الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٥

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٥

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: مطبعة أمير
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٥٦

بشروطه فليعش الظالمون بين الخوف والرجاء ف «لو لا عفو الله وتجاوزه ما هنأ لأحد العيش ولو لا وعيده وعقابه لا تكل كل أحد» (١).

(وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ)(٧):

لقد طعنوا في نبوته بنكران الحشر أولا ، وباستعجال عذاب الاستئصال ثانيا ، وهنا يستأصلونها ـ في زعمهم ـ أن ليست لنبوته آية ثالثا ـ وبذلك الثالوث المنحوس يظنونهم غالبين! ولم يأتوا فيها بشيء مبين إلّا شبهات واهية وادعاءات خاوية!

(لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ) هي مقالة الناكرين لهذه الرسالة السامية ، وليست هي من آيات الشرعة التدوينية فهنالك القرآن أفضل آية! إذا فهي آية تكوينية لرسالته كما أوتي رسل الله من قبل : (وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللهِ اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ ..) (٦ : ١٢٤) فقد كانت له آيات تكوينية عابرة على ضوء آية القرآن القمة الأصيلة ، ولكنهم كانوا يتطلّبون منه آية كما أوتي رسل الله ، تعذيبية مدمرة ، أم إرشادية مقترحة كما يشتهون ، وهذه الآية كأضرابها إجابة قاطعة عما كانوا يقترحون ، فعن آيات مستأصلة : (وَما مَنَعَنا أَنْ نُرْسِلَ بِالْآياتِ إِلَّا أَنْ كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها وَما نُرْسِلُ بِالْآياتِ إِلَّا تَخْوِيفاً) (١٧ : ٥٩)(٢) وعن سائر الآيات الحسية العابرة (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فتلك الآيات الغابرة كانت تهدي من له شرعة

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ٤٥ ـ اخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): لو لا ..

(٢) راجع تفسيرها في الاسراء.

٢٦١

عابرة ، ولكنما الشرعة الدائبة القرآنية فآيتها دائبة كما هيه ، فلا تكون ـ إذا ـ كما أرسل الأولون.

وعن مطلق الآيات المقترحة أيا كانت : (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) دونما أصالة في الإتيان بآية ، أم وكالة عن الله في أيّة آية : (وَأَقْسَمُوا بِاللهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ) (٦ : ١٠٩).

طبيعة آيات الرسالات أن تدل على صادق الوحي تدوينية كانت أم تكوينية ، تخويفية أمّاهيه ، فإنما الغاية المقصودة منها هي الحجة البالغة الإلهية ، فليست ـ إذا ـ في كمياتها وكيفياتها ، في أمكنتها وأزمنتها ، في الرسل الذين يؤتونها ، ليست في ذلك كله إلّا كما يراه الله ويرضاه صالحة للتدليل على رسالة الوحي ، ف (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٦ :) ١٢٤) : رسالة الوحي ، ورسالة الآية الدالة على الوحي أمّاهيه من كميّة وكيفية في ايّ زمان أو مكان من رسالته.

ف (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) نكران لربوبيته له وإن كان ربا ، إذ ما خوّله استنزال آيات كما يريدون ، ومنها السيئة التي بها يستعجلون ، وكسائر الآيات التي أرسل بها النبيون ، والجواب كلمة قاطعة قاصعة : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) و (إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللهِ وَإِنَّما أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً .. (٢٩ : ٥٢) (وَيَقُولُونَ لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا ..) (١٠ : ٢٠) مما يخص العلم بالآيات المعجزات والقدرة عليها واستصلاحها بالله تعالى شانه العزيز.

وهنا نجد في الإجابة عن سؤال : (لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ) تعريفا بكيان الرسول ككل (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) إنذارا بالوحي : (إِنَّما أُنْذِرُكُمْ

٢٦٢

بِالْوَحْيِ) (٢١ : ٤٥) وأما الوحي وآية الوحي فلست منهما في شيء ، فإنهما ـ فقط ـ من الله دون سواه! ثم (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) من رسول كما أنا ، ومن وحي كما القرآن ، ومن آية للوحي كالقرآن وما قبله من آيات معجزات ، ومن سائر ما يدل على رسالة الوحي.

ليس (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) عطفا على «منذر» إذ لم يكن الرسول بشخصه ولا برسالته هاديا لكل قوم ، حيث الأقوام قبله وقبل أقوامه كانت لهم هدات سواه ، ثم الصيغة الصحيحة عن مغزى العطف «إنما أنت منذر وهاد لكل قوم» حتى لا يلتبس المعني بينه وبين سواه ، حيث القرآن بيان في قمته ، ثم لا رباط في هداه (لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) كما لا رباط بخصوص الهداة إليه ، فلتعم كل هدى لكل قوم ، أصلية وفرعية ، رسالة أم آية لها معجزة تدل عليه.

فإنما (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ) تسلب عنه سائر المسؤوليات والمسئلات إلّا الإنذار ، فليس آية الوحي بيده كما الوحي ، فإنهما من عند الله ، ثم الله لا يهدي كل الأقوام بنسق واحد وآية واحدة ، بل (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) إلى رسالة الوحي ، «هاد» رسولي ككافة الآيات المعجزة وفقا لمناسبات الزمن وأهله والحاجيات التي يعيشونها ، ووفقا لصبغة الرسالة وصيغتها وصنيعتها ، فالرسالة القرآنية في أجواء الفصاحة والبلاغة تتطلب آية خالدة تمشي مع الزمن هادية في كل الزمن حتى آخر الزمن ، وهي بمتناول الأيدي في كل مكان وزمان ، زمن الرسول وبعده حتى آخر زمن التكليف ، إذا فلا هادي إلى رسالة الوحي الأخير إلّا نفس الوحي الأخير في صيغة التعبير ، وما يحويه من كل صغير وكبير : (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ)؟! ، مهما كان نفس الرسول قرآنا كما القرآن وأفضل ، حيث يزيد بيانا وتفسيرا وتعبيرا علميا وتطبيقا (إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ) (٣٦ : ٦٩) فهو والقرآن يهديان إلى رسالة وحيه أصالة ، ولكنما الهداية المنفصلة عنه إلى

٢٦٣

وحيه وشرعته تتمثل في الهداة معه وبعده ، و «لكل قوم» يشملهم ومن قبلهم من رجالات السماء وخلفائهم ، والقرآن آية خالدة تمشي مع الزمن بردح يوازي ردح الرسالة لرسول الزمن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم).

فلا تنوب مناب هذه الآية الخالدة أيّة آية مضت في الرسالات الخالية غير الخالدة ، إذ ليست لتهدي الى هذه الرسالة السامية حجة لها بالغة ، إلّا عابرة غابرة تخص زمن الرسول.

ومن ثم هناك هاد رسالي كمن رباه الرسول وصنعه على عينه من هارون لموسى والحواريين للمسيح ، ومن علي امير المؤمنين للرسول الأقدس محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فانه هاد لرسالة وحيه وشاهد منه : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ ..) (١١ : ١٧) وقد تلاه شاهد لرسالته منفصل عنه متصل به لأنه منه.

فعلي (عليه السلام) أصدق مصاديق من (لِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) وكما يروى عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما تواتر عنه أنه وضع (صلى الله عليه وآله وسلم) يده على صدره فقال : أنا المنذر وأومأ بيده إلى منكب علي (عليه السلام) فقال : أنت الهادي يا علي بك يهتدي المهتدون من بعدي» (١) اهتداء إلى هذه الرسالة السامية دون أية نقيصة أو زيادة.

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ٤٥ ـ اخرج ابن جرير وابن مردوية وابو نعيم في المعرفة والديلمي وابن عساكر وابن النجار قال لما نزلت : انما أنت منذر ولكل قوم هاد ـ وضع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يده ... واخرج مثله ابن مردويه عن أبي برزه الاسلمي سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول : انما أنت منذر ووضع يده على صدره نفسه ثم وضعها على صدر علي ويقول : لكل قوم هاد واخرج عبد الله بن احمد في زوائد المسند وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط والحاكم وصححه وابن مردوية وابن ـ

٢٦٤

ليس لعلي (عليه السلام) دور الهداية مستقلة عن هدي الوحي ، فإنما هو ـ وعلى حدّ تعبيره ـ «فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنذر وأنا الهادي إلى ما جاء به» (١) ـ «فالهادي بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) هاد لأمته على ما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (٢) كما وان «كل أمام هادي كل قوم في زمانه» (٣).

__________________

ـ عساكر عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) في الآية قال : رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنذر وانا الهادي.

(١) نور الثقلين ٣ : ٤٨٢ ج ١٥ امالي الصدوق باسناده الى عباد بن عبد الله قال قال علي (عليه السلام) ما نزلت من القرآن آية الا وقد علمت اين نزلت وفيمن نزلت وفي اي شيء نزلت وفي سهل نزلت او في جبل نزلت قيل فما نزل فيك؟ قال : لو لا انكم سألتموني ما أخبرتكم نزلت في هذه الآية (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فرسول الله .. وح ١٧ روى الحاكم ابو القاسم الحسكاني في كتاب شواهد التنزيل بالإسناد عن أبي بردة الاسلمي قال : دعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالطهور وعنده علي بن أبي طالب فأخذ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بيد علي بعد ما تظهر فألزقها بصدره ثم قال : انما أنت منذر ثم ردها الى صدر علي ثم قال : ولكل قوم هاد ثم قال : انك منارة الأنام وغاية الهدى وامير القرى اشهد على ذلك انك كذلك.

(٢) المصدر ح ١٨ كشف المحجة عن امير المؤمنين (عليه السلام) حديث طويل وفيه قال الله لنبيه (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فالهادي بعد النبي هاد لامته على ما كان من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فمن عسى ان يكون الهادي الا الذي دعاكم الى الحق وقادكم الى الهدى.

(٣) المصدر ح ١٩ وفي كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده الى محمد بن مسلم قال قلت لابي جعفر في هذه الآية فقال ... ومثله ٢٠ في اصول الكافي باسناده عن الفضيل قال سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فقال : كل امام هاد للقرن الذي هو فيهم ، ومثله ح ٢١ القمي باسناده عن بريد العجلي عن أبي جعفر (عليه السلام) في الآية قال : رسول الله المنذر ولكل زمان منا هاد يهديهم الى ما جاء به نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم الهداة من بعده علي والأوصياء واحدا بعد واحد ، وفيه ٢٣ الكافي باسناده عن أبي بصير قال قلت لابي عبد الله ـ

٢٦٥

ف «لا تخلو الأرض من قائم بحجة الله إما ظاهر مشهور وإما خائف مغمور لئلا تبطل حجج الله وبيناته» (١).

ولئن سألنا : من هو الهادي بعد دور الرسول والائمة الحضور زمن الغائب المغمور ، القائم الموتور؟

فهل انه العالم العليم الأتقى الأعلم في كل دور وكور ، وليست هدايته خالصة كما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة من آل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فهذه الهدى غير المعصومة ولا العاصمة ليست بالتي تصلح خليفة من خلفاء الرسول في (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ)؟!

قلنا ان الهادي المعصوم على مرّ الزمن منذ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حتى القيامة الكبرى هو القرآن العظيم ، فكما الرسول كان ينذر بالقرآن كذلك خلفاءه المعصومون الهادون إلى ما كان عليه ، وليكن العلماء الربانيون هدات بالقرآن كما يحق ويتمكنون ، ثم الأخطاء حينئذ قلة مغفورة ، او مردودة إلى كتاب الله وسنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وان «القرآن لم يمت وانه يجري كما يجري الليل والنهار وكما يجري

__________________

ـ (عليه السلام) (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) فقال : رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) المنذر وعلي الهادي يا أبا محمد هل من هاد اليوم؟ قلت : بلى جعلت فداك ما زال منكم هاد من بعد هاد حتى دفعت إليك فقال : رحمك الله يا أبا محمد لو كانت إذا نزلت آية على رجل ثم مات ذلك الرجل ماتت الآية مات الكتاب ولكنه حي يجري فيمن بقي كما جرى فيمن مضى :

(١) المصدر ح ٢٤ القمي عن حماد عن أبي بصير عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : المنذر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والهادي امير المؤمنين وبعده الائمة (عليهم السلام) وهو قوله (وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) في كل زمان هاد مبين وهو رد على من ينكر ان في كل أوان وزمان اماما وانه لا تخلو الأرض ..

٢٦٦

الشمس والقمر» (١) فانه «حي لا يموت» (٢) مهما وقف الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئمة عن الجري ، او ماتوا وغاب آخرهم ، فالقرآن لا يموت ولا يغيب عن المسرح إلّا إذا غيّبته حملته ، وخانته أمنته ، اللهم غيّب الحملة الخونة وأظهر الأمنة.

(اللهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ)(٨).

تعريفة واسعة في هذه الآية وما بعدها بالسعة العلمية الإلهية وإعمال القدرة بمقدارها الصالح والأصلح ، تربطها بما قبلها لكيلا يظن حماقى الكفر والطغيان أنه تعالى يعجز او يضن بإنزال آية كما يقترحون.

فالعلم المطلق بما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وتزداد ، هو من اختصاصات الربوبية ، فلا يطارد مطلق العلم في بعض الأحوال بالبعض مما في بعض الأرحام ، ما كشف عنه علم الجنين او سيكشف ، وما قد يعلمه أولوا العلم المعصومون وسواهم.

و (تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) هنا تحمل كل أنثى من شأنها أن تحمل ، دون إبقاء ، حيث الكل في لسان خالق الكل ليس ليختص بالبعض من الأناثى التي نعرفها.

__________________

(١) المصدر ح ٢٧ العياشي عن عبد الرحيم قال ابو عبد الله (عليه السلام) ان القرآن لم يمت وانه يجري ..

(٢) المصدر ح ٣٦ العياشي عن عبد الرحيم القصير قال كنت يوما من الأيام عند أبي جعفر (عليه السلام) فقال يا عبد الرحيم قلت لبيك قال قول الله (إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ) إذ قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انا المنذر وعلي الهادي ومن الهادي اليوم؟ قال : فمكث طويلا ثم رفعت رأسي فقلت جعلت فداك هي فيكم توارثوها رجل فرجل حتى انتهيت إليك فأنت جعلت فداك الهادي قال : صدقت يا عبد الرحيم ان القرآن حي لا يموت والآية حية لا تموت.

٢٦٧

فكل أنثى من إنس وجان ام اي نبات او جماد او حيوان ام ايّا كان في فسيح الكون ، معنيّة ب «كل أنثى» من ذوات الأرحام وسواها ، مما تغيض وتزداد وسواها ، فناصية الآية تعمها كلها مهما اختصت الباقية بذوات الأرحام.

ثم (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) تعم حملها حينما تكون «ما» مصدرية ، وما تحمله موصولة ، كما فيما تغيض الأرحام وتزداد.

وفيما يخص ذوات الأرحام من مطلق الحيوان إنسانا وغير إنسان ليس «ما تحمل» الجنين فقط ، او النطفة الجرثومية فقط ، بل هو كل (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) من ماء الذكر في كمه وكيفه بعديد الملايين من دوداته العلقية المنوية ، أم من أصلاب عقم في أرحام عقم ، ام دون عقم في أرحام ولودة ، وفي الولودة حين تنضج او تعقم لحالات طارئة ام معمّدة ، وفي الناضجة حين تجهض ام تلد سليمة ام ناقصة ، أم اية حال على أية حال.

ثم الغيض هو النقص بابتلاع كما (وَغِيضَ الْماءُ) ابتلع ، والغيضة هي المكان الذي يقف فيه الماء فيبتلعه ، ولأن حقيقة الغيض إنما يوصف بها الماء ف (ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) هو الماء ، وهنا بطبيعة الحال مطلق السائل حيث الأرحام لا تبتلع الماء القراح ، فغيضها يعم مياه المني والنطف ، ومياه الحيض.

ولأن (ما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) هنا مطلق فقد يعمهما ، وأين غيض من غيض و (ما تَزْدادُ) في كلّ بحسبه.

فمما (تَغِيضُ الْأَرْحامُ) وتبتلع ، النطف التي تجذبها إلى أعماقها في قراراتها ، وتشتمل على نفاياتها ، فيكون ما غاضته من ذلك الماء سببا لزيادة فيها وسعة لها حيث تصبح علقة ثم مضغة ثم عظاما ثم كسوة لها لحما ثم

٢٦٨

إنشاء لخلق آخر فإنسانا ، والعطف هنا (وَما تَزْدادُ) في ذلك الردف يجمع بينهما في ولودة الأرحام.

ومنها ما تبتلع غيض الانتقاص الامتصاص بأن تفسده او تجهضه ، إذا ف (وَما تَزْدادُ) قد تعني زيادة الابتلاع الأوّل فزيادة في الأجنّة ذكرا وأنثى (١) أما زاد ، وبينهما عوان أن تغيض جنينا واحدا فتغيض هكذا ولا تزداد ومما (تَغِيضُ الْأَرْحامُ) النقص في مدة الحمل وازديادها بين أقلها : الستة وما دونها ، وأقصاها : التسعة أو ما زاد (٢) والمستفاد من آية العامين : (وَفِصالُهُ فِي عامَيْنِ) (٣١ : ١٤) وآية الحمل (وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً) أن اقل الحمل ستة ، ثم لا يزيد على تسعة إلّا أياما قلائل ، فأغرب بالأئمة الثلاثة كيف مدوها الى سنتين واربع وخمس (٣)؟.

ومما «تغيض الأرحام وتزداد» دم الحيض ، تغيضه الأرحام ابتلاعا ،

__________________

(١) نور الثقلين ٣ : ٤٨٥ ح ٣٣ العياشي محمد بن مسلم وحمران وزرارة عنهما (عليهما السلام) قالا : (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) أنثى او ذكر (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) التي تحمل (وَما تَزْدادُ) من أنثى او ذكر ، وعن محمد بن مسلم قال : سالت أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله : (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) قال : ما لم يكن حملا (وَما تَزْدادُ) قال : الذكر والأنثى جميعا.

(٢) في تفسير الفخر الرازي ١٩ : ١٥ ، مدة ولادته قد تكون تسعة أشهر وأزيد عليها الى سنتين عند أبي حنيفة والى اربعة عند الشافعي والى خمس عند مالك وقيل ان الضحاك ولد لسنتين وهرم بن حيان وبقي في بطن امه اربع سنين ولذلك سمى هرما.

(٣) نور الثقلين ٢ : ٤٨٥ ح ٣٢ العياشي عن أحدهما (عليه السلام) في (ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) يعني الذكر والأنثى (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) قال : الغيض ما كان اقل من الحمل (وَما تَزْدادُ) ما زاد من الحمل ، فهو كلما زاد من الدم في حملها وح ٣٥ زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) في قول الله (يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى) قال : الذكر والأنثى (وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ) قال : ما كان من دون التسعة وهو غيض (وَما تَزْدادُ) قال : ما رأت الدم في حال حملها ازداد به على التسعة أشهر.

٢٦٩

طعاما وشرابا للجنين ، وما تزداد الأرحام منه دفعا عنها وقت الحمل أحيانا ، وقبله وبعد الإجهاض او الولادة دوما.

ومن الأرحام ما لا تغيض ولا تزداد حملا او دما كمن قبل سن الحيض وبعد اليأس ، والتي لا تحيض أو هي في سن من تحيض وهي عقيمة ، فهذه الأرحام قد تحمل المنى ولكنها لا تغيض ولا تزداد.

(وَكُلُّ شَيْءٍ) من حمل وسواه ، وغيض وازدياد في حمل وسواه (عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ) دون تفلّت ولا تلفّت وصدفة عمياء (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) (١٥ : ٢١) ف (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً)(٦٥ : ٣).

(عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ)(٩) :

الغيب عن بصر او بصيرة ، والشهادة لبصر او بصيرة ، هما أمران نسبيان بالنسبة للعلم المحدود ، فالغيب المطلق لا يعلمه إلّا الله ، والشهادة المطلقة يعلمها كل شاهد ، والعوان بينهما من مطلق الغيب والشهادة يختلف بمختلف الحدود في العلوم ، وكل هذه الثلاث شهادة مطلقة للكبير المتعال (لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ) (٣٤ : ٣) لأنه رب الجميع (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (١٠ : ٦١) «ربك» حيث الجمعية التامة لربوبيتي فيك طامة ، فكما لا تعزب أنت عن علم ربك وأنت خلاصة الكون ومجمله ، كذلك لا يعزب عنه اي كائن بتفصيله.

ذلك العلم المطلق منحصر فيه ، منحسر عن سواه ، لأنه الكبير لا كبير سواه ، كبر اللّامحدودية ذاتية وصفاتية وأفعالية ، علمية وفي القدرة أمّاهيه ، فكيف لا يحيط علما بما سواه وهو الذي خلقه ، ثم ولا أكبر منه

٢٧٠

ولا يتصور حتى يغيب عنه كما يغيب هو عما سواه ، فانه «المتعال» عن أن يحيط به شيء او يدانيه او يساميه ، تعاليا في كافة ميّزات الربوبية ، فلا كبير إلّا هو ولا متعالي إلّا هو ، فلا يعلم الغيب والشهادة على سواء إلّا هو ، وكل شيء سواه جاهل بجنبه ، صغير متدان ، خاذل مهان.

فحين يقال عنه «الكبير» فهو الكبر في ذاته وذاتياته وقياسا إلى مخلوقاته (وَأَنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (٢٢ : ٦٢) وحين يقال عنه «اكبر» فلا يعني إلّا انه أكبر من ان يوصف او يحاط به علما او قدرة او يساوى ويسامى في كبريائه ، لا أنه اكبر من كل شيء ، إذ لا كبير أمام كبريائه حتى يكون هو الأكبر منه ، مشاركا له في أصل كبره ، ولذلك لم يأت في القرآن عنه الأكبر ، إلّا الكبير المتعال والعلي الكبير ، ليكون حصر الكبر في الله وحسره عن غير الله ، واضحا لا يريبه شك ، إذا فلأنه الكبير المطلق فهو المتعال الأكبر عن أن يحاط به.

(سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ)(١٠).

إن مجاهيل السرائر والأسرار ، ومجاهير السوارب والآثار ، وكل شاردة وواردة آناء الليل وأطراف النهار ، كل هذه جاهرة ظاهرة أمام (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ).

ومن ذلك غيب القول ممن أسر به وشهادته ممن جهر به. فإنهما بالنسبة له جهار ، كمن هو مستخف بالليل في بعدي غيب الليل بظلامه وتغيّبه واستخفائه في غيبه ، ومن هو سارب : ذاهب في صدور وانحدار «بالنهار» ، شهادة في بعدي ضوء النهار وانجلاءه ذاهبا أمام الناظرين.

فسواء أكان الإنسان مستخفا في الظلمات أم ظاهرا في الطرقات فالله يعلمه على سواء ، كما وأن قدرته بكل شيء على سواء ، ودنوه من خلقه

٢٧١

فيهما على سواء!.

(لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)(١١).

آية عديمة النظير في صيغة التعبير ، اللهم إلّا في الأخير : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (٨ : ٥٣) وقد تختلفان في مختلف التغيير ، فهنا (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) قد يعم الخير والشر ، وفي الأنفال يختص بالشر.

ثم «معقبات» جمع «معقبة» مبالغة «معقب» كما العلّامة للعلام فتائها للمبالغة دون التأنيث لمكان «يحفظونه» مذكرا ، وان الملائكة ليسوا إناثا.

وهنا «معقبات» وليست «عاقبات» حتى تختص ب «من خلفه» ويختلق ل (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ) رقيب ، فالمختلق لفظ الآية «له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله من أمر الله» (١) حيث ينسبها إلى الصادقين من آل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) زورا وغرورا ، إنه

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٤٨٢ ج ٢٩ في كتاب المناقب لابن شهر آشوب حمران قال قال لي ابو جعفر (عليه السلام) وقد قرأت (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) قال : وأنتم عرب يكون المعقبات بين يديه؟ قلت : كيف تقرأها؟ قال : له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله ، من امر الله أقول فمختلق هذه الرواية لا يعرف لغة العرب فلم يميز معقبات عن عاقبات ، ثم كيف يحفظونه بأمر الله من امر الله ، فهل الله يعارض امره الأصل بامره الفصل؟ ومثله عن القمي بعد نقل الآية فقال ابو عبد الله (عليه السلام) كيف يحفظ الشيء من امر الله وكيف يكون المعقب من بين يديه؟ فقيل له : وكيف ذلك يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : انما أنزلت : له معقبات من خلفه ورقيب من بين يديه يحفظونه بأمر الله.

٢٧٢

كذاب أشر لا يعرف اللغة فيهرف بما يخرف تحريفا للآية وقد روي خلافها (١).

والمعقب من التعقيب هو ان ياتي بشيء بعد آخر ، وهو الرقابة وكالة من شخص على آخر أم على نفسه ليراقبه ، والمعقبة هو الحفيظ الذي يتعقب كل إنسان ، يحفظ عنه كل شاردة وواردة ، وكل خاطرة وخالجة او خارجة يحفظ عليه كل حسنة وسيئة حفاظا مزدوجا له وعليه ، وحفاظا متراوحا.

فملائكة الليل والنهار معقبات إذ يأتي كل تلو الآخر ، وقد يتواردان كما في قرآن الفجر (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) (١٧ : ٧٨) لملائكة الليل والنهار (٢).

__________________

(١) المصدر ح ٣٨ تفسير العياشي عن فضيل بن عثمان عن أبي عبد الله في هذه الآية (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ ..) قال : هو المقدمات المؤخرات المعقبات الباقيات الصالحات».

أقول تراه ترك الآية على حالها وفسرها بما فسر ، وفي الدر المنثور بسند بمتنه أوردناه تحت العدد (٢) مثله عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في نقل : الآية كما هي في القرآن.

لقد تظافرت الرواية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وأئمة اهل بيته في تفسير الآية (إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كانَ مَشْهُوداً) انه مشهود لملائكة الليل والنهار حيث يتعاقبون فيها ويتوافقون في شهود قرآن الفجر طائفة ذاهبة وطائفة جائية ، وفي الدر المنثور ٤ : ٤٧ ـ اخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : هم الملائكة تعقب بالليل والنهار تكتب على بني آدم ، وفيه اخرج ابن جرير عن كنانة العدوي قال دخل عثمان بن عفان على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال يا رسول الله (ص)! اخبرني عن العبد كم معه من ملك فقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : ملك عن يمينك على حسناتك وهو أمين على الذي على الشمال إذا عملت حسنة كتبت عشرا فإذا عملت سيئة قال الذي على الشمال للذي على اليمين اكتب قال : لا لعله يستغفر الله ويتوب فإذا قال ثلاثا قال نعم اكتبه أراحنا الله منه فبئس القرين ما اقل مراقبته لله واقل استحياءه منه يقول الله : ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد ، وملكان من بين يديك ومن خلفك ـ

٢٧٣

وكلّ منهم يحفظون علينا اعمالنا ويكتبون (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ ـ كِراماً كاتِبِينَ ، يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) (٨٢ : ١٠).

كما كل منهم «يحفظونه» نفسه ، كما يحفظون أعماله (مِنْ أَمْرِ اللهِ) وان كان (اللهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ) (٤٢ : ٦) كما (وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ) (٣٤ : ٢١) ولكنه (وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) (٦ :) ٦١) حفاظا على أنفسنا وأعمالنا ، وكل ذلك بأمر الله ومن أمر الله ، و «انهم ملائكة يحفظونه من المهالك حتى ينتهوا به إلى المقادير فيخلون بينه وبين المقادير» (١) التي تقدرت عليه بما غيّر من نفسه.

وترى إذ لم يكن محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو اوّل العابدين حفيظا (فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً) (٤ : ٨٠) فكيف يكون الملائكة وهم دونه حفظة؟! ان الحفظ المنفي هو الحفاظ على هداهم ، إذ ليست إلّا

__________________

ـ يقول الله : له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من امر الله ، وملك قابض على ناصيتك فإذا تواضعت لله رفعك وإذا تجبرت على الله قصمك وملكان على شفتيك ليس يحفظان عليك الا الصلاة على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وملك قائم على فيك لا يدع ان تدخل الحية في فيك وملكان على يمينك فهؤلاء عشرة أملاك على كل بني آدم ينزلون ملائكة الليل على ملائكة النهار لان ملائكة الليل سوى ملائكة النهار فهؤلاء عشرون ملكا على كل آدمي وإبليس بالنهار وولده بالليل.

(١) المجمع رواه عن علي (عليه السلام) في الدر المنثور ٤ : ٤٨ ـ اخرج ابو داود في القدر وابن أبي الدنيا وابن عساكر واخرج ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان والطبراني والصابوني في المائتين عن أبي امانة (رضى الله عنه) قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): وكل بالمؤمن ثلاثمائة وستون ملكا يدفعون عنه ما لم يقدر عليه من ذلك للنصر سبعة أملاك يذبون عنه كما يذب عن قصعة العسل من الذباب في اليوم الصائف وما لو بدا لكم لرأيتموه على كل سهل وجبل كلهم باسط يديه فاغر فاه وما لو وكل العبد فيه الى نفسه طرفة عين لاختطفته الشياطين.

٢٧٤

لله دونما وكالة ، وأما الحفاظ على أعمال للشهادة يوم يقوم الأشهاد ، فقد يعم بعض المؤمنين فضلا عن الرسول وسائر المرسلين ومعهم الملائكة الكرام الكاتبون.

وكذلك الحفاظ على كل شارد ووارد ، له أهل خصوص وليس من شأن الرسل الدعاة إلى الله ، مهما خوّلوا في ذلك بقليل او كثير.

هؤلاء هم المعقبات ، وهذه شؤونهم المحولة إليهم في خلق الله ليل نهار ، اجتلابا لخيراتهم ، وإبعادا عنهم سيئاتهم ما لم يغيروا ما بأنفسهم ، وحفاظا على أعمالهم التي يعملون ، ولكي يشهدوا لهم أو عليهم فيمن يشهدون.

أترى الى م يرجع الضمير في «له»؟ إلى الله؟ وهو أبعد مرجعا! و (مِنْ أَمْرِ اللهِ) دون «من أمره» يبعده راجعا ، حيث يرجع المعنى «لله معقبات» (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) ثم ووحدة السياق في الضمائر توحدها مرجعا وهي أوفق بأدب اللفظ وأدب المعنى.

أم إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ ولم يسبق له ذكر! ولا تخصه المعقبات (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً)!

أم إلى (مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ)؟ فنعما هيه ، حفاظا على وحدة الضمائر الأربعة «له ـ يديه ـ خلفه ـ يحفظونه» وتقريبا للمرجع ، وأحسن به حين يعني «له» مرسل المعقبات والمرسل إليهم ، فهم لله حيث يرسلهم الله : (وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً) وهم لعباد الله حيث «يحفظونهم من أمر الله» ف (إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ كِراماً كاتِبِينَ).

ثم ترى ماذا تعني (مِنْ أَمْرِ اللهِ)؟ احفظا من الله عن بأسه ببؤسهم

٢٧٥

(وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)! ثم وكيف يرسل الله من يعارض أمره!

أم حفظا لعباد الله بأمر الله؟ وهنا (يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ) دون «بأمر الله»!

بل حفظا صادرا من أمر الله ، كما الحفظة هم أنفسهم من أمر الله ، حيث المناحرة لأمر الله هي حفظ عن أمر الله لا (مِنْ أَمْرِ اللهِ) ثم و «بأمر الله» تختص بحفظهم دون أنفسهم ، ولكن (مِنْ أَمْرِ اللهِ) تتعلق بالكائن المقدر كما ب «يحفظونه» فالمعقبات هم له تعالى ، وهم من أمره تعالى (١) ، ويحفظون عباده صادرين في حفظهم من أمره تعالى فهم في مثلث الرباطات بالله لا يملكون لأنفسهم أمرا إلّا بالله.

فكما الروح من أمره يحمل أمره : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا) (٤٢ : ٥٢) (يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) (٤٠ : ١٥) كذلك الحفظة المرسلون من عنده هم في أنفسهم من أمره ، يحملون أمره ليحققوا أمره ، فلا أجمل ـ ـ إذا ـ ولا أجمع هنا من (مِنْ أَمْرِ اللهِ)!

فهؤلاء المعقبات ـ وهم من أمر الله وفعله وارادته ومشيئته ـ هم لله صادرين ، وهم للناس واردين (مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ) تعبيرا عن جميع جوانبه بروحه وجسمه ، حيطة شاملة كاملة لا تبقي منهم شيئا ولا تذر إلّا تحت الرقابة والنظر «يحفظونه» بحفظ الله وفي رعاية الله ورقابته (وَكانَ اللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً) (٣٣ : ٥٢) يحفظونه عن الطوارئ المتواترة المتواردة عليه ، الغائبة والشاهدة لديه ، التي لا يقدرون عليها ، وكما «يحفظونه» في أعماله وأقواله وكل أحواله ، حفظا صادرا (مِنْ أَمْرِ

__________________

(١) الدر المنثور ٤ : ٤٧ اخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى : (له معقبات) قال : الملائكة من امر الله.

٢٧٦

اللهِ) دون أمرهم ، إذ لا أمر لهم إلّا من الله ، كما وهم أنفسهم من أمر الله.

فالناس ـ إذا ـ في حفظ الله ورعايته ورقابته الدائبة ، ولكنها شريطة أن يحافظوهم ـ ايضا ـ على أنفسهم كما يحافظون ، فإذا غيّروا ما بأنفسهم غير الله بهم وأغار عليهم ، غيارا من ذوات أنفسهم : (إِنَّ اللهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ) من الحفاظ عليهم (حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) من حفاظهم على أنفسهم (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى).

وهذا الغيار مرحلة أولى للذين غيّروا ما بأنفسهم حيث يكلهم إلى أنفسهم (وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٦ : ١١) فإنهم (وَلَوْ رَحِمْناهُمْ وَكَشَفْنا ما بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٢٣ : ٧٥).

ثم مرحلة ثانية (اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ) (٢ :) ١٥) ف (لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ) (١٥ : ٧٢)(وَإِذا أَرادَ اللهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)!

إذا فبين الحالات الأنفسية والآفاقية هالة مترابطة ، والأصل فيهما كما جعل الله خير وإلى خير ، فأعمق الحالات الأنفسية هي لفطرة الله التي فطر الناس عليها ، وذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون ، ثم العقل على ضوئها إذا تبناها ، ثم الآفاقية فإنها آيات منفصلة تتجاوب مع الآيات الأنفسية ، ثم الله يرسل عليكم معقبات حفظة يحفظونكم من أمر الله.

هذه أصول ما بالإنسان من خيرات أنفسية وآفاقية ، لا يغيرها الله إلى شرور حتى يغيروا ما بأنفسهم ، فإذا غيروا غيّر الله جزاء وفاقا ولا تظلمون نقيرا ، ف (ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) (٤٢ : ٣٠) و (ما أَصابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) (٨٤ : ١١).

ثم غيار بالأنفس تختلف في الخير والشر ، ففي الشر (يَعْفُوا عَنْ

٢٧٧

كَثِيرٍ) في النشأتين ولا سيما في الأولى لأنها ليست بدار جزاء ، وفي الخير مزيد من فضل الله ولا أقل من عشرة : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) (٦ : ١٦٠).

ومهما اختصت آية الأنفال بغيار الأنفس إلى الشر. (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٥٣) فآيتنا هذه تعمه وغيارها إلى خير مهما تذيلت بتهديد الشر.

فإذا كان ما بأنفس قوم شرا فغيروا إلى خير غير الله شرهم إلى خير ، وهذه قضية رحمته اللازمة اللازبة حيث (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) وتتبناه أبواب الشفاعة والغفران وتكفير سيئات.

وإذا كان ما بأنفس قوم خيرا ـ كما هو خير بما جعل الله ـ أما زادوا بما وفق الله ـ ثم غيروه إلى شر غيّر الله خيرهم إلى شر واقل منه شرا حيث (يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ثم (فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)! وليست إرادة السوء من الله لأي قوم إلّا بعد ما يغيروا ما بأنفسهم من خير : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) (١٤ : ٢٨)(١).

هذه ضابطة سارية المفعول بالنسبة لكل قوم ، وترى الأفراد تشملهم كأفراد ، أم ـ فقط ـ ضمن الأقوام؟ إنها سارية في الأفراد في الناحية الروحية دونما استثناء ، وأما المادية ففي ضمن الأقوام : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٧ : ٩٦).

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٤٨٧ ح ٢٥ في كتاب معاني الاخبار باسناده الى أبي خالد الكابلي قال : سمعت زين العابدين (عليه السلام) يقول : الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف ، وكفران النعم وترك الشكر.

٢٧٨

فالجو الجماعي إذا ساده الصلاح والإصلاح فالبركات السماوية : الروحية ، والأرضية : المادية ، تفتح عليهم ، وإذا ساده الفساد والإفساد فدركات من هذه وتلك إلّا على من اتقى الله فله بركاته الروحية مهما ضاقت عليه الأرض بحياته الأرضية ، حيث التقوى ليس نتاجها اللزام أن لها بركات أرضية ، إلّا في الآخرة : (ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى)! وإلّا ضمن جماعة. (١)

كما الطغوى لا تلازمها دركات ارضية ، إلّا في الآخرة ، إلّا ضمن جماعة ام إذا طالت وتطاولت فيما طغت وبغت.

وفي حديث قدسي يرويه الرسول الأقدس (صلى الله عليه وآله وسلم) عن الله : «يقول الله وعزتي وجلالي وارتفاعي فوق عرشي ما من اهل قرية ولا أهل بيت ولا رجل ببادية كانوا على ما كرهته من معصيتي ثم تحولوا عنها الى ما أحببت من طاعتي إلا تحولت لهم عما يكرهون من عذابي إلى ما يحبون من رحمتي ، وما من اهل بيت ولا قرية ولا رجل ببادية كانوا على ما أحببت من طاعتي ثم تحولوا عنها إلى ما كرهت من معصيتي إلا تحولت لهم عما يحبون من رحمتي الى ما يكرهون من غضبي» (٢).

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٤٨٧ ح ٤٦ اصول الكافي باسناده عن سدير قال : سأل رجل أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ : :) فقال : هؤلاء قوم كانت لهم قرى متصلة ينظر بعضهم الى بعض وانهار جارية واموال ظاهرة فكفروا بأنعم الله عز وجل وغيروا ما بأنفسهم فأرسل عليهم سيل العرم فغرق قراهم وخرب ديارهم ، واذهب بأموالهم وابدلهم مكان جناتهم «جنتين ذواتي أكل خمط واثل وشيء من سدر قليل» ثم قال (ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَهَلْ نُجازِي إِلَّا الْكَفُورَ).

(٢) الدر المنثور ٤ : ٤٨ ـ اخرج ابن أبي شيبة في كتاب العرش وابو الشيخ وابن مردوية عن علي (عليه السلام) عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول الله وعزتي ...

٢٧٩

(هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاَّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ لا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْواحِدُ الْقَهَّارُ)(١٦)

٢٨٠