الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨١

منها ، فانه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ) : كل ما يمكن ان يبان ، و (بِالْأُفُقِ الْأَعْلى) : أعلى الآفاق المعرفية أماهيه لحد ما لها من سباق.

ثم ان من الملكوت ما ترى إذ ينظر إليها ، للناس كل الناس : (أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ) (٧ : ١٨٥) (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجارُ عَلَيْهِ) (٢٣ : ٨٨).

ومنها ما يختص بالمخلصين من عباد الله كإبراهيم : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ ...) (٦ : ٧٦) ان افول الآفلين دليل لا مردّ له على الفقر المطلق للكون وحقيقة تعلقه بالله ، إراءة ومعرفة على مدرجة ابراهيم الخليل (عليه السلام).

ومنها ما يخص صاحب المعراج حيث دنى فتدلى فكان قاب قوسين او أدنى ، إذ تخطى الكون بملكه وملكوته ، بعد ما اكتمل الرؤية والمعرفة فيهما وبهما ، واري من آيات ربه الكبرى بصرا وبصيرة ، ثم أراه ربه نفسه بأرفع درجات المعرفة الممكنة حيث دنى بالعلم (١) وتدلى بالتجاهل عن نفسه «ولو لا ان روحه ونفسه كانت من ذلك المكان لما قدر ان يبلغه» (٢) وكما قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «قربني ربي حتى كان بيني وبينه كقاب قوسين أو أدنى» (٣) «فلم يزل عن

__________________

(١). الاحتجاج للطبرسي عن موسى بن جعفر عن آبائه عن الحسين بن علي (عليه السلام) قال :

(٢) تفسير القمي باسناده الى الصادق (عليه السّلام) أوّل من سبق الى بلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذلك انه اقرب الخلق الى الله.

(٣) تفسير روح البيان ج ٩ : ٣١٩ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : وفي ـ

٢١

موضع ولم يتدل ببدن» (١) «وكان بالمكان الذي قال له جبرئيل لما أسري به الى السماء : «تقدم يا محمد! فقد وطئت موطئا لم يطأ ملك مقرب ولا نبي مرسل ...» (٢) فأين ملكوت من ملكوت! واين رؤية من رؤية واين معرفة من معرفة! فلم يدن احد ما دناه الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولا جبريل الذي صاحبه في شطر من سراه (٣).

انه لم تكن سرى المعراج إلا تشريفا للرسول محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وللملائكة وسكان السماوات ولكي يريه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما أراه (٤) ويوحي اليه ما أوحاه.

__________________

ـ الدر المنثور (٤ : ١٥٨) : اخرج الخطيب عن انس قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): لما أسري بي الى السماء قربني ربي تعالى حتى كان بيني وبينه قاب قوسين او ادنى لا بل ادنى ...».

(١). الاحتجاج للطبرسي في آية التدلي عن موسى بن جعفر (عليهما السلام.

(٢). تفسير القمي عن الصادق (عليه السلام.

(٣) في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده الى عبد السلام بن صالح الهروي عن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) عن آباءه عن علي (عليه السّلام) عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في حديث طويل يقول في آخره : فلما انتهيت الى حجب النور قال لي جبرئيل : تقدم يا محمد! ان هذا انتهاء حدي الذي وضعه الله لي في هذا المكان فان تجاوزته احترقت اجنحتي لتعدي حدود ربي جل جلاله فزج بي زجة في النور حتى انتهيت الى حيث ما شاء الله عز وجل في ملكوته فنوديت : يا محمد أنت عبدي وانا ربك فإياي فاعبد وعلي فتوكل فانك نوري في عبادي ورسولي الى خلقي وحجتي في بريتي» (نور الثقلين ٣ : ١٢٥).

وفي اصول الكافي باسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : لما عرج برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) انتهى جبرائيل به الى مكان فخلى عنه فقال له : يا جبرئيل! تخليني على هذه الحال؟ فقال : امضه فو الله لقد وطئت مكانا ما وطأ بشر وما مشى فيه بشر قبلك «(نور الثقلين ٣ : ١٢٩).

(٤) في كتاب التوحيد للصدوق باسناده الى يونس بن عبد الرحمن قال : قلت لابي ـ

٢٢

(إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ترى من هو السميع البصير هنا؟ ثم ما هي الصلة بين السميع البصير والرحلة المعراجية؟

قد يكون هو صاحب المعراج ، فلأنه سميع يسمع الوحي الخاص في السدرة بأذن قلبه (فَأَوْحى إِلى عَبْدِهِ ما أَوْحى) ويسمع محادثات الملاء الأعلى بسائر أذنه ، كما يبصر من آيات ربه الكبرى ببصره (لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى) ويبصر ربه ببصيرته ، (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) لهذا وذاك أسري به ، حيث يسمع ما لا يسمعه غيره بسمعيه ، ويبصر ما لا يبصره غيره ببصريه.

وقد «لا» حيث الرسول وإن كان سميعا بصيرا ولكن «هو» الفاصل هنا توحي بالحصر ، ولا حصر في السمع المطلق وبصره إلا في الله ، وان دخل في ضمنها رسول الله ، فلان الله سميع بصير يجعل رسوله سميعا في معراجه بصيرا ، بما يسمع من تطلبه ، (رَبِّ زِدْنِي عِلْماً) ويبصر من تأهله لهذه الرحلة المقدسة.

ثم (السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) لله ليستا مثلهما في سواه ف «لم يزل الله عز وجل ربنا والعلم ذاته ولا معلوم والسمع ذاته ولا مسموع والبصر ذاته ولا مبصر والقدرة ذاته ولا مقدور ، فلما أحدث الأشياء وكان المعلوم وقع العلم منه على المعلوم والسمع على المسموع والبصر على المبصر والقدرة على

__________________

ـ الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام لاي علة عرج الله نبيه الى السماء ومنها الى سدرة المنتهى ومنها الى حجب النور وخاطبه وناجاه هناك والله لا يوصف بمكان؟ فقال : ان الله تبارك وتعالى لا يوصف بمكان ولا يجري عليه زمان ولكنه عز وجل أراد ان يشرف ملائكته وسكان سماواته ويكرمهم بمشاهدته ويريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه وليس ذلك على ما يقول المشبهون سبحان الله وتعالى عما يشركون «نور الثقلين (٣ : ٩٩).

٢٣

المقدور ...» (١) ف «هو سميع بغير جارحة وبصير بغير آلة ، بل يسمع نفسه ويبصر بنفسه ، ليس قولي : «انه يسمع بنفسه ويبصر بنفسه أنه شيء والنفس شيء آخر ولكن أردت عبارة عن نفسي إذ كنت مسئولا ، وإفهاما لك إذ كنت سائلا ، وأقول : يسمع بكله لا ان الكل له بعض ولكن أردت إفهامك والتعبير عن نفسي وليس مرجعي في ذلك إلا الى انه السميع البصير ، العالم الخبير بلا اختلاف الذات ولا اختلاف المعنى» (٢).

فلقد «سمي ربنا سميعا لا بجزء فيه يسمع به الصوت لا يبصر به ، كما أن جزئنا الذي نسمع به لا يقوى على النظر ، ولكن أخبر أنه لا تخفى عليه الأصوات ، ليس على حد ما سمينا نحن ، فقد جمعنا الاسم بالسميع واختلف المعنى ، وهكذا البصر لا بجزء به ابصر كما أنا نبصر بجزء منا لا ننتفع به في غيره ، ولكن الله بصير لا يجهل شخصا منظورا اليه ، فقد جمعنا الاسم واختلف المعنى» (٣).

وهكذا تكون صفات الله الحسنى كافة ، مجردة عما لمن سواه من حدود وقيود ، ما يجب سلبها عن الله ، إذ تختص بمن سواه.

__________________

(١). اصول الكافي باسناده الى أبي عبد الله (عليه السلام) (نور الثقلين ٣ : ١٣٣).

(٢). التوحيد للصدوق عن أبي عبد الله (عليه السلام) (نور الثقلين ٣ : ١٣٤).

(٣) المصدر عن الرضا (عليه السلام) وفيه باسناده الى محمد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : قلت : جعلت فداك يزعم قوم من اهل العراق انه يسمع بغير الذي يبصر ويبصر بغير الذي يسمع؟ قال : فقال: كذبوا وألحدوا وشبهوا تعالى الله عن ذلك ، انه سميع بصير ، يسمع بما يبصر ويبصر بما يسمع ، قال : قلت : يزعمون انه بصير على ما يعقلونه؟ قال : فقال : تعالى الله ـ انما يعقل ما كان بصنعة المخلوق وليس الله كذلك.

٢٤

ترى ولماذا يوصف ربنا بالسميع البصير دون الثلاثة الاخرى : اللامس ـ الشام ـ الذائق؟ عله لأنها تختص بحواسها الثلاث دونهما حيث يعمان حسيهما بعضويهما ودونهما من السمع والبصر المجردين ، ثم السمع والبصر من كيفيات العلم دون الثلاثة الاخرى الخاصة بالحس ، حيث لا ذوق ولا شم ولا لمس وراء الحس.

فمن الأسماء ما يخصه لفظيا كمعناه : الرحمن ـ الخالق ... ومنها ما يخص خلقه فيها : المريض ـ النائم ـ الذائق ـ اللامس ـ الشام ... ومنها ما نشارك ربنا في لفظه دون معناه : العالم ـ القادر ـ الحي ـ الموجود ـ السميع ـ البصير.

والضابطة العامة في أسماءه أن تجرد عن معاني الخلق وصفاته الى ما يخصه إلها ليس كمثله شيء.

ثم هذه الرحلة المنقطعة النظير للبشير النذير التي تفوق كل زمان ومكان رحلة مختارة من اللطيف الخبير ، وهي آية عجيبة من آيات الله ، ليريه من آياته الكبرى ، مهما كانت آية ـ في هامشها ـ للمرسل إليهم ، تفتح القلب على آفاق عجيبة في الكون ، وتكشف عن الطاقات المخبوءة في كيان هذا الإنسان ، والاستعدادات الخارقة المنقطعة النظير التي يتهيأ بها لاستقبال الفيض المطلق من السميع البصير انه لطيف خبير.

(وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ وَجَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً)(٢).

كتاب موسى هو التوراة ولماذا هنا الكتاب بدل التورات؟ عله لمحة من «الكتاب» بما كتب فيه وفرض عليهم. كما الكتاب ككل هو كل ما

٢٥

يثبت ويثبت. وهل أوتيه موسى هدى لبني إسرائيل دون سواهم؟ وهو ثالث أولى العزم من الرسل حيث تعم شرائعهم كافة المكلفين من الجنة والناس أجمعين ، فكيف اختصت هدى موسى بعض الناس : بني إسرائيل.؟

هذه الرسالة العظيمة كسواها من أولى العزم الخمسة الذين دارت عليهم الرحى (١) تشمل المكلفين اجمع : (قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ ...) (٦ : ٩١) (يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي ...) (٧ : ١٤٤) فرسالة موسى وهداه بكتابه هي للناس كل الناس ، والى فرعون وملائه : (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) (١٠ : ٧٥) استكبروا مجرمين الا جماعة من ملائه السحرة : (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هارُونَ وَمُوسى) (٢٠ : ٧٠) وإلا رجل من آل فرعون سوى السحرة : (وَقالَ رَجُلٌ مُؤْمِنٌ (٢) مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَكْتُمُ إِيمانَهُ ...) (٤٠ : ٢٨).

وعل تركيزه هذه الرسالة العامة على بني إسرائيل في الكثرة المطلقة من مواردها ، لأنهم كانوا هم أضعف المستضعفين في الأرض ، والرسالات الالهية تقصد المستضعفين أولا لتخليصهم ، ثم المستكبرين لإبعادهم عنهم ومن ثم هداهم أنفسهم ـ ثم من سواهم وهم القلة القليلة في تاريخ الرسالات.

ونرى في مثلث الدعوة للرسالات أن الزاوية الأولى هي القاعدة ، ثم الثانية للإبقاء على هذه القاعدة ثم الثالثة لعموم الدعوة ثم وتأثير الدعوة في

__________________

(١). راجع ج ٢٦ ـ الفرقان ـ ص ٧٣ في ضوء آية اولي العزم.

٢٦

الأولى أولا وفي الثالثة ثانيا وفي الثانية ثالثا ، كما في سحرة موسى ورجل من آل فرعون.

ثم السنة الرسالية تقتضي تركيزها على قوم الرسول أولا ثم منهم الى سواهم : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) (٢٦ : ٢١٤) ثم أهل بلده ولا سيما الألد منهم (وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدًّا) (١٩ : ٩٣) (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) (٣٦ : ٦) ولا شك أن الرسالة المحمدية عالمية كما تنص عليها آياتها وتدلنا عليه غاياتها.

فموسى وكتابه هدى لبني إسرائيل أولا (١) ولفرعون وملائه ثانيا ، ولسائر الناس أخيرا.

(أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً).

هل المخاطبون هنا هم بنو إسرائيل؟ وغيابهم في (لِبَنِي إِسْرائِيلَ) يقتضي غيابهم هنا «ألا يتخذوا»! ام للمسلمين المخاطبين متنا في وحي القرآن؟ وما هي الصلة بين هدى موسى وكتابه والا يتخذ المسلمون من دون الله وكيلا؟ وهدى موسى تختص أمته!.

المخاطبون هنا هم بنو إسرائيل الحضور زمن الخطاب وعلى طول الزمن بعده فان رسالة موسى منذ بزوغه كانت هدى لبني إسرائيل السابقين على الدعوة الإسلامية ، ألا يتخذوا هم ولا تتخذوا أنتم من دون الله وكيلا.

والانتقال من الغيبة الى الحضور دأب يدأبه القرآن بمناسبات شتى.

وهل تختصر رسالة موسى وتحتصر في (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً)

__________________

(١) فضمير الغائب في «جعلناه» كما يرجع الى كتاب موسى كذلك الى موسى ، فموسى بكتابه وكتاب موسى هدى دون انفصال.

٢٧

وفي كتاب موسى أحكام أصلية وفرعية شتى؟.

أقول : ككل كلا ، وأما كأصل يركز عليه الكل فبلى حيث الآلهة (العدة المعدة) والوكالات الاخرى كانت في بني إسرائيل سنة دائبة ، فلذلك أصبحت (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) كأنها هدى موسى كلها لبني إسرائيل ، فان عليهم ان يتبنوها لهداهم ككل ، دون ان يتفلت اصل من الشريعة عنها أو فرع.

ثم ولا تختص شرعة موسى بهذه الأصالة ، فإنها تعم الشرايع كلها فان الوكالات في أمر التكوين والتشريع ككل ، وفي سائر الوكالات كأصل إنما هي لله سبحانه وتعالى عما يشركون.

تأتي الوكالة بمختلف صيغها سبعين مرة في الذكر الحكيم ، محتصرة الربوبيات في الله تعالى : ان له الحكم لا سواه : (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ) (١٢ : ٦٧) ٢ ـ وسعة العلم : (وَسِعَ رَبُّنا كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنا) (٧ : ٨٩) ٣ ـ والرحمة العامة : (هُوَ الرَّحْمنُ آمَنَّا بِهِ وَعَلَيْهِ تَوَكَّلْنا) (٦٧ : ٢٩) ٤ ـ والهداية : (وَما لَنا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدانا سُبُلَنا) (١٤ : ١٢) ٥ ـ والنصرة : (وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (٣ : ١٦٠) ٦ ـ والعزة ٧ ـ والحكمة : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَإِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (٨ : ٤٩) ٨ ـ والمانع عن الضرر : (وَلَيْسَ بِضارِّهِمْ شَيْئاً إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (٥٨ : ١٠) ٩ ـ وعن سيطرة الشيطان : (إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (١٦ : ٩٩) ١٠ ـ وفي كل ما عند الله : (وَما عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (٤٢ : ٣٦) ١١ ـ وفي رجوع الأمر كله اليه : (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ) (١١ : ١٢٣) ١٢ ـ وفي سعة القدرة : ومطلق الملك والملك : (وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) (٤ : ١٣٢).

٢٨

ففي هذه الأمور تكوينيا وتشريعيا ينحصر التوكل على الله منحسرا عن سواه (١). فلا توكل إلا على الله ولا اتكالية في الأمور على الله او سواه ، ولا توكيل في وكالة غير الله إلا ناقصا ينحو نحو وكالة الله.

حيث الاتكال على اي كان يعني تخلي الإنسان عن أية محاولة فيما يتكل فيه ، والبطالة في اي أمر للإنسان فيه حول وقوة محظور ، حتى وان كان على الله ، كمن لا حراك له في الحصول على رزقه ويتكل على الله.

ثم التوكل على غير الله فيما يتوكل فيه دون اتكال يعني أن غير الله كاف وليس به أيا كان ، وانما يتوكل على الله ، ولا يعني توكيل غير الله لا توكلا عليه ولا اتكالا ، وانما مساعدة لك فيما لا يسعه حولك أم قوتك ، ثم عليكما موكلا ووكيلا التوكل على الله فيما لا تقدران عليه او تقدران! (وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً).

ف (أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلاً) تعم الوكالتين : ١ فيما يختص بالله كما مضى في آياته ٢ ـ في كل أمر يعمله لك متعاملا معك غير الله ، أن تراه مستقلا في حوله وقوته عن الله ، ام غير مفتقر في بلوغ الغاية إلى الله وحتى فيما يبلغه الإنسان دون حاجة ظاهرة الى سواه.

(إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً) عله علة الأمرين ، ١ ـ ان الله حمل نوحا والمؤمنين معه ، ٢ ـ وانه جعل دريته ومن حمل معه هم الباقين.

والشكور هي المبالغ في الشكر حسب المكنة والاستطاعة كالعبد الشكور حيث يشكر في غاية العبودية ، وهي البالغ في الشكر بمقتضى الرحمة : (وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (٤٢ : ٢٣) وأين شكور من شكور! على ان (وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)

__________________

(١) راجع ج ٢٩ ـ الفرقان ـ ص ٢١٧ على ضوء الآية : فاتخذه وكيلا.

٢٩

(٣٤ : ١٣) ولقد كان نوح صبارا شكورا أن عاش قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، قوما كفورا وهو صبار شكور! (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً)(٣).

«ذرية» منصوبة على الإختصاص ، أفهذه الذرية هم ـ فقط ـ بنو إسرائيل؟ إذ (جَعَلْناهُ هُدىً لِبَنِي إِسْرائِيلَ) وهم محط الدعوة الموسوية؟ وليسوا هم ـ فقط ـ ذرية من حملنا ، ولا تخصهم الدعوة الموسوية ، وهم ذرية ممن حملوا مع نوح لا «ذرية من»!

أم هم بنو الإنسان من ذرية نوح طيلة الرسالة الموسوية؟ حيث (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) (٣٧ : ٧٧) : فإن بني الإنسان كافة بعد نوح هم ـ فقط ـ من ذرية نوح؟ وكما يروى عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (١) ولكنهم ذرية نوح ، لا (مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) وقد حمل معه من ذريته ومن آمن به : (أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) (١٩ : ٥٨) فلو كانوا هم ـ فقط ـ ذرية نوح كان «ومن ذرية نوح» ك (مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ) فذرية آدم هم ـ فقط ـ ذرية آدم ، وذرية من حملنا مع نوح هم من ذريته وسواهم ممن حملوا معه : «قلنا احمل فيها من كل زوجين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل» (٤٠ : ١١) واللمحة

__________________

(١) في الدر المنثور (٤ : ١٦٢) اخرج ابن مردويه عن عبد الله بن زيد الانصاري (رض) ، قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : (ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) ما كان مع نوح الا اربعة أولاد : حام وسام ويافث وكوش فذاك اربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق.

٣٠

المستفادة من (مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ) دون «ممن» تطارد احتمال أن بني الإنسان كافة بعد نوح إنما هم من ذريته. (وَمَنْ آمَنَ) كانوا عقما! والرواية تحمل على المصداق الأوضح الأعرف ، وآية «الباقين» لا تعني ذريته الأولاد فحسب ، وإنما من ركب سفينة النجاة : (وَنَجَّيْناهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (٧٦) يا ترى هم فقط ولده وبعض منهم لم يكن من أهله (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) (١١ : ٤٦) والمؤمنون القلة الذين ركبوا معه قد نجوا ، فأهله هنا هم كل من حمل معه ، وهم كلهم ذريته (وَجَعَلْنا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْباقِينَ) (٧٧) دون الهالكين : (ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ) (٨٣) فالأولون هم أهله وذريته والآخرون هم الهالكون وإن كانوا من ذريته (١).

(وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً)(٥).

قضاء صارم بفساد عارم الى بني إسرائيل طول التاريخ الاسرائيلي منذ البداية في الأرض مرتين تصحب أخراهما (عُلُوًّا كَبِيراً) ١ ـ فما هي القضاء؟ ٢ ـ وما هو الكتاب؟ ٣ ـ واين هي أرض الإفساد؟ ٤ ـ وما هما المرتان؟ والعلو الكبير؟ ٥ ـ ومن هم (عِباداً لَنا) حيث يجوسون في الأولى خلال الديار ، ويسوءون وجوههم في الثانية؟.

إن القضاء ككل ـ هي فصل الأمر ، وقد يختلف الأمر بفصله حسب

__________________

(١) فلو كان اهله وذريته ـ فقط ـ من نسله لكان الآخرون الهالكون هم الكافرون مع المؤمنين القلة الذين حملوا معه!.

٣١

اختلاف التعلقات : قضاه ـ فيه ـ عليه ـ له ـ به ـ إليه ـ منه ـ بين.

وهي بين فصل الأمر تكوينا او تشريعا او فعلا او تحويلا لنباء : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) (٤١ : ١٢) تكوينا ـ (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) (١٧ : ٢٣) تشريعا ـ و (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلا عُدْوانَ عَلَيَّ) (٢٨ : ٢٨) فعلا ـ و (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى نَحْبَهُ) (٣٣ : ٢٣) أجلا للموت وهو من فعل الله ، ثم القضاء فيه : في القضية التي تقتضيها ـ وعليه : على المحكوم فيها ، وله : المحكوم له ـ وبه : بالحكم المقضي ، ومنه ـ من القاضي ، وبين : بين المتقاضيين ـ سواء في التكوين او التشريع او فعل وأجل.

واما القضاء اليه : رابع الأضلاع لمربع القضاء ـ فقد ينحصر في تحويل أمر تكوينا كالأجل : (وَلَوْ يُعَجِّلُ اللهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ) (١٠ : ١١) أو تحويل لنباء فصل محتوم ايحاء ، من مخلفات لسيئات : (وَقَضَيْنا إِلَيْهِ ذلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ) (١٥ : ٦٦) وقطع الدابر هذا من مخلفات اعمال قوم لوط المفسدين ، حيث جزاهم الله بما أفسدوا ، أو هو تحويل نباء فيه تهويل كما هنا : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ ...)» الحكم الفصل الإنباء إليهم في الكتاب : التورات فلا هو تشريعي ولا تكويني ، وانما قضاء علمي من أهم الملاحم التاريخية المنقطعة النظير يوحى إلى البشير النذير!

وهل الكتاب هنا ـ فقط ـ التوراة حيث سبق ذكرها في (وَآتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ)؟ ام كل كتابات الوحي الإسرائيلي؟ او كل ما كتبه الله من كتاب قبل القرآن؟ نجد نبأ القضاء على مطلق الإفساد بالمهدي (عليه السلام) وأصحابه في عديد من كتابات الوحي : في العهد العتيق والجديد

٣٢

وسواهما وقد يأتي نبأه في ختام البحث.

وأرض الإفساد هي الأرض كلها ، دون اختصاص بالقدس او فلسطين ، حيث الصيغة الخاصة به هي (الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ) : (يا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ) (٥ : ٢١) ام ولا اقل «أرضا» حتى تخص جانبا من الأرض : (اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً) (١٢ : ٩) (وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيارَهُمْ وَأَمْوالَهُمْ وَأَرْضاً لَمْ تَطَؤُها) (٣٣ : ٢٧) ام «أرضكم» او «أرضنا» او «أرضهم» حتى تدل على اختصاص ، دون «الأرض» والقائل هو الله خالق السماوات والأرض ، لا انسان الأرض الذي يسكن جانبا منها فيعني من «الأرض» سكناه او ما يملكه منها ام ماذا؟

فصيغة الأرض من صائغها الله ليست لتعني إلا الأرض كلها ، أم والأرضين السبع : (وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) (٦٥ : ١٢) اللهم إلا بقرينة حاضرة تخصها ، وليست هنا فلا اختصاص ، فهما إذا إفساد ان في المعمورة كلها.

وهل المرتان هما ـ بعد ـ قتل زكريا ويحيى (عليهما السلام) (١)؟ وقتل كل نبي إفساد! وفي أنبياء إسرائيل من هم أهم وأعظم منهما! فاذيعني الإفساد قتل نبي فلما ذا «مرتين» دون «الاف المرات»؟ وقد كانوا يقتلون

__________________

(١) ولم يرد فيه رواية في التفاسير الاثرية للفريقين إلّا روايات عن بعض الاصحاب او التابعين او المفسرين دون اي دليل اللهم الا ما رووه عن علي (عليه السلام) كما في الدر المنثور ٤ : ١٦٣ ـ اخرج ابن عساكر في تاريخه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه في قوله : لتفسدن في الأرض مرتين ، قال : الاولى قتل زكريا (عليه السلام) والاخرى قتل يحيى» وهي على كونها رواية يتيمة لا توجد في كتب أحاديثنا مردودة بما ذكرناه في المتن.

٣٣

في يوم سبعين نبيا ام ما زاد او نقص!.

فليكن الإفساد ان في الأرض شاملين كل المعمورة : إفسادا في الأنفس قتلا وإضلالا ، وفي الحرث والنسل : اقتصاديا ، ثقافيا ـ أخلاقيا ـ سياسيا وحربيا ام ماذا ، حيث يجعل المعمورة خربة بائرة لا تليق جوّا للحياة الإنسانية السليمة.

ان التاريخ الاسرائيلي على طوله هو تاريخ الفساد والإفساد ، كما في تلمودهم (١) الا بعض ما كان زمن سلطات الرسالات الاسرائيلية السامية كموسى ويوسف وداود وسليمان واضرابهم ، ففي الأكثرية الساحقة زمانا ومكانا وإنسانا كانوا مفسدين ليل نهار ، لا مرتين ولا آلاف فلا يحصيها الا الله!

ولكن الإفساد ـ كما الإصلاح ـ العالميين لا يتيسران إلا في منظمة وسلطة وقيادة قوية ، ولكي تعلو كافة النشاطات المضادة من حكومات وشعوب.

__________________

(١) واليهود اليوم هم الذين يديرون العالم كما يشاءون ، يقوم الفيلسوف منهم فيحرك العالم بما يختلقه ، جاء في التلمود وهو ملخص دين اليهود تفسيرا للتورات «ان الله فرقنا في الأمم لأنه يعلم اننا شعبه وأبناءه وان العالم ، الانساني كله خدم لنا ، والإنسان كله برزخ بيننا وبين البهائم نستعملهم للتفاهم بيننا وبين الحيوانات ، فعلينا ان نجعلهم متشاكسين متقاتلين متعادين ونتدخل في سياساتهم ونجعلهم في حرب وخلاف دائمين لنربحهم في ضعفهم ، ونزوج بناتنا لعظمائهم ونتدخل وندخل في كل دين لنفسده على اهله وتكون لنا السيادة على هذا الإنسان الذي سخره الله لنا».

ولقد عملوا ما أملوا وبلغوا ما أملوا حيث أسسوا البلشفية في روسيا ومنهم لينين ، وماركس الالماني الذي هو اصل البلشفية يهودي. ورؤساء جماهير امريكا كلهم من اليهود او عملائهم ، وكذلك كفار الغرب والشرق الطواغيت وزعماء مستسلمين من المسلمين هم من عملائهم كما نراهم اليوم يعملون لصالح الصهيونية العالمية.

٣٤

والصهاينة المجرمون كانوا ـ وقبل سنين ـ شذاذ الآفاق متفرقين في البلاد ، ليست لهم دولة او دويلة ، فما كانوا يستطيعون الإفساد في الأرض ، حيث كانوا تحت مختلف السلطات.

ولأول مرة في تاريخهم شكلت دويلة في فلسطين بما تآزرت الطاقات من شراذمة الآفاق والاستعمار الشرقي والغربي ، وبما تساهلت او ساعدت دويلات عربية حتى احتلت فلسطين لحد غربي نهر الأردن وكما يروى عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) «يقاتل بقيتكم الدجال على نهر الأردن ، أنتم شرقي النهر وهم غربيه» (١).

فلقد اختلقت دويلة العصابات الصهيونية منذ زهاء أربعين سنة ، ثم احتلت بلادا اخرى ضمتها إليها بعد سنين بما فيها القدس ، ثم أخيرا أعلنت ان القدس عاصمة إسرائيل ، ثالوث منحوس من إفسادهم العالمي الأول ، انطلاقا من فلسطين ، وإطلاقا الى المعمورة كلها وحتى متى؟ لا ندري.

هذه هي المرة الأولى من إفسادهم مرتين ، وطبعا بلا علو كبير ـ على علوه ـ فان كبيره للثانية ، وفي الأولى يساعدها او ينضم إليها او يستجيبها ويحرضها سائر سواعد الكفر والفساد في المعمورة ، لا سائر اليهود والنصارى وسواهم من الكفار والملاحدة والمشركين فحسب ، بل ، وممن يتسمون المسلمين

__________________

(١) الطبقات ٧ : ٤٢٢ عن السكوني قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أقول : الدجال هنا هو إسرائيل شر دجال طول التاريخ ، ونهر الأردن بين فلسطين والأردن ، ونرى الآن ان غربي النهر محتل إسرائيلي والمسلمون في شرقيه ، ولم يسبق لحد الآن في التاريخ الاسلامي احتلال الاراضي الغربية لنهر الأردن من قبل غير المسلمين الا قبل سنين من قبل الدجال الاسرائيلي ومن الطريف جدا صدق الصفة الخاصة للدجال المعروف في قائد الحرب الاسرائيلي ب (موشي دايان) فانه ممسوحة العين.

٣٥

وايضا : من دويلات خليجية أماهيه التي هي ويلات على الإسلام والمسلمين العائشين تحت نيرهم ، وكما نراهم يساعدون البعث الكافر ضد ايران المسلمة التي رفعت ولأول مرة في تاريخ الإسلام ـ راية الجمهورية المجيدة الإسلامية ، فجند الكفر جنوده من مشارق الأرض ومغاربها على الحدود العراقية الايرانية ولكي يربح صدام صدام على هذه الجمهورية المباركة وتتخلص من حكم الإسلام الصارم (١).

(فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً)(٥).

وعد الأولى هو موعد الانتقام منهم في المرة الأولى من إفسادهم العالمي ، حيث تشمل زبانيته مشارق الأرض ومغاربها ،

وعلنا نعيش الآن في وعد الأولى ، في بداية قضينا فيها على المكية الجبارة في ايران ، وأخذنا في محاربة المستعمرين شرقيين وغربيين فأرسلوا علينا ذنبا من أذنابهم أحمق واشرس عملائهم «صدام».

يا ترى من هم (عِباداً لَنا) غيرنا ومن يلحق بنا ويستجيبنا من

__________________

(١) لقد جاءتنا انباء موثقة من جيشنا الباسل الاسلامي في المحمرة : خونين شهر شهر ، وسواها من الحدود الايرانية العراقية ان المساعدات في شتى الحاجيات الحربية تأتي للعراق من (١٠٦) دولة ، وان المحاربين في خطوط النار ضد الجمهورية الاسلامية الان من (٢٥) دولة شرقية وغربية ،

نقل لي جماعة من هؤلاء اننا أسرنا في المحمرة (٣٥) منهم وكانوا من (١٧) دولة كمصر والأردن والسعودية والمغرب وامريكا وانكلترا وروسيا وفرنسا وإسرائيل ... ، وان المحاربين الاردنيين في الجبهات بلغوا زهاء ٠٠٠ / ٤٠ نفرا ، وهكذا يجند الكفر جنوده ضد جمهوريتنا ، اللهم انصرنا عليهم بالمهدي وآبائه الطاهرين (عليهم السلام).

٣٦

المسلمين الغيارى الأحرار؟ هل هم بعد بخت النصر الوثني مع جنوده الوثنيين ام هم من خيرة عباد الله الصالحين؟.

إن هذه الصيغة سائغة لعباد الله الخصوص ، مصوغة لمن يختصون عبوديتهم وعبادتهم بالله دون سواه ، ففي العباد المعصومين نجد هكذا فرادى ك (عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) (١٩ : ٢) و (عَبْدَنا داوُدَ) (٣٨ : ١٧) و (عَبْدَنا أَيُّوبَ) (٣٨ : ٤١) و «نوح» (٥٤ : ٩) وك «عبده» الرسول الأعظم محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما هنا ، وجماعات : (وَاذْكُرْ عِبادَنا إِبْراهِيمَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصارِ. إِنَّا أَخْلَصْناهُمْ بِخالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ. وَإِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ) (٣٨ : ٤٧).

ثم ونجد «عبادا لنا» فيمن دون المعصومين صيغة مختصرة منقطعة النظير تخص هؤلاء المبعوثين مرتين لدحر السلطات الصهيونية ، طالما «عبادي» يعمهم وسواهم من المكرمين : (يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ) (٤٣ : ٦٨) (فَبَشِّرْ عِبادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ) (٣٩ : ١٧).

وكما في مثلث العباد «عبادنا» هم المصطفون : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ. ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٥ : ٣٢) حيث السابق بالخيرات من العباد هم «عبادنا» والظالم لنفسه «عباد الشيطان» والمقتصد بين ذلك عوان. ونحن لا نجد في الطول التاريخي والعرض الجغرافي الإسلامي «عبادا لنا» خيرا من المسلمين الثوار الايرانيين بمن يلحق بهم ويستجيبهم من سائر المسلمين في هذه المعركة المصيرية بين مطلق الإسلام ومطلق الكفر ، اللهم إلا بعضا ممن كانوا مع الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وعلي والحسين (عليهم السلام) ام من ذا؟ ولكنهم عاشوا قبل

٣٧

المرتين من الإفسادين العالميين ، ونحن نعيش المرة الأولى منهما ، فلنكن نحن «عبادا لنا» وقد يعبّر عنهم الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) باخوانه فوق أصحابه! في قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «اللهم لقني إخواني» (١) «ويا ليتني قد لقيت إخواني» (٢) وهم رفقاءه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) (٣) «الواحد منهم له اجر خمسين منكم» (٤).

__________________

(١) البحار ٥٢ : ١٢٣ ـ ٨ ير باسناده عن أبي بصير عن أبي جعفر (عليه السّلام) قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، ذات يوم وعنده جماعة من أصحابه : «اللهم لقني إخواني» مرتين ـ فقال من حوله من أصحابه : اما نحن إخوانك يا رسول الله؟ فقال : لا ـ إنكم اصحابي وإخواني قوم في آخر الزمان آمنوا ولم يروني لقد عرفنيهم الله بأسمائهم واسماء آبائهم من قبل ان يخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم ، لأحدهم بأشد بقية على دينه من خرط القتاد في الليلة الظلماء ، او كالقابض على جمر الغضاء أولئك مصابيح الدجى ، ينجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة».

وفيه (١٢٢) ٤ ـ ج عن أبي حمزة الثمالي عن أبي خالد الكابلي عن علي بن الحسين (عليه السّلام) قال : تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمة بعده. يا أبا خالد! ان اهل زمان غيبته القائلون بإمامته ، المنتظرون لظهوره أفضل اهل كل زمان ، لأن الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والافهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالسيف ، أولئك هم المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة الى دين الله سرا وجهرا ، وقال : انتظار الفرج من أعظم الفرج».

وفيه (١٢٥) ١٢ ـ ك : عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه قال قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعلي (عليه السلام): يا علي! واعلم ان أعظم الناس يقينا قوم يكونون في آخر الزمان لم يلحقوا النبي وحجب عنهم الحجة فآمنوا بسواد في بياض».

(٢) (١٣٢) ٣٦ ـ جاء ، باسناده عن عوف بن مالك قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ذات يوم : يا ليتني قد لقيت إخواني ...».

٣٨

ولئن قلت إن هؤلاء حسب النص يبعثون (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما) وأني لكم انكم في زمن وعد الأولي وعقابها وإفساد هذه المرة بعد لم يشمل المعمورة كلها حتى يحين حين وعدها.

علة لأن المرة الأولى بادئة منذ زمن ، ولان في وعدها يبعث «عبادا لنا» وتصدق هذه الصيغة لأول مرة علينا ، فلنكن نحن هم ، وإلا فليقل «عبادا لنا» كذا وكذا حتى لا يشملنا ، ثم البعث آخذ فينا موقعه لما قطعنا ذنبا طويلا من أذناب إسرائيل «الشاه» ونعيش الآن قطع أذناب اخرى حتى نصل الى صاحب الأذناب «إسرائيل».

فكما أن إسرائيل تفسد في الأرض بأذنابه ، بخيله ورجله ، برجاله ورجّاله من مشارق الأرض ومغاربها ، فليكن الانبعاث في (عِباداً لَنا) نابعا منا نابغا كأصل ، ومستأصلا كل الفساد بمن يستجيبنا من مسلمي المعمورة الأحرار.

لهؤلاء الثوار الأماجد حسب النص مثلث من الميزات : ١ ـ «بعثنا ...» ٢ ـ «عبادا لنا» ٣ ـ (أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) والنتيجة : (فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ) حيث يحققون الوعد : (وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً)!.

__________________

(٣) المصدر (١٢٩) ٢٥ غط باسناده عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): طوبى لمن أدرك قائم اهل بيتي وهو مقتد به قبل قيامه يتولّى وليّه ويتبرّأ من عدوه ، ويتولى الأئمة الهادية من قبله ، أولئك رفقائي وذووا ودّي ومودتي وأكرم امتي علي (وأكرم خلق الله عليّ).

(٤) الغيبة للطوسي (٢٩٠) عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) سيأتي قوم من بعدكم الرجل الواحد منهم له اجر خمسين منكم قالوا يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نحن كنا معك ببدر وأحد وحنين ونزل فينا القرآن؟ فقال : انكم لو تحملتم لما حمّلوا لم تصبروا صبرهم.

٣٩

والبعث الرباني ولا سيما في جمعية الصفات «نا» يعني بعثا ربانيا ايمانيا صامدا صارما كالبعثات الرسالية. فالبعث الصهيوني في الإفساد العالمي يتطلب بعثا ربانيا يكافئه في الإصلاح العالمي : بعث عتيد فيه باس شديد! ، ومن قبل تأذن الله نوعية هذا البعث : (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (٧ : ١٦٧) : سلسلة من عباد الله الصالحين في حلقات متواصلة متفاضلة طول التاريخ الإسرائيلي لمن يسومهم سوء العذاب ، ثم ويختص «عبادا لنا» بأخلصهم في هذا البين وأشدهم بأسا حيث يقضى بهم على الإفسادين العالميين.

فمن هؤلاء الخصوص؟ هم «قوم يبعثهم الله قبل خروج القائم فلا يدعون وترا لآل محمد إلا أخذوه (١) قتلوه (٢) وتفجرة هذه البعثة المظفرة علّها من قم ف «هم والله اهل قم»(٣) بمن يقودهم من رجله القائد الأعظم الخميني نصره الله وكما يروي عن الإمام الرضا (عليه السلام): «رجل من اهل قم ...» (٤).

هؤلاء هم الأولون في وعد الأولى ، ثم الآخرون في وعد الثانية «هم

__________________

(١) تفسير البرهان عن العياشي عن الامام الصادق (عليه السلام) والوتر بفتح الواو وكسره : الفرد او ما لم يتشفع والذحل او الظلم فيه هو المقصود هنا.

(٢) تفسير نور الثقلين ٣ : ١٨ عن روضة الكافي عن الامام الصادق (عليه السلام) في تفسير قوله تعالى : (بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا ...).

(٣) تاريخ قم تأليف حسن بن محمد القمي نقلا عن جماعة من اصحاب الامام الصادق (عليه السلام) قالوا : كنا حضورا عنده (عليه السلام) فتلا : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا ...) قلنا : جعلنا فداك من هؤلاء؟ قال : هم والله اهل قم.

(٤) ياتي تفصيل هذا الحديث.

٤٠