينسونَ الذي هوَ عواقبُها.

ويجُوز أَنْ يكوَنَ (ينسونَ) معلقةً كما علقوا نقيضتَها التي هي يعلمون وتكون (ما) استفهاماً (٣) وعواقبُها خبرُ (ما) كقولِك : قد علمتُ مَنْ أَبوك وعرفتُ أَيَّهُم أَخوك ، وَعلى الوَجهِ الأول حمله أصحابنا (٤).

د ـ مـا

قرأَ رؤبة : (مَثَلاً مَا بَعُوضَةٌ) (٥) بالرفعِ.

__________________

(١) الذي في الكتاب : ١ / ٢٧٠ (ما أنا بالذي قائل لك سوءاً).

(٢) لعدي بن زيد. المحتسب : ١ / ٢٣٥ وخزانة الأدب : ٣ / ٣٥٣.

(٣) نقل ذلك البغدادي في الخزانة : ٣ / ٣٥٤.

(٤) المحتسب : ١ / ٢٣٤ ـ ٢٣٥.

(٥) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ٢٦ : (إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا).

١٣٤

قال أَبو الفتحِ : وَجْهُ ذَلِك أَنَّ (ما) هاهنا اسمٌ بمنزِلة الذي أَي : لا يستحي أنْ يضربَ الذي هو بعوضةٌ مثلاً فحذفَ الموصُول وهو مبتدأ.

ومثله قراءة بعضهم : (تَمَاماً عَلى الَّذِي أَحسنُ) (١).

أَيّ على الذي هُو أَحسنُ. وَحَكى صاحبُ الكتابِ عن الخليلِ : ما أنا بالذي قائلٌ لك شَيئاً (٢). أَي : الذي هوَ قائلٌ لك شيئاً وعليهِ قولُهُ :

لَمْ أَر مِثْلَ الفِتْيَان فِي غبن الـ

أيَّامِ يَنسونَ ما عواقِبُها (٣)

أَي : ينسونَ الذي هو عواقبها وحذفُ الضمير من هنا ضعيفٌ (٤) لأَ نَّهُ ليسَ فضل كالهاءِ في نحو ضربتُ الذي كلمتَ ، أَي كلمتَهُ ، وإنْ شئتَ كانَ تقديرُهُ : ينسونَ أَي شيء عواقُبها فتكون ما استفهاماً ، وعواقبُها خبراً عَنها ، والجملة في موضع نصب بينسون ، وجازَ فيها التعليقُ لأ نَّها ضدُّ يذكرونَ ويعلمونَ (٥) فيجري مجرى قولك لا تنسَ أَيَّنا أَحقُّ بكذا. وأَتذكرُ أَزيدٌ أَفضلُ أَم عمرٌو (٦)؟ وقرأَ أَبو رجاء : (لِمَا مَتَاعُ) (٧).

قالَ أَبو الفتح : ما هنا بمنزلةِ الذي ، والعائد إليها من صلتها محذوف

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الأَنعام : ٦ / ١٥٤ : (ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِيَ أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْء) وتنظر : ص : ١٣٣.

(٢) ينظر ما تقدّم في : ص : ١٣٤ والكتاب : ١ / ٢٧٠.

(٣) تقدّم الشاهد في : ص : ١٣٤.

(٤) تنظر ص : ١٣٤.

(٥) تنظر : ص : ١٣٤.

(٦) المحتسب : ١ / ٦٤.

(٧) من قوله تعالى من سورة الزخرف : ٤٣ / ٣٥ : (وَإِن كُلُّ ذَلِك لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّك لِلْمُتَّقِينَ).

١٣٥

وتقديره : وإنْ كانَ ذلك لِلَّذي هُوَ متاعُ الحياةِ الدنيا ، فَكَأَ نَّهُ قالَ : وإنْ كلّ ذلك لِمَا يُتَمتَّعُ بهِ مِنْ أَحوالِ الدّنيا ، فجازَ حذفُ هَذا الضمير على انفصاله جوازاً قصداً لا مستحسناً ومثله على توسّطه قراءة من قرأ (١) : (مَثَلاً مَا بعُوضَةٌ) (٢) أَي : مَا هوَ بعوضةٌ ، وقوله :

لَمْ أَر مِثْلَ الفِتْيَان فِي غبن الـ

أيَّامِ يَنسونَ ما عواقِبُها (٣)

أي ينسون الذي هو عواقِبُها (٤).

هـ ـ ذو الطائية

قرأ محمّد بن علي وجعفر بن محمّد عليهما السّلام : (يَحكُمُ بِهِ ذُو عَدْل مِنْكُم) (٥).

__________________

(١) هي قراءة رؤبة انظر : ص : ١٣٤.

(٢) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ٢٦ : (إِنَّ اللهَ لاَ يَسْتَحْيِيَ أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً).

(٣) تقدّم الشاهد : ص : ١٣٤.

(٤) المحتسب : ٢ / ٢٥٥.

(٥) من قوله تعالى من سورة المائدة : ٥ / ٩٥ (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْل مِنْكُمْ).

والقراءة المذكورة أخرجها عن الإمام الصادق (عليه السلام) ثقة الإسلام الكليني في روضة الكافي ٨ : ٢٠٥ / ٢٤٧ بسند صحيح ، وأخرجها العياشي عن عبد الله بن سنان ، عن الإمام الصادق (عليه السلام) كما في وسائل الشيعة ٢٩ : ٢٨٨ / ٣٥٦٣٨ (١٤) ضمن حديث طويل ، وصرّح العلاّمة الطبرسي في مجمع البيان ٣ : ٤٢٦ بأن هذه القراءة هي قراءة الإمام الباقر والإمام الصادق (عليهما السلام).

ونسب النحاس في معاني القرآن ٢ : ٣٧٦ / ١٦٧ هذه القراءة إلى أبي موسى الأشعري وابن عباس من الصحابة ، وإلى عبيدة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير وشريح وابن سيرين والشعبي من التابعين.

١٣٦

قال أبو الفتح : لَمْ يوحّد ذو لاَِنَّ الواحدَ يكفي في الحكمِ ، لَكّنَهُ أَرادَ معنى مَنْ ، أَي يحكمُ بهِ مَنْ يعدِل ، ومن تكون للاثنين كما تكون للواحد نحو

قوله :

 ......

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان (١)

وفي قراءة أبي السمال : (مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبُوْ) (٢) مضمومة الباء ساكنة الواو ، من الشذوذ وقوع الواو بعد الضمّة في آخر الاسم ، وهذا شيء لم يأتِ إلاّ في الفعلِ نحو يغزو ويدعو ويخلو ، فأما (ذو) الطائية التي بمعنى الذي نحو قوله :

 ......

لأَنْتَحِياً للعظمِ ذو أَنَا عارِقُهْ (٣)

فَشَاذٌّ ، وَعَلى أَنَّ مِنْهم من يغيِّرُ هذه الواو وإذا فارق الرفع فيقولُ : رأيتُ ذَا قامَ أَخوه ، ومررتُ بِذِي قامَ أَخوهُ ، وَسَأَلتُ أَبا علي عن حكايةِ أَبي زيد : (فَعْلْتُهُ مِنْ ذِي إلينا).

فقال : أَرادَ من الذي إلينا.

فقلت : فهذا يوجِبُ عليهِ أنْ يقولَ : من ذو إلينا.

فقال : ـ وهو كما قال ـ : قد تُغَيَّرُ هذه الواوُ في النصب والجرّ ، وعلى أَنَّ

__________________

(١) تقدّم الشاهد : ص : ١٣١.

(٢) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ٢٧٨ : (اتَّقُوا اللهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَوآْ).

(٣) صدره : لَئِنْ لم تُغَيِّرْ بعضَ مَا قد صَنَعْتُمُ

والبيت لعارق الطائي واسمه قيس بن جروة بن عرقان ويروى (فإنْ) مكان (لَئِنْ) و (بَعدَمَا) مكانَ (بعضَ مَا) انتحاهُ قصدَهُ وذُو بمعنى الذي في لغةِ طئ والعارق مُنتَزِعُ اللحمِ منَ العظم. انظر : ديوان الحماسة : ٢ / ٣٥٠ والمحتسب : ١ / ١٤٢ ونوادر المخطوطات : ٢ / ٣٢٨ واللسان : ١٢ / ١٢١ والمزهر : ٢ / ٤٤٨.

١٣٧

(ذو) هذه لَمَّا كانت موصولةً وقعتْ واوُها حشواً فأشبهتْ واوَ طومار (١) ، كما أشبهتْ عند صاحب الكتاب ياءُ معديكرب ياء دردبيس (٢). (٣)

لام التعريف

دخول لام التعريف على الجملة

نقل أبو الفتح حكايةَ الفراء عن بعضهم ، وجرى ذكر رجل فقيلَ : ها هو ذا.

فقال مجيباً : الها هو ذا هو.

فإلحاقه لام المعرفة بالجملة المركبة من المبتدأِ والخبر أقوى دليل على تنزلها عندهم منزلة الجزء الواحد.

نعم وفي صدر هذه الجملة حرف التنبيه ، وهو يكاد يفصلها عن لام التعريف بعض الانفصال ، وهما مع ذلك كالمتلاقيتين المعتقبتين مع حجزه بينهما واعتراضه على كلّ واحد منهما (٤).

__________________

(١) الطومار : الصحيفة. قيل : هو دخيل. لسان العرب : ٦ / ١٧٥.

(٢) الدردبيس : الداهية والشيخ والعجوز الفانية والخرزة التي تتحبَّبُ بها المرأة إلى زوجها.

انظر : لسان العرب : ٧ / ٣٨٤.

(٣) المحتسب : ١ / ١٤٢.

(٤) المحتسب : ١ / ٣٩.

١٣٨

الباب الثالث

المبتدأُ والخبر ونواسخهما

١٣٩
١٤٠