الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٢

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١٢

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٩٠

الغرور :

(وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(٣٣).

فكون الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيهم ـ رغم أنهم ناكروه ـ إنه صيانة لهم عن عذاب الله مقترحا وسواه ، وصيانة أخرى على طول الخط ـ كان فيهم الرسول أم لم يكن فيهم ـ (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) ف «ليعذبهم» محطّ لسلب محدّد ب (وَأَنْتَ فِيهِمْ) ولكن «معذبهم» سلب طليق (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) سواء أكنت «أنت فيهم» أم لم تكن.

فتلك هي الرحمة المحمدية العالمية أن الله لا يعذب الكافرين به ما هو فيهم ، ثم يتوب عن ذلك (وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فقد «كان في الأرض أمانان من عذاب الله سبحانه فرفع أحدهما فدونكم الآخر فتمسكوا به ، أما الأمان الذي رفع فهو رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأما الأمان الباقي فالاستغفار» (١) فقد كان مماته إلى حياته خيرا لنا (٢) لهذين الأمانين.

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ١٥٣ وحكى أبو جعفر محمد بن علي الباقر (عليهما السلام) أنه قال : كان قال الله جلّ من قائل (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ).

(٢) المصدر ١٥١ في روضته الكافي عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إن لكم في حياتي خيرا وفي مماتي خيرا ، قال : فقيل يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) أما حياتك فقد علمنا فما لنا في وفاتك؟ فقال : أما في حياتي فإن الله عزّ وجلّ يقول : وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم : وأما في مماتي فتعرض علي أعمالكم فاستغفر لكم.

وفي الدر المنثور ٣ : ١٨١ ـ أخرج الترمذي عن أبي موسى الأشعري قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): أنزل الله علي أمانين لأمتي (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَما كانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) فإذا مضيت تركت فيهم الاستغفار إلى يوم القيامة.

وفيه ١٨٢ ـ أخرج أحمد والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي سعيد قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم): إن الشيطان قال : وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم ، قال الرب : وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني ، وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) قال : من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ورزقة من حيث لا يحتسب.

٢٠١

وترى العذاب المنفي (ما دُمْتُ فِيهِمْ) هو مطلق العذاب الشامل لقتلهم؟

وقد قتل جمع منهم في غزوات! إنه عذاب الاستئصال كما لم يعذبوا به ما كان (صلّى الله عليه وآله وسلم) فيهم ، ثم (ما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) تعم إلى عذاب القتال عذاب البرزخ والقيامة.

ذلك ، فقد يعذبون بعد ارتحال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) عنهم وهم لا يستغفرون ، بعذاب الاستئصال وما أشبه ، الواقع على سالفة الأمم المتخلفة عن شرعة الله.

وليس عذاب القتال ينافي كونه (صلّى الله عليه وآله وسلم) رحمة للعالمين ، فان فسح المجال للمكذبين الفاتنين ينافي أصل الرحمة الأصيلة المحمدية حيث يستأصل دعوته ، وإنما هي الرحمة التي لا تشكل زحمة على الذين آمنوا.

أجل ، إنها رحمة ربانية ـ إكراما لمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلم) ـ تشملهم فتمهلهم فلا يأخذهم الله عجالة بعذاب الاستئصال الاستعجال ، مهما يؤخذون بسائر العذاب قضية صدهم عن سبيل الله وعن المسجد الحرام ، فصدهم بقتال وسواه عما يصدون ، فليس ليصدهم عن ذلك العذاب ما يدعونه من كونهم ورثة إبراهيم وسدنة البيت الحرام ، أم لأنهم أولياء الله ، فإنهم أعداء الله وأعداء البيت الحرام ومغتصبوه ، وليس البيت الحرام ميراثا حتى لو كان ميراثا من إبراهيم ، بل هو البيت العتيق عن كل اختصاص بوجه خاص ، اللهم إلا لأولياء الله المتقين.

ذلك فقد يعذبهم الله دون هذين الشرطين دون عذاب الاستئصال (وَأَنْتَ فِيهِمْ) (وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) :

(وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ)(٣٤).

٢٠٢

فليس ـ فقط ـ لأنهم أميون (أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) وهم لا يتقون ، (وَما لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللهُ) ولست أنت فيهم ولا هم يستغفرون الله «وهم» على كفرهم وتكذيبهم بآيات الله (يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ) دونما حق يحق لهم ذلك الصد.

ذلك! «و» الحال أنهم (ما كانُوا أَوْلِياءَهُ) الله ، ولا كانوا أولياء المسجد الحرام من قبل الله (إِنْ أَوْلِياؤُهُ) : الله ، والمسجد الحرام (إِلَّا الْمُتَّقُونَ) فإنما لأولياء الله وأولياء المسجد الحرام من أولياء الله أن يصدوا من سواهم عن المسجد الحرام ، ف (إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا) (٩ : ٢٨).

فالصادّون عن المسجد الحرام ، المشركون بالله ، هم أصول الفتنة ضد الموحدين وشرعة التوحيد ، فلا يسمح لهم بذلك الصدّ ، بل ويعذبهم الله بأيدي المؤمنين حربا كما يعذبهم بما يشاء كيف يشاء حفاظا على العاصمة التوحيدية عن ذلك الصد الظالم الغاشم.

ذلك (وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ) أنهم (ما كانُوا أَوْلِياءَهُ) و «لا يعلمون» أنهم معذبون و (إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ).

أجل ، «ألا إن أولياء الله هم الذين نظروا إلى باطن الدنيا إذا نظر الناس إلى ظاهرها واشتغلوا بآجلها إذا اشتغل الناس بعاجلها ، فأماتوا منها ما خشوا أن يميتهم ، وتركوا منها ما علموا انه سيتركهم ، ورأوا استكثار غيرهم منها استقلالا ، ودركهم لها فوتا ، أعداء ما سالم الناس ، وسلم ما عادى الناس ، بهم علم الكتاب وبه علموا ، وبهم قام الكتاب وبه قاموا ، لا يرون مرجوا فوق ما يرجون ، ولا مخوفا فوق ما يخافون» (الحكمة ٤٢٢).

ذلك ، وحين يصد اعداء الله أولياءه عن المسجد الحرام ، فما هم فيه فاعلون؟

(وَما كانَ صَلاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ)(٣٥).

تلك اللعينة هي صلاتهم بالله إشراكا به ، وبأهل الله صدا عن المسجد الحرام كفرا به ، وهذه صلاتهم عند البيت (مُكاءً وَتَصْدِيَةً) تصغيرا

٢٠٣

وتصفيقا (١) هما من اللهو واللغو المناسبين لمسارح الفسق والرقص ، وفي أقدس مكان من أمكنة الوحي والعبادة ، وذلك ثالوث منحوس من مستحقات العذاب : تكذيب بآيات الله ، وصد عند المسجد الحرام ، ومكاء وتصدية فيه (فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ).

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ)(٣٦).

وهذه طبيعة الحال النحسة لقبيل الكفر أنهم يصرفون كل طاقاتهم ، و (يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ) صدا للمؤمنين بالله تضليلا لهم ، أم وصدا عن تطبيق أحكام الله كما يصدون عن المسجد الحرام ، وصدا للمستضعفين المتحرين عن الحق ، أو الحائرين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، فكيانهم ككلّ هو الصد عن سبيل الله.

ذلك (فَسَيُنْفِقُونَها) فيما يهوون ويشتهون (ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً) في الدارين ، لا فقط «حسرة» بل (ثُمَّ يُغْلَبُونَ) غلبا بعد الحسرة وقلة بعد الكثرة ، هنا وفي الأخرى ، ثم مصيرهم إلى النار (وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ).

(لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ)(٣٧).

(إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) مع بعضهم البعض متميزين عن أهل الجنة (لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ) في ذلك الحشر كما تميزوا يوم الدنيا عن الطيبين (وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ) ظلمات بعضها فوق بعض ـ (فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً) في ذلك الحشر الحاشد ، ثم (فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ

__________________

(١) المصدر ١٨٣ ـ أخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له أخبرني عن قوله عز وجلّ (إِلَّا مُكاءً وَتَصْدِيَةً) قال : المكاء صوت القنبرة والتصدية صوت العصافير وهو التصفيق وذلك أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) كان إذا قام إلى الصلاة وهو بمكة كان يصلي قائما بين الحجر والركن اليماني فيجيء رجلان من بني سهم يقوم أحدهما عن يمينه والآخر عن شماله ويصيح أحدهما كما يصيح المكاء والآخر يصفق بيديه تصدية العصافير ليفسد عليه صلاته.

٢٠٤

أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ، فذلك التعبير القرآني يجسم الخبيث كأنه كومة من الأقذار لهؤلاء الخبثاء الأقذار ، وعند ما يصل السياق إلى ذلك التقرير عن مصير الكفر ، يتجه بخطاب إلى الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) ليقول لهم قولة الرحمة إن تابوا وانتهوا :

(قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ)(٣٨).

ضابطة فقهية كلامية هي بصيغة السنة : «الإسلام يجب ـ يهدم ـ ما ـ كان ـ قبله» (١) ومهما كانت هذه الرواية ضعيفة السند ومحدودة الدلالة ، فهذه الآية تجبر كسرها فيهما (٢).

هنا (الَّذِينَ كَفَرُوا) طليقة تحلق على كل ألوان الكفر إلحادا وإشراكا وكتابيا ، ف «إن ينتهوا» تعني الانتهاء عن الكفر أيا كان بكل مخلفاته ، فهو الانتهاء المطلق دون مطلق الانتهاء ، حيث المتعلق للانتهاء هنا هو الكفر ، فان انتهى عن بعضه لم ينته عن كفره حيث الباقي أيضا كفر إذا فقد يعني الانتهاء عن الكفر بأسره وتمامه ، انتهاء نهائيا عن أسره ، ثم (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) تحلق الغفر على كل (ما قَدْ سَلَفَ) كتشجيع

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ١٨٤ ـ أخرج ابن أحمد ومسلم عن عمرو بن العاصي قال : لما جعل الله الإسلام في قلبي أتيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقلت : أبسط يديك لأبايعك فبسط يمينه فقبضت يدي قال : مالك؟ قلت أردت أن تشترط ، قال : تشترط ماذا؟ قلت : أن يغفر لي قال : أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله وان الهجرة تهدم ما كان قبلها وإن الحج يهدم ما كان قبله.

(٢) أذكر حينما كنت بالنجف الأشرف في هجرتي إلى الله من شر الطاغوت : الشاه عليه لغته الله ، وكنت أتردد إلى مجلس الاستفتاء للمرجع الديني الكبير السيد الخوئي ، مشاورة في مختلف الفتيا ، وأنا متكفل الجانب الفقهي القرآني إضافة إلى سواه ، ذكر فيما كان يحققه في أسناد الروايات أنني وجدت حديث الجب غير مسنود فلا يصح أن يفتي به ، فتلوت عليه هذه الآية قائلا : إذا كان حديث الجب ضعيفا فآية الجب قوية ، فاستطار حيرة وقال : حقا نحن بعيدون عن كتاب الله ، نفتش بعد ردح بعيد من الزمن عن سند حديث الجب ، غافلين أن هناك آية الجب هي أقوى دلالة وأظهر ، ولقد كانت أمثال هذه النبرات القرآنية مما يغيظ جمعا من الجاهلين بالقرآن ، التاركين إياه إلى سواه.

٢٠٥

على إيمان ، وإمحاء لصدود قد تمنع عن الإيمان ، وهل إذا يغفر للكافر ما قد سلف فبأحرى المؤمن الفاسق إذ لا يحرم المؤمن عما يمنح الكافر ترغيبا إلى إيمان ، ولكن كفارات المؤمنين مقررة مفصلة ، ولا يقاس المؤمن بالكافر ، فالواجبات التي تركها حال إيمانه عليه أن يأتي بها ، ثم المحرمات أن يستغفر عنها ، والتعديات المالية والعرضية والنفسية أن يجبرها ، حيث التوبة لها حدود محددة في الكتاب والسنة.

وترى (ما قَدْ سَلَفَ) تشمل إلى حقوق الله حقوق الناس؟ والغفر عن حقوق الناس ظلم بحق الناس (وَأَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ)!

هذا الغفر ليس إلّا قضية الرحمة الواسعة الربانية ، فقضيته ألا يشكّل زحمة للناس ، فقد يختص بما هو حق الله تعالى فحسب ، أم ويشمل حقوقا للناس لا سبيل للمنتهي عن كفره إلى إحقاقه ، إذا فالله هو الذي يغفر له إرضاء لصاحب الحق يوم الحساب (١).

فالأصل القرآني في حقل الانتهاء عن الكفر هو الغفر دون شرط ، اللهم إلا ما فيه ظلم بالناس و (أَنَّ اللهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ).

إذا ف (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) مخصصة بما يكون غفره ظلما بحقوق الناس ، وليست غاية ترغيب الكفار إلى الإيمان مما يبرر الوسيلة الظالمة ، اللهم إلا أن يحمّل المؤمنون الغفر عما لحقهم من الكفار حالة كفرهم من ظلم ، فلصالح الإيمان ترغيبا إليه يتحمل المؤمنون غفرهم؟ وهو محدّد بما يدل عليه بصورة قاطعة وبينة ، فإلى مظان هذه الأدلة ومقاطعها : (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَآمَنُوا بِما نُزِّلَ عَلى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بالَهُمْ) (٤٧ : ٢) وعلّ

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ١٥٤ في تفسير العياشي عن علي بن دراج الأسدي قال : دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) فقلت له : إني كنت عاملا لبني أمية فأصبت مالا كثيرا فظننت أن ذلك لا يحل لي ، قال (عليه السلام) : فسألت عن ذلك غيري؟ قال : قلت قد سئلت فقيل لي : إن أهلك ومالك وكل شيء لك حرام ، قال : ليس كما قالوا لك ، قلت : جعلت فداك فلي توبة؟ قال : نعم توبتك في كتاب الله (قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا).

٢٠٦

من إصلاح بالهم ما يتكفله الله من جبر نقصهم فيما قصروا في حقوق الناس إلى حقوق الله.

(وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْناهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (٥ : ٦٥) ولعل التكفير يختص بحقوق الله المتروكة ، فقد كانوا مكلفين بالفروع كما الأصول ، ولكن الإيمان يكفر كل تقصير في الفروع ما لم يكن ظلما بحقوق الناس.

ومن ذلك التكفير ما وعد جمع من المؤمنين : (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللهِ وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ) (٣ : ١٩٥).

كما و (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً) (٤ : ٣١) ، فالذي يؤمن بعد كفره «يغفر له ما قد سلف» بصورة طليقة اللهم إلّا ما يكون غفره ظلما بآخرين ، وهكذا الذي يقتل في سبيل الله ، ولكن الذي يجتنب كبائر المنهيات تكفر عنه ـ فقط ـ سيئاته ، ثم هنا ما يكفر من السيئات دون كلها : (إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئاتِكُمْ وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (٢ : ٢٧١).

فمن الصالحات ما يكفر أسوء الأعمال : (وَالَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ. لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ. لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ) (٣٩ : ٣٥).

ومنها ما يكفر كل السيئات كالإيمان وعمل الصالحات والتقوى والشهادة في سبيل الله : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) (٨ : ٢٩)(وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللهِ وَيَعْمَلْ صالِحاً يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئاتِهِ) (٦٤ : ٩).

٢٠٧

ذلك ، ولكن تكفير السيئات عن المؤمن علّ نطاقه أضيق من (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) للكافر ، فالإيمان بعد الكفر يكفّر كل ما قد سلف ، اللهم إلا ما لا يغفر من حقوق الناس حتى يغفره صاحبه ، أو يحمله الله على ذلك الغفر ، والتقوى وترك كبائر المنهيات وفعل كبائر الحسنات والشهادة في نطاق الإيمان يغفر بها كل السيئات وهي الصغائر دون الكبائر ، وأما (الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ) ف (لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا) ثم ومن الحسنات ما تبدل السيئات حسنات وذلك فوق تكفيرها : (إِلَّا مَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً. وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتاباً) (٢٥ : ٧١).

ذلك ، وبصورة عامة لا يعني غفر ما سلف ، وتكفير السيئات كلا أو بعضا إلا غفر ما يجوز غفره بميزان العدل والرحمة دون ما لا يجوز كحقوق الناس اللهم إلّا ما يجبره تعالى كما يراه هنا أم في الأخرى وهذا بحاجة إلى قاطع الدليل فلا تكفيه عمومات أو إطلاقات الغفر عما سلف أم تكفير السيئات.

فالآيات بالنسبة للذين ينتهون عن كفرهم إلى إيمان ، هي كلمة واحدة : (نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ) وما أشبه ، وأوسع من الكل (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) حيث تشمل كافة التقصيرات في ترك واجبات واقتراف محرمات ، ما يرتبط بحقوق الله ، لا وحقوق الناس حيث الغفر عنها دون رضاهم ظلم.

ثم بالنسبة للمؤمنين المتقين ـ الشهداء في سبيل الله ـ التاركين كبائر المنهيات ـ العاملين كبائر الواجبات ، لهم تكفير السيئات.

ثم لكامل التوبة حيث يتلوها العمل الصالح الذي أصلح ما أفسده تبديل لسيئاتهم حسنات.

وفي إعطاء الصدقات تكفير لبعض السيئات دون كلها ، وعلها السيئات المالية.

٢٠٨

ذلك ، ولأن الذين انتهوا عن كفرهم ما كان تكليفهم بالفروع كما على المؤمنين ، ولكيلا يصدهم عن الإيمان عبء الإتيان بما سلف والجبران لما تخلف ، فالصالح في الرحمة الربانية وسياسة الجذب إلى الإيمان أن (يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) ولكنه محدد بما ليس من حقوق الناس ، وان كان منها فبما يجبره الله حتى يرضي المهضومين في حقوقهم.

ثم وعلى كتلة الإيمان التنازل عن حقوقهم المهضومة فيما يؤمن الهاضمون إياها إكراما للإيمان ، وتنازلا عن مصالحهم الشخصية للمصلحة الجماعية لكتلة الإيمان.

ذلك ، وكضابطة في غفر الله أيا كان ولأي كان ، لا مجال له ككل إلا حقوق الله وأما حقوق الناس فلا إلا أن يدل دليل خاص عليه كأن الله يرضي المستحقين ، أو أنه يريد منهم أن يرضوا ، ولا نجد هذا أو ذاك بالنسبة لانتهاء الكفار عن كفرهم ، فإنما يغفر لهم ما قد سلف من واجبات متروكة أو محرمات مفعولة في حقل حقوق الله فقط.

هذا ، ومع كل ذلك فقد يحكم إطلاق (ما قَدْ سَلَفَ) شمولا لحقوق الناس ، استسماحا من الناس المؤمنين هنا وسماحا من الله في الأخرى كما يصح ويرضى ، فإن غفر حقوق الناس محظور إذا لم يكن إليه سبيل وإن محتملا ، وقد نجد مثله في مواضع كالتجهيز وولاية اليتامى ، والدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما أشبه حيث المصلحة العامة العليا اقتضت هضم الحقوق المالية فيها رعاية للأهم الأعم ، فقد يكون هكذا الأمر وبأحرى بالنسبة للذين ينتهون عن الكفر ، فلا مقيد قاطعا لحقوق الناس في غفر ما سلف للذين آمنوا.

وحين يعمل مثلث (تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً) تبديل سيئات المؤمنين حسنات ، فبأحرى أن يغفر عن كل السيئات لمن انتهى عن كفره ترغيبا وتشويقا ، لا سيما وأن تكليف الكفار بالفروع أخف من تكليف المؤمنين بها ، فلتغفر لهؤلاء ما سلف بأحرى منهم.

٢٠٩

الحرب الخطوة الخطوة على مد الزمن حتى تنتهي إلى زمن صاحب الزمن حيث يخطو الخطوة الأخيرة من (قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) إزالة الفتنة أو إخماد نائرتها قدر المستطاع ، قتالا باردا صدأ عن الدعايات الكافرة ، وآخر حارا حينما لا تنفع الباردة أم لا تكفي ولا تكافئ فتنتهم.

فذلك تقرير حاسم دائم للحركة الإسلامية السامية على مدار الزمن في مواجهة الفتنة أينما كانت وكيفما حصلت لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.

فليس يكفي ـ فحسب ـ أن تكون أنت مسلما والجو الفاسد بالدعايات المضللة يفتتن البسطاء عن الحق المرام.

لأن الله لا يكلف نفسا إلّا وسعها ، فلا تعني «قاتلوهم» إلا قدر المستطاع الصالح للكتلة المؤمنة.

فأما إذا فنوا أو ضعفوا بقتالهم ، أم يزول الأهم لهم بذلك وما أشبه من محاظير القتال ـ إذا ـ فلا قتال ، وكما لم يكن في العهد المكي.

ذلك ، فالمأمور بذلك القتال الحاسم الجاسم كل الكتلة المؤمنة على مدار الزمن الإسلامي حتى يأتي دور صاحب الأمر دائرة على يديه دولة الإسلام شاملة كل المعمورات.

ذلك ، ولأن ضمير الغائب في «قاتلوهم» راجع إلى (لِلَّذِينَ كَفَرُوا) فالقتال المفروض قدر الصالح والمستطاع يعم الكفار كلهم ، وهم غير المسلمين ككلّ.

ولأن القصد من مقاتلتهم هو استئصال الفتنة تحقيقا حقيقا للا

٢١٠

ذلك «إن ينتهوا» دون عود (وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ) في العائدين إلى كفرهم (سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ) فإنه ارتداد جاهر عن الدين ، وله حكمه كما تقتضيه الحكمة العادلة الربانية.

ذلك ، فعلى سواء أن يكون لحديث «الإسلام يجب ما قبله» سند صالح أم لا ، حيث يؤخذ منه ما يوافق الآية ولأن أصل الجبّ هو احتزال السنام من أصله فكأنه (صلّى الله عليه وآله وسلم) جعل الإسلام مستأصلا لكل ذنب تقدم الإنسان قبله حتى لا يدع له جناية يحذر عاقبتها ، ولا معرّة يسوء الحديث عنها ، بل تعفى على ما تقدم من السوءات ، وتحثوا على ما ظهر من العورات ، اللهم إلّا ما يحتاج العفو عنه إلى مكفر زائد.

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)(٣٩).

(وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ) (٢ : ١٩٣).

إن القتال الإسلامي لا ينحو منحى تفتّح البلاد توسعيا قضية القدرة الغالبة ، والزهوة المتآلبة ، بل هو ـ فقط ـ دفاع سلبا لأيّة «فتنة» فإيجابا ل (الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) فلا يهدف ـ إذا ـ إلا تحقيق كلمة (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ).

ولأن «الفتنة» هي (أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) (٢ : ٢١٧) و (أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ) (٢ : ١٩١) فهي بأحرى منه سماحا وفرضا للقتال دفاعا عن الفتنة إذا كانت فتنة عن الدين بمختلف حلقاته وحقوله.

ولا تعني «قاتلوهم» مقاتلين خصوصا في زمان أو مكان خاص إذ لا يمكن إزالة الفتنة ككل وإيجاب الدين كله لله لجماعة خاصة من المسلمين ، اللهم إلّا ما سوف يحصل بقوات صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف ، وأمر القتال هنا أمر الحال وان شمل المستقبل ، دون اختصاص بالاستقبال.

إذا فذلك أمر باستمرارية القتال على مدار الزمن الإسلامي كسياسة

٢١١

إله» ثم تثبيت دولة الحق تحقيقا ل «إلا الله» إذا فلا تعني قتال الكفار إلا تحقيق كلمة (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) بحقها.

فالعلم الأحمر للقتال في سبيل الله لا يتبدل بالأخضر المصالحة التامة حتى يتحقق (لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ).

فأما إذا لم ينتج القتال إلّا مزيد الفتنة ، أم لا فتنة ولا سلب فتنة ، أم (جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها) أما في هذه الموارد فمواصلة القتال لا تبرّر بأيّ مبرر ، وكما في كتاب الإمام علي لمالك الأشترّ : «ولا تدفعن صلحا دعاك الله عدوك ولله فيه رضى ، فإن في الصلح دعة لجنودك وراحة من همومك ، وأمنا لبلادك ، ولكن الحذر كل الحذر من عدوك بعد صلحه ، فإن العدو ربما قارب ليتعقل ، فخذ بالحزم ، واتهم في ذلك حسن الظن».

ذلك ليرى اعداء الإسلام أنه ليس شرعة تفتح وتغلب ، إنما هي شرعة رحمة وتطلب للحق ، لينة الأريكة لمن استلان ، وشديد المعركة على من يهاجم شرعة الله.

ثم القتال في سبيل الله إسلاميا غير مسموح إلا دفاعا عن النفس أو العقيدة ، فالفتنة النفسية ، ثم العقيدية التي هي أشد وأكبر من القتل ، هاتان الفتنتان هما اللتان يسمح فيهما بالقتال لزاما ، فلأن قتل من لا يقاتل ولا يفتتن عقيديا هو اعتداء دون مقابل ، أم بمقابل أقل منه ، فضابطة (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) تحصر سماح القتال في حقله بما فيه اعتداء بالمثل أم بأدنى كما في المقاتلين المفتتنين حيث «الفتنة أكبر ـ أشد من القتل».

إذا ف (قاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ) لا تعني كل فتنة ، إنما هي فتنة إن القصد من قتالهم هو إزالة الفتنة آمنوا أم لم يؤمنوا (وَإِنْ تَوَلَّوْا)

٢١٢

عن ترك الفتنة فإنما عليكم ما حمّلتم قدر المقدور ، ثم (فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ) حيث يتولى أمركم أمام الفاتنين (نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ) فلا تكلفوا أنفسكم فوق طاقاتكم إحراجا.

نفسية أم عقيدية ، ثم ولا مجال للقتال في الثانية إلا ألا يكون سبيل إلّا هيه ، أن نرد عليهم فتنهم ، ولكن الفتنة العقيدية آخذة مجالاتها في البسطاء الذين ما تعرق الإيمان المتقن في قلوبهم ، وحتى المؤمنين الماكنين قد تأخذهم فتن عقيدية ماكرة حاكرة.

ذلك ، وأما سائر الفتن التي هي دون النفس والعقيدة ، فضلا عن الكفار غير الفاتنين ، فلا مبر إسلاميا لقتالهم ، حيث الحروب الإسلامية ـ ككل ـ هي كلها مصبوغة بصبغة الدفاع ، ومسوقة بصيغة في سبيل الله ، ولا تسمح سبيل الله والدفاع عنها بالقتال دون أي دفاع.

ثم (وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ) لا تعني في أي زمان أو مكان ألا يطاع إلّا الله ، فإن قسما من اليهود والنصارى حسب آيتي «أغرينا وألقينا» مستمرون إلى زمن صاحب الأمر (ع) وإلى يوم القيامة الكبرى ، فهل هم ـ بعد ـ دينهم دين الله؟

ثم ولا قتال الكتابيين ـ كما في آيتهم ـ إلّا المقاتلين منهم أو الفاتنين وقد اختصرت دركاتهم المسرودة في آيات البراءة ب (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) فلكي تخمد نار الفتنة عنهم لكيلا يسطعوا على إطفاء نور الله بأفواههم ، نور الإيمان ونور المؤمنين ، نقاتلهم (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صاغِرُونَ) لم تبق لهم قوة لذلك الإطفاء بذلك الانطفاء ، إذا فقتالهم محدد لحد انطفاءهم عن فتنتهم مهما لم يؤمنوا.

(وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)(٤٠).

٢١٣

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤١) إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَواعَدْتُمْ لاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعادِ وَلكِنْ لِيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كانَ مَفْعُولاً لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)(٤٢)

(وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللهِ وَما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)(٤١).

في هذه الآية مسائل عدة في تساءلات وإجابات كما يهدي إليها الكتاب والسنة ، وطالما قصرت الأقلام حولها أم طالت ، فقد يحق بنا حق التنقير حولها بحق التفسير كما نستطيع ، ابتداء بالاسئولة التالية :

١ هل الغنيمة هي التي تفوز به من مال أو حق من غير مشقة؟ (١) والغنم هو إصابة الغنم واستعمل في كل مظفور به (٢) كما (فَكُلُوا مِمَّا

__________________

(١) كما في لسان العرب.

(٢) مفردات القرآن للراغب الأصبهاني.

٢١٤

غَنِمْتُمْ حَلالاً طَيِّباً) (٨ : ٦٩) قد تعممها إلى مطلقها بمشقة أو دونها ، حيث إن سماح الأكل مما فزت به بمشقة أحرى ، فإن آية الأكل هذه آتية بعد آيات في القتال ، وغنائم دار الحرب الحاصلة بمشقة أحرى بالحل مما سواها!

ولكن مشقة الحرب ليست للغنيمة ، إلّا أن الغنيمة الحاصلة بها هي الحاصلة بمشقة ، سواء أكانت هذه الغنيمة منوية أم لم تكن.

أم هي خاصة بغنائم دار الحرب لورود آية الخمس موردها؟ ومورد الحرب لنزولها في منزلها ، حيث اللغة المستعملة في مورد من مواردها لا تتخصص به بذلك الاستعمال إلّا إذا حلّق استعمالها على كل الموارد ، ثم (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) تعمم الغنيمة إلى كل فائدة ، فهي الفوز بفائدة في حرب وسواها ، بمشقة وسواها ، باكتساب وسواه ، بعلم أم سواه ، فهي كلما حصل عليه الإنسان من حق أو مال بحق في أي حقل من الحقول.

ذلك ، وكما «مانح كل غنيمة وفضل» (الخطبة ٨٢) ليست لتعني ـ فقط ـ غنيمة الحرب ، ثم و «من شيء» في استغراق الإيجاب تستغرق الغنيمة من كل شيء دونما استثناء ، وكذلك اللغة تشهد لطليق معناها في كل فائدة دونما اختصاص بحقل خاص.

فأصل الغنم هو الزيادة والنماء وفاضل القيمة (١) كما وهو إصابة الغنم والظفر به ، ثم استعمل في كل إصابة وكل مظفور به من عدو وغيره (٢).

إذا ف «ما (غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) لا تختص الخمس بغنائم دار الحرب ، بل هي كل غنيمة وفائدة محلّلة تحصل عليها في أي محصل من

__________________

(١) كما في لسان العرب.

(٢) كما في مفردات القرآن للراغب الإصبهاني.

٢١٥

النزول ليس ليخصص الآية بنفسه ، والغنيمة لغويا لا تختص بها من دار الحرب ، فهل (فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ) (٤ : ٩٤) تختص أيضا بحقل القتال ، ولا تعني (إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها) (٤٨ : ١٥) (وَمَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها)(١) و «تأخذونها» (١٩ و ٢٠) مما تختص المغانم بخصوص المحاصيل ، صناعة وزراعة وتجارة وهبة أو هدية أماهيه ، إلّا أن يدل قاطع الدليل على استثناء يتّبع.

وترى «ما غنمتم» تختص بما بقي من الفوائد بعد استثناء مصارف الحصول عليها ومؤنة السنة؟

استثناء المصارف الأولى هو طبيعة الحال من «ما غنمتم» حيث الغنيمة هي الفائدة الخالصة ، وهنا نصدق المروي أن الخمس بعد المؤنة.

ثم في استثناء المصارف الأخرى نظر فانها كالباقية مشمولة ل «ما غنمتم» والرواية القائلة : «إن الخمس بعد المؤنة» لا تعني إلا مؤنة الحصول على الفائدة كما في الموارد الستة الأخرى التي يجب فيها الخمس ، ولا نص على استثناء مؤنة السنة ، ولو كان لم يكن يصلح لتقييد «ما غنمتم» بجزء ضئيل قليل منه ، فحين تحصل على مائة ألف فائدة خالصة فتصرف تسعين ألفا منها في مؤنتك ثم تخمس الباقي فيطلع ألفين ، فكيف يناسب الألفان أن يعنى ب «ما غنمتم» وقد غنمت خمسين ضعفا منه؟

إذا فالأقوى أن الخمس كما الزكاة يتعلق بأصل الفائدة مع رعاية المؤنة المتعودة حتى لا يصبح بتخميس ماله فقيرا يحتاج إلى الخمس حيث (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) ومنه الزيادة ، وهي هنا الزيادة عن

__________________

(١) ولكن «وَعَدَكُمُ اللهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكُمْ هذِهِ» (٤٨ : ٢٠٠) هي نفس المغانم التي عند الله في «فَعِنْدَ اللهِ مَغانِمُ كَثِيرَةٌ» (٤ : ٩٤) إلا أن شمول «مغانم كثيرة» ل «مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها» لا تجعل المغانم الثانية نفس الأولى.

٢١٦

المصارف المتعودة دون تبذير ولا إسراف ، فلا خمس إذا من أصل المؤنة إلّا عفوا لا تحتاج فيه إلى شيء من الخمس.

فإذا كانت فوائده شهرية فليصبر حتى آخر الشهر فإذا بقي شيء يحاسب الخمس من أصل الفائدة ، وإذا كانت سنوية أماهيه فليحاسب حسب الفائدة المراعاة فيها المؤنة.

٣ هل (فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ) هي نصاب من أنصبة الزكاة فليس الخمس علما لصنف خاص من الضرائب الإسلامية ، بل هو النصاب الأخير في واجب التأدية من كافة الغنائم ، وقد نسخت الأنصبة المذكورة في السنة من ربع العشر إلى نصف العشر وإلى العشر ، فهو الآن ضعف العشر كضابطة وقانون شامل ، ثم في الحاجات الضرورية لمصارف الزكاة يأتي دور الضريبة غير المستقيمة وهي كل زائدة عن الحاجة الضرورية المتعوّدة بناء على آية العفو : (يَسْئَلُونَكَ ما ذا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ) (٢ : ٢١٩) كما في الخمس؟

أم إنه علم لمصطلح خاص لضريبة أخرى سوى الزكاة؟ (١) وذلك غير معروف لغويا ولا شرعيا ـ إلا عند المتشرعة قضية الفتاوى الشهيرة ـ وآية الخمس لا تصطلحه كضريبة خاصة لمكان (أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ).

أجل ، قد يوحي اختلاف موارد الخمس عن موارد الزكاة في آية الصدقات ـ النازلة بعدها بسنين عدة ـ باستقلاله عنها كضريبة سواه ، ف (إِنَّمَا الصَّدَقاتُ لِلْفُقَراءِ وَالْمَساكِينِ وَالْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) (٩ : ٦٠) فإن الله ١ والرسول ٢ وذي القربى ٣ واليتامى ٤ المذكورين هناك غير مذكورين هنا ، والعاملين ١ عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب ٣ والغارمين ٤ وفي سبيل الله ٥ والفقراء ٦ هنا غير مذكورين هناك ، فالمشترك

__________________

(١) جامع الأحاديث ٨ : ٥٢٦ قوله (عليه السلام) ما من ذي مال ذهب ولا فضة يمنع زكوة ماله أو خمسه إلا جسه الله عزّ وجلّ بقاع قرقر وسلط عليه شجاع أقرع.

٢١٧

بينهما ليس إلا المساكين وابن السبيل.

وقد يقال إن «ابن السبيل» تشمل ـ وبأحرى ـ (فِي سَبِيلِ اللهِ) لا سيما وأن «الله والرسول» هما ـ دون ريب ـ أصلان لسبيل الله ، والمساكين تشمل الفقراء بطريق أولى حيث الفقير أسوء حالا من المسكين ، و (الْعامِلِينَ عَلَيْها وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ) مشمولون للسبيل كفروع ، و (لِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى) غير المساكين منهم علهما زيادة على السالف ذكرهم في آية الصدقات ، ولكنهما ـ أيضا ـ داخلان في (فِي سَبِيلِ اللهِ).

أو كما أن الأنصبة المقررة في السنة نسخت بآية الخمس ، كذلك مواردها تحولت بها؟ ولكن لم يثبت نزول آية الخمس بعد آية الصدقات حتى يثبت تناسخ في البين ، بل آية الصدقات نزلت بعدها حيث الأمر بأخذ الصدقات نزل في السنة التاسعة من الهجرة : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (٩ : ١٠٣) وآية الصدقات هي في نفس السورة ، إذا فهي بعد آية الخمس بست سنين ، فنسخ آية الخمس بآية الصدقات أحرى ـ لو كان هناك نسخ ـ فإذا تصبح أنصبة الصدقات هي أنصبة الخمس ، ولكن دون إثباته خرط القتاد ، إلا أن يقال آية الصدقات نسخت من موارد الخمس.

وهنالك في السنة لمحات صارحة أو تصريحات صارخة أن الخمس غير الزكوة ونموذجا منها ما يروى عن الإمام علي أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث قال : «إن القرآن أنزل على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) والأموال أربعة : أموال المسلمين فقسمها بين الورثة في الفرائض ، والفيء فقسمه على مستحقيه ، والخمس فوضعه الله حيث وضعه ، والصدقات فجعلها الله حيث جعلها» (٢٧٠ ح / ٦٢٠) إلا أن تعني الصدقات ما هو أعم من ضريبة الخمس ، فهي من ذكر العام بعد

٢١٨

الخاص.

ومما يؤيد أو يؤكد أن الخمس ضريبة بحيال الزكوة انه كان عادة جاهلية قبل الإسلام ، وآية الخمس هذه تقرر أصله وتصلح تقسيمه الذي كان جاهليا غير عادل (١).

__________________

(١) جاء في التاريخ والسير كتاريخ قم (٢٩١) أن أبا مالك الأشتري قسم الخمس قبل نزول الآية ، وفي (٢٧٨) منه أن مالك بن عامر المهاجري خمس قبل نزول الآية حيث غنم غنيمة في بعض الغزوات فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلم) اجعل منه نصيبا لله فقال مالك خمسة لله ، وفي بعض التواريخ أن أوّل خمس أدي قبل بدر ما أداه عبد الله بن جحش في سريته ، أداه للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) (تاريخ أبو الفداء للواقدي وابن خلدون واليعقوبي).

ويقول القرطبي في تفسيره (٨ : ١٢) كانوا في الجاهلية يختصون ربع الغنيمة لقائد الجيش وكما يقول الشاعر الجاهلي :

لك المرباع منها والصفايا

وحلمك والنشيطة والفضول

وفي سيرة ابن هشام (٤ : ٢٢٤) عن ثابت بن قيس الشماس يذكر مفاخر قومه في الجاهلية قائلا :

منا الملوك وفينا تقسم الربع

وانا ابن الرابعين من آل عمرو

وفرسان المنابر من خباب قول ابن هشام : كان من عاداتهم إذا غنموا أن يعطوا الرئيس ربع الغنيمة ويسمى المرباع ، وفيه ص ٢٣٠ من أشعار زبرقان بن بدر أنه قال إمام الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) :

وإن لنا المرباع في كل غارة

نفير بنجد أو بأرض الأعاجم

وفيه (٢٤٦) في قصة وفود عدي بن حاتم : وكنت أسير في قومي بالمرباع ، وقال الأصمعي : ربع في الجاهلية وخمس في الإسلام وكان يأخذ بغير شرع ولا دين ربع الغنيمة ، وفي مسالك الافهام (٢ : ٩٥) كان في الجاهلية ان الرؤساء منهم كانوا يستأثرون الغنيمة لأنهم أهل الرئاسة والدولة والغلبة.

ذلك ، وقد قررت آية الخمس خلافا للقرار الجاهلي ما قررت.

وذلك وللغنائم الحربية سوابق رسالية كما في تثنية التوراة (٢٠ : ٠٠١٠) والتكوين (١٤ : ٢٠) ورسالة بولس للعبرانيين (٧ : ٤ وسفر الأعداد (٢١ : ٩ و ١١ و ١٨ و ٢٦ و ٣١ ، وفي أوّل تاريخ الأيام (٢٦ : ٢٦ ـ ٢٧).

٢١٩

إذا فالزكوة والخمس ضريبتان اثنتان مستقيمتان قد تكون أولاهما على كل الغنائم قبل المؤنة والخمس عليها بعد المؤنة إلا في أرباح التجارات وسواها ، فالعوائد ـ إذا ـ هي بين ضريبتين اثنتين مستقيمتين ، ثم الضريبة غير المستقيمة هي للحالات الطارئة من الحاجات الضرورية فردية وجماعية للكتلة المسلمة.

وأما أنصبة الزكوة الشاملة لكافة الأموال ، فالمقررة منها للبعض منها تقرّر لأشباهها ، فنصاب الغلات الأربع نصاب لكافة الغلات ، ونصاب الأنعام الثلاثة نصاب لكافة الأنعام ، ونصاب النقدين نصاب لسائر النقود والأموال ، حيث المنصوص من هذه الأنصبة لم تذكر إلا لنماذج من مواردها.

ذلك ، إلا أن يخص الخمس بغنائم دار الحرب ولا دليل عليه مهما قيل لإثباته قيلات ، فنحن نتابع النص ما لم ينسخه نص آخر يوازيه.

فقد يقال إن آية الخمس نزلت في غزوة بدر السنة الثانية من الهجرة ، وقد نزلت بشأن الغنائم الحربية المختلف فيها بين المقاتلين ، أو يقال انها نزلت بشأن غزوة أخرى ، ولكننا لسنا لنتابع شؤون النزول حيث الأصل هو أصل النص : (أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ) وهي أعم من الحرب ، فلو كان القصد إلى خصوص الحرب لجيء بخصوصها ك «في القتال» أماذا؟ لا سيما وانها الآية الوحيدة الآمرة بأداء خمس الغنيمة أمام عشرات من آيات الصدقات.

ذلك ، وهنا أربع من الضرائب المستقيمة على مختلف الأموال ، ف (الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ) : (يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ) (٨ : ١).

والفيء وهو هو لمستحقي الخمس : (وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ

٢٢٠