الشّفاء ـ طبيعيّات - ج ١

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]

الشّفاء ـ طبيعيّات - ج ١

المؤلف:

أبو علي حسين بن عبد الله بن سينا [ شيخ الرئيس ابن سينا ]


المحقق: سعيد زايد
الموضوع : العلوم الطبيعيّة
الناشر: منشورات مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي
الطبعة: ٠
الصفحات: ٣٣٤

لما رأى (١) أن المنى يتكون حيوانا يسيرا يسيرا ، والبذر (٢) يتكون نباتا يسيرا يسيرا (٣) ، توهم من ذلك أن هناك حركة والذي يجب أن يعلم هو أن المنى إلى أن يتكون حيوانا ، تعرض له تكونات أخرى تصل (٤) ما بينها (٥) استحالات فى الكيف والكم ، فيكون المنى لا يزال يستحيل يسيرا يسيرا ، وهو بعد منى ، إلى أن تنخلع (٦) عنه صورة المنوية ، ويصير علقة ، وكذلك (٧) حالها إلى أن تستحيل مضغة ، وبعدها عظاما وعصبا وعروقا وأمورا (٨) أخر لا ندركها ، وكذلك إلى أن يقبل صورة الحياة ، ثم كذلك يستحيل ويتغير إلى أن يشتد فينفصل (٩). لكن ظاهر الحال توهم أن هذا سلوك واحد من صورة جوهرية إلى صورة جوهرية أخرى ، ويظن لذلك (١٠) أن فى الجوهر حركة وليس كذلك ، بل هناك حركات وسكونات كثيرة. وأما كون الحركة فى الكيف فذلك ظاهر لكن فى الناس من لم ير الحركة فى أنواع الكيف كلها إلا فى الصنف المنسوب إلى الحواس ، فقال (١١) : أما نوع الحال والملكة فهو متعلق (١٢) بالنفس ، وليس موضوعه الجسم الطبيعى ، وأما القوة واللاقوة والصلابة واللين وما أشبه ذلك فإنها تتبع أعراضا تعرض للموضوع ، ويصير (١٣) الموضوع مع بعض تلك الأعراض موضوعا لها ، فلا يكون حينئذ الموضوع للقوة هو بعينه الموضوع لعدم القوة ، وكذلك الحال فى الصلابة واللين. وأما الأشكال وما يشبهها (١٤) فإنها إنما (١٥) توجد فى المادة التي تقبلها دفعة إذ لا تقبل التشدد والتضعف.

ولا أدرى ما ذا يقولون فى الانحناء والاستقامة وغير ذلك ، وعندى أن الأمر ليس على ما يقولون ، فإن (١٦) موضوع الحال والملكة ، كان نفسا أو بدنا أو هما معا بحال الشركة ، فإنه يوجد فيه كمال ما بالقوة من جهة ما هو بالقوة لجوهر (١٧) ما. والذين (١٨) قالوا : إن الموضوع ليس واحد للصلابة واللين أو القوة (١٩) والضعف ، فينتقض عليهم فى النمو والذبول ، وكان يجب على قولهم أن لا تكونا حركتين بل إنما نعنى بالموضوع فى هذه (٢٠) الأشياء طبيعة النوع الحاملة للأعراض ، فما دامت تلك الطبيعة باقية لم (٢١) يتغير النوع ، ولم تفسد الصورة الجوهرية. فإن

__________________

(١) رأى : روعى د ، ط ؛ رؤى سا ؛ رءى م

(٢) والبذر : والبزر د ، ط ؛ أو البذر سا.

(٣) والبذر يتكون نباتا يسيرا يسيرا : ساقطة من م.

(٤) تصل : فضل سا (٥) ما بينها : ما بينهما د ، سا ، ط ، م.

(٦) تنخلع : تنسلخ طا.

(٧) وكذلك : فلذلك سا

(٨) وأمورا : أو أمورا د. (٩) فينفصل : وينفصل سا.

(١٠) ويظن لذلك : ونظن كذلك م.

(١١) فقال : فيقال م. (١٢) متعلق : يتعلق سا ، م.

(١٣) ويصير : فيه فصير سا ؛ يصير م.

(١٤) وما يشبهها : وما يشبهها م

(١٥) إنما : لما سا. (١٦) فإن : وإن ب ، د ، سا ، م.

(١٧) لجوهر يجوهر م (١٨) والذين : والذي ب ، سا ، م.

(١٩) أو القوة : والقوة ب ، سا ، م.

(٢٠) فى هذه : فلهذه ط.

(٢١) لم : ولم ط ، م.

١٠١

الموضوع ثابت من غير أن يبالى أنه لعارض يعرض له أو زيادة تنضاف (١) إليه ، يصير موضوعا قريبا للحالة التي فيها الحركة (٢) أو لذاته. نعم الأشكال يشبه أن لا يكون حكمها حكم سائر الكيفيات فى وقوع الاستحالة فيها ، لأنها تكون دفعة ، وأما الكم (٣) ففيه أيضا حركة وذلك على وجهين : أحدهما بزيادة مضافة فينمو (٤) لها الموضوع ، أو نقصان نفع (٥) بالتحلل فينقص له (٦) الموضوع ، وصورته فى الأمرين باقية ، وهذا ما يسمى (٧) ذبولا ونموا. وقد يكون لا بزيادة تزاد (٨) عليه أو نقصان (٩) ينقص منه ، بل بأن (١٠) يقبل الموضوع نفسه مقدارا (١١) أكبر أو أصغر (١٢) بتخلخل أو تكاثف من غير انفصال فى أجزائه ، وهذا وإن كان يلزمه استحالة قوام وهى من الكيف فتلك (١٣) غير (١٤) ازدياده فى الكم أو نقصانه (١٥) فيه. ولأن هذه الحالة سلوك من قوة إلى فعل يسيرا يسيرا ، فهو كمال ما بالقوة ، فهو حركة.

لكنه قد يتشكك فيقال : إن الصغير والكبير ليسا بمتضادين ، والحركات كلها بين المتضادات. فنقول : أما أولا فلسنا نحن ممن يتشدد كل التشدد فى إيجاب كون الحركات كلها بين المتضادات لا غير ، بل إذا كانت أشياء متقابلة لا تجتمع معا ، وسلك الشيء من أحدهما إلى الآخر يسيرا يسيرا ، سمينا الشيء متحركا ، وإن كان لا تضاد هناك. على أن الصغير والكبير اللذين يتحرك فيما بينهما النامى والذابل ، ليسا الصغير والكبير الإضافى المطلق ، بل كأن الطبيعة (١٦) جعلت للأنواع الحيوانية والنباتية حدودا فى الصغير (١٧) وحدودا فى الكبير (١٨) لا يتعداهما (١٩) ويتحرك فيما بينهما ، فيكون العظيم هناك عظيما على الإطلاق ، لا يصير (٢٠) صغيرا بالقياس إلى عظيم آخر فى ذلك النوع ، فكذلك (٢١) الصغير يكون صغيرا بالإطلاق. وإذا كان كذلك لم يبعد أن تشاكل المتضادات (٢٢) ، بل تكون متضادة. فإن قال قائل : إن النمو حركة فى المكان ، لأن المكان (٢٣) يتبدل به (٢٤) ، فالجواب أنه ليس إذا قلنا : إن النمو حركة فى الكم فإن ذلك يمنع فيه أن تكون معه حركة فى المكان ، فإنه لا يمتنع أن يكون فى موضوع النمو تبدلان : تبدل كم ، وتبدل أين ، فتكون فيه حركتان معا. وأما مقولة المضاف ، فيشبه أن يكون جل الانتقال فيها (٢٥) إنما هو (٢٦) من حال إلى حال دفعة ، وإن اختلف (٢٧) فى بعض المواضع ، فيكون التغير بالحقيقة وأولا

__________________

(١) تنضاف : فيضاف سا ، ط ، م. (٢) الحركة : ساقطة من م.

(٣) وأما الكم : والكم ب ، د سا ، م (٤) فينمو : فينمى م.

(٥) نفع : تقطيع سا ؛ يقطع م (٦) له : لها سا (٧) ما يسمى : يسمى سا ، م. (٨) تزاد : تزداد ط

(٩) أو نقصان : ونقصان ط (١٠) بأن : أن د

(١١) مقدارا : + هو ط (١٢) أو أصغر : وأصغر ط.

(١٣) وهى من الكيف فعلك : وتلك سا. (١٤) غير : عن سا (١٥) أو نقصانه : ونقصانه ط.

(١٦) الطبيعة : بالطبيعة ط (١٧) الصغير : الصغر سا ، م

(١٨) الكبير : الكبر ب ، م. (١٩) لا يتعداهما : لا يتأديهما ط

(٢٠) لا يصير : ولا يصير ط. (٢١) فكذلك : وكذلك د ، ط ، م

(٢٢) المتضادات : المضادات ط. (٢٣) لأن المكان : ساقطة من م.

(٢٤) به : فيه ط. (٢٥) فيها : فيهما م (٢٦) إنما هو : ساقطة من سا

(٢٧) وإن اختلف : أو إن أخلف ب ؛ وإن أخلف د ؛ فإن اختلفت ط.

١٠٢

فى مقولة أخرى (١) عرضت لها الإضافة ، إذ الإضافة من شأنها أن تلحق مقولات أخرى ولا تتحقق بذاتها. فإذا كانت (٢) المقولة مما يقبل الأشد والأضعف عرض للإضافة مثل ذلك ، فإنه لما كانت السخونة مما (٣) يقبل الأشد والأضعف (٤) كان الأسخن يقبل الأشد والأضعف ، فيكون موضوع الإضافة يقبل ويلزمه (٥) ذلك قبولا أوليا فتكون الحركة فى الأمر العارض له الإضافة بالذات وأولا ، وللإضافة (٦) بالعرض وثانيا (٧). وأما مقولة الأين فإن وجود الحركة فيها واضح بين. وأما مقولة متى (٨) فيشبه أن يكون الانتقال من متى إلى متى آخر (٩) أمرا واقعا دفعة كالانتقال من سنة إلى سنة أو من شهر ، إلى شهر أو يشبه (١٠) أن يكون حال متى كحال (١١) الإضافة فى أن نفس (١٢) متى لا ينتقل فيه عن شيء إلى شيء ، بل يكون الانتقال الأول فى كيف أو كم ، ويكون الزمان لازما لذلك التغير فيعرض بسببه فيه التبدل. وأما ما لا تغير (١٣) فيه (١٤) ، فستعلم أنه ليس فى الزمان ، فكيف تكون له حركة فيه. وأما مقولة الوضع فقد قيل إنها لا حركة فيها البتة ، إذ لا تضاد فى الوضع. وأنه (١٥) إذا انتقل الشيء (١٦) من قيام إلى قعود ، فإنه لا يزال فى (١٧) حكم القائم (١٨) إلى أن يصير قاعدا دفعة ، وكذلك إذا انتقل من قعود إلى قيام ، فإنه لا يزال فى حكم القاعد حتى يصير قائما دفعة. والحق يوجب أن يكون (١٩) فى الوضع حركة ، وأنه لا كثير حاجة إلى التضاد الحقيقى فى طرفى الحركة (٢٠) ، تبين (٢١) لك ذلك (٢٢) بتأمل حركة الفلك. على أن الوضع (٢٣) لا يبعد أن يكون فيه تضاد ، حتى يكون المستلقى (٢٤) مضادا (٢٥) للمنبطح (٢٦). والذي قيل من أن (٢٧) الانتقال (٢٨) إلى القعود (٢٩) يكون (٣٠) دفعة إن عنى به أن القعود الذي هو الطرف يحصل دفعة فهو صادق وكذلك (٣١) السواد الذي هو الطرف ، والأين الذي (٣٢) هو الطرف يحصل دفعة (٣٣). وإن عنى به (٣٤) أن كل وضع ينتقل (٣٥) عنه إلى القعود يكون ذلك الانتقال دفعة ، فهو كذب ، لأن الانتقال عن القيام

__________________

(١) أخرى : آخر ط (٢) فإذا كانت : وإذا كانت ب ؛ فإذا كان د ، ط.

(٣) مما (الثانية) : ساقطة من د ، م. (٤) عرض ..... والأضعف : ساقطة من سا.

(٥) ويلزمه : ويلزم م. (٦) وللإضافة : للإضافة م

(٧) وثانيا : زمانيا سا. (٨) متى : هى م

(٩) آخر : ساقطة من د ، سا. (١٠) متى إلى متى ... نفس : ساقطة من م.

(١١) أو يشبه : ويشبه د (١٢) كحال : + أمر ط ، م.

(١٣) ما لا تغير : لا تغير د (١٤) فيه : ساقطة من د ، سا.

(١٥) وأنه : فإنه د (١٦) الشيء : شيء د.

(١٧) فى (الأولى) : ساقطة من م (١٨) القائم : القائل م.

(١٩) يكون : يوجد د ، سا ، م. (٢٠) الحركة : الحركية ط

(٢١) تبين : يتبين ط (٢٢) ذلك : ساقطة من سا ، م

(٢٣) الوضع : الموضع م. (٢٤) المستلقى : الملقى د

(٢٥) مضادا : يضاد م (٢٦) للمنبطح : المنبطح م.

(٢٧) أن (الأولى) : ساقطة من سا ، م (٢٨) الانتقال ، + من القيام ط

(٢٩) القعود (الأولى) : ط قعود ب (٣٠) يكون : أنه يكون م.

(٣١) وكذلك : فكذلك ط ، م (٣٢) الذي (الثانية) : بالذى م

(٣٣) يحصل دفعة : ساقطة من م. (٣٤) به : ساقطة من سا ، م

(٣٥) ينتقل : ينقل ب.

١٠٣

إلى القعود يكون قليلا قليلا ، حتى يوافى النهاية التي هى القعود. كالحال فى الانتقال من السفل إلى العلو بعينه. وأما كيفية وجود الحركة فى الوضع فهو أن كل مستبدل (١) وضع من غير أن يفارق بكليته المكان ، بل بأن تتبدل نسبة أجزائه إلى أجزاء مكانه وإلى جهاته ، فهو متحرك فى الوضع لا محالة. لأن مكانه لم يتبدل ، بل يتبدل (٢) وضعه فى مكانه ، والمكان هو الأول بعينه. وإذا كان التبدل فى الوضع وكان مع ذلك متدرجا (٣) يسيرا يسيرا ، كان ذلك التبدل حركة فى الوضع ، إذ كانت كل حركة هى تبدل حال بهذه الصفة وبالعكس ، وتكون (٤) منسوبة (٥) إلى الحالة التي تبدلت (٦) ، لا إلى شيء آخر لم يتبدل.

ولست أعنى بهذا (٧) أن كل متحرك فى وضع فهو ثابت في مكانه ، فليس يجب من قولى إن كل ثابت فى مكانه يستبدل وضعه بالتدريج فهو متحرك فى الوضع ، أن كل متحرك فى الوضع كذلك بل لا أمنع أن يكون الشيء لا بتغير وضعه إلا وقد تغير مكانه ، كما لا أمنع أن يكون شيء لا يتغير كمه إلا وقد تغير مكانه ، بل الغرض هو أن يثبت وجود المتحرك (٨) فى الوضع بإثبات متحرك ما فى الوضع. وأما أنه هل يمكن أن يكون الشيء يتبدل وضعه وحده ولا يتبدل مكانه ، فلنعلم إمكانه (٩) من حركة الفلك ، فإنه إما أن يكون كالفلك الأعلى الذي ليس فى مكان بمعنى نهاية الحاوى (١٠) الشامل المساوى الذي إياه نعنى بالمكان ، وإما أن يكون فى مكان لكنه لا يفارق كلية مكانه ، بل إنما تتغير عليه نسبة أجزائه إلى أجزاء مكانه الذي تلقاها. وإذا لم يكن هناك إلا هذا التغير والمكان ثابت ، وهذا التغير تغير هذه النسبة وهذه النسبة هى الوضع ، فهذا التغير هو تغير (١١) فى (١٢) الوضع ، وليس هناك غير هذا التغير ، فليس هناك غير هذه الحركة التي فى الوضع. وأما كون حركة الفلك الأعلى غير مكانية ، فواضح عندهم بين ، ثم (١٣) ليس تحركه فى كيفية ولا كمية (١٤) ولا جوهرية ولا فى (١٥) مقولة غير الوضع ، فإنك إذا تعقبت مقولة مقولة (١٦) لم تجد هذه الحركة تلائمها ما خلا الوضع أو الأين (١٧) ، ولا أين نبقى الوضع.

فإن قال قائل : إن (١٨) الفلك كل جزء منه متحرك فى المكان ، وكل ما كان جزء منه متحرك فى المكان فالكل منه متحرك فى المكان ، فالجواب عن هذا أن الأمر بخلاف ذلك. أما الفلك فلا جزء له بالفعل حتى (١٩) يتحرك

__________________

(١) مستبدل : متبدل ط. (٢) بل يتبدل : بل تبدل م ؛ ساقطة من سا.

(٣) متدرجا : مدرجا سا ، م. (٤) وتكون : فيكون ط

(٥) منسوبة : منسوبا ط ، م (٦) تبدلت : تبدل م.

(٧) بهذا : ساقطة من م. (٨) المتحرك : الحركة طا.

(٩) إمكانه : مكانه د (١٠) الحاوى : ساقطة من م.

(١١) تغير (الثانية) : تغيره د ، سا ، ط

(١٢) الوضع ..... فهذا فى : ساقطة من سا.

(١٣) بين ثم : ثم بين م (١٤) ولا كمية : ولا من كمية سا ، م.

(١٥) فى ، من سا ، م (١٦) مقولة مقولة : مقولة م.

(١٧) أو الأين : والأين د ، ط. (١٨) إن : إن م.

(١٩) حتى : حق م.

١٠٤

فى المكان (١) ، ولو فرضنا له أجزاء فليست تفارق أمكنتها ، بل يفارق كل جزء منها جزءا من مكان الكل إن كان كله فى مكان : وليس مكان الجزء جزء مكان الكل ، بل عسى أن يكون جزء مكان الكل جزء مكان الجزء. وذلك لأن جزء مكان الكل لا يحيط بالجزء والمكان كما يعلم محيط ، بل عسى أن يكون (٢) المتصل ليست (٣) أجزاؤه فى مكان إلا بالقوة ، بل قد صرح لهم بهذا فى كتبهم. وبعد هذا ، فليس إذا كان كل جزء يفارق مكان نفسه ، فالكل يفارق مكان نفسه ، لأنه فرق بين قولنا كل جزء ، وبين قولنا (٤) كل الأجزاء ، وذلك أن كل جزء (٥) قد يكون بصفة ، والكل لا يكون بتلك الصفة ، لأن للكلية حقيقة خاصة (٦) مباينة لحقيقة كل واحد من الأجزاء. ألا ترى أول شيء أن (٧) كل جزء هو جزء الكل (٨). والكل ليس بجزء ، وكل جزء من العشرة واحد ، والعشرة ليست بواحدة (٩).

بل نرجع إلى مسألتنا فنقول : إنه يجوز أن يكون مكان يشتمل (١٠) على شيء ذى أجزاء بالفعل كالرمل وغير ذلك ، ثم كل جزء منه يفارق مكانه ، والكل لا يفارق مكانه ، بل ما نحن بسبيله (١١) لا شك أنا وإن سلمنا فيه أن كل جزء منه يفارق مكانه الخاص ، فالكل لا يفارق (١٢) مكانه الخاص ، فلم يقع الشك فى أن الكل غير متحرك فى المكان ، وإن كان كل جزء متحركا ، وعندى أن كل من يتأمل ما قلناه ، ثم ينصف ، سيعتقد (١٣) يقينا أن الوضع فيه حركة. ولعل قائلا (١٤) يقول : إن معنى الحركة فى المكان ليس هو أن يكون المتحرك يفارق المكان ، بل أن يكون متحركا وهو فى مكان ، وإن لم يفارقه. فيقال له حينئذ يجب أن يكون لكونه متحركا ومتغيرا معنى ، فإن (١٥) كل كونه متحركا ومتغيرا غير متعلق بأمر يفارقه وأمر يوجد له ، فلا حركة فى الحقيقة ولا تغير ، بل الحركة والتغير المذكوران هما باشتراك الاسم ، وإن كان يتعلق بأمر متغير (١٦) ، وهو غير المكان ، فهناك حالة تتبدل

__________________

(١) فى المكان : ساقطة من د ، سا ، ط.

(٢) يكون : ساقطة من م.

(٣) الجزء وذلك ..... ليست : ساقطة من م

(٤) وبين قولنا : ساقطة من م.

(٥) كل الأجزاء وذلك أن كل جزء : ساقطة من م.

(٦) خاصة : خاصية م.

(٧) أن : بأن ط

(٨) جزء الكل : جزء سا ، جزء للكل م.

(٩) بواحدة : بواحد سا ، م.

(١٠) يشتمل : يشمل د ، ط.

(١١) بسبيله : فسبيله سا.

(١٢) مكانه .... لا يفارق : ساقطة من م.

(١٣) سيعتقد : سيعقد م.

(١٤) قائلا : + أن ط ، م.

(١٥) فإن : وإن م.

(١٦) متغير : يتغير سا ، م.

١٠٥

وفيها الحركة الخاصة ، وإن كان الشيء فى مكان كون الشيء مستحيلا ، وهو فى مكان ، فذلك (١) لا يوجب أن تكون الاستحالة استحالة مكانية ، وإن كانت فى مكان ولا غرضنا فى أن الحركة فى كذا معناه ، والمتحرك فى كذا (٢) ، بل على ما علمت.

وأما مقولة الجدة ، فإنى إلى هذه الغاية لم أتحققها. والذي يقال إن هذه المقولة تدل على نسبة الجسم إلى ما يشمله ويلزمه فى الانتقال ، فيكون تبدل هذه النسبة على الوجه الأول إنما (٣) هو فى السطح الحاوى وفى المكان فلا يكون فيها ـ على ما أظن لذاتها ـ وأولا حركة.

وأما مقولة أن (٤) يفعل وأن (٥) ينفعل ، فربما ظن أن (٦) فيهما حركة من وجوه. من ذلك أن الشيء يكون لا يفعل (٧) ولا ينفعل (٨) ، ثم يتدرج يسيرا يسيرا إلى أن يصير يفعل أو ينفعل ، فيكون أن يفعل وأن ينفعل غاية لذلك التدرج ، مثل السواد فإنه غاية للتسود (٩) ، فظن (١٠) أن فى هاتين المقولتين حركة وأيضا فإنه قد يتغير الشيء من أن لا يكون ينفعل (١١) بالجزء أو يفعله إلى أن ينفعل بالجزء أو يفعله ، ويكون ذلك قليلا قليلا فيظن أن ذلك حركة. وايضا فإن الانفعال قد (١٢) يكون بطيئا فيتدرج (١٣) يسيرا يسيرا إلى أن يسرع ويشتد وبالعكس فيظن أن ذلك حركة إلى السرعة. فأقول. أما الوجه الأول فلا تكون الحركة فيه فى الفعل (١٤) والانفعال ، بل فى اكتساب الهيئة والصورة التي بها يصح (١٥) أن يصدر الفعل أو الانفعال (١٦). وأما الوجه الثاني فيحله (١٧) ما سنبين بعد ، من (١٨) أنه لا سبيل إلى أن يتصل السبيل من تبرد إلى تسخن أو تبريد إلى تسخين إلا بانقطاع (١٩) وتخلل وقفه (٢٠). وأما الوجه الثالث فلا أعنف (٢١) من يجعل الاستحالة من السرعة بالقوة إلى سرعة (٢٢) بالفعل يسيرا يسيرا حركة ، وهو استكمال لما بالقوة من حيث هو القوة. لكن ذلك فى السرعة والبطء ، وليسا (٢٣) بحركتين ولا فعلين ولا انفعالين ، بل عارضين وكيفيتين وهيئتين لها أو لفعل (٢٤) أو لانفعال (٢٥). وبالجملة لا يجوز أن يكون فى طبيعة أن ينفعل وأن يفعل حركة على سبيل ما تقال الحركة فى المقولة ، فإنه إن جاز أن يكون انتقال من التبرد إلى التسخن يسيرا يسيرا ، فلا يخلو إما أن يكون ذلك

__________________

(١) فذلك : وذلك سا ، م. (٢) معناه .... كذا : ساقطة من م.

(٣) إنما : أما سا. (٤) أن : ساقطة من سا ، م و

(٥) أن : ساقطة من ب ، د ، سا ، م (٦) أن (الأولى) : ساقطة من م

(٧) لا يفعل : يفعل سا. (٨) ولا ينفعل : أو لا ينفعل سا ، ط ، م.

(٩) للتسود : التسود سا ، م (١٠) فظن : فيظن د ، ط ، م.

(١١) ينفعل (الأولى) : يفعل سا. (١٢) قد : ساقطة من سا

(١٣) فيتدرج : فيندرج م. (١٤) فى الفعل : بالفعل م.

(١٥) يصح : ساقطة من سا (١٦) أو الانفعال : والانفعال م

(١٧) فيحله : ساقطة من سا (١٨) من : ساقطة من د.

(١٩) بانقطاع : بالانقطاع ط (٢٠) وقفه : ونقة ط

(٢١) أعنف : أعرف بخ. (٢٢) سرعة : السرعة د ، ط.

(٢٣) وليسا : وليستا م. (٢٤) أو لفعل : ولفعل ب ؛ أو يفعل م

(٢٥) أو لانفعال : وانفعال ب ؛ أو انفعال د ، سا م.

١٠٦

والتبرد (١) تبردا أو عند ما (٢) ينتهى التبرد. فإن كان عند ما التبرد بعد تبرد ، ومعلوم أن الانتقال إلى التسخن أخذ من طبيعة التسخن (٣) وفى طبيعة التسخن أخذ من طبيعة السخونة ، فيكون عند ما يقصد الحر يقصد البرد معا ، وهذا محال. وإن كان عند منتهى البرد (٤) فهو بعد الوقوف على البرد وبعد الانتهاء ، كما ستعلم ، ومع ذلك فحينئذ لا يخلو إما أن يكون ذلك الانتقال نفس التسخن (٥) أو انتقالا من التسخن ، فإن كان نفس التسخن فليس بين التبرد (٦) والتسخن إلا زمان سكون أو أن لا حركة فيه ولا سكون كما تعلمه ، وإن كان المصير إلى (٧) التسخن فلا يخلو إما أن يكون فى المصير إلى التسخن أخذ من طبيعة التسخن أو لا يكون. فإن (٨) لم يكن ، فليس ذلك استحالة البتة ، وإن كان ، فهناك أخذ لا محالة من طبيعة السخونة ، والأخذ من طبيعة (٩) السخونة (١٠) هو تسخن فيكون عند الانتقال إلى التسخن ، والتوجه إليه تسخن موجود ، اللهم إلا أن يفرض التسخن ما هو فى الغاية تسخن ويكون الانتقال إليه مما (١١) هو أضعف منه. ثم التسخن نفسه وكل حركة فإنه ينقسم (١٢) بالزمان على ما ستعرف (١٣) ، وحينئذ (١٤) يستكمل السخونة فى آن ، فلا يكون تسخن ، فإن كان تسخنا فهو منقسم إلى أجزاء ويكون كل جزء من التسخن (١٥) يفرض تسخنا ، ويكون الجزء المتقدم منه أضعف ، فلا يكون بالغاية فلا يكون تسخنا بهذا المعنى وفرض تسخنا (١٦) ، هذا خلف. وإما (١٧) أن يكون التسخن (١٨) غير منقسم البتة فلا يكون حركة ، بل سخونة وإما أن يكون منقسما فلا يكون من التسخن ما هو (١٩) غاية. فليس إذن من شرط التسخن هو أن يكون فى الغاية ، بل أن يكون أخذا فى (٢٠) السخونة ولا يتسخن فى الغاية.

وإذ قد عرفت الكلام فى التسخن ، عرفت فى التسخين. ويجب أن يكون هذا القدر كافيا ونرفض جميع ما يذنّب (٢١) به هذا الموضوع فقد ظهر لك من هذه الجملة أن الحركة إنما تقع فى المقولات الأربع التي هى الكيف والكم والأين والوضع ، فقد وتفت على نسبة الحركة إلى المقولات ، وإذ قد عرفنا طبيعة الحركة فحرى بنا أن نعرف السكون.

__________________

(١) والتبرد : + عّد ط

(٢) عند ما : وعند ما د ؛ عندنا ط.

(٣) التسخن (الأولى) : التسخين م.

(٤) البرد : التبرد ط.

(٥) التسخن (الأولى) : التسخين م

(٦) التبرد : التبدد د.

(٧) إلى : فى د (٨) فإن : وإن ط.

(٩) والأخذ من طبيعة : ساقطة من م.

(١٠) السخونة : ساقطة من م.

(١١) مما : ما م (١٢) ينقسم : منقسم سا ، م

(١٣) ما ستعرف : ما ستعرفه ط

(١٤) وحينئذ : فحينئذ ط.

(١٥) التسخن : التسخين م. (١٦) وفرض تسخنا : + بهذا المعنى د ، ط

(١٧) وإما : فإما سا ، م (١٨) التسخن : التسخين م.

(١٩) هو : ساقطة من سا ، م. (٢٠) فى (الأولى) : من م.

(٢١) ما يذنب : ما يذب م.

١٠٧

[الفصل (١) الرابع]

د ـ فصل

فى تحقيق تقابل (٢) الحركة والسكون (٣)

إن أمر السكون فيه إشكال أيضا (٤) ، لأن المشهور من مذهب الطبيعيين أن السكون مقابلته للحركة (٥) هى مقابلة العدم للقنية ، لا مقابلة الضد. ثم من (٦) البين أنه لا يصلح (٧) أن يفرض بينهما مقابلة إلا إحدى هاتين المقابلتين (٨) ، أعنى العدمية والضدية. وقد جعلنا لفظة (٩) الحركة واقعا على معنى صورى ، ليس عدميا (١٠) ، إذ قلنا إنها كمال أول (١١). فإن كانت المقابلة (١٢) مقابلة العدم للملكة (١٣) ، لم يمكن أن تكون الحركة منهما هى العدم ، بل نقول إن الجسم إذا كان عادما للحركة ، وكان من شأنه أن يتحرك ، قيل له (١٤) ساكن. ومعنى قولنا من شأنه أن يتحرك ، أن يكون ما تتعلق به الحركة موجودا ، وهو أن يكون مثلا فى مكان وزمان (١٥). وأيضا إذا كان له حصول فى مكان واحد زمانا ، فيقال له إنه ساكن. فههنا معنيان موجودان (١٦) فى الساكن : أحدهما عدم الحركة ، ومن شأنه أن يتحرك ، والآخر أين (١٧) له موجود (١٨) زمانا. فإن كان السكون منهما هو الأول وهذا لازم له ، كان السكون عدما (١٩) ، وإن كان السكون هو الثاني منهما ، والأول (٢٠) لازم له ، لم يكن السكون أمرا عدميا (٢١).

فلنضع أن السكون المقابل للحركة هو المعنى الصورى منهما ، وأن حده هو الدال على كونه صوريا منهما ، فإذا أردنا أن نقايس (٢٢) بين هذا الحد وحد الحركة ، وجب أن يكون لنا أن نقتضب إما (٢٣) حد الحركة من هذا الحد

__________________

(١) فصل : الفصل الرابع ب ، د ، م. (٢) تقابل : مقابل سا

(٣) والسكون : فالسكون د. (٤) أيضا : + وذلك سا ، م

(٥) للحركة : + إنما ط. (٦) من : بين م

(٧) لا يصلح : لا يصح ط (٨) المقابلتين : المقدمتين سا.

(٩) لفظة : لفظ سا ، م (١٠) عدميا : بعدى ط

(١١) أول : ساقطة من د ، سا ، م.

(١٢) المقابلة : + بينهما ط

(١٣) الملكة : والملكة ط.

(١٤) له : + إنه ط. (١٥) وزمان : مدتان سا.

(١٦) موجودان : موجودا م.

(١٧) أين : أن م

(١٨) موجود : موجودا ب.

(١٩) عدما : معنى عدميا ط ، م.

(٢٠) والأول : فالأول ط.

(٢١) أمرا عدميا : معنى عدما سا ؛ معنى عدميا م.

(٢٢) نقايس : يقاس م.

(٢٣) إما : + من ط ؛ ساقطة من م.

١٠٨

أو نقتضب (١) هذا الحد من حد الحركة ، على ما يوجبه القانون الامتحانى فى اقتضاب حد الضد من حد ضده. لست أقول : إن سبيل التحديد للضد أن نقتضب من حد ضده ، فهذا شيء منعنا عنه (٢) فى تعليم البرهان ، ودحضنا (٣) فيه بوجه ما (٤) فى تعليم (٥) الجدل. بل نقول : إن ذلك وإن لم يكن واجبا ولم يكن (٦) طريقا لاقتناص (٧) الحد ، فهو ممكن.

أعنى أن يكون حد الضد يوازى به حد ضده ، ويكون للامتحان (٨) سبيل إليه. فإن كان (٩) الحدان متضادين (١٠) ويتقابلان (١١) جاز حينئذ أن يكون السكون قنية (١٢). وإن كان الحدان لا يتقابلان ، لم يكن حينئذ هذا المعنى هو السكون ، لأن السكون مقابل (١٣) الحركة ، بل يكون معنى يلزم معنى السكون ، والسكون (١٤) هو الذي يدل عليه الحد العدمى.

فنقول : أما أولا فإن (١٥) هذا الرسم لا يقابل الرسم المقول للحركة الذي هو باصطلاحنا مفهوم لفظة الحركة فإن قولنا كمال أول لما بالقوة ، إذا أردنا أن نخصصه بالحركة المكانية صار هكذا ، وهو (١٦) أنه كمال أول (١٧) فى الأين لما هو بالقوة ، ذو (١٨) أين (١٩) من حيث هو بالقوة ، وهذا الحد ليس بمقابل لحد السكون الذي حددناه ، بل عسى أن يلزم ما يقابل ذلك. وهذا مما لا نمنعه ، فإنا (٢٠) نسلم أن معنى كل واحد من الرسمين المفروضين لسكون يلزم الآخر وليس هو هو ، فإن شئنا أن نقتضب (٢١) من حد الحركة حد السكون ، على أن السكون معنى صورى ، لم نجد إلا أن نقول : إنه (٢٢) كمال أول لما هو بالفعل (٢٣) أين من حيث هو بالفعل أين ، أو نقول : إنه كمال ثان لما هو بالقوة (٢٤) أين ، من حيث هو بالقوة ، فيكون الأول من هذين ليس حدا لازما للسكون ، فإن السكون من حيث هو سكون ليس يحتاج أن يكون كمالا أول ، حتى يكون للشيء كمال ثان ، فإنه يجوز أن يعقل السكون سكونا والشيء لا كمال فيه غير ما فيه. وأما الحد الثاني (٢٥) فإنه يجعل من شروط ماهية كون السكون (٢٦) سكونا أن يكون قد تقدمه الحركة ، وهذا ليس بواجب. فإن حذفنا لفظ (٢٧) الأول والثاني ، لم نكن قد حفظنا شرط التقابل

__________________

(١) أو نقتضب : ونقتضب م.

(٢) عنه : منه ط (٣) ودحضنا : ورخصنا سا ؛ وخضنا م.

(٤) ما : ساقطة من د ، ط

(٥) تعليم : التعليم م (٦) ولم يكن : وإن لم يكن م

(٧) الاقتناص : لا مناص سا. (٨) للامتحان : الامتحان سا

(٩) كان : كانت م (١٠) متضادين : يتضادان ط

(١١) ويتقابلان : ويقابلان سا.

(١٢) قنية : تحته سا ، م ؛ ملكة ط.

(١٣) مقابل : يقابل م (١٤) والسكون : ساقطة من م.

(١٥) فإن : فلأن م. (١٦) هو : ساقطة من سا.

(١٧) أول : أولى م (١٨) ذو : ساقطة من م

(١٩) ذو أين : ساقطة من سا. (٢٠) فإنا : وإنا ب ، د.

(٢١) نقتضب : نقتضبه سا. (٢٢) إنه (الأولى) : بأنه ب ، د

(٢٣) بالفعل (الأولى والثانية): + ذو ط.

(٢٤) بالقوة : + ذو ط. (٢٥) فإنه .... الثاني : ساقطة من د.

(٢٦) السكون : الشيء م.

(٢٧) لفظ : للفظ د ، لفظة ط.

١٠٩

فى الحد وإن غيرنا تغييرا (١) آخر ، لم يكن له مفهوم صادق أصلا ، وإن أردنا أن تأتى بمقابل الكمال كان القوة ، فالتحق السكون حينئذ بالعدميات. فقد بان أنه ليس يمكن أن نقتضب من حد الحركة حدا يطابق حد السكون ، ويكون السكون مقابلا لها ، ويكون السكون مع ذلك قنية. فإن جعلنا الأصل حد السكون الذي ذكرناه ، دخل فيه أول شيء الزمان ، أو ما يتعلق بالزمان. والزمان يتحدد بالحركة فيكون (٢) السكون يتحدد بالحركة ، والأضداد ليس بعضها جزء (٣) رسم البعض ، ويكون الزمان يدخل أيضا فى حد الحركة ، لأنه داخل فيما يدخل فى حده (٤) ، والحركة قبل الزمان فى التصور ، فلا يجوز (٥) أن تكون الحركة حينئذ عدما (٦) ، إن كان السكون قنية ، لأن العدم لا يدخل فى مفهوم القنية ، بل الأمر بالعكس ، فإن الحركة داخلة فى حد الزمان الداخل فى حد السكون المذكور بالمعنى الصورى. فتبين (٧) إذن أنه (٨) لا يجوز أن نقول فى هذا الاقتضاب : إن الحركة هى أن لا يكون للجسم أين واحد زمانا فينظر هل يمكن أن يكون هذا الاقتضاب على وجه آخر فنقول : إن أحسن ما يمكن أن يقال حينئذ هو أن السكون كون فى أين واحد وقتا ، والشيء قبله وبعده فيه ، والحركة كون فى أين واحد ، من غير أن يكون (٩) قبله أو بعده فيه. فنكون قد استعملنا فى تفهيمهما (١٠) القبل الزمانى والبعد الزمانى ، وهما متحددان بالزمان ، والزمان متحدد بالحركة ، فيكون قد صارت الحركة مأخوذة فى مفهوم نفسها. فظاهر أن الحركة لا تفهم من هذه الجهة فليس هذا رسما ، وأضعف من هذا أن يؤخذ (١١) متوسعا فيه فيقال : إن السكون كون فى أين واحد زمانا والحركة كون (١٢) فى أين واحد لا فى زمان (١٣). فإن هذا (١٤) يلزمه ما قيل هناك ، ويشركه حال المتحرك فى ابتداء الحركة وانتهائها. فذلك كون فى مكان واحد (١٥) لا زمانا ، وليس بحركة ولا سكون.

فقد تبين واتضح أنه لا وجه لتصحيح تقابل (١٦) حد الحركة بحد السكون ، والسكون حده المعنى القينى ، فبقى أن يكون (١٧) السكون حده المعنى العدمى. واعلم أن فى كل صنف من أصناف الحركة سكونا يقابله ، فللنمو سكون يقابله ، وللاستحالة كذلك ، وكما أن السكون المقابل للاستحالة ليس هو الكيف الموجود زمانا ، بل سكون فى الكيف ؛ وكذلك (١٨) السكون المقابل للنقلة ليس هو الأين الواحد الموجود زمانا بل هو سكون فى ذلك الأين ،

__________________

(١) تغييرا : تغير ا ب ، د.

(٢) فيكون ... بالحركة : ساقطة من سا.

(٣) جزء : حدد (٤) حده : حدها ط ؛ وحدة م.

(٥) فلا يجوز : ولا يجوز ط ، م (٦) عدما : عدميا ط.

(٧) فتبين : فبين سا ، م. (٨) أنه : ساقطة من م.

(٩) قبله ... يكون : ساقطة من سا.

(١٠) تفهيمها : تفهيمها د. (١١) يؤخذ : يوجد م.

(١٢) والحركة كون : + الشيء ط (١٣) لا فى زمان : لا زمانا ب ، سا ، م.

(١٤) هذا : ساقطة من د. (١٥) واحد : ساقطة من سا ، م.

(١٦) تقابل : مقابل سا. (١٧) يكون : ساقطة من سا.

(١٨) وكذلك : فكذلك م.

١١٠

فالسكون عدم الحركة. وإذ قد (١) تكلمنا فى الحركة والسكون ، فحرى بنا أن نعرف حقيقة (٢) المعنى المسمى مكانا والمعنى المسمى زمانا ، إذ هما من الأمور السديدة المناسبة للحركة.

[الفصل (٣) الخامس]

ه ـ فصل

فى ابتداء القول فى المكان

وايراد حجج مبطليه ومثبتيه

أول ما يجب أن نفحص عنه من أمر المكان وجوده ، وأنه هل هاهنا مكان أم لا مكان البتة. على أنا نحن إنما نفهم بعد من اسم المكان لا ذاته ، بل نسبة إلى الجسم ، بأنه يسكن فيه ، ومنقل عنه وإليه بالحركة. فإن الفحص عن وجود الشيء قد يكون بعد تحقق ماهيته (٤) ، وقد يكون قبل تحقق ماهيته ، إذ (٥) كان قد وقف على عارض له مثلا قد وقف على أن هاهنا شيئا له النسبة المذكورة ، ولم يعلم ما ذلك الشيء وحينئذ (٦) يحتاج إذا فهمت تلك الماهية أن نبين وجودها (٧) ، ثم إن لم يكن وجود النسبة بينا لها احتيج إلى أن نبين أنها هى الماهية التي تخصها تلك النسبة. وهذا شيء قد بان لك فى موضع آخر.

فنقول : إن من الناس من نفى (٨) أن يكون (٩) للمكان وجود أصلا ، ومنهم من أوجب وجوده. فأما النفاة منهم ، فلهم أن يحتجوا بحجج ، منها ما تقرب منه عبارتنا هذه ، وهو أن (١٠) المكان إذا كان موجودا فلا يخلو (١١) من أن يكون جوهرا أو عرضا. فإن كان جوهرا ، فإما أن يكون (١٢) محسوسا أو جوهرا معقولا ، فإن كان جوهرا محسوسا

__________________

(١) وإذ قد : وقد د ؛ قد سا ، م

(٢) حقيقة : ساقطة من د ، سا ، م.

(٣) فصل : فصل ه ب ؛ الفصل الخامس م.

(٤) ماهيته (الأولى والثانية) : ماهية ط.

(٥) إذ : إذا ط ، م.

(٦) وحينئذ : حينئذ م.

(٧) وجود : + تلك ط.

(٨) نفى : تقر م

(٩) يكون : ساقطة من سا.

(١٠) وهو أن : وإن م

(١١) فلا يخلو : + إما ط.

(١٢) يكون : + جوهرا م.

١١١

وكل (١) جوهر محسوس فله مكان ، فللمكان مكان إلى غير نهاية ، وإن كان جوهرا معقولا فيستحيل أن يقال : إن الجوهر المحسوس يفارقه ويقارنه ، لأن المعقولات لا إشارة إليها ولا وضع لها ، وكل ما يقارنه (٢) الجوهر المحسوس أو يفارقه فهو ذو إشارة إليه ووضع له (٣) ، وإن كان عرضا (٤) فالذى يحله هذا العرض هو كالذى يحله البياض ، والذي يحله البياض يشتق (٥) له منه الاسم ، فيقال مبيض وأبيض فالجوهر الذي يحله المكان يجب أن يشتق له منه الاسم فيكون هو المتمكن (٦) فيكون مكان المتمكن عرضا فيه ، فيلزم أن يلزمه فى النقلة ، ويصير معه حيث صار. وإذا (٧) كان (٨) كذلك كان منتقلا (٩) معه. والمكان كما تزعمون ليس هو المنتقل معه ، بل (١٠) المنتقل فيه (١١) ، وأيضا فإن المكان لا يخلو إما أن يكون جسما وإما أن يكون غير جسم ، فإن كان جسما والمتمكن يكون فيه فالمتمكن مداخل له ، ومداخلة الأجسام بعضها بعضا محال. ثم كيف يكون جسما ولا هو بسيط من الأجسام ولا مركب منها ، وإن كان غير جسم فكيف يقولون إنه يطابق الجسم ويساويه ، ومساوى الجسم جسم. وأيضا فإن الانتقال ليس إلا الاستبدال لقرب وبعد وكما أن هذا الاستبدال قد (١٢) يقع للجسم فكذلك (١٣) قد يقع للسطح وللخط وللنقطة (١٤).

فإن كان الانتقال يوجب للمنتقل مكانا ، فيجب أن يكون للسطح (١٥) مكان ، وللخط مكان ، بل وللنقطة مكان.

ومعلوم أن مكان النقطة يجب أن يكون مساويا لها. إذ جعلتم المكان مساويا للتمكن (١٦) حتى لا يسعه غيره ، وما يساوى النقطة نقطة. فمكان (١٧) النقطة نقطة ، فلم صارت إحدى النقطتين مكانا والأخرى متمكنة : بل عسى أن تكون كل واحدة (١٨) منهما مكانا ومتمكنا ، فتكون بالقياس الأخذ منها إلى الأخرى (١٩) متمكنة ، وبالقياس الآخذ من الأخرى إليها مكانا. وهذا مما حظرتموه حين أبيتم أن يكون المكان متمكنا فى المتمكن فيه (٢٠). وزادوا فقالوا : إن كان للنقطة مكان فبالحرى أن يجعلوا لها (٢١) ثقلا وخفة (٢٢). قال ذلك خصوصا القوم الذين نفوا الحركة ، فقالوا لا معنى يوجب للجسم مكانا وحركة إلا ومثله يوجب للنقطة مكانا وحركة. فإن جوزتم فى النقطة حركة ، فقد أعطيتموها ميلا إلى جهة (٢٣) ، وجعلتم لها خفة وثقلا ، وهذا مشهور البطلان. على أن النقطة ليست إلا فناء الخط وفناء الخط

__________________

(١) وكل : فكل م. (٢) ما يقارنه : ما يفارقه م.

(٣) إشارة إليه ووضع له : وضع وإليه إشارة ط

(٤) عرضا : عارضا م. (٥) يشتق : فيشتق د ، ط.

(٦) فيكون هو المتمكن : ساقطة من سا ، م. (٧) وإذا : فإذا ط (٨) كان : لم يكن ط

(٩) منتقلا : + عنه بل منتقلا ط (١٠) المنتقل معه بل : ساقطة من د ، م

(١١) فيه : عنه ط. (١٢) قد : فقد م

(١٣) فكذلك سا. م (١٤) وللخط وللنقطة : والنقطة والخط ط.

(١٥) للسطح : السطح م. (١٦) للتمكن : للمتمكن سا ، م.

(١٧) فمكان : فكأن ب ، د ، ط. (١٨) واحدة : واحد سا

(١٩) الأخرى : الآخر بخ. (٢٠) فيه : ساقطة من م.

(٢١) يجعلوا لها : يجعلوها م (٢٢) وخفة : أو خفة سا ، ط.

(٢٣) إلى جهة : ساقطة من د ، سا ، ط ، م.

١١٢

معنى (١) عدمى ، فكيف (٢) يكون للمعنى العدمى مكان أو حركة. فأما أن النقطة فناء الخط فلأنها نهاية (٣) ، والنهاية (٤) هى أن يفنى الشيء فلا يبقى منه شيء. وإذا لم يكن للنقطة (٥) مكان لم يكن للجسم مكان إذ كان ما يوجب للجسم مكانا يوجب للنقطة مكانا (٦) وأيضا فإن المكان عندكم (٧) أمر لا بد منه للحركة إذ تجعلون الحركة محتاجة إليه فهو (٨) إحدى علل الحركة لكنه ليس بفاعل للحركة. وكيف (٩) ولكل حركة يجعلونها فى المكان مبدأ فاعلى معلوم غير المكان ، ولا هو أيضا مبدأ عنصرى له (١٠) ، إذ الحركة إنما قوامها فى المتحرك لا فى المكان ، ولا أيضا مبدأ صورى له لأن المكان ليس هو (١١) صورة الحركة ، ولا أيضا مبدأ غائى له ، وذلك لأنه مما يحتاج (١٢) عندكم إليه قبل الوصول إلى الغاية والتمام كما يحتاج إليه عند الوصول. فإن كان المكان غاية فليس لأنه مكان ، بل لأنه مكان لحال (١٣) لحركة بحال ، وكلامنا فى المكان من حيث هو مكان مطلقا. ولو كان المكان كمالا لأنه يشتاق إليه المتحرك إما طبعا وإما إرادة ، لكان من كمالات الإنسان أيضا أن (١٤) يحصل فى أمكنة يشتاق إليها. على أن التمام منه خاص ومنه مشترك والخاص (١٥) هو صورة الشيء ، والمكان ليس هو صورة المتحرك ولا صورة الحركة. وأما المشترك فإنه (١٦) يكون للشيء ولغيره والمكان عندكم خاص ولو كان الجسم فى مكان (١٧) لكانت الأجسام النامية فى مكان ، ولو كانت (١٨) فى مكان لكان مكانها أيضا (١٩) ينمو (٢٠) معها ، ولو كان (٢١) مكانها ينمو معها لكان مكانها يتحرك معها ولكان لمكانها مكان ، وأنتم تمنعون هذا كله (٢٢). وأما مثبتو المكان قد احتجوا بوجود النقلة ، وذكروا أن النقلة لا محالة مفارقة شيء لشيء إلى شيء (٢٣) ، وليس (٢٤) ذلك (٢٥) مفارقة (٢٦) جوهر ولا كيف ولا كم فى ذاته ولا غير ذلك من المعانى ، إذ جميع هذه يبقى مع النقلة ، بل إنما كان (٢٧) ذلك مفارقة شيء كان الجسم فيه ثم استبدل به ، وهذا هو (٢٨) الشيء (٢٩) الذي نسميه مكانا. واحتجوا أيضا بوجود التعاقب ، فإنا نشاهد هذا (٣٠) الجسم يكون حاضرا ، ثم نراه غائبا (٣١) ، ونرى (٣٢) جسما آخر حضر حيث هو ، مثلا قد كانت جرة فيها ماء ثم حصل بعد (٣٣) فيها هواء أو دهن ، والبديهة توجب أن هذا المعاقب (٣٤) عاقب هذا الشيء

__________________

(١) معنى : ساقطة من م (٢) فكيف : وكيف سا (٣) فلأنها نهاية : فلا نهاية م (٤) والنهاية : ساقطة من م.

(٥) للنقطة : النقطة م. (٦) يوجب للنقطة مكانا : ساقطة من سا

(٧) عندكم : عندهم م (٨) فهو : فهذا ط. (٩) وكيف : كيف ط. (١٠) له (الأولى والثانية) : لها ط.

(١١) هو : له م (١٢) مما يحتاج : ما يحتاج سا. (١٣) لحال : يحال سا ، م. (١٤) أن (الأولى) : لأن د

(١٥) والخاص : فالخاص د ، ط. (١٦) فإنه : فأن م.

(١٧) مكان : المكان سا (١٨) كانت : + الأجسام النامية ط.

(١٩) أيضا : ساقطة بين سا ، م (٢٠) ينمو : ينمى م

(٢١) ولو كان : ولكان سا ، م. (٢٢) كله : كلها سا

(٢٣) إلى شيء : ساقطة من م (٢٤) وليس : فليس ط ؛ ساقطة من م.

(٢٥) ذلك م (٢٦) مفارقة : بمفارقة ط. (٢٧) كان (الأولى) : ساقطة من سا ، م

(٢٨) هو : ساقطة من سا (٢٩) الشيء : ساقطة من سا ، م.

(٣٠) هذا : ساقطة من سا ، م. (٣١) غائبا : غاب ب ، سا ، م

(٣٢) ونرى : ونراه سا.

(٣٣) بعد : بعده سا : م

(٣٤) المعاقب : التعاقب سا.

١١٣

وخلفه (١) ، فى أمر كان لذلك (٢) الشيء أولا وكان الأول مختصا به ، والآن فقد فاته (٣) وذلك لا كيف ولا كم فى ذات أحدهما ولا جوهر ، بل الحيز الذي كان الأول فيه ثم صار الآخر فيه ، ولأن الناس كلهم يعقلون أن هاهنا فوقا ، وأن هاهنا أسفل ، وليس (٤) يصير الشيء فوقا وأسفل بجوهر له أو كيف (٥) أو كم فيه أو غير ذلك ، بل المعنى (٦) الذي يسمى مكانا. وحتى أن الأشكال التعليمية لا تتوهم إلا أن تتخصص (٧) بوضع (٨) وحيز ، ولو لا أن المكان موجود مع وجود (٩) له تنوع وفصول وخواص ، لما كان بعض الأجسام يتحرك طبعا إلى فوق وبعضها إلى أسفل. قالوا : وقد بلغ من قوة أمر المكان أن التخيل العامى بمنع (١٠) وجود شيء (١١) لا فى مكان ، ويوجب أن المكان أمر قائم بنفسه يحتاج (١٢) أن يكون معدا حتى توجد فيه الأجسام. ولما أراد استودوس الشاعر أن يقول شعرا يحدث فيه عن ترتيب الخلقة لم ير أن يقدم على وجود المكان شيئا ، فقال : إن أول ما خلق (١٣) الله تعالى (١٤) المكان ثم الأرض الواسعة. فأما حل (١٥) الشكوك التي أوردها (١٦) نفاة المكان (١٧) ، فسيتأخر (١٨) إلى وقت إحاطتنا (١٩) بماهية المكان ، فلنعرف (٢٠) أولا ماهية المكان (٢١).

[الفصل السادس]

و ـ فصل (٢٢)

فى ذكر مذاهب الناس فى المكان وايراد حججهم

إن لفظة المكان قد يستعملها العامة على وجهين ، فربما عنوا بالمكان ما يكون الشيء مستقرا عليه ، ثم لا يتميز لهم أنه هو الجسم الأسفل (٢٣) أو السطح الأعلى من الجسم الأسفل (٢٤) ، إلا أن يتزعزعوا يسيرا عن العامية ، فيتخيل

__________________

(١) وخلفه : وخلف م (٢) لذلك : كذلك د ، ط

(٣) فاته : فارقة طا. (٤) وليس : فليس ط

(٥) أو كيف : وكيف د (٦) المعنى : بالمعنى سا.

(٧) تتخصص : تخصص م. (٨) بوضع : بموضع ط.

(٩) وجود : وجوده سا ، م. (١٠) بمنع : يمتنع ط

(١١) شيء : الشيء ط (١٢) يحتاج : محتاج م.

(١٣) خلق : خلقه سا ، م (١٤) تعالى : ساقطة من ب ، د ، سا ، م.

(١٥) حل : حد م. (١٦) أوردها : أوردوها ط

(١٧) المكان : ساقطة من سا

(١٨) قسيتأخر : فستأخر د ، ط ، م.

(١٩) إحاطتنا : احتياطنا م

(٢٠) فلنعرف : فليتعرف م

(٢١) المكان : ساقطة من م.

(٢٢) فصل : فصل د ب ، الفصل السادس م.

(٢٣) الأسفل (الأولى) : ساقطة من م

(٢٤) أو السطح .... الأسفل : ساقطة من سا.

١١٤

بعضهم أنه هو السطح الأعلى من الجسم الأسفل دون سائره ، وربما عنوا بالمكان الشيء الحاوى للشيء كالدن (١) للشراب والبيت للناس. وبالجملة ما يكون فيه الشيء ، وإن لم يستقر عليه (٢) ، وهذا هو الأغلب عندهم وإن لم يشعروا به. إذ الجمهور منهم يجعلون السهم ينقذ فى مكان ، وأن السماء والأرض عند من فهم (٣) صورة العالم منهم مستقرة فى مكان ، وإن لم تعتمد على شيء. لكن الحكماء وجدوا للشيء الذي يقع عليه اسم المكان بالمعنى الثاني أوصافا ، مثل أن يكون فيه الشيء ، ويفارقه بالحركة ، ولا يسعه معه غيره ، ويقبل المنتقلات إليه ، ثم تدرجوا قليلا (٤) إلى أن توهموا أنه حاو. وإذ (٥) كان المتمكن موصوفا بأنه فيه ، فلما أرادوا أن يعرفوا ماهية هذا الشيء وجوهره ، فكأنهم قسموا فى أنفسهم ، فقالوا إن كل ما يكون خاصا بالشيء ولا يكون (٦) لغيره ، فلا يخلو إما أن يكون داخلا فى ذاته ، أو يكون خارجا عن ذاته ، فإن كان داخلا فى ذاته ، فإما ان يكون هيولاه ، وإما أن يكون صورته ، وإن كان خارجا عن ذاته (٧) ، ويكون مع ذلك يساويه ويخصه ، فهو إما نهاية سطح يلاقيه ويشغل (٨) بمماسته ولا يماسه غيره ، إما محيط وإما محاط (٩) مستقر عليه أيهما اتفق وإما أن يكون بعدا يساوى أقطاره ، فهو يشغله بالاندساس فيه. فمنهم من زعم أن المكان هو الهيولى ، وكيف (١٠) لا والهيولى (١١) قابل للتعاقب ، ومنهم من زعم أن المكان هو الصورة وكيف لا وهو أول خاو محدود (١٢) ، ومنهم من قال إن المكان هو الأبعاد ، فقال إن بين غايات الإناء (١٣) الحاوى للماء أبعادا مقطورة ثابتة ، وأنها يتعاقب عليها الأجسام المحصورة فى الإناء (١٤). وبلغ بهم الأمر إلى أن قالوا إن (١٥) هذا مشهور (١٦) مفطور عليه البديهة ، فإن الناس كلهم يحكون (١٧) أن الماء فيما بين أطراف الإناء ، وأن الماء يزول ويفارق ويحصل الهواء فى ذلك البعد بعينه ، واحتجوا أيضا بضروب من الحجج ، فقالوا وهم يخاطبون خاصة أصحاب السطوح (١٨) أنه إن (١٩) كان المكان سطحا يلقى سطح الشيء ، فتكون الحركة هى مفارقة سطح متوجها إلى سطح آخر فالطائر الواقف فى الهواء ، والحجر الواقف فى الماء (٢٠) ، وهما يتبدلان عليه ، وهو يفارق سطحا إلى سطح ، يجب أن

__________________

(١) كالدن : كالزق م. (٢) عليه : + الشيء سا.

(٣) فهم : ساقطة من سا. (٤) قليلا : + قليلا ط

(٥) وإذ : إذا سا ، م. (٦) ولا يكون : فلا يكون م.

(٧) فإن كان ... عن ذاته : ساقطة من سا.

(٨) ويشغل : ويشتغل سا ، م.

(٩) محاط : محاطة ط. (١٠) وكيف : فكيف سا

(١١) والهيولى : الهيولى م.

(١٢) خاو محدود : حاو محدد سا ، م

(١٣) الإناء : إناء ط ؛ الآناء م.

(١٤) الإناء : الآناء سا ، م (١٥) إن : ساقطة من سا ، م.

(١٦) مشهور : + بل ط (١٧) يحكون : يحكمون سا ، م.

(١٨) السطوح : السطح ط (١٩) أنه إن : أن ط.

(٢٠) فى الماء : ساقطة من سا.

١١٥

يكون متحركا. وذلك لأن ما يجعلونه مكانه (١) يتبدل عليه ، فإن كان ساكنا فسكونه فى أى مكان ، إذ من (٢) شرط الساكن أن يلزم مكانه زمانا ، إذ الساكن قد يصدق عليه هذا القول ، فإذ ليس يلزمه السطح ، فما الذي (٣) يلزمه سوى البعد الذي شغله الذي لا ينزعج ولا يتبدل ، بل يكون دائما واحدا بعينه. وقالوا أيضا إن الأمور البسيطة إنما يؤدى إليها التحليل ، وتوهم رفع شيء شيء (٤) من الأشياء المجتمعة معا وهما ، فالذى يبقى بعد رفع غيره فى الوهم هو البسيط الموجود فى نفسه ، وإن كان لا ينفرد له قوام ، وبهذا (٥) السبب عرفنا الهيولى والصورة والبسائط التي هى آحاد فى أشياء مجتمعة. ثم إذا توهمنا الماء أو غيره (٦) من الأجسام مرفوعا غير موجود فى الإناء (٧) لزم من ذلك أن يكون البعد الثابت بين أطرافه موجودا وذلك (٨) أيضا موجود عند ما تكون هذه موجودة معه. وقالوا أيضا إن كون الجسم فى مكان ليس بسطحه (٩) ، بل بحجمه (١٠) وكميته ، فيجب أن يكون ما فيه (١١) بجسميته مساويا له ، فيكون بعد أو لأن المكان مساو (١٢) للمتمكن (١٣) ، والتمكن جسم ذو ثلاثة أقطار ، فالمكان أيضا ذو ثلاثة أقطار. وقالوا أيضا (١٤) إن المكان يجب أن يكون شيئا لا يتحرك بوجه ولا يزول ، ونهايات المحيط قد تتحرك بوجه ما وتزول. وقالوا أيضا إن الناس (١٥) قد يقولون إن المكان قد يكون (١٦) فارغا ، وقد يكون (١٧) ممتلئا ، ولا يقولون إن البسيط يكون فارغا ، ويكون ممتلئا. قالوا والقول بالأبعاد يجعل كل جسم فى مكان ، ومذهب أصحاب البسيط الحاوى يوجب أن يكون من الأجسام ما لا مكان له. وقالوا (١٨) أيضا إن النار فى حركتها إلى فوق ، والأرض فى حركتها إلى أسفل يطلبان مكانا لكلتيهما (١٩) ، ومحال أن يطلبا نهاية الجسم الذي فوقه (٢٠) أو تحته ، فإن النهاية محال أن يلاقيها كلية جسم ، فإذن يطلب الترتيب فى البعد. فهذه (٢١) حجج أصحاب البعد (٢٢) مطلقا.

لكن أصحاب البعد على مذهبين : منهم من (٢٣) يحيل أن يكون هذا البعد يبقى فارغا لا مالئ له ، بل يوجب أن لا يتخلى عن مالئ إلا عند لحوق مالئ (٢٤) ، ومنهم من لا يحيل (٢٥) ذلك ، بل يجوز أن يكون هذا البعد خاليا تارة ومملوا تارة ، وهم أصحاب الخلاء. وبعض القائلين بالخلاء يظن أن الخلاء (٢٦) ليس هو بعدا ، بل هو لا شيء ، كأن الشيء هو

__________________

(١) مكانه : فكان سا (٢) إذ من : أو من ط. (٣) يلزمه السطح فما الذي : ساقطة من م.

(٤) شيء شيء : شيء سا ، م. (٥) وبهذا : بهذا م.

(٦) أو غيره : وغيره سا ، م (٧) الإناء : الآناه سا ، م.

(٨) وذلك : فذلك سا ، م ، فذلك البعد ط. (٩) بسطحه : لسطحة م. (١٠) بججمه : لحجمه م

(١١) ما فيه : ما يكون فيه ط. (١٢) مساو : مساويا سا

(١٣) للمتمكن : للتمكن ط (١٤) أيضا : ساقطة من م.

(١٥) الناس : + فيه د ، ط (١٦) قد يكون : ساقطة من م

(١٧) وقد يكون : ويكون سا. (١٨) قالوا : وقالوا م.

(١٩) لكلتيهما : بكلتيهما سا ، ط ، م (٢٠) فوقة : فوق سا ، م.

(٢١) فهذه : وهذه ط (٢٢) فهذه حجج أصحاب البعد : ساقطة من م.

(٢٣) من : ساقطة من د. (٢٤) مالئ (الثانية): + البته سا

(٢٥) لا يحيل : لا يخيل سا.

(٢٦) يظن أن الخلاء : ساقطة من م.

١١٦

الجسم وأول شيء خيل اعتقاد الخلاء هو الهواء ، وذلك لأن الظن العامى الأول هو أن ما ليس بجسم ولا فى جسم فليس بموجود. ثم ظنهم (١) الأول فى أمر (٢) الأجسام الموجودة ، هو أن تكون (٣) محسوسة بالبصر ، وما لا يحس بالبصر (٤) يظن أنه ليس بجسم ، ثم يوجب أنه ليس لشيء (٥). فكذلك (٦) يتخيل من أمر الهواء أنه ليس بملاء ، بل لا شيء ، فكان (٧) الإناء الذي فيه هواء (٨) لا يتخيل (٩) عندهم من أمره فى أول الأمر أن فيه شيئا ، بل يخيل أن هناك أبعادا خالية ، فأول من نبههم نبههم (١٠) بأن أراهم (١١) الأزقاق (١٢) المنفوخة تقاوم المس (١٣) ، فأظهر لهم بالمس أن الهواء جسم كسائر الأجسام فى أنه جسم. فمن الذين أراهم (١٤) ذلك من رجع ، فلم ير أن هاهنا خلاء موجودا ، إذ (١٥) صار الشيء الذي كان يظنه خلاء ، هو الملاء (١٦) ، ومنهم من سلم أن الهواء ليس بخلاء صرف ، بل ملاء ، ويخالطه (١٧) خلاء ، ولم يخل من الخلاء ، إذ قد وجد حججا وقياسات أنتجت أن الخلاء موجود. فمن الحجج على ذلك أنا نرى أن الأجسام تتخلخل وتتكاثف من (١٨) غير دخول شيء (١٩) أو خروجه. فالتخلخل إذن تباعد الأجزاء تباعدا يترك ما بينها (٢٠) خاليا والتكاثف رجوع من الأجزاء إلى ملاء الخلاء المتخلخل

قالوا : ونحن نرى إناء مملوا من رماد يسع ملاؤه ماء فلو لا أن هناك خلاء لاستحال (٢١) أن يسع ملاؤه ماء. وقالوا (٢٢) أيضا : والدن يملأ شرابا ، ثم يجعل ذلك الشراب بعينه فى زق (٢٣) ، ثم يجعلان فى ذلك الدن بعينه ، فيسع (٢٤) الدن الزق (٢٥) والشراب معا. فلو لا أن فى الشراب خلاء قد انحصر فيه مقدار مساحة الزق ، لاستحال أن يسع الزق والشراب معا ما كان يملأه الشراب وحده. وقالوا (٢٦) : إن النامى أيضا إنما ينمو بنفوذ شيء فيه فلا شك أن ذلك الشيء ينفذ لا فى الملاء ، ولكن فى الخلاء. وبعضهم جعل هذا الاحتجاج كليا فقال : إن المتحرك لا يخلو إما أن يتحرك فى خلاء أو يتحرك فى ملاء ، لكنه إن تحرك (٢٧) فى الملاء (٢٨) دخل ملاء فى ملاء ، فبقى أن يتحرك فى الخلاء. ومن ذلك احتجاجهم بالقارورة التي تمص ثم تكب على الماء ، ولو كانت مملوة لما وسعت شيئا آخر يدخل فيها. وقالوا أيضا : إن المتحرك إذا تحرك (٢٩) فلا يخلو إما أن يدفع الملاء فيحركه ، وإما أن يداخله ، لكن

__________________

(١) ظنهم : ظنها سا (٢) فى أمر : أن سا

(٣) هو أن تكون : كلها سا (٤) وما لا يحس بالبصر : ساقطة من سا.

(٥) لشيء : بشيء سا ، م (٦) فكذلك : فلذلك سا ، م.

(٧) فكان : مكان ب ، د (٨) هواء : الهواء م

(٩) يخيل : يتخيل سا ، م. (١٠) نبههم نبههم : نبههم سا ، ط ، م

(١١) أراهم : آراءهم ط (١٢) الأزقاق : الأزقانى ط

(١٣) المس : أملس م. (١٤) أراهم : آراهم ط ، أرويتم م

(١٥) إذ : إذا سا. (١٦) هو الملاء : وهو الهواء الملاء ط ، وهو الهواء ملاء سا

(١٧) ويخالطه : يخالطه ط. (١٨) من : عن سا ، م

(١٩) شيء : + ط (٢٠) ما بينهما : ما بينها د.

(٢١) لاستحال : استحال ط. (٢٢) وقالوا : قالوا سا

(٢٣) زق : ذق ط (٢٤) بعينه فيسع : ساقطة من م.

(٢٥) الزق : الذق ط. (٢٦) وقالوا : + أيضا ط. (٢٧) تحرك : يتحرك ط

(٢٨) الملاء : ملاء سا ، م. (٢٩) تحرك : ساقطة من سا.

١١٧

المداخلة محالة (١) ، فبقى أن يدفعه فيحركه. وكذلك حال المدفوع فيما يتحرك فيه ، فيلزم إذا تحرك متحرك أن يتحرك العالم ، وأن يكون إذا تحرك متحرك بعنف أن يتموج العالم تموجا بعنف ومضاهيا (٢) لتموجه. وأما القائلون بأن المكان ما يكون الشيء عليه فيأخذون ذلك من العامة إذ يسمون مجالسهم أمكنة (٣) لهم.

ونحن لا نبالى أن يسمى مسم هذا مكانا ، لكنا لا نشتغل بتحقيق هذا المكان الذي يكون المتمكن عليه ، بل الذي قيل إنه حاو مساو (٤) ، ولا بد منه لكل منتقل حيث كان ، وإن لم يكن مستقرا على مستند.

وأما القائلون بأن المكان هو البسيط كيف كان ، فهم يقولون إنه كما أن سطح الجرة مكان للماء ، كذلك سطح الماء مكان للجرة ، لأنه سطح مماس لجملة بسيط متصل به. ويقولون إن الفلك الأعلى متحرك ، وكل متحرك فله مكان ، فالفلك الأعلى له مكان لكن ليس له نهاية حاوية من محيط ، فليس كل مكان هو النهاية الحاوية من المحيط ، بل مكانه هو السطح الظاهر من الفلك الذي تحته. وأما (٥) القائلون بأن المكان هو السطح الحاوى فسنذكر مذهبهم ونحققه ، فيجب أن نبدأ أول شيء بإبطال هذه المذاهب ، ثم نتبعها بكشف المغالطات فى قياساتهم ،

[الفصل السابع]

ز ـ فصل (٦)

فى نقض مذهب من ظن أن المكان هيولى

او صورة أو أى (٧) سطح ملاق كان أو بعدا (٨)

أما بيان فساد قول من يرى أن الهيولى أو الصورة مكان ، فبأن يعلم أن المكان يفارق عند الحركة ، والهيولى والصورة لا يفارقان (٩) ، والمكان تكون الحركة فيه ، والهيولى والصورة لا تكون الحركة فيهما ، بل معهما والمكان تكون إليه الحركة ، والهيولى (١٠) والصورة لا تكون إليهما حركة (١١) البتة. والمتكون إذا تكون استبدل مكانه الطبيعى

__________________

(١) محالة : محال م.

(٢) ومضاهيا : أو مضاهيا ط.

(٣) أمكنة : أمكنته ط.

(٤) مساو : ومساو ط.

(٥) وأما : فأما ط.

(٦) فصل : فصل ز ب ، الفصل السابع م.

(٧) أى : ساقطة من سا

(٨) بعدا : بعده سا ، م.

(٩) لا يفارقان : لا يفارق م.

(١٠) والصورة ... الهيولى : ساقطة من ذ.

(١١) حركة : الحركة سا.

١١٨

كالماء إذا صار هواء ، ولا يستبدل هيولاه (١) الطبيعية (٢). وفى ابتداء الكون يكون فى المكان الأول ، ولا يكون فى صورته. ويقال إن الخشب كان (٣) سريرا ، ويقال عن الماء كان بخارا ، وعن النطفة كان إنسانا ولا يقال إن المكان كان جسم كذا ولا عن المكان كان جسم كذا ، والقائلون بأن المكان كل بسيط ، ملاق لبسيط (٤) تام ، كان محيطا أو كان محاطا ، فيلزمهم أن يجعلوا للجسم الواحد مكانين ، وأنه (٥) يلزم على مذهبهم أن يكون للجرة مكانان : مكان هو سطح (٦) الماء الذي فيها ، ومكان هو سطح الهواء المحيطة (٧) بها. وقد علم أن الجسم الواحد لا يكون فى مكانين وأن للمتمكن الواحد مكانا واحدا ، وإنما اضطروا إلى هذا القول بسبب جهلهم بحركة الفلك الأعظم (٨) فظنهم (٩) أنها مكانية ، ووجودهم (١٠) الجرم الأقصى لا فى مكان حاو من خارج ، وهو متحرك حركة مكانية. وإذا علم مذهبنا فى الحركة الوضعية استغنى عن هذه الكلفة وتخلص عن هذه الضرورة.

وأما القائلون بأن المكان هو البعد الثابت بين أطراف الحاوى فنخص الدين يحيلون منهم خلو هذا البعد عن المتمكن ، أن هذا البعد لا يخلو إما أن يكون موجودا مع البعد الذي للجسم المحوى ، أولا يكون موجودا فإن لم يكن موجودا ، فليس مع وجود المتمكن فى المكان مكان ، لأن المتمكن هو هذا الجسم المحوى ، والمكان هو هذا البعد الذي لا يوجد مع (١١) بعد الجسم. وإن كان موجودا معه ، فلا يخلو إما أن يكون له وجود هو غير وجود بعد الجسم المحوى بالعدد ، فهو ممايز له (١٢) يقبل خواص وأعراضا هى (١٣) بالعدد أعراضا له (١٤) من دون (١٥) التي (١٦) لبعد الجسم المحوى. وإما أن لا يكون غيره بل يتحد به. فيصير هو هو. وإن كان غيره ، فهناك بعد بين أطراف الحاوى وهو (١٧) مكان وبعد آخر فى المتمكن أيضا هو بين أطراف الحاوى (١٨) غير ذلك بالعدد. لكن (١٩) معنى قولنا البعد الشخصى (٢٠) الذي بين هذين (٢١) الشيئين ، هو (٢٢) أنه هذا الأمر المتصل بينهما الذي يقبل القسمة الواحدة المشار إليها ، فكل ما بين هذا الطرف وهذا الطرف (٢٣) هو هذا البعد الذي بين الطرفين ، فكل ما هو هذا البعد الذي بين

__________________

(١) هيولاء : ساقطة من سا (٢) الطبيعية : الطبيعة سا ، م.

(٣) كان إنسانا : إنسان سا. (٤) لبسيط : بسيط سا.

(٥) وأنه : فإنه م. (٦) سطح : ساقطة من سا

(٧) المحيطة : المحيط سا ، م. (٨) الأعظم : ساقطة من سا ، م

(٩) فظنهم : وظنهم سا ، م. (١٠) ووجودهم : وجودهم د.

(١١) مع : ساقطة من م. (١٢) ممايز له : مما يراه م

(١٣) هى : ساقطة من م (١٤) له (الثانية) : لها سا ، م

(١٥) دون : ساقطة من سا

(١٦) أعراضا ... التي : غير أمثالها من التي أعراض لها ط.

(١٧) وهو : هو سا ، ط. (١٨) وهو مكان ... الحاوى : ساقطة من سا.

(١٩) لكن : ولكن سا ، ط ، م. (٢٠) الشخصى : + هو سا ، م

(٢١) هذين : ساقطة من م (٢٢) هو : وهو ط.

(٢٣) وهذا الطرف : ساقطة من سا.

١١٩

الطرفين المحدودين (١) فهو لا محالة واحد شخصى لا غير (٢) ، فيكون كل ما بين هذا الطرف وهذا الطرف بعدا شخصيا واحدا ، ليس بعدا وبعدا آخر (٣). وإذا (٤) كان (٥) كذلك لم يكن بين هذا الطرف وهذا الطرف بعد للجسم وبعد (٦) (٧) آخر. لكن البعد الذي للجسم بين (٨) الطرفين موجود ، فالبعد الآخر ليس بموجود. هذا وأما (٩) إن كان هو هو ، فليس هناك بعد إلا هذا ، وكذلك (١٠) إذا تعقبه جسم آخر لم يكن هناك بعد إلا الذي للجسم الآخر ، فلا يوجد البتة بين أطراف الحاوى بعد هو غير بعد المحوى ، فلا يجوز (١١) عندهم خلوه البتة عن المتمكن. فإذن لا يوجد البعد المفرد إلا فى توهم محالات مثل أن يتوهم أن يبقى ذلك الجسم الحاوى غير منطبق النهايات الداخلة بعضها على بعض ولا جسم فيه. وهذا كمن يقول : إذا توهمنا الخمسة منقسمة بمتساويين (١٢) فيكون حينئذ زائدا على الفرد بواحد (١٣) ، فليس يجب إذا لزم هذا عن توهم ، محال هناك أن تكون له حقيقة فى الوجود. وكيف يمكن أن يكون بعدان معا ، ومن البين أن كل بعدين اثنين أكثر من بعد واحد ، لأنهما اثنان ومجموع لا لأجل شيء آخر ، وكل مجموع بعد أكبر (١٤) من بعد. فهو أعظم منه ، لأن العظيم هو الذي يزيد على القدر بعدد (١٥) خارج عن الشيء ، والعظيم (١٦) فى المقادير كالكبير (١٧) فى الأعداد ، فكل (١٨) ما هو أكبر فى المقادير قدرا ، فهو أعظم. فإذا كان بعد يدخل فى بعد ، فإما أن يعدم الدخول (١٩) فيه ، فيكون قد دخل بعد موجود فى معدوم ، وإما أن يبقى هو والداخل فيه مجموعين أعظم من واحد منهما ، فيكون البعدان أعظم من الواحد. وليس الأمر كذلك لأن مجموعهما هو الذي بين النهايات ، وذلك بعينه قدر كل واحد منهما ، فليس المجموع من الواحد.

ولسائل أن يسأل هاهنا بحال (٢٠) الخط إذا عطف حتى لزم نصفه (٢١) ، فيكون خطان ومجموعهما فى الطول لا يزيد على طول واحد منهما ، لكن هذا محال ، لأنه لا يخلو إما أن يتميز كل نصف عن (٢٢) الآخر فى الوضع ، فيكون مجموع الخطين يفعل (٢٣) بعدا غير بعد واحد منهما وأكبر (٢٤) منه. وإن كان ليس على الاستقامة ، لم يكن الانعطاف (٢٥)

__________________

(١) المحدودين : ساقطة من سا (٢) لا غير : لا غيره سا ، ط ، م.

(٣) آخر : ساقطة من م (٤) وإذا : فإذا ط

(٥) شخصيا .... كان : ساقطة من سا

(٦) كذلك .... بعد : ساقطة من سا

(٧) وبعد : أو بعدا سا. (٨) بين : هذين ط

(٩) وأما : فأما ب ، د ، سا. (١٠) وكذلك : كذلك ط.

(١١) فلا يجوز : ولا يجوز سا ، ط ، م. (١٢) بمتساويين : متساويين سا.

(١٣) بواحد : + بمعنى أنه حينئذ يكون زوجا ط.

(١٤) أكبر : أكثر سا ، م (١٥) بعدد : بقدر ط

(١٦) والعظيم : فالعظيم ط. (١٧) كالكبير : كالكثير ب ، د ، ط ، م

(١٨) فكل : وكل د ، سا ، ط ، م. (١٩) الدخول : المدخول سا ، م.

(٢٠) بحال : فقال ب ، حال سا (٢١) نصفه : + نصفه ط.

(٢٢) عن : من ط. (٢٣) يفعل : ساقطة من سا

(٢٤) وأكبر : وأكثر ب ، د ، م (٢٥) لم يكن الانعطاف : ساقطة من سا.

١٢٠