الشّفاء ـ طبيعيّات - ج ١

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

الشّفاء ـ طبيعيّات - ج ١

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: سعيد زايد
الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٤

ساكنا ، وأما أنه ليس بمتحرك فلأنه ليس مبدأ الاستبدال منه ، والمتحرك بالحقيقة هو الذي مبدأ الاستبدال منه ، وهو الذي الكمال الأول لما بالقوة فيه من نفسه حتى أنه (١) لو كان سائر الأشياء عنده بحالها لكان حاله (٢) يتغير ، أعنى لو كانت الأمور المحيطة والمقارنة (٣) إياه ثابتة كما هى لا يعرض لها عارض ، كان الذي عرض له تبدل نسبته فيها. وأما هذا فليس كذلك. فليس (٤) بواجب أن يكون الجسم لا محالة ساكنا أو متحركا ، فإن للجسم أحوالا لا يكون فيها ساكنا ولا متحركا فى المكان. من ذلك أن لا يكون له مكان ، ومن ذلك أن يكون له مكان ولكن ليس له ذلك المكان بعينه فى زمان ولا هو المبدأ فى مفارقته ، ومن ذلك أن يكون له مكان وهو له بعينه زمانا ، ولكن أخذناه فيه لا فى زمان ، بل من حيث هو فى آن الجسم حينئذ لا ساكنا ولا متحركا.

وأما ما ذكر (٥) من حديث (٦) التحليل ، فإن التحليل ليس على وجه الذي ذكروا (٧) بل التحليل هو إفراد واحد واحد من أجزاء الشيء الموجود فيه. فإن التحليل يدل على الهيولى بأنه يبرهن (٨) أن هنالك صورة ، وأنها لا تقوم بذاتها بل لها مادة فيبرهن (٩) أن فى هذا الشيء الآن صورة ومادة. وأما البعد الذي يدعونه فهو فى شيء ليس ثبوته على هذا القبيل وذلك لأن البعد إنما يثبت فى الوهم عند رفع المتمكن وإعدامه (١٠) ، فعسى إذا رفع المتمكن وأعدم (١١) وأحب أن يثبت فى الوهم بعد. وأما المادة فإنما يوجبها إثبات الصورة لا توهم رفعها ، اللهم إلا أن يعنى بالرفع معنى آخر ، فتكون المغالطة واقعة باشتراك الاسم ، وذلك لأن الرفع (١٢) يعنى به توهم الشيء معدوما ، وهذا التوهم فى الصورة يوجب بالحقيقية إبطال المادة لا إثباتها ، وفى المتمكن لا يوجب لا إبطال البعد ولا إثباته. أما أنه لا يوجب إبطال البعد فقد استغنينا عنه ، إذ الخصم لا يقول به. وأما إثباته فلأن نفس إبطال المتمكن وحده لا يوجب ذلك ما لم يضف إليه حفظ الأجسام المطيفة به موجودة على أحوالها. وأما إن كان جسم واحد فقط وتوهم معدوما ، فليس يجب من توهم (١٣) عدمه القول ببعد ، لو لا توهم عدمه لما قيل به ، بل التوهم يتبع التخيل فى إثبات فضاء غير متناه دائما كان جسم فرفعته (١٤) أولم ترفعه. وأما وجوب بعد ما معين التقدير ، فإنما يكون فى الوهم تبعا لعدم جسم بشرط حفظ الأجسام المطيفة (١٥) به ، التي كانت تقدر البعد المحدود ، ولو لا التقدير لما احتيج (١٦) إلى إعدام جسم فى تخيل (١٧) البعد.

__________________

(١) أنه : ساقطة من سا (٢) حاله : له حالة ط.

(٣) والمقارنة : أو المقارنة د ، ط ، م.

(٤) فليس (الثانية) : ساقطة من م.

(٥) ما ذكر : ما ذكروا ط (٦) حديث : حدث سا

(٧) ذكروا : ذكرنا سا. (٨) يبرهن : برهن ط.

(٩) فيبرهن : فبرهن ط ، م. (١٠) وإعدامه : واعد منها ط

(١١) وأعدم : وعدم م. (١٢) الرفع : الدفع م.

(١٣) من توهم : وتوهم سا. (١٤) فرفعته : فرفعه سا.

(١٥) المطيفة : المطبقة د

(١٦) احتيج : احتج ط

(١٧) تخيل : تميل سا.

١٤١

ومع هذا كله فلنسلم (١) أن هذا البعد مفترض عند الوهم إذ أعدم جسم أو أجسام ، فما يدريه أن هذا التوهم ليس فاسدا ، حتى لا يكون تابعه محالا؟ وهل صحيح أن هذا الفرض ممكن حتى يكون ما يتبعه غير. محال؟ فعسى أن يقضى هذا القائل بأن (٢) الوهم عليه (٣) وأن كل ما يوجبه الوهم واجب. وليس الأمر كذلك ، فكثير من الأحوال الموجودة (٤) مخالف للموهوم. وبالجملة يجب أن نرجع إلى ابتداء الكلام ، فنقول : إن التحليل تمييز (٥) لأشياء صح وجودها فى المجتمع ، ولكنها مختلطة عند العقل ، فيفصل (٦) بعضها من (٧) بعض بقوته وبحده (٨) أو يكون بعضها يدل على وجود الآمر (٩) فإذا تأمل حال بعضها انتقل منه إلى الآخر ، ويكون الرفع حينئذ بمعنى الترك له (١٠) والإعراض عنه إلى آخر لا بمعنى الإعدام (١١).

وأما الحجة التي بعد هذا (١٢) ، فجوابها أن قول هذا القائل (١٣) : إن الجسم يقتضى المكان لا بسطحه بل بجسميته ، إن عنى به أن الجسم بسطحه (١٤) وحده لا يكون فى مكان (١٥) ، بل إنما يكون فى (١٦) المكان بجسميته ، أو عنى أنه لأنه جسم يصلح أن يكون فى مكان ، فالقول حق ، وليس يلزم منه (١٧) أن يكون مكانه جسما ، فإنه (١٨) ليس يجب إذا كان أمر (١٩) يقتضى حكما ما (٢٠) أو إضافة إلى شيء ما بسبب (٢١) وصف له. أن يكون المقتضى بذلك الوصف : فليس إذا كان الجسم يحتاج إلى مباد لكونه جسما لا لكونه (٢٢) موجودا ، يجب أن تكون مبادئه أيضا أجساما ، إذ (٢٣) كان العرض يحتاج إلى موضوع لكونه عرضا أن يكون موضوعه عرضا. وأما إن عنى به أن كل بعد من جسميته (٢٤) يقتضى بعدا يكون فيه فهو مصادرة على (٢٥) المطلوب الأول ، وبالجملة أنه ليس إذا كان بجسميته (٢٦) يقتضى المكان يجب أن (٢٧) يلاقى بجميع جسميته (٢٨) المكان ، كما أنه لو كان بجسميته (٢٩) يقتضى الحاوى ، فليس يلزم أن يكون بجميع جسميته (٣٠) يلاقى الحاوى. وبالجملة فإنه غير مسلم أن الجسم يقتضى لجسميته (٣١) مكانا إلا مقدار (٣٢) ما يسلم (٣٣) أنه بجسميته (٣٤) يقتضى

__________________

(١) فلنسلم : ليسلم د ، ب ، سا. (٢) بأن : + كل د

(٣) عليه : محكم ط. (٤) الموجودة : الموجود سا ، ط ، م.

(٥) تمييز : تميز ط ، م. (٦) فيفصل : فينفصل ط

(٧) من : عن سا (٨) وبحده : وكده ط. (٩) الآمر : الآخر د ، ط (١٠) له : ساقطة من سا.

(١١) الإعدام : الأعلم ط. (١٢) بعد هذا : بعد هام (١٣) القائل : للقائل م. (١٤) بسطحه : فسطحه سا

(١٥) مكان : المكان ط (١٦) فى (الثانية) : ساقطة من سا.

(١٧) منه : ساقطة من م (١٨) فإنه : وإنه م

(١٩) أمر : الأمر م. (٢٠) ما (الأولى والثانية) : ساقطة من ط

(٢١) بسبب : إما بسبب ط. (٢٢) لا لكونه : لا بكونه د ، ط

(٢٣) إذ : إذا د ؛ أو سا ، ط ، م. (٢٤) جسميته : جسمية ط.

(٢٥) على : عن ط (٢٦) بجسميته : بجسمية ط

(٢٧) أن : + يكون ط. (٢٨) جسميته (الأولى) : بجسمية ط

(٢٩) بجسميته : بجسمية ط (٣٠) جسميته (الثانية) : جسمية ط.

(٣١) لجسميته : بجسميته ب (٣٢) مقدار : بمقدار ط (٣٣) ما يسلم : لما يسلم م

(٣٤) بجسميته : لجسميته م.

١٤٢

حاويا. ومعنى القولين جميعا ، إن (١) جملة الجسم (٢) المأخوذ كشيء واحد يوصف بأنه فى مكان أو فى حاو ، وليس كون الشيء بكليته فى شيء هو كونه ملاقيا له بكليته ، فإنا نقول : إن جميع هذا الماء وجملته فى هذه الجرة ، ولا نعنى به أن جملته ملاقية للجرة.

وأما الحجة التي بعد هذه المبنية على مساواة المكان والمتمكن فقد فرغ عن جوابها.

وأما التي بعد تلك فهى مبنية على أن المكان لا يتحرك (٣) ، والمسلم أن المكان لا يتحرك بذاته ، وأما أنه لا يتحرك لا بالذات (٤) ولا بالعرض فذلك غير مسلم ولا مشهود. فإن الجمهور لا يأبون أن يتحرك مكان الشيء ، فإنهم يرون الجرة مكانا ويجوزون لا محالة حركتها (٥).

وأما الحجة التي بعد هذه (٦) ، فهى أول (٧) شيء مبنية على عادات الجمهور ، وذلك ليس بحجة فى الأمور العقلية.

وثانيا أنه كما (٨) لا يمنع العامة أن تقول إن البعد (٩) المفطور فى الجرة فارغ ومملو (١٠) ، كذلك لا يمنع (١١) أن نقول (١٢) : إن (١٣) البسيط المقعر الذي فى الجرة فارغ ومملوء. على أن تفهم العامة المعنيين جميعا فإنهم (١٤) لا فتوى لهم (١٥) فى لفظ لم (١٦) تجر العادة بفهم معناه محصلا ويشبه أن يكونوا (١٧) إلى أن يطلقوا ذلك فى (١٨) البسيط المقعر ، أسرع منهم إلى غير ذلك. وذلك لأن المملو فى عرفهم هو الذي يحيط بشيء مصمت (١٩) فى ضمنه ، حتى يلاقيه من كل جهة ، ألا ترى أنهم يقولون فيما بينهم إن الجرة مملوة والزق مملو ، ولا يعرفون حال البعد الذي يدعونه فى داخل الجرة ، بل يصفون الحاوى بهذه (٢٠) الصفة ، والحاوى أشبه بالبسيط منه بالبعد فإن البعد لا يحيط بشيء ، بل ربما أحاط به ما يملؤه إن كان موجودا. فلذلك تجد العامة لا يتحاشون أن يقولوا إن الجرة مملوة ، وربما توقفوا عن أن (٢١) يقولوا : إن البعد الباطن مملو والجرة اسم الجوهر الخزف (٢٢) المعمول على شكل البسيط الباطن المحيط. ولو كان البسيط يقوم بنفسه لكان مقام هذه الجرة ولكانوا يقولون فى البسيط ما يقولونه فى الجرة. فقد بان أنهم إذا (٢٣) قالوا : إن (٢٤) الجرة فارغة ومملوة وجعلوا ذلك كقولهم : مكان ما فارغ أو مملو ، ذهبوا إلى المحيط. نعم إنما (٢٥) يمتنعون أن يقولوا فى البسيط المطلق :

__________________

(١) إن : وإن ط (٢) الجسم : الاسم ط.

(٣) لا يتحرك ... المكان : ساقطة من سا.

(٤) لا بالذات : ساقطة من ب ، د ، سا ، م.

(٥) حركتها : حركته سا ، ط ، م.

(٦) بعد هذه : بعده سا ، م ؛ هذه ط

(٧) أول : أولا ط. (٨) كما : ساقطة من م

(٩) البعد : للبعد ب (١٠) فارغ ومملو : مملوء فارغ ط ؛ مملو وفارغ م

(١١) لا يمنع : لا يمنعوا ط (١٢) نقول : يقولوا ط

(١٣) إن : + المفطور فى الجرة مملو إلى م. (١٤) فإنهم : فإنه ط

(١٥) لهم : ساقطة من سا (١٦) لم : ساقطة من م.

(١٧) يكونوا : يكون ط (١٨) فى : ساقطة من سا.

(١٩) مصمت : مضمن ب ، د ؛ يصمت سا.

(٢٠) بهذه : لهذه ط. (٢١) عن أن : بأن ط.

(٢٢) الخزف : ساقطة من سا. (٢٣) إذا : إذ ط

(٢٤) إن : ساقطة من ط. (٢٥) إنما : وإنما م.

١٤٣

إنه فارغ ومملو ، لأن البسيط المطلق ليس هو ، المكان ، بل المكان بسيط بشرط الإحاطة. وإذا (١) جعل بدل البسيط المطلق بسيط بهذه الصفة ، لم يتحاشوا عن ذلك.

وأما الحجة التي بعد هذه فمبناها على أن يصير المكان بعدا يجعل (٢) لكل جسم مكانا. وهو أمر صواب واجب وهذا التصويب (٣) شهوة من الشهوات ، فإنه إن لم يكن واجبا أن يكون كل جسم فى مكان وجوبا فى نفسه ، كان سعينا (٤) فى ايجابه سعيا باطلا ، وعسى أن يكون الأوجب (٥) لبعض الأجسام أن لا يكون فى مكان ، وإن كان واجبا (٦) لم يحتج إلى تدبير منا ولو كانت هذه المقدمة صحيحة (٧) ، وهو (٨) أن كل جسم فى مكان ، ولم يمكن (٩) أن يوجد لكل جسم حاو أو شيء من الأشياء المتوهمة مكانا غير البعد المفطور ، وكان البعد المفطور موجودا ، كانت الحاجة تمسنا إلى أن نقول بأن البعد مكان. وأما وليس شيء من ذلك واجبا (١٠) فما أشد تحريفنا (١١) فى أن نتمحل حيلة ، فيكون (١٢) لنا (١٣) أن نجعل كل جسم فى مكان ، ولنسلم أيضا أن كل جسم فى مكان ، فليس يجب أن يكون ذلك المكان هو البعد فإنه يجوز أن يكون هذا المعنى ليس بمكان لكنه لازم للمكان وعام لكل جسم عموم المكان. فإن عنى بهذا القول إنه يكون ـ ـ أشبه برأى الجمهور ، وأن (١٤) كل جسم فى مكان ، فليس ذلك حجة ، فإن نسبة هذا الرأى إلى الجمهور والذين (١٥) هم العامة من حيث لا يعتقدون مذهبا يذهبون إليه ، بل يعملون ويقولون على ما فى المشهور (١٦) أو الوهم ، كنسبة رأى آخر إليهم ، وهو أن كل موجود فى مكان ، وأنه (١٧) يشار إليه. وهذان الرأيان يتساويان فى أن العامة تنصرف عنهما بتبصير وتعريف يرد عليهم بعد الفطرة العقلية والوهمية. وقد عرفناك (١٨) أحوال هذه المقدمات حيث تكلمنا فى المنطق ، وبينا أنها وهميات دون عقلية (١٩) ، ولا يجب أن يلتفت إليها على أن حكمهم أن كل جسم فى مكان ليس فى تأكد حكمهم فى أن كل موجود إليه إشارة وله حيز (٢٠) ، ولا وهم يفهمون من التمكن غير ما يفهم من الوضع. ثم (٢١) لو كان هذا أيضا حقا ، لما وجب على ما بينا أن يكون ما قالوه حقا ، وكان يجوز أن يكون المكان أمرا غير البعد وكل واحد منهما مما يوجد لكل جسم ، فلا يكون وجود البعد ملاقيا لكل جسم دليلا على أنه مكان له إذ كان (٢٢) يجوز أن يكون شيئان موجودين (٢٣) لكل جسم وأحدهما دون الآخر مكان.

__________________

(١) وإذا : فإذا م. (٢) بعدا يجعل : بعد الجعل ط.

(٣) التصويب : التصوب ط. (٤) سعينا : سعيا ط ؛ شيئا م

(٥) الأوجب : إلا أوجب ط (٦) الأجسام ... واجبا ، ساقطة من ط.

(٧) صحيحه : واضحة ط ، م (٨) وهو : وهى م

(٩) يمكن : يكن م. (١٠) واجبا : ساقطة من سا

(١١) تحريفنا : تحريفا ط (١٢) فيكون : ليكون سا ، ط

(١٣) لنا : إنما سا. (١٤) وأن : أن ط.

(١٥) والذين : الذين ط (١٦) المشهور : المشهور ط.

(١٧) وأنه : بأنه د ، سا. (١٨) عرفناك : عرفنا سا ، م.

(١٩) عقلية : عقليات ط. (٢٠) حيز : خيرة م.

(٢١) ثم : + أنه ط. (٢٢) كان : ساقطة من ط

(٢٣) موجودين : موجودان م.

١٤٤

وأما الحجة التي بعد هذه ، فليعلم أن طلب النهاية على وجهين : طلب ممكن ، وطلب محال. فأما (١) الطلب المحال فهو أن يكون ذو الحجم يطلب أن يدخل بحجمه سطحا ونهاية جسم ، والطلب الممكن يطلب (٢) أن يلاقيه ملاقاة محاط به بمحيط (٣). وهذا المعنى يتحقق مع وضع النهاية مكانا ، ثم ليس إذا لم يطلب النهاية ، وجب أن يطلب ترتيبا فى أبعاد مرتبة (٤) ، بل ربما طلب ترتيبا فى الوضع فقط من غير حاجة أن يكون كل وضع فى بعد ، بل على أن يكون كل وضع هو نسبة ما بين جسم وجسم آخر تليه فى جهة ، ولا أبعاد إلا أبعاد الأجسام المتتالية.

فأما (٥) حجج أصحاب الخلاء فالجواب عن (٦) المبنى منها على التخلخل والتكاثف أن التكاثف (٧) على وجهين :

تكاثف باجتماع (٨) الأجزاء المنبثة فى هواء يتخللها بأن يخرج الهواء عن الخلل فتقوم الأجزاء مقامه من غير أن يكون هناك خلاء (٩) معه ، ويقابله تخلخل (١٠) وتكاثف يكون لا بأن الأجزاء المتفرقة اجتمعت ، بل بأن المادة نفسها تقبل حجما أصغر تارة وحجما أكبر أخرى ، إذ كان كلاهما أمرين عارضين له ، ليس أحدهما أولى به (١١) من الآخر.

فإذا (١٢) قيل حجما أصغر قيل إنه تكثف (١٣) ، ولمقابله (١٤) تخلخل (١٥). وهذا أمر تبين فى صناعة أخرى ، وإن (١٦) لم يبين (١٧) فى هذا الموضع لم يضر ، إذ تكون غاية (١٨) ذلك أن هذا القسم يبطل ويبقى ، ذلك القسم (١٩) الذي أجيب عنه ، وأما حديث إناء الرماد فهو كذب صرف ، ولو كان ذلك صحيحا كان الإناء كله خاليا لا رماد فيه أصلا. وأما حديث الزق والشراب فيجوز أن يكون المقدار الذي للزق لا يظهر تفاوته فى الحب حسا (٢٠) ، ويجوز أن يكون الشراب فيعصر فيخرج منه بخارا (٢١) وهواء (٢٢) فيصير أصغر (٢٣) ، ويجوز أن يصغر بتكاثف طبيعى أو قسرى على ما تعلمه. وأما حديث (٢٤) النامى ، فإن الغذاء (٢٥) ينفذ بقوته بين متماسين من (٢٦) أجزاء الأعضاء ويحركهما بالتبعية (٢٧) فيسكن (٢٨) بينهما فينفسح (٢٩) الحجم ، ولو كان الغذاء إنما ينفذ فى الخلاء لكان الحجم فى حال دخوله وقبله حجما واحدا لا زائدا. وأما حديث القارورة فإن الجواب (٣٠) عن ذلك مبنى على المذكور فى التخلخل والتكاثف وهو أنه من الجائز أن يكون الجسم يستفيد حجما أصغر ،

__________________

(١) فأما : وأما ط. (٢) يطلب (الثانية) : أن يطلب ط ؛ ساقطة من د.

(٣) محاط به محيط : محاط لمحيط ؛ محاط بالمحيط ط. (٤) مرتبة : مترتبة ط. (٥) فأما : وأما ط ، م

(٦) عن : على ط (٧) أن التكاثف : ساقطة من ط ، م.

(٨) باجتماع : اجتماع م. (٩) خلاء : الخلاء ط

(١٠) تخلخل : تخلل سا. (١١) به : ساقطة من م.

(١٢) فإذا : إذا ط (١٣) تكاثف : متكاثف ط

(١٤) ولمقابله : ولمقابلته ط (١٥) تخلخل : متخلخل ط

(١٦) وإن : فإن د ، ط ، م (١٧) يبين يبن م. (١٨) غاية : ساقطة من م

(١٩) القسم (الثانية) : الجسم م. (٢٠) حسا : حسنا م (٢١) بخارا : بخار م

(٢٢) وهواء : أو هواء م ؛ + فيصغر ط (٢٣) أصغر : + حاشية ط

(٢٤) حديث : حديثا ط (٢٥) الغذاء : + إنما ط.

(٢٦) من : عن ط (٢٧) ويحركهما بالتبعيد : يحركها التبعية سا

(٢٨) فيسكن : ليسكن ط (٢٩) فينفسح : فيفسح ط.

(٣٠) فإن الجواب : فالجواب ط.

١٤٥

وحجما أكبر ، وأن يكون من ذلك ما هو طبيعى ومنه ما هو قسرى (١). فكما أنه يجوز أن يسخن ويبرد ويكون منه ما هو طبيعى ومنه ما هو قسرى ، فكذلك (٢) الحال فى العظم والصغر. وإذا كان هذا جائزا لم يكن كل (٣) انتقاص جزء من جسم يوجب أن يبقى الباقى على حجمه الأول ، حتى يكون (٤) إذا أخذ جزء من هواء مائى للقارورة يجب أن يبقى الباقى (٥) على حجمه (٦) فيكون ماوراءه خلاء ، وإذا لم يجب هذا لم تجب تلك (٧) الحجة ، وإذا (٨) كان خلافه جائزا فجائز (٩) أن يكون الهواء بطبعه يقتضى حجما. ثم إنه يضطر فى حال إلى أن يصير أعظم بأن يقتطع منه جزء بالقسر من غير أن يجعل له (١٠) إلى استخلاف جسم بدل ما يقتطع منه وفى حجمه سبيل. وإذا (١١) كان اقتطاع ذلك الجزء منه لا يمكن أو ينبسط انبساطا يصير الباقى فى حجمه الأول لامتناع وقوع الخلاء ووجوب الملاء ، وكان هذا الانبساط ممكنا وكان للقاسر (١٢) قوة (١٣) تحوج إلى خروج هذا الممكن إلى الفعل بجذبه إياه فى جهة ولزوم (١٤) سطحه لما يليه فى جهة (١٥) ، وذلك بسط منه وتنظيم إياه بالقسر ، أطاع القاسر فانبسط انبساطا عظيما ، وصار بعض ما انبسط واقفا (١٦) خارج القارورة وهو الممصوص وبقى الباقى ملء (١٧) القارورة ضرورة قد (١٨) ملأها منبسطا لضرورة (١٩) الجذب الماص بقدر القارورة (٢٠). فإذا زال ذلك المص ، وجاز أن يرجع إلى قوامه (٢١) الأول بأن يجذب ماء أو هواء إلى شغل المكان الذي يتحرك عنه متقلصا ، عاد إلى قوامه. ونحن إذا نفخنا فى القارورة ، ثم كببناها (٢٢) على الماء ، خرجت منها ريح كثيرة يبقبق (٢٣) منها (٢٤) الماء ، ثم عاد الماء (٢٥) فدخل فيها ، فيعلم أنا قد أدخلنا فيها بالقسر شيئا لا محالة ، ولما زال القسر خرج. وذلك لا يخلو إما أن يكون دخول ما أدخلناه بالقسر هو بنفوذه فى الخلاء ، أو يكون على سبيل التكاثف من الموجود الذي (٢٦) كان فيه حصل (٢٧) للمدخل بالقسر مكان ويكون ذلك التكاثف على سبيل التكاثف (٢٨) الذي نقوله نحن ونرى أن القسرى (٢٩) منه أن يعود إلى الطبيعى (٣٠) عند زوال القاسر. فإن كان على سبيل نفوذ فى الخلاء حتى حصل فى ذلك المكان منه ، وليس ذلك المكان له بقسرى ولا مبغضا (٣١) لجسم هوائى (٣٢) يملؤه فينفيه عنه ويدفعه ، ولا من طبيعة

__________________

(١) ما هو قسرى : ما قسرى م. (٢) فكذلك : وكذلك سا (٣) كل : ساقطة من سا. (٤) يكون : ساقطة من سا ، ط ، م. (٥) الباقى : ساقطة من ب ، د (٦) حجمه : + الأول ط (٧) تلك : + فى سا (٨) وإذا : فإذا ط. (٩) جائزا فجائر : جائز د. (١٠) له : ساقطة من م

(١١) وإذا : فإذا سا ، ط ، م. (١٢) للقاسر : القاسر سا ، م

(١٣) قوة : قوما سا (١٤) ولزوم : لزوم سا. (١٥) ولزوم ... جهة : ساقطة من د. (١٦) واقفا : واقعا د ، ط

(١٧) ملء : مثل د ، سا ، ط ، + ملاء ط. (١٨) قد : وقد ط

(١٩) لضرورة : بضرورة سا. (٢٠) بقدر القارورة : ساقطة من سا.

(٢١) قوامه : + الأول ط. (٢٢) كببناها : أكببناها فينفيه.

(٢٣) يبقبق : ينبصق ط (٢٤) منها : منه ب ، د ، سا ، ط

(٢٥) الماء (الثانية) : ساقطة من م. (٢٦) الذي : ساقطة من ب ، د ، سا ، ط

(٢٧) حصل : يتصل م. (٢٨) كان فيه ... سبيل التكاثف : ساقطة من سا.

(٢٩) القسرى : للقسرى د ، ط (٣٠) الطبيعى : طبيعى ط. (٣١) مبغضا : ممغصا ط

(٣٢) هوائى : هو إلى ط.

١٤٦

الهواء أن ينزل متسفلا عن خلاء يحصل فيه نزولا مندفعا (١) فى الماء ، فينبغى أن لا يحتاج الهواء إلى أن يفارقه ويتخلص عنه (٢). فإن (٣) كان الخلاء هو الذي يأباه ، فلم لا يأتى الهواء الآخر ، وإن كان الماء يأباه فلم (٤) إذا أحكم (٥) المص ثم ترك حتى يخرج من الهواء ما من شأنه أن يخرج ، وكب سريعا على الماء ، دخله الماء ، فإن كان الخلاء يأبى أن يشغله الهواء ويدفعه فلأن يأبى جذب الماء (٦) أولى ، فلعل الخلاء يبغض الهواء بطبيعته (٧) ، ويجذب الماء (٨) فلم يترك الماء المنفوش فى الهواء الشاغل لخلل (٩) الهواء الخالية (١٠) ينزل ، وإن كان ثقله يغلب جذب (١١) ذلك الخلاء ، فلم ثقل الماء المكب (١٢) عليه القارورة لا يغلب الخلاء ، بل ينجذب (١٣) ، وإمساك الثقيل المشتمل عليه أصعب (١٤) من إشالة (١٥) الثقيل المباين (١٦). فإذا استبانت استحالة هذا القسم ، بقى أن السبب فيه (١٧) التجاء الهواء (١٨) إلى حجم أصغر للانضغاط ، فإذا زال انبسط (١٩) إلى حجمه ، ولأجل أن هناك سببا آخر يقتضى حجما أكبر وهو التسخن والتلطف ، بقسر تحريك النفخ إن (٢٠) كان ممنوعا عن مقتضاه بالضغط الذي يكثفه (٢١) أشد من تلطيف هذا ، وقد زال العائق ، فاقتضى السخونة العارضة أن يصير الهواء أعظم حجما من الحجم الذي كان قبل النفخ ، ومن أجل أن تلك السخونة عرضية بهذا ، وتزول ، وينقبض الهواء إلى الحجم الذي اقتضته (٢٢) طبيعته لو لم تكن تلك السخونة ، فيعود الماء فيدخل لاستحالة (٢٣) وقوع (٢٤) الخلاء. فلهذا ما تشاهد من أن المنفوخ بالقوة أو لا يتبقبق (٢٥) منه هواء يخرج ، ثم يأخذ فى جذب الماء إلى نفسه ، كما لو سد فم القارورة بإصبع (٢٦) وسخنت بنار حارة لا تكسرها ، ثم أكبت (٢٧) على (٢٨) لماء ، عرض أولا تبقبق ثم امتصاص منها للماء.

وأما الجواب عن الحجة التي بعد هذه (٢٩) ، فمناسب لهذا الجواب ، وذلك لأن المتحرك يدفع ما يليه من قدام من الهواء ، ويمتد ذلك إلى حيث (٣٠) لا يطيع فيه الهواء المتقدم للدفع (٣١) ، فيتلبد الموج (٣٢) بين المندفع وغير المندفع (٣٣) ، ويضطر إلى قبول حجم أصغر ، وما خلفه يكون بالعكس ، فيكون بعضه ينجذب معه ، وبعضه يعصى فلا ينجذب (٣٤) فيتخلخل

__________________

(١) مندفعا : متدافعا ط. (٢) عنه : منه ط

(٣) فإن : وإن ط (٤) لا يأتى ... فلم : ساقطة من ط

(٥) أحكم : حكم ط ، م. (٦) جذب الماء : + ويكون ط

(٧) بطبيعته : فطبيعته سا ، بطبعه ط. (٨) فإن كان ... الماء : ساقطة من م.

(٩) لخلل : على تخلخل م (١٠) الخالية : + أن ط (١١) جذب : حدث د (١٢) المكب : المكبوب ط ، م.

(١٣) ينجذب : يحدث د (١٤) أصعب : أسهل م

(١٥) من إشالة : وإشالة سا (١٦) المباين : البائن ط.

(١٧) فيه : + هو ط (١٨) الهواء : ساقطة من سا

(١٩) انبسط : انبساط م. (٢٠) إن : ساقطة من سا.

(٢١) يكثفه : يكتنفه سا. (٢٢) اقتضته : اقتضاء ب ، د ، سا ، ط.

(٢٣) لاستحالة : الاستحالة ط (٢٤) وقوع : وجود م.

(٢٥) يتبقبق : تبقبق م (٢٦) بإصبع : إصبع م.

(٢٧) أكبت : كببت ط ، كبت م (٢٨) على : عليها م.

(٢٩) هذه : + الحجة ط. (٣٠) حيث : حين بخ ، سا

(٣١) للدفع : سلطة من م (٣٢) الموج : المموج ط (٣٣) وغير المتدفع : ساقطة من م.

(٣٤) فلا ينجذب : ولا ينجذب ط.

١٤٧

ما بينهما إلى حجم أكبر ، يحدث من ذلك وقوف معتدل عند قوام معتدل (١) : فليكفنا (٢) هذا القدر من الكلام فى المكان (٣) ، ولنتكلم (٤) الآن فى الزمان.

[الفصل (٥) العاشر]

ى ـ فصل

فى ابتداء القول فى الزمان واختلاف الناس فيه

ومناقضة المخطئين فيه

إن النظر فى أمر الزمان مناسب للنظر فى أمر المكان ، لأنه من الأمور التي تلزم كل حركة ، والحال فى اختلاف الناس فى وجوده وماهيته كالحال فى المكان. فمن الناس من نفى أن يكون للزمان (٦) وجود البتة ، ومنهم من جعل له وجودا لا على أنه (٧) فى الأعيان الخارجة (٨) البتة بوجه من الوجوه ، بل على أنه أمر متوهم (٩) ، ومنهم من جعل له وجودا لا على (١٠) أنه أمر واحد فى نفسه ، بل على أنه نسبة ما على جهة ما لأمور (١١) أنها كانت إلى أمور أنها كانت. فقال إن الزمان هو مجموع أوقات ، والوقت عرض حادث يعرض (١٢) وجود عرض آخر مع وجوده بحضور (١٣) ، فهو وقت للآخر أى عرض حادث كان ، ومنهم (١٤) من جعل للزمان وجودا وحقيقة قائمة ، فمنهم من جعله جوهرا قائما بذاته. فأما (١٥) من نفى وجود الزمان ، فقد تعلق بشكوك من ذلك أن (١٦) الزمان إن كان موجودا ، فإما أن يكون شيئا منقسما ، أو يكون شيئا غير منقسم ، فإن كان غير منقسم فمستحيل (١٧) أن يكون منه سنون (١٨) وشهور وساعات وماض (١٩) ومستقبل

__________________

(١) عند قوام معتدل : ساقطة من د

(٢) فليكفنا : فليكفينا ط

(٣) المكان : ساقطة من سا.

(٤) ولنتكلم : فلنتكلم سا ، ط ، م.

(٥) فصل : فصل ى ب ، الفصل العاشر م.

(٦) للزمان : الزمان م.

(٧) وجود الاعلى أنه : وجود إلا سا ، وجودا إلا على أنه ط

(٨) الخارجة : الخارجية د ، ط

(٩) متوهم : يتوهم م.

(١٠) لا على : إلا على ط

(١١) لأمور : الأمور ط.

(١٢) يعرض : يفرض ط ، + على م

(١٣) بحضور : + بل مع طوع الشمس ط.

(١٤) ومنهم : منهم م

(١٥) فأما : أما د.

(١٦) أن (الأولى) : ساقطة من د.

(١٧) فمستحيل : فيستحيل ط

(١٨) سنون : سنين ب ، د (١٩) وما ص : وماضى ب ، د ،.

١٤٨

وإن كان منقسما ، فإما أن يكون موجودا بجميع أقسامه أو ببعضها (١). فإن كان موجودا بجميع أقسامه ، وجب أن يكون الماضى والمستقبل منه موجودين معا (٢). وإن كان بعض أقسامه موجودا وبعضها (٣) معدوما ، فلا يخلو إما أن تكون القسمة التي تعتبر اياها تعتبر واقعة (٤) على سبيل الحاضر والمستقبل والماضى (٥) ، أو واقعة على سبيل الساعات والأيام وما أشبه ذلك. فأما (٦) الماضى والمستقبل فكل (٧) واحد منهما باتفاق من مثبتى الزمان معلوم ، وأما الحاضر فإن كان منقسما وجبت المسألة بعينها ، وإن كان غير منقسم كان الأمر الذي يسمونه آنا (٨) ، وليس بزمان. ومع ذلك فإنه (٩) لا يجوز أن يوجد بالفعل ، ولو وجد (١٠) بالفعل لم يخل إما أن يبقى وإما أن يعدم ، فإن بقى كان منه شيء متقدما وشيء متأخرا ولم يكن كله آنا (١١) وكان الماضى والمستقبل معا فى آن واحد ، وهذا (١٢) محال ، وإن عدم لم يخل إما أن يعدم فى آن يليه لا زمان بينهما ، وإما أن يعدم فى آن بينه وبينه زمان ، فإن عدم فى آن بينه وبين زمان لزم أن يبقى زمانا وقد أبطلنا ذلك ، وإن عدم فى آن يليه كان الآن يلى الآن على الاتصال من غير تخلل زمان بينهما ، وهذا مما (١٣) يمنعه مثبتو الزمان. ثم بالجملة كيف يكون للزمان وجود ، وكل زمان (١٤) نفرضه (١٥) فقد يتحدد عند فارضه بآنين : آن ماض ، وآن هو بالقياس إلى الماضى مستقبل. وعلى كل (١٦) حال لا يصح أن يوجدا معا ، بل يكون (١٧) أحدهما معدوما ، وإذا كان معدوما فكيف يصح وجود ما يحتاج إلى طرف هو معدوم فكيف يكون للشيء طرف هو معدوم. وبالجملة كيف (١٨) يكون شيء واصلا بين معدوم وموجود.

فهذه هى الشبه القوية التي يتعلق بها من ينفى (١٩) الزمان. ويقولون أيضا : إنه إن كان لا بد للحركة فى أن تكون حركة من أن يكون لها زمان ، وليس تحتاج هذه الحركة فى أن تكون حركة إلى أن يكون جسم آخر يتحرك أيضا غير جسمها ، بل ربما احتيج إلى ذلك فى بعض الأمور ، لا أن تكون حركة ، بل لأن موجودها يحتاج فى فى أن يحرك إلى أن يتحرك ، وهذا ليس من شرط الحركة بما هى حركة ولا من لوازمها. فإذا (٢٠) كان كذلك فأية (٢١) حركة فرضتها موجودة ، يلزمها من حيث هى حركة أن يكون لها زمان ، ولا يلزمها من حيث هى حركة أن

__________________

(١) أو ببعضها : أو بعضها ط ، م. (٢) معا : + وهذا محال ط

(٣) وبعضها : وبعضه م. (٤) واقعة : مانعة ط

(٥) والماضى : ساقطة من سا. (٦) فأما : وأما سا

(٧) فكل : وكل د. (٨) آنا : آناء م.

(٩) فإنه : ساقطة من ط (١٠) ولو وجد : فلو وجد د.

(١١) آنا : آناء م (١٢) وهذا : هذا ط.

(١٣) مما : ما د. (١٤) وكل زمان : ساقطة من سا

(١٥) نفرضه : تعرضه ط.

(١٦) كل : ساقطة من م

(١٧) يكون : ساقطة من سا.

(١٨) كيف : فكيف ط.

(١٩) ينفى : نفى ط.

(٢٠) فإذا : وإذا ط

(٢١) فأية : فأى سا.

١٤٩

تكون هناك حركة أخرى. وإذا كان كذلك ، كان كل حركة مستتبعة (١) زمانا على حدة غير موقوف على حركة أخرى ، كما يستتبع مكانا على حدة ، ولا يكون لها زمان واحد إلا على نحو ما يكون لها مكان واحد أى الواحد (٢) بالعموم. وليس كلامنا فى ذلك ، فإذا كانت الحركات معا كانت أزمنتنا لا محالة معا ، ولا يخلو إما أن تكون معيتها فى المكان أو فى الموضوع أو فى الشرف أو فى الطبع أو فى شيء آخر ، غير المعية في الزمان. لكن جميع وجوه «معا» لا يمنع أن يكون بعضها (٣) قبل وبعضها بعد أى بعضها يكون موجودا وبعضها معدوما (٤). فبقى أن تكون معيتها المعية التي بالزمان (٥) ، والمعية التي بالزمان هى أن تكون أشياء كثيرة فى زمان واحد أو فى آن (٦) واحد هو (٧) طرف زمان واحد فيجب من ذلك أن تكون للأزمنة (٨) الكثيرة زمان واحد ويكون الكلام فى جميع ذلك الزمان معها فى هذا المعنى كالكلام فى التي هى مجموعة فيه ، فيلزم (٩) أن تكون (١٠) أزمنة بلا نهاية معا. وعندكم أن الأزمنة تتبع الحركات. فيلزم أن تكون حركات لا نهاية لها معا ، فيلزم أن تكون متحركات لا نهاية لها معا ، فيلزم أن تكون أجسام (١١) لا نهاية لها معا. وهذا من المستحيل الذي يدفعونه ويمنعون وجوده. فمن جهة (١٢) هذه الشكوك ووجوب أن يكون للزمان وجود اضطر كثير من الناس إلى أن جعل للزمان نحوا من الوجود آخر وهو الوجود (١٣) الذي يكون فى التوهم. والأمور التي من شأنها أن توجد فى التوهم ، هى (١٤) الأمور التي تلحق المعانى إذا عقلت ونوسب بينها ، فتحدث هناك صور نسب إنما وجودها فى الوهم فقط ، فجعلوا الزمان شيئا ينطبع فى الذهن من نسبة المتحرك (١٥) إلى طرفى مسافته اللذين (١٦) هو بقرب أحدهما بالفعل وليس يقرب الآخر بالفعل إذ فى حصوله هناك لا يصح (١٧) مع حصوله هاهنا فى الأعيان. لكن (١٨) يصح (١٩) فى النفس فإنه يوجد فى النفس تصورهما وتصور الواسطة بينهما معا فلا يكون (٢٠) فى الأعيان أمر موجود يصل بينهما ، ويكون فى التوهم أمر ينطبع فى الذهن ، إن بين وجوده (٢١) هاهنا وبين وجوده هناك شيئا (٢٢) فى مثله يقطع هذه المسافة بهذه (٢٣) السرعة أو البطء التي (٢٤) لهذه الحركات أو لهذا العدد من الحركات والسكونات المتركبة (٢٥) فيكون

__________________

(١) مستتبعة : مستتبعا سا ، ط ، م. (٢) الواحد : واحد م.

(٣) وبعضها : والبعض ب ، د ، سا ، وبعض م

(٤) معدوما : معدوم م. (٥) والمعية التي بالزمان : ساقطة من سا ، م

(٦) أو فى آن : وآن ط ، أو فى م

(٧) هو : وهو د. (٨) للأزمنة : الأزمنة سا.

(٩) فيلزم (الأولى) ، : فلزم ط (١٠) تكون : ساقطة من سا.

(١١) أجسام : أجساما ط. (١٢) جهة : + وجود ط.

(١٣) الوجود (الثانية) : ساقطة من م. (١٤) هى : ساقطة من م.

(١٥) المتحرك : للمتحرك م (١٦) اللذين : الذين ب.

(١٧) لا يصح : لا يوجد سا ، م (١٨) لكن : ولكن ط ، م.

(١٩) يصح : ساقطة من سا (٢٠) فلا يكون : ولا يكون ط ، م.

(٢١) وبين وجوده : ووجود د ، سا. (٢٢) شيئا : شىء ب ، د ، سا.

(٢٣) المسافة بهذه : ساقطة من م (٢٤) التي : اللذين ط ، الذي م.

(٢٥) المتركبة : المركبة ط ، م.

١٥٠

هذا تقديرا لتلك الحركة لا وجود له ، لكن الذهن يوقعه فى نفسه لحصول (١) أطراف الحركة فيه بالفعل معا ، مثل ما أن الحمل والوضع والمقدمة وما جرى هذا المجرى أشياء يقضى بها الذهن على الأمور المعقولة ، ومناسبات بينها (٢) ، ولا يكون فى الأمور الموجودة شيء منها :

وقالت الطائفة التي ذكرناها بديا : إن الزمان ليس إلا مجموع أوقات ، فإنك إذا رتبت أوقاتا متتالية وجمعتها ، لم تشك أن مجموعها الزمان. وإذا كان كذلك ، فإذا عرفنا الأوقات عرفنا الزمان. وليس الوقت إلا ما يوجبه الموقت ، وهو أن يعين مبدأ عارض يعرض ، فنقول مثلا : يكون كذا بعد يومين ، معناه أنه يكون مع طلوع الشمس بعد طلوعين (٣) ، فيكون الوقت طلوع الشمس ، ولو جعل بدله : قدوم زيد لصلح فى ذلك صلوح طلوع الشمس ، فإذن إنما صار طلوع الشمس وقتا يتعين القائل إياه ، ولو شاء لجعل غيره وقتا. إلا أن طلوع الشمس قد كان أعم وأعرف وأشهر ، ولذلك (٤) اختير ذلك وما يجرى مجراه للتوقيت (٥) : فالزمان هو جملة أمور هى أوقات مؤقتة. أو من شأنها أن تجعل أوقاتا موقتة ، قالوا (٦) : وإن (٧) الزمان على غير هذا الوجه لا وجود له ، يعرف ذلك من الشكوك المذكورة. وقالت طائفة : إن الزمان جوهر أزلى وكيف لا يكون جوهرا وهو واجب الوجود ، فإن وجوب وجوده بحيث لا يحتاج فيه إلى إثبات بدليل ، بل كلما حاولت أن ترفع الزمان (٨) وجب أن تثبت الزمان ، لأنك ترفعه قبل شيء وبعد (٩) شيء ، ومهما فعلت ذلك فقد أوجدت مع رفعه قبلية وبعدية (١٠) فتكون قد أثبت الزمان (١١) مع رفعه ، إذ (١٢) القبلية والبعدية التي تكون على هذه الصورة لا تكون إلا الزمان أو بزمان. فالزمان واجب (١٣) الوجود وما كان واجب الوجود فلا يجوز أن يرفع وجوده ، وما لا يجوز أن يرفع وجوده (١٤) فليس بعرض وما كان موجودا وليس بعرض فهو جوهر (١٥) ، وإذا كان جوهرا واجب الوجود (١٦) فهو جوهر أزلى. قالوا : وإذا كان واجب الوجود استحال أن يتعلق وجوده بالحركة ، فجائز أن يوجب الزمان ، وأن لم توجد الحركة ، فالزمان عندهم تارة يوجد مع الحركة فيقدر الحركة تارة مجردا فحينئذ يسمى (١٧) دهرا.

فهذه هى الشكوك المذكورة فى أمر الزمان ، والأولى بنا أن ندل أولا على نحو (١٨) وجود الزمان وعلى ماهيته ،

__________________

(١) لحصول : بحصول سا. (٢) بينها : منها م.

(٣) طلوعين : طلق عين ط. (٤) ولذلك : وكذلك سا

(٥) مجراه للتوقيت : مجرى التوقيت م. (٦) قالوا : وقالوا ط

(٧) وإن : إن ط. (٨) الزمان : ساقطة من د.

(٩) وبعد : أو بعد سا ، ط ، م

(١٠) قبلية وبعدية : قبلية أو بعيدة سا ، م ، قبليته أو بعديته ط.

(١١) الزمان : للزمان م (١٢) إذ : إذا ط.

(١٣) واجب : بواجب ط (١٤) وما لا يجوز أن يرفع وجوده : ساقطة من م.

(١٥) جوهر (الأولى): + قالوا ط ، م

(١٦) الوجود : + قالوا سا.

(١٧) فحينئذ يسمى : ينبغى حينئذ ط ، حينئذ يسمى م.

(١٨) نحو : ساقطة من سا.

١٥١

بأن نجعل الطريق إلى وجوده من ماهيته. ثم نكر على هذه الشبه (١) فنحلها. ونقول (٢) : إن الذين أثبتوا وجود الزمان معنى واحدا فقد اختلفوا أيضا ، فمنهم من جعل الحركة زمانا ، ومنهم من جعل حركة الفلك زمانا دون سائر الحركات ، ومنهم من جعل عودة الفلك زمانا أى دورة واحدة ، ومنهم من جعل نفس الفلك زمانا. فأما الذين جعلوا الحركة نفسها زمانا ، فقالوا : إن الحركة من بين ما نشاهده من الموجودات هى التي تشتمل على شيء ماض وشيء (٣) مستقبل وفى طبيعتها أن يكون لها دائما جزءان (٤) بهذه الصفة ، وما كان بهذه الصفة فهو الزمان قالوا (٥) : ونحن (٦) إنما نظن أنه كان زمان (٧) ، إذا أحسسنا (٨) بحركة ، حتى أن المريض والمغتم يستطيلان زمانا يستقصره (٩) المتمادى فى البطر لرسوخ الحركات المقاسات (١٠) فى ذكر هذين ، وانمحائها من ذكر المتلهى (١١) عنها بالبطر (١٢) والغبطة. ومن لا يشعر بالحركة لا يشعر (١٣) بالزمان ، كأصحاب الكهف فإنهم لما لم يشعروا بالحركات التي بين آن ابتداء لقائهم أنفسهم للاستراحة بالنوم ، وآن انتباههم لم يعلموا أنهم زادوا على يوم واحد ، فقد (١٤) حكى المعلم الأول أيضا أن قوما من المتألهين عرض لهم شبيه (١٥) بذلك ويدل التاريخ على أنهم كانوا قبل أصحاب الكهف.

فهذه هى الأقوال السالفة قبل نضج الحكمة فى أمر الزمان ، وكلها غير صحيح. أما أن الحركة ليست زمانا فلأنه قد يكون حركة أسرع وحركة أبطأ ، ولا يكون زمان (١٦) أسرع من زمان وأبطأ (١٧) ، بل أقصر وأطول ، وقد يكون حركتان معا ولا يكون زمانان معا. وأنت تعلم أنه قد تحصل حركتان مختلفتان (١٨) معا فى زمان واحد وزمانهما لا يختلف ، والحركة فصولها (١٩) غير فصول الزمان ، والأمور المنسوبة إلى الزمان مثل هو ذى (٢٠) ونعته (٢١) ، والآن وآنفا ليست هى من ذات الحركة فى شيء ، والزمان يصلح أن يؤخذ (٢٢) فى حد الحركة السريعة جزءا من الفصل ، والحركة لا تصلح أن تؤخذ (٢٣) كذلك بل تؤخذ على أنها جزء متقدم. فإنه يصلح أن يقال : إن السريع هو الذي يقطع مسافة أطول فى زمان أقصر ، ولا يصح (٢٤) أن يقال فى حركة (٢٥) أقصر. وحكم الحركة الأولى الفلكية هذا الحكم بعينه ، فإنها يصلح (٢٦)

__________________

(١) الشبه : الشبهة ط (٢) ونقول : فنقول م.

(٣) شيء : ساقطة من د. (٤) جزءان : خبران ط.

(٥) قالوا : وقالوا ط (٦) ونحن : نحن ط

(٧) زمان : زمانا ط (٨) أحسسنا : أحسنا سا ، ط ، م

(٩) يستقصره : يقصره ط. (١٠) المقاسات : المقاساة ب ، سا ، بالمقاسات ط

(١١) المتلهى : الملتهى ب ، د (١٢) بالبطر : بالنظر م.

(١٣) بالحركة لا يشعر : ساقطة من ط.

(١٤) فقد : وقد سا ، أو قد ط. (١٥) شبيه : شبه م.

(١٦) زمان (الأولى) : زمانا ط ، حركة م

(١٧) وأبطأ : إلا أبطأ ط. (١٨) مختلفتان : ومختلفتان م.

(١٩) فصولها : فصولهما م (٢٠) ذى : ذام ، مثل ذى د

(٢١) ونعته : أو بغتته ط. (٢٢) يؤخذ : يوجد م.

(٢٣) تؤخذ (الأولى والثانية) : يوجد سا ، م. (٢٤) ولا يصح : ولا يصلح ط

(٢٥) فى حركة : ساقطة من سا. (٢٦) أقصر ... يصلح : ساقطة من سا.

١٥٢

أن يقال فيها إنها أسرع الحركات ، لأنها تقطع مع قطع الحركة الأخرى أعظم مع ما فى هذا مما نتكلم فيه بعد.

وهذه المعية تدل على أمر غير الحركتين ، بل تدل على معنى ينسبان كلتاهما إليه ويتساويان فيه (١) ويختلفان فى المسافة.

وذلك المعنى ليس ذات أحدهما ، لأن الثاني لا يشارك الآخر فى ذاته ويشاركه فى الأمر الذي هما (٢) فيه معا.

ويمكن من هذا الموضع (٣) أن يظهر فساد قول (٤) من جعل الأوقات أعراضا تؤقت لأغراض ، وذلك لأنهم لا يجعلون نفس ذلك العرض (٥) الحادث من حيث هو حركة أو سكون (٦) أو سواد (٧) أو بياض أو غير ذلك وقتا ، ولكن يضطرون إلى أن يقولوا إنه يصير وقتا بالتوقيت ، ويضطرون إلى أن (٨) يكون التوقيت يقرن (٩) وجود شيء آخر مع وجوده. وهذا الاقتران (١٠) وهذه المعية يفهم منها ضرورة معنى غير معنى (١١) كل واحد من العرضين ، وكل مقترنين (١٢) يقترنان (١٣) فى شيء وكل معين فهما (١٤) فى أمر مامعا ، فإذا كان وجودهما معا أو وجود واحد منهما (١٥) مؤقتا بأنه (١٦) مع وجود الآخر ، فالمفهوم (١٧) من المعية هو أمر ما لا محالة ليس هو مفهوم أحدهما ، وهذه المعية مقابلة لمعنى أن لو تقدم أحدهما أو تأخر. وهذا الشيء الذي فيه (١٨) المعية هو الوقت الذي (١٩) يجمع الأمرين. فكل (٢٠) واحد منهما يمكن (٢١) أن يجعل دالا عليه ، كما لو كان غير ذلك الأمر (٢٢) مما يقع فى ذلك الوقت ، ولو كان ذلك الأمر فى نفسه وقتا لكان إذا بقى مدة وهو واحد بعينه وجب أن تكون مدة البقاء وابتداؤها (٢٣) وقتا واحدا بعينه. ونحن نعلم أن الوقت المؤقت هو حد بين متقدم ومتأخر وأن المتقدم والمتأخر بما هو متقدم ومتأخر لا يختلف ، وبما هو حركة أو سكون أو غير ذلك يختلف. فليس (٢٤) كونه عرضا ككونه حركة أو سكونا ، هو (٢٥) كونه متقدما أو متأخرا أو معا ، بل حقيقة التقدم والتأخر والمعية أمر آخر ، هو حال الزمان.

وأما الحجة التي اعتمدها جاعلو الزمان حركة ، فهى مبنية على مقدمة غير مسلمة وذلك قولهم : إن كل ما يقتضى أن يكون فى طبيعته شيء ماض وشيء مستقبل فهو زمان ، فإن هذا (٢٦) غير مسلم ، فإن كثيرا مما ليس بزمان (٢٧)

__________________

(١) فيه : + معا ط. (٢) هما : وهما ط.

(٣) الموضع : الوضع ط (٤) قول : ساقطة من سا.

(٥) العرض : ساقطة من ط (٦) سكون : كون ب ، د ، سا ، م

(٧) أو سواد : أو فساد م. (٨) يقولوا ..... إلى أن : ساقطة من سا

(٩) يقرن : تقرين سا ، ط ، تقدير م. (١٠) الاقتران : الإقران ط ، الافتراق م

(١١) معنى (الثانية) : ساقط من م (١٢) مقترنين : مقرنين د ، سا ، م.

(١٣) يقترنان : يقرنان د ، سا (١٤) فهما : فيهما سا

(١٥) منهما : منها ط (١٦). بأنه : فإنه سا.

(١٧) فالمفهوم : بالمفهوم سا. (١٨) فيه : منه سا

(١٩) الذي (الثانية) : ساقطة من م (٢٠) فكل : وكل د ، م

(٢١) يمكن : ساقطة من د. (٢٢) الأمر : لأمر ط.

(٢٣) وابتداؤها : ابتداؤها ط. (٢٤) فليس : ساقطة من م.

(٢٥) هو : وهو ط. (٢٦) فإن هذا : لهذا م (٢٧) بزمان : زمان سا.

١٥٣

هو ماض ومستقبل ، وهو كالطوفان والقيامة ، بل يجب أن يكون مع هذا شرط آخر ، وهو أن يكون لذاته ما هو بحيث منه الشيء الذي هو نفس الماضى أو نفس المستقبل حتى تكون طبيعته (١) الأمر الذي إذا قيس إلى أمر آخر كان لذاته حينئذ ماضيا أو مستقبلا. والحركة إذا مضت لم يكن نفس وجودها حركة هى أنها (٢) ماضية ، بل تكون قد قارنت الماضى. ولذلك (٣) يصح أن يقال : حركة فى زمان ماض ، ولا يجوز أن يقال حركة فى حركة ماضية ، اللهم إلا أن يعنى فى جملة الحركات الماضية ، وليس قصدنا هذا بل أن يكون الشيء مطابقا لوجود ذلك الذي هو فيه.

وأما القائلون بأن الزمان هو دورة واحدة من الفلك ، فنبين إحالته بأن كل جزء زمان ، زمان وجزء الدورة ليس دورة (٤). وأبعد من هذا كله ظن أن الزمان هو الفلك بقياس من موجبتين (٥) فى الشكل (٦) الثاني ، على أن إحدى المقدمتين فيه كاذبة وهى قوله وكل جسم فى فلك ، فإنه ليس كذلك ، بل الحق إن كل جسم ليس بفلك هو فى فلك. وأما الذي فى (٧) الزمان (٨) فلعله هو كل جسم مطلقا فإن الفلك نفسه أيضا فى زمان على النحو الذي تكون الأجسام فى الزمان عليه.

وإذ قد أشرنا إلى المذاهب الباطلة فى ماهية الزمان ، فحقيق بنا أن نشير إلى ماهية الزمان ، فيتضح (٩) لنا من هناك وجوده ويتضح حل (١٠) الشبه (١١) المذكورة فى وجوده.

__________________

(١) طبيعته : طبيعة سا.

(٢) أنها : أنه د.

(٣) ولذلك : وكذلك سا ، م.

(٤) دورة : بدورة ط

(٥) موجبتين : موجبين سا.

(٦) الشكل : السطر سا.

(٧) فى (الثانية) : ساقطة من سا

(٨) الزمان : ساقطة من د ، سا.

(٩) فيتضح : ثم يتضح ط.

(١٠) حل : حال : ، سا

(١١) الشبه : الشبهة ط.

١٥٤

[الفصل (١) الحادى عشر]

ك ـ فصل

فى تحقيق ماهية الزمان واثباتها

فنقول (٢) : إن من البين الواضح أنه قد (٣) يجوز أن يبتدئ متحركان بالحركة وينتهيا معا ، وأحدهما يقطع مسافة أقل والآخر مسافة أكثر ، إما لاختلاف (٤) البطء والسرعة ، أو لتفاوت (٥) عدد السكونات المتخللة ، كما يراه قوم ويجوز أن يبتدئ اثنان ويقطعا مسافتين متساويتين لكن أحدهما ينتهى إلى آخر المسافة والآخر (٦) لم ينته وذلك للاختلاف المذكور ، ويكون فى كل حال من الأحوال من مبتدأ (٧) كل حركة إلى منتهاها إمكان قطع تلك المسافة بعينها بتلك الحركة المعينة السرعة والبطء ، والمعينة (٨) التركيب مع السكون ، وإمكان قطع أعظم من تلك المسافة ، بالأسرع منها أو الأقل (٩) مخالطة سكونات ، وإمكان قطع أقل منها (١٠) بالأبطإ من تلك أو الأكثر (١١) مخالطة سكونات ، وإن ذلك لا يجوز أن يختلف البتة ، فقد ثبت بين المبدأ والمنتهى إمكان محدود بالقياس إلى الحركة وإلى السرعة.

وإذا فرضنا نصف تلك المسافة وفرضنا السرعة بعينها والبطء (١٢) بعينه كان امكان (١٣) آخر بين ابتداء تلك المسافة ومنتهى نصفها انما يمكن (١٤) فيه قطع النصف بذلك (١٥) السرعة والبطء (١٦) (١٧) وكذلك بين هذا المنتهى المنصف (١٨) المفروض الآن وبين المنتهى الأول. فيكون الإمكان إلى النصف ومن النصف يتساويان (١٩) ، فكل (٢٠) واحد منهما نصف الإمكان (٢١) المفروض أولا ، فيكون (٢٢) الإمكان المفروض أولا منقسما.

__________________

(١) فصل : فصل ك ب ، الفصل الحادى عشر م.

(٢) فنقول : نقول د ، م

(٣) قد : ساقطة من ط.

(٤) لاختلاف : الاختلاف م

(٥) أو لتفاوت : وإما لتفاوت سا ، ط ، م.

(٦) والآخر : + بعد د ، سا ، ط ، م.

(٧) مبتدأ : مبدء ط.

(٨) والمعينة : أو المعينة د ، سا ، ط.

(٩) أو الأقل : والأقل سا ، م

(١٠) منها : ساقطة من سا

(١١) أو الأكثر : والأكثر سا ، م.

(١٢) والبطء : أو البطء ط

(١٣) إمكان : المبدأ والمنتهى م.

(١٤) يمكن : يكون م (١٥) بذلك : بتلك م

(١٦) والبطء : وذلك البطء م (١٧) بعينه .... والبطء : ساقطة من سا.

(١٨) المنصف : ساقطة من م.

(١٩) يتساويان : متساويان ب ، د ، سا ، متساويين م

(٢٠) فكل : وكل د ، ط ، م.

(٢١) الإمكان (الأولى) : لإمكان د

(٢٢) فيكون : يكون م.

١٥٥

ولا عليك الآن أن تجعل هذا المتحرك شيئا متحركا بالحقيقة فى المكان أو جزء يفرضه لمتحرك بالوضع يشبه المتحرك فى المكان (١) ، فإنه يفارق (٢) مماسة إلى مماسة بمماسات متصلة ، أو موازاة إلى موازاة بموازيات متصلة وأن يسمى ما يقطعه مسافة كيف كان ، فليس يختلف لذلك حكم فيما نحن بسبيله فنقول : إن هذا الإمكان قد صح أنه منقسم ، وكل منقسم فمقدار (٣) أو ذو (٤) مقدار ، فهذا الإمكان لا يعرى عن مقدار ، فلا يخلو أن يكون مقداره مقدار المسافة أو مقدار آخر ولو كان مقدار المسافة لكانت المتساويات فى المسافة متساوية فى هذا الإمكان (٥) ، لكن (٦) ليس كذلك فهو إذن مقدار آخر. فإما (٧) أن يكون مقدار المتحرك أو لا يكون ، لكنه ليس مقدار المتحرك (٨) ، والإمكان المتحرك الأعظم أعظم فى هذا المقدار ، وليس كذلك ، فهو إذن غير مقدار المسافة وغير مقدار المتحرك ، ومن المعلوم أن الحركة ليست نفسها (٩) ذات هو المقدار نفسه ، ولا السرعة والبطء ذلك. إذ (١٠) الحركات فى أنها حركات تتفق فى الحركية (١١). وتتفق فى السرعة والبطء وتختلف فى هذا المقدار. وربما اختلفت (١٢) الحركة فى السرعة (١٣) والبطء (١٤) واتفقت فى هذا المقدار ، فقد (١٥) ثبت وجود مقدار لإمكان (١٦) وقوع الحركات بين المتقدم والمتأخر وقوعا يقتضى مسافات محدودة (١٧) ليس مقدار المتحرك ولا المسافة (١٨) ولا نفس الحركة. وهذا المقدار ليس يجوز أن يكون قائما بنفسه. وكيف (١٩) يكون قائما بنفسه وهو منقص مع مقدره ، وكل منقص فاسد ، فهو (٢٠) فى موضوع أو ذو موضوع. فهذا المقدار هو متعلق بموضوع ولا يجوز أن يكون موضوعه الأول مادة المتحرك لما بيناه فإنه إن (٢١) كان مقدار (٢٢) مادة بلا واسطة لكانت المادة تصير به أعظم أو أصغر (٢٣). فإذن هو فى الموضوع بوساطة هيئة أخرى ، ولا يجوز أن يكون بوساطة هيئة قارة كالبياض والسواد ، وإلا لكان مقدار (٢٤) تلك الهيئة فى المادة يحصل فى المادة مقدارا ثابتا قارا. فبقى أن يكون مقدار هيئة (٢٥) غير (٢٦) قارة ، وهى الحركة من مكان إلى مكان أو من وضع إلى وضع بينهما مسافة تجرى عليها الحركة الوضعية ، وهذا هو الذي نسميه الزمان.

وأنت تعلم أن الحركة يلحقها أن تنقسم إلى متقدم ومتأخر ، وإنما يوجد فيها المتقدم ما يكون منها فى المتقدم (٢٧)

__________________

(١) أو جزء .... المكان : ساقطة من سا. (٢) يفارق : يفارقه ط.

(٣) فمقدار : لمقدار د(٤) ذو : كيف سا. (٥) الإمكان : المكان م. (٦) لكن : ولكن ط

(٧) فإما : وإما د ، سا (٨) أو لا يكون ... المتحرك : ساقطة من م.

(٩) نفسها : بعينها ط ، ساقطة من سا (١٠) إذ : أن م. (١١) الحركية : الحركة ط ، م

(١٢) اختلفت : اختلف ط ، م (١٣) الحركة فى السرعة : السرعة فى الحركة سا

(١٤) والبطء : ساقطة من سا ، ط ، م. (١٥) فقد : وقد م (١٦) لإمكان : الإمكان د ، م

(١٧) محدودة : تحدده ط. (١٨) المسافة : المسافات ط

(١٩) وكيف : فكيف د ، م. (٢٠) فهو : ساقطة من م.

(٢١) إن : لو ب ، د (٢٢) مقدار : مقداره ط. (٢٣) أو أصغر : وأصغر ط.

(٢٤) مقدار : مقداره ط. (٢٥) هيئة : هيئته ط

(٢٦) غير : ساقطة من ب. (٢٧) المتقدم (الثانية) : التقدم ط.

١٥٦

من المسافة ، والمتأخر ما يكون (١) منها فى المتأخر من المسافة. لكنه يتبع ذلك أن المتقدم (٢) للحركة لا يوجد مع المتأخر منها كما يوجد المتقدم والمتأخر فى المسافة معا ولا يجوز أن يصير ما هو مطابق المتقدم من الحركة (٣) فى المسافة متأخرا ولا الذي هو مطابق المتأخر منها (٤) متقدما ، كما يجوز فى المسافة ، فيكون للتقدم (٥) والتأخر (٦) فى الحركة خاصية (٧) تلحقهما (٨) من جهة ما هما للحركة ، ليس من جهة ما هما للمسافة ، ويكونان معدودين بالحركة ، فإن (٩) الحركة بأجزائها بعد المتقدم والمتأخر ، فتكون الحركة لها عدد من حيث لها فى المسافة تقدم وتأخر ، ولها مقدار أيضا بإزاء مقدار المسافة. والزمان هو هذا العدد أو المقدار (١٠) ، فالزمان عدد الحركة إذا انفصلت إلى متقدم ومتأخر (١١) ، لا بالزمان ، بل فى المسافة (١٢) ، وإلا لكان البيان تحديدا بالدور ، والذي ظن بعض المنطقين أنه وقع فى هذا البيان دور ، إذ لم يفهم هذا فقد ظن غلطا. وهذا الزمان هو أيضا لذاته (١٣) مقدار لما هو فى ذاته ذو تقدم وتأخر لا يوجد المتقدم منه (١٤) مع المتأخر ، كما قد يوجد فى سائر أنحاء التقدم والتأخر. وهذا هو لذاته يكون شيء منه قبل شيء ، وشيء منه بعد شيء ، وتكون سائر الأشياء لأجله بعضها قبل وبعضها بعد. وذلك لأن الأشياء التي يكون فيها قبل وبعد بمعنى أن القبل منها فايت (١٥) والبعد (١٦) غير موجود مع القبل ، إنما (١٧) يكون كذلك لا لذواتها (١٨) ، بل لوجودها مع قسمين (١٩) من أقسام هذا المقدار فيما يطابق (٢٠) منها جزءا هو قبل ، قيل له إنه قبل ، وما يطابق جزءا هو بعد ، قيل له إنه بعد. ومعلوم أن هذه الأشياء هى (٢١) ذوات التغير (٢٢) فيه فلا فايت فيه (٢٣) ولا لا حق. وهذا الشيء ليس يكون قبل وبعد لأجل شيء آخر ، لأنه (٢٤) لو كان كذلك لكان القبل منه إنما صار قبلها لوجوده فى قبل شيء آخر ، فيكون ذلك الشيء آخر ينتهى إليه التدريج آخر الأمر هو لذاته وقبل وبعد (٢٥) ، أى لذاته قبل الإضافة التي بها يكون قبل وبعد. ومعلوم أن ذلك الشيء هو الذي يقع فيه إمكان التغييرات على النحو المذكور وقوعا أوليا ويقع فى غيره لأجله ، فيكون ذلك الشيء هو المقدار المقدر للإمكان المذكور تقديرا بذاته ويكون (٢٦) ما نحن فيه لا غيره. فنحن إنما كنا جعلنا الزمان اسما للمعنى الذي هو لذاته مقدار للإمكان المذكور ويقع فيه الإمكان المذكور وقوعا أوليا. فبين (٢٧) من هذا أن هذا المقدار المذكور هو

__________________

(١) ما يكون منها : منها ما يكون ط (٢) المتقدم : المقدم د.

(٣) من الحركة : ساقطة من د. (٤) منها : + فيها ط ، م

(٥) للتقدم : التقدم سا ، م ، المتقدم ط (٦) والتأخر : والمتأخر ط

(٧) خاصية : خاصة م (٨) تلحقهما : يلحقها سا ، ط ، م.

(٩) فإن : فإذن ط. (١٠) والزمان .... أو المقدار : ساقطة من م.

(١١) ومتأخر : أو متأخر ط (١٢) فى المسافة : بالمسافة ط.

(١٣) لذاته : الذي هو لذاته م (١٤) منه : منها ط ، م.

(١٥) فايت : ثابت ط (١٦) والبعد : أو البعد م.

(١٧) إنما : وإنما ط (١٨) لذواتها : لفواتها سا

(١٩) قسمين : قسم سا ، ط ، م (٢٠) يطابق : طابق ط.

(٢١) هى : + الأشياء ط (٢٢) التغير : التغيير ط.

(٢٣) فيه (الثانية) : ساقطة من م (٢٤) لأنه : ساقطة من م.

(٢٥) وبعد : وذو بعد ط. (٢٦) ويكون : + هو ط.

(٢٧) فبين : فبين ط.

١٥٧

بعينه الشيء الذي هو ، لذاته يقبل إضافة قبل وبعد ، بل هو بنفسه منقسم إلى قبل وبعد. ولست (١) أعنى بهذا أن الزمان يكون قبل لا بالإضافة بل أعنى أن الزمان لذاته تلزمه هذه الإضافة وتلزم سائر الأشياء بسبب الزمان ، فإن الشيء إذا قيل له قبل وكان ذلك الشيء غير الزمان ، فكان (٢) مثل الحركة والإنسان وغير ذلك ، كان معناه أنه موجود مع شيء هو بحال (٣) ، تلك الحال يلزمها إذا قيست إلى حال الآخر إن كان الشيء بها قبل لذاته ، أى (٤) يكون هذا للزوم له لذاته ، فالمتقدم تقدمه (٥) أنه له وجود مع عدم شيء آخر لم يكن موجودا وهو موجود فهو متقدم عليه إذا اعتبر عدمه ، وهو معه إذا اعتبر وجوده فقط ، وفى حال ما هو معه فليس متقدما (٦) عليه وذاته حاصل فى الحالين (٧) وليس حال ما هو له (٨) متقدم هو حال ما هو مع ، فقد يبطل منه لا محالة أمر كان له من التقدم عند ما هو مع. فالتقدم والقبلية معنى لهذا الذات ، ليس لذاته ولا ثابت (٩) مع ثبات ذاته. وذلك المعنى مستحيل فيه أن يبقى مع الحالة الأخرى البتة (١٠) استحالة لذاته ، ويستحيل فيه أن يصير مع. ومعلوم أن هذا الوجود لا يثبت له (١١) عند وجود الآخر (١٢) (١٣) ، وأما الشيء الذي له هذا المعنى والأمر فلا يستحيل ذلك فيه ، فإنه تارة يوجد وهو قبل ، وتارة يوجد وهو معا (١٤) ، وتارة يوجد وهو بعد ، وهو واحد بعينه. وأما نفس الشيء الذي هو قبل وبعد لذاته وإن (١٥) كان بالقياس (١٦) فلا يجوز أن يبقى هو بعينه ، فيكون بعد ، بعد (١٧) ما كان قبل ، فإنه ما جاء المعنى الذي به الشيء بعد إلا بطل ما هو به (١٨) قبل ، والشيء ذو هذا الأمر (١٩) هو (٢٠) باق مع بطلان الأمر (٢١) القبل. وهذا الأمر لا يجوز أن تكون نسبته إلى عدم فقط أو إلى وجود فقط ، فإن نسبة وجود الشيء إلى عدم الشيء (٢٢) قد يكون تأخرا كما يكون تقدما ، وكذلك فى جانب الوجود ، بل هو نسبة إلى عدم مقارن أمرا (٢٣) آخر ، إذا قارنه كان تقدما (٢٤) ، وإن (٢٥) قارن غيره كأن تأخرا. والعدم فى الحالين عدم وكذلك الوجود ، وكذلك نظيره يقارن المنسوب ، لأن المنسوب أيضا منسوب (٢٦) إليه بالعكس (٢٧) ، وله ذلك (٢٨) الحكم. وهذا الأمر هو زمان ، أو نسبة إلى زمان ، فإن كان (٢٩) زمانا فذلك ما نقوله ، وإن كان نسبة (٣٠) إلى الزمان (٣١) فتكون قبليتها (٣٢) لأجل الزمان

__________________

(١) ولست : لست د ، سا ، ط ، م. (٢) فكان : وكان د ، ط ، م.

(٣) بحال : بحالة ط (٤) أى : أن م. (٥) تقدمه : تقدم م. (٦) متقدما : مقدما م

(٧) الحالين : الحال م. (٨) له : ساقطة من ط. (٩) ولا ثابت : ولا ثابتا ط ، م

(١٠) البتة : ساقطة من م. (١١) له : + فإنه سا ، ط ، م (١٢) مع ومعلوم ... الآخر : ساقطة من سا

(١٣) الآخر : + قبله سا ، + قبل ط. (١٤) معا : مع م.

(١٥) وإن : فإن م (١٦) بالقياس : + له قبل وبعد ط.

(١٧) بعد بعد : بعد البعد ط ، بعدا بعد م (١٨) بطل ما هو به : باطل به هو د.

(١٩) الأمر (الأولى) : ساقطة من م (٢٠) هو : ساقطة من ط

(٢١) الأمر (الثانية) : أمر ط. (٢٢) وجود الشيء إلى عدم الشيء : وجود وجود الشيء د.

(٢٣) أمرا : أمر ط (٢٤) تقدما : مقدما سا ، متقدما م

(٢٥) وإن : فإن ط. (٢٦) أيضا منسوب : ساقطة من د. (٢٧) بالعكس : وبالعكس ط

(٢٨) وله ذلك : ولو كان فله ذلك ب ، د. (٢٩) كان : كانت سا

(٣٠) نسبة (الثانية) : نسبته ط (٣١) الزمان (الأولى) : زمان ط (٣٢) قبليتها : قبليتهما بخ ، + ما ط.

١٥٨

ويرجع الأمر إلى أن هذه القبلية البعدية أول موضوعهما (١) الزمان. فالزمان لذاته يعرض له قبل وبعد ، بل الذي يعرض له قبل وبعد لذاته هو الذي نسميه الزمان ، إذ قد بينا أنه لذاته هو مقدار الإمكان المشار إليه ، ولما (٢) صح أن الزمان ليس مما يقوم بذاته ، وكيف يكون مما (٣) يقوم بذاته وليس له ذات حاصلة وهو حادث وفاسد ، وكل ما يكون مثل (٤) هذا فوجوده (٥) متعلق بالمادة ، فيكون الزمان ماديا ، ومع أنه مادى موجود فى المادة بتوسط الحركة فإن لم تكن حركة ولا تغير لم يكن زمان ، فإنه كيف يكون زمان (٦) ولا يكون قبل وبعد ، وكيف يكون قبل وبعد إذا لم يحدث أمر فأمر (٧) فإنه لا يكون بعد وقبل معا ، بل يبطل الشيء الذي هو قبل من حيث هو قبل ، لأنه يحدث الشيء الذي هو بعد ، من حيث هو بعد (٨) فإن لم يكن اختلاف وتغير ما (٩) بأن يبطل شيء أو يحدث شيء لا يكون أمر هو بعد إذ لم يكن قبل ، أو أمر هو قبل (١٠) إذ ليس بعد.

فإذن الزمان لا يوجد إلا مع وجود تجدد حال ويجب أن يستمر فى ذلك التجدد وإلا لم يكن زمان أيضا ، لأنه إذا كان أمر دفعة ثم لم يكن شيء (١١) البتة حتى كان (١٢) شيء آخر دفعة لم يخل إما أن يكون بينهما إمكان تجدد أمور أو لا يكون فإن كان بينهما إمكان تجدد أمور فيكون فيما بينهما قبل وبعد ، والقبل والبعد إنما يتحقق بتجدد أمور ، وفرضنا أنه ليس هناك تجدد أمور ، هذا خلف. وإن لم يكن بينهما هذا الإمكان فهما متلاصقان (١٣) ، فلا يخلو إما أن يكون ذلك الالتصاق مستمرا أو لا يكون ، فإن كان مستمرا فقد حصل ما فرضناه على أنه محال ستتضح استحالته بعد ، وإن كان منقطعا عاد الكلام من رأس. فيجب ضرورة إن كان زمان أن يكون تجدد أحوال إما على التلاصق (١٤) وإما على الاتصال ، فإن لم تكن حركة لم يكن زمان. ولأن الزمان كما قلنا مقدار وهو متصل محاذ لاتصال (١٥) الحركات والمسافات ، فله لا محالة فصل متوهم وهو الذي يسمى الآن.

__________________

(١) موضوعهما : موضوعها د ، سا.

(٢) ولما : لما سا.

(٣) يكون مما : ساقطة من م.

(٤) مثل : يمثل م (٥) فوجوده : بوجوده سا.

(٦) زمان (الثانية) : ساقطة من سا.

(٧) فأمر : ساقطة من م.

(٨) من حيث هو بعد : ساقطة من د

(٩) ما : ساقطة من سا ، ط ، م.

(١٠) أو أمر هو قبل : ساقطة من م.

(١١) شيء (الأولى) : الشيء د

(١٢) حتى كان : حتى إذا كان سا.

(١٣) متلاصقان : ملتصقان سا ، م.

(١٤) التلاصق : التلاحق بخ.

(١٥) لاتصال : الاتصال سا.

١٥٩

[الفصل (١) الثاني عشر]

ل ـ فصل

فى بيان أمر الآن

نقول ، إن الآن يعلم من جهة العلم بالزمان ، فإن الزمان لما كان متصلا فله لا محالة فصل ، يتوهم وهو الذي يسمى الآن ، وهذا الآن ليس موجودا (٢) البتة بالفعل بالقياس إلى نفس الزمان ، وإلا لقطع اتصال الزمان ، بل إنما وجوده على أن يتوهمه الوهم واصلا (٣) فى المستقيم (٤) الامتداد ، والواصل (٥) لا يكون موجودا بالفعل فى المستقيم الامتداد (٦) من حيث هو واصل (٧) ، وإلا لكانت كما نبين بعد واصلات (٨) بلا نهاية ، بل إنما يكون بالفعل لو قطع الزمان ضربا من القطع. ومحال أن يقطع اتصال الزمان (٩) ، وذلك لأنه إن جعل للزمان قطع (١٠) ، لم يخل إما أن يكون ذلك القطع (١١) فى ابتداء الزمان أو انتهائه (١٢). فإن كان فى ابتداء الزمان ، وجب من ذلك أن يكون ذلك الزمان ، لا قبل له ، وإذا (١٣) كان لا قبل له فيجب أن لا يكون معدوما ثم وجد فإنه إذا كان معدوما ثم وجد يكون وجوده بعد عدمه ، فيكون عدمه قبل وجوده ، فيكون له قبل ضرورة ويكون ذلك القبل معنى غير العدم الموصوف به (١٤) على النحو الذي قلنا فى هذا الموضع.

فيكون الشيء الذي به يقال هذا النوع من القبلية حاصلا ولا هذا الزمان ، فيكون هذا الزمان قبله زمان يكون متصلا به ، ذلك قبل وهذا بعد ، وهذا الفصل يجمعهما وقد فرض فاصلا ، وهذا خلف (١٥). وكذلك إن فرض فاصلا على أنه نهاية ، لم يخل إما أن يكون بعده إمكان وجود شيء أو لا يكون ، فإن كان لا يمكن بعده أن يوجد شيء ولا واجب الوجود حتى يستحيل أن يوجد شيء مع عدم ما انتهى إليه من النهاية ، فقد ارتفع أن يكون وجود واجب (١٦) واجبا (١٧) ، وارتفع (١٨) الإمكان المطلق (١٩) والوجود الواجب. والإمكان المطلق لا يرتفع (٢٠) ، وإن كان بعده ذلك ، فله

__________________

(١) فصل ١٢ ب الفصل الثاني عشر م.

(٢) موجودا : بموجود ط. (٣) واصلا : فاصلا د ، ط

(٤) المستقيم : مستقيم د ، سا ، ط ، م (٥) والواصل : والفاصل د ، فالواصل سا ، فالفاصل ط

(٦) والواصل .... الامتداد : ساقطة من م. (٧) واصل : فاصل د ، ط

(٨) واصلات : فاصلات د ، ط. (٩) الزمان (الأولى) : زمان م.

(١٠) للزمان قطع : الزمان قطعة م (١١) القطع : قطع ط

(١٢) أو انتهائه : أو فى انتهائه ط ، م

(١٣) وإذا : فإذا ط. (١٤) به : ساقطة من سا ، ط ، م.

(١٥) وهذا خلف : هذا خلف ط ، م. (١٦) واجب : شيء ط

(١٧) حتى ... واجبا : ساقطة من سا. (١٨) وارتفع : فارتفع ط

(١٩) المطلق : ساقطة من د ، سا م (٢٠) لا يرتفع : لا يرتفعان ط.

١٦٠