الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٨

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٨

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٠

للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهي غير رؤيتهم المستحالة ب «لو» فإنهم قضوا نحبهم.

(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذاتَ الْيَمِينِ وَذاتَ الشِّمالِ وَكَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) ١٨.

(وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً) حيث العيون مفتحة لا غامضة ، مهما كانت حالتهم غامضة ، (وَهُمْ رُقُودٌ) حيث «ضربنا (عَلَى آذانِهِمْ)(وَنُقَلِّبُهُمْ) طول مكوثهم المديد (ذاتَ الْيَمِينِ) من شمائلهم (وَذاتَ الشِّمالِ) من ايمانهم ، تقلبا دائبا جنبا الى جنبه كيلا تأكلهم الأرض بطول المكوث ، كيقظة اوتوماتيكية ، و «كلبهم» طول هذه المدة (باسِطٌ ذِراعَيْهِ بِالْوَصِيدِ) : فناء الكهف وبابه ، أحيّا يرصدهم؟ أم راقدا كأمثالهم؟ لا أثر عن رقدته في آياتها ، فليكن يقظانا يرقبهم وهو آية في هذه الآيات (١)!

حالتهم المنقطعة النظير بين موت وحياة ويقظة ورقدة تولّي المطّلع عليهم فرارا وتملأه رعبا.

وترى ذلك الحسبان مستمر الى زمن الرسول (صلى الله عليه وآله

__________________

(١) نور الثقلين ٣ : ٢٥١ ح ٣٦ ـ القمي حدثني أبي عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الرضا (عليه السلام) انه قال : لا يدخل الجنة من البهائم الا ثلاثة : حمارة بلعم وكلب اصحاب الكهف والذئب وكان سبب الذئب انه بعث ملك ظالم رجلا شرطيا ليحشر قوما من المؤمنين ويعذبهم وكان للشرطي ابن يحبه فجاء ذئب فأكل ابنه فحزن الشرطي عليه فادخل الله ذلك الذئب الجنة لما احزن الشرطي.

٤١

وسلم) ولحد الآن حيث (تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَهُمْ رُقُودٌ)(١) فهم حتى الآن وحتى متى! ولا ندري! نائمون؟ ولماذا تلك النومة الطويلة بعد القومة عن الأولى ولا خبر عن هكذا نوّم ليستدل بهم علي (أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها)! أم انه حكاية لحال ماضية؟ قد تلمح لها (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) حيث تحيل ذلك الاطلاع ، ولو كانوا في حالتهم الى زمنه كان (صلّى الله عليه وآله وسلم) أحرى من يطّلع عليهم ، وإلّا فما هي الحكمة في بقاءهم نائمين ولن يطلع عليهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) المطّلع على كل مطّلع هو مطلع لرسالته كسائر مطالعها! والهدف من هذه الآية الإلهية الاعثار عليها (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها) ولا عثور عليهم بعدهم لحد الآن ، فلا حكمة في نومتهم حتى الآن ومنذ اعثر عليهم! (٢) .. ثم الآية (لَوِ اطَّلَعْتَ ..) تتحدث عن حالتهم قبل بعثهم فتنقطع إذا ببعثهم ، واما انهم ارجعوا الى نفس الحالة ام ماتوا فلا دلالة هنا على اي منهما ، إلّا استدلال على موتهم

__________________

(١) في رواية القمي عن الامام الصادق (عليه السلام) الماضية : «فأخبرهم صاحبهم انهم كانوا نائمين هذا الزمن الطويل وانهم آية للناس فبكوا وسألوا الله ان يعيدهم الى مضاجعهم نائمين كما كانوا ..

(٢) في الدر المنثور عن ابن عباس قال : غزونا مع معاوية غزوة المضيق نحو الروم فمررنا بالكهف الذي فيه اصحاب الكهف الذي ذكر الله في القرآن فقال معاوية : لو كشف لنا عن هؤلاء فنظرنا إليهم فقال له ابن عباس : ليس ذلك لك قد منع الله ذلك عمن هو خير منك فقال «لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً» فقال معاوية : لا انتهي حتى اعلم علمهم فبعث رجالا فقال : اذهبوا فادخلوا الكهف ، فانظروا فذهبوا فلما دخلوا الكهف بعث الله عليهم ريحا فأخرجتهم فبلغ ذلك ابن عباس فانشأ يحدث عنهم ...

أقول : لو كانت الرواية منسوبة الى المعصوم لما كنا نصدقها حيث لا توافق القرآن او تخالفه ، فضلا عن ابن عباس!.

٤٢

بما استدللنا ، والكهوف المكتشفة لحد الآن دليل واقعي على انهم ليسوا بنائمين (١).

وقد يعني (لَوِ اطَّلَعْتَ) غير الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) فانه لا يولي فرارا من آية إلهية ولا يملأ منها رعبا (٢) إم إنها تحيل الاطلاع عليهم لأنهم أموات وليسوا نياما ، ثم تولّي الفرار والرعب على فرض الاطلاع لسواه دونه!

(وَكَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا

__________________

(١) في كتاب سعد السعود لابن طاووس نقلا عن تفسير أبي إسحاق ابراهيم بن محمد القزويني باسناده الى انس بن مالك قال : اهدي لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) بساط من قرية يقال لها بهندف فقعد عليه علي وابو بكر وعمر وعثمان والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) لعلي : يا علي! قل يا ريح احمل بنا فقال علي (عليه السلام) : يا ريح احمل بنا فحمل بهم حتى أتوا اصحاب الكهف فسلم ابو بكر وعمر فلم يردوا السلام ثم قام علي (عليه السلام) فسلم فردوا عليه السلام فقال ابو بكر : يا علي ما بالهم ردوا عليك ولم يردوا علينا؟ فقال لهم علي (عليه السلام) فقالوا : انا لا نرد بعد الموت الا على نبي او وصي نبي ثم قال علي (عليه السلام : يا ريح احملنا فحملنا ثم قال : ضعينا فوضعتنا فركز برجله الأرض فتوضأ علي (عليه السلام) وتوضأنا ثم قال : يا ريح احملينا فحملتنا فوافينا المدينة والنبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في صلاة الغداة وهو يقرأ (أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً) فلما قضى النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) الصلاة قال : يا علي اخبروني عن مسيركم ام تحبون ان أخبركم؟ قالوا : بل تخبرنا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال انس بن مالك : فقص القصة كأن كان معنا. (هامش نور الثقلين ٣ : ٢٤٨ ـ ٢٢٤٩).

(٢) في تفسير العياشي عن محمد بن سنان البطيخي عن أبي جعفر الباقر (عليه السلام) في الآية قال : إن ذلك لم يعن به النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) انما عني به المؤمنون بعضهم لبعض لكن حالهم التي هم عليها.

٤٣

يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) ١٩.

«وكذلك» الذي فعلنا من آيات خوارق للعادات في الضرب على آذانهم سنين عددا وتقليبهم فيها ذات اليمين وذات الشمال ، وتزاور الشمس عنهم ، وقرضها إياهم : (كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ) آية اخرى (لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ) عن مكثهم وبعثهم كغاية أولى لأنفسهم ، ومن ثم لمن سواهم : (وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها ..)!

تساءلا بينهم ينبههم بإجابة المقال والحال ان للحق دولة وللباطل جولة ، أنهم يفركون أعينهم من هذه النومة الطائلة الثقيلة فيسأل سائلهم (كَمْ لَبِثْتُمْ)؟ ولأنه لا يدري كم لبثوا ، فيأتي الجواب (لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ترددا لهم كلهم ، أو اختلافا بينهم في «يوم او بعض يوم» إجابة دون تعمق وتأنّق ، تلوح من ظاهر النوم : ثقيلا بعض يوم ، ام أثقل فيوم او ان «يوما» بتخيل انهم استيقظوا في مثل الوقت الذي ناموا فيه صباحا او مساء ف «يوما» او اخطأوا المثل فظنوا المساء صباحا او الصباح مساء وقد ناموا خلافه ف «بعض يوم» والنوم يقتضي هكذا تردّد في امده وحدّه ، او انهم ناموا غدوة وبعثوا آخر النهار فظنوا انهم لبثوا يوما ، فلما رأوا الشمس باقية قالوا (أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ولذلك تقدم «يوما» على (بَعْضَ يَوْمٍ) ام ماذا؟

«قالوا» جماعة آخرون وعلّ السائل منهم فطرفان ، ام ليس منهم فثلاثة (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) فلسنا نحن له بعالمين ، إذ نتلمّس خارقة في نومتنا لم نلمسها في سائرها حيث الشعور طويلة كما الأظفار ، والوجوه متغيرة ، ما لا يحصل في أية نومة ، فلا يوم ولا بعض يوم! وليس «اعلم»

٤٤

هنا فقط تأدبا فإنه ليس قولا ورأيا ثانيا يجعل قائليه حزبا ثانيا ، ولا انه إحصاء ثان (لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى) وإلّا لقالوا «ربكم اعلم بما لبثنا» لا (رَبُّكُمْ)!

إنما «اعلم» لأن لنا بعض العلم بأمد لبثنا اعتبارا بمظاهرنا ، ثم لا نعلم أمدنا إحصاء تاما بل (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ فَابْعَثُوا ..)

ومن لطيف الأمر في هذه الحوار انها تلمح انهم لم يكونوا اقل من سبعة : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ) فواحد (قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) أقلهم ثلاثة فانها اقل الجمع (قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) كذلك اضافة الى جمعي «كم وتم» حيث يؤكدان جمع الأوّل كما ان «قالوا» دليل الجمع الثاني!

وإذا حصرت الأقوال في عدتهم في : ثلاثة ـ خمسة ـ سبعة ، فالأولان مرفوضان والثالث متعين ، ولا سيما بما يأتي من رجم الغيب لهما دونه (١)

وهذا هو شأن المؤمن : «ربنا اعلم» فيما لا يعلم ، ام يعلم ولا يستيقن ، وكيف يعلم ما يعلمه الله من أمره الذي لا يعلم؟ يحاول بما عنده من وسائل ليعلم ومنها هنا : (فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ ..) يتبين لكم من نومكم (يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) ام دهرا طويلا قضي على

__________________

(١) هنا احتمالات ست ـ ١ ـ «قالَ قائِلٌ» واحد «قالُوا لَبِثْنا ...» ثلاثة «قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ» ثلاثة والمجموع سبعة ـ ٢ ـ «قالوا» في كل اثنان ، أحدهما في الثانية هو القائل الأوّل فالمجموع اربعة ، ام ليس هو هو فخمسة ، او «قالوا» في أحدهما اثنان وفي الآخر ثلاثة ، واحد من الثاني هو الاول فخمسة ام لا فستة ، فالأربعة والستة خلاف الأقوال الثلاثة في الآية (٣٢) والخمسة تخالف ظاهر الجمع انه ثلاثة فما فوق ، فالمتعين هو السبعة حيث الاول «قائِلٌ مِنْهُمْ» ليس في «قالوا» الثانية وهو لا ينافي في «أَيُّ الْحِزْبَيْنِ» فانه ليس حزبا ولا داخلا في اي الحزبين تأمل.

٤٥

السلطات الطاغوتية في المدينة ، فان كانت السلطة باقية ف (لْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) : والظاهر انها باقية باغية! وإن لا ، فلا حائطة ولا تقية!

ترى وماذا يحملهم ان يبعثوا أحدهم بورقهم ليأتهم برزق من المدينة وهم يحذرون ان ينكشف أمرهم؟ فهلا صبروا على جوع حفاظا على أنفسهم جميعا! وهم يعلمون (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) وإنها للخسارة الكبرى!

علّهم وصلوا من الجوع لحد لا تصبّر عليه إلّا الموت صبرا ، فهم إذا بين موت معمّد جماعي قاطع ، وبين تعريض واحد منهم لخطر يحتمل ، وهو طبعا ممن يتستر في أمرهم ويستّرهم دون إشارة إليهم مهما بلغ أمره ، حيث التلطّف هو التخفي الكامل ، ومن ثم لو عرفوه فلا يتجاوز نفسه إليهم : (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً).

راى صائب ثاقب حصيلة شورى بين هؤلاء الأكارم القائلين : (رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ) فيه كل حائطة على المبعوث بورقهم وعليهم ، تتبين من (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) أيّ المدينة ازكى .. حيث يحمل سيرا رفيقا حثيثا في المدينة يتعرف فيه إليها والى أهليها ليطمئن إليها هل هي كما كانت فحذرا ، ام تغيرت الى الايمان فأمانا ، ومن ثم ليحصل على أزكى طعام فيها إذا ظلت في إشراكها بالله ، فليس لموحد ان يتطعم من مشركين طعاما يحلّلونه خلاف شرعة الله ، واما عند الضرورة (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) تقليلا لرجاسة الطعام الشركية كتقليل الطعام لبلغة الحياة : فالضرورات تبيح المحظورات وتقدر بقدرها!

ومن جهة اخرى فالأزكى طعاما من المدينة هو الأزكى أخلاقا فلا يتجسس عن خبايا الناس ، ولا يتحسس لصالح الطاغوت مهما كان مستضعفا في حكم الشرك ، فهذه ابعاد ثلاثة من المصالح في (فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً ..)!.

٤٦

و (أَزْكى طَعاماً) هنا تشمل زكاة الحل وزكاة الطهارة والطيبة قدر الإمكان فما لا يدرك كلّه لا يترك كله (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥ : ٣) ومنه في (فَلْيَأْتِكُمْ بِرِزْقٍ مِنْهُ) راجع الى الورق والى الطعام ، رزق من الورق دون زيادة عليه وان كان النقص منه ، ورزق من الطعام كبلغة الحياة دون زيادة عليها ولا اقل منها.

ومن ثم تتبين هذه الحائطة من «وليتلطف» تكلّفا لإخفاء امره ، ورفقا ولينا في المعاملة تجنبا عن المشاجرة التي هي من اسباب التفتيش عنه فعنهم ووا ويلاه! (وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) إن شعروا به ام ماذا؟ فليكن صلبا صلدا لا يمد الى احد شعرة واشعارا فشعورا مهما أفرغت عليه الضغوط ولحد الموت ، حفاظا على ايمانه وعلى دماء ونفوس الآخرين :

(إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) ٢٠.

الظهور على هو التطلع علما وواقعا ، فليس العلم بهم دون الوصول إليهم ظهورا عليهم ، ولا الوصول إليهم دون علم بهم ظهورا عليهم ، إنما هو الوصول المطلع كما (الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلى عَوْراتِ النِّساءِ) تعنيه ، فلا علم الطفل دون بلوغ الحلم بعورات النساء يكفي فرض الحجاب عنهم ، ولا الوصول الى عوراتهن دون علم انها مواضع الشهوات يكفي ، وانما الظهور على العورات علما بها وامكانية الوقاع!

إن أشعر هذا المبعوث بكم ، تخللوه الى العلم بكم اطلاعا عليكم وهم بعاد ، ثم التطلع عليكم حتى تصبحوا في قبضتهم فيقع المحظور بين أن «يرجموكم» قتلا فضيحا منفورا مطرودا ، ولكي يشتركوا فيه كلهم إذا كانوا كلهم مشركين ، ام وأشد تنكيلا (أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) حملا على الإشراك وان في ظاهر الحال حيث العقيدة لا تقبل الإكراه.

٤٧

هنا يتقدم الرجم لأنه ظاهر الحال العاجلة من السلطة المشركة التي كانت في طلبهم وهم على ما هم من تصلّب العقيدة وتصلّدها ، ومن ثم لو نجوا عن الرجم فإعادة الى ملتهم وهي أشد من الرجم وأنكى!.

ترى وإذا اتقوهم في ظاهر الحال مسايرة عملية مع الحفاظ على ايمانهم أليسوا إذا مفلحين؟ ولكنما الدخول في جوّ التقية دونما إكراه ضلال ، حيث يقضي على عمل الايمان ، ومن ثم القضاء يتسرب للقضاء على نفس الايمان ، حيث التعوّد المسيّر على ترك واجبات الايمان وفعل محرماته ، مما يجرف تدريجيا الى ترك الايمان وليسوا هم بطبيعة الحال ممن يكتفي منكم بظاهر ادعاء العودة في ملتهم بعد ما قمتم قومتكم في رفضها ، إلّا ان يراقبوكم رقابة تامة في القيام بطقوس الشرك وترك التوحيد بكل مظاهره.

ف (إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ .. وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً) أن (يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ) وكذلك ان «يرجموكم» حيث الظهور عليكم المخلف وراءه رجمكم إلقاء لأنفسكم بأيديكم الى التهلكة! فلو ماتوا جياعا خير لهم من ان يذهبوا ضياعا : رجما انتهاريا ام عودا في ملة الشرك اختياريا حيث الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار!

وليس طلب البلغة والبقية للحياة مما يسمح لالقاء النفس الى التهلكة رجما ام عودا في ملة الشرك ، اللهم الا بحائطة قاطعة ان (لا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَداً) ، ولو شعروا فلا نتحمل إلّا رجما!

واعادتهم في ملتهم دليل على أنهم كانوا على ملتهم ثم استبصروا وكما نتلمحه من «إذ قاموا فقالوا ربنا الله لن نشرك به أحدا» أو أنهم كانوا لردح من الزمن يسايرونهم في ظاهر الشرك تقية نقية اضطرارية ، والعودة الى هذه الحالة اختياريا عود في ملة الشرك وان كان ظاهريا وهذا أظهر من العودة قضية كونها كالبدأة ولا عودة اضطراريا الى عقيدة.

٤٨

فعلى المؤمن الفرار من جو الضلال والتقية ، ثم ليس له الرجوع الى ذلك الجو إلّا لمرجح أهمّ ، او الإقدام على ما يحتمل الرجوع اضطراريا لواجب أهم رعاية للحائطة ، فلا تقية (إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ) (١٦ : ١٠٦) وهنا يذهب الايمان ويذوب وليست تقية إكراه حيث التسبب الى الانحصار في مجتمع الكفر والانحسار عن خالص التوحيد كان نتيجة الاختيار ، وأرض الله واسعة تفرض على المؤمن الفرار بإيمانه ، فكيف الرجوع الى جو اللّاإيمان : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً. فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ ، (٤ : ٩٩).

هكذا نشهد مشهد فتية الايمان إذ يتناجون فيما بينهم حذرين غير عارفين بكرور الأيام ومرور الأعوام ، فقد دارت عجلة الزمان فتعاقبت اجيال واختلفت أميال ، فمدينتهم التي هاجروها تغيرت عوالمها ومعالمها ، ودالت دولات المتسلطين عليها وقصة الفتية تناقلتها الأخلاف عن الاسلاف على تعارض الأقاويل حولهم.

ومن ثم الآن اهل المدينة مؤمنون ، شديدو الحفاوة بالفتية المؤمنين ، وبعد ما رأوا واحدا منهم بصورة وسيرة اخرى وبورق آخر مرت عليه الزمن :

(وَكَذلِكَ أَعْثَرْنا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيها إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً)(٢١)

الإعثار هو الاطلاع مضمّنا مصادفة الشيء من دون طلب له ولا

٤٩

إحساس به وأصله ان الساعي في طريقه إذا صك قدمه او نكب إصبعه شيء ففي الأغلب انه يقف عليه متأملا له فكأنه استفاد علمه دون ان تتقدم معرفته به ، وكذلك أعثرهم الله عليهم.

«وكذلك» الذي حصل من آيات أصحاب الكهف : (ذلِكَ مِنْ آياتِ اللهِ) تتلوها آية اخرى هي ان «أعثرنا» أهل المدينة «عليهم» لأمرين اثنين للذين عثروا ، بعد امر هام لأصحاب الكهف «ليتساءلوا» امر اوّل (لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) وثان : ليعلموا (إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ ..)

وهل «ليعلموا» اصحاب الكهف؟ وهم كانوا على علم بحق الوعد لهم وان الساعة آتية! اللهم إلّا عين اليقين بما رأوا من وعد الله الحق في أمرهم الرشد والمرفق ، وعين اليقين بما رأوا من بعثهم بعد نومتهم التي هي كانت كموتة!

كذلك و «ليعلموا» من اعثروا عليهم نفس العلم مهما اختلفت الدرجات ، وليعلم من يسمعها ، ف «ليعلموا» يشملها وسائر من يعلم قصتهم على مر الزمن.

ترى انه أعثر عليهم وهم أحياء؟ فلما ذا (يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) ولهم أن يسألوا أصحاب الكهف أمرهم! وكيف «قالوا (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً) وهم بعد أحياء!

ام أعثر عليهم بعد ما ماتوا فقد سدل الستار على مشهدهم لعرض مشهد آخر وبينهما فجوة متروكة فيها موتهم؟ فللتنازع في أمرهم هنا موقع ، ولبناء بنيان عليهم هنا معنى!

أم بين ذلك عوان ، أعثر على أحدهم المبعوث الى المدينة حيا وهو طبيعة الحال المعلومة من القصة ، ومن ثم أعثر على الباقين ميتين و (الَّذِينَ

٥٠

غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) انما غلبوا بمبعوثهم على أمرهم من طول شعوره وأظفاره ومن قديم ملابسه وقديم ورقه ولهجته ومواجهته دون ان يشعر هو بشيء من ذلك اللهم إلّا حالته الظاهرة التي لا تخفى على ذي حجى! ،

ام اعثر عليهم وهم أحياء ، وفور العثور أماتهم الله ، فلم يبق لغلب على أمرهم مجال اللهم إلّا من مبعوثهم لجماعة خصوص اختصوا بالغلب به على أمرهم؟

حقا لا يستفاد من آيات القصة أنهم اعثروا عليهم بعد موتهم! وليس في هكذا إعثار علم (أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) إلا أن يروهم أحياء عن نومتهم ، ثم اماتتهم عن حياتهم في رقدتهم.

ولا نعلم بموتهم فور العثور عليهم دون إمهال إلّا من خلال (إِذْ يَتَنازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ) و (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً)!

وذلك إعثار مثمار أن يشهدوا مشهد أصحاب الكهف أحياء وأمواتا ، ف «يعلموا (أَنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ) فيما حقق لهم وفي إتيان الساعة ، ويعلموا (أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها).

وأما أن يشهدوهم أمواتا فلا معلمة فيها ، اللهم إلّا إعثارهم على مبعوثهم فقط حيّا ، وهذا لا يلائم تنازع أمرهم بينهم وبناء بنيان عليهم أم هو بعيد! (١).

__________________

(١) في بعض روايات القصة انهم لما هربوا واطلع الملك على أمرهم افتقدهم ولم يحصل منهم على اثر ، وفي بعض انه وجدهم نياما في كهفهم فأمر ان يبنى على باب الكهف بنيان ليحتبسوا فيموتوا جياعا عطشى فبقوا على حالهم حتى إذا أراد الله ان ينبههم بعث راعي غنم فخرب البنيان ليتخذ حظيرة لغنمه وعند ذلك بعثهم الله أيقاظا وكان من أمرهم ما قصه الله ، وفي بعض انه لما ظهر أمرهم أتاهم الملك ومعه الناس فدخل عليهم الكهف فكلمهم فبينا هو يكلمهم ويكلمونه إذ ودعوه وسلموا عليه وقضوا نحبهم وفي بعض انهم ـ

٥١

ترى وما هي مادة التنازع في أمر أصحاب الكهف بين هؤلاء الذين أعثروا عليهم؟ هل هي أمر مكوثهم الخارق للعادة؟ فطائفة منهم تغامضوا عن كونها آية للبعث وان الساعة آتية لا ريب فيها فقالوا (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ) بنيانا يخفي أمرهم ، فنحن لا ندري من أمرهم شيئا فلنجعله في زمرة المجاهيل المغافيل (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) ليكونوا عبرة للزائرين ومعبدا للساجدين ، دليلا على التوحيد (وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها) وهم الموحدون الذين عرفوا أمرهم ، لا السلطة الزمنية إذ لا تختص بهذه الغلبة دون الشعب ، والسلطات الزمنية في الأغلبية الساحقة مهدمة المساجد لا معمرتها ، ثم ومن يجرأ على المنازعة مع السلطة مع تقديم الرأي ضد السلطة ، فانما هم الغالبون على أمر اصحاب الكهف قضية قوة الايمان!

ومادة اخرى بين الذين غلبوا على أمرهم ، وتنازعوا فيها رغم الوحدة في آية نومهم ، هي أمد لبثهم أمّاذا من أمرهم ومن ثم التنازع في عدتهم ، وطبعا لمن لم يغلب على أمرهم ومن أظهره عدتهم :

(سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) (٢٢).

فيما مضى عرفنا من حوار اصحاب الكهف في (كَمْ لَبِثْتُمْ) انهم لم يكونوا باقل من سبعة ، وهنا نتأكد أنهم سبعة ، فان (رَجْماً بِالْغَيْبِ) ترجم القولين دون السبعة ، ثم لا رجم على (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ) فلو كان مثلهما ،

__________________

ـ ماتوا او ناموا قبل ان يدخل عليهم الملك وسدّ باب الكهف وغاب عن ابصارهم فلم يهتدوا للدخول فبنوا هناك مسجدا يصلون فيه ـ أقول ولا نقول إلّا ما يوافق القرآن وقد نتحمل ما لا يخالفه.

٥٢

لردف بهما في (رَجْماً بِالْغَيْبِ) ام لو كان المرجوم أحد الأولين فقط لاختص هو بالرجم دون الآخر ، وهذه من بلاغة الكلام القمة ولباقته ان يذكر القول الحق بين الأقاويل دونما تصريح به لكي يحث على التفكير ، ويبتعد عن التنكير النكير ، حيث الاصطدام بين القائلين والاحتدام بين الأقوال لا يخلي اي مجال لقول صراح ، اللهم إلّا تلميحة هي ابلغ من تصريحة.

والرجم بالغيب أصله الرمي بالحجارة الى مرمى مجهول لا يدري الرامي أيصيب هدفه ام يخطأ ، وقد لا يكون له هدف ، ثم استعير لكل قذف بالظن والحسبان ، والقول بغير علم ، ومن عادة العرب ان تسمي القائل من دون علم راجما وقاذفا ، كما تسمي السابّ الشاتم راميا راجما ، ويقال : هذا الأمر غيب مرجّم ، اي : يرميه الناس بظنونهم ويقدرونه بحسبانهم.

فالراجم بالغيب كالراجم الذي لا يعلم مواقع أحجاره المرمية اين وقعت ، فتارة يمنة واخرى يسرة ، وهنا (رَجْماً بِالْغَيْبِ) يرجم «ثلاثة وخمسة» على ما في القولين من سوء

التعبير (رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ .. سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ) كأن كلبهم منهم ، فالأربعة او الستة كلهم كلاب ، ام كلهم أو أدم ، دونما عطف لكلبهم عليهم ، يدل على المغايرة ، كما يدل على ردفه بهم ، ولكنما القول الثالث (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) فيه رعاية الأدب بواو العطف ، فردف الكلب بهم دون عطف يجعل جملة الكلب صفة لهم او حالا منهم ف «رابعهم كلبهم وسادسهم» وصفان ل «ثلاثة وخمسة» او حالان ، وفيه إزراء بساحة فتية الايمان ومس من كرامتهم ، والعطف يخرجها عن وصفهم او حالهم حيث يفيد الردف بين متغايرين متوافقين ، تغايرا في الكيان وتوافقا في المكان ، فكلبهم منهم حيث ردفهم يرصدهم ، وليس منهم فهم فتية آمنوا بربهم وهو كلبهم! فحيث وقعت الواو انقطعت العدة وثبت انهم سبعة وثامنهم كلبهم بالقطع

٥٣

والثبات! حيث العطف يجعل المعطوف عليه مستقلا عنه ، محورا أصيلا للكلام ، وترك العطف يجعلهما في نطاق واحد!

وكأن الأقوال حول عدد أصحاب الكهف منحصرة في هذه الثلاث ام هي أشهرها ، في غابر الزمن وحاضر الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وقد عثر على عدة من الكهوف والغيران وعلى جدرانها تماثيل رجال ثلاثة او خمسة او سبعة ومعهم كلب.

وصف القولان الأولان ب (رَجْماً بِالْغَيْبِ) والأخير اضافة الى العطف العطوف ب (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) تدليلا على ان قائله من هذا القليل ، وكيف عرف القليل هذا الغيب إلّا بوحيه وها هو وحيه يلمح لمحة مليحة بعدتهم ـ فان (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) تجهيل لجماعة وهم القائلون (ثَلاثَةٌ .. خَمْسَةٌ) وتبجيل لآخرين عالمين (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) وإنهاء لعلمه الى رب العالمين : (رَبِّي أَعْلَمُ).

كما و (ما يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) تبجيل لهذا القليل ثانيا ، والرسول أفضل هذا القليل كما ويلمح اليه (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) فلم يقل الله اعلم ، انما «ربي» بما علمني ورباني!

ومن ثم آخرون يتبعونه ، ونحن من هذا القليل ، وكما بعض الأصحاب الأقدمين يعد نفسه منهم (١) ونفي العلم ب «ما» دون «لا» في ما يعلمهم الا قليل. نفي للحال فاستثناء للقليل في الحال : ان القليل يعلمونهم الحال. فضلا عن الاستقبال! فأحرى من يعلمه هذا القليل هو الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) حيث اوحي اليه (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ

__________________

(١) منهم ابن عباس كما اخرج عنه عبد الرزاق والفريابي وابن سعدون ابن جرير وابن المنذر وأبي حاتم من طرق واخرج مثله عن الطبراني في الأوسط بسند صحيح عنه ومنهم ابو مسعود كما أخرج عنه ابن أبي حاتم (الدر المنثور ٤ : ٢١٧).

٥٤

وَثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ).

ثم وعلم القليل قد يشمل عدتهم وأسماءهم ، كما يروى عن علي (عليه السلام) أسماؤهم (١) والله أعلم بعدتهم وأسماءهم ، وهذا القليل يعلمهم بما علمهم ربهم ، وكما علمنا هنا عدتهم.

وإذا القائلون عن عدتهم بين راجم بالغيب وبين صادق (فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلَّا مِراءً ظاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً) .. فلما ذا المراء الباطن وأنت من هذا القليل العالمين بهم بما علمك ربك ، ولماذا تستفتيهم ، والراجم منهم بالغيب لا يستفتي والصادق يستفتيه إذ لا يعلمهم وأنت تعلمهم!

والمراء الظاهر هو الخالي عن العمق والاستبطان ، وأصل المراء من مريت الناقة إذا مسحت ضرعها للحلب ، وتسمى الجدال مراء لما فيها من إصرار المماري بالبحث ليفرغ خصمه كل ما عنده من الكلام فينتهي عنه.

فترك المراء معهم فيهم تجهيل لنفسه ، والمراء الباطن المستبطن استعلام ممن يجهل ، او وممن يعلم وهو (صلّى الله عليه وآله وسلم) يعلم فلما ذا يستعلم؟ والمراء الظاهر مماراة ومدارات احتسابا لما أوحى إليه ربه فحسبه ربه تعليما له ومراء معهم!.

ثم المراء غير ممدوح في باطنه دون ظاهره ، وان كان في حق والرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) زعيم بيوتا في الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا (٢) ف «إياكم والمراء والخصومة فإنهما يمرضان القلوب على الإخوان

__________________

(١) في تفسير روح المعاني ج ١٥ : ٢٤٦ وروي عن علي كرم الله وجهه ان اسمائهم : يمليخا ومكشلينيا ومثلينيا وهؤلاء اصحاب يمين الملك ، ومرنوش ودبرنوش وشاذنوش وهؤلاء اصحاب يساره وكان يستشير الستة والسابع الراعي واسم كلبهم قطمير وذكر العلامة السيوطي في حواشي البيضاوي ان الطبراني روى ذلك عن ابن عباس في معجمه الأوسط بإسناد صحيح.

(٢) نور الثقلين ٣ : ٢٥٣ ٤٤٦ في كتاب التوحيد باسناده الى إسماعيل بن أبي زياد عن ـ

٥٥

وينبت عليهما النفاق (١) و «لا تمارين حليما ولا سفيها فان الحليم يغلبك والسفيه يؤذيك(٢).

والتماري حول عدد الفتية لا طائل وراءه فسواء أكانوا ثلاثة او خمسة او سبعة اما زاد او نقص ، فما يعلم عدتهم الا الله والقليل الذين حضروا محضر الكهف في زمته ، والذين عرفهم الله ، فلما ذا التماري إذا إلا مراء ظاهرا ، والعبرة في أمرهم حاصلة بالقليل والكثير ، والقرآن يلمح بعدتهم دون تصريح ، تنبيها بعدم العناية بعددهم وانما المعني به عددهم ، صيانة للطاقة العقلية ان تبدد في ما لا يفيد ، وتوجيها لها إلى ما يفيد ، وألّا يمارى راجم الغيب إلا مراء ظاهرا دون تعميق ولا تعقيب ، فهذا حدث تاريخي طواه الزمن وهو من الغيب الموكول الى علم الله او من علّمه الله ، فلما ذا التماري فيه او الاستفتاء!؟.

فالمراء محظور وان كان في حق ، اللهم إلّا مراء ظاهرا يقف على حق

__________________

ـ جعفر بن محمد عن آبائه (عليهم السلام) قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): انا زعيم ببيت في أعلى الجنة وبيت في وسط الجنة وبيت في رياض الجنة لمن ترك المراء وان كان محقا وفيه عن اصول الكافي باسناده قال : قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) ثلاث من لقي الله عز وجل بهن دخل الجنة من اي باب شاء : من حسن خلقه وخشي الله في المغيب والمحضر وترك المراء وان كان محقا وفي كتاب الخصال عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : من يضمن اربعة باربعة أبيات في الجنة .. وترك المراء وان كان محقا.

(١) المصدر ح ٤١ في اصول الكافي بسند عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال امير المؤمنين (عليه السلام) : ...

(٢) اصول الكافي باسناده الى عمار بن مروان قال قال ابو عبد الله (عليه السلام) : ...

وفي كتاب الخصال عن جعفر بن محمد عن أبيه (عليهما السلام) قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): اربع خصال تميت القلب : الذنب على الذنب وكثرة مناقشة النساء يعني محادثتهن ومماراة الأحمق تقول ويقول ولا يرجع الى خيرا بدأ الحديث.

٥٦

ويقطع دابر الباطل بمرونة وليونة ، بمطالبة الدليل ، فإذا لا دليل فلا مدلول ، حيث المدعي لشيء بحاجة الى دليل دون النافي سنادا الى عدم الدليل.

كما الرجم بالغيب محظور في قياس وسواه ، فآية الرجم ترجم القياس في الأحكام وأحرى من القياس كل ظنة في غير الأحكام ، وكما الآيات الحاصرة كل اتباع بعلم او أثارة من علم ، الحاذرة كل اتباع بغير علم إلّا إذا كان مسنودا إلى علم.

(وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذا نَسِيتَ وَقُلْ عَسى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هذا رَشَداً)(٢٤).

موضوع النهي هنا (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) استقلالا للمشية فيما يعده الإنسان ويريده في مثلث من التأكيد : «اني ـ فاعل ـ غدا» تحديدا لزمن الفعل وتأكيدا ذا بعدين في أصله ، ف «إن» توكده و «فاعل» الدالة على الثبات تثبته ، واما ان يقول «سأفعل غدا» ام «سأفعل» او «افعل» على مختلف مراتب التحتم في هذه الثلاث نازلة ، فالنهي لا يشمله ، اللهم إلا ان «لا تقولن» تنهى مؤكدا عن هذه الصيغة المؤكدة ، فيبقى النهي دون تأكيد في هذه الثلاث متدرج النزول ف «لا تقولن ـ ام ـ لا تقل ... إلا ان يشاء الله».

فلا يعمه (صلّى الله عليه وآله وسلم) لا تصريحة النهي المؤكد إذ لم يقل (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) ولا نهيه دون تأكيد في الثلاث الاخرى إذ لم يقل : سأفعل او افعل ، وانما تلميحة في خامسة الأضلاع «تعالوا غدا» وحسنات الأبرار سيئات المقربين!

ف (لا تَقُولَنَّ ...) مهما شملت رسول الهدي ، ليس إلا نهيا في تصريحته ألّا يفعل ، لا انه فعل وهنا ينهى.

٥٧

(لا تَقُولَنَ .. إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ ..) : ربطا لمشيئتك بمشية الله ، وأنت أيا كنت وفي اي موقف لا تملك إنفاذ مشيئتك المعلومة عندك إلا بسناد مشيئة من الله الغائبة عنك ف (لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)!.

في أفعالك الاختيارية لست مفوّضا تستقل في ارادتك دونما رادع او مؤيد من الله ، ولا مجبورا يستقل ربك في ارادتك فأنت كصورة الفاعل والله هو الفاعل! ف «لا جبر ولا تفويض بل امر بين أمرين» ف (لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) ام حالا أما ذا ، (إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ).

أنت في حاضر مشيئتك وقوتك وارادتك غائب عن حول الله وقوته ، لا تدري اهو مؤيدك فيها ام رادعك عنها ف (لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً)!

أنت لا تستقل بنفسك إغماضا عن ربك ولا تستقل نفسك فيما تريد كأنك لا حول لك ولا قوة اتكالا «فاشلا على ربك كأن الفاعل هو ربك دونك أنت ، وانما أنت في حولك وقدرتك عوان بين ذلك ، تكرس طاقاتك كلها فيما تعنيه وهو مرضي لربك توكلا لا اتكالا. فلا تحس بالتبطر والغرور وأنت مفلح ناجح ، ولا تستشعر القنوط وأنت فاشل مخفق ، فإنما عليك تجنيد ما عندك من طاقات وامكانيات فيما يرضي ربك وفي حالك ومقالك وأفعالك (إِنْ شاءَ اللهُ) ف (لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)!.

ليستشعر قلبك معنى (إِنْ شاءَ اللهُ) وليلفظ لسانك قول (إِنْ شاءَ اللهُ) ولتتّسم افعالك بسمة (إِنْ شاءَ اللهُ) ف (ما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)!

لا يملك المخلوق أيا كان لنفسه نفعا ولا ضرا باستقلال إلا ما شاء الله

٥٨

وحتى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلا ضَرًّا إِلَّا ما شاءَ) (٧ : ١٨٨) فضلا عن أن يملك لغيره أو يملك من الله (وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)!

(إِنْ شاءَ اللهُ) هي من كلمات رسل الله كما في يوسف (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلى يُوسُفَ آوى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ) (١٢ :) ٩٩) وموسى : (قالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ صابِراً وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْراً) (١٨ : ٦٩) ويعقوب (وَما أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ) (٣٨ : ٢٧) وإسماعيل : (قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ) (٣٧ : ١٠٢).

لا فحسب رسل الله وعباده الصالحون بل وكذلك الله تعليما لعباده واعلاما ان يستمروا في قول : إن شاء الله : (لَقَدْ صَدَقَ اللهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ..) (٤٨ : ٢٧).

ونحن نسمع كلمة ان شاء الله من الله نفسه فيما هو مقطوع من فعل او ترك من الله : (وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) (١١ : ١٠٨) فرغم أن عطاء الجنة غير مجذوذ عن أهلها يستثني خلودهم بمشيئته تشريفا لها واعلاما أنها غير محصورة بشيء ولا محسورة عن شيء ـ كما وان الآلهة من دون الله لا يخاف منها قطعا ومع الوصف : (وَلا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً) (٦ : ٨٠) ولا يشاء الرب ولن ان يخاف من دونه شيء! وكما العود في ملة الشرك لمن لا يشاءها ولا سيما نبي الله ، انه من المستحيل ان يشاء الله ولكن : (وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ رَبُّنا وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا ..) (٧ : ٨٩).

ترى ـ بعد ذلك كله ـ كيف يترك أوّل العابدين قولة (إِنْ شاءَ اللهُ) وهو يعد السائلين جوابهم عن الله ، وليس جوابهم إلّا وحيا من الله

٥٩

والرسول لا يملك وحي الله كما لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله؟!

انها لا تعني الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيمن تعنيه نصا ، وانما هي تأنيب على التاركين لها ، وتأديب لهم ألّا يتركوها (١) فهي لهم تصريحة وللرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) تلميحة.

ام وإذا تعنيه فيمن تعنيه فهناك بون بينه (صلّى الله عليه وآله وسلم) وبين من سواه في وعد الفعل وان جمع بينهم في «لا تقولن» نهيا على الأبدال ، حيث الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) وهو أول العابدين لا يشاء إلّا أن يشاء الله ، وكما يخاطب اهل بيت الرسالة المحمدية وهم انسان الدهر في «الإنسان ـ الدهر» : (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً) (٧٦ : ٣٠) إذا فهو هو نفسه مشيئة الله ، لا تجد فيه إلّا (أَنْ يَشاءَ اللهُ) في عقله وصدره وقلبه وسره وخفيه وأخفاه ، في حلة وترحاله ، في فعله وأقواله.

فمهما يترك لفظة (إِنْ شاءَ اللهُ) فيما يعد السائلين دون اي تأكيد خلاف (إِنِّي فاعِلٌ) اجابة بوحي الله ، فلا يعدهم إلّا بمشيئة الله (إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً) كرسول من الله ، لا كمن يعرف الجواب دون وحي الله ، او يملك وحي الله ، وانما رسول من الله ، ما يشاء إلا ان يشاء الله.

فقد شاء فوعدهم أن يأتوه تلميحا لوعد الاجابة ، ولكنه عليه كسنة رسالية وتعليما لهذه السنة قولة (إِنْ شاءَ اللهُ) وان في لمحة ودون

__________________

(١) نور الثقلين ٣ : ٢٥٥ ح ٥٥ في تفسير العياشي عن أبي جعفر (عليه السلام) ذكر ان آدم لما اسكنه الله الجنة فقال له : يا آدم لا تقرب هذه الشجرة فقال : نعم ولم يستثن فامر الله نبيّه فقال (وَلا تَقُولَنَ .. إِلَّا) ولو بعد سنة أقول فلم يكن ترك الاستثناء إذا من الرسول نفسه وهو وجه كما وفي تركه ايضا وجه ذكرناه.

٦٠