الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٦

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٦

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٥٤٤

ذلك ، وكما أتى الله بنيانهم وبناياتهم السكينة إيتاء ماكرا قاهرا كما أتوا «من القواعد» دون السقوف ، والظالم انما يخاف البأس من فوقه فيتترس من فوقه عمن فوقه ، ولكن الله يأتيهم بقهره من قواعدهم (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) مكرا بمكر ونكرا بنكر ، منهم على ضعف وجهالة ، ومن الله على قوة ونبالة جزاء وفاقا.

وترى بعد (فَأَتَى اللهُ) هي إتيان الذات المقدسة؟ وبنيانهم دون «إلى» المعدية ل «أتى» دليل اوّل على انه ليس إتيان الذات ، وقدر تقدّر «على» فهو إتيان القدرة القاهرة الإلهية على بنيانهم.

ثم «الله» دون «الرب» كما في (وَجاءَ رَبُّكَ) تلميحة لطيفة ان ذلك إتيان الالوهية بكامل القدرة القاهرة على بنيانهم.

إذا فإتيانه قواعدهم هو مشيئته تعالى تدميرها (١) فلا يراد به الحضور عن غيبة ، والقرب بعد مسافة ، وانما حضور المشيئة لحاضر المكر وقته وقدره.

وترى كيف «خر (عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ) وخرور السقف هو بطبيعة الحال من فوقهم لا من تحتهم مهما كان على أثر إتيان بنيانهم من القواعد؟

علّه لأنه ربما يخر السقف وليس فوقهم إذ ليسوا تحته ، (فَخَرَّ .. مِنْ فَوْقِهِمْ) تأشير إلى أنهم كانوا تحته فخر عليهم.

ثم المصداق الأعلى للقواعد والسقف هو قواعد المكر وسقفها التي جعلوها فوقهم في حياتهم الماكرة ضد الرسالات.

__________________

(١) المصدر عن الحسن بن زياد الصيقل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال سمعته يقول : «قد مكر الذين من قبلهم ولم يعلم الذين آمنوا ـ فأتى الله بنيانهم من القواعد فخر عليهم السقف» قال محمد بن كليب عن أبيه قال : انما شاء.

٣٢١

ثم ومن الذين «من قبلهم» أول جبار في الأرض : نمرود وقد أتى الله صرحه من قواعده ، كما بعث عليه بعوضة في منخره فمكث اربعمائة سنة يضرب رأسه بالمطارق وارحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه (١).

فأي بنيان مرصوص أمام ما أتى الله مرضوض ، مشهد كامل شامل لكل بوار ودمار لمن يمكر الله والله خير الماكرين ، الذين يقفون لدعوة الله ، ويمكرون بشرعة الله ، ويحسبون مكرهم لا يرد (وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) وابتلائهم بداء الجهل العضال من العذاب ، ثم هم في عذاب فوق العذاب (مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) جزاء بما كانوا يعملون.

وإنه لمشهد مكرور على مدار الزمن ومرّ التاريخ ، ودعوة الله بشرعته ماضية ماشية رغم كافة العراقيل ، حيث يأتي الله بنيانهم من القواعد ، ويأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون.

هذا بالنسبة ليوم الدنيا وقد تشمل البرزخ حيث يستمر عذابهم القاضي عليهم هنا طول حياتهم البرزخية :

(ثُمَّ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ قالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) ٢٧.

هناك يخزيهم أخزى من البرزخ والدنيا ، مشهد من مشاهد خزيهم يوم القيامة بسؤال التأنيب التبكيت (أَيْنَ شُرَكائِيَ) الذين زعمتم انهم شركاء و «كنتم» حتى الموت (تُشَاقُّونَ فِيهِمْ) دعاة التوحيد بشقاق متعنّت عارم ،

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ١١٧ ـ اخرج عبد الرزاق وابن جرير عن زيد بن اسلم قال : اوّل جبار كان في الأرض نمرود فبعث الله عليه بعوضة ... وكان جبارا اربعمائة سنة فعذبه الله اربعمائة سنة كملكه ثم أماته الله وهو الذي كان بنى صرحا الى السماء الذي قال الله : فأتى الله بنيانهم من القواعد.

٣٢٢

تجعلون لهم شقا من الألوهية ولله شقا آخر ، بل وشقهم أوفر وأوقر من شق الله حيث كنتم تعبدونهم من دون الله ، وتؤصّلونهم في مقدرات الحياة دون الله؟ فأين هؤلاء الآلهة المختلفة؟

وإذ ليس لهم جواب إلّا السكوت ، اختجالا من موقفهم البائس اللعين ، وأنهم لا يجدونهم كما كانوا يزعمون ، بل (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ) (٢١ : ٩٨) ف (لَوْ كانَ هؤُلاءِ آلِهَةً ما وَرَدُوها وَكُلٌّ فِيها خالِدُونَ) (٢١ : ٩٩).

لذلك يأتي الجواب من الذين أوتوا العلم (إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) آلهة ومألوهين ، واما المعبودون الصالحون ، الرافضون لعبادتهم ، ف (إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ) (٢١ : ١٠١).

وترى من هم (الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ) هنا وجاه المشركين الجاهلين؟ أهم كافة الموحدين ، وقد عبر عنهم في آيات عدة هكذا (وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوابُ اللهِ خَيْرٌ) (٢٨ : ٨٠) (وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ) (٢٢ : ٥٤) (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلائِكَةُ وَأُولُوا الْعِلْمِ ..) (٣ : ١٨).

وكما عبر عن المشركين بالذين لا يعلمون : (وَقالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْ لا يُكَلِّمُنَا اللهُ أَوْ تَأْتِينا آيَةٌ) (٢ : ١١٨)؟.

إنهم كل من اذن له الرحمن وقال صوابا ، إذ (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (٧٨ : ٣٨) فلا يختص بالمعصومين مهما كانوا أليق وأحرى ، ام يختص بهم كرامة لهم ولأنهم أليق بذلك وأولى ، أم هم الأصلاء الأولون ويتبعهم الباقون كما اتبعوهم يوم الدنيا وذلك أشد على الكافرين وأخزى ، رغم ما كانوا يخزون المؤمنين بايمانهم يوم الدنيا ، ولو كان هذا القول مخصوصا بهم لجيء بما يخصهم ك «المخلصين ـ السابقين ـ والمقربين»!.

٣٢٣

وترى إذا كان (الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكافِرِينَ) مختصين بهما ، أفلا يعذب فسقة الموحدين؟ .. بلى ولكنهم الأصلاء في ذلك وسائر اهل العذاب فروع يتّقدون في النار بهذه الصلاء! .. ثم الجمع بين الخزي شركا والسوء فسقا يختص بالكافرين أصلاء وأتباعا ، ولا ينافيه سوء دون خزي على سائر الفاسقين (١) وكما هو الضرورة المستفادة من آي من الذكر الحكيم.

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ ما كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ٢٨

تعريف جامع للكافرين الناكرين لتوحيد الله ويوم الدين (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) حال (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) تاركين حياة التكليف ظالمي أنفسهم دونما توبة.

وكيف (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) وهم قد ظلموا كثيرا من المستضعفين ، وظلموا النبيين وكل حق ناصع قاطع من رب العالمين ، ومن يظلم نفسه دون سواه هو في أهون الظلم وأدناه وقد تشمله المغفرة!.

إن الظلم أيا كان يرجع بضره وشرّه إلى نفس الظالم في مثلث الحياة ، ولا سيما منذ الموت ، وسابق التعريف بهؤلاء الظالمين يكفينا دليلا انهم أظلم الظالمين (وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (٢ : ٥٧) وهم الذين اتخذوا العجل من قوم موسى ، ظلم الشرك.

فليس الله ليظلم كما لا يظلم ، ثم سواه يظلمون او يظلمون ام يظلمون ويظلمون ، و (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) هم ـ فقط ـ الظالمون ، ولأنه راجع إليهم على أية حال ، فهم (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) كسرا لشوكتهم مهما خيّل إليهم

__________________

(١). هنا «يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ ...» لمحة بالغة ان المعز من الخزي هو التأنيث ب «أَيْنَ شُرَكائِيَ ..» وأمثال ذلك مما يوازي التأنيث بالشرك لما يوازي الشرك.

٣٢٤

انهم «ظالمي غيرهم» لا يصلهم من ذلك شيء.

(فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) الذي ما كانوا يلقونه يوم الدنيا بل كانوا يلغونه ، ولكنهم ساعة الاحتضار يستسلمون ولا يفيدهم بعد انقضاء التكليف ، إذ لا حول لهم ولا قوة ولا حيلة الا أن يلقوا السلم ، فإلقاء السلم هنا بعد إلغاءه هناك هو طلب المسامحة عن ذل واستكانة ، والتماس شفاعة ، ام هو الاستسلام لحكم الله ، فهم كمن طرح آلة المقارعة ، ونزع شلة المحاربة ، فهي إذا نظيرة (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) اي لا تستسلموا لها.

وعلى اية حال (فَأَلْقَوُا السَّلَمَ) ماكرين منافقين حيث مقالهم تبرئة لهم (ما كُنَّا نَعْمَلُ (١) مِنْ سُوءٍ)!

وهم في ذلك الكذب الماكر يدّعون العصمة في اعمالهم ، فان «من سوء» المدعى نفيه يستغرق كل سوء قصورا او تقصيرا ، ويا له من كذب كاذب!.

وكيف يسمح لهم بغير الصواب. (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (٧٨ : ٣٨) (وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ) (٧٧ : ٣٦)؟.

ان ذلك مخصوص ببعض المواقف يوم القيامة ، وهذا حين الاحتضار ، وهم بين نشأتي الحياة الدنيا والبرزخية ، وهم من شدة خوفهم يلقون ذلك السلم الماكر ، زعما منهم متعودا ان يفيدهم ، والله يأذن لهم لكي يفضحهم فإذا هم مفضوحون بتكذيب صارح صارخ: (بَلى إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)!

فكما ان عدم الأذن في كلام ـ فضلا عن الكذب هناك ـ ليس إلا هتكا وعذابا ، كذلك الاذن فيه أحيانا هتك وعذاب قضية الجواب كلاما وغير كلام ، وعلى أية حال ليس ليفيدهم هناك صدق ولا كذب ، فلن ينفعوا أنفسهم على اية حال كما لن يضروا الله شيئا بحال.

٣٢٥

ثم وكيف (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) هنا ثم (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) بعد ، وفي ثالثة (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (٣٣ : ١١) وفي رابعة (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (٣٩ : ٤٢)؟.

الله هو المحيي والمميت لا سواه ، ولكنه يرسل ملك الموت لقبض الأرواح ، وملك الموت يبعث جماعة من أعوانه لقبض أرواح المؤمنين وآخرين للكافرين بإذن الله ، وقد يتولى الله قبض أرواح بنفسه المقدسة دون وسيط كالسابقين مثل لرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (١) والمحمديين طول الخط الرسالي فهو المميت لا سواه كما هو المحيي لا سواه ، وانما الملائكة كأرواح السابقين مثل الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) والمحمديين طول الخط الرسالي ، فهو المميت لا سواه كما هو المحيي لا سواه ، وانما الملائكة وسائل ظاهرية للأمانة كما للإحياء ، كما الإلقاء بالنفس من شاهق من أسبابها فهو تبارك وتعالى اجل وأعظم من ان يتولى ذلك بنفسه ، وفعل رسله وملائكته فعله ، لأنهم بامره يعملون ، فاصطفى جل ذكره من الملائكة رسلا وسفرة بينه وبين خلقه وهم الذين قال الله فيهم (اللهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً وَمِنَ النَّاسِ) فمن كان من اهل الطاعة تولت قبض روحه ملائكة الرحمة ، ومن كان من أهل المعصية تولت قبض روحه ملائكة النقمة ، ولملك الموت أعوان من ملائكة الرحمة والنقمة يصدرون عن امره وفعلهم فعله وكل ما يأتونه منسوب اليه ، وإذا كان فعلهم فعل ملك الموت وفعل ملك الموت فعل الله ، لأنه يتوفى الأنفس على يد من يشاء ويعطي ويمنع ويثيب ويعاقب على يد من يشاء وان فعل أمناءه فعله كما قال (وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ)(٢).

__________________

(١)ملحقات احقاق الحق ٦ : ١٣٩ و ١٦ : ٥٠٥ من قول عزرائيل للنبي (ص) ليلة المعراج : «قد وكلني الله بقبض أرواح الخلائق ما خلا روحك وروح ابن عمك علي بن أبي طالب فان الله** يتوناكما بمشيته** ـ كيف يشاء ويختار» أخرجه تسعه من أعلام إخواننا السنة.

(٢) نور الثقلين ٣ : ٥١ عن الاحتجاج للطبرسي عن امير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل يقول مجيبا لبعض الزنادقة وقد قال أجد الله تعالى يقول (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) و (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ـ

٣٢٦

(فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ)(٢٩).

(أَبْوابَ جَهَنَّمَ) هي طبقاتها السبع ، بأبوابها السبع ، والأبواب الأسباب لدخولها وهي الرذائل السبع ، دون السبع الثانية الى عرصة واحدة ، حيث التعبير الصالح لها «فادخلوا من أبواب جهنم» دون (أَبْوابَ جَهَنَّمَ) فانها مدخل لا مدخل ، ثم (خالِدِينَ فِيها) تخلدهم في تلكم الأبواب ، ولا خلود لأي داخل من باب في الأبواب (١)!.

وهل انها (أَبْوابَ جَهَنَّمَ) في الحياة البرزخية كما هي قضية الحال لحال الاحتضار ، ولمّا تقم القيامة حتى يدخلوا أبواب جحيمها؟ وليس هنالك خلود حيث تنتهي حين تقوم القيامة الكبرى!.

ام انها (أَبْوابَ جَهَنَّمَ) الآخرة ، امرا في الحال ، بيانا للمآل ، وتطبيقا في الاستقبال؟ وجهنم البرزخ أقرب للدخول ، وأحرى من الآخرة أمرا بالدخول ، والخلود هو البقاء مدة طويلة ، والحياة البرزخية طويلة أمام الدنيا ، مهما كانت قصيرة أمام الآخرة!.

أم انهما معا معنيّان ، امرا استمراريا بدخول أبواب جهنم برزخا وفي

__________________

ـ طَيِّبِينَ)

وما أشبه ذلك ، فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت ومرة للملائكة؟ ـ فاما قول الله عز وجل (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) وما أشبه ذلك ، فمرة يجعل الفعل لنفسه ومرة لملك الموت ومرة للملائكة ، فاما قول الله عز وجل : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) وقوله (يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ) و (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا) و (تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ) و (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) فهو تبارك وتعالى اجل وأعظم من ان يتولى ذلك بنفسه ... أقول اجل انهن اجلّ من ذلك ، وهذا يلمح بانه يتولى بنفسه قبل أرواح الاجلاء من خلقه ، ثم من دونهم ملك الموت ثم ملائكة الرحمة ، ثم للكفار ملائكة العذاب.

(١) راجع الى تفسير الآية «لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ ...» في الحجر.

٣٢٧

الآخرة ، وذلك أحرى ، (فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ) في الآخرة والاولى ، والآخرة لهم أنكى وأبقى ذلك بما هنالك للضفّة الجهنمية ، ثم الى ضفّة الجنة وأصحابها حرفا بحرف واين حرف من حرف؟

(وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ما ذا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) ٣٠.

«خيرا» هنا هي خير تلخيص لما انزل ربكم ، وقد يعم كل نازل من مقام الربوبية تكوينا وتشريعا ، ومن كتابات الدعوة والرسل الداعية ، وما سهّل الرب لهم حتى تسهّل لهم قبول الدعوة ، كل ذلك تعنيها «خيرا»!.

ف «خيرا» هنا وجاه ما هناك (أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ) ثم (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ..) هنا وجاه ما هناك «ليحملوا ـ إلى ـ مثوى المتكبرين» إذ لو كانت هذه من مقالتهم بعد «خيرا» لكانت قضية الحال فصاحة وبلاغة «لنا في هذه الدنيا حسنة .. ولدار الآخرة خير لنا» فإنهم هم المتقون أنفسهم ، كما و (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها ..) دون «ندخلها» قرينة أخرى على أنها مقالة الرحمة جوابا عن قولهم «خيرا».

ف (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) : أحسنوا في هذه الدنيا عقيدة وعملا صالحا ، لهم «حسنة» في كل النشآت ، كما لهم (فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ) والأصل تعلق «في هذه» ب «أحسنوا» وتعلقه فقط ب «حسنة» تختص الحسنة بهذه الدنيا وهو خلاف الضرورة ، اللهم إلّا تعلقا هامشيا ان لهم حسنة في هذه الدنيا كما في الآخرة ، وكما يتطلبون في دعائهم : (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢ : ٢٠١).

ومن حسنة الدنيا للذين أحسنوا في هذه الدنيا نصر الله الموعود لهم :

٣٢٨

(إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ) (٤٠ : ٥١) وكما منها حياتهم فيها بحذافيرها وظلماتها وظلاماتها وشهواتها ، فإنهم يجتازونها سالمين وكما يروى عن رسول الهدى (ص): جزناها وهي خامدة!.

لكن (وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ) حسنة من الدنيا للذين أحسنوا فيها (وَلَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) أهي الدار الآخرة ، حيث الدنيا لهم مدرسة ودار مجاز ، لا دار مقام ، مهما كانت هي ـ ايضا ـ كذريعة وعلى هامش الآخرة نعم الدار حيث المتقون دنياهم آخرة لأنها مزرعة الآخرة؟ ام هي الدنيا لقرن (دارُ الْمُتَّقِينَ) بالآخرة (١) ، أم هي دورهم كلها في النشآت الثلاث ثانيتها دار البرزخ ، فلأنهم يتقون محاظيرهم ، فلنعم دارهم حيثما دار ، تقوى في الاولى ، ونتيجة التقوى في الأخريين ، مهما كانت الآخرة أنعم وأحسن الحسنيين.

ف (لَنِعْمَ دارُ الْمُتَّقِينَ) حيثما دار في النشآت الثلاث وأوسطها البرزخ ، مهما كانت الآخرة أنعم وارقى ، وهي :

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) ٣١.

فمهما كانت لهم الحياة الدنيا الإيمانية ، «جنات» ومن وراءها في البرزخ جنات ، ولكنها غير عدن مهما كانت البرزخ أطول من الدنيا ، وفي النشأة الثالثة والأخيرة لهم (جَنَّاتُ عَدْنٍ) واستقرار لا موت فيها ولا خروج عنها لأنها عطاء غير مجذوذ ، فهي هي دار المتقين مهما كانت لهم في الأولى والثانية دار حيات وعيشة حسنة.

__________________

(١) نور الثقلين ٣ : ٥٢ عن تفسير العياشي عن ابن مسكان عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله : ولنعم دار المتقين ـ قال : الدنيا ـ أقول وهذا تفسير بالمصداق الأدنى فأوسطه البرزخ وأعلاه الآخرة.

٣٢٩

(جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها) في قيامة الإحياء ، بعد ما كانوا في جنات برزخية ، (لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ) وبطبيعة الحال لا يشاءون فيها إلا كما يناسب ظروف الجنة وأهلها المتقين «كذلك» العظيم الرحيم العميم (يَجْزِي اللهُ الْمُتَّقِينَ) :

(الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) ٣٢.

وهذه الجنة ـ وهي عند ما يتوفّون ـ هي البرزخية ، وليست هي العدن التي لا يدخلونها إلّا في الآخرة ، فهذه ـ اذن ـ من الآيات الدالة على الحياة البرزخية. و «طيبين» هنا مقابل «ظالمين» هناك هم الطيبون من الظلم (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (٦ : ٨٢) من أظلم الظلم وهو الشرك ، ثم سائر الظلم ، فهم ـ إذا ـ من ليست له حين يتوفّى إلّا الجنة ، كما الأولون هم من ليست لهم إلّا النار ، وبينهما عوان يجمع لهم بين العذاب والثواب ، لم يذكروا هنا وهناك.

ثم الطيب هو ما يستطاب كما هو ما يستطيب ، والطيبون عند توفيهم تستطاب أقوالهم ونياتهم واعمالهم ، وهم عند الله مرضيون يستطابون ، فأوّل ما يقال لهم (سَلامٌ عَلَيْكُمْ) قولا وفعلا وحالا ، ومن سلامهم فعلا : (ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) على ضوء الايمان والطيب.

(هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) ٣٣

(هَلْ يَنْظُرُونَ) وينتظرون حماقى الطغيان ، اصحاب القلوب المقلوبة المنكرة المستكبرة ، الكافرة المضلّلة ، (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ ...)؟ هنا ، وفي البقرة (... إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَالْمَلائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) ٢١٠ ثم في الانعام : (... إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ

٣٣٠

يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آياتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمانُها لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمانِها خَيْراً قُلِ انْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ) ١٥٨ : انتظارات مبكرّة لما يأتي في وقته المقرر له ، هنا ام عند الموت ام يوم القيامة ، ام مستحيلة كإتيان الله مع الملائكة ، (فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ) (٣٥ : ٤٣)؟ (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) ـ : (قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللهُ بُنْيانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ فَخَرَّ عَلَيْهِمُ السَّقْفُ مِنْ فَوْقِهِمْ وَأَتاهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ) (١٦ : ٢٦) (وَما ظَلَمَهُمُ اللهُ) في ذلك العذاب الماكر الباكر (وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) حيث تطلبّوه مبكّرا واستحقوه من قبل بما عملوا ، وأولى لهم حين تطلبّوه.

ونظرتهم ان تأتيهم الملائكة ، علّها إتيانهم لهم بالوحي ، ام بتصديق محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث يدعي الوحي ، أم بالعذاب الموعود لهم إن لم يؤمنوا وهم مستمرون في التكذيب والتأنيب والتضليل ، واللفظ وقضية الحال يناسبان ثالوث الانتظار الاحتضار.

(أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ) علّه هو امر الله فلا تستعجلوه ، سواء أكان أمر انتصار الحق ، هنا وفي الآخرة ، هزء ، إذ ما كانوا به يؤمنون ، ام امر استئصالهم ، ام امر القيامة حتى يصدقوها بالمشاهدة فكذلك الأمر ، وهنا «ربك» تلمح بانه انتظار لما ينكرونه تعنتا ، لأنه من اختصاصات وحي الرسالة.

وعجب من أمر هؤلاء ـ الإمر ـ فإنهم يرون ويسمعون ما حلّ بمن قبلهم ، ممن سلكوا مسلكهم ، ثم هم من بعدهم يظلون سادرين ما سادروا ، ضالين كما ضلوا ، غافلين عن سنة الله في الغابرين ، وإنها لن تحابيهم ولا تتوقف إزاءهم وقفة عن أذاهم إذا هم سادرون كما هم ، كأنهم أقوى منهم! فما اغفلهم وأغواهم عن مصيرهم بمسيرهم :

٣٣١

(فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) ٣٤.

عمل السوء سيئة ، وأثره بطبيعة الحال سيئة ، في الدنيا وفي الآخرة ، وهنا (فَأَصابَهُمْ سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) علها هي الأعمال نفسها ، حيث ظهرت بشيء من حقائقها يوم الدنيا عذابا يمثل الأخرى ، وقد عبّر عنه ب (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) دون ما عملوا ، فان للأعمال الخاطئة نشآت ثلاث ، يوم الدنيا حيث تظهر بشيء من حقائقها كما تناسب الدنيا وليست هي دار جزاء ، ثم تظهر بشيء أوفر في البرزخ ، ثم في الاخرى يجزاه الجزاء الأوفى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ، وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ، ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى) (٥٣ : ٤).

فلان السيئة وجاه الكبيرة هي القليلة وجاه الكثيرة ، ف (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) هي قليلة من كثيرة ، فان (ما عَمِلُوا) كبائر ما أكبرها ، وما أصابهم ليس إلّا شطر قليل من حقائقها الجهنمية.

ولان (ما عَمِلُوا) ليست إلّا خطايا ، ف (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) ليست اضافة تقتسم ما عملوا الى سيئات وسواها ، ولا اضافة الصفة الى موصوفها ، إذ تشمل كل خطاياهم وما أصابهم إلا سيئاتها هنا ، بل هي اضافة الجزء الى الكل ، فلم يصبهم كل ما عملوا لأنه مؤجل الى الآجلة ، وانما بعض مما عملوا قليل ، فانه للعاجلة ، كما البرزخ بينهما للبرزخ بينهما ، هذا ، مهما كان هناك (سَيِّئاتُ ما عَمِلُوا) الظهور التام لاعمالهم يوم القيامة ، اضافة الصفة الى موصوفها ، حينما تقوم قرينة : (وَبَدا لَهُمْ سَيِّئاتُ ما كَسَبُوا وَحاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) (٣٩ : ٤٨) فانها بعد ذكرى من سوء العذاب يوم القيامة ، واما هنا فهو يوم الدنيا.

(وَحاقَ بِهِمْ) حيطة مزمجرة مدمّرة هنا (ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) من عذاب الاستئصال ، وكما كانوا ينظرون (أَمْرُ رَبِّكَ) نظرة الهزء ، المتعنتة.

٣٣٢

(وَقالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آباؤُنا وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ٣٥.

هؤلاء (الَّذِينَ أَشْرَكُوا) هم الذين خولطوا فخالطوا بين المشيئة التكوينية والتشريعية ، فلانهم يرونهم مشركين ، فلو شاء الله ألّا يشركوا ما كانوا مشركين ، إذا فقد شاء الله شركهم فأشركوا كما شاء ايمان الموحدين فوحّدوا.

ف «لو» هنا ـ على حد تعبيرهم الخالط الغالط ـ تحيل مشيئة التوحيد لهم ، استدلالا بواقع شركهم ، وأن مشيئة الله لا تغلب ، إذا فقد شاء واقع الشرك منا فأشركنا ، ام لم يشأ منا شيئا لا شركا ولا سلبه فلما ذا تدعوننا إلى رفضه ، ام شاء التوحيد فتغلبت مشيئتنا على مشيئة الله وذلك كفر بالله ، فهكذا يتبرر شركنا بالله ، حفاظا على كرامة الله!.

ومنهم الجبرية الناكرة للاختيار في الأفعال ، يقولون مثل قولهم ، و (كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) من المشركين ، استصوابا لفعلهم بذلك البرهان الماكر الحاكر ، ولكن :

(فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) أنه ما شاء ولن يشأ شركهم في شرعته ، ودعاهم ببلاغ رسالي مبين في الآفاق وفي أنفسهم إلى توحيده ، وخيّرهم بين الايمان والكفر ، ورغّبهم في الايمان ونددهم بالكفر (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ)؟!.

فقد شاء الله ألا تعبدوا إلّا إياه امرا مخيرا ، ولم يشاء الله ان تعبدوا سواه أمرا مسيّرا :

(وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) ٣٦.

و (لَقَدْ بَعَثْنا) ـ إلى ـ (الطَّاغُوتَ) يحمل امره التشريعي ، ثم (فَمِنْهُمْ ...

٣٣٣

الضَّلالَةُ) يحمل التكويني ، وانه لا يهدي إلّا من اهتدى : (الَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً) ولا يضل إلّا من ضل : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) تشريع يحبذ الإيمان ، وتكوين بعد الكفر أو الإيمان ، فليست بداية الكفر او الايمان ـ إذا ـ تسييرا دون اختيار ، وانما مزيد الكفر والايمان جزاء وفاقا.

وهؤلاء الذين ضلوا باختيارهم وعلى علم ، معاندين للحق ومحايدين للباطل ، ليس الله ليهديهم تسييرا بعد ما اختاروا الضلالة فأضلهم كما ضلوا ، وان كنتم في ريب من بعث الرسل حاملين مشيئة الله التشريعية في التوحيد والمعاد والشرعة الموصلة بين المبدء والمعاد ، ام في ريب من عاقبة المكذبين لهذه الرسالات (فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ) تأريخيا وجغرافيا ، سيرا بأنفسكم في أكناف الأرض؟ وذلك غير ميسور لاكثر اهل الأرض! ام سيرا في التأريخ الجغرافي والجغرافيا التاريخي نظرا في السير؟ وفيها حق وباطل! ام نظرا في القرآن؟ وهو اضمن سير وأسلمه ، وفي مثلث السير ذكرى مهما اختلفت الدرجات.

(إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) ٣٧.

(لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ) به. بما ضل ، ولا «من يضل» سواه بما أضل ، فمن ضل وأضل ليس الله ليهديه سواء السبيل ، اللهم بإكراه وهو خلاف سنة الله (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (١٠ : ٩٩) ، ثم (وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ) يهدونهم بعد ما أضلهم الله وما هدى ، ولا من ناصرين ينجونهم من عذاب الله الموعود لهم ، ولماذا «من ناصرين» وهي لا تنفي سوى الجمع فعلّ لهم ناصرا ان لم يكن ناصرون؟.

«من» هنا تجتث جذور النصرة أيا كانت ومن اي ناصر ، والجمع هنا ابلغ لاستغراق النفي ، ف «من ناصر» قد يعنى به ناصر يزعمونه

٣٣٤

كاصنامهم ، و «من ناصرين» يحلّق على كل ناصر أيا كان ، إلهيا رساليا وملائكيا ، ام سواهم ، فلا نصرة هناك بعد ان لم ينصره الله ولن ..

رجعة تفصيلية الى الآيات الثلاث.

«ما عبدنا» مفعول ل (لَوْ شاءَ اللهُ) كما قال الله (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا) وترى كيف تتعلق المشيئة بالعدميات؟.

ان (ما عَبَدْنا) في ظرف إرادة العبادة ، امر إعدامي وليس عدميا لا تتعلق به المشيئة ، فالأمور بين عدمي ووجودي ، والثاني ايجادي وإعدامي ، والمشيئة المتعلقة ب (ما عَبَدْنا ..) تتعلق بإعدام التوحيد ، إيجابا لعبادة ما سوى الله وسلبا لعبادة الله ، وهما أمران وجوديان دون العدمي الذي لا تتعلق به مشيئة الإعدام فانه تحصيل للحاصل ، ولا مشيئة لإيجاد حيث المعدوم لا يوجد ، ولا يعني الخلق الإيجاد من اللّاشيء ، بل هو بين الإيجاد لا من شيء والإيجاد من شيء.

فعلى زعمهم الخالط هنا مشيئتان اثنتان ، منا ان نعبد سواه ، ومنه الّا نعبد سواه ، و (لَوْ شاءَ اللهُ ما عَبَدْنا ..) وتغلبت مشيئته على مشيئتنا ، فلم يشأ ـ إذا ـ ألّا نعبد ، بل شاء ان نعبد ، ام لم يكن له دور ايجابي او سلبي في عبادتنا ، فهي ـ إذا ـ مشيئتنا فقط : ان نعبد سواه ، ام ويشاء ما شئناه فتوافقت المشيئتان وتجاوبت.

و «من» الأولى في (ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) بيانية ، والثانية جنسية تستأصل كل شيء ، مشيئة تجعلنا لا نشرك به شيئا ابدا ، بل نعبده موحدين إياه.

ف «من دونه» تشمل كلا النفي والإثبات المعنيين ب (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) : مشيئة إلهية تمنعنا عن عبادة ما سواه ، وتحملنا ان نعبده لا سواه ، فقد تعلقت المشيئة هنا بأمرين وجوديين ، إيجاد التوحيد واعدام الشرك ، والثاني أصعب من

٣٣٥

الأول حيث يتطلب مشيئة أقوى منه ، ومثالا عليهما العبادات الايجابية كالصلاة والسلبية كالصوم ، فهل الصوم لا يحتاج الى مشيئة وارادة وهو صد النفس عن المشتهيات المبطلة له ، وذلك أصعب من مشيئة الصلاة.

وهكذا يكون دور السلب في «لا إله» فانه أصعب من دور الإيجاب في «إلّا الله» فكيف يعتبر سلب الإشراك امرا عدميا لا تتعلق به مشيئة ، بل هو اعدامي أقوى من الإيجاد و (ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) هو (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) الجامعة بين السلب والإيجاب ، وهي تتطلب مشيئتين اثنتين ، فأين تعلقها بأمر عدمي حتى تتطلب توجيهات في الحق هي تحمليات لا تتحملها الآيات!.

وهكذا الأمر في (وَلا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ) فكنا ـ إذا ـ موحدين إياه مطيعين له فيما أحل او فرض ام حرم ، فواقع شركنا وتحريمنا ، دليل على واقع اللّامشيئة الإلهية للايمان والطاعة ، بل وواقع مشيئة الإشراك والمعصية!.

ثم وفي «لو» المحيلة لأصالة أصل التوحيد أولا : (ما عَبَدْنا) ولفروع الشرعة التوحيدية ثانيا : (وَلا حَرَّمْنا) إحالة لصحة الشرعة التي يحملها رسل الله ، وذلك أعضل داء بين عضال الأدواء لهؤلاء الحماقى ، تكذيبا غاليا قاليا لكافة الرسالات الإلهية بصورة الاحترام وسيرة الاخترام ، حانقا خانقا مريبا للذين لا يعقلون : (وَقالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ... بَلْ قالُوا إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) (٤٣ : ٢٢).

ذلك (فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) ولقد أبانوا ببلاغهم ليل نهار الحقّ كله كما يحق ، وتقبله الفطر والعقول ولكنهم لا يعقلون!.

انهم ـ ككل ـ لا يحملون إلا شرعة الله ، واما مشيئة الله ان يحملوا بها

٣٣٦

الكافرين على الايمان؟ فلا! ولا ان الله يحمل أحدا على كفر او ايمان (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ) (١٨ : ٢٩) دونما حمل يسير ، وانما هو توجيه يخيّر كما في تكوينهم ، ثم يختار لهم كل خير.

ذلك نكرانهم لأصلي التوحيد والنبوة وفروع الشرعة ، ومن ثم ثالث ثلاثة نكران الآخرة:

(وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ٣٨.

هنا بعد ما كلّوا عن التدليل لعدم البعث أم إحالته ، كما فعلوا بما افتعلوا في اصلي التوحيد والنبوة والشرعة الإلهية ككل ، هنا يقسمون بالله جهد ايمانهم بهامتها في نهايتها : (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) متظاهرين انهم يحترمون الله فيما كانوا يخترمون : (لَوْ شاءَ اللهُ) فهم ـ إذا ـ يحلفون بمن يحترمونه وفوق المؤمنين به المفترين عليه انه بعث برسالة التوحيد والمعاد! وقد يقوم حلفهم مقام البرهان ، فسواء قال الله : لا أبعث من يموت ، أم قاله هؤلاء المخصوصون بالله!.

والجواب عن ذلك الإقسام الخاوي عن اي برهان كلمة واحدة «بلى» ولماذا؟ لان الحلف لا يقوم مقام البرهان في الأصول العقائدية العقلية ، سلبيا وايجابيا ، ولا سيما الفطرية كأصل الحياة بعد الموت ، فانها تعم الجهال والمجانين ، فضلا عن العقلاء المدعين العلم.

ثم وفيما يقوم الحلف مقام البنية القائمة مقام البرهان ، لا يقبل الحلف إلّا بما يؤمن به الحالف ، فكما أن حلف الملحد في الله لا يقبل ، كذلك المشرك بالله ، بل ولا الموحد المتزعزع في ايمانه ، فكيف يقبل ـ إذا ـ من المشرك المتهتك ساحة الربوبية اكثر من الملحد ، حيث يفتري على الله أنه لم يشاء منه الايمان ، ام أجبره على اللّاإيمان؟ رغم بعث الرسل تترى داعية الى الايمان.

٣٣٧

إذا فلا رد على ذلك الحلف برهانيا إذ لا يملك برهانا يرد بمثله ، اللهم إلّا «بلى» جوابا عن «لا» ولكن الله يبرهن هنا بعد «بلى» بأجمل بيان وأكمله : (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) : وعدا منه تعالى : (أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَلا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً. وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَعْدَ اللهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللهِ قِيلاً) (٤ : ١٢٢).

ولقد أصبحت حتمية يوم البعث لحدّ تسمى في آيات عدة بالوعد ويوم الوعد والى ان سماه الناكرون له بالوعد (وَيَقُولُونَ مَتى هذَا الْوَعْدُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٣٤ : ٢٩)(١) وليس (وَعْداً عَلَيْهِ) ـ فقط ـ بما أخبرنا بألسنة رسله حتى تنكر ب (لَوْ شاءَ اللهُ ..) بل وسائر الآيات الإلهية آفاقية وانفسية تؤكد أنه (وَعْداً عَلَيْهِ).

فالفطرة العاشقة لاستمرارية الحياة بعد الموت ـ دونما فتور في هيمانها لها مع العلم بواقع الموت ، ولا فترة لها فيما تعشقه رغم ما يرى من عامة الموت ، وحتى إذا قرب صاحبها الى الموت ، واحتمال أن المعشوق لا يعدو الخيال ، فضلا عن حتمية الخيال ـ مما يهدم صرح العشق ، ولكنما الفطرة تعشق الحياة المستمرة واقعيا ، ويزداد له تعشقا كلما يكبر صاحبها والى قرب الموت ، وذلك دليل قاطع لا مرد له على حتمية الحياة بعد الموت فطريا.

ثم العقل الحاكم ان السماوات والأرض لم تخلقا عبثا ولا الإنسان عبث في ذلك الكون الشاسع ، وقضية عدل الله العليم القدير الرؤف الرحيم أن الإنصاف للمظلومين من الظالمين ضرورة قاطعة قاصعة.

كل ذلك يؤكد (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) ثابتا لا حول عنه «حقا» لا يبطل ولا

__________________

(١) وكذلك في ١٠ : ٤٨ و ٢١ : ٣٨ و ٢٧ : ٧١ و ٦٧ : ٢٥ و ٣٦ : ٤٨ و ٦٧.

٣٣٨

يزول ، فانه اصل اصيل في كتابي التكوين والتشريع ، فلو خالف وعده فقد خالف ربوبيته ، وخالف احكام الفطرة التي فطر الناس عليها ، وأحكام العقل ، واحكام كل حكم عدل حكيم.

ونقمة الظالمين أحيانا يوم الدنيا لا تكفي انتصارا للمظلومين ، لو لا حياة بعد الموت تكفّى فيها نقماتهم ، وتكفّي للعادلين والمظلومين نعماتهم.

إذا فيوم الوعد ليس وعدا باطلا ، ام حقا زائلا يقبل البداء ، (بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا) عليه في كتاب التكوين فطرة وعقلا وعدلا ، وعليه في كتابات التشريع طول التأريخ الرسالي دونما تخلف وخلاف ، وليس الله ليترك ما عليه ـ وهو لزام ربوبيته ـ لما يحلفون بالله كاذبين جهد ايمانهم (لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ).

(وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) ان ذلك وعد عليه ، تجاهلا مقصرا ، لا جهلا قاصرا الإقسام للمشركين وقد نطق به القرآن في آيات عدة!.

وعلى هامش نكران البعث يوم البعث نكران الرجعة قبل البعث في دولة القائم (عليه السلام) ، وقد تعنيه الآية تأويلا من باب الجري في المصداق الأدنى ، فإنهما من باب واحد مهما اختلف النكر بين النكرانين ، فهناك مشركون وهنا طائفة من المسلمين.

وترى كيف اقسم المشركون بالله ، وأصنامهم التي أشركوها بالله هي أعزّ لهم من الله؟ إذ يعبدونها من دون الله؟

إنهم مؤمنون بالله انه الأصل بين الآلهة ، مهما يعبدون الأصنام دون الله ، ولكنهم ـ وهم أمام المؤمنين بالله ـ لا بد وان يقسموا بمن يتصادقون في الايمان به وهو الله ، لا سيما وانهم المتظاهرون بمظهر الدافع عن الله ،

٣٣٩

وهنالك إقسامات لهم بالله تحملها آيات اخرى (١).

فتبا لمن يختلق ما يخالف القرآن ثم ينسبه الى اهل بيت القرآن أن «تبا لمن قال هذا»(٢).

(لِيُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي يَخْتَلِفُونَ فِيهِ وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّهُمْ كانُوا كاذِبِينَ) ٣٩.

فهب انه لا برهان على ضرورة البعث بعد إمكانيته ، ولكن الله الذي يعلم ذلك الاختلاف الدائب بشأن البعث تثبيتا وإنكارا ، عليه أن يبين الحق ليزول الخلاف ، بيانا لا مرد عنه ولا محيص ، ويتصادق في تصديقه المختلفون ، ولم يفعل هكذا يوم الدنيا ، فليكن بعدها يوم ـ ولا اقل ـ للبيان

__________________

(١) كالآية : : ٦ : ١٠٩ و ٣٥ : ٤٢ و ١٤ : ٤٤. مهما وردت آيات اخرى في إقسام المنافقين كالآية : ٢٤ : ٥٣ و ٥ : ٥٣.

(٢) نور الثقلين ٣ : ٥٤ عن روضة الكافي سهل عن محمد عن أبيه عن أبي بصير قال قلت لابي عبد الله (عليه السلام) قوله تبارك وتعالى : واقسموا بالله جهد ايمانهم .. قال : فقال لي : يا أبا بصير ما تقول في هذه الآية؟ قال : قلت ان المشركين يزعمون ويحلفون لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ان الله لا يبعث الموتى ، قال فقال : تبا لمن قال هذا ، سلهم هل كان المشركون يحلفون بالله ام باللات والعزّى؟ قال قلت جعلت فداك فأوجدنيه ، قال فقال يا أبا بصير لو قد قام قائمنا بعث الله قوما من شيعتنا قباع سيوفهم على عواتقهم فيبلغ ذلك قوما من شيعتنا لم يموتوا فيقولون بعث فلان وفلان من قبورهم وهم مع القائم فيبلغ ذلك قوما من عدونا فيقولون يا معشر الشيعة ما اكذبتم هذه دولتكم وأنتم تقولون فيها الكذب لا والله ما عاش هؤلاء ولا يعيشون الى يوم القيامة ، قال : فحكى الله قولهم فقال : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللهُ مَنْ يَمُوتُ) أقول ورواه مثله باختلاف يسير سيرين وابراهيم القمي عن بعض رجاله عنه (عليه السلام).

ولا سبيل لتصديق هذه الروايات إلا انها تأويل للبعث الى نطاقه الأعم من أعلاه الى أدناه ، وتبّا لمن قال هذا تب للاختصاص ، مهما كان ظاهره الاختصاص.

٣٤٠