أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

الدكتور حازم الحلّي

أثر المحتسب في الدراسات النحويّة

المؤلف:

الدكتور حازم الحلّي


المحقق: المكتبة الأدبيّة المختصّة
الموضوع : اللغة والبلاغة
الناشر: المكتبة الأدبيّة المختصّة
المطبعة: الوفاء
الطبعة: ١
ISBN: 978-600-7100-33-2
الصفحات: ٧٢٠

المضمر الهاء ثمّ زيدت عليها الميم ، علامة لتجاوز الواحد من غير اختصاص بالجمع ، ألا ترى الميم موجودة في التثنية : (عليهُما)؟

وأَمَّا الواو فَلإخلاص الجمعية.

وأَمَّا (عليهِمِي) فطريقُهُ : أَنَّهُ كُسِرَتِ الهاءُ لوقوع الياءِ قبْلَهَا ساكنةً.

وضعف الهاء ، فأشبهت لذلك الألف ، لاسيما وهي تجاوزها في المخرج.

لا بل أبو الحسن يَدَّعي أَنَّ مخرج الأَلِفِ هو مخرجُ الهاءِ البتة. فَكَما أنَّ الياءَ الساكنة إذا وقعتْ قبلَ الألِفِ قلبتَها ياءً نحو قولِك في تصغير كتاب : كُتَيّب كذلك كُسِرتِ الهاءُ فكانَ انكسار الهاءِ للياءِ قبلها تغييراً لحقها لهما ، كما أَنَّ انقلابَ الألفِ ياءً لمكانها تغييرٌ لَحِقَهَا من أَجلِهَا ، فصارَ اللفظُ بها من بعدُ عليهِمُو ، فَكَرِهُوا الخروجَ من كسر الهاء إلى ضَمِّ الميمِ ثم الواو من بعدها فكسروا الميمَ لذلك فصارت عليهِمِو فانقلبتِ الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فصارت عليهِمِي.

ومن كسَر الهاءَ وضمَّ الميمَ وحذفَ الواوَ فقال : (عليهِمُ) فَإنَّهُ لما انتهتْ بهِ الصَّنعَةُ إلى كسرِ الهاءِ احتملَ الضَّمَّةَ بعدَ الكسرةِ لأِ نَّها ليستْ بلازمة إذ كانت أَلِفُ التثنية تفتحها ، لكنَّهُ حذفَ الواوَ تفادياً من ثقلها مع ثقل الضَّمَّةِ التي تجشَّمَها. ومن قرأ (عليهُمُ) بضم الهاء والميم فإنّه حذف الواوَ تخفيفاً

__________________

شِئتَ حَذَفْتَ ، وإنْ شِئتَ أثبَتَّ ، فَإنْ حَذَفْتَ أَسْكَنْتَّ الميمَ فالإثبات : عَليَكُمُو ، وأَنتُمو ذاهِبون ولديهمي مالٌ فأَثبتوا كما تثبتُ الألفَ في التثنية إذا قلت : عَليكُما وأَنَتما وَلَدَيْهما.

انظر : الكتاب : ٢ / ٢٩٢ وانظر : التكملة : ٣٦ وما بعدها.

١٠١

واحتملَ الضَّمَّةَ قبلها دليلاً عليها.

لكن من قال : (عليهُمِي) بهاء مضمومة وياء بعد الميم ففيه نظر ، وذلك أَنَّهُ كَرِهَ ضمَّةَ الهاءِ وضَمَّةَ الميم ووقوع الواو من بعد ذلك كما كُرِهَ في الاسم المظهرِ وقوعُ الواو طَرَفاً بعدَ ضَمَّة ، وذلك في قولِهِمْ في دَلو وحَقو (١) : أدل وأَحق ، وأصلُها : أَفْعُل ادْلُو وَأحقُوٌ ، كَكَلْب وَأَكَلُب ، فأبدلوا من الضمّة كسرة تطرقا إلى قلبِ الواو ، فصارت في التقدير : أدْلِوٌ وأَحْقِوٌ فَقُلِبَتِ الواوُ ياءً بعذر قاطع وهو : وقوعُ الكسرةِ قبلها ، فصارتْ أدْلِيٌ ، وأحْقِيٌ ، وَكَذَلِك أبدلت ضمَّةُ الميمِ مَن (عليهُمُو) كسرةً فصارتْ عليهُمِو ، فأبدِلَتِ الواو ياء للكسرة قبلها فصارت عليُهِمي.

وأما (عليهُمِ) بكسرة الميم من غير ياء فانه لمَّا كانتِ الصفةُ فيه إنَّمَا طريقُهَا الاستخفافُ اكتُفِيَ بالكسرةِ من الياءِ ، وَكَذلك مَنْ قالَ : (عليهِمُ) بكسر الهاءِ مع ضمِّ الميمِ اكتفى بالضَّمَّةِ من الواوِ ، وقد ذكرناه.

وَمَنْ قالَ : (عليهِمِ) بكسرِ الهاءِ والميمِ من غيرِ ياء فإنَّهُ اكتفَى بالكسرةِ أيضاً من الياء استخفافاً ، فأَمَّا قولُ الشاعر ورويناه عن قطرب :

فهمو بِطانَتُهُم وهُمْ وزراؤهم

وَهُمِ القضاةُ ومنهمُ الحُكَّامُ (٢)

وروينا عنه أيضاً :

أَلا إنّ أصحابَ الكنيفِ وجدتُهُمْ

همِ الناسَ لما أَخصبوا وَتَمَوَّلُوا (٣)

__________________

(١) الحقو : الكشح وقيل معقد الإزار. لسان العرب : ١٨ / ٢٠٦.

(٢) في هذا البيت كما لا يخفى ميمٌ مضمومة وثانية ساكنة وثالثة مكسورة.

انظر : الخصائص : ٣ / ١٣٢ وشرح المفصل : ٣ / ١٣٢ والمحتسب : ١ / ٤٥.

(٣) البيت لعروة بن الورد. انظر : ديوان عروة بن الورد : ١٠٣ وشرح المفصل : ٣ / ١٣١.

١٠٢

فقوله : وَهُمِ القضاة ومنهمِ الحكام ، فيحتمل كسر الميم وجهين :

أحدهما : أنْ يكونَ حَرَّكَهُ لالتقاءِ الساكنين.

والآخر : أنْ يكونَ على لغةِ من قالَ عليهُمِي ، فحذفَ الياءَ ، لالتقاء الساكنين من اللفظ ، وهو ينويها في الوقف.

ووجهٌ ثالثٌ : أَنْ يكونَ على لغةِ مَن قالَ عليهُمِ بكسر الميم من غير ياء.

وقوله : (همِ الناس) يَحتَمِلُ أَيضاً هذه الأَوجهَ الثلاثةَ.

وروينا عن قطرب أَيضاً : عافاكمِ الله ، ففيه أيضاً مَا فِيَما قَبْلَهُ ، واللغات في هَذا وَنَحوِه كَثير (١).

وَقَرَأ عبد الله بن يزيد : (أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهُ رِجَالٌ) (٢) بكسرِ هاءِ (فيه) الأولى ، وَضَمِّ هاءِ (فيه) الآخرة مُخْتَلَسَتينِ.

قال أبو الفتح : أصلُ حركةِ هذهِ الهاءِ الضمُّ ، وإنَّما تكسَرُ إذَا وَقَعَ قبلَها كسرة أَو ياء ساكنة كقولِك : مررتُ بهِ ونزلت عليهِ. وقد يجوز الضَّمُّ مع الكسرة والياء ، وقد يجوز إشباعُ الكسرةِ والضَّمَّةِ ومطلها إلى أَنْ تحدثُ الواوُ والياءُ بعدهمَا نحو مررتُ بهِي وبهُو ، ونزلتُ عليهِي وعليهُو ، وهذا مشروح في أماكنه لكنَّ القولَ في كسر (فيه) الأولى وضم (فيه) الثانية.

والجواب : أَنَّهُ لو كسرهما جميعاً أَو ضمهما جميعاً لكان جميلاً حسناً

__________________

(١) المحتسب : ١ / ٤٣ ـ ٤٦.

وأبو الفتح في تعليلاتِهِ هذه نظر إلى سيبويه في الكتاب : ٢ / ٢٩١ ـ ٢٩٨ وإلى آراء شيخِهِ أبي علي الفارسي في التكملة : ٣٦ وما بعدها.

(٢) من قوله تعالى من سورة التوبة : ٩ / ١٠٨ : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَ ى مِنْ أَوَّلِ يَوْم أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ).

١٠٣

غير أَنَّ الذي سَوَّغَ الخِلافَ بينَهما عِنْدِي هوَ تكرير اللفظ بعينه ، لأِ نّهُ لو قالَ : (فيهِ فيهِ) أو (فيهُ فيهُ) لتكرر اللفظُ عينهُ البتة.

وقد عرفنا ما عليهم في استثقالهم تكرير اللفظ حتَّى أَنَّهم لا يتعاطونه إلاَّ فيما يتناهى عنايتهم بهِ ، فيجعلون ما ظهر مِنْ تَجَشُّمِهم إيَّاهُ دلالةً على قوةِ مراعاتِهم لَهُ ، نحو قولِهم : ضربتُ زيداً ضربتُ ، وضربتُ زيداً زيداً ، وقولهم قُمْ قائماً وقولهم فيما لا محالة في توكيدِهِ ، أَعني الأذان : الله أَكبر الله أكبر الله أكبر.

فإنْ قِيلَ : فَلِمَ كُسِرَ الأولُ وَضُم الآخر وهلا عُكس الأمرُ؟ ففيه قولان :

أحدهما : أنَّ الكسَر في نحو هذا أَفشى في اللغة فقُدِّمَ ، والضم أَقل استعمالاً فأُخِّرَ.

والثاني : ـ وهو أَغمض ـ وهو أَنَّ (فيه) الأولى ليست في موضع رفع ، بل هي منصوبة الموضع بقوله تعالى : (تَقُومَ) ، من قوله : (أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيْهِ).

و (فِيهِ) من قوله : (فِيهِ رِجَالٌ) في موضع الرفع ، لأِنه خبر مُبتَدَإ مقدَّم عليه ، والمبتدأ (رجال) ، (فيه) خبر عنه ، فهو مرفوع الموضع.

فلمَّا كانَ كذلك سبقتِ الضَّمَّة لتصور معنى الظرف.

ومعاذ الله أنْ نَقُول : إنَّ ضَمَّةَ الهاءِ من (فيه) عَلَمُ رفع ، كيفَ ذلك والهاءُ مجرورة الموضع بـ (في)؟ نعم وهي اسمٌ مضمرٌ ، والمضمرُ لا إعرابَ في شيء منه ، وهي أيضاً مكسورةٌ في أكثر اللغة. هل يجوز أنْ يظنَ أَحدٌ أنَّ الضَّمَّةَ فيها عَلَمُ رفع؟ لكنَّ الكلمةَ مرفوعةُ الموضع ، وتصور معنى الرفع فيها أسبق إلى اللفظ كما ذهب بعضُهُم في ضَمَّةِ تاءِ المُتَكَلِّمِ في نحو قمتُ وذهبتُ إلى أَنها إنّما بنيتْ على الضَّمِّ لمحاً لموضِعِها من الإعراب ، إذ هي

١٠٤

مرفوعةٌ وكانتْ أقوى من تاء المذكر والمؤنث في نحو قمتَ وقمتِ ، فكانت لذلك أحق بذلك (١).

وليسَ الظرفُ هنا وَصفاً لمسجد ، بل هو على الاستئناف. والوقف عندنا على قولهِ : (أَحقّ أنْ تَقُوَم فيهِ) ثُمَّ استؤنفَ الكلامُ فَقيِلَ : (فِيهِ رِجَالٌ) وهذا أولَى من أَنْ يَحمِلَ الظرفُ وصفاً (لمسجد) لما فيه من الفصل بين النكرة وصفتها بالخبر الذي هو (أحقُّ) ولأِ نّك إذَا استأنفتَ صار هناك كلامان ، فكان أَفخر مِنْ الوصفِ مِنْ حيث كانتِ الصفة مع موصوفها كالجزء الواحد (٢).

وقرأ أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد : (فَذَلِك نُجْزيهُ) (٣) برفعِ الهاء والنون. قال أبو الفتح : أُقِرَّتِ الهاءُ على ضَمَّتِها وهو الأصل ، كما قرأَ أَهلُ الحجاز : (فَخَسَفْنَا بِهُو وَبِدَارِهُو الأَرْضَ) (٤) وزاد في حُسنِ الضمةِ هنا أَنَّ

__________________

(١) قال ابن يعيش في شرح المفصل : ٣ / ٨٦ : «إنَّما خُصَّت التاء هنا بالضَّمِّ دونَ غيرِهِ ، لأمرين :

أحدُهما : أَنَّ المتكلم أول قبل غيره فأعطي أولَ الحركات وهي الضَّمَّةُ.

والأمرُ الآخر : أَنَّهم أرادوا الفرقَ بين ضميري المتكلم والمخاطَبِ فنزل المتكلم منزلةَ الفاعلِ ونزلوا المخاطبَ منزلةَ المفعول به من حيث كان هذا مخاطِباً وذاك مُخاطَباً فضمّوا تاء المتكلم لتكون حركتُها مجانِسَةً لحركةِ الفاعلِ وفتحوا تاءَ المُخَاطَبِ لتكونَ حركتُها جِنسَ حركة المفعول» والذي أراه أنَّ هذه فرعيات والفرعيات لا تُعَلَّلُ.

(٢) المحتسب : ١ / ٣٠١ ـ ٣٠٣.

(٣) من قوله تعالى من سورة الأَنبياء : ٢١ / ٢٩ : (فَذَلِك نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِك نَجْزِي الظَّالِمِينَ).

(٤) لم أجد هذه القراءة منسوبة لأحد ـ بحدود تتبّعي ـ وربما أَخذها ابن جني عن سيبويه الذي قال في الكتاب : ٢ / ٢٩٤ : «وأهل الحجاز يقولون : (فَخَسَفْنَا بِهُو وَبِدَارِ هُو الأرض)».

١٠٥

الأَصَلَ الهمز ، والهاء مع الهمزة هنا مضمومة ، أيْ : نجزئه ، فلما أبدلتِ الهمزةُ على غير قياس صارتِ الهاء كأن لا ياءَ قبلها ، لأ نّهُ ليسَ هناك مُسَوِّغٌ للهمز لولا حملُهُ على قريت وبابهِ ، فبقيتِ الهاءُ على ضمّتِها تنبيهاً على أَنَّ الهمزَ ياءٌ في الحُكمِ ، وَأَنَّ ما عرضَ فيه مِنَ البدلِ لَمْ يكُن عن قويِّ عُذر ، فهذا طريق الصنعة (١).

وقرأ سلام : (نُؤتِهُ مِنها) (٢).

قال أبو الفتح : هذا على لغة أهل الحجاز ، ومثله قراءتهم : (فخسفنا بِهُو وَبدَارِ هُو الأرضَ) (٣) وقد تقدّم القول عليه (٤).

وحول قراءة ابن مُحَيْصِن : (من هذي الشجرة) (٥) ، انتهى أبو الفتح إلى أنّ (هذه) أصلها (هذي) (٦) وإذا وقفتَ قلتَ هذهْ فأسكنت الهاء. ثم قال : كما أَنَّ

__________________

والذي في سورة القصص : ٢٨ / ٨١ : (فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الاَْرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَة يَنصُرُونَهُ).

(١) المحتسب : ٢ / ٦١ ـ ٦٢.

(٢) من قوله تعالى من سورة الشُّورى : ٤٢ / ٢٠ : (وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِـهِ مِنْـهَا).

(٣) تقدّم القول في هذه القراءة في تعليقتنا في الحاشية (٤) من الصفحة السابقة.

(٤) المحتسب : ٢ / ٢٤٩.

(٥) في سورة البقرة ٢ / ٣٥ وسورة الأعراف : ٧ / ١٩ : (وَلاَ تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ) ولم أجد فيما فحصتُ من كتب القراءات : (من هذه الشجرة) اللّهمّ إلاّ إذا كان يقصد الآية التي بعدها في الأعراف : ٧ / ٢٠ : (مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ) ثمّ صُحِّفَتْ (عَنْ) إلى (من). وابن جني لم يتحدّث عن (من) ولو كانت القراءة الشاذّة بها لتحدَّثَ عنها.

(٦) المحتسب : ١ / ٢٤٤ وانظر : البيان : ١ / ٣٥٧.

١٠٦

مِنهم من يُسكَّن الهاءَ المضمرةَ إذا وصلها (١) فيقولُ : مررتُ بِهْ أمسِ ، وذكر أبو الحسن أنَّها لغة لأَزد السَّراة (٢) وأنشد هو وغيره :

فظلّت لدى البيتِ العتيقِ أخيله

ومِطْواي مشتاقانِ لَهْ أرِقان (٣)

وروينا من قُطرُب قول الآخر :

وأشربُ الماءَ ما بي نحوَهُ عَطَشٌ

إلاّ لأَنَّ عيونَهْ سَيْلُ وادِيها (٤)

وبعد ذكر قراءة ابن عباس فيما رواه سليمانُ بنُ أرقم ، عن أبي يزيد المدني ، عن ابنِ عباس (فَأَمِتعْهُ قليلاً ثُمَّ اضْطَرَّهُ) (٥) على الدعاء من إبراهيم صلّى الله عليه وآله.

قال أبو الفتح ويجوز في العربية : (ثم اضطَرِّهِي) بكسر الراءِ لالتقاءِ الساكنين ثم تُبيّنُ الهاءُ بياء بعدها.

ويجوز أيضا : (ثُمَّ اضطَرِّهِ) تَكِسرُ الهاء ولا تُتِمُّ الياءَ. ويجوزُ (اضْطَرِّهْ) بكسرِ الراءِ وفتحها والهاء الساكِنة. ويجوز (ثُمَّ اضْطَرُّ هُو) (٦) بضمّ الراء كما

__________________

(١) إسكان هذه الهاء لغة قليلة. قال ابنُ الحاجبِ : وبنو عُقيل وكِلاب يجوّزون تسكين الهاء.

وقال الأسترآباذي : وجاز إسكانُ الهاء إجراءً للوصلِ مَجرَى الوقفِ. اُنظر : شرح الكافية : ٢ / ١١.

(٢) انظر : الخصائص : ١ / ١٢٨.

(٣) البيت ليعلى الأحول وما في الخزانة : ٥ / ٢٦٩ (فبتُّ) مكان (فظلتُ) و (أريفه) مكان (أخيله) وانظر : الخصائص : ١ / ١٢٨ والمنصف : ٣ / ٨٤ والمحتسب : ١ / ٢٤٤.

(٤) انظر : الخصائص : ١ / ١٢٨ وهمع الهوامع : ١ / ٥٩ والمحتسب : ١ / ٢٤٤.

(٥) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ١٢٦ : (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ).

(٦) قال سيبويه : «فإن كان الحرف الذي قبل الهاء متحرّكاً فالإثبات ليس إلاّ كـ : تثبيت الألف في التأنيث .... إلاّ أنْ يضطرَّ شاعرٌ فيحذفُ». الكتاب : ٢ / ٢٩١.

١٠٧

روينا عن قطرب أَنَّ بعضَهم يقولُ : شَمُّ يا رجل.

يجوز الضَّمُّ بلا واو.

ويجوزُ مع ضَمِّ الرَّاءِ وفتحِها تَسكينُ الهاءِ (١).

ب ـ حركة الواو

قرأ يحيى : (وَلَوُ اتَّبَعَ الحقُّ أهواءَهُمْ) (٢) بضم الواو قال : الضم في هذه الواو قليل ، وإنَّما بابُها الكسرُ كقراءة الجماعة ، غير أَنَّ مَنْ ضمَّهَا شبَّهَهَا ـ لسكونها وانفتاح ما قبلها ـ بواو الجمعِ ، كقول الله تعالى : (اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ) (٣) كما شَبَّه بعضُهم واوَ الجمعِ هذه بها فقرأ : (اشتَرَوِا الضلالة) (٤) وقرأ بعضهم : (اشترَوَا الضلالةَ) بفتح الواو (٥) ، كل كذلك لالتقاء الساكنين. فمن كسر فعلى أَصل حركة التقاء الساكنين ، ومن ضم فلأجل واو الجمع ، ومن فتح تبلَّغ بالفتحةِ لخفتها (٦).

وقرأَ يحيى بن يَعمَر وابن أَبي إسحاق وأَبو السَّمـَّال : (اشتَرَوا الضَّلالة) (٧)

__________________

(١) المحتسب : ١ / ١٠٤ ـ ١٠٥.

(٢) من قوله تعالى من سورة المؤمنون : ٢٣ / ٧١ : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّموَاتُ وَالاَرْضُ).

(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٦.

(٤) قراءة يحيى بن يعمر وابن أبي إسحاق وأبي السمال كما سيذكره ابن جني بعد قليل.

(٥) قراءة أبي السمال. انظر مختصر في شواذ القرآن : ٢ وفي البحر المحيط : ١ / ٧١ أبو السماك قعنب العدوي وأحسبه تصحيفاً.

(٦) المحتسب : ٢ / ٩٧ ـ ٩٨.

(٧) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ١٦ : (أُوَلَئِك الّذِينَ اشْتَروا الضَّلاَلَةَ بِالهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِّجَارَتُهُمْ).

١٠٨

قال أَبو الفتح : في هذه الواو ثلاث لغات : الضَّمُّ (١) ، والكسرُ (٢) ، وحكى أبو الحسن فيها الفتحَ (٣) : (اشتروَا) ورويناه أَيضاً عن قُطرُب ، والحركة في جميعها لسكون الواو وما بعدها ، والضَّمُّ أَفشى ، ثم الكسرُ ، ثم الفتحُ.

وَإنَّما كَانَ الضَّمُّ أقوى لأ نَّها واوُ جمع فَأرادوا الفرقَ بينَها وبينَ واوِ (أو) و (لَو) لأنَّ تلك مكسورة ، نحو قول الله سبحانه : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) (٤).

ومنهم من يَضُمُّهَا (٥) فيقول (لوُ اطلعتَ) ، كما كسر أبو السَّمـَّال وغيرُهُ واوَ الجمعِ تشبيهاً لها بواو (لو) ، وأمَّا الفتحُ فأقلُّهَا ، والعذرُ فيهِ خفَّةُ الفتحةِ مع ثقل الواوِ ، وأَيضاً فَإنَّ الغرضَ في ذلك إنَّما هوَ التَّبلُّغُ بالحركةِ لاضطرار الساكنين إليها ، فإذا وقعتْ ـ مِنْ أَيّ أجناسها كانَت ـ أَقنَعَتْ في ذلك كما رَوَيْنا عن قطرب من قراءة بعضِهِم : (قُمَ الليلَ) (٦) بالفتحِ ، و (وَقُلَ الْحَقُّ مِن رَبَّكُمْ) (٧) وَبِعَ الثوبَ.

__________________

(١) قراءة الجمهور. البحر المحيط : ١ / ٧١.

(٢) ذكر من قرأ بهذه القراءة قبل قليل.

(٣) قراءة أبي السَّمَّال. انظر : الحاشية (٥) من الصفحة السابقة.

(٤) سورة الكهف : ١٨ / ١٨.

(٥) تلك قراءة المطوعي. إتحاف فضلاء البشر : ١٧٥.

(٦) من قوله تعالى من سورة المزّمّل : ٧٣ / ٢ : (قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً) قال ابن خالويه : (قُمُ اللَّيْلَ) بالضَّمِّ أبو السمّال. وعن آخر (قُمَ اللَّيْلَ) بالفتح مختصر في شواذ القرآن : ١٦٤ وفي البحر المحيط : ٨ / ٣٦٠ : «وقرأ الجمهور (قُمِ اللَّيْلَ) بكسر الميم على أصل التقاء الساكنين وأبو السمّال بضمّها إتباعاً للحركة من القاف ، وقُرِئ بفتحها طلباً للخفَّةِ».

(٧) هذه قراءة أبي السَّمَّال : انظر : مختصر في شواذ القرآن : ٧٩ والبحر المحيط : ٦ / ١٢٠ وفيه قال أبو حاتِم : وذلك ردئ في العربية.

١٠٩

قال : وقيس تقول (اشتَرَأَوا الضَّلالَةَ).

قال : وقال بعضُ العربِ : عَصَؤُوا اللهَ مهموزة.

قال أبو الفتح : ينبغي أنْ يكونَ ذلك على إجراءِ غيرِ اللازمِ مَجرَى اللازم ، وقد كتبنا في هذا باباً كاملاً في الخصائص (١) ، وذلك أنَّهُ شبه حركة التقاء الساكنين ـ وليست بلازمة ـ بالضمّة اللازمة في : أفتت وادؤر وأُجوه ، إلاّ أَنَّ همز نحو (اشترأَوا الضَّلالَةَ) من ضعيف ذلك (٢).

فأَنشأتَ بعدَها واوا ، كأنَّك تَسْتَذْكِر (الضلالة) أو نحوها فتمدّ الصوت إلى أنْ تذكر الحرف. ولو استذكرتَ وقد كَسَرْتَ لقلتَ : اشتروِي ، فأنشأتَ بعدَ الكسرةِ ياءً. ولو استذكرتَ وقد فتحتَ الواوَ لقلتَ اشترَوَا ، كما أَنَّك لَو استذكرتَ بعدَ من وأنت تريد الرجل ونحوه لقلت : مِنا ، لأَ نَّك أَشبَعْتَ فتحة (مِنَ) ، وفي منذ : منذو ، وفي هؤلاءِ هؤلائي.

وحكى صاحبُ الكتاب أَنَّ بعضَهم قال في الوقف : قالا ، وهو يريدُ قالَ.

وحكى أيضاً : (هذا سَيْفِنِي) كَأ نَّهُ استذكَرَ بعدَ التنوينِ ، فاضطرَّ إلى حركتِهِ فكسَرهُ ، فأحدث بعدَهُ ياءً. ولو استذكرتَ معَ الهمزِ لقلتَ اشرأوا ، فالواوُ بعدَ الهمزةِ واوُ مطل الضَّمَّةِ وليستْ كواوِ قولك : اجترأَوا ، وأنتَ تريد افتَعَلوا من الجرأة (٣) وَمِن ذلك قراءة الأعمش ويحيى : (وَأَنْ لَوُ

__________________

من قوله تعالى من سورة الكهف : ١٨ / ٢٩ : (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَاراً أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا).

(١) الخصائص : ٣ / ٨٧.

(٢) قال ابن خالويه : والهمزُ لغةٌ عند الكسائي وهو عند البصريين لحنٌ. مختصر في شواذ القرآن : ٢.

(٣) المحتسب : ١ / ٥٤ ـ ٥٥.

١١٠

استَقَامُوُا) (١) بضَمِّ الواوِ.

قال أَبو الفتح : هذا على تشبيه هذه الواوِ بواوِ الجماعةِ نحو (اشْتَرَوُا الضَّلاَلَةَ) كما شبهت تلك أَيضاً بهذه فقرؤوا : (اشتَروِا الضلالة) (٢) وقد مضى ذلك (٣).

ج ـ حركة الياء

قرأَ الحسن وأَبو عمرو (٤) ـ بخلاف عنهما ـ : (هِيَ عَصَايِ) (٥) بكسرِ الياءِ مثل غلامي (٦).

وقرأ : (عَصَايْ) ابن أَبي إسحاق إيضاً (٧).

قال أَبو الفتح : كَسْرُ الياءِ في نحوِ هذا ضعيفٌ ، استثقالاً للكسرة فيها ، وهرباً إلى الفتحةِ كـ (هُدَايَ) (٨) و (يا بُشْرَايَ) (٩) إلاَّ أَنَّ للكَسْرَةِ وجهاً ما.

__________________

(١) من قوله تعالى من سورة الجن : ٧٢ / ١٦ : (وَأَلَّوِاسْتَقَامُواعَلَى الطَّرِيقَةِ لاَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقاً).

(٢) اُنظر : ص : ١٠٨.

(٣) المحتسب : ٢ / ٣٣٣.

(٤) الذي في المحتسب : ٢ / ٤٨ : (قراءة الحسن عمرو) وهو تحريفٌ وما أثبتناهُ عن البحر المحيط : ٦ / ٢٣٤. حيث قال أبو حيان : وقرأ الحسن عصايِ بكسر الياء وهي مروية عن ابن أبي إسحاق وأبي عمرو معاً.

(٥) من قوله تعالى من سورة طه : ٢٠ / ١٨ : (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآ رِبُ أُخْرَى).

(٦) هذا التمثيل لابن مجاهد وسيردُّ عليه ابنُ جِنِّي قريباً.

(٧) وبها قرأ الجَحدري أيضاً. انظر : البحر المحيط : ٦ / ٢٣٤.

(٨) من قوله تعالى من سورة البقرة : ٢ / ٣٨ : (فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَهُمْ يَحْزَنُونَ).

(٩) من قوله تعالى من سورة يوسف : ١٢ / ١٩ : (يَا بُشْرَى هَذَا غُلاَمٌ) قال مكي بن أبي طالب : «قرأ الكوفيّون بغير ياء بعد الألف وقرأ الباقون بياء مفتوحة بعد الألف».

١١١

وذلك أَنَّهُ قد قرأ حمزة : (ما أَنَا بِمُصرِخِكُم وَمَا أَنتُمْ بِمُصِرخِيِّ) (١).

فَكَسَر الياء لالتقاء الساكنين (٢) معَ أَنَّ قبلها كسرة وياء ، والفتحة والأَلِف في (عصايِ) أَخَفُّ منَ الكسرةِ والياءِ في (مُصرِخِيِّ) ، وروينا عَنْ قُطرب وجماعة من أصحابنا :

قـالَ لَـهـا هَـلّ لَـك يَـا تَـا فِـيِّ (٣)

__________________

انظر : الكشف عن وجوه القراءات السبع وعللها : ٢ / ٧. وفي إتحاف فضلاء البشر : ١٥٩ إنَّها قراءة حمزة وعاصم والكسائي وخلف. واُنظر : المحتسب : ٢ / ٤٩.

(١) من قوله تعالى من سورة إِبراهيم : ١٤ / ٢٢ : (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ).

(٢) للنحاة والمفسّرين وأصحابِ كتب القراءات نقاشٌ حولَ هذه القراءة : فقد قالَ الأخفشُ : هذا لحنٌ ، لم نسمعْ بها من أحد من العربِ ولا أهل النحو. معاني القرآن للأخفش : ١٤٠ / ب والبحر المحيط : ٥ / ٤١٩. وقال الفرّاء : ولعلّها من وهم القرّاءِ طبقة يحيى فإنَّهُ قلَّ مَنْ سلم منهم من الوهم. معاني القرآن للفرّاء : ٢ / ٧٥. وقال الزَّجَّاجُ : هذه القراءة عند جميع النحويين رديئةٌ مرذولةٌ ولا وجهَ لها إلاّ وجهٌ ضعيفٌ. البحر المحيط : ٥ / ٤١٩. وقال العُكبري : وهو ضعيفٌ. انظر : إملاء ما منَّ به الرحمن : ٢ / ٦٨. ووصف هذه القراءة بالقبحِ والرداءةِ والشذوذِ. البحر المحيط : ٥ / ٤١٩. وقد عدَّ بعضُ النحاةِ هذهِ القراءَةَ لحناً. انظر : الكشف عن وجوه القراءات : ٢ / ٦ وحاشية ياسين : ٢ / ٦٠. ومِمَّنْ دافعَ عنها : ابنُ الأنباري في البيان : ٢ / ٧٥ وأبو حيّان في البحر المحيط : ٥ / ٤١٩. والشيخ خالد الأزهري في شرح التصريح : ٢ / ٦٠ وغيرُهُم. وللاطلاع على مزيد من آراء النحاة في هذا ينظر : أبو زكريا الفرّاء : ٣٨٧ وما بعدها والدفاع عن القرآن : ٣٢ ـ ٤٥.

(٣) من أرجوزة للأغلب العجلي ، وبعده :

قالتْ لَهُ ما أنتَ بالمرضيِّ

ومعناه : قال لها هل لك يا هذه فيّ. وقال الزجاج : هذا الشعر ممّا لا يُلتَفَتُ إليهِ ولا هو مِمَّا يعرف قائله.

معاني القرآن للفراء : ٢ / ٧٦ والحُجَّة في القراءات السبع : ١٧٨ ومشكل إعراب القرآن : ١ / ٤٠٤ والخزانة : ٤ / ٤٣٠ وحاشية ياسين : ٢ / ٦٠.

١١٢

أرادَ (فِيّ) ثم أشبع الكسرةَ للإطلاق وأنشاءَ ياء نحو : منزلي وحوملي (١) وروينَا عنه أيضاً :

عَلَيِّ لعمرو نعمةٌ بعدَ نعمة

لِوُالِدِهِ لَيْسَتْ بِذَاتِ عَقَارِب (٢)

وروينا عنه أيضاً :

إنَّ بنيِّ صِبيَةٌ صَيفيُّونْ

أفْلَحَ مَنْ كَانَ لَهُ رِبْعِيُّون (٣)

وقول ابن مجاهد : مثل غلاِمي لا وجهَ له ، لأَنَّ الكسرَةَ في ياءِ (عَصَايِ) لالتقاءِ الساكنين والكسرة في ميم (غلامِي) هِيَ التي تحدثها ياء المتكلم ، أفترى أَنَّ في (عَصَايِ) بعد ياء المتكلم ياء له أُخرى حَتّى يكون للمتكلم ياءان؟ وهذا مُحَالَ ، وإنِّمَا غرضُهُ أَنَّ الياءَ في (عَصَايِ) مكسورٌ ، كما أَنَ ميم غلامِي مكسورٌ ، وأَساءَ التمثيلَ على مَا تَرَى (٤).

٢ ـ حذف الضمير

قرأ الحرّ النَّحوي : (نُسْرِعُ لَهُمْ) (٥) ، وقرأ عبد الرحمن بن أبي

__________________

(١) أشار إلى قولِ امرئ القيس في مطلع قصيدته :

قفا نبك من ذِكرى حَبِيب ومنزلِ

بسقط اللوى بين الدَّخول فحومل

قال سيبويه : أمَّا إذا ترنّموا يلحقون الألف والياء والواو وما ينوّن وما لا ينوّن ، لأ نّهم أرادوا مَدَّ الصوت ـ ثمّ استشهد بقول امرئ القيس ـ الكتاب : ٢ / ٢٩٨.

(٢) البيت للنابغة الذبياني يمدح عمرو بن الحارث. انظر : ديوان النابغة : ٣ ولسان العرب : ٢ / ١١٥ وهمع الهوامع : ٢ / ٥٣ والدرر اللوامع : ٢ / ٦٨.

(٣) البيت لأَكثم بن صيفي ونسب لسعد بن مالك بن ضبيعة. اُنظر : خزانة الأدب : ٤ / ٤٣٧ والمحتسب : ٢ / ٤٩.

(٤) المحتسب : ٢ / ٤٨ ـ ٤٩.

(٥) من قوله تعالى من سورة المؤمنون : ٢٣ / ٥٦ : (نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لاَّ يَشْعُرُونَ) وانظر : البحر المحيط عن هذه القراءة : ٦ / ٤١٠.

١١٣

بكرة (١) (يُسارِعُ لَهُمْ) ورُويَ عنه أيضاً : (يُسَارَعُ لَهُم) بفتح الراء ، والذي قبله بكسر الراء. وقرأ الناس (نُسَارَعُ) بالنون والألف.

قال أبو الفتح : هنا على قراءَةِ الكافة إلاَّ عبد الرحمن ضمير محذوف أي : أَيَحَسَبون أَنَّ ما نَمِدَّهم بهِ من مال وبنينَ نُسَارِعُ لَهم بهِ في الخيراتِ أو نسرع لهم به ، أو يسارع لهم به في الخيرات؟ فحذفت (به) للعلم بها كما حُذِفَ الضميرُ في قولِهم : السَّمْنُ مَنَوَان بدرهَم (٢) أي منوان منه بدرهم ، فكأنّ (به) المتقدّمة في الصلة من قوله : (نُمِدُّهُمْ بِهِ) (٣) صارتْ عِوَضاً من اللفظ بها ثانية (٤).

ومعناه إنَّا لا نُقدِّمُهُ لهم إرادةً للخير بلْ هو إملاءٌ واستخراجٌ لهم ، كقوله جلَّ وعزَّ : (وَلَوْلاَ أنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمةً وَاحِدَةً لَجَعْلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بالرَّحْمَنِ لِبُيوتِهِم سُقُفاً مِنْ فِضَّة) (٥) إلى آخر ذلِك وغيره من الآي في معناه.

وأَما قراءةَ عبد الرحمن بن أبي بكرة (يُسَارِع) بكسر الراء ، وبالياء فلا حاجةَ به إلى تقديرِ حذفِ الضمير لأنَّ في الفعل ضميراً يعودُ على (ما) من

__________________

(١) نسبت هذه القراءة في البحر المحيط : ٦ / ٤١٠ إلى عبد الرحمن بن أبي بكرة وإلى السلمي.

(٢) انظر : الأصول في النحو : ١ / ٧٦ و ٣١٦ والهمع : ١ / ٩٧ وشرح الكافية : ١ / ٩١ وشرح الأشموني : ١ / ٢٠٥.

(٣) من قوله تعالى من سورة المؤمنون : ٢٣ / ٥٥ : (أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَال وَبَنِينَ).

(٤) قال هشام بن معاوية الضرير المعنى : نُسَارع لهم فيهِ. انظر : مشكل إعراب القرآن : ٢ / ٥٠٥ والبحر المحيط : ٦ / ٤٠٩ وأشار إلى ذلك ابن الأنباري في البيان : ٢ / ١٨٦ ولم يُنسبْ إلى هشام.

(٥) سورة الزخرف : ٤٣ / ٣٣.

١١٤

قوله : (إنَّما نُمِدُّهُم بهِ) (١).

٣ ـ العطف على الضمير

قرأَ أبو عبد الرحمن والحسن وابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي وسلام ويعقوب ورُوي عن أبي عمرو : (فَأَجمِعُوا أَمرَكُم وَشُرَكاؤُكم) (٢).

مكسورة الميم ورفع (شُرَكاؤكُم).

قال أبو الفتح : أَما (فَأَجمِعُوا أَمْرَكم وَشُركاؤكم) بالرفع ، فَرَفْعُهُ على العطفِ على الضمير (٣) في (أَجْمِعُوا) وساغ عطفه عليه من غير توكيد للضمير في (أجْمِعُوا) من أَجل طولِ الكلام بقوله : (أمرَكُم) (٤) وعلى نحو من هذا يجوز أَنْ نقول قمْ إلى أخيك وأبو محمّد ، واذهب مع عبدِ الله وأبو بكر ، فتعطف على الضمير من غير توكيد وإنْ كانَ مرفوعاً ومتصلاً لِما ذَكَرنَا من طولِ الكلام بالجار والمجرور.

وإذا جازَ قولُ اللهِ تعالى : (مَاأشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا) (٥) وأَنْ نكتفي بطولِ

__________________

(١) سورة المؤمنون : ٢٣ / ٥٥ وانظر : المحتسب : ٢ / ٩٤ ـ ٩٥.

(٢) من قوله تعالى من سورة يونس : ١٠ / ٧١ : (فَأَجْمِعُواْ أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً).

(٣) قال ابن الأنباري : ذهب الكوفيون إلى أنَّهُ يجوز العطفُ على الضمير المرفوع المتّصل في اختيار الكلام. وذهب البصريون إلى أنّه إذا كان هناك توكيد أو فصل فإنّه يجوز معه العطف من غير قبح. انظر : الإنصاف : ٢ / ٢٥٢ مسألة : ٦٦.

(٤) جوّز ابن مالك الفصل بين الضمير وما عطف عليه بفاصل ما كالمفعول به.

انظر : شرح ابن عقيل : ٢ / ٢٣٧.

(٥) سورة الأنعام : ٦ / ١٤٨.

١١٥

الكلام بـ (لا) (١) وَإنْ كانت بعد حرف العطف (٢) كان الاكتفاء من التوكيد بِمَا هو أطول مِنْ (لا) وهو أيضاً قبلَ الواو ، كما أنَّ التوكيدَ لو ظهر لكانَ قبلها أحرى.

وعلى ذلك فلو قال قائل : قم وزيدٌ : فَعَطَف على الضميرِ المرفوعِ من غير توكيد كانَ أقبحَ مِن قولِنا قمتُ وزيدٌ ، وذلك أنَّ المعطوف عليه في قم وزيدٌ ضمير لا لفظَ لَهُ فهو أَضعفُ مِن الضمير في قمتُ لأَنَّ لهُ لفظاً وهو التَّاءُ وقمتُ وزيدٌ أضعفُ من قمنا وزيدٌ ، لأَنَّ (نا) من قمنا أتمُّ لفظاً من التاءِ في قمتُ.

وعليهِ أيضاً تَعْلَم أَنّ قمتما وزيدٌ أشبَهُ شيئاً من قمنا وزيدٌ : لأَنَّ (تما) من قمتما أتمُّ مِن (نا) من قمنا. وكذلك أَيضاً قولك للنساء : ادخلنانِّ وزيدٌ أَمثل من قولك : دخلتن وزيدٌ ، لأنّ (نان) من ادخلنانِّ أَطول من (تن) من دخلتن ، فهذه مُصارفة وإنْ خَفِيَتْ ولطُفَتْ تُؤَثّر في أَنْفُسِ العارفينَ بِها وإلاّ تخطرُ على أَوهامِ الساهينَ عنها (٣).

وكذلك لو قلت : اضربنانِهِ وزيدٌ لَكَانَ أَمثل من ادخلنانِّ وزيدٌ ، لأنَّ (نانِّه) ستّة أحرف و (نانِّ) أَربعة أَحرف ، وكذلك اضربنانِّهما وزيدٌ أَمثل مِن اضربنانِّه وزيدٌ لأَنَّ (نانِّهما) سبعةُ أَحرف و (نانِّه) ستّة أَحرف ، وكذلِك

__________________

(١) قال سيبويه : «حَسُنَ العطفُ على الضَّمير من غير توكيد لمكان (لا)». الكتاب : ١ / ٣٩٠.

(٢) فإن قلت : إنَّ (لا) يقوم مقام التأكيد فقد قال أبو علي الفارسي في الجواب : إنَّمَا يقومُ (لا) مقامَ التَّأكيد إِنْ كانتْ قبلَ الواوِ فأمَّا إذا جاءتْ بعدَ الواو لم تقمْ مقامْ التَّأكيد.

وذهب بعضهم إلى أنَّ هذا استدراك من أبي علي على البصريين قاطبة.

انظر : إعراب القرآن المنسوب إلى الزجّاج : ٢ / ٦٠٠.

(٣) الظاهر ان كثرة حروف الضمير لا تعطيه امتيازات كما ذهب إليه أبو الفتح.

١١٦

الزيدَين الثوبين اكسُونانِّهِمَا هما أمثلُ من قولك : الزيدينِ اكسونانِّهِمَا لأَنَّ (نانِّهماهما) عشرة أحرف و (نانِّهما) سبعة أحرف.

فهذا مبنىً يعاد عليه ، ويثنَى أَشباهه إلَيه. وجميعُهُ مِن بَعْدُ لَيْسَ في قوّةِ التوكيدِ نحو قُمْ أَنتَ وزيدٌ ، و (وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (١) وذلك أنَّ التوكيدَ وإنْ لَمْ يَكُنْ في طول هذه الفروق والفصول فإن فيهِ معنى ليس فيها وهو تثبيته معنى الإسمية للمضمر المتصل الذي قد شَعَّثَ الفعل فمازجه وصار كجزء منه ، فضعف عن العطف عليه ، كما لا يجوز العطف على جزء من الفعل ، فإذا وكِّدَ صار في حيِّزِ الأسماء ولَحِقَ بما يحسُنُ العطفُ عليه بعدَ توكيدِهِ كما حَسُنَ عليها (٢).

وقرأ ابنُ مسعود والضَّحَّاك وطلحةُ وابنُ السُّميفَع ويعقوب وسعيد بن أبي سعيد الأنصاري : (وأتباعُك) (٣).

قال أبو الفتح : تحتمل هذه القراءَة ضربين من القول مختلفي الطريق إلاّ أنَّهُمَا متّفقا المعنى.

أَحدهما : أنْ يكونَ أراد : أَنؤمنُ لك وإنَّمَا أتباعُك الأرذلون؟ فأتباعُك مرفوعٌ بالابتداءِ والأرذلون خبرٌ.

والآخر : أنْ يكونَ (وأتباعك) معطوف على الضمير في (نؤمِنُ) أي : أنؤمن لك نحن وأتباعك الأرذلون؟ فالأَرذلون إذاً وصفٌ لِلأَتباع ، وجازَ العطفُ على الضمير المرفوع المتصل من غير توكيد لِمَا وقعَ هناك من

__________________

(١) سورة البقرة : ٢ / ٣٥.

(٢) المحتسب : ١ / ٣١٤ ـ ٣١٥.

(٣) من قوله تعالى من سورة الشعراء : ٢٦ / ١١١ : (قَالُوا أَنُؤْمِنُ لَكَ وَاتَّبَعَكَ الاَرْذَلُونَ).

١١٧

الفَصلِ. وهو قوله : (لَك) فصار طول الكلام به كالعوض من توكيد الضمير بقوله : نحن. وإذَا جاز قوله : (مَاأشرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا) (١) كان الأول من طريقِ الإعرابِ أَمثلَ وَذَلِك أنَّ العوضَ ينبغي أَن يكونَ في شقّ المعوَّض منهُ ، وأن يكون قبل حرف العطف ، وهذه صورة قوله (لك) ، وأمَّا (لا) من قوله تعالى : (وَلاَ آبَاؤُنَا) فإنها بعد حرف العطف فهي في شقّ المعطوفِ نفسهِ ، لا في شقّ المعطوف عليه. والجامِعُ بينَهُما طولُ الكلام بكلِّ واحد منهما ، والمعنى من بعدُ : أَنؤمنُ لك نحن وأَتباعُك الأرذَلُونَ فنعد في مِدَادِهم وهذا هو معنى القول الآخر : أَنؤمن لك وإِنَّما أَتباعك الأَرذَلُونَ فنساويهم في أَنْ نكونَ مرذولينَ مثلَهم (٢)؟

٤ ـ ضمير الفصل (٣)

قرأ سعيد بن جُبَير والحسن ـ بخلاف ـ ومحمّد بن مروان وعيسى الثقفي وابن أَبي إسحاق : (هُنَّ أَطْهَرَ لَكُمْ) (٤) بالنصب (٥).

قالَ أَبو الفتح : ذَكَرَ سيبويه هذهِ القراءَةَ وَضَعَّفَها وقالَ فيها : احتَبى ابنُ مروان في لحنه (٦) وإنَّما قبح ذلك عنده لأِ نَّهُ ذَهَبَ إلى أَنَّهُ جَعَلَ (هُنَّ) فصلاً ،

__________________

(١) سورة الأَنعام : ٦ / ١٤٨.

(٢) المحتسب : ٢ / ١٣١.

(٣) هذه تسمية البصريين ، وهو لا محلّ له من الإعراب عندهم ، وَلَهُ محلّ من الإعراب عند الكوفيين الذين يسمّونه عماداً ودعامة ، وهو عند الفرّاء ومن تابعه مبتدأ وما بعده خبر. انظر : الإنصاف : ٣٧٥ مسألة : ١٠٠ والمفصل : ١٣٣ والتسهيل : ٢٩ وشرح المفصل لابن يعيش : ٣ / ١١٠ وهمع الهوامع : ١ / ٦٨.

(٤) من قوله تعالى من سورة هود : ١١ / ٧٨ : (هَؤُلاَءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ).

(٥) تنظر : آراء النحاة التي أثبتناها حول هذهِ القراءة في : ص : ٥٤.

(٦) قال الأساتذة محقّقو المحتسب في المحتسب : ١ / ٣٢٥ : «ليس في الكتاب ذكر للآية

١١٨

وليست بينَ أحدِ الجزأين اللذين هما مبتدأ وخبر ونحو ذَلِك ، كقولك : ظَنَنْتُ زيداً هو خيراً مِنْك ، وكان زيدٌ هوَ القائمَ.

وَأَنَا مِنْ بَعْدُ أرَى أَنَّ لهذهِ القراءةِ وَجْهاً صحيحاً وهو أَنْ تجعلَ (هُنَّ) أحدَ جزأي الجملةِ ، وتجعلها خبراً لـ (بَنَاتِي) كقولِك زيدٌ أخوك هُو وتجعل (أطْهَرَ) حالاً مِنْ (هُنَّ) أوْ مِنْ (بَنَاتِي) والعامِلُ فيهِ معنى الإشارةِ ، كقولِك : هذا زيدٌ هُوَ قائماً أوْ جالِساً أَوْ نحو ذَلِك فَعَلى هذا مجازُهُ ، فَأَمَّا على ما ذهبَ إليهِ سيبويه (١) ففاسد كما قال (٢).

٥ ـ ضمير الشأنِ

قرأَ أُبَيّ بن كعب والحسنُ : (لَكِنْ أَنَا هُوَ اللهُ رَبِّي) (٣) وقرأ : (لكِنْ هُوَ اللهُ رَبِّي) ـ ساكنة النون من غير أَلِف ـ عيسى الثقفي. قال أبو الفتح : قراءة اُبيّ هذهِ هي أصل قراءة أَبي عمرو وغيرهِ : (لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي) فخفَّفَ همزة (أَنَا) بِأَن حُذِفَتْ وألِقَيَتْ حركتُها على مَا قبلَها ، فصارتْ (لَكِنَّنَا) ثم التقت النونانِ متحرّكتينِ ، فَأُسْكِنَت الأُولى ، وأُدْغِمَتْ في الثانيةِ فصارتْ (لكنّ) في الإدراجِ. فَإِذَا وقفتَ أَلْحَقْتَ الألِفَ لبيانِ الحركةِ فقلتَ : (لَكِنَّا) ، فـ (أَنَا) على هذا مرفوعٌ بالابتداء وخبرُهُ الجملةُ وهي مركبة من مبتدأ وخبر ، فالمبتدأ (هو) وهو ضمير الشّأنِ والحديث (٤) ، والجملة بعدَه خبرٌ عنهُ ، وهي مركبة من مبتدأ وخبر ،

__________________

ولا للقراءة» ، وهي كما قالوا في طبعة بولاق لكنَّهَا مثبتة في كتاب سيبويه ـ تحقيق عبد السلام هارون : ٢ / ٣٩٧ غير أن سيبويه كان ناقلاً قول يُونُس.

(١) من وقوع ضمير الفصل بين الحال وصاحبها.

(٢) المحتسب : ١ / ٣٢٥ ـ ٣٢٦.

(٣) من قوله تعالى من سورة الكهف : ١٨ / ٣٨ : (لَكِنَّا هُوَ اللهُ رَبِّي).

(٤) ويسمّى ضمير القصّة أيضاً : شرح المفصل : ٣ / ١١٤ وهمع الهوامع : ١ / ٦٧.

١١٩

فالمبتدأُ (الله) والخبرُ (رَبّي) والجملةُ خبر عن (هُوَ) ، و (هُوَ) ومابعدَهُ من الجملةِ خبر عن (إنا) والعائد عليه من الجملة بعده الياء في (رَبّي) كقولِك : أنا قائم غلامي.

فَإن قُلْتَ : فما العائد على (هو) من الجملة بعده التي هي خبر عنه؟ فانه لاعائد على المبتدأ أبداً إذا كان ضميرالشأنِ والقصةِ ، كقوله : (قُلْ هُوَ اللهُ أحَدٌ) (١).

فـ (اللهُ أَحَدٌ) خبر عَنْ هُوَ (٢) ، وهو ضميرُ الشَّأنِ والحديثِ ولا عائد عليه من الجملة بعدَهُ التي هي (اللهُ أَحَدٌ) وإنَّما كانَ كَذلِك من قِبَل أنَّ المبتدأَ إنَّما احتاج إلى العائدِ من الجملةِ بعدَهُ إذا كانَتْ خبراً عنهُ ، لأِ نَّهَا لَيْسَتْ هي المبتدأ ، فاحتاجَتْ إلى عودِ ضمير مِنْها عليهِ ، ليلتبسَ بذلك الضميرِ بجملته.

وأما (هُوَ) من قولنا : هو الله ربي ونحوه فهو الجملة نفسها ، أَلا تَرَاه ضَميرَ الشأنِ وقولنا الله رَبَّي شَأنٌ وَحَديثٌ في المعنى؟ فَلَمَّا كَانَتْ هَذهِ الجملةُ هي نفس المبتدأِ لَمْ يَحْتَجْ إلى عائد عنه مِنْها وليسَ كَذَلِك زيدٌ قام أخوه ، لأنّ زيداً ليسَ بقولك قام أَخوه في المعنى : فَلَمْ يكنْ لَهُ بدٌّ من أنْ يَعُودَ عليه ضمير منهُ ليلتبسَ بهِ ، فيصير خبراً عَنْهُ. وَمَنْ قَرأ : (لَكِنْ هُوَ اللهُ رَبّي) فـ (هُوَ) ضَمير الشأنِ والجملةُ بعدَهُ خبرٌ عَنْهُ عَلى مَا مَضَى آنِفَاً وَهَذا واضح (٣).

__________________

(١) سورة الإخلاص : ١١٢ / ١.

(٢) هذا رأي جماعة من البصريين والكسائي من الكوفيين. قال الفرّاء : «وقد قال الكسائي فيه قولاً لا أراه شيئاً. قال : هو عماد. مثل قولِهِ تعالى : (إنَّهُ أَنَا اللهُ) سورة النمل : ٢٧ / ٩ فجعلَ (أَحْد) مرفوعاً بالله وجعل هو بمنزلةِ الهاء في (إِنَّه) ولا يكون العِمَادُ مستأنفاً بِهِ حَتَّى يكونَ قبله (إنَّ) أوْ بعضُ أخواتِها أوْ (كانَ) أو الظن». انظر : معاني القرآن للفرّاء : ٣ / ٢٩٩ وشرح المفصَّل لابن يعيش : ٣ / ١١٤.

(٣) المحتسب : ٢ / ٢٩ ـ ٣٠.

١٢٠