الشّفاء ـ طبيعيّات - ج ١

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

الشّفاء ـ طبيعيّات - ج ١

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: سعيد زايد
الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٤

المحيط (١) بها كما تنتقل نسبة اجزاء الكرة المحيطة مع أجزاء مكانها ، فإن كان اعتبار الوضع إنما هو بحسب القياس إلى أجزاء المحيط الموضوع فيه ، أو المحيط (٢) به الموضوع عليه ، وبالجملة إلى (٣) أجزاء ما يماس ذا الوضع مماسة محيط (٤) كما لكرة في كرة ، أو (٥) مماسة محاط كما للفلك الأعلى بالقياس إلى ما يماسه في داخله ، فلا تكون الكرة الداخلة قد تبدل وضعها ، وإن (٦) كان الوضع ليس باعتبار المماسات ، بل باعتبار الموازيات والمحاذيات في الجهات (٧) ، فتكون الداخلة قد تبدل أيضا وضعها بالذات ، فإن الأجزاء منها قد استبدلت المحاذيات مع استبدال (٨) المحيط تلك (٩) ، بل الأولى أن يكون قد تبدل الوضع الذي له بحسب الكل بالذات ولم يتبدل الوضع الذي بالقياس إلى ما يحويه. والوضع وضعان : وضع بحسب الكل ووضع بحسب شيء. ومن هذا القبيل ما نعتقده من حركة الهواء العالى مع حركة فلك القمر ، فإن تلك الحركة ليست كما يظن عن قسر وذلك لأن هذا القسر إن كان من جنس تحريك المتحرك لما يلاقيه ويدفعه.

وإذا كانت كرة على كرة ، فإنها إذا تحركت ولم تتشبث (١٠) بشيء مما تحتها ، بل زحفت على بسيط (١١) غير مقاوم فى وجه حركتها (١٢) ، حتى (١٣) يلزم أن يندفع (١٤) القائم في وجهها (١٥) باندفاعها (١٦) ، فلا مانع من أن تسكن الداخلة منهما ، وتتحرك الخارجة عليها ، ماضية على سطحها من غير انغلاق. فالسبب إذن في تلك الحركة أن كل جزء (١٧) تفرضه من النار قد تعين له جزء من الفلك ، كالمكان ، وهو بالطبع يتحرك إلى المكان الطبيعى له ، ويسكن عنده لازما إياه ملتصقا به التصاقا طبيعيا ، يوجب من لزومه إياه ، وإن (١٨) زال ما يوجبه الإلصاق بالغراء والمسامير (١٩). فإذا تحرك المكان لزمه وتبعه ما هو بالطبع متمكن (٢٠) فيه حافظ لما يلاقيه منه ، فتكون حركة الجو العالى بالقياس إلى الفلك ، حركة بالعرض فى الوضع ولو كان الماء وهو في الهواء مصيبا للترتيب (٢١) الطبيعى الذي بيناه قبل مع إصابته الموضع (٢٢) الطبيعى ، أعنى السطح المحيط الطبيعى (٢٣) ، حتى لم يبق فيه (٢٤) ارجحنان وميل ، ولا اختلف أجزاء ما يقوم عليه من الأرض ، لكان (٢٥) تتبع حركة الهواء في أى الجهات يحرك. لكن الماء ليس مصيبا في أكثر الأمر المكان الطبيعى على الوجه الذي هو

__________________

(١) المحيط : المحيطة ط. (٢) أو المحيط : أو المحاط د ، سا ، م ؛ والمحاط ط

(٣) إلى (الثانية) : ساقطة من د

(٤) محيط : محيطة م. (٥) أو : ساقطة من م.

(٦) وإن : فإن ط (٧) الجهات : الجهة ط.

(٨) مع استبدال : ساقطة من م (٩) تلك : ذلك سا ، ط ، م.

(١٠) تتشبت : تثبت ط (١١) بسيط : بسيطة سا ، ط ، م.

(١٢) حركتها : حركته سا ، ط ، م

(١٣) حتى : كى ط (١٤) أن يندفع : فيندفع سا ؛ يندفع م

(١٥) وجهها : وجهه سا ، ط ، م

(١٦) باندفاعها : باندفاعه سا ، م ؛ ما ندفعه ط.

(١٧) جزء : جسم ط. (١٨) وإن : فإن سا

(١٩) والمسامير : أو المسامير ط. (٢٠) متمكن : تمكن ط.

(٢١) للترتيب : مع الترتيب سا ؛ فى الترتيب ط.

(٢٢) الموضع : الموضوع م. (٢٣) الطبيعى : ساقطة من د

(٢٤) فيه : فيها سا ، ط (٢٥) لكان : لكانت سا ، ط.

٣٢١

طبيعى ، بل (١) في أكثر الأمر له (٢) انضغاط (٣) بعد إلى السفل ، واختلاف في بعض أجزائه من تحت ، فإذا (٤) تبع الحركة الهوائية تبعها أجزاؤه العالية في كثير من الأمر على سبيل التموج. وأما السافلة فيعرض لها السبب المقول ، فيعرض من ذلك كالتميز ، والجو العالى يصيب (٥) المكان الطبيعى على الوجه الطبيعى ، فيحق (٦) عليه لزومه والالتصاق به. على أن الهواء قد عرض له أيضا بسبب (٧) الجبال والرياح أمر (٨) أوجب تميزا (٩) ممّا في أجزائه.

فهذا بيان حال (١٠) الحركة بالعرض. فيسقط (١١) من هذا تشنيع ما أورده (١٢) بعضهم ، فقال : إن كانت الحركة التي للنار قسرية ، وهى حركة دائمة ، فقد وجد قسر دائم ، وهذا خلاف لرأيكم. وإن كانت (١٣) هذه الحركة طبيعية ولجسمها حركة أخرى بالطبع كالسمو (١٤) ، فيكون لجسم بسيط حركتان طبيعيتان ، وقد منعتم من ذلك. فهذا مثال ما يكون المتحرك بالعرض ، من شأنه أن يتحرك بالذات. وأما مثال المتحرك بالعرض ، الذي ليس من شأنه أن يتحرك ، فهو أن يكون هذا المقارن ليس لمقارنته (١٥) مقارنة جسم لجسم ، بل مقارنة شيء من الأشياء الموجودة في الجسم صورة في هيولاه أو عرضا في الجسم ، فتصير له بسبب (١٦) الجسم جهة تختص بها الإشارة الواقعة إلى ذاته ، وتصير له أجزاء كأجزاء الجسم تختص بأن تلى ما يليه الجسم من الأجسام المقارنة له ، فتصير له كالأين لأين الجسم ، وكالوضع لوضع الجسم. فإذا حصل للجسم مكان آخر ، تبدلت الجهة المصابة بالإشارة ، وإذا (١٧) حصل له وضع آخر ، تبدلت حال جزء ما ، إذ (١٨) صار لذلك الأمر كالأجزاء ، فقيل إنه قد انتقل في الأين أو في الوضع ، وإن كانت النفس صورة قائمة في مادة البدن. فإذا عرض للبدن الحركة بالعرض لحقت النفس بالعرض ، وكذلك سائر التغيرات التي تعرض لذلك الجزء الذي تقوم (١٩) فيه النفس وحده ، وإن كان (٢٠) من النفس ما ليس مقارنته بأن يكون (٢١) منطبعا في البدن الذي فيه ، فإنه لا يتحرك ولا بالعرض.

وقد سئل أنه لم كانت النفس يقال لها : إنها تتحرك بالعرض في الأين (٢٢) ، ولا يقال لها (٢٣) : تسود بالعرض في اسوداد البدن.

__________________

(١) بل : ساقطة من سا (٢) له : به سا ، ط ، م

(٣) انضغاط : انضغاطا سا (٤) فإذا : وإذا سا ، ط ، م.

(٥) يصيب : مصيب سا ، م

(٦) فيحق : نلحق ط. (٧) بسبب : لسبب ط

(٨) أمر : + به ط (٩) تميزا : تمييزا ب.

(١٠) حال : ساقطة من م (١١) فيسقط : فسقط ط

(١٢) ما أورده : أورده سا.

(١٣) وإن كانت : فإن كان ط.

(١٤) كالسمو : كالنمو : ط.

(١٥) لمقارنته : مقارنته م. (١٦) بسبب : سبب د ، سا ، ط.

(١٧) وإذا : أو إذا م. (١٨) إذ : إذا د ، م.

(١٩) تقوم : تهوم ط (٢٠) كان : ساقطة من م.

(٢١) بأن يكون : ساقطة من د. (٢٢) فى الأين : ساقطة من ط

(٢٣) لها : + إنها ط.

٣٢٢

ونحن نجيب فنقول : إنه إن كان التحقيق يوجب (١) أنه إذا صح إطلاق ذلك على النفس بالعرض ، صح إطلاق هذا ، وذلك (٢) إذا كان (٣) السواد في العضو الأول الذي فيه النفس بعينه ، وإن كان أحد الأمرين أوقع في العادة. ولكن ظهور نقلة ما فيه النفس إن كانت منطبعة به ، أكثر من ظهور سائر استحالاته ، وذلك لأن الناس يحكمون بأن الجسم إذا زال عن إصابة إشارة ممّا ، زال ما معه (٤) ، فصار إليه إشارة أخرى تخصه ، ولو كان الشيء غير محسوس.

وأما (٥) السواد ، فإنه إذا حصل في الجسم واستقر (٦) فيه ، لم يلتفتوا إلى (٧) حصوله في (٨) شيء آخر ، ومقارنته له ، إذا كان ذلك الشيء غير محسوس. كأنهم يوجبون الحصول في الحيز لكل موجود كان ، محسوسا أو غير محسوس. ولا يوجبون التسود إلا لقابله ، ولغلبة إيجاب (٩) التحيز عندهم لكل شيء ما لا يؤمنون (١٠) بموجود لا إشارة إليه.

فهذا (١١) هو السبب الذي اختلف به الأمران عند الجمهور ، ولأنه سبب غير واجب ، فمقتضاه (١٢) غير واجب.

وإذ قد (١٣) علمت الحال في الأين والوضع ، فاحكم بمثلها (١٤) في سائر الأبواب. فإنه يقال إن الشيء مثلا تسود بالعرض ، إذا كان الموضوع للسواد ليس هو ، بل جسم آخر (١٥) يقارنه أو يخالطه ، أو جسم هو عرض فيه ، أو جسم هو بعينه في الموضوع ، وليس هو هو (١٦) بعينه بالاعتبار (١٧) كقولنا (١٨) : إن البناء أسود ، فإن السواد ليس موضوعه الأول (١٩) جوهرا مع البنائية ، بل الجوهر مع البنائية عرض له ، إن كان هذا الجوهر القابل للسواد (٢٠). وقد يقال للجوهر (٢١) إذا كان ليس موضوعا أولا للأسود ، بل موضوعه الأول شيء فيه لا كجزء ، وهو السطح (٢٢). فإن السواد يعتقد أن محله (٢٣) الأول هو (٢٤) السطح ولأجل السطح ، يوجد للجسم (٢٥). وإذ قلنا في الحركة التي بالعرض ، فلنقل على الحركة غير (٢٦) الطبيعية التي بالذات ، وهى الحركة التي بالقسر ، ثم نقول في الحركة التي من تلقائها.

__________________

(١) يوجب : موجب م. (٢) وذلك : فذلك

(٣) م كان : ساقطة من ط.

(٤) ما معه : معه م. (٥) محسوس وأما : ساقطة من م.

(٦) واستقر : فاستقر ط

(٧) إلى : فى سا ، ط (٨) في : إلى سا ، ط.

(٩) إيجاب : الإيجاب ط (١٠) ما لا يؤمنون : يؤمنون م.

(١١) فهذا : وهذا م (١٢) فمقتضاه : مقتضاه سا ، م.

(١٣) وإذ قد : وإذا ب ، د ؛ وإذ م

(١٤) بمثلها : بمثلهما ط. (١٥) آخر : ساقطة من م.

(١٦) هو هو : هو م (١٧) بالاعتبار : فى الاعتبار ط

(١٨) كقولنا : كقول القائل ط ، م.

(١٩) الأول : ساقطة من ب ، د ، سا ، م.

(٢٠) للسواد : للتسود ط (٢١) للجوهر : الجوهر ط.

(٢٢) السطح : كالسطح ط. (٢٣) محله : موضوعه بخ ، سا ، طا

(٢٤) هو : من سا (٢٥) للجسم : الجسم سا

(٢٦) غير : الغير ب ، د ، سا ، ط.

٣٢٣

[الفصل الرابع عشر]

ن ـ فصل (١)

فى الحركة القسرية وفي التي من تلقاء المتحرك

وأما (٢) الحركة غير (٣) الطبيعية ، ولكنها مع ذلك موجودة في ذات الموصوف بها ، فمنها (٤) بالقسر ، ومنها (٥) ما يكون من تلقائه ولنتكلم الآن (٦) في التي بالقسر ، فنقول (٧) : إن الحركة التي بالقسر هى التي محركها خارج عن المتحرك بها وليس مقتضى طبعه. وهذا إما أن يكون خارجا عن الطبع فقط ، مثل تحريك الحجر جرا على وجه الأرض ، وإما أن يكون مضادا للذى بالطبع ، كتحريك الحجر إلى فوق ، وكتسخين الماء. وقد تكون حركات خارجة عن الطبع في الكم (٨) كما علمت ، مثل زيادة العظم الكائن بالأورام وبالسمن (٩) المجتلب بالدواء (١٠) والذبول الذي يكون بسبب الأمراض. وأما (١١) الذبول الذي للسن فهو من جهة طبيعى (١٢) ومن جهة ليس بطبيعى. فهو طبيعى بالقياس (١٣) إلى طبيعة الكل ، فإنه (١٤) أمر تجرى عليه طبيعة الكل ويجب (١٥) ، وليس طبيعيا بالقياس إلى طبيعة ذلك البدن ، بل هو لعجز تلك الطبيعة واستيلاء (١٦) الغاصب عليها. ويشبه أن تكون الصحة التي بالبحران باستحالة طبيعية ، والتي تكون لا على تلك الجهة باستحالة غير طبيعية. وكذلك الموت الأجلى طبيعى من وجه ، والمرضى والقتلى غير طبيعى البتة والحركات المكانية القسرية ، فقد تكون بالجذب وقد تكون بالدفع. وأما الحمل (١٧) فهو بالحركة العرضية (١٨) أشبه ، والتدوير القسرى مركب من جذب ودفع ، والدحرجة ربما كانت (١٩) عن شيئين خارجين ، وربما كانت عن ميل طبيعى ، مع دفع أو جذب قسرى (٢٠). وأما الذي يكون مع مفارقة المتحرك ، مثل المرمى والمدحرج ، فإن لأهل

__________________

(١) فصل : فصل ب ؛ الفصل الرابع عشر ط ، م.

(٢) وأما : فأما ب ، د ، ط ، م

(٣) غير : الغير ب ، د ، سا ، ط

(٤) فمنها : فمنه سا ، ط ، م ؛ + ما يكون سا

(٥) ومنها : ومنه سا ، ط ، م.

(٦) الآن : أولا سا ؛ + الأول ط

(٧) فنقول سا. (٨) الكم : الحكم م

(٩) وبالسمن : أو بالسمن م

(١٠) بالدواء : ساقطة من ب ، د ، سا ، م.

(١١) وأما : فأما م (١٢) طبيعى : لا طبيعى م

(١٣) بالقياس : القياس م.

(١٤) فإنه : وإنه سا

(١٥) ويحب : ويحبب ط.

(١٦) واستيلاء : أو استيلاء ط.

(١٧) الحمل : الجهل سا

(١٨) العرضية : العرض سا ، ط.

(١٩) كانت : كان ب د ، سا ، ط.

(٢٠) قسرى : ساقطة من م.

٣٢٤

العلم فيه اختلافا على مذاهب. فمنهم (١) من يرى أن السبب فيه رجوع لهواء المدفوع فيه إلى خلف المرمى والتئامه هناك التئاما (٢) بضغط ما أمامه. ومنهم من يقول : إن الدافع يدفع الهواء والمرمى جميعا ، لكن الهواء أقبل للدفع ، فيندفع أسرع ، فيجذب معه الموضوع فيه. ومنهم من يرى أن السبب فى ذلك قوة يستفيدها المتحرك من المحرك تثبت فيه مدة إلى أن تبطلها (٣) مصاكات تتصل (٤) عليه مما يماسه وينحرف به ، فكلما (٥) ضعف بذلك ، قوى عليه الميل الطبيعى والمصاكة فأبطلت القوة ، فمضى المرمى نحو جهة ميله الطبيعى.

قال (٦) أصحاب القول بتحرك (٧) الهواء : وليس يعظم أن تكون حركة الهواء تبلغ من القوة ما يحمل (٨) الحجارة والأجسام العظيمة ، فإن الصوت العظيم ربما دك أنفا (٩) من الجبل ، وهاهنا جبال إذا صبح منها انحطم (١٠) أركانها ، والرعد يهد (١١) الأبنية المشيدة ، ويقلب قلل الجبال ، ويغلق الصخور الصم. ومن الناس من يفتتح (١٢) القلاع المبنية فى القلل بتكثير البوقات والإلحاح عليها.

وكيف (١٣) يمكننا أن نقول : إن الهواء الراجع إلى خلف (١٤) التأم التئاما ضغط ما قدامه إلى قدام ، وما سبب حركته إلى قدام (١٥) عند الالتئام ، حتى يدفع ما ورائه. وكيف يمكننا أن نقول : إن المحرك أعار المتحرك قوة ، وذلك لأنها لا تخلو من أن تكون إحدى القوى (١٦) التي هى الطبيعية والنفسانية والعرضية ، وليست طبيعية ولا نفسانية ولا عرضية ، لأن القوة المحركة (١٧) إلى فوق زعمتم أنها فى (١٨) جوهر النار بمعنى الصورة (١٩) ، وإذا (٢٠) كانت فى الحجر كانت عرضا فكيف تكون طبيعة واحدة عرضا وصورة. ولو كان المحرك أفاد قوة ، لكان أقوى فعلها فى ابتداء وجودها وكان (٢١) يجب أن تأخذ فى الانسلاخ والموجود هو أن أقوى فعلها (٢٢) فى الوسط من الحركة (٢٣). أما (٢٤) إن كانت علة هذه الحركة حمل (٢٥) الهواء للمرمى ، فقد توجد لذلك علة ، وهو أن الهواء يتلطف بالحركة ، ويزداد (٢٦) سرعة وانخراقا لما (٢٧) ينفذ فيه من الهواء الناقل للمرمى ، ولا يوجد هذه العلة هناك.

وقد قال قوم بالتولد ، وقالوا : لأن من طبع الحركة أن تتولد بعدها حركة ، ومن طبع الاعتماد أن يتولد بعده اعتماد. ولم يمنعوا أن تكون الحركة تعدم ، ثم يتبعها سكون ثم يتولد عن الاعتماد بعد ذلك حركة

__________________

(١) فمنهم : منهم سا. (٢) التئاما : + بقوة ب ، د ، ط ، م.

(٣) تبطلها : يبطله سا ، ط (٤) تتصل تبطل د (٥) فكلما : وكلما ط. (٦) قال : وقال سا

(٧) بتحرك : بتحريك ط (٨) ما يحمل : ما يجذب طا.

(٩) أنفا : أيضا ب (١٠) انحطم : انهدم بخ ؛ انحطمت ط ، م.

(١١) يهد : يهدم د ، ط (١٢) يفتتح : يفتح ط.

(١٣) وكيف : فكيف م (١٤) خلف : خلفه ط.

(١٥) إلى قدام : ساقطة من د. (١٦) القوى : القوتين م.

(١٧) المحركة : المتحركة سا (١٨) فى (الأولى) : ساقطة من سا

(١٩) الصورة : العبور سا ؛ الصور م

(٢٠) وإذا : إذا ط. (٢١) وكان : ثم كان سا ، ط ، م

(٢٢) فعلها : فعله سا ، ط ، م (٢٣) من الحركة : ساقطة من ب ، د

(٢٤) أما : وأما سا ، ط ، م. (٢٥) حمل : حملت سا (٢٦) ويزداد : فيزداد سا

(٢٧) لما : فالماء سا.

٣٢٥

وهذا أشنع ما يقال ، فإن المتولد لا محالة شيء حادث بعد ما لم يكن ، ولكل حادث بعد ما لم يكن محدث هو (١) علة للحدوث ، وتلك العلة إن كانت علة بأن توجد وجب أن توجد الحركة الأولى مع الثانية ، وإن كانت بأن تعدم وجب أن تكون دائما علة للحركة. وإن كان السبب مع ذلك بقاء الاعتماد فلم (٢) تجوزون سكونا يلحق ومبدأ الحركة موجود على ما ينبغى بالفعل ، وليس هناك مانع عن الحركة فى (٣) المتحرك ولا فى المسافة. وإن كان الاعتماد أيضا يعدم فالكلام فيه كالكلام فى الحركة.

لكنا إذا حققنا الأمر وجدنا أصح المذاهب مذهب من يرى أن المتحرك يستفيد ميلا من المحرك ، والميل هو ما يحس بالحس إذا حوول أن يسكن الطبيعى بالقسر أو القسرى بالقسر الآخر فيحس هناك من القوة على المدافعة التي تقبل شدة ونقصا ، فمرة تكون أشد ومرة تكون أنقص مما لا يشك (٤) فى وجوده فى الجسم وإن (٥) كان الجسم ساكنا بما قسر (٦). ومذهب من يرى أيضا (٧) أن الهواء يندفع فيدفع مذهب غير سديد وكيف يكون سديدا والكلام فى الهواء كالكلام فى المرمى. وذلك لأن هذا الهواء المدفوع إما أن يبقى متحركا مع سكون المحرك (٨) أولا يبقى ، فإن (٩) لم يبق فكيف ينفذ ناقلا ، وإن بقى فالكلام فيه ثابت. فإن كان أسرع حركة فيجب أن يكون نفوذه فى الحائط أشد من نفوذ السهم ، فإن السهم إنما ينفذ عندهم بقوة منفذة ، هى (١٠) من حركة الهواء الذي هو أسرع ، والهواء يحبس ويرد عن (١١) الأمور القائمة فى وجهه ، فلم لا يحبس (١٢) السهم ويرد. فإن كان السبب فيه أن (١٣) الذي يلى نصل السهم يحبس (١٤) ، والذي يلى فوقه يكون بعد على قوته ، فقد وجب أن يكون السهم أسبق من الهواء.

وجعلوا الهواء أسبق ، فإن كان السهم (١٥) أسبق ، فيجب أن لا يكون للهواء الذي يلى السهم من قوة الاندفاع ما ينفذ السهم الممنوع بالحائط ، لو لا دفعه من خلف (١٦). فإن نفوذ السهم فى الحائط لا يجوز أن يقال : إنه كنفوذه فى الهواء ، فإن الهواء (١٧) يحمله ويدفعه عندهم باندفاعه ، وإن كان ذلك من جذب السهم ما خلفه جذبا يعود به دفعا لجاذبه (١٨) ، فيكون المجذوب أشد انجذابا من الجاذب الملازم له. وهذه الشدة إن كانت قوة

__________________

(١) هو : وهو ب. (٢) فلم : فلا ط.

(٣) فى : عن سا ، ط ، م.

(٤) مما لا يشك : ما لا يشك د ، سا ، ط ، م

(٥) وإن : فإن د. (٦) قسر : قسره د

(٧) أيضا : ساقطة من م. (٨) المحرك : المتحرك سا.

(٩) فإن : وإن سا ، م.

(١٠) هى : هو ب ، د ، سا ، م.

(١١) عن : على سا (١٢) لا يحبس : لا يحتبس د ، ط.

(١٣) أن : إذ د. (١٤) يحبس : يحتبس ط.

(١٥) فإن كان السهم : ساقطة من سا.

(١٦) خلف : خارج سا ، م. (١٧) فإن الهواء : ساقطة من د.

(١٨) لجاذبه : يحاذيه م.

٣٢٦

وميلا ، فقد حصل القول بذلك ، وإن كانت (١) متابعة فقط فتزول مع زوال (٢) سببها ، فإن (٣) بقيت ، فيكون السبب القوة والميل. وما بال الأشياء التي يتفق حصولها مع فى هذا الهواء اللصيق (٤) بالسهم (٥) ترسب ولا يحملها الهواء ، فإن الهواء إنما يمانع الثقال المحمولة فيه عن الرسوب شديدة ، يصير (٦) بها مقاوما لخرق الثقل ، والرياح إذا هبت على أغصان الشجر (٧) هشمتها ، مع أنها لا تحمل سهما لو وضع فيها (٨). فهذا الهواء الذي ينقل الحجر الكبير بالحرى أن يكون اختباره بقرب الأجسام الصغار مما يوجب كسرها.

وهؤلاء يظنون أنهم إذا (٩) قالوا : إن الهواء يتحرك أسرع ، فتحدث حركات متشافعة (١٠) فى أجزاء الهواء قدما ، والسهم موضوع فيها ، أنهم قالوا شيئا. وليس كذلك ، وذلك لأنه لا يخلو إما أن تحدث هذه الحركة فى أجزاء الهواء قدما شيئا بعد شيء ، فيكون المتحرك منها يتحرك بعد هدوء المحرك (١١) ، فقد (١٢) انتقضت (١٣) الدعوى ، وإن كانت (١٤) حركتها (١٥) معا ، فإما أن تكون معا (١٦) والمحرك الأول يتحرك معها ، أو هو (١٧) واقف ، فإن كانت مع حركة المحرك الأول فيجب أن يقف السهم بعده ، وإن كان بعد حركته فقد بقى الشك ، وهو أن هناك حركة وسببا به تستمر الحركة ، فإنما (١٨) هو غير المحرك الأول (١٩).

وأما حديث ازدياد المحرك القسرى قوة عند الواسطة ، فليس يضر فى ذلك فرض القوة ، ولا تنفع فيه حركة الهواء ، وذلك لأن الإشكال فيه قائم. وذلك لأن للمتشكك (٢٠) الأول أن (٢١) يقول : إن هذا الهواء ما باله إنما فى أوسط (٢٢) زمان الحركة أسرع ، فإنه إن كان ذلك لاستفادته بالحركة تخلخلا أكثر ، فهو أولى بأن لا ينفعل عنه المنقول فيه لأنه يصير أكبر حجما وأضعف قواما. والأكبر حجما والأضعف (٢٣) قواما ، فإنه يكون عن تحريك واحد بعينه أبطأ حركة مما ليس كذلك. وإن كان التخلخل المعتبر إنما هو للهواء المنفوذ فيه لا للنافذ ، فلم كانت هذه المحاكة فى الوسط أقوى من التحليل والتلطيف (٢٤) عن المحاكة التي فى الابتداء. نعم لو دامت المحاكة على شيء واحد يلقى إما الحاك وإما المحكوك لكان لذلك (٢٥) معنى. أما الحاك (٢٦) فكالمثقب ، فإنه (٢٧) على طول المزاولة يصير أسخن فيكون

__________________

(١) كانت : كان ط (٢) زوال : ساقطة من م

(٣) فإن : وإن سا. (٤) اللصيق : الضيق سا ، م

(٥) بالسهم : السهم سا ، م ؛ مثل السهم ط.

(٦) يصير : ويصير م. (٧) الشجر : الشجرة ط

(٨) فيها : ساقطة من د. (٩) إذا : ساقطة من د

(١٠) متشافعة : مشافعة ط. (١١) المحرك : المتحرك م

(١٢) فقد : وقد سا ، ط ، م (١٣) انتقضت : انتقض ب ، د ، سا ، ط.

(١٤) كانت : كان ب د ، سا ، ط (١٥) حركتها : حركتهما م (١٦) فإما أن تكون معا : ساقطة من سا

(١٧) أو هو : هو سا. (١٨) فإنما : بما ط ؛ قائم م

(١٩) الأول : + فيجب أن يقف السهم سا.

(٢٠) للمتشكك : للمشكك ط ؛ المتشكك م

(٢١) أن : ساقطة من ط. (٢٢) أوسط : وأوسط ب.

(٢٣) والأضعف : الأضعف سا ، م. (٢٤) والتلطيف : التلطف د ، سا ، م.

(٢٥) لذلك : ذلك ب ، فى ذلك د ؛ كذلك سا ؛ كذلك كذلك م (٢٦) الحاك : حاك سا ؛ المحال م

(٢٧) فإنه : كان سا ، ط.

٣٢٧

على التلطيف (١) أقوى ، وأما المحكوك ، فلأن دوام (٢) الحك عليه يكون مما يزيده تأثيرا بعد تأثير. وهاهنا لا الحاك ولا المحكوك واحد ، بل عندهم وعلى قياس قولهم يجب أن يتحرك كسلسلة مدفوعة قدما ، ويكون كل جزء نفرضه حاكا بعينه لمحكوك (٣) بعينه (٤) ، وعسى أن يكون وجه إعطاء هذه العلة لهذه التزيد فى الباب المنسوب (٥) إلى القوة أوضح. فعسى أن الحك إذا تكرر على المرمى أكثر ، يسخن أكثر ، فلا يزال يتسخن (٦) بالحك أكثر ، والقوة المستفادة تضعف. إلا أن التلطيف (٧) (٨) المستفاد بالتسخن يكون متداركا أو موفيا (٩) على المعنى الذي يفوت بالضعف ، ما دام فى القوة ثبات ما ، فإذا ترادف الصك على القوة واسترخت (١٠) ضعف أيضا الحك ، وبلغ مبلغا لا يفى بتدارك تأثير الصك.

على أنا لا نعول فى ذلك على هذه العلة كل التعويل ، وإن كان قد يجوز أن يكون ذلك من إحدى معنيات العلل المزيدة فى الوسط ، فقد اتضح أن الحركة القسرية كيف هى ، وعلى كم قسم هى ، وأن كل حركة فعن (١١) قوة تكون فى المحرك (١٢) ، بها يندفع ، إما قسرية ، وإما عرضية ، وإما طبيعية.

فلنتكلم على الحركة التي يقال إنها من تلقاء المتحرك ، فقد وقع (١٣) فى أمرها بين أهل النظر تخالف وتشاح (١٤) ، ما كان من حق هذا المعنى أن يقع من التفتيش عنه والمناقشة فيه ما وقع بين طبقات أهل النظر. فإن معول ذلك على الاسم ، فقد جعله بعضهم لمعنى ، وبعضهم لمعنى آخر ، ولكل منهم أن يجعل ما يجعله (١٥) ، وليس لأحد (١٦) منهم (١٧) أن يشاح (١٨) فيه غيره ، فمنهم من جعل المتحرك من تلقائه ما لموضوعه أن يتحرك بطبعه حركة غير تلك الحركة ، مع ذلك ليس عن سبب من خارج. فعلى وضع هؤلاء ، يدخل النبات فى جملة المتحرك من تلقائه ، ويخرج (١٩) الفلك من أن يكون متحركا من تلقائه ، وهم مع ذلك يمنعون أن يخرج الفلك من ذلك. ومنهم من شرط أن يكون له مع ذلك أن لا يتحرك ، فإن أخذ هذا مطلقا لم يكن الفلك أيضا داخلا فى المتحرك من تلقائه ، وإن زيد عليه وله أن لا يتحرك إذا شاء (٢٠) من غير زيادة شرط أن من شأنه أن يشأ دخل فيه الفلك ، وليس إذا كان لا يشاء أمرا البتة أو لا يجوز (٢١)

__________________

(١) التلطيف : التلطف د (٢) دوام : دوم ط.

(٣) لمحكوك : المحكوك ب (٤) لمحكوك بعينه : ساقطة من م

(٥) المنسوب : المقرب سا. (٦) يتسخن : يسخن ط.

(٧) المستفادة ... التلطيف : ساقطة من م.

(٨) التلطيف : التلطف سا (٩) أو موفيا : وموفيا سا.

(١٠) واسترخت : واستراحت ط. (١١) فعن : ساقطة من م.

(١٢) المحرك : المتحرك ط ، م. (١٣) وقع : ساقطة من م

(١٤) وتشاح : وتشاجر ط. (١٥) ما يجعله : ما جعله سا ، ط ، م

(١٦) لأحد : لأمر سا (١٧) منهم : بينهم ط

(١٨) يشاح : يشاجر ط. (١٩) ويخرج : وخرج سا.

(٢٠) شاء : + أمر البتة ط (٢١) أو لا يجوز : ولا يجوز ب.

٣٢٨

أن يشأ ، يلزم من ذلك أن مقتضاه لا يكون لو شاء ، ومنهم من لم يشترط إلا أن تكون الحركة صادرة عن الإرادة. وأنت غير (١) مجبر على اختيار أى الاستعمالات شئت ، فإنه ليس إلا مشاجرة فى التسمية فقط (٢).

[الفصل الخامس عشر]

س ـ فصل (٣)

فى احوال العلل المحركة والمناسبات بين العلل المحركة والمتحركة

وإذ قد استوفينا القول بحسب غرضنا فى الحركات والمتحركات ، فحرى بنا أن نتكلم على أحوال المحركين.

فنقول : إن المحرك منه ما هو محرك بالذات ، ومنه ما هو محرك بالعرض. والمحرك (٤) بالعرض (٥) ، فقد فصلنا أمره فى الأقاويل الماضية ، وبينا أنه على كم وجه يكون ، وأنه قد يكون الشيء محركا لذاته بالعرض ، وقد يكون محركا لغيره (٦) بالعرض ، وقد يكون محركا بالطبع ، وقد يكون محركا بالقسر (٧).

وأما المحرك بالذات ، فمنه ما يكون بواسطة ، مثل النجار بواسطة القدوم ، ومنه ما يكون بغير واسطة. والذي بالواسطة ، فربما كانت الواسطة واحدة ، وربما كانت كثيرة. وما كان من الوسائط ليس (٨) محركا من تلقائه ، بل إنما يحرك لأجل أن ما قبله يحركه. فإن كان متصلا بالمحرك ، كاليد بالإنسان ، سمى (٩) أداة ، وإن كان مباينا سمى آلة ، وربما لم يميز (١٠) بين اللفظين فى الاستعمال. وما كان من الوسائط ينبعث من نفسه إلى الحركة ، ومع ذلك فله مبدأ تحريك آخر لأنه واسطة ، فالأولى أن يكون محركه مع أنه محرك (١١) غاية مثل المحبوب ، أو ضد الغاية (١٢) مثل المخوف المهروب عنه. والمحركات منها ما يحرك بأن يتحرك ، ومنها ما يحرك لا بأن يتحرك. والمحرك بأن يتحرك يحرك بالماسة ،

__________________

(١) غير : ليس سا

(٢) فقط : البتة ط.

(٣) فصل : فصل ٤ ب ؛ الفصل الخامس عشر م.

(٤) والمحرك : وأما المحرك ط

(٥) والمحرك بالعرض : ساقطة من سا.

(٦) لغيره : لغير د

(٧) محركا بالقسر : بالقسر سا ، ط ، م.

(٨) ليس : لم يكن ط.

(٩) سمى : يسمى ط.

(١٠) يميز : يتميز م.

(١١) محرك : ساقطة من م

(١٢) مثل .... الغاية : ساقطة من م.

٣٢٩

ويتم (١) فعله بالسكون منه ، ويكون أيضا من حيث يتحرك (٢) بالقوة. ولاستحالة وجود أجسام بلا نهاية ، يستحيل أن تكون متحركات معا بلا نهاية ، فيستحيل أن يكون كل محرك (٣) متحركا ، فينتهى الأمر إلى محرك لا يتحرك وإلى أول محرك متحرك ، إذ لا دور فى التحريك والتحريك والعلية والمعلولية ، إذ الدور يوجب (٤) أن يكون الشيء مبدأ لأمر (٥) ، ذلك الأمر (٦) مبدأ له ، فيكون أسبق من الأسبق بذاته. وأول محرك متحرك ، إما أن يكون مبدأ حركته فيه ، فيكون متحركا بذاته ، أو يكون مباينا له وليس فيه. لكن فى كل جسم مبدأ حركة كما قلنا ، فإن كان المباين يحرك التحريك الموافق لما يقتضيه مبدأ حركة الجسم ، لم يخل إما أن تكون تلك الحركة تصدر عنهما جميعا بالشركة ، ومع ذلك فإن المبدأ الذي فى الجسم له أن يحرك وحده ، وإما أن لا يكون للمبدإ الذي فى الجسم أن يحرك وحده ، فإن لم يكن لذلك المبدأ أن يحرك وحده (٧) ، فليس مبدأ (٨) حركة (٩) فى الجسم ، وقد قيل ذلك ، هذا خلف. وأنت تعلم أن كل جسم ففيه مبدأ حركة ، قد برهنا ذلك فإن كان لمبدإ الحركة أن يحرك وحده (١٠) ، لم يكن المباين محركا على أنه (١١) مزاول للحركة ، بل محرك على أحد الوجوه ، إما بأنه يعطى الجسم ذلك المبدأ الذي به يتحرك ، فيحرك (١٢) الجسم بذلك المبدأ أو يعطيه (١٣) قوة أخرى تعاضده على ذلك التحريك ويزيد (١٤) فيه ، أو يكون محركا لأنه غاية ومثال أو مؤتم وإما للأمرين جميعا.

هذا إن كان تحريك المباين من نوع تحريك مبدأ حركة (١٥) الجسم كالمشارك له ، فإن (١٦) كان (١٧) المباين يحرك خلاف التحريك الموافق ، فهو قاسر إما جسم أو غير جسم.

وقد قال قوم : إن محرك النار إلى فوق هو جاعل المادة نارا ، فإذا (١٨) جعله (١٩) نارا جعله تام (٢٠) الاستعداد لتلك الحركة ، بعد أن كان بقوة بعيدة ، فيحرك (٢١) إلى فوق. لكن الإصرار على هذا غير جميل ، وذلك لأن المبدأ الذي يعطى النار تمام الاستعداد لتلك الحركة ، فقد يعطيه المبدأ الذي به يتحرك ، وهو كما علمت القوة التي بها يتحرك ، وهذا إن (٢٢) كان الاستعداد التام يوجب بنفسه الخروج إلى العقل ، فيكون بنفسه مبدأ للحركة ومحركا.

فإنا لسنا نفهم من المحرك إلا الأمر الذي هو مبدأ الحركة على هذا النحو ، فيجب أن يكون واهب الصورة

__________________

(١) ويتم : ويتمم م (٢) يتحرك : + هو ط ، م.

(٣) محرك : متحرك د. (٤) يوجب : أوجب سا الشيء : ساقطة من م

(٥) لأمر : للأمر د. (٦) الأمر : ساقطة من م.

(٧) فإن : ... وحده : ساقطة من سا.

(٨) مبدأ : بمبدإ ط (٩) حركة : لحركة سا.

(١٠) يحرك وحده : يتحرك م (١١) أنه : + مبدأ ط.

(١٢) فيحرك : فيتحرك ط (١٣) أو يعطيه : ويعطيه سا.

(١٤) ويزيد : فنزيد ط. (١٥) حركة : لحركة ط

(١٦) فإن : وإن سا ، ط ، م (١٧) كان : + المحرك ط.

(١٨) فإذا : وإذا ب ، د ، (١٩) جعله : جعلها ط ، م

(٢٠) تام : تامة ط ، م. (٢١) فيجرك : فيتحرك ط.

(٢٢) وهذا إن : وإن ب د.

٣٣٠

التي بها يتحرك جسم ممّا محركا بالصورة ، والصورة والصورة محركة بذاتها بلا واسطة. ولا يجب من ذلك أن تكون الصورة محركة لذاتها ، لأنها تحرك كلا ومادة ذا (١) صورة مجسمة. وذلك لأن الكل ليس هو (٢) أحد الأجزاء ، فهو يحرك الجسم الذي هو الكل بالذات ، ويحرك ذاته لأجل تلك الحركة بالعرض ، لأنه ليس مما يتحرك بالذات ، ولو كان مما يتحرك بالذات لما كان انتقال الكل وهو جزء منه يوجب انتقاله عن موضعه الطبيعى ، وهو غير مفارق لما جاوره من الكل ، بل كان كما علمت متحركا بالعرض ، وقد يكون الشيء محركا لنفسه بالعرض. ولأن هاهنا حركة دائمة ، ما دامت السماء قد ظهر أمرها ، فههنا محرك أو غير متناهى القوة ، فليس بجسم ولا فى جسم.

فينبغى الآن أن نذكر المناسبات التي بين المحركات والمتحركات ، لنضع محركا ومتحركا ومسافة وزمانا ولنمتحن المحرك على أنه مبدأ لحركة (٣) طبيعية ، وعلى أنه مبدأ جذب ، وعلى أنه مبدأ دفع ، وعلى أنه حامل ، ولنتأمل (٤) ما يلزم من أصناف المناسبات ، ولنضع محركا حرك متحركا فى المسافة زمانا ، ولنتأمل هل نصف المحرك يحرك فى المتحرك بعينه فى المسافة زمانا نصف ذلك أو أقل أو أكثر ، فنقول : إنه لا يلزم أن يحركه (٥) شيئا ، فإنه يجوز أن يكون المستقل (٦) بتحريك ذلك المتحرك عن حاله إنما هو مجموع قوة المحرك (٧) ، فإذا انتصفت كان لها أن تحدث أعدادا ولم يجب أن تحرك لا محالة ، مثل السفينة التي تجرها (٨) مائة نفس فى يوم واحد فرسخين ، فلا يلزم أن يقدر الخمسون لا محالة ، على نقلها شيئا. ولهذا ليس إذا حدث صوت عن صرة جاورس (٩) ، يلزم أن يحدث عن كل جاورسة صوت لا يسمع ، أو إذا حدث عن مائة قطرة نقرة فى الصخرة (١٠) ، يلزم (١١) أن تكون كل قطرة تفعل شيئا لا يحس (١٢) ، بل عسى أن يكون لكل قطرة (١٣) إعداد ما فى إبطال (١٤) صلابة (١٥) ، فإذا تم الإعداد فعل الآخر من النقر ، وأن يستمر على ذلك المنهاج حتى يحدث قعر (١٦) محسوس.

على أن هاهنا من المحركات ما إذا تصف لم يبق له قوته (١٧) كالحيوان. وهذا الإعداد فى الحركات الميلية هو إبطال الميل المستقر فيها (١٨) قليلا قليلا (١٩) ، حتى يدخل عليها ميل غريب تعجز عن تمحيقه القوة المميلة التي فيه ، فإن فرضنا (٢٠) التنصيف فى المتحرك (٢١) ، فالمشهور هو أن المحرك يحرك نصف المتحرك فى ضعف المسافة فى ذلك الزمان ، وفى (٢٢)

__________________

(١) ذا : ذات سا ، ط ، (٢) هو : ساقطة من سا.

(٣) مبدأ لحركة : مبدأ الحركة د ، م

(٤) ولنتأمل : ونتأمل ط. (٥) يحركه : يحرك د

(٦) المستقل : المستقبل ط. (٧) المحرك : المتحرك م.

(٨) تجرها : تمدها ب ، د ، سا ، م.

(٩) جاورس : جاورسة : الذرة الحمراء (الصيفى).

(١٠) الصخرة : الصخر ب (١١) يلزم : يلزمه ب ، د ، سا ، ط.

(١٢) لا يحس : يحس م (١٣) قطرة : نقرة سا

(١٤) فى إبطال : بإبطال ب ، د ، سا ، م

(١٥) صلابة : صلابته ط. (١٦) قعر : نقر ط ؛ فغير م.

(١٧) قوته : قوة ط (١٨) فيها : فيه ط

(١٩) قليلا قليلا : قليلا د ، م. (٢٠) فرضنا : فرضت سا ، ط

(٢١) المتحرك : المحرك ط (٢٢) المسافة ... وفى : ساقطة من م.

٣٣١

المسافة فى نصف ذلك الزمان. وأما المحقق فغيره (١) اعتبر ذلك فيما يورده. أما فى المحرك الطبيعى ، فإنه لا يصح أن يبقى المحرك بحاله والمتحرك به قد ينصف ، وذلك لأن القوة الطبيعية يعرض لها أن تنقسم بانقسام ما هى (٢) فيه ، فإذا انتصف المتحرك لم تمكن (٣) كلية المحرك (٤) أن تحركه ، بل النصف الموجود (٥) منه فيه ، إلا على سبيل التخمين والتقدير. وأما الحامل فيجوز أن تكون قوة الحامل لا تفى بأن تقطع ضعف المسافة التي حمل فيها ما حمل ولو كان فارغا ، فكيف يلزم ومعه نصف الثقل. وإن (٦) كان الحامل يحمل بحركة طبيعية ، فإنه عند وجود نهايته الطبيعية لا يتعداه بالمحمول ، ولا تتضعف له مسافته الطبيعية التي بين الجهتين الطبيعيتين ، اللهم إلا أن يقع الابتداء من الوسط ، فحينئذ إن كان المحمول عليه له ميل غير ميله (٧) ، أحدث فيه بطء. إلا أن ذلك لا يحفظ هذه النسبة لأن حركة الطبيعيات لا تتفق من الابتداء إلى المنتهى ، بل كلما أمعن ازداد سرعة ، فلا تتفق (٨) حاله فى النصفين ، كان فارغا أو حاملا. وأما الدافع اللازم فحكمه حكم الحامل ، وأما الدافع الرامى فربما عرض أنه يفعل فى الأثقل أشد مما يفعله فى الأخف فيفعل فى الضعف أشد مما يفعله فى النصف ، فلا تبقى تلك النسبة. على أن المرمى لا تتشابه السرعة والبطء فى حدوده ، بل المتأخر منه أبطا ، ويقال : إن الوسط منه أقوى ، فلا تكون هذه النسبة محفوظة. وكذلك الجاذب فإن الجاذب قد يكون على صورة الحامل الجار ، وقد يكون جاذبا بالقوة ، وللقوة الفائضة عن الجاذب حد إليه ينتهى تأثيره فى المنجذب البعيد منه ، فما خرج عن ذلك لا يلزم أن يؤثر فيه (٩). فلا يلزم أن يكون كلما جعلنا المتحرك أصغر جذبه من مكان أبعد المحرك (١٠) فى نصف الزمان (١١) ، فإن المشهور أنه يحرك ذلك المتحرك بعينه فى نصف المسافة.

وليس يجب فإنه ليس يلزم أن يتساوى المقطوع فى نصفى زمان المرمى (١٢) لا فى القسرى (١٣) ولا فى الطبيعى ، لما علمت من اختلاف الحركة فى السرعة والبطء. وأما المحرك فى نصف المسافة فالمشهور على قياس ما قيل ، والحق ما عبر (١٤) عنه.

وأما اعتبار نصف المحرك (١٥) بنصف المتحرك ، فالمشهور حفظ النسبة ، لكن يجوز أن لا ينتصف (١٦) المحرك حافظا لقوته ، ويجوز أن يكون أبطأ من تحريك الكل للكل ، فإن اجتماع القوة وتزيدها قد يستتبع من الحمية (١٧) ما هو أزيد نسبة إلى حمية الجزء من نسبة العظم إلى العظم.

__________________

(١) فغيره : فغير د. (٢) ما هى : ما هو سا.

(٣) تمكن : يكن د ، ط

(٤) المحرك : المتحرك ط

(٥) الموجود : المؤخوذ د.

(٦) وإن : فإن م. (٧) غير ميله : ساقطة من د.

(٨) فلا تتفق : ولا تتفق م.

(٩) فيه : + المحرك ط. (١٠) المحرك : والمحرك ط

(١١) الزمان : + فإن ط. (١٢) المرمى : الرمى ط

(١٣) القسرى : القسر ط. (١٤) ما عبر : ما نخبر سا ، ط ، م.

(١٥) المحرك : المتحرك ب (١٦) ينتصف : + بنصف ط ، م.

(١٧) الحمية : الجهة د.

٣٣٢

وأما نصف المحرك فى (١) نصف الزمان ، فالمشهور حفظ النسبة ، والأولى أن لا تحفظ على ما (٢) علمت.

وأما نصف المحرك فى نصف المسافة ، فذلك أيضا على قياس ما علمت ، وأنت تعلم التضعيفات من التنصيفات.

على أن هاهنا مذهبا حكيناه لك (٣) مرات ، هو أن التنصيف يؤدى بالمحرك (٤) إلى أن لا يحرك ، وبالمتحرك إلى أن لا يتحرك ، وقد يقع اعتبار هذه المناسبات بين المحرك والحركة والمتحرك (٥) والمسافة والزمان من حيث هى متناهية وغير متناهية ، إذ أى هذه إذا تناهى الآخر ، لأن جزءا من المتناهى منه يكون بإزاء متناه من الآخر. وأمثال ذلك الجزء يجب (٦) أن يفنى ما أخذ غير متناه ، بإزاء فناء المتناهى. فإنه إن بقى لم تكن بينهما مطابقة ، فلم تكن الحركة غير (٧) المتناهية فى زمان متناه أو فى مسافة متناهية ، أو لم يكن زمان غير متناه (٨) مع مسافة متناهية ، بل كان متناه مع متناه ، وخلا فصل ما ليس بمتناه عن المطابقة ، وإذا لم يفضل ، بل فنى غير (٩) المتناهى مع المتناهى على ما أوجبه المفروض (١٠) ، كان غير (١١) المتناهى متناهيا (١٢).

__________________

(١) نصف المحرك فى : ساقطة من ب

(٢) على ما : لما سا ، م ؛ كما ط.

(٣) لك : ذلك م

(٤) بالمحرك : بالمتحرك م.

(٥) والمتحرك : ساقطة من د ، م.

(٦) يجب : ساقطة من م.

(٧) غير : الغير ب ، د ، سا ، ط

(٨) أو فى ..... متناه : ساقطة من سا ، م.

(٩) غير : الغير ب ، د ، سا ، ط.

(١٠) المفروض : العروض د ، م

(١١) غير : الغير ب ، د ، سا ، ط

(١٢) متناهيا : + تم كتاب السماع الطبيعى من كتاب الشفاء والحمد لله وحده وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلامه ب ؛ + تم كتاب السماع الطبيعى من كتاب الشفاء والحمد لله حق حمده والصلاة على محمد وآله د ؛ + والله أعلم آخر الفن الأول من الطبيعيات والله الوفق سا ؛ هذا آخر كتاب السماع الطبيعى ويتلوه كتاب السماء والعالم ط ؛ + آخر كتاب السماع الطبيعى ولله الحمد والمنة والفضل والطول وصلواته على سيدنا محمد النبي وعلى آله وأصحابه وعترته الطاهرين م.

٣٣٣

تم بحمدلله

٣٣٤