الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٣

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٣

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٦٠

عليه وآله وسلم) وصاحبه هنا وهو الأول علّه لأن أبا بكر دخل الغار قبله إذ كان في موقف حراسته ، بمراس دائب هو بطبيعة حاله يقدمه في موقف الغار ، ليفتش داخل الغار وليدافع عنه هجمة ، وينظر له إلى أية بادرة ظاهرة على باب الغار ، أم لأمر آخر ، ومهما يكن من أمر ف (ثانِيَ اثْنَيْنِ) هنا هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث هو المنصور المخرج دون صاحبه ، إذا فالاحتجاج ب «ثاني» هنا أن أبا بكر هو ثاني الرسول اعوجاج في الاحتجاج هو قضية التعمية المذهبية المتعصبة لصاحبه في الغار (١).

ثم ولا يعنى (ثانِيَ اثْنَيْنِ) أحدهما ، فإن عبارته عبارته ك : أحد اثنين وما أشبه ، فإنما رتب دخولهما في الغار زمنا فالأول هو الحارس الداخل أولا والثاني هو المحروس الداخل ثانيا.

وهنا فرقدان اثنان يصاحبان الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فرقد الليل ينام على فراشه استعدادا للقتل بديله حيث الخطر هاجم ، وفرقد النهار بليالي وأنها حيث الخطر ناجم ، وبوادر الأمن وكوادره قائمة بخوارق العادة بل لا حزن ولا خوف ف (إِنَّ اللهَ مَعَنا) وعدا منه مفعولا للحفاظ عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى صاحبه في الغار ، فلما ذا ـ إذا ـ يحزن هو أو يحزن صاحبه ، اللهم إلا ريبة في تحقيق وعد الله!.

(إِذْ هُما فِي الْغارِ) وأما كون ثاني اثنين في الغار فبما أخرجه الذين كفروا ، فما الذي أدخل ـ إذا ـ صاحبه في الغار؟ النص ساكت ، والأثر المنقول عن أصحاب له ناطق بأنه اتجه إلى الغار بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث سأل عنه عليا (عليه السلام) أم سواه فأخبره أنه توجه ففوجأ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بدهشة اتجاهه إلى الغار (٢) ، فأصبح علّه حارسا حيث اعتبر أولا في الغار ، أم قدّمه إلى الغار

__________________

(١) بحار الأنوار ١٩ : ٩٣ : إن الطبري في تاريخه ٢ : ١٠٠ وأحمد بن حنبل رويا في كتابيهما أن هذا الرجل المشار إليه ما كان عارفا بتوجه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنه جاء إلى مولانا علي (عليه السلام) فسأله عنه فأخبره انه توجه فتبعه بعد توجهه حتى ـ

٨١

احتياطا على نفسه لكيلا يبقى خارج الغار فيستخبر فيخبر بخبره (صلى الله عليه وآله وسلم) خوفة من المشركين وكما يروى (١).

__________________

ـ ظفر به وتأذى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخوف منه لما تبعه وعثر بحجر فلق قدمه ، قال الطبري في تاريخه : فخرج أبو بكر مسرعا ولحق نبي الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الطريق فسمع جرس أبي بكر في ظلمة الليل فحسبه من المشركين فأسرع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يمشي فقطع قبال نعله فغلق إبهامه حجر وكثر دمها فأسرع المشي فخاف أبو بكر أن يشق على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حين أتاه فانطلقا ورجل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تسيل دما حتى انتهى إلى الغار مع الصبح فدخلاه وأصبح الذين كانوا يرصدون رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فدخلوا الدار ..

وفي الدر المنثور ٣ : ٢٤٠ ـ أخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : لما خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الليل لحق بغار ثور ، قال : وتبعه أبو بكر فلما سمع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حسه خلقه خاف أن يكون الطلب فلما رأى ذلك أبو بكر تنحنح فلما سمع ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عرفه فقام له حتى تبعه فأتيا الغار فأصبحت قريش في طلبه.

وفي تفسير البرهان ٣ : ١٢٧ ـ ابن طاوس في طرائفه قال : ومن طريق العامة ما ذكره أبو هاشم بن الصباغ في كتاب النور والبرهان يرفعه إلى محمد بن إسحاق قال قال حنان : قدمت مكة معقرا وأناس من قريش يقدمون أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال ما هذا لفظه : فأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا فنام على فراشه وخشي من أبي بكر أن يدلهم عليه فأخذه معه إلى الغار ،

(١) في تفسير الفخر الرازي ١٦ : ٦٤ : انه تعالى سماه «ثانِيَ اثْنَيْنِ» فجعله ثاني محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حال كونهما في الغار والعلماء أثبتوا أنه كان ثاني محمد في أكثر المناصب الدينية ـ ثم أطال بقوله : ـ فإنه أرسل إلى الخلق وعرض الإسلام على أبي بكر آمن أبو بكر .. فهو ثاني اثنين في الدعوة إلى الله ، وأيضا كلما وقف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في غزوة كان أبو بكر يقف في حذمته ولا يفارقه فكان ثاني اثنين في مجلسه ، ولما مرض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قام مقامه في إمامة الناس في الصلاة فكان ثاني اثنين ، ولما توفي دفن بجنبه فكان ثاني اثنين هناك أيضا ، أقول وقد غفل الرازي الراضي عن اجتهاده الاضطهاد عن أن ثاني اثنين هو الرسول دون صاحبه فأين المقام الثاني لصاحبه اللهم إلا له (صلى الله عليه وآله وسلم) وهل يرضى الأولية ـ إذا ـ لصاحبه وهو ثانية؟! ثم «إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ» من هو القائل لصاحبه إلا ثاني ـ

٨٢

ومهما يكن من شيء فالنص لا يشير إلى إيجابية الدعوة أم سلبيتها لصاحب الغار أن يصاحب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلا إلى أصل كونهما في الغار ، اعتبارا أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو الأصل في ذلك المضمار ، وصاحبه في الغار علّه إنما صاحبه مصلحية الحفاظ عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولكن بأي وجه؟ لا ندري! أم صاحبه لعناية أخرى؟ كالحفاظ على نفسه لما يجد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ملاحقا.

ثم وكيف لزمه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الغار ولم يتركه؟ علّه خوفا أن يلزمه المشركون فيستخبروه فيخبرهم لضعفه وقوتهم كما يروى (١) ، أم لشغفه البالغ في الهجرة وكما تطلبها منه (صلى الله عليه وآله وسلم) مرارا وتكرارا فرارا عن بأس المشركين وعبء المقام بمكة تحملا لتوارد المضايقات ، فيقول له (صلى الله عليه وآله وسلم) لا تعجل (٢) فقد كان يتربص المخرج فحصل على أسلم مورد له تحت حفاظ

__________________

ـ اثنين ، فإذا كان هو أبا بكر فهو القائل لصاحبه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ إذا ـ لا تحزن .. فتنقلب الآية بأسرها محولة لسرد فضيلة غالية لأبي بكر والرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على هامشه!.

(١) كما ذكره الطبري في حديث الهجرة بقوله : وكان أبو بكر كثيرا ما يستأذن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الهجرة فيقول له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لا تعجل (تاريخ الطبري ٢ : ٩٧).

(٢) وفي تفسير البرهان ٢ : ١٢٦ روى الحسين بن حمدان الخصيبي باسناده عن جعفر بن محمد الصادق (عليهما السلام) عن أبيه محمد بن علي الباقر عن أبيه علي بن الحسين (عليهم السلام) قال : لما لقنه جابر بن عبد الله الأنصاري رسالة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى ابنه الباقر (عليه السلام) قال له علي بن الحسين يا جابر أكنت شاهدا حديث جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الغار؟ قال : لا يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إذا أخذتك يا جابر ، قال : حدثني جعلت فداك فقد سمعته من جدك فقال : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لما هرب إلى الغار من مشتركي قريش حيث كبسوا داره لقتله وقالوا : اقصدوا فراشه حتى نقتله فيه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأمير المؤمنين (عليه السلام) إن مشركي ـ

٨٣

الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من الله ، ولكن الإمام بات على

__________________

ـ قريش يكبسونني في هذه الليلة ويقصدون فراشي فما أنت صانع يا علي؟ قال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : أنا يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) اضطجع في فراشك واخرج واستصحب الله حيث تأمن على نفسك فقال له رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : فديتك يا أبا الحسن أخرج لي ناقتي العضباء حتى أركبها وأخرج إلى الله هاربا من مشركي قريش وافعل بنفسك ما تشاء والله خليفتي عليك فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وركب الناقة وتلقاه جبرئيل فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمرني الله ربي أن أكون صاحبك في مضربك وفي الغار الذي تدخله ان ان تنيخ ناقتك إلى باب أبي أيوب الأنصاري فسار (صلى الله عليه وآله وسلم) فتلقاه أبو بكر فقال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أصحبك؟ ويحك يا أبا بكر ما أريد أن يشعر بي أحد ، قال : فأخشى يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن تستحلفني المشركون على لقائي إياك ولا أجد بدا من صدقهم ، فقال له : ويحك يا أبا بكر أو كنت فاعلا ذلك؟ فقال : أي والله لئلا أقتل أو أحلف فأحنث ، فقال : ويحك يا أبا بكر فما صحبتي ليلتي بنافعتك ، فقال له أبو بكر : ولكنك تستغشني أن أنذر به المشركين ، فقال له : سر إذا شئت فتلقاه الغار فنزل عن ناقته العضباء وأبركها بباب الغار ودخل ومعه جبرئيل وأبو بكر وقامت خديجة في جانب الدار باكية على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين وانضجاعه على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ليفد به بنفسه ووافى المشركون الدار ليلا فتسوروا عليه ودخلوا قصدا إلى فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فوجدوا أمير المؤمنين (صلى الله عليه وآله وسلم) مضطجعا فيه فضربوا بأيديهم إليه وقالوا : يا ابن أبي كبشة لم ينفعك سحرك ولا كهانتك ولا خدمة الجان لك ، اليوم نسقي أسلحتنا من دمك ، فنفض أمير المؤمنين (عليه السلام) أيديهم عنه فكأنهم لم يصلوا إليه وجلس في الفراش وقال ما بالكم يا مشركي قريش أنا علي بن أبي طالب ، قالوا له : واين محمد يا علي؟ قال : حيث يشاء الله ، قالوا : ومن ففي الدار؟ قال : خديجة ، قالوا : الجبية الكريمة لو لا تبعلها بمحمد يا علي وحق اللات والعزى ولو لا حرمة أبيك أبي طالب وعظم محله في قريش لا علمنا أسيافنا فيك ، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) يا مشركي قريش أعجبتكم كثرتكم وفالق الحب وبارئ النسمة ما يكون إلا ما يريد الله ولو شئت أن أفني جمعكم كنتم أهون على من فراش السراج ، فلا شيء أضعف منه ، فتضاحك القوم المشركون وقال بعضهم لبعض : خلوا عليا لحرمة أبيه واقصدوا الطلب لمحمد رسول الله في الغار وجبرئيل وأبو بكر معه فحزن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على علي وخديجة ...

٨٤

فراشه تحملا لما كان يحمل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم ظل خليفة عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) في أداء ديونه ، وحراسة أهله ، وتهيئة الجو لهجرته معهم بسائر المهاجرين ، ومن الطبيعي أن تزداد المضايقات على المؤمنين بغياب صاحب الدعوة ، ولا سيما على الذي خلّفه خلفه ، نوما على فراشه ، ويقظة الحفاظ على أهله وسائر المؤمنين.

ذلك ، ولو لا ذلك المبيت ، فاعتقاد المشركين أن البائت هو الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه ، لما صبروا عن طلبه إلى النهار أم لوقت متأخر من الليل حتى وصل (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الغار ، فكانت سلامة صاحب الرسالة مضمونة بذلك المبيت المبيّت بوحي الله إضافة إلى سائر الضمان بأمر الله وكما قال الله : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٢ : ٢٠٧)!.

فقد وجد صاحبه في الغار موقفا أمينا متينا للهجرة بمهجر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فتراه ، بعد دخل الغار حفاظا عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد صمم مرارا أن يتركه بين أعداءه ويهاجر قبله إلى المدينة؟! ذلك موقف متّهم!.

وعلى أية حال لم نحصل لصاحب الغار في مصاحبته (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار أي افتخار إن لم نحصل له على عار ، إنما هو حتى الآن أول اثنين في الغار يصاحبه (صلى الله عليه وآله وسلم) للهجرة.

وهنا (إِذْ هُما فِي الْغارِ) نصرة ثانية له (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث العناكب عملت سترا ضخما على باب الغار خمن المفتشون عنه عند الباب انه شغل سنين.

(إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) ـ (نَصَرَهُ اللهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ... إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ ..) فهنا النصرة الربانية الثالثة للرسول لائحة من قوله لصاحبه «لا تحزن» فبدلا أن يقول له صاحبه لا تحزن حيث هو المدار للفرار عن بأس المشركين ، فحزنا على نواجم الخطر ، يطمأن الله

٨٥

قلب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ربطا عليه لحد يقول هو الأصيل في الحزن للبديل فيه الفصيل : «لا تحزن» فهذه نصرة ثالثة ل (ثانِيَ اثْنَيْنِ) تقابلها نكسة لأول اثنين ، حيث حزن ببوادره وظواهره لحد قد يخشى على ظهور الأمر للمشركين المتحرين عنه.

وهنا صاحبه في الغار يحزن هكذا تلهبا وتقلبا لحد ينهاه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهو نهي عن نكير منكر ـ رغم أن هذا الخروج ضمن من خوارق العادات ما تبهر العقول ، وتطمئن أصحاب العقول ، فقد خرج على عيون الأشهاد وما رأوه ، وفور دخوله الغار معه نسجت العنكبوت على باب الغار سترا نهّاه المشركون إلى سنين (١) ، وهما

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٢٤٠ ـ أخرج ابن سعد عن ابن عباس وعلي وعائشة بنت أبي بكر وعائشة بنت قدامة وسراقة بنت جعشم دخل حديث بعضهم في بعض قالوا : خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والقوم جلوس على بابه فأخذ حفنة من البطحاء فجعل يدرها على رؤوسهم ويتلوا : يس والقرآن الحكيم ـ الآيات ومضى ، فقال لهم قائل : ما تنتظرون؟ قالوا : محمدا ، قال : والله مر بكم ، قالوا : والله ما أبصرناه وقاموا ينفضون التراب عن رؤوسهم وخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر إلى غار ثور فدخلاه وضربت العنكبوت على بابه بعشاش بعضها على بعض وطلبته قريش أشد الطلب حتى انتهت إلى باب الغار فقال بعضهم أن عليه لعنكبوتا قبل ميلاد محمد ، وأخرجه أبو نعيم عن محمد بن إبراهيم التيمي أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ... وفي بحار الأنوار ١٩ : ٣٣ ، لما دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر الغار أرسل الله زوجا من الحمام حتى باضا في أسفل الثقب والعنكبوت حتى نسج بيتا فلما جاء سراقة بن مالك في طلبهما فرأى بيض الحمام وبيت العنكبوت قال : لو دخله أحد لانكسر البيض وتفسخ بيت العنكبوت فانصرف وقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : اللهم أعم أبصارهم فعميت أبصارهم عن دخوله وجعلوا يضربون يمينا وشمالا حول الغار وقال أبو بكر : لو نظروا إلى أقدامهم لرأونا ...

وفي تفسير البرهان ٢ : ١٢٥ ذكر الطبرسي في أعلام الورى في حديث سراقة بن جعشم مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : الذي اشتهر في العرب يتقاولون فيه الاشعار ويتفاوضونه في الديار انه تبعه وهو متوجه إلى المدينة فساخت قوائم فرسه حتى تغيبت قوائم فرسه وهو بموضع حدب وقاع صصف فعلم أن الذي أصابه أمر سماوي فنادي يا محمد أدع ربك يطلق لي فرسي وذمة الله أن لا أدل عليك أحدا فدعا له فوثب جواده كأنه ـ

٨٦

نصرتان أوليان ، أفبعد ذلك يبقى خوف منهم وحزن ولا سيما لأبي بكر وهو غير ملاحق في ذلك المسرح ، ثم الملاحق الأصيل لا يحزن ، بل وينهى صاحبه عن الحزن معلّلا ب (إِنَّ اللهَ مَعَنا) معية الحفاظ على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أصالة ، والحفاظ على صاحبه في الغار على هامشه حيث الخطر الناجم هو عليهما ـ إذا ـ (١).

وليس هذا النهي متعطفا ـ فقط ـ عليه (صلى الله عليه وآله وسلم)

__________________

ـ أفلت من انشوطة وكان رجلا داهية وعلم بما رأى أنه سيكون له نباء فقال : اكتب لي أمانا فكتب له وانصرف ، قال محمد بن إسحاق : أن أبا جهل قال في أمر سراقة أبياتا فأجابه سراقة نظما :

أبا حكم واللات لو كنت شاهدا

لأمر جوادي أن تسيخ قوائمه

عجبت ولم تشكك بأن محمدا

نبي وبرهان فمن ذا يكاتمه

عليك فكف الناس عني فإنني

أرى أمره يوما ستبدو معالمه

أقول : وقصة سراقة مروية بعدة طرق ومنها ما في الدر المنثور من حديث أبي بكر في اتجاهه مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى الغار : فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا منهم إلا سراقة على فرس له فقلت يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : هذا الطلب قد لحقنا فقال : لا تحزن أن الله معنا حتى إذا دنا فكان بيننا وبينه قدر رمح أو رمحين أو ثلاثة فقلت يا رسول الله هذا الطلب قد لحقنا وبكيت ، قال : لم تبكي؟ قلت : أما والله لا أبكي على نفسي ولكني أبكي عليك فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال : اللهم أكفناه بما شئت فساخت فرسه إلى بطنها في أرض صلد ووثب عنها وقال : يا محمد إن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه فو الله لأعمين على من ورائي من الطلب وهذه كنانتي فخذ منها سهما فانك ستمر بابلي وغنمي في موضع كذا وكذا فخذ منها حاجتك فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا حاجة لي فيها ودعا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأطلق ورجع إلى أصحابه ومضى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأنا معه حتى قدمنا المدينة ...

(١) ومن حزنه ما رأه كما رواه في الدر المنثور ٣ : ٢٤٠ أخرج أبو نعيم عن السماء بنت أبي بكر أن أبا بكر رأى رجلا مواجه الغار قال يا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) انه لرآنا ، قال (صلى الله عليه وآله وسلم) : كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها فلم ينشب الرجل أن قعد يبول مستقبلهما فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا.

٨٧

كما يقول الله (لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) إنما هو الحزن الخطر عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) ولذلك عدّ (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) من نصرته الربانية ، فلقد كان حزنه لحد قد يشكل عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) خطرا فنصره الله أن نهى صاحبه عن الحزن وقاية عما قد يحصل من ملاحقة بضجة وصرخة من صاحبه. وهنا نقف حائرين من ذلك الحزن الحزين ، فإن كان لنفسه أم للرسول أم لهما فغير محبور ، حيث الحزن على الخطر الذي ضمن الله أنه لن يكون عدم إيمان واطمئنان بالله الذي ضمن الحفاظ على حياته بتلك الهجرة الخارقة للعادة ، ولكنه لم يكن حزنا ـ فقط ـ في قلبه ، بل هو ظاهر جاهر بصرخة حيث تسمع فيشكّل خطرا على حياة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ولولاه لم يكن في قوله لصاحبه : (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) نصرة له ثالثة ، فهل إن ترك حزن قلبي ـ فقط ـ لصاحبه نصرة له (صلى الله عليه وآله وسلم) غالية؟ كلا بل هو الحزن الحزين ببادئ صراخ يسمع المفتشين عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) الملاحقين إياه ، ففي نهيه عن حزنه وطمأنته : إن الله معنا ، وإن الله قلب قلبه بذلك ، نصرة ربانية ثالثة حفاظا على حياته (صلى الله عليه وآله وسلم) بالفعل ، ثم (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) نتيجة هذه المراحل الثلاث من نصرته ، كما وأن الثلاث الأخرى من مخلفات النصرة الأصلية وهي إنزال السكينة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم).

ثم كما أن «صاحبه» لا تصاحب صحبة الخليفة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من الناحية الروحية ، كذلك «معنا» لا تعني مساوات المعية بينهما ، فإنما هي معية في دفع الخطر الناجم ، أصالة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى هامشه لزاما للحفاظ عليه صاحبه في الغار ، فهي ـ إذا ـ معية الحفاظ لصاحب الرسالة.

وأما «صاحبه» فهل تعني له منقبة متميزة على سائر أصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فكأن غيره لم يكونوا من صحبه ، إنما هو «صاحبه» قضية إفراد النسبة المضافة إليه.

إن ل «صاحبه» مسارح عدة تختلف في مغزاها ، ف «صاحبه» في

٨٨

السفر ، غير «صاحبه» في التجارة ، وغيرهما في الدراسة ، وغيرها في المعرفة ، وغيرها في الإيمان ، حيث تختلف ملابسات تحمل معها فتختلف الصحابات.

وهنا «صاحبه» في الغار ليس إلّا من صاحبه فيه ـ دون استئذان منه أو طلبه (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ ودون سائر المواقف المشرفة ، فترى ـ إذا ـ «صاحبه» في الغار ، هو صاحبه بين كل صحبه في كل الميزات للصحبة الروحية الرسالية؟ هنا لو لم تدل «يقول» ما كنا نعرف أن صاحبه في الغار كان إنسانا ، حيث يصاحب الإنسان غير الإنسان من ملابس وحيوان ، ومن معاكسه (كَصاحِبِ الْحُوتِ) (٦٨ : ٤٨) أم أيا كان من صاحب يصحب جسمه دون روحه.

فلقد تعرفنا أن «صاحبه» إنسان لمكان «يقول» فمن أين نعرف أنه صاحبه في الفضائل الروحية بين الأصحاب ، وتلك الصحبة ليست لتثبت له أصل الإيمان فضلا عما علاه من صالح الإيمان فضلا عن أصلحه ، وقد يدل : «(لا تَحْزَنْ) ـ و ـ (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) على طالح الإيمان.

فحين نسمع الله يقول في الكهف (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً)(١) فهلّا يخيل إلينا أن «صاحبه في الغار» (٢) ما كان يصاحبه إلا كما صاحب المشرك المؤمن في آية الكهف ، وتعاكسها آية الأعراف ونظائرها : (أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ)(٣).

فهل إن «صاحبه» في الكهف تجعل المشرك مؤمنا بمجرد الصحابة؟ أم إن «صاحبهم» في الأعراف وسواها تجعل الرسول (صلى

__________________

(١ ، ٢ ، ٣). ك «ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى» (٥٣ : ٢) «وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ» (٨١ : ٢٢) و «ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ» (٣٤ : ٤٦) و «وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً» (٣١ : ١٥) و «حير ان له أصحاب يدعونه إلى الهدى» (٦ : ٧١) حيث تعني مصاحبة المؤمن الكافر ، النبي مع المشركين ، والولد المؤمن مع الوالدين المشركين ، أو أي مؤمن مع أي كافر.

٨٩

الله عليه وآله وسلم) مشركا؟.

فمجرد الصحبة بين اثنين لا يحشرهما في محشر واحد ومعشر فارد من الإيمان أو الكفر أم أيا كان من المشتركات ، فإنما القدر البين هو الصحابة في الجوار بدنيا أم في الشغل ، ثم الصحبة الروحية هي بحاجة إلى برهان ، في كفر أو إيمان أم أيا كان (١) ثم ولا نجد في القرآن كله يعبر عن صحابة الإيمان بين المؤمنين بصاحب أو أصحاب اللهم إلا ك (وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ) حيث تعني المعية في حمل هذه الرسالة السامية على هامش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا يصاحب صيغة الصاحب اية منقبة ولا مزرءة ، إلا بما يصاحب الصاحب من صاحبه من منقبة أو مزرءة ، وكل منهما بحاجة إلى دليل.

ولكننا هنا نطلق كما أطلق الله تلك الصحبة في البداية ، فحتى نعرف من حكاية الصحبة ما هي منزلة تلك الصحبة؟.

ليس هنا في دور الإيضاح إلّا «اثنين» لأول اثنين هما «لا تحزن» وقد عرفنا موقفها أن ليست ـ لأقل تقدير ـ امتداحا له ، إن لم يكن مزرءة عليه وهو مزرءة! فلنفرض أنه ساكت عن أية سلبية أو إيجابية ، ولكن تعال معنا إلى الدور الثاني (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) وهي كحصيلة لتلك النصرة المتميزة الربانية للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، فقد «أنزل (اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) إذ نصره في هذه الثلاث بما هو نصر الله في رسالته ودعوته وكل مواقفه السلبية والإيجابية لصالح هذه الرسالة ، ف (إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ) (٤٨ : ٧) وهنا التفريع (فَأَنْزَلَ اللهُ ..) لا يفسح أي مجال لغير صاحب النصرة الربانية في هذه الثلاث.

وترى بعد أن «عليه» تعني في رجعة يتيمة «صاحبه» دون نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ وهذه مزرءة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يحرم عن السكينة الخاصة به أولا ، ويختص بها صاحبه في الغار!.

__________________

(١) فمثال الكفر «فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ» (٥٤ : ٢٩).

٩٠

وهنا ، كون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) محور النصرة الربانية ، والسكينة هي محور لتلك النصرة ، والضمائر الثمانية ـ هي بطبيعة الحال ـ راجعة إليه ، هذه وما أشبه أدلة قاطعة لا مرد لها أنه (صلى الله عليه وآله وسلم) هو صاحب السكينة هنا دون صاحبه.

و (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) هي ثالثة النصرة له (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ثم (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) هي رابعة مفرعة على هذه التي مضت ، منتوجة أصيلة لها كلها ثم و (أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) خامسة و (جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) ، سادسة (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) هي السابعة ، وهذه الثلاثة الأخيرة هي من مخلقات السكينة ، وهذه السبعة من زوايا (نَصَرَهُ اللهُ) هي التي تشكل هندسة النصرة الربانية المنقطعة النظير لهذا البشير النذير فلو اختصت السكينة بصاحبه في الغار لاختصت به سائر النصرة المتقدمة عليها والمتأخرة عنها!.

ثم هنا نحن بين محتملات ثلاث في (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) أنها تخص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كالستة الأخرى ، والضمائر السبعة الأخرى ، ولأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هو المحور الحائرة حوله الآية بكل بنودها؟ ـ

أم تعمهما؟ وضمير المفرد لا يتحمل الرجوع إلى اثنين ، فلا موقف لذلك الاحتمال أصلا! أم هو راجع إلى صاحبه ـ كما يهواه من أصحاب صاحب الغار شذر نزر لأنه المرجع الأقرب (١) ـ فتصبح تلك السكينة الغالية

__________________

(١) انهم احتالوا وحاولوا نزول السكينة عليه في قالات وروايات ، منها ما في الدر المنثور ٣ : ٢٤٥ ـ أخرج ابن مردويه عن أنس بن مالك قال دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأبو بكر غار حراء فقال أبو بكر للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لو أن أحدهم يبصر موضع قدمه لأبصرني وإياك فقال : ما ظنك باثنين الله ثالثهما يا أبا بكر أن الله أنزل سكينة عليك وأيدني بجنود لم تروها ، ورواه مثله عن ابن عباس وأبي ثابت دون اسناد إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

أقول : ولأن الكاذب ينسى فقد نسي الناقل أن الغار هو غار ثور دون حراء ، ثم ما هذه السكينة النازلة على أبي بكر لم تلك تسكنه عن اضطرابه؟.

٩١

التي هي حصيلة متفرعة علي «لا تحزن» خاصة بصاحبه دونه نفسه (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وليست أقربية المرجع بمجردها صالحة لعود الضمير إليه ، وهنا القرائن القطعية قائمة على أن المرجع هنا هو محور النصرة الربانية دون صاحبه ثم الأقرب ذكرا هو الرسول لمكان «صاحبه» حيث هو المضاف إليه.

ذلك ، وحتى لو اختصت به السكينة فهي هي السكينة النازلة على المؤمنين مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فلا تدل ـ إذا ـ على ميزة لصاحب الغار يمتاز بها على غيره من المؤمنين.

ذلك ، رغم أن ذكر صاحبه لا يعني إلّا بيان ملابسة صالحة لاطمئنانه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار عن كل الأخطار ، لحد ينهي صاحبه الحزين عن حزنه الخطير الخطير.

ولننظر ثانية إلى ذلك المقترح الهاوي أن السكينة هنا نزلت على صاحبه دون نفسه ، فالنتيجة ـ إذا ـ هي كالتالية :

«إلا تنصروه» : ١ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) «فقد نصره» ٢ الرسول «الله» «إذ أخرجه» ٣ «الرسول» (الَّذِينَ كَفَرُوا ثانِيَ اثْنَيْنِ) ٤ : الرسول (إِذْ هُما فِي الْغارِ إِذْ يَقُولُ ٥) الرسول «لصاحبه» ٦ (لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا) ثم وهذه التالية هي قاعدة عليا من نصرته (صلى الله عليه وآله وسلم) : (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ) ٧ : صاحبه ، إذا ف (٨ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها) تعني أيضا صاحبه ، وكذلك الأمر فيما يتلوه ك (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) المتمثلة في صاحبه دونه!.

ذلك ، رغم أن مادة النصرة الربانية هنا ، المعنية من (نَصَرَهُ اللهُ) هي السكينة النازلة عليه (صلى الله عليه وآله وسلم) فوق سكينة تكريما لموقفه المشرف من عدم تخوفه وحزنه وهو المدار في ذلك الفرار!.

فقد نصره الله أولا بالعصمة الرسالية ، ثم كمل نصرته بهذه السكينة عصمة على عصمته ، نصرة ذات بعدين اثنين بعيدة عن كل انهزامه في حقل الدعوة الرسالية.

٩٢

ذلك ومن واجهة أخرى قد تعني (إِلَّا تَنْصُرُوهُ) كافة المتثاقلين عن نصرته على مدار الزمن الرسالي ، فأنتم أنتم الخاسرون دونه (صلى الله عليه وآله وسلم) (فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ) صيانة على نفسه ورسالته القدسية ودعوته المترامية الأطراف به وبقرآنه المبين وتبيانه المتين.

ومن نصرته والمؤمنين (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ) (٣ : ١٢٣) و (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ) (٩ : ٢٥) ومن أخريات هذه النصرة المتتالية المتمادية ما كان بفتح مكة (وَيَنْصُرَكَ اللهُ نَصْراً عَزِيزاً) (٤٨ : ٣).

ومن ثم (أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) حيث سفلت حيلتهم بحقه ، (وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا) حيث علت بهجرته ثم غلت بفتح العاصمة بعد ردح من هذه الهجرة الهاجرة.

ولننظر هنا إلى «السكينة» في عرف القرآن على من تنزل كأصل ، ثم من فضل الأصل على من؟.

هنا نجد حين يقرن المؤمنون بالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) تشملهم السكينة على هامش الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٩ : ٢٦) وهم الذين ظلموا مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وما قلوا ، من هؤلاء الثمانين بين اثني عشر ألفا أو يزيدون ، فكما هنا تختص السكينة بالمؤمنين الثابتين دون المنهزمين الهابطين ، علّها كذلك هنا لا تنزل على صاحبه المؤمن إذ لم يكن له ثابت الإيمان الذي يحق له إنزال السكينة ، فإنما نزلت السكينة الرسالية على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على سكينته الرسولية الدائبة وهي العصمة.

فهنا للرسول سكينة يعيشها قضية العصمة الرسولية ، ثم سكينة تنزل عليه مزيدا لتلك العصمة ، كما للمؤمنين القلة سكينة الإيمان ، العائشين معها باطمئنان ، ثم تنزل عليهم السكينة ليزدادوا إيمانا على إيمانهم.

هذه سكينة مزيد العصمة على عصمته (صلى الله عليه وآله وسلم)

٩٣

وهي النصرة الربانية البارزة للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) حصيلة للمواقف الثلاثة الأولى ، وهي قلب مسبّع النصرة ومن حصائلها المخلفة عنها بعد ما هي مخلفة عن الثلاثة الأولى ثلاثة أخرى هي (وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا).

فقد أيده في مواقف عدة بجنود لم تروها ، إذ أخرجه الذين كفروا إذ هما في النار ، وإذ يقول لصاحبه لا تحزن ، وإذ دخل المدينة حيث أيده في حروب كبدر وحنين وما أشبه ، ثم (جَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى) مهما حاولوا أن يجعلوه العليا ، وكلمة الله هي العليا ، مهما حاولوا أن يجعلوه السفلى ، وهنا كلمة الله هي كلمة الرسالة القدسية المحمدية (صلى الله عليه وآله وسلم) الحاملة لكلمات الله التامة الطامة.

فترى بعد أن نصرة من هذه السبع فضلا عن قلب النصرة وعمادها تختص بصاحبه في الغار؟ ولا شأن له إلّا شائن الحزن الخطر على صاحب الرسالة لحد اعتبر نهيه عنه بما نهاه الله إلى تخفيفه عن حزنه نصرة له في حق (نَصَرَهُ اللهُ) فالنصرة الربانية الخفية يظاهر الحال في العهد المكي أخذت تنمو وتظهر زاهرة باهرة منذ هجرته (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى أن توفاه الله وإلى يوم القيامة الكبرى.

إذا فرجوع ضمير الغائب في «عليه» إليه (صلى الله عليه وآله وسلم) مقطوع أدبيا ومعنويا من جهات عدة لا ينكرها ولا واحدة منها إلا معاند متعصب يريد ليحمل رأيه مذهبيا على نص القرآن!.

ذلك ثم في الفتح (فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٢٦) وذلك حيث (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (٤٨ : ١٨).

وقد يفرد المؤمنون بالسكينة حيث يفردون عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذكرا ، وهم معه إيمانا ، (لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) وهي لا تليق بساحة الرسول : (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ) (٤٨ : ٤) ـ (فَعَلِمَ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ

٩٤

عَلَيْهِمْ وَأَثابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً) (٤٨ : ١٨).

ثم هنا ـ ولمرة يتيمة ـ نجد اختصاص الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسكينة ، ومعه صاحبه الحزين في الغار ، وهو أحوج إلى السكينة ، وقد ذكر معه مرات ثلاث ، فسكينة المؤمنين ليزدادوا إيمانا على إيمانهم إكراما لإيمانهم بجدارته ، وسكينة الرسول ليزداد عصمة على عصمته إكراما لطمأنته ، وأما صاحبه في الغار فلا سكينة تنزل عليه لا رسوليا ولا إيمانيا إذ لم تكن له سكينة إيمانية تربطه عن حزنه الحزين المهتاج ، المحتاج إلى ذلك النهي المكين.

فهنا التساءل ، لما ذا لم تشمله السكينة النازلة على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو المحتاج في حزنه إليها دون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ إنه لزعزته هو دون الرسول الذي نهاه عنها وطمأنه. ألأنه ـ على حزنه ـ لا يحتاج إلى السكينة والرسول على طمأنته يحتاجها؟ فهو ـ إذا ـ أغنى من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على حاجته إليها!.

أم هو كما الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وعلى مستواه في الحاجة إليها؟ فلما ذا لم تشمله معه!.

أم هو دون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وهو طبيعة الحال لكل من هو مع الرسول ـ؟ فإذا كان مؤمنا ما كنا فلتشمله السكينة كما شملت سائر المؤمنين مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)! وما قولة القائل إنما السكينة نزلت على أبي بكر حيث كان يحتاجها دون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إذ لم يكن يحتاجها ، ما هي إلا غائلة مائلة على قول الله : (ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ولم يكن يحتاجها إلا «المؤمنين» ثم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) على رسالته هو بحاجة إلى سكينته الرسولية طول حياته ، ثم وما هو الفارق بين مسرح الغار والحديبية حيث هما خطران على الطرفين ، والغار أخطر على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلتنزل عليه السكينة فيها بأحرى وأجدر ، وإذ لا جدارة لصاحبه في الغار ، وكانت للمؤمنين في حنين وفتح

٩٥

مكة ، فلتنزل السكينة عليهم فيها دون صاحبه في الغار!.

وحين نتخطى هذه الثلاث فهل يبقى إلا أنه على إيمانه لم يكن بتلك الجدارة الإيمانية التي تنزّل السكينة على صاحبه ، فضلا عن السكينة الرسالية ، فقد علم ما في قلوب المؤمنين معه (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل السكينة عليهم ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ، وعلم ما في قلب صاحبه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار ، فلم ينزل سكينة عليه لمكان حزنه الحزين الدال على ضعف في إيمانه!.

فقد كان مؤمنا حينذاك ـ لأكثر تقدير ـ ولكنه لمّا يصل إلى جدارة إيمانية تؤهله لنزول السكينة عليه مع الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أو بعده.

فهل إن في آية الغار ـ بعد ـ افتخار لصاحب الغار ، أم هي عليه عار في انتحار لأصل إيمانه ـ إذا ـ أم لجدارة الإيمان ظرفا للسكينة؟! ولو أننا اختصصنا السكينة به في الغار تغاضيا عن نص الآية ، لما كان لصاحب الغار ـ بعد ـ مكسب من صحبة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار.

فآية الغار هي خير مسئول للإجابة عن موقف صاحب الغار ، كما وآية المبيت هي خير مقرر لموقف الإمام علي (عليه السلام) في تضحيته العالية الغالية عن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ) (٢ : ٢٠٧) وترى بعد أن الحضور عند الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بأمان أحضر في حذمته ، أم الحضور في فراشه الخطير بغيابه؟ (١).

ذلك ، وإلى نظرة أخرى في مقاطع الآية لنكون على بصيرة أكثر من مغزاها : ترى ولما ذا كان صاحبه حزينا؟ أإشفاقا على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فلما ذا نهاه وهو معروف لصالح الإيمان! ثم كيف يحزن

__________________

(١) البحار ١٩ : ٧٦ يج روي أن ابن الكوا قال لعلي (عليه السلام) : ...

٩٦

هو دونه (صلى الله عليه وآله وسلم) إن كان حزنه على ناجم الخطر وقد ضمن الله خلاصة عن بأس المشركين بما أخرجه هكذا وأخرجهم حائرين.

ونرى البائت على فراشه في هاجم الخطر لا يلمح منه أي حزن إلّا صلابة وطمأنينة ، ثم نرى صاحبه في الغار يحزن في ناجم الخطر وهو مأمون بما أمنهما الله!.

وحين يقال لعلي (عليه السلام) : أين كنت حيث ذكر الله أبا بكر فقال : (ثانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ) فقال : ويلك كنت على فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد طرح علي ريطته فأقبل قريش مع كل رجل منهم هراوة فيها شوكتها فلم يبصروا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأقبلوا علي يضربوني حتى ينفط جسدي وأوثقوني بالحديد وجعلوني في بيت واستوثقوا الباب بقفل ...

وترى فراش رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان أخطر أم الغار؟ طبعا هو الفراش ، وإلا فلما ذا الفرار منه إلى الغار ، فقد كان موقف علي (عليه السلام) من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) موقف التضحية بنفسه عنه ولا أمان فيه ولم يحزن ، وموقف أبي بكر هو موقف الأمان وقد حزن!.

ومما ينص على صاحبه (صلى الله عليه وآله وسلم) في الغار أنه ما كسب فضيلة أم قد كسب رذيلة ما تواتر عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) من قوله له في قصة إعلان البراءة حين يسأله (صلى الله عليه وآله وسلم) أما أهلتني : «كيف تبلغ عن وأنت صاحبي في الغار» (١) فلو كانت صحبته في الغار منقبة فلتخلّف منقبة رسالية في إبلاغ البراءة ، ولكن حزنه إذ هما في الغار كان دليلا على نقصان إيمانه وخوفه فيما لا خوف فيه ، فكيف يؤمن على بلاغ رسالته في جو الإشراك المخيف؟.

__________________

(١) هذه وأمثالها من حجج داحضة واهية أوردها الفخر الرازي في تفسيره نصرا لصاحب الغار!.

٩٧

وهنا نتساءل : هل إن من لا يصلح لحمل رسالة وخلافة جزئية زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) يصلح لحمل خلافة هذه الرسالة بعده (صلى الله عليه وآله وسلم)؟.

وترى بعد (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ..) تنديد بكافة المؤمنين بمن فيهم علي أمير المؤمنين (عليه السلام) وسائر فضلاء الصحابة ، وتمجيد بصاحب الغار؟ و (نَصَرَهُ اللهُ) تختص نصرته في الغار بالله!.

وهذا الخطاب العتاب يختص بمن ترك نصرته (صلى الله عليه وآله وسلم) من البسطاء والذين في قلوبهم مرض ، دون وسطاء الإيمان فضلا عن فضلائهم ، وقد تدل آيات تالية في بضع عشرة أن المعنيين بهذه الخطابات هم أولاء الأنكاد الموصوفين بالنفاق وعدم الإيمان ، فحتى البسطاء القصر هم خارجون عنهم فضلا عن سائر المؤمنين وسطاء وفضلاء! فقد قال الله عن فضلاءهم : (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (٩ : ١٠٠).

ولئن كان من شيء فقد يشمل هذا الخطاب أبا بكر نفسه مع سائر المؤمنين ، إذ لم يستثن من ذلك الخطاب العام ، وإنما استثني في موقف الغار عن صالحي المؤمنين الجديرين بنزول السكينة عليهم ، فالروايات الواردة بهذه المنقبة المتميزة لصاحب الغار مختلقة تعارض الآية بصدرها وذيلها ، أم متواطئة من أنصار صاحب الغار (١).

أم وترى هذه الصحبة الصاخبة في الغار له (صلى الله عليه وآله وسلم) نصرة ، وليس المبيت على فراشه (صلى الله عليه وآله وسلم) له

__________________

(١) منها ما افتروه على علي (عليه السلام) كما في الدر المنثور ٣ : ٢٤١ ـ أخرج خيثمة بن سليمان الاطرابلسي في فضائل الصحابة وابن عساكر عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال : إن الله ذم الناس كلهم ومدح أبا بكر فقال (إِلَّا تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللهُ ...) وروى مثله عن سفيان بن عيينة والحسن.

٩٨

نصرة؟ ثم ولا تعني «إلا تنصروه» تحليق السلب على كافة المؤمنين ومنهم أصفياء أتقياء هم كانوا له أنصارا في كافة المواقف كما يمدحهم الله في مواطن كثيرة.

وهل إن جهادهم معه (صلى الله عليه وآله وسلم) في سبيل الله قاتلين ومقتولين بجنبه ليس نصرة له ، والاسترواح معه في أمن الغار إلى الهجرة الهاجرة عن بأس المشركين هو له نصرة.

وهل إن الإيمان به قبل كل المؤمنين كما كان لعلي (عليه السلام) ليس له نصرة ، ثم الأمن معه في الغار له نصرة ، وقد تواتر الأثر عن أهليه المعصومين (عليهم السلام) وسواهم أنه أوّل من آمن كما عنه (عليه السلام) نفسه : «لم يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق» (الكلام ـ ١٣٩) وانه (عليه السلام) هو صاحبه بحق الصحبة الصالحة الصادقة.

فهنا صاحبان لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : صاحبه في الغار حالة الفرار ، وصاحبه القارّ الكرار غير الفرّار ، وأين صاحب من صاحب؟!.

ولقد تواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في وصف صاحبه الحق الحقيق بحق صحبته الرسولية والرسالية قوله : «علي صاحب رايتي» (١) و «صاحب لوائي» (٢) و «صاحبي» (٣) و «صاحب حوضي» (٤) ولكل بني صاحب سر وصاحب سري علي(٥).

__________________

(١) ملحقات إحقاق الحق ٤ : ١٦٦ ، ١٦٨ ، ٣٦٣.

(٢) المصدر ٤ : ١٦٩ ـ ١٧٠ ، ٢٢٧ ، ٢٦٥ ، ٢٦٩ ، ٣٦٧ و ٦ : ٥٤ ، ٥٨٨ و ٧ : ٣٨٤ و ١٥ : ٥٤٦ ٥٥١ و ٢٠ : ٣١٩ ـ ٣٢٢ ، ٢٢٦ ، ٢٧٣ ، ٣٣٢ ، ٣٠٩ ، ٣١١ ، ٤٠٧.

(٣) المصدر ٤ : ١٧١ ـ ١٧٧ ، ٢٩٧ ، ٣٤٢ ، ٣٦٣ و ١٥ : ١٦٩ ، ٣٤٨.

(٤) المصدر ٤ : ١٠١ ، ١٧٠ ، ٢٧٠ ـ و ١٥ : ٣٠٩ و ٢٠ : ٣٠٨ ـ ٣٠٩ ، ٤٠٧ و ٤ : ٢٧٧ و ٢٠ : ٢٣٠.

(٥) المصدر ٤ : ٢٢٦ و ١٥ : ٢٢٦ ـ ٢٢٧ و ٢٠ : ٣١٢ ـ ٣١٣.

٩٩

ذلك ، كما وهو «الصديق الأكبر» على لسان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فيما تواتر عنه (١).

ذلك ، وإنما هي نصرة ربانية منقطعة النظير عن كل نصرة بشرية حتى من المؤمنين (إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ) فمحور الخطر لا يحزن والحائر حوله (صلى الله عليه وآله وسلم) الآمن في ظله يحزن ، فهل إن حزنه المحظور أم تركه نصرة له (صلى الله عليه وآله وسلم) منه وهو منصور بالسكينة الربانية أولا ، ثم بها مزيدة عليها ثانيا ، أم إن اختصاصه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالسكينة وحرمان صاحبه في الغار عنها نصرة منه له (صلى الله عليه وآله وسلم)؟! وهو عليه كسرة وحسرة ، وللرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) منهاة حيث ينهاه «لا تحزن».

وأما (إِنَّ اللهَ مَعَنا) حيث يتمسك بها بمعية الله إياهما المشتركة بينهما ، إنها بطبيعة الحال معية الرحمة الخاصة؟ فموقف الغار يفسر هذه المعية أنها تعني معية الحفاظ على نفسيهما عن القتل ، وكل الأحياء مشتركون معهما في هذه المعية ، وإن كانت معية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) متميزة عن سائر المعيات ، كما (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (٥٧ : ٤) تشمل عامة المعية لكل الخليقة علما وقدرة وقيومية رحمانية ورحيمية ، رغم أن الخلق درجات في هذه المعيات الربانية.

فالمعية الربانية لغير المؤمنين هي الرحمانية العامة ، وهي للمؤمنين على درجاتهم معيات رحيمية على درجاتها ولا يظلمون فتيلا ، ثم المعية الحفيظة على الأنفس ، الشاملة للكلّ مؤمنين وسواهم ، لا تعني مساواتهم فيها كرامة ، فإن إبقاءه تعالى على الظالمين إملاء هي مهانة : (وَأُمْلِي لَهُمْ

__________________

(١) المصدر ٤ : ٢٦ ـ ٣٥ ، ٢٠٣ ، ٢٠٩ ، ٢١٧ ، ٢٨٤ ، ٣٣١ ، ٣٤١ ، ٣٤٦ ، ٣٦٨ ، ٣٧١ ، ٣٨٦ و ٦ : ١٦٠ و ٧ : ١٣١ و ١٥ : ٢٨١ ، ٣٤٢ ، ٣٤٥ ، ٣٠٠ ، ٤٨٩ ، ٥١٢ و ١٦ : ٥١٤ و ٢٠ : ٢٢٤ ، ٢٢٧ ـ ٢٢٩ ، ٢٥٩ ـ ٢٦٣ ، ٢٩٨ ، ٣٣٣ ، ٣٤٠ ، ٣٧٤ ـ ٣٧٩ ، ٤٥٤ ـ ٤٥٥ ، ٤٥٩ ، ٤٦٦ ، ٤٧٢.

١٠٠