الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١١

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٤

مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ) (٧ : ١٦٧) ذل

ك ، والعذاب قد يكون مثناه دنيا وعقبى ، أم في الأول دون الأخرى أم في الأخرى دون الأولى ، أم لا عذاب فيهما ، وأقل العذاب للذين اتخذوا العجل هو (غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا).

أجل (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) هم مغضوب عليهم في الدنيا والآخرة إن لم يتوبوا عن عبادة العجل ، أم تابوا ولكنهم استمروا في سائر الضلال والإضلال ، ولا أقل من أنهم (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) فإنهم تختصهم اللعنة بين سائر الملعونين : (مَنْ لَعَنَهُ اللهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ) (٥ : ٦٠) ولقد «باؤا (بِغَضَبٍ عَلى غَضَبٍ) (٢ : ٩٠) أن كذبوا بما كانوا به يستفتحون على الذين كفروا : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْكافِرِينَ) (٢ : ٨٩).

ذلك ، وبوجه آخر قد تعني (إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا ...) حكاية حال الماضي أنه تعالى قرر وقدر عليهم نيل الغضب والذلة ، وكما نراهما مستمرّين عليهم منذ بداية تأريخهم المنحوس المركوس.

فمن نيل الغضب (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ..) إذا فمن : (الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ) عنوانا خاصا لبني إسرائيل ، ثم من (لَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ ..) (٤ : ٦٦) ومن ثم سكوت الآيات بحق المرتدين عن هكذا قتل قضية الارتداد ، من هذه الزوايا الثلاث نتأكد أنه ليس إلا حكما توراتيا يختص ببني إسرائيل ، فلا يشمل المسيحيين فضلا عن المسلمين.

إذا ف (سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) قد تعني مثنى الغضب (فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ) وسائر الغضب والذلة السائران عليهم طول حياتهم الدنيا ، مستمرا إلى يوم القيامة من المجاهدين الأحرار على هؤلاء الأشرار ، لا فقط لأنهم عبدوا العجل ، بل ولاستمرارهم في كل إفساد

٣٢١

لحد يشمل العالم مرتين ، وفي خلالهما هم أفسد المفسدين في الأرض ، فهم بتخلفاتهم وإفساداتهم الدائمة يختزنون النقمة في قلوب الشعوب ، ويهيئون الرصيد الوصيد الذي يدمّرهم ـ أخيرا ـ عن بكرتهم.

ذلك ، وليست سلطاتهم منذ بدأت واستمرت باحتلال القدس وفلسطين إلّا لغيبوبة المسلمين المحليين وسواهم عن السلاح الوحيد الإسلامي والراية الوحيدة الوطيدة ، وهي فترة الغيبوبة بحكم السموم التي بثتها الصهيونية والصليبية العالمية ، ولكن سوف تجيء الصحوة من هذه الغفلة والغيبوبة وكما وعد الله في آيات الأسرى : (فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما ... فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ) فراجع.

فهؤلاء هم اليهود ، المعرقة في عقولهم المخبولة المدخولة ، وقلوبهم المقلوبة ، فكرة التجسد الرباني ، فإن لم يستطيعوا أن يرووا الله بأم أعينهم فليتحولوا إلى (عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ) وليؤوّلوا قصة الميعاد عن أصلها إلى معاكس فيه مسّ من كرامة الله ـ خلافا للقرآن : وهكذا نراهم يحرفون التوراة حسب المزاعم المادية ، كما في (سفر الخروج ٢٤ : ٩ ـ ١٨) : «ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة. ولكنه لم يمد يده إلى أشراف بني إسرائيل فرأوا الله وأكلوا وشربوا. وقال الرب لموسى اصعد إلى الجبل ، وكن هناك فأعطيك لوحي الحجارة والشريعة والوصية التي كتبتها. فقام موسى ويشوع خادمه. وصعد موسى إلى جبل الله. وأما الشيوخ فقال لهم : اجلسوا هاهنا حتى نرجع إليكم. وهو ذا هارون وحور معكم. فمن كان صاحب دعوى فليتقدم إليهما. فصعد موسى إلى الجبل. فغطى السحاب الجبل. وحل مجد الرب على جبل سيناء وغطاه السحاب ستة أيام ـ

وفي اليوم السابع دعى موسى من وسط الحجاب. وكان منظر مجد الرب كنار آكلة على رأس الجبل أمام عيون بني إسرائيل. ودخل موسى

٣٢٢

في وسط الحجاب وصعد إلى الجبل. وكان موسى في الجبل أربعين نهارا وأربعين ليلة».

ثم في الفصل (٢٥) أن «مما كلم الرب موسى أن كلم بني إسرائيل يصنعوا لي مقدسا من ذهب وفضة وكأس واسمانجوني وأرجوان وقرمز وبوص وشعر معزى وجلود كباش محمرة وجلود تخس وخشب سنط وزيت للمنارة وأطياب لدهن المسحة والبخور العطر وحجارة جزع وحجارة ترصيع للرداء والصدرة فيصنعون لي مقدسا لأسكن في وسطهم ، وتصنع غطاء من ذهب .. وأنا أجتمع بك هناك وأتكلم معك من على الغطاء من الكرد بين للذين على تابوت الشهادة بكل ما أوصيك به إلى بني إسرائيل»!!!.

ذلك ، ولئن استضعف بنو إسرائيل خليفة موسى في تغيّبه ، فقد استضعف المسلمون خليفة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد موته وانطبق عليه كما هو : (لَتَرْكَبُنَّ طَبَقاً عَنْ طَبَقٍ) وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله لعلي (عليه السّلام): يا أخي أنت سيفي بعدي وستلقى من قريش ومن تظاهرهم عليك وظلمهم لك ، فإن وجدت عليهم أعوانا فجاهدهم وقاتل من خالفك بمن وافقك ، وإن لم تجد أعوانا فاصبر وكفّ يدك ولا تلق بها إلى التهلكة فإنك مني بمنزلة هارون من موسى (عليهما السّلام) ولك بهارون أسوة إذ استضعفه قومه وكادوا يقتلونه فاصبر لظلم قريش وتظاهرهم عليك فإنك بمنزلة هارون ومن تبعه وهم بمنزلة العجل ومن تبعه.

(وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ)(١٥٤).

هنا (سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ) دون «سكت موسى عن الغضب» شاهد صدق على بالغ ذلك الغضب حيث ملك موسى فلم يملكه موسى حتى ألقى الألواح وأخذ برأس أجنة يجره إليه ، وذلك لأنه ملكه التوحيد بعد أن ملك هو التوحيد ، فلم يستطع أن يتمالك نفسه إذ رأى القوم قد ضلوا ضلالا بعيدا ، فذلك التعبير العبير يشخص آماد الغضب وأبعاده لحد

٣٢٣

يملك موسى رسول الله في الله.

ثم (أَخَذَ الْأَلْواحَ) واللام للعهد ، تعني نفس الألواح التي ألقاها دون أن تتكسر أو بعضها ، ودون أن يرفع بعضها ، خلافا لمختلقات الروايات ، وعلى أية حال (أَخَذَ الْأَلْواحَ) التي ألقاها ، (وَفِي نُسْخَتِها) وهي زبرها وخطها (هُدىً وَرَحْمَةٌ) هما نفس (مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ) إذ لم يكن الله ليلغي نسخة (هُدىً وَرَحْمَةٌ) يلقيها موسى غضبا لله وأسفا على الإشراك بالله.

(هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) فهما واقع (هُدىً وَرَحْمَةٌ) حيث هما من أصول الحصائل (لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) وأما الذين لربهم لا يرهبون فهما ـ فقط ـ دلالة هدى ورحمة دون واقعهما ، فهنا واقع بواقع وشأن بشأن ، واقع (هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) وشأن للذين لا يرهبون ولهم شأن الاهتداء والاسترحام ولكن لا حياة لمن تنادي.

وهنا (لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ) دون «يرهبون ربهم» للتأشير إلى واجب حصر الرهبة لربهم فلا يرهبون سواه إلا فيه ، ثم وهم يرهبونه لأنه ربهم لا لطوارئ أخرى مصلحية الحفاظ على ما يعنون.

ذلك ، وإلى مشهد جديد في تفصيله هو مديد لمشهد سؤال الرؤية حيث هما واحد :

(وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) (١٥٥).

لقد تطلبوا إليه أن يروا الله جهرة : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢ : ٥٦).

وهنا يختار موسى سبعين رجلا لميقات ربه بعد ما سألوه الرؤية جهرة

٣٢٤

ولكن خيرته لم تكن خيّرة إذ لم تكن باختيار الله ، إذا فكيف يكون أمر خيرة الأمة الإمر في انتخاب صاحب الأمر بعد الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ كما يروى عن صاحب الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف (١).

وهنا الرجفة ليست إلّا لما اختاره هؤلاء المختارون من اقتراح هارف جارف هو سؤال الرؤية كما في آية البقرة ، واللّائح من آية النساء أنه كان قبل اتخاذهم العجل : (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) (١٥٣) وهذه المجاهرة في (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) بعد (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ) كما في البقرة ، كانت قريبة الصلة بأمر الوحي المكالمة ، أن لن نؤمن لك ، أن الله هو الذي كلمك ، إلّا أن نرى الله جهرة.

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٧٦ في كتاب كمال الدين وتمام النعمة باسناده إلى سعد بن عبد الله القمي عن الحجة القائم (عليه السّلام) حديث طويل وفيه : قلت : فأخبرني يا بن مولاي عن العلة التي تمنع القوم من اختيار الامام لأنفسهم؟ قال : مصلح أو مفسد؟ قلت : مصلح ، قال : فهل يجوز أن تقع خيرتهم على المفسد بعد أن لا يعلم أحد ما يخطر ببال غيره من صلاح أو فساد؟ قلت : بلى ، قال : فهي العلة وأوردها لك ببرهان ينقاد لك عقلك ، ثم قال : أخبرني عن الرسل الذين اصطفاهم الله عزّ وجلّ وأنزل عليهم الكتب وأيدهم بالوحي والعصمة وهم أعلام الأمم وأهدى إلى الإختيار منهم مثل موسى وعيسى (عليهما السّلام) هل يجوز مع وفور عقلهما وكمال علمهما إذ هما بالاختيار أن تقع خيرتهما على المنافق وهما يظنان أنه مؤمن؟ قلت : لا ، قال : هذا موسى كليم الله مع وفور عقله وكمال علمه ونزول الوحي عليه اختار من أعيان قومه ووجوه عسكره لميقات ربه عزّ وجلّ سبعين رجلا ممن لا يشك في إيمانهم وإخلاصهم فوقع خيرته على المنافقين قال الله عزّ وجلّ : (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا) إلى قوله (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) فلما وجدنا إختيار من قد اصطفاه الله عزّ وجلّ للنبوة واقعا على الأفسد دون الأصلح وهو يظن انه الأصلح دون الأفسد علمنا أن الإختيار لا يجوز إلا لمن يعلم ما تخفي الصدور وما تكن الضمائر ويتصرف عليه السرائر وان لا خطر لاختيار المهاجرين والأنصار بعد وقوع خيرة الأنبياء على ذوي الفساد لما أرادوا الصلاح.

٣٢٥

فقد يكون السبعون المختارون المصعقون من ضمن هؤلاء الذين اتخذوا العجل ، وكأنه بديل عن رؤية الله جهرة!.

(فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ) المهلكة إياهم «قال» موسى رب (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) كيلا يحتج عليّ الباقون أنك أهلكتهم بديلا عن إجابتهم في سؤلهم (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا)(١).

وترى السبعين المصعقين لم يكونوا من السفهاء لئلا يستحقوا الإهلاك؟ وهم السائلون: (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً)! أم تعني السفاهة هنا عبادة العجل؟ وقد تأخرت عنها حسب آية النساء!.

«منا» هنا تعني من السبعين المختارين وسائر السائلين ، مع موسى (عليه السّلام) ، و «السفهاء» جمعا ، تدل أن السفاهة هنا حصلت من جمع من الثلاث لا كلهم ، فلم يكن سؤال الرؤية إلّا من الجل دون الكل ، إذا (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) وارد مورد السائلين منهم الرؤية أن كيف تهلك غير السفهاء معهم بما هم دونهم «من قبل» الميعاد وحاضر السؤال فيه.

وهنا «من قبل» ثم من قبلها «لو» إضافة إلى «منا» هي زوايا ثلاث في هندسة القصة تدل على أن القصد ليس هو الإهلاك الواقع ، بل هو

__________________

(١) بحار الأنوار ١٣ : ٢١٧ ـ ١٠ في أسئلة الزنديق عن الصادق (عليه السّلام) قال : إن الله أمات قوما خرجوا مع موسى (عليه السّلام) حين توجه إلى الله فقالوا : أرنا الله جهرة فأماتهم الله ثم أحياهم.

وفي نور الثقلين ٢ : ٧٦ في كتاب التوحيد في باب مجلس الرضا (عليه السّلام) مع أصحاب المقالات والأديان قال (عليه السّلام): .. ثم موسى بن عمران (عليه السّلام) وأصحابه السبعون الذين اختارهم وصاروا معه إلى الجبل فقالوا له : إنك قد رأيت الله فأرناه سبحانه كما رأيته فقال لهم : إني لم أره فقالوا : (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ) واحترقوا عن أخرهم وبقي موسى وحيدا فقال : يا رب اخترت سبعين رجلا من بني إسرائيل فجئت بهم وأرجع وحدي فكيف يصدقني قومي بما أخبرتهم به؟ فلو شئت أهلكتهم وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا؟.

٣٢٦

المستدعي أن يكون «من قبل» حضور الميعاد ، أو «من قبل» سؤال الرؤية فيه بعد ما سألوه مرة أولى ، وهنا «لو» تحيل هذه المشية ، ثم «أتهلكنا» متفرع على تلك المشية المستحيلة ، ف (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ) تعني السفهاء الذين يستحقون الإهلاك وهم الذين سألوا الرؤية ، دون سائر السفهاء في ذلك الحقل ، من الذين سكتوا عن النهي عن المنكر ، والذين سألوها نيابة عن الباقين السائلين ، «أتهلكنا» جميعا الشامل لموسى و (مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) والذين سكتوا والذين سألوا نيابة (بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) وهم السائلون الرؤية ، أم والقائلون لما نجوا عن البحر (يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ) (٧ : ١٣٨).

فلو أن هناك عذابا من ذي قبل لم يكن على سواء بالنسبة للسفهاء ، فضلا عن أن يشمل غيرهم بمن فيهم موسى نفسه.

وكما في قصة السبت (أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ) فلم ينج التاركون للنهي عن السوء كما الفاعلين للسوء مهما تفارقا في نوعية العذاب ، حيث اختص (كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ) بالذين صادوا يوم السبت باحتيال ، وللذين تركوا النهي عنه دون ذلك.

أجل إن هي : «الرجفة» الواقعة ـ أم والمتوقعة ب «لو» ـ الشاملة المزمجرة (إِلَّا فِتْنَتُكَ) امتحانا لمن سكت وامتهانا لمن سفه ، وعبرة لمن غاب ، وتذكرة لأولي الألباب.

فسماحه سبحانه لذلك السؤال ، وأخذهم جميعا سائلين وسواهم بالرجفة ، هذا وذاك فتنة ربانية (تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ) إضلاله وهو الذي يشاء الضلال (وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ) هداه وهو الذي يشاء الهدى ، وترى كيف حذفت الباء في تهدي؟ علّه لأن الهداية أعم موردا من مثل هذه الفتنة الصعبة وسواها ، وأما الإضلال فهي بصعاب الفتن كما يستحقها أهلوها.

«أنت ولينا» فيما تفتننا «فاغفر لنا» ذنوبنا سؤالا وسكوتا ، (وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ).

٣٢٧

ذلك ، وقد يتبين هنا أن الساكتين هنا ـ غير السائلين ـ ما كانوا من الذين عبدوا العجل بعد ذلك ، وذلك بأحرى لمن لا يسأل الرؤية الذي هو أخف من عبادة العجل ، ألا يعبدوا العجل ، فقد كان بين هؤلاء المختارين من سألوا الرؤية وعبدوا العجل ، وسواهم الذين لم يسألوا ولم يعبدوا ولكنهم سكتوا عما حصل فوصلهم ـ إذا ـ ما وصل.

وغريب من هؤلاء المجاهيل المغافيل أن يتخذوا العجل بعد سؤال الرؤية وأخذة الرجفة بالصاعقة ، كيف لم ينتبهوا فدخلوا فيما هو أفضح من سؤال الرؤية وهو عبادة العجل ، ثالوث تصاعدي سجله عليهم تاريخهم المنحوس ، إعلانا بعد التوراة في هذه الإذاعة القرآنية كثالوث النصارى فلقد تشابهت قلوبهم المقلوبة في ذلك الانحراف الانجراف السحيق المحيق!.

ذلك ، وقد أحياهم الله بعد موتهم بدعائه (عليه السّلام) وكما في آية البقرة : (ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٥٦) ولكنهم كفروا أكفر مما كفروا بديل أن يشكروا إذ (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) (٤ : ١٥٣).

وذلك البعث بعد الموت برهان لا مردّ له على البعث يوم القيامة الكبرى ، والبعث يوم الرجفة وهي القيامة الصغرى ، والحياة البرزخية وهي القيامة الوسطى.

وفي رجعة أخرى إلى آية الإختيار أدبيا ومعنويا ، ترى كيف اختارت «اختار» مفعولين اثنين وليس لها إلّا مفعول واحد؟ والحل أن «سبعين» عطف بيان للمفعول وليس مفعولا ثانيا أو بدلا.

ثم ولا يصح أنه ثاني المفعولين اللهم إلا بدل البعض من الكل ، أم بدل فإن قضيته أن قومه كانوا ـ فقط ـ سبعين رجلا ، وإنما (اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ) والمختارون منهم سبعون كما هو قضية الإختيار.

ولأن عبادة العجل كانت بغياب موسى (عليه السّلام) حين أعجل

٣٢٨

عن قومه إلى الميقات ، وسؤال الرؤية كان قبل اتخاذ العجل ، إذا فهما ميقاتان اثنان لأمرين إثنين أولهما هذا الذي أخذتهم فيه الرجفة ، والأخرى ما أعجل موسى فيه عن قومه فعبدوا العجل بعد ، وهذا مما يبرر ذكرى كلّ لحاله وعلى حدة ، مهما صح فصل قسم من قصة لمناسبة عن قسم آخر تقديما للمؤخر أو تأخيرا للمقدم ، كما تقتضيه المصلحة البلاغية قضية الملابسات المؤاتية ، وهنا تأخر المقدم وتقدم المؤخر في العرض ، لأن المؤخر كان أخزى وأمرّ!.

ثم ترى (أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا) اعتراض على الله أنه أهلك غير المستحقين له؟ كلّا! وإنما هو استعلام يبينه (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ) أن ذلك الإهلاك فتنة لكل من هؤلاء الثلاث : السائلين الرؤية ، والساكتين عن النهي ، والغائبين عن المسرح المنتظرين للنتيجة ، فلقد أجاب موسى نفسه عن سؤاله بإجمال ، إجمالا عن التفصيل الذي علّه بين له دوننا ، والقول أن «فعل» الظاهر في العمل لا يشمل قول السفهاء ، إذا فهي سفاهة أخرى غير قولة الرؤية ، مردود بأن الفعل أعم من العمل ، فهو يشمل مثلث فعل اللسان والقلب والأركان سلبا وإيجابا ، وفعل السفهاء هنا هو قولهم : أرنا الله جهرة ، وترك جمع منهم النهي عن المنكر ، ونقل ثالث سؤال الرؤية.

ذلك ، وقد أضل الله بهذه الرجفة والإحياء بعدها جمعا من هؤلاء وهم الذين أصروا على الضلال بعد سؤال الرؤية (ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ) (٤ : ١٥٣) وهدى آخرين لم يسألوها أم سألوها وتابوا فلم يتخذوا العجل ، أم ونهوا عن ذلك السؤال وما أشبه ، والآخرون هم من المعنيين في (مِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٧ : ١٥٩).

هذا ، وفي (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ) من أدب السؤال ما لا قبل له لمكان «لو» المحيلة تلك المشية غير الصالحة ، فإن موسى (عليه السّلام) لم يكن يستحق معهم الهلاك ، ولكنه قد يترجاه حفاظا على رسالته من الهلاك بتكذيب رفاق هؤلاء الهلكى ، ثم «أتهلكنا»

٣٢٩

استبعاد لإهلاكه معهم إذ لم يكن يستحقه أبدا ، ثم استعلام لإهلاك غير السائلين ، التاركين للنهي عن المنكر ، وقد أجاب عنه نفسه (إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ).

وأخيرا يستسلم في دعاءه لله قائلا : «أنت ولينا» لا سواك ، فأنت تفعل بنا ما تشاء ولا تسأل عما تفعل وهم يسألون ، وما ذلك السؤال العضال إلّا استعلاما واسترحاما ، فإذ (أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا) لمن سأل ولمن سكت «وارحمنا» برحمتك (وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) عن الذنوب.

واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة إنا هدنا إليك.

(قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ)(١٥٦).

«حسنة» فيها تعني حياة حسنة ، ولماذا (اكْتُبْ لَنا)؟ ل (إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ) ، وذلك لموسى (عليه السّلام) وقومه ، ثم ولنا (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنا عَذابَ النَّارِ) (٢ : ٢٠١).

و «هدنا» من الهود ، وهو الرجوع برفق ، والقصد من الجمع في «هدنا» طائفة من السبعين الراجعين إلى الله من سؤالهم أو سكوتهم أما أشبه من تقصير أو قصور مع موسى نفسه و (أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) و «يهود» هي مضارعة «هاد» تعني ترجع برفق ، فقد سميت اليهود هودا ويهود بتلك المناسبة ، ثم عمت في أهل التوراة ككل ، ومما يوجه التعميم أن الراجعين إلى الله هادوا إليه ، والراجعين منهم عن الله هادوا عنه ، فهم هود ويهود بإحدى الواجهتين.

ولقد أجيب موسى (عليه السّلام) بتفصيل هو (قالَ عَذابِي ... وَرَحْمَتِي ..) : ف (ما يَفْعَلُ اللهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ) (٤ : ١٤٧) ـ (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (١٤ : ٧).

ورغم أن موسى (عليه السّلام) دعا لخصوص قومه قضية أن المجال

٣٣٠

مجالهم ، نجد الله يجيبه بخاصة العذاب وعامة الرحمة دون اختصاص بقومه ، وإنما «من أشاء ـ و ـ كل شيء ـ وللذين يتقون و ..».

فقد (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) طليقة ، ولم يكتب على نفسه العذاب إلّا إذا لزم الأمر في ميزان العدل وكما وعد ، فقد استجاب الله هنا لموساه دعاءه وزيادة كما استجاب لإبراهيمه مقيدة حيث (قالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ) (٣ : ١٢٤) واستجاب له أوسع مما طلب (وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَراتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) (٢ : ١٢٦) وهكذا يؤدب الله أنبياءه من خلال طلباتهم وسواها من حاجيات ودعوات.

وانما حذفت هنا «حسنة» للآخرة ، وذكرت هنا في دعاء المؤمنين (رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً) لأن بني إسرائيل ما كانوا يستحقون تأكد الحسنة في الآخرة ، والمؤمنون بهذه الرسالة يستحقونها ، وهذا من أسباب الفرق بين الدعائين ، وما أشبه.

فمن آداب الدعاء تعميمه لمن يحتاجه ويصلح له وهم كافة المكلفين إلّا لمن تبين أنه من أصحاب الجحيم ، فقد «قام النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في الصلاة فقال أعرابي وهو في الصلاة : اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا ، فلما سلم (صلى الله عليه وآله وسلم) قال للأعرابي : لقد تحجرت واسعا ، يريد رحمة الله عز وجل» (١).

و «أوحى الله إلى داوود (عليه السلام) يا داوود كما لا يضيق

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٧٧ عن المجمع في الحديث أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ... أورده البخاري في الصحيح ، وفي الدر المنثور ٣ : ١٢٠ ـ أخرج أحمد وأبو داود عن جندب بن عبد الله البجلي قال جاء اعرابي فأناخ راحلته ثم عقلا ثم صلى خلف رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم نادى : اللهم ارحمني ومحمدا ولا تشرك في رحمتنا أحدا فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : لقد حظرت رحمة واسعة إن الله خلق مائة رحمة فأنزل رحمة يتعاطف بها الخلق جنها وإنسها وبهائمها وعنده تسعة وتسعون.

٣٣١

الشمس على من جلس فيها كذلك لا تضيق رحمتي على من دخل فيها» (١).

وهنا خاصة العذاب وعامة الرحمة مما يدل على سبق رحمته غضبه وأنها هي الأصل ، ما كان إليها سبيل ، ولم تكن خلاف العدل والحكمة الربانية ، ف «عذابي» هنا وفي الآخرة (أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ) وهو من يشاء الضلالة ويصر عليها (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) مكتوبة.

وفي رجعة أخرى إلى الآية (عَذابِي أُصِيبُ) يسع النشآت الثلاث رغم اختصاصه ب «من أشاء» وهو الذي يستحقه ولا سبيل عدلا للعفو عنه.

واما (رَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) فلا ريب أنها الرحمة الرحمانية العامة في كل النشآت ، حيث الرحيمية لا تسع كل شيء لا سيما وانها كالصيغة الماضية ، وأما «فسأكتبها» فهنا لمرجع الضمير المؤنث استخدام يعني سأكتب الرحمة الرحيمية للذين .. فالمكتوبة هنا هي حصيلة رحمة الشرعة المصدّقة المطبّقة «للذين».

فالمكلفون بشرعة الله مكلفون برحمة خاصة رحيمية من الله ، فإن آمنوا بها في مثلث (يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) «فسأكتبها» تثبيتا لخلفية التصديق والتطبيق لهذه الرحمة ، وإلا فلا تكتب عليهم إلا العذاب.

وترى بعد (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ..) نزلت بمعناها على موسى ضمن ما أوحي إليه إجابة عن دعاءه (قالَ عَذابِي ..)؟ ولمّا ينزل الإنجيل بعد حتى يجدوه فيه! ، فقد تكون هذه التتمة زيادة قرآنية على ما أجيب به موسى (عليه السّلام) إعلاما حاضرا لأهل الكتاب أجمع؟ أم وبضمنها إشارة توراتية إلى نزول الإنجيل بعدها ، وكما نجد على هامش البشارات القرآنية في التوراة بشارات إنجيلية ، فصلناها في «البشارات».

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٧٧ في روضة الواعظين قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : .. وفيه عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : افتخرت الجنة والنار فقالت النار يا رب يدخلني الجبابرة والملوك والأشراف وقالت الجنة : يا رب يدخلني الفقراء والضعفاء والمساكين فقال الله للنار : أنت عذابي أصيب بك من أشاء وقال للجنة : أنت رحمتي وسعت كل شيء ولكل واحدة منكما ملؤها.

٣٣٢

ثم (وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) يشمل صالح الإيمان أيا كان ومن أيّ كان وأيان ، ولزامه بعد نزول القرآن هو الإيمان بالشرعة القرآنية.

وهنا «يؤمنون» دون «آمنوا» توسيع لدائرة الإيمان لتشمل هؤلاء الذين يفتشون عن آيات الإيمان ولمّا يصلوا إليها ، فإن وصلوا إليها آمنوا ، وإلا فهم مؤمنون وان لم يصلوا وماتوا غير حاصلين على آيات الإيمان الملحق بإيمانهم الحالي ، أم بأصل إيمانهم بشرعة ربانية ، وإنما الأصل حالة «يؤمنون» وإن لم يصلوا إلى هالته ، وغير مكتوبة ، ومن الثانية ما تشمل المذنبين غير المعاندين أو المصرين على الضلال ، حيث الرحمة العامة الرحمانية تغمرهم ، ثم الرحيمية الموجهة إليهم دلالة الطريق تعمرهم وهم رافضوها (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) ومن أبرزهم :

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ

٣٣٣

فَآمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللهِ وَكَلِماتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥٨) وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (١٥٩) وَقَطَّعْناهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْباطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَأَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (١٦٠) وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ وَقُولُوا حِطَّةٌ وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (١٦١) فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ

٣٣٤

الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ) (١٦٢)

(الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(١٥٧).

فذلك الرسول النبي الأمي هو الرحمة الواسعة الربانية حيث «سأكتبها» فطليق الرحمة مكتوبة لكافة المتقين المؤتين الزكاة ، المؤمنين بالآيات ، ثم الرحمة الطليقة مكتوبة مستقبلة ل (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ...).

فهنا عذاب مكتوب للمعاندين على طول الخط ، ورحمة واسعة مكتوبة للمتقين المؤتين الزكاة المؤمنين بالآيات المتبعين هذا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ورحمة غير واسعة لهؤلاء المتقين غير المتبعين له (صلى الله عليه وآله وسلم) قصورا دون عناد وتكذيب ، إذ (لَيْسُوا سَواءً مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ يَتْلُونَ آياتِ اللهِ آناءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ. يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ. وَما يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ) (٣ : ١١٣ ـ ١١٥).

فهؤلاء هم من المتقين مهما لم يتبعوا هذا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) قصورا دون تقصير أم بتقصير يسير مسامح ، وتلك الرحمة الواسعة تسع كل شيء واقعا رحمانية ، وتسع من لا يرفضها رحيمية ، فليس النقص ـ إذا ـ في فاعلية الرحمة الرحيمية ، إنما هو في القابلية ، فمن استقبل لها وقبلها فهي له قدر الاستقبال والقبول ، والقصد هنا إلى الرحيمية لمكان (فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَ ...) حيث الرحمانية مكتوبة لكافة الكائنات دون إبقاء واستثناء.

٣٣٥

وهنا (فَالَّذِينَ آمَنُوا) تعم الإيمان بدرجاته العالية من القمة السامقة العلوية ، وهكذا يكون علي (عليه السّلام) رأسا وقائدا وشريفا وأميرا ، في خطابات الإيمان بآياتها كما أصفق عليه الفريقان (١)

وترى «يجدونه» تعني وجدانه بمواصفاته الثمان ثلاث متقدمة وخمس متأخرة عدد أبواب الجنة؟ الظاهر نعم حيث الضمير الغائب في «يجدونه» راجع إلى (الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ) ثم «يأمرهم ..» حال للموصوف.

وهنا (الرَّسُولَ النَّبِيَّ) وهناك في مريم لموسى : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ مُوسى إِنَّهُ كانَ مُخْلَصاً وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا)(٥١) ولإسماعيل : (وَاذْكُرْ فِي الْكِتابِ إِسْماعِيلَ إِنَّهُ كانَ صادِقَ الْوَعْدِ وَكانَ رَسُولاً نَبِيًّا)(٥٤) وكذلك (ما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلَّا إِذا تَمَنَّى ..) (٢٢ : ٥٢) إضافة إلى أن عديد الرسول والرسل في القرآن أكثر بكثير من النبي والأنبياء ، كل ذلك

__________________

(١) في ملحقات إحقاق الحق (٣ : ٤٧٦ ـ ٤٧٩) عن ابن عباس عن أربعة عشر من فطاحل العامة قوله : «ما في القرآن آية إلا وعلي رأسها وقائدها ، هو أحدهم : أحمد بن حنبل في فضائل الصحابة (١٨٦) بسند عن ابن عباس يقول : «ليس من آية في القرآن «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا» إلا وعليّ رأسها وأميرها وشريفها ولقد عاتب الله أصحاب محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في القرآن وما ذكر عليا إلا بخير» وأبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء (١ : ٦٤) بسند عنه قال قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما أنزل الله آية فيها «يا أيها الذين آمنوا إلا وعليّ رأسها وأميرها ، وهكذا محب الدين الطبري في ذخائر العقبى (٨٩) والرياض النضرة (٢٠٧) والگنجي الشافعي في كفاية الطالب (٥٤) والسبط ابن الجوزي في التذكرة (١٩) والشبلنجي في نور الأبصار (١٠٥) وغياث الدين بن همام خواند مير في جيب السير (٢ : ١٣) وصاحب المناقب المرتضوي (٣١) والهيثمي في الصواعق المحرقة (٣٨) و (١٢٥) والسيوطي في تاريخ الخلفاء (١١٦) والقندوزي في ينابيع المودة (١٢٥) والقاسم بن حماد في البحار (٩ : ٦٧) وأحمد في مسنده كما في مناقب الكاشي ـ المخطوط ـ والمناوي في الكواكب الدرية (٣٩). وهكذا ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي (عليه السّلام) إلا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما رواه السيوطي في تاريخ الخلفاء (١١٧) والهيثمي في الصواعق (١٢٥) والمناوي في الكواكب الدرية (٣٩) كلهم رووه عن ابن عباس.

٣٣٦

يدل على أن النبي هو الرسول الرفيع المنزلة بين الرسل ، كما النبي هو من النبوة : الرفعة.

فالنبي بمشتقاته يذكر في ثمانين موضعا بميزات فوق الرسالة ، حال أن الرسول بمشتقاته يذكر زهاء (٤٠٠) مرة دون هذه الميزات ، اللهم إلا لرسول نبي ، ففي مثلث النبوءة والرسالة والنبوة ، الأولى هي نبوءة الوحي وان لم يرسل صاحبها ، والثانية هي الرسالة بالوحي كيفما كانت درجته ، والثانية هي الرسالة الرفيعة ، ولم يأت «النبي» معرفا في القرآن إلا لنبينا (صلى الله عليه وآله وسلم) مما يبرهن على نبوته الرفيعة بين الأنبياء أجمعين.

ذلك ، وقد أفردنا مؤلفا حول البشارات الواردة بحق هذا الرسول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في كتب السماء (١) وإليكم نماذج منها : ومن ميزات النبيين اجمع ـ على درجاتهم ـ أنهم أصحاب الكتاب ، ف (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ ..) (٢ : ٢١٣) (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ..) (٣ : ٨٢) ، فنبينا أفضل أولي العزم ، وهم أفضل النبيين ، ثم أصحاب الكتاب هم أفضل المرسلين ، وفي كل درجات أعلاها لخاتم النبيين (صلى الله عليه وآله وسلم).

ذلك ، وأمية الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) هي من ميّزاته الرسولية والرسالية ، إذ لم يتلون طول حياته قبل الرسالة بألوان الثقافات البشرية المدخولة أو الناقصة ، ومنذ رسالته أخذ يدرس في مدرسة الوحي الرباني ، فلأنه مدرس العالمين ومربيهم ، لا بد له أن يدرس ـ فقط ـ عند رب العالمين ، حتى يصلح مربيا للعالمين لمن شاء منهم أن يستقيم.

فقد يشير إلى الثلاث الأول قوله تعالى في التوراة حسب النص العبراني صوتيا :

__________________

(١) هو «رسول الإسلام في الكتب السماوية» بالعربية و «بشارات عهدين» بالفارسية.

٣٣٧

«يدعو ييسرائل اوايل حنابي مشوكاع إيش هاروح على روب عونخا ورباه مسطماه» ـ

«بنو إسرائيل يعلمون ويعرفون أن الرسول الأمي المصروع رجل صاحب روح إلهامي وصاحب وحي» وهنا «المصروع» إشارة إلى ما يصفونه به : (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَما هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ) (٦٨ : ٥١) وفي كتاب هوشيع النبي (عليه السّلام) (الفصل ٩ الآية ٦) بعد التصريح باسمه المبارك «محمد لكسفام» : محمد لفضتهم ، إشارة إلى الجزية التي يأخذها منهم ، يقول باختلاف يسير في التعبير : «لأن النبي الأمي المصروع وصاحب الروح بسبب كثرة العصيان والبغض أصبح مجنونا» يعني بحسبانهم هؤلاء العصاة المبغضين ، ومن حنقهم وبغضهم إياه إن أرادوا أن يسموا بعض أولاهم محمدا ليخيّلوا إلى البسطاء أنه هو محمد المبشر به في التوراة فهددهم الله في (هوشيع ٩ : ١٦) بقوله : «وهمتي محمدي بيطنام» : «أقتل محمدا في البطون» مهما حرفوا «محمدا» هذا إلى «مشتهيات بطونهم» كما حرفوه في «محمد لكسفام» حيث حرفوها إلى مشتهياتهم ومرغوباتهم في «هوشيع ٩ : ٥).

وإشارة إلى أميته بمعنى أنه لم يدرس إلّا عند الله يقول في كتاب أشعياء (عليه السّلام) (٢٨ : ٩) :

«إت مي يوره دعاه وإت مي يا بين شموعاه غگمولي محالاب عتيمي مثادايم» ـ «لمن ترى يعلم العلم ولمن يفقه في الخطاب للمفطومين عن اللبن ، للمفصولين عن الثدي» ثم يستمر في قرآن ذلك المفصول عن الثدي بمواصفات (١).

وإشارة إلى أميته نسبة إلى أم القرى انه نبيّ من «فاران ـ حرى» : كما في التوراة (تث ٣٣ : ١ ـ ٢) :

__________________

(١) راجع الفرقان ١ : ٣٦١ ورسول الإسلام في الكتب السماوية.

٣٣٨

«وزئت هبراخاه اشر برخ موشه إيش ها الوهيم إت بني يسرائيل لفني موتو ويومر ١ يهواه مسيني باو زارح مسعير لامو هو فيع مهر فاران وآتاه مر ببت قدش مي مينو إش دات لامو ٢» ـ :

«وهذه بركة باركها موسى رجل الله بني إسرائيل وقت موته وقال ١ الله جاء من سيناء تجلى من ساعير وتلعلع من جبل فاران (حرى) ورد مع آلاف المقدسين ، ظهرت من يمينه الشريعة النارية».

وهنا مضي التعبير لتجلي الرب بالرسالة المحمدية من فاران اعتبارا بقاطع وقوعه مستقبلا ، وكما في كتاب حبقّوق النبي (عليه السّلام) (٣ :

«إلوه متيمان يابو وقادوش مهر فاران سلاه شاميم هودد وتهلاتو مالئاه هاآرص» ـ :

«الله يأتي من تيمان ـ وهو ساعير جنوبي القدس ـ والقدوس يأتي من فاران (حرى) إلى الأبد ، يغطى جلاله السماوات وثناءه الأرض».

ولقد يوجد أسمه (صلى الله عليه وآله وسلم) : محمد ـ أحمد ـ وميزاته في التوراة والإنجيل وملحقاتهما كما فصلناه في البشارات وبطيات آياتها المناسبة في هذا الفرقان فلا نعيد.

هنا يصرح القرآن أن أهل الكتاب يجدونه (صلى الله عليه وآله وسلم) مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ، ولو لم يكن له ذكر فيهما عند نزول القرآن ـ ورغم تحرف الكتابين ـ لكفى تكذيبا منهم بهذه الرسالة ، ولم يؤثر ولا مرة يتيمة من أحد من معاصريه (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يكذبه في هذه الدعوى ، بل نجد التصديق الرفيق من صالحيهم (١).

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٧٩ في الخرائج والجرايح عن الرضا (عليه السّلام) حديث طويل وفيه : فقال الرضا (عليه السّلام) : أنت يا جاثليق أمن في ذمة الله وذمة رسوله لا يبدؤك مناشئ تكره مما تخافه وتحذره ، فقال : أما إذا أمنتني فإن هذا النبي الذي اسمه محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهذا الوصي الذي اسمه علي وهذه البنت التي اسمها فاطمة وهذان ـ

٣٣٩

__________________

ـ السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين (عليهم السّلام) في التوراة والإنجيل والزبور. وفيه عن كتاب التوحيد في باب مجلس الرضا (عليه السّلام) مع أصحاب الملل والمقالات قال الرضا (عليه السّلام) لرأس الجالوت : تسألني أو أسألك؟ قال : بل أسألك ولست أقبل منك حجة إلا من التوراة أو من الإنجيل أو من زبور داود أو بما في صحف إبراهيم وموسى (عليهما السّلام) ، قال الرضا (عليه السّلام) لا تقبل مني حجة إلا ما نطق به التوراة على لسان موسى بن عمران (عليه السّلام) والإنجيل على لسان عيسى بن مريم (عليهما السّلام) والزبور على لسان داود (عليه السّلام) فقال رأس الجالوت : أين ابن ثبت نبوة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال الرضا (عليه السّلام) : شهد بنبوته موسى بن عمران وعيسى بن مريم وداود خليفة الله في الأرض (عليهم السّلام) ، فقال له ثبت قول موسى بن عمران (عليه السّلام) قال الرضا (عليه السّلام) : هل تعلم يا يهودي أن موسى أوصى بني إسرائيل فقال لهم : انه سيأتيكم نبي هو من إخوانكم فيه فصدقوا ومنه فاسمعوا فهل تعلم أن لنبي إسرائيل إخوة غير ولد إسماعيل إن كنت تعرف قرابة إسرائيل من إسماعيل أو السبب الذي بينهما من قبل إبراهيم (عليه السّلام) فقال رأس الجالوت : هذا قول موسى لا ندفعه فقال له الرضا (عليه السّلام) : هل جاءكم من إخوة نبي إسرائيل نبي غير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال : لا ، قال الرضا (عليه السّلام) : أفليس قد صح هذا عندكم؟ قال : نعم ، ولكني أحب أن تصححه لي من التوراة ، فقال له الرضا (عليه السّلام) : هل تنكر أن التوراة يقول : جاءكم النور من جبل طور سيناء وأضاء لنا من جبل ساعير واستعلن علينا من جبل فاران؟ قال رأس الجالوت : أعرف هذه الكلمات وما أعلم تفسيرها ، قال الرضا (عليه السّلام) : أنا أخبرك به ، أما قوله : جاء النور من جبل طور سيناء فذلك وحي الله تبارك وتعالى الذي أنزله على موسى على جبل طور سيناء ، وأما قوله : وأضاء (لنا من جبل ساعير ، فهو الجبل الذي أوحى الله تعالى إلى عيسى بن مريم (عليهما السّلام) وهو عليه ، وأما قوله : واستعلن علينا من جبل فاران ، فذلك جبل من جبال مكة بينه وبينها يوم ، وقال شعيا النبي (عليه السّلام) : فيما تقول أنت وأصحابك في التوراة : رأيت راكبين أضاء لهما الأرض أحدهما على حمار والآخر على جمل فمن راكب الحمار ومن راكب الجمل؟ قال رأس الجالوت : لا أعرفهما فأخبرني بهما ، قال : أما راكب الحمار فعيسى (عليه السّلام) وأما راكب الجمل فمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أتنكر هذا من التوراة؟ قال : لا ما أنكره ثم قال الرضا (عليه السّلام) : هل تعرف حيقوق النبي (عليه السّلام) قال : نعم إني لعارف به قال : فإنه قال ـ وكتابكم ينطق به ـ : جاء الله بالبينات من جبل فاران وامتلأت السماوات من تسبيح أحمد وأمته ـ

٣٤٠