الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨١

... ليست الآية الكافية القرآن تنكر لأنها غير حسية ، فمن قبل كفروا بآيات حسية أوتيت رسل الله رغم قولهم ، (لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ...) (٦١ : ١٢٤) (أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِما أُوتِيَ مُوسى مِنْ قَبْلُ) (٢٨ : ٤٨)؟ :

(وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً)(١٠١).

ان فرعنة النكران لآيات الله لا تميّز بين آية حسية يعرفها كل من له إحساس ، وبين آية معرفية يعرفها كل من له ادنى معرفة (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا).

ترى وكيف تكون الآيات المرسل بها موسى تسعا وهي حسب القرآن خمسة عشر (١)

فهل تعني الآيات هنا آيات سوى المعجزات كما يسند الى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ (٢).

__________________

(١) وهي اليد البيضاء ٢ ـ عصاه صارت حية تسعى ٣ ـ عصاه حيث صارت ثعبانا مبينا تلقفت ما يا فكون ٤ ـ عصاه حيث شق بها البحر ٥ ـ عصاه حيث ضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتي عشرة عينا ـ ومن ثم ٦ ـ الطوفان ٧ ـ والجراد ٨ ـ والقمل ٩ ـ والضفادع ١٠ ـ والدم ١١ ـ وإظلال الجبل فوقهم كأنه ظلّة كأنه واقع بهم ١٢ ـ أخذهم بالسنين ١٣ ـ أخذهم بنقص من الأموال ١٤ ـ الطمس على أموالهم ١٥ ـ المن والسلوى.

(٢) الدر المنثور ٤ : ٣٠٤ ـ اخرج الطيالسي وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة واحمد والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه وابو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن قانع والحاكم وصححه وابن مردويه وابو نعيم والبيهقي معا في الدلائل عن صفوان بن عسال ان يهوديين قال أحدهما لصاحبه انطلق بنا الى هذا النبي نسأله فأتياه فسألاه عن قول الله (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ) فقال رسول الله (ص) : ١ ـ لا تشركوا بالله شيئا ٢ ـ ولا تزنوا ٣ ـ ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق ٤ ـ ولا ـ

٣٦١

والآيات المذكورة في؟؟ شتات الآيات هي المعجزات الى فرعون وملئه أما ذا ، دون آيات؟؟ التوراة احكامية؟؟ أماهيه!

والحل ان التسع لا تستغرق كل ما أرسل به موسى من آيات ، وانما (فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ) (٢٧ : ١٤) وهي التسع المذكورة في ايات (١) ثم اربعة اخرى هي خاصة ببني إسرائيل (٢).

وهنا لك روايات في تعديد التسع الآيات تتعارض بعضها البعض والكل تعارض القرآن (٣).!

__________________

ـ تسرقوا ٥ ـ ولا؟؟ تسحروا ٦ ـ ولا تمشوا ببرئى الى سلطان فيقتله ٧ ـ ولا تأكلوا الربا ٨ ـ ولا تقذفوا محصنه ٩ ـ وقال ولا تفروا من الزحف شك شعبة وعليكم يا يهود خاصة الا تعتدوا في السبت ، فقبلا يديه ورجليه وقالا نشهد انك نبي قال : فما يمنعكما ان تسلما؟ قالا : ان داود دعا الله ان لا يزال في ذريته نبي وانا نخاف؟؟ ان اسلمنا ان تقتلنا اليهود

(١) وهي اليد البيضاء ٢ ـ عصاه حية تسعى ٣ ـ عصاه ثعبان مبين ٤ ـ الطوفان ٥ ـ الجراد ٦ ـ القمل ٧ ـ الضفادع ٨ ـ الدم ٩ ـ ضرب الأموال بنقص وطمس وأخذهم بالسنين.

(٢) ١ ـ من نتق الجبل ٢ ـ والمن والسلوى وهما واحدة ٣ ـ وانفجار العيون من الحجر ٤ ـ وفلق البحر ، وهذه الرابعة لا تمت بصلة الى فرعون وملئه حيث أغرقهم والآية تقول «وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها وَأَخَذْناهُمْ بِالْعَذابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ» والعذاب هنا تخويفية الآيات ولا رجوع في آية الغرق.

(٣) نور الثقلين ٣ : ٢٢٩ ح ٤٥٧ في تفسير العياشي عن سلام عن أبي جعفر (ع) قال : سألني نفر من اليهود عن الآيات التسع التي أوتيها موسى بن عمران (ع) فقلت : العصا وإخراجه يده من جيبه بيضاء والجراد والقمل والضفادع والدم ورفع الطور والمن والسلوى آية واحد وفلق البحر قالوا صدقت و ٤٥٨ في قرب الاسناد للحميري باسناده الى موسى بن جعفر (ع) في الآية قال : الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والحجر والبحر والعصا ويده ورواه مثله في الخصال عن هارون بن حمزة الغنوي الصيرفي عن أبي عبد الله (ع).

وبينهما اختلاف في رفع الطور والمن والسلوى المذكورة في الأولى دون الثانية وفي الحجر ـ

٣٦٢

هذه الآيات من صغراها وكبراها الى فرعون وملئه كلها بينات ، ولكنما الفرعنة الحمقاء لا تبقى ولا تذر : (... فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ. فَلَمَّا جاءَتْهُمْ آياتُنا مُبْصِرَةً قالُوا هذا سِحْرٌ مُبِينٌ. وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ) (٢٧ : ١٤).

ومن ظلم فرعون وعلوه قولته الفاتكة (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً) ومجنونا (إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ) (٢٦ : ٢٧) (فَتَوَلَّى بِرُكْنِهِ وَقالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) (٥١ : ٣٩) ف (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) يفسر المسحور انه المجنون ، تعبيران عن حالة واحدة ثانيتهما انه ساحر حيث الساحر ليس ليعني المسحور! فكلمة الحق وبصائره لا تصدر في عرف الطاغية إلّا عن ساحر او مسحور : مجنون : لا يدري ما يقول او يسحر فيما يفعل او يقول!

(قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلَّا رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً)(١٠٢).

انظر الى رب موسى في مناظرته مع اطغى الطغاة وأحمقهم ، يستند لإبطال كونه مسحورا الى علم فرعون ان هؤلاء نازلة من رب السماوات والأرض بصائر (١) وإذ لا تبتصر أنت بهذه البصائر فلا بصر لك إذا ولا

__________________

ـ والطوفان المذكورين في الثانية دون الأولى ، ثم التوافق في سبعة اخرى. ومن ثم بعض الآيات الخاصة ببني إسرائيل ليست الى فرعون وملئه.

(١) نور الثقلين ٣ : ٢٣٠ ح ٤٦٢ مجمع البيان وروي ان عليا (ع) قال في «علمت» والله ما علم عدو الله ولكن موسى هو الذي علم فقال : لقد علمت أقول : هل كذب موسى او استند الى علم نفسه ف «علمت» بضم التاء ، واستناد المناظر على المناظر بعلمه نفسه جهل ، فهذه الرواية مختلقة مخالفة للقرآن كما وتعارضها اخرى في نفس المصدر ح ٤٦٣ في تفسير علي بن ابراهيم في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر (ع) في قوله «فَأَرادَ

٣٦٣

بصيرة (وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً) هالكا في بعدين من الأبصار ، حيوانا في بصرك ، وإنسانا في بصيرتك!.

يقول : «لأظنك» حال انه متيقن معلوم ، رعاية لأدب المناظرة ألا يتجاوز الكلمة الفرعونية : (إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى) ظنا بظن ، ولا يملك ظن فرعون حجة ، ولموسى الحجة البالغة في يقينه ولكنه يعبر عنه بالظن معارضة بالمثل!.

والمثبور هو الهالك المدمر بجهله وجهالته تقصيرا ، حيث غربت بصيرته وعزب عنه عقله ، بما أهلكه طغيانه ، وأنساه إنسانه.

وترى لماذا «هؤلاء» وهي لمن يعقل؟ علّه لأنها بصائر للعقول ، صادرة عن خالق العقول لمن يعقل.

ثم وسناد هؤلاء الى رب السماوات والأرض تنبيه انها ليست لتصدر عن غيره ، فأنت أنت يا فرعون تدعى (أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى) ولا تقدر على أصغر آية منها او تدفع عنها ، فكيف تعطف بها الى سحر ام جنون ، في حين ان العقلاء بأجمعهم لا يستطيعونها ولا أصغر آية منها ، وحتى الأرضية فيها فضلا عن السماء!

(فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً)(١٠٣).

إرادة استفزازية فرعونية ، فرارا عن الحجج الموسوية بالبصائر الإلهية ، ولجوء إلى طغوى مادية هي سنة للطغات ، حيث يواجهون الحجة العقلية بالقوة المادية اللّاعقلية ... فلانه ما استطاع استفزازا لحجته وصدا عاقلا

__________________

ـ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ» أراد ان يخرجهم من الأرض وقد علم فرعون وقومه ما انزل تلك الآيات الا الله عز وجل ، وتؤيده الآية : وجحدوا بها واستيقنها أنفسهم ... بعد الآية : فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين.

٣٦٤

لمعجته ، أراد أن يستفزهم من الأرض استئصالا عن الأرض كلها بقتلهم ، او إخراجا عن أرض الفرعنة (فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً) دون إبقاء! : (فَأَتْبَعُوهُمْ مُشْرِقِينَ. فَلَمَّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قالَ كَلَّا إِنَّ مَعِي رَبِّي سَيَهْدِينِ. فَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْبَحْرَ فَانْفَلَقَ فَكانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ. وَأَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِينَ. وَأَنْجَيْنا مُوسى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ. إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢٦ : ٦٧).

(وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً)(١٠٤).

الأرض هذه هي ارض مصر كما استضعفوا فيه : (وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ) (٢٨ : ٥) فالمستضعفون من بني إسرائيل سكنوا ارض مصر وراثة عن فرعون وملئه ، ولو كانت هي الأرض المقدسة لصرح بها ، ثم ولا صلة بها لموقفهم إذ أغرق الله فرعون وجنوده في يمّ مصر (فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) : (عذابها لمن عصى) (جِئْنا بِكُمْ) : (أنتم وآل فرعون) «لفيفا» : خلطاء مع بعض دون ميزة قومية إلّا بأعمالكم.

وقد يعني (وَعْدُ الْآخِرَةِ) هنا فيما يعنيه المرة الآخرة من مرتيهم كما في مفتتح الأسرى : (... فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً) والجيئة اللفيف ـ إذا ـ هي الجيئة السوداء لاسوداد في وجوههم اكثر وتبتيرهم بايدي القائم المؤمل (عجل الله فرجه) وأصحابه.

(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا مُبَشِّراً وَنَذِيراً)(١٠٥).

هنا لك إنزال للقرآن وهناك نزول له يختلفان فعلية وفاعلية مهما اتفقا

٣٦٥

في الحق ، ففاعلية الحق هي ان الله أنزله في حالة الحق حيث الحق مادته وكيانه وقوامه ، وبسبب الحق وغايته ... فهل نزل كما انزل ، دونما اصطدامه حين انزل بصدامات الشياطين امّن ذا ، ودونما خطاء في منزله : قلب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا فيمن انزل به : الروح الأمين ، ولا في مقامه في منزله الاوّل وسائر منازله حتى القيامة الكبرى؟ اجل (وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) وهنا لك فعليته فلا تجد فيه إلّا الحق ، ولا في منازله إلا نزول الحق ، ولا في غاياته إلّا الحق : (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (٤١ : ٤٢)(وَما أَرْسَلْناكَ) به (إِلَّا مُبَشِّراً) ببشاراته «ونذيرا» بنذاراته دون ان تزيد فيه ولا ان تنقص عنه!

فالحق إنزالا ونزولا سداه ولحمته ، مادته وغايته ، صورته وسيرته ، قوامه واهتمامه ، ومكانه ومكانته بأحق ما يكون من معنى للحق ، دون شوب للباطل فيه او نقص ونسخ يعتريه!

(وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً)(١٠٦).

هنا لك قرآن غير مفروق هو النازل عليه ليلة القدر ، وقرآن آخر مفروق هو النازل عليه طوال البعثة : (كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ).

فهذا الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يعيه محكما دونما فرق ولا مكث ، ولكن الناس ليسوا ليعوه ويفهموه إلّا على مكث ، بل وليثبت قلب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على آياته البينات تطورا وتنورا : (قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَرَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً) (٣٥ : ٣٢).

٣٦٦

فهنا لك فرق بين فرق القرآن للرسول تثبيتا لفؤاده ما وعاه محكما ، وفرقه للمرسل إليهم ليعوه ومن ثم تثبت عليه افئدتهم!.

ثم ان فرق القرآن له بعدان ، بعد الألفاظ حيث فرقت في نجوم عدة عبر الرسالة ، فصلا له في سور وآيات وذلك بمنزلة فرق الشعر وهو تمييز بعضه عن بعض حتى يزول التباسه ويتخلص التفافه.

وفرق المعاني اي بيناه للناس بنصوع مصباحه وشدوخ أوضاحه حتى صار كمفرق الفرس في وضوح مخطّه ، او كفرق الصبح في بيان منبلجه.

فمن واجب القراءة للقرآن ان يقرء على مكث ويرتل ترتيلا دونما استعجال ، ولقد كان اصحاب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يتعلمون القرآن على مهل خمسا خمسا امّا زاد او نقص دون ان ينثروه نثر الدقل او يركموه ركم الركام!.

ثم من فرق اللفظ في القرآن كما أشرنا فرقه الصغير بالآيات ثم الكبير بالسور كما تذكر ان في عديد من الآيات ، وأما الفرق بالركوعات والسجودات والأجزاء امّا ذا مما اصطلح عليه القراء فلا اثر عنهما في القرآن.

صيغة السورة والسور نجدها في عشر ، منزّلة (٩ : ٦٤) تدريجيا ، او منزلة (٩ : ٨٦) دفعيا ، والسور القرآنية لا تخلو عن إنزال او تنزيل وإن كان تنزيلها أكثر (١).

ولأن السورة والآية من صنيع الوحي فعديدهما كذلك وحدودهما ايضا من الوحي ، ومهما اختلفت القراء في عدد السور والآيات فلا اختلاف في ألفاظ القرآن الموجودة بين الدفتين ، والسور حسب الرسم المتواتر مائة

__________________

(١) فالتنزيل في موردين ثانيهما «لَوْ لا نُزِّلَتْ سُورَةٌ» (٤٧ : ٢٠) والانزال في خمسة ، والثلاثة الباقية إتيان لها «قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ» (١٠ : ٣٨).

٣٦٧

واربع عشرة ، ومهما اعتبرت سورتا الضحى والم نشرح وسورتا الفيل ولإيلاف سورة واحدة ، فهذه الوحدة حكمية وليست واقعية.

ثم عديد الآيات ، رغم الاختلافات الستة فيها (١) لا تضر بالحفاظ على كلمات القرآن وحروفه وهي محدودة دونما اختلاف.

ومن أهم الخلافات بين الشيعة والسنة تحسب البسملات من السور وعدم تحسّبها حيث البون بينهما يصبح في ١١٣ ـ آية وليس حسب الكتب القرآنى إلّا اختلافا صوريا ، وكون البسملة آية في النمل يحتم كونها آية أينما كانت من السور!.

ومما لا يربيه شك ان ترتيب الآيات والسور كما الآن مثل تركيب السور والآيات كل ذلك من الوحي دون تدخل من غير الوحي فان الكل من فرق القرآن (قُرْآناً فَرَقْناهُ)!

(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨). وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً)(١٠٩).

إن شرائط الايمان به لزاما حاصلة (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا) أنتم الجدد في واجهة وحي الكتاب (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ) : علم الوحي الكتاب والبشارة فيه بحق القرآن ، أولئك يؤمنون به (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦ : ٢٠) يعرفونه في بعدين اثنين ، ١ فبالمقايسة بين الوحين وحي

__________________

(١) اختلفوا ان آياته ستة آلاف ام ومائتان واربع ام واربع عشرة ، ام وتسع عشرة ، ام وخمس وعشرون ام وست وثلاثون.

٣٦٨

القرآن يفوق سائر الوحي ام لا يقل عنه ٢ وبما بشر بنزول القرآن كما في كتاب اشعياء (١).

وكما يعرفون محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (٢ : ١٤٦) بنفس البعدين.

(إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) : تخضعا له وتواضعا واحتراما ، ليس في آيات السجدة فحسب ، بل والقرآن كله ، وهذه قضية الايمان الصادق.

وهذه ثالثة الآيات الدالة على وجوب الاستماع للقرآن ثانيتها كهذه : (فَما لَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ. وَإِذا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لا يَسْجُدُونَ) (٨٤ : ٢١) وأولاها : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (٧ : ٢٠٤) واقل السجود للقرآن استماعه إذا قرئ ، وأكثره السجود للأذقان في استماع سائر القرآن (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) وأوسطه واجب السجود عند استماع آيات السجود وهذه منها.

ولأن الخرور للأذقان سجود ، فهو سائغ في الصلاة لمن لا يمكنه سواه (٢) ولعل «يخرون» الأول خرور الخضوع بالجوارح والثاني خرور الخشوع بالجوانح ، تدرجا من الجارح الى الجانح ، حيث البكاء من مظاهر

__________________

(١) راجع كتابنا «رسول الإسلام في الكتب السماوية».

(٢) نور الثقلين ٣ : ٣٣١ ح ٤٧٠ في تفسير علي بن ابراهيم حدثني أبي عن الصباح عن إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : قلت له : رجل بين عينيه قرحة لا يستطيع ان يسجد عليها ، قال : يسجد ما بين طرف شعره ، فان لم يقدر سجد على حاجبه الأيمن فان لم يقدر فعلى حاجبه الأيسر فان لم يقدر فعلى ذقنه ، قلت : على ذقنه؟ قال : نعم اما تقرء كتاب الله عز وجل (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ)؟

٣٦٩

خشوع الجارح كما الخشوع يختص بالجانح!.

(قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً)(١١٠)

(وَلِلَّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (٧ : ١٨٠) (اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٢٠ : ٨) (هُوَ اللهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) (٥٩ : ٢٤).

آيات اربع في سائر القرآن ان لله تعالى الأسماء الحسنى فادعوه بها لا سواه ، فهناك اسماء سيئة تختلق (١) واخرى حسنة تخلط بين صالح وسواه (٢) لا تناسب أيّ من هذه او تلك الساحة المقدسة الإلهية (فَسُبْحانَ اللهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ). (إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) حيث يصفونه بالحسنى التي وصف بها.

وقد يلوح من (أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) أن أناسا كانوا معترضين على دعوة الرحمن كأنه غير الله فهذه ثنوية تنافي دين التوحيد وكما يروى ان الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) صلى بمكة ذات يوم فدعى الله فقال في دعائه «يا الله يا رحمن» فقال المشركون انظروا الى هذا الصابئ ينهانا ان ندعو إلهين؟ وهو يدعو إلهين؟ فانزل الله (قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) الآية» وكان رجل باليمين يسمى رحمن (٣).

__________________

(١) كالأسماء الخاصة بالمخلوقين مثل الآكل. الذاهب ، الماشي ، الخائف ، الراجي أما ذا؟

(٢) كالأسماء التي تجمع بين اللائق بذاته وغير اللائق ك «الواجب الوجود». الوجود المطلق مقابل الوجود المحدود حين يعنى منهما سنخ واحد في اعتقاد وحدة حقيقة الوجود.

(٣) الدر المنثور ٤ : ٣٠٦ ـ اخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عباس قال : صلى ـ

٣٧٠

ان هؤلاء الحماقى خيل إليهم بطبيعتهم الشركية ان عدد الاسم دليل لعديد المسمى ، على غفلة ان اسماء الله تعالى هي تحبيرات اللغات وتعبيرات شتى عن صفاته الذاتية والفعلية دون تعديد في الذات او في حقيقة صفات الذات ، او الذات وهذه الصفات ، فانما هذه الأسماء الحسنى التي تناسب ساحة الالوهية تعبيرات حسنى عن ذات واحدة بحقيقة الوحدانية.

والاسم ـ أيا كان ـ ما يدل على مسمى ، فهو إذا غير المسمى ، سواء أكان لفظيا كأسماء الله الحسنى التي ندعوه بها ، ام عينيا كسائر الكون فانها بذواتها تدل على خالقها ، ام وخصوص الأولياء المكرمين ولا سيما اهل بيت الرسالة المحمدية (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإنهم من اسماء الله الحسنى ندعوه بها ، ثم لا يكون لعديد الأسماء اللفظية عديد من معان في ذات الله ، اللهم إلّا اسماء الأفعال الدالة على عديد الأفعال ، وهي حادثة بارادة الله تعالى ، منفصلة عن ذاته وليست في ذاته او عينها. واما اسماء الصفات الذاتية كالعلم والحياة والقدرة فهي تدل على حقيقة واحدة مجردة عن اي تركب دون حقائق هي عين الذات او عارضة على الذات! وهذه الثلاثة اركان لسائر أسمائه الحسنى (١).

__________________

ـ رسول الله (ص) ... وفيه اخرج ابن جرير عن مكحول ان النبي (ص) كان يتهجد بمكة ذات ليلة يقول في سجوده يا رحمن يا رحيم فسمعه رجل من المشركين فلما أصبح قال لأصحابه انظروا ما قال ابن أبي كبشة يزعم الليلة الرحمن الذي باليمن وكان باليمن رجل يقال له رحمن فنزلت الآية.

(١) نور الثقلين ٣ : ٢٣٣ ح ٢٧١ عن الكافي باسناده عن أبي عبد الله (ع) قال : ان الله تبارك وتعالى خلق اسما بالحروف غير مصوت وباللفظ غير منطبق وبالشخص غير مجسد وبالتشبيه غير موصوف وباللون غير مصبوغ منفي عنه الأقطار ، مبعد عنه الحدود ، محجوب عنه حس كل متوهم ، مستتر غير مستور ، فجعله كلمة تامة على اربعة اجزاء معا ليس ـ

٣٧١

وترى «هل كان الله عز وجل عارفا بنفسه قبل ان يخلق الخلق؟ نعم! فهل يراها ويسمعها؟ ما كان محتاجا الى ذلك ، لأنه لم يكن يسألها ولا يطلب منها ، هو نفسه ونفسه هو ، قدرته نافذة ، فليس يحتاج ان يسمي نفسه ، ولكنه اختار لنفسه أسماء لغيره يدعوه بها لأنه إذا لم يدع باسمه لم يعرف فأوّل ما اختاره لنفسه (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) لأنه أعلى الأشياء كلها فمعناه الله واسمه العلي العظيم هو اوّل أسمائه علا على كل شيء»! (١).

فأسماء الله الحسنى بثلاثتها الأركان وسائر الفروع ، انها ليست الا لحاجة الخلق لا لحاجته ، ولا أنها تحكي عن عديد من الحقائق المختلفة في ذاته وحتى الثلاثة الأركان ، اللهم إلّا ذاتا واحدة بحقيقة الوحدة ، مجردة عن اي تركيب بأي معنى!.

__________________

ـ واحد قبل الآخر ، فأظهر منها ثلاثة اسماء لفاقة الخلق إليها ، وحجب منها واحدا وهو الاسم المكنون والمخزون ، فهذه الأسماء التي ظهرت ، فالظاهر هو الله تبارك وتعالى ، وسخر سبحانه لكل اسم من هذه الأسماء اربعة اركان ، فذلك اثنى عشر ركنا ، ثم خلق لكل ركن منها ثلاثين اسما ، فعلا منسوبا إليها فهو : الرحمن ـ الرحيم ـ الملك ـ القدوس ـ البارئ ـ الخالق ـ المصور ـ الحي ـ القيوم لا تأخذه سنة ولا نوم ـ العليم ـ الخبير ـ السميع ـ البصير ـ الحكيم ـ العزيز ـ الجبار ـ المتكبر ـ العلي ـ العظيم ـ المقتدر ـ القادر ـ السلام ـ المؤمن ـ المهيمن ـ المنشئ ـ البديع ـ الرفيع ـ الجليل ـ الكريم ـ الرازق ـ المحيى ـ المميت ـ الباعث ـ الوارث : فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتى تتم ثلثمائة وستين اسما فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة وهذه الأسماء الثلاثة اركان وحجب الاسم الواحد المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة وذلك قوله تعالى : قل ادعوا الله او ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى.

(١) نور الثقلين ٣ : ٢٣٣ ح ٤٧٢ عن اصول الكافي باسناده عن ابن سنان قال : سألت أبا الحسن الرضا (ع) هل كان الله ... أقول : فالسائل ابن سنان والمجيب الامام الرضا (ع) كما في المتن.

٣٧٢

ف «من عبد الله بالتوهم فقد كفر ، ومن عبد الاسم ولم يعبد المعنى فقد كفر ، ومن عبد الاسم والمعنى فقد أشرك ، ومن عبد المعنى بإيقاع الأسماء عليه بصفاته التي يصف بها نفسه فعقد عليه قلبه ونطق به لسانه في سرائره وعلانيته فأولئك هم المؤمنون حقا» (١).

فذات الله تعالى غير هذه الأسماء وهي غيرها (٢) وانما هي تحبير اللغات عن الذات المقدسة بصفاته الذاتية والفعلية.

(قُلِ ادْعُوا اللهَ) الاسم الأعظم الظاهر للذات المقدسة (أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ) أعم الأسماء الشاملة للرحمة الإلهية (أَيًّا ما تَدْعُوا) من أسماءه التي تعنيه وحده (فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى) التي يدعى بها ... (وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ) إلحاد النكران او الشرك بالله ، إلحادا في مثلث الأسماء ، ففي اللفظية كأن تختلق ما يعني معنى تحيد عنه ذاته او صفاته وأفعاله ، من اسم ذات او صفة ذاتية او فعليه ، وفي العينية ان تتخذ آلهة من دون الله أو تشرك بها الله كالملائكة والنبيين أمن ذا من المقربين اليه ، ام من الطواغيت.

وكذلك اعتبار صفاته ـ وحتى الذاتية ـ معاني زائدة على ذاته ، او تعني منها مثل ما تعنيه من صفات غيره.

لله اسماء لذاته تعالى فمن ظاهرها «الله» ومن باطنها «هو» واسماء

__________________

(١) في التوحيد للصدوق عن ابن رئاب عن غير واحد عن أبي عبد الله (ع) قال ...

(٢) في التوحيد مسندا وفي الاحتجاج مرسلا عن هشام بن الحكم قال : سألت أبا عبد الله عن اسماء الله عن ذكره واشتقاقها فقلت : الله مما هو مشتق؟ قال يا هشام الله مشتق من إله وإله يقتضي مأدها والاسم غير المسمى ـ وذكر مثل ما عن ابن رئاب الى ان قال ـ : فقلت زدني فقال : ان لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسما فلو كان الاسم هو المسمى لكان كل اسم منها إلها ولكن الله معنى يدل عليه بهذه الأسماء وكلها غيره.

٣٧٣

لصفات ذاته وهي الحياة والعلم والقدرة ، ثم أسماء لصفات فعله كسائر أسمائه الحسنى ، والإلحاد في شيء منها لفظيا أو معنويا ، كما في الإلحاد في الأسماء العينية المنفصلة كسائر الموجودات ، او التي يوصف هو بها ، فالإلحاد في كل ذلك محظور محظور! (١)

ومن الإلحاد في أسمائه تعالى المنهي عنه في آيته (٧ : ١٨٠) ان تتخذ معاني زائدة على ذاته ، ام ولها مظاهر من خلقه هي مواليد تلكم الأسماء فتعبد من دون الله ، والمناهي المؤكدة عن عبادة الاسم او مع المسمى أنها كفرا وشرك ، لا تعني الأسماء اللفظية حيث لا يعبدها احد ، وإنما تعني المعاني الزائدة على ذاته سبحانه ان تعبد هي او مظاهرها إلحادا او إشراكا ـ يجمعها (يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ)! إلحادا لفظيا او معنويا او عينيا (٢).

فلا أن أسماءه معاني زائدة على ذاته سواء في ذلك الصفات الذاتية والفعلية ، ولا ان لها مظاهر تعبد ، كل ما هنا لك تجير اللغات كما أسلفناه ، او أسماء عينية هم أفاضل خلقه من رسله وأولياءه حيث يدعى الله بهم كما امر : (وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ) دونما استقلال لهم في دعاءهم ، ولا عبادتهم من دون الله!.

فاختلاق اسماء له تعالى قد يعني إلحادا في اسماء او اشراكا ، فما التوحيد في أسمائه إلّا التي سمى بها نفسه المقدسة ، ولأن أسماءه صفاته و (سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يَصِفُونَ. إِلَّا عِبادَ اللهِ الْمُخْلَصِينَ) فإنهم لا يصفونه إلّا

__________________

(١ ، ٢). من اللفظي ان تسميه بأسماء خاصة لخلقه سواء في اسم الذات أو صفة الذات أو صفة الفعل. ومن العيني ان تظن أحد من خلقه انه إله في شريكه أو جزئه ، ومن المعنوي ان تعني مثلا من «العالم» علما كعلم خلقه ، او تتصور له معنى أيا كان ، او تنزهه عن ان تعلم معنى علمه ولكنك تظن أنه زائد على ذاته!

٣٧٤

بما وصف به نفسه ، فأمثال العلة والواجب وأضرابهما من اسماء فلسفية أمّا هيه؟ من اسماء غير مقتبسة من مشكاة الوحي كلها اسماء إلحادية مهما اختلفت دركاتها!

ولسنا نعرف من أسمائه معاني ايجابية كالتي نألفها ونعرفها لأنه باين عن خلقه وخلقه باين منه ، وانما نعني نفي مقابلاتها وهو تسبيح بالحمد فلا الحمد والتوصيف فقط ، ولا التسبيح فقط ، وانما تسبيح بالحمد يعني نفي المقابلات للصفات الثبوتية ، وإذا فالصفات الإلهية كلها سلبية مهما اختلفت سلبية سالبة عن سلبية موجبة في تحبير اللغات.

(... وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً).

الجهر والإخفات وصفان متضايفان ، أترى بعدهما مطلقا منهيان ، والنتيجة ألّا تصلي أصلا ، حيث القراءة لا تخلوا عن جهر ما أو إخفاف! ام المنهي عنه من الجهر أعلاه ومن الإخفات أدناه؟ وهذا هو السبيل الوسط المأمور به (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً)! فلا سبيل وسطا في قراءة الصلاة إلّا عوانا بين عالي الجهر وداني الإخفات.

فالجهر المأمور به في جهرية الصلوات ، والإخفات المأمور به في إخفاتيتها هما في السبيل الوسط ، جهر دون العال وإخفات فوق الدان ، فقد يخفت لحدّ لا يسمع نفسه بأدنى اذن؟ فلا! او يجهر لحد يسمع البعيدين عنه في أعلى الجهر؟ فكذلك لا (١) ، بل (وَابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) و «المخافتة ما دون سمعك والجهر ان ترفع صوتك شديدا»(٢).

ولماذا الجهر العال في صلاتك؟ ألتسمع ربك؟ وهو اقرب إليك من

__________________

(١) العياشي عن سليمان عن أبي عبد الله (ع) في الآية قال : الجهر بها رفع الصوت والمخافتة ما لم تسمع اذناك.

(٢) نور الثقلين ٣ : ٢٣٣ ح ٤٧٦ في الكافي عن سماعه قال سألته عن قوله الله عز وجل «وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها» قال ....

٣٧٥

حبل الوريد : و (فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) ام تسمع المؤمنين معك؟ فلا عليك إلّا السبيل الوسط (١). ام ولتسمع الكافرين؟ وهم بسماعهم أو استماعهم يؤذونك! (٢).

ثم ولماذا الإخفات الدان ، لحد تحرم نفسك عن سماعه ، واقل السماع في صلاتك ان تسمع نفسك ، ام تحرم الذين معك؟ فلما ذا وهم في صلاتك صامتون لا يقرءون ، أفحرمانا لهم عن قراءتهم وعن قراءتك؟ ، ف (ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً) وإن كانت تختلف السبيل في جهريتها وأقلها إسماع من بجنبك ، وفي إخفاتها فلتسمع فيه نفسك دون جوهرية لصوتك لتسمع ، وانما همس سمعه غيرك ام لم يسمع ، وكما ثبت في السنة المقدسة الاسلامية.

وترى ان الحكمة في ترك الجهر العال هي فقط التقية عن أذى

__________________

(١) المصدر ح ٤٧٧ القمي عن عبد الله بن سنان قال قلت لأبي عبد الله (ع) : أعلى الامام ان يسمع من خلفه ، وان كثروا؟ قال : ليقرء قراءة وسطا يقول الله تبارك وتعالى : (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها).

(٢) تظافرت الرواية عن طريق الفريقين انه «كان رسول الله (ص) إذا كان بمكة جهر بصوته فيعلم بمكانه المشركون فكانوا يؤذونه فأنزلت هذه الآية «نور الثقلين عن العياشي عن أبي جعفر وابن عبد الله (ع).

وفي الدر المنثور ٤ : ٢٠٦ ـ اخرج سعيد بن منصور واحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حابن وابن مردويه والطبراني والبيهقي في سننه عن ابن عباس في الآية قال : نزلت ورسول الله (ص) بمكة متوار فكان إذا صلى بأصحابه رفع صوته بالقرآن فإذا سمع ذلك المشركون سبوا القرآن. ومن أنزله ومن جاء به فقال الله لنبيه (ص): (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ ...) أي بقرائتك فيسمع المشركون فيسبوا القرآن ، ولا تخافت بها عن أصحابك فلا تسمعهم القرآن حتى يأخذوه عنك وابتغ بين ذلك سبيلا» يقول : بين الجهر والمخافتة واخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان النبي (ص) يجهر بالقراءة بمكة فيؤذي فانزل الله (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ).

٣٧٦

المشركين ، فلا نهي إذا فيما لا تقية ، بل وفيه تعظيم شعائر الله ، ولا سيما إذا أسمعت الصلاة بالسماعات والإذاعات؟ علّه نعم! حيث الوارد في الروايات هو هي لا سواها! إذا فلا محظور في الجهر العال.

او ترى ان هناك حكمة اخرى على من يجهر علّ الله يسمعه اكثر واوفى ، فقضي على سنة الجهر العال لهذه وتلك لا وحدها (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) (٣٠ : ٧) (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) (٦٧ : ١٣) ، ولكنهما تلمحان بالتنديد لمن يجهر عاليا أم غير عال إسماعا لربه وهو في حد الكفر بالله! واما الجهر أيا كان لغرض إسماع المؤمنين دون تقية عن الكافرين ، ولتعلوا كلمة الله وتعظم شعائر الله فلا منعة فيه حسب الآيات! اللهم إلّا ما تلمحه آية الأعراف : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ وَلا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ) (٧ : ٢٠٥) ولكنما الأمر بهكذا ذكر ليس نهيا عن الجهر ، والمنهي عنه في آيتنا هو الجهر العال لا مطلق الجهر ، إذا فالجهر الذي لا يخرج المصلى عن حالة الصلاة ممنوح ، اللهم إلا الطوارئ تقية إمّا ذا فممنوع.

(وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)(١١١).

«وقل» في نفسك وجهرا ، إظهارا لهذه الحقيقية واجهارا (الْحَمْدُ لِلَّهِ) كل الحمد مني ومن كل حامد (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) بأي معنى من الولادة ، حقيقية وتشريفية. لا فقط انه (لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً) بعد الأزل ، بل (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ) منذ الأزل اللّااول ، ولدا وغير ولد ، ولماذا شريك في الملك؟ ألعجز عن ملكه ، ام ذلك في وحدته؟ (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ) منذ الأزل اللّااوّل (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً) في نفسك توحيدا ناصعا

٣٧٧

خالصا ، وفي الآخرين الذين صغروه باتخاذ ولد ام شريك في الملك او ولي من الذّل «تكبيرا» يجتث جذور الإشراك عن بكرتها ، ويبلور التوحيد عن كل شائبة آئبة من مختلقيها.

٣٧٨

«سورة الأسرى» اسراء الرسول الى المسجد الأقصى ـ هل هو القدس او السدرة المنتهى؟ ٧ ـ ٢٥

كيف انحصرت الدعوة التواتيى في «الا تتخذوا من دوني وكيلاً»؟................. ٢٥ ـ ٣١

إفسادان اسرائيليان عالميان ـ يقضي على كلّ بثوار مسلمين ـ هذه هي المرة الأولى منهما وقد يقضي عليها بالثورة البادئة من ايران ـ ليس «عباداً لنا» بخت النصر وإنما هم من أصلح ثائري التأريخ ـ هءلاء يدخلون المسجد الأقصى مرتين ثانيتهما قيام المهدي عليه السلام ـ الفصل بين الإفسادين ـ أنباء الدولة الألهية وابناءها ـ تصريحات كتابية ـ بهذا الصدد ـ القائم في العهدين ـ احاديث اسلامية تشير الى هاتين الثورتين او تصرح......................................................................... ٣١ ـ ٧٤

هدي القرآن للتي ه اقوم؟ آة الليل وآية النهار؟.............................. ٧٥ ـ ٩٣

انعكاس الاقوال والاعمال في اعضاء المكلفين ـ كتاب الاعمال؟................ ٩١ ـ ١٠١

حجة البعثات الرسالية وسائر الحجج...................................... ١٠٣ ـ ١١٢

قول فصل «في اذا اردنا ان نهلك قرية ..» وكيف هي هذه الإرادة............ ١١٢ ـ ١٢٠

معجلات مريد العاجلة ومؤجَّلاته ـ والسعي المشكور لمريد الآخرة............... ١٢٢ ـ ١٣٠

٣٧٩

مشكلة الخلود اللانهائي في النار بقول فصل ـ فناء النار بمن في النار........... ١٣٠ ـ ١٤٠

مسؤوليات الاولاد تجاه الوالدين.......................................... ١٤٣ ـ ١٥٩

حق ذي القربى في قول فصل وانهم هم قربى الرسول (ص)................... ١٦٠ ـ ١٦٥

كلام فصل حول التبذير ـ اليد المغلولة الى العنق والمبسوطة كل البسط في قول مبسوط ١٦٥ ـ ١٧٦

قتل الاولاد خشية إملاق ـ مساويء الزنا في قول فصل...................... ١٧٦ ـ ١٨٤

قتل النفس المحرن وسلطان ولي المقتول؟.................................... ١٨٤ ـ ١٨٩

«لا تقربوا مال اليتيم .. واوفو بالعهد ..» وايفاء الكيل والوزن................ ١٨٩ ـ ١٩٤

اتباع غير العلم محظور ـ مسجد الكون بتسبيح شامل كل الكائنات» «ولكن لا تفقهون تسبيحهم»! ١٩٤ ـ ٢١٨

ابتقاء الوسيلة الى الرب.................................................. ٢٣٦ ـ ٢٣٩

القرى المهلكة والمعذبة قبل يوم القيامة؟ «وما منعنا أن نرسل بالآيات»؟........ ٢٣٩ ـ ٢٤٤

ما هي الشجرة الملعونة في القرآن؟ «ءاسجد لمن خلقت طيناً من دلائل القفزة الطينية في خلق آدم دون التكاملة الدارونية!        ٢٤٤ ـ ٢٥٣

استفزازات شيطانية..................................................... ٢٥٨ ـ ٢٦٥

بنو آدم مفضلون على كثير فمن هم القليل................................ ٢٧٨ ـ ٢٧٤

كتاب كل اناس وامامهم؟ «لولا ان ثبتناك لقد كدت ..»؟.................. ٢٧٤ ـ ٢٨٧

الصلوات الحمس باوقاتها ـ ما هو غسق الليل وقرآن الفجر................... ٢٩٠ ـ ٢٩٧

کف التهجد «نافلة لك» وهو واجب عليه (ص)؟........................ ٢٩٥ ـ ٢٩٩

«مدخل صدق .. ومخرج صدق»؟ شفاء القرآن ورحتنه...................... ٣٠٠ ـ ٣٠٩

٣٨٠