الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١١

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ١١

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٣٨٤

ومن ميزات كلامه تعالى أنه ليس له جهة ثم هو يحتل كيان السامع من كل جهة ، فقد أصبح موسى كله سمعا لذلك الكلام ، ما لا يمكن لأي متكلم غير الله أن يكلم دون جهة خاصة ويشمل كل جهات المستمع!.

ذلك ، ومهما كانت المواعدة لهم أجمع ولكن سماع كلام الله يختصه قضية اختصاصه بالرسالة فلذلك (وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ) دون «كلمهم».

أترى موسى الرسول (عليه السّلام) على محتده المعرفي الرسولي بربه يسأله أن يريه نفسه لينظر إليه نظر البصر؟ وذلك طلب الجهلة السفهاء الظلمة من قومه : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. ثُمَّ بَعَثْناكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (٢ : ٥٦) ـ (وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ) (٧ : ١٥٥) ـ (فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ..) (٤ : ١٥٣) و (قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً) (٢٥ : ٣١).

__________________

ـ أحلى حلاوة سمعتموه فداك قريب منه وليس به.

وفيه عن ابن عباس عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أن الله تبارك وتعالى ناجى موسى (عليه السّلام) بمائة ألف وأربعين ألف كلمة في ثلاثة أيام فلما سمع موسى كلام الآدميين مقتهم لما وقع في مسامعه من كلام الرب عزّ وجلّ فكان فيما ناجاه أن قال يا موسى انه لم يتصنع المتصنعون بمثل الزهد في الدنيا ولم يتقرب إلى المتقربون بمثل الورع عما حرمت عليهم ولم يتعبد المتعبدون بمثل البكاء من خشيتي فقال موسى يا رب ويا إله البرية كلها ويا مالك يوم الدين ويا ذا الجلال والإكرام ماذا أعددت لهم وماذا جزيتهم؟ قال : أما الزاهدون في الدنيا فإني أبيحهم جنتي حتى يتبوءوا فيما حيث شاءوا ، وأما الورعون عما حرمت عليهم فإذا كان يوم القيامة لم يبق عبد إلّا ناقشته الحساب وفتشت عما في يديه إلّا الورعون فإني أستحيهم وأجلهم وأكرمهم وأدخلهم الجنة بغير حساب. وأما الباكون من خشيتي فأولئك لهم الرفيق الأعلى لا يشاركهم فيه أحد.

٢٨١

أترى العتو الكبير ، والسفاهة المغلظة التي تتطلب الصاعقة بظلمهم هي جامعة بين موسى الرسول وسفهاء ظالمين من قومه؟ فما ذا يبقى بعد لهذه الرسالة السفيهة الظالمة المستكبرة العاتية عتوا كبيرا ، التي يبعد عنها بسطاء الموحدين! فضلا عن عظماء النبيين!.

قد يكون موسى (عليه السّلام) محمّلا في ذلك السؤال من قبل قومه كما يبدو من (لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) والصاعقة لم تأخذ إلّا إياهم دون موسى (عليه السّلام) فلو كان هو أيضا سائلا كما هم لكانت الصاعقة تأخذه كما أخذتهم ، وآيات البقرة والنساء والأعراف تقول : «أخذتكم. أخذتهم. أخذتهم» دون أخذة في هذه المجالة لموسى (عليه السّلام) مما يدل على أن سؤال الروية كان لهم دونه (١).

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٦٤ في باب ذكر مجلس الرضا (عليه السّلام) عند المأمون في عصمة الأنبياء (عليهم السّلام) حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي قال حدثني أبي عن حمدان بن سليمان النيسابوري عن علي بن محمد الجهم قال : حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا (عليه السّلام) فقال له المأمون : يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أليس من قولك أن الأنبياء معصومون؟ قال : بلى ، قال : فما معنى قول الله عزّ وجلّ : ـ إلى أن قال ـ : (وَلَمَّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي) كيف يجوز أن يكون كليم الله موسى بن عمران (عليه السّلام) لا يعلم أن الله تعالى ذكره لا تجوز عليه الرؤية حتى يسأله هذا السؤال؟ قال الرضا (عليه السّلام): ان كليم الله موسى بن عمران (عليه السّلام) علم أن الله تعالى منزه عن أن يرى بالأبصار ولكنه لما كلمه الله عزّ وجلّ وقربه نجيا رجع إلى قومه فأخبرهم أن الله تعالى كلمه وقربه وناجاه فقالوا : لن نؤمن لك حتى نسمع كلامه كما سمعته وكان القوم سبعمائة ألف فاختار منهم سبعين ألفا ثم اختار سبعة آلاف ثم اختار منهم سبعمائة ثم اختار منهم سبعين رجلا لميقات ربه فخرج بهم إلى طور سيناء فأقامهم في سفح الجبل وصعد موسى (عليه السّلام) إلى الطور وسأل الله عزّ وجلّ أن يكلمه ويسمعهم كلامه فكلمه الله تعالى ذكره وسمعوا كلامه من فوق وأسفل ويمين وشمال ووراء وأمام لأن الله أحدثه في الشجرة ثم جعله منبعثا منها حتى يسمعوه من جميع الوجوه فقالوا : لن نؤمن بأن هذا الذي سمعناه كلام الله حتى نرى الله جهرة فلما قالوا هذا القول العظيم واستكبروا وعتوا بعث الله عليهم صاعقة وأخذتهم الصاعقة بظلمهم فماتوا فقال موسى يا رب ما أقول لبني إسرائيل إذا ـ

٢٨٢

فلمّا يسأل هو الرؤية ولا تأخذه الصاعقة ثم لا يسقّه ولا ينسب إلى الظلم ، فقد يتبين من ذلك أن السؤال إن كان للرؤية البصرية فهو (عليه السّلام) محمّل عليه منهم فيسألها ربه بعد إذنه تعالى إتماما للحجة وإنارة للمحجة.

والقول إن : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) دون «أرهم ينظروا إليك» يرد ذلك التحميل ، يردّ بأنه جائز على هامش قصده الأصيل من الرؤية القمة ، وأنه جمع في ذلك السؤال بين أمرين ثانيهما ما تطلبوه ولكنه خص نفسه ليظهر لهم أن استحالة رؤيتهم أحرى بعد استحالة رؤيته ، فقد قدم نفسه فيما حمّل تثبيتا للسلبية الأخرى لهم في حقل الرؤية البصرية ، والقول بأنه كان عليه ـ إذا ـ كرسول أن يوضّح لهم بطلان سؤالهم؟ مردود بأنه أبطله طول رسالته وهنا القصد إلى إبطاله عمليا حين تبطل رؤيته هو ربّه على محتده الرسالي!.

ثم الأظهر الأخفى أن الرؤية المسؤولة هي قمة المعرفة الممكنة بالله ، اللائقة لأول العارفين والعابدين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حيث إن تجليه تعالى «للجبل» لا «في الجبل» دليل تجلي القدرة الربانية التي لا يتحملها الجبل إلّا أن يندك ، ولا بد للمثال أن يشابه الممثل في

__________________

ـ رجعت إليهم وقالوا إنك ذهبت بهم فقتلتهم لأنك لم تكن صادقا فيما ادعيت في مناجاة الله عزّ وجلّ إياك ، فأحياهم وبعثهم معه فقالوا إنك لو سألت الله أن يريك ننظر إليه لأجابك وكنت تخبرنا كيف هو ونعرفه حق معرفته؟ فقال موسى (عليه السّلام) : يا قوم ان الله تعالى لا يرى بالأبصار ولا كيفية له ، وأنما يعرف بآياته ويكلم بأعلامه ، فقالوا : لن نؤمن لك حتى تسأله ، فقال موسى (عليه السّلام) يا رب إنك قد سمعت مقالة بني إسرائيل وأنت أعلم بصلاحهم فأوحى الله تعالى إليه : يا موسى سلني ما سألوك فلن آخذك بجهلهم فعند ذلك قال موسى (عليه السّلام) : رب أرني انظر إليك قال لن تراني ولكن أنظر إلى الجبل فإن استقر مكانه «وهو يهوي» فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل «بآية من آياته» جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ) يقول : رجعت إلى معرفتي بك عن جهل قومي (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) منهم بأنك لا ترى ، فقال المأمون : لله درّك يا أبا الحسن.

٢٨٣

أهم مواضعه ، وهو هنا لو كانت الرؤية البصرية لله ، لكان تجليه تعالى نفسه في الجبل دون «تجلى ربه للجبل».

ثم ما هي الصلة بين إمكانية رؤيته تعالى لموسى وبين أن يستقر الجبل مكانه في ذلك التجلي ، إلّا أن يكون الجبل في ذلك التجلي مثالا لموسى (عليه السّلام) أنه لا يستطيع التجلي المعرفي القمة لله ما دام هو موسى الذي لم يبلغ مبلغ أول العارفين إلّا أن يموت في ذلك التجلّي ، ثم لا يفيده الموت أيضا أن يتجلى له ربه في الحالة التجردية البرزخية ، فإنما ذلك مخصوص بأول العارفين وخاتم النبيين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حين (دَنا فَتَدَلَّى. فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ... وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى. عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى) (٥٣ : ١٢) ولو لم يكن مكلفا باستمرارية هذه الرسالة التي تتطلب مواجهة الخلق لم يخرج عن هذه الحالة التجردية المعرفية القمة ، خارقة لكافة الحجب الظلمانية والنورانية بينه وبين الله ، حتى حجاب نفسه ، فلم يبق ـ إذا ـ حجاب لتلك المعرفة ، إلّا ذات الله التي لا ترتفع لأحد (١) وهنا :

أز آن ديدن كه غفلت حاصلش بود

دلش در چشم وچشمش در دلش بود

والتفصيل راجع إلى آيات الأسرى.

ذلك ، وعلّه سأل ربه بلفظة طلبة الرؤية التي ظاهرها طلبة قومه ، وهو يعني بها طلبته نفسه ، جمع جميل ما أجمله يجمع بين الأمرين الأمرين الأمرّين ، فليس يؤنب موسى بالأول لأنه سؤالهم ، ولا بالثاني لأنه سؤله قضية الشغف البالغ في سلك المعرفة الربانية (٢).

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٦٦ في كتاب التوحيد خطبة للنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وفيها : فتجلى ، ومن خطبة الرضا (عليه السّلام): متجلّ لا باستهلال رؤية ، أقول : وتفصيل البحث حول الرؤية مذكور على ضوء (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ ..) فراجع.

(٢) وقد يساعد كون سؤاله عن الرؤية المعرفية ما رواه في العلل عن علي بن أبي طالب (عليه السّلام) انه سئل مما خلق الله عزّ وجلّ الذر الذي يدخل في كوة البيت! فقال : ان موسى (عليه السّلام) لما قال : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) قال الله عزّ وجلّ : ان استقر ـ

٢٨٤

«رب ارني» نفسك (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) في هذه الإراءة الربانية ، ف «رب» مما تلمح أنها رؤية معرفية بعناية ربانية.

وقد وردت الرؤية في العلم والمعرفة بغير البصر في آيات عدة ، بل هي أقوى من رؤية البصر ، (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (١٢ : ١٤) ليوسف حيث منعه عن أن يهم بها ، ليست إلا الرؤية المعرفية المعصومة لساحة الرب.

كما أن (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (٥٣ : ١١) هي رؤية الفؤاد ، وهو هنا القلب المتفئد بنور المعرفة التامة الطامة قلب العارف وكل كيانه ، وهكذا (لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى)(١).

__________________

ـ الجبل لنوري فانك ستقوى على أن تنظر إلي وإن لم يستقر فلا تطبق إبصاري لضعفك ، فلما تجلى الله تبارك وتعالى للجبل تقطّع ثلاث قطع فقطعة ارتفعت في السماء وقطعة غاصت في تحت الأرض وقطعة بقيت فهذا الذر من ذلك الغبار غبار الجبل ، أقول : وان كان في ذيله شيء من الغرابة.

(١) في معاني الأخبار للصدوق باسناده عن هشام قال : كنت عند الصادق جعفر بن محمد (عليهما السّلام) إذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين فقال له معاوية بن وهب : يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما تقول في الخبر المروي : إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) رأى ربه؟ على أي صورة رآه؟ وفي الخبر الذي رواه أن المؤمنين يرون ربهم في الجنة؟ على أي صورة يرونه؟ فتبسم ثم قال : يا معاوية! ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة وثمانون سنة يعيش في ملك الله ويأكل من نعمه ثم لا يعرف الله حق معرفته ثم قال : يا معاوية إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) لم ير الرب تبارك وتعالى بمشاهدة العيان وان الرؤية على وجهين : رؤية القلب ورؤية البصر فمن عني برؤية القلب فهو مصيب ومن عني برؤية البصر فقد كذب وكفر بالله وآياته لقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : من شبه الله بخلفه فقد كفر ، ولقد حدثني أبي عن أبيه عن الحسين بن علي (عليهما السّلام) قال : سئل أمير المؤمنين (عليه السّلام) فقيل له : يا أخا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هل رأيت ربك؟ فقال : لم أعبد ربا لم أره ، لم تره العيون بمشاهدة العيان ولكن تراه القلوب بحقائق الإيمان ، وإذا كان المؤمن يرى ربه بمشاهدة البصر فإن كل من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق ولا بد للمخلوق من خالق فقد جعلته إذا محدثا مخلوقا ومن شبهه بخلقه فقد ـ

٢٨٥

ومن رؤية العلم : (إِنِّي أَراكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) (٦ : ٧٤) (أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) (١١ : ٢٩) (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ) (٢ : ٢٤٣) (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ) (١٠٥ : ١).

ومن رؤية المعرفة بالتدبر (أَلَمْ تَرَ إِلى رَبِّكَ كَيْفَ مَدَّ الظِّلَّ) (٢٥ : ٤٥) ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ) (٢٢ : ١٨) ـ (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ) (٢٤ : ٤١).

وهكذا نجد استعمال الرؤية في مثلث العلم ، والمعرفة بالتدبر ، والمعرفة بالجهاد ، والأخيرة هي المعنية من رؤية الله ، ولأنها درجات حسب درجات العارفين فهنا الجواب لموسى :

(... قالَ لَنْ تَرانِي) ف «لن» تحيل الرؤية المطلوبة وهي بين إحالة أصلية فيما يراد رؤية البصر ، ورؤية نسبية في رؤية البصيرة ـ القمة ـ الخاصة بأوّل العارفين ، فأنت يا موسى «لن تراني» لا هنا ولا في الأخرى ما دمت أنت موسى المحدود بحدودك ، فلو رقيت إلى مرقى محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لكنت تراه كما راه هو بنور المعرفة القمة ، ولكن رؤية البصر مستحيلة على أية حال وبأي مجال.

إذ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)

__________________

ـ اتخذ مع الله شريكا ، ويلهم ألم يسمعوا لقول الله تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) وقوله لموسى : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) وإنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سم الخياط فدكدكت الأرض وخر موسى صعقا ـ أي ميتا ـ فلما أفاق ورد عليه روحه قال سبحانك تبت إليك من قول من زعم أنك ترى ورجعت إلى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بأنك ترى ولا ترى وأنت بالمنظر الأعلى.

أقول : غير المصدق من هذا الحديث هو موت موسى ثم حياته لمخالفة النص.

٢٨٦

فالهرطقات الغائلة القائلة أن «وعده الله أن يقعد في موضع ليراه» (١) وما أشبه ، هي مضروبة عرض الحائط لمضادتها نصوص الكتاب ودليل العقل والفطرة.

(وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ) جبل الطور وهو مهبط الوحي ومحطه (فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ) بتجلي الرب له في قدرة وقوة لا يتحملها (فَسَوْفَ تَرانِي) في تجلي المعرفة القمة التي لا تتحملها وهنا «سوف» في معاكسة الأمر تسلب تلك الرؤية في طليق المستقبل في الأولى والأخرى وإلا كان الصحيح «فستراني» أو «تراني».

(فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ) ما لا يتحمل (جَعَلَهُ دَكًّا)(٢) لا يستقر مكانه حيث تمزق وتفرق أيادي سبا ، وبالنتيجة (وَخَرَّ مُوسى) من تلك الوقعة القارعة «صعقا» إذ خرّ مغشيا عليه ولم يمت إذ ليست الصعقة هي الموت ثم هو الذي قال لما أخذتهم الرجفة (لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ)

__________________

(١) كما في نور الثقلين ٢ : ٦٣ عن تفسير العياشي عن أبي بصير قال سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول : إن موسى بن عمران (عليه السّلام) لما سأل ربه النظر إليه وعده الله أن يقعد في موضع ثم أمر الملائكة أن تمر عليه موكبا موكبا بالبرق والرعد والريح والصواعق فكلما مر به موكب من المواكب ارتعدت فرائضه فيرفع رأسه فيسأل : أفيكم ربي؟ فيجاب : هو آت وقد سألت عظيما يا بن عمران.

(٢) نور الثقلين ٢ : ٦٦ عن كتاب التوحيد حديث طويل عن أمير المؤمنين (عليه السّلام) يقول فيه ـ وقد سأله رجل عما اشتبه عليه من الآيات ـ وسأل موسى (عليه السّلام) وجرى على لسانه من حمد الله عزّ وجلّ : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فكانت مسألته تلك أمرا عظيما وسأل أمرا جسيما فعوقب فقال الله تبارك وتعالى : لن تراني في الدنيا حتى تموت فتراني في الآخرة ولكن ان أردت أن تراني في الدنيا فانظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني ، فأبدى الله سبحانه بعض آياته وتجلى ربنا للجبل فتقطع الجبل فصار رميما وخر موسى صعقا ثم أحياه الله وبعثه فقال (عليه السّلام): (سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) يعني أول من آمن بك منهم أنه لن يراك ، أقول : هذا الحديث مخدوش في مواضيع عدة منها «فعوقب» كأنه سأل الرؤية البصرية ، فلو سألها وكان عصيانا فكيف وعده أن يراه في الآخرة؟.

٢٨٧

(٤ : ١٥٣) وذلك رغم أن التجلي كان للجبل دونه (فَلَمَّا أَفاقَ) عن صعقته ، والإفاقة ليست إلا عن الغشوة والخروج عن الوعي دون الموت ، فمهما استعملت الصعقة أحيانا في الموت ولكنها هنا الغشية دون الموت وكما قال : لو شئت أهلكتهم وإياي ، (قالَ سُبْحانَكَ) أن ترى بعين البصر ، أم أن ترى بعين البصيرة فوق ما أتحمل (تُبْتُ إِلَيْكَ) عما سألت (وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) بك أنك لا ترى.

وهذه الأوّلية ليست زمنية ، بل هي في المكانة الإيمانية ـ ولأقل تقدير ـ بالنسبة لمن يعيشهم ، ثم ومن قبله دون من بعده ، إذ إن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) هو (أَوَّلُ الْعابِدِينَ) على الإطلاق ، ولو كان موسى أوّل المؤمنين في مثلث الزمان لكان يريه ربه نفسه في حقل المعرفة القمة وأحرى من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولكن أين موسى (عليه السّلام) من محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو الرسول إلى الرسل أجمعين.

فالله تعالى يتجلى بقدرته لخلقه قدر ما يتحملون ، فإن تجلى فوقه فدكّا دكّا ، كما يتجلى بآياته وكما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «فتجلى لخلقه من غير أن يكون يرى وهو بالمنظر الأعلى» (١) : منظر البصر ـ فهو أعلى من أن ينظر إليه على الإطلاق ـ ومنظر البصيرة الأعلى وهو المعرفة القمة العليا الخاصة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (٢).

أجل ، إن الله متجل لخلقه قدر المقدور لهم والمقدر لباقة ولياقة في مسالك المعرفة ، ثم التجلي القمة خاصة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وذويه من بعده.

ذلك ، فسؤال الرؤية البصرية لذات الله ليس إلّا من أجهل المجاهيل

__________________

(١) تفسير روح البيان ٣ : ٢٣١ روي عن ابن عباس.

(٢) التوحيد عن الإمام الصادق (عليه السّلام).

٢٨٨

بكيان الألوهية ، فالذي (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ف (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) كيف بالإمكان أنى يري نفسه للأبصار ، إلا بتحويل الإله المجرد عن كيانه إلى كيان خلقه ، أم تحويل خلقه إلى كيانه لتتسنى الرؤية بتلك المماثلة.

وحين لا تحس أية حاسة أيّ محسوس إلّا ما يساميه أو يساويه في حقل الإحساس ، فلا يحس الطعم باللّامسة ولا يلمس بالباصرة ولا يبصر بالسامعة ، ولا يسمع بالباصرة ، فكيف يرجى أن يحس أو يمس أو يجس غير المحسوس بأحد من الحواس الخمس ، في أيّ من عوالم الوجود.

ولأن المستحيل ذاتيا لا تتعلق به القدرة فلا يمكن أن يري الله نفسه رؤية البصر ، اللهم إلا رؤية البصيرة المستطاعة لمن يبصر.

فرؤية الرب منها مستحيلة ذاتية هي بإبصار ذاته تعالى حيطة ببصر أم بصيرة ، إدراكا إياه ، إذ (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ، أم نسبية هي البصيرة معرفة بالقلب ، بمرتبة هي أعلى من محتد الرائي ، كما المعرفة القمة لموسى (عليه السّلام) ، أم ممكنة مأمور بها وهي سائر درجات المعرفة الربانية لسائر الخلق أجمعين ، فعلى كلّ قدر مستطاعه من معرفة الله وعبوديته و (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها).

فمثل (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) (٧٥ : ٢٣) موجهة إلى وجوه القلوب ، وكما تؤيده (وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ. تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ) حيث الظن هو من أفعال القلوب.

فمهما يكن من شيء هنا ، من أقصى دلالة النص ، أن موسى تطلّب الرؤية وهي بين مثلثها ، فلتفسر بمحكمات ك (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) وبجنبها محكمات أدلة العقول والفطر ، التي تحيل الرؤية بالبصر ، ثم رؤية المعرفة المستطاعة بحول العارف وقوته لا تحتاج إلى «أرني» كما وأن محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) (رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى) دون تطلب لها : «أرني» فلم تبق إلا الرؤية فوق المستطاعة ، الممكنة في ذاتها وهي المعرفة القمة ، وبجنبها نقل لتطلّب قومه بما أذن الله.

ذلك ، وليست الرؤية المعرفية تعني كل درجة منها ، وإنما البالغ

٢٨٩

فيها ذروة من اليقين لحد يصح التعبير عنها بأنها رؤية ف «اعبد ربك كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» فالرؤية الأولى هي محسوب بحساب الرؤية المعرفية البالغة ولها درجات أعلاها الرؤية المحمدية إذ (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى. أَفَتُمارُونَهُ عَلى ما يَرى. وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى. عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) (٥٣ : ١٤)(١).

فالحجاب عن الرب الممكن خرقه هو حجاب المعرفة برين القلوب : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ. كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (٨٣ : ١٥) فتلك إذا هي رؤية القلب المحجوب برينه.

ذلك ، وموسى الرسول الذي لا تصعقه الآيات الكبرى الربانية إلّا خوفا مّا لأول وهلة ، انقلبت عصاه حية تسعى ، هذا الرسول يصعقه اندكاك الجبل بما تجلى له ربه ، حيث كانت سائر الآيات تجلّيات مستطاعة لما تجلى له مهما كانت خارقة العادة ، وهذه غير مستطاعة للجبل بذلك التجلي فوق الطاقة له.

هذا ، ويعاكس نصّ القرآن في استحالة الرؤية المطلوبة نصّ التوراة في واقعها كما في سفر الخروج ٢٣ : ٩ ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون من شيوخ إسرائيل. ورأوا إله إسرائيل وتحت رجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف وكذات السماء في النقاوة ولكنه لم يمدّ يده إلى أشراف بني إسرائيل فرأوا الله وأكلوا وشربوا!.

وحصيلة البحث في حقل الرؤية أنها ـ على أية حال ـ هي الوصول إلى المرئي بعين اليقين فوق علمه ، ثم وحق اليقين بمراتبها ، فإن كانت بالبصر فكما تناسبه ، وإن كانت بالبصيرة فكما تناسبها ، والرؤية الحيطة المعرفية بالله مستحيلة على من سوى الله في كافة النشآت إذ لا يحيط المحدود باللّامحدود ، والمعرفة القمة العليا التي لا تساوى ولا تسامى هي

__________________

(١) المصدر.

٢٩٠

خاصة بأوّل العابدين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) في كافة النشآت مهما كانت في الأولى أضيق دائرة قضية ضرورة المواجهة الرسالية مع المرسل إليهم ، ولا يشاركه (صلى الله عليه وآله وسلم) أيّ من السابقين والمقربين من جبريل الأمين والروح وسائر المعصومين عليهم سلام الله أجمعين ، وهذه هي التي تطلّبها موسى من ربه ـ كما سمع الكلام فطمع في الرؤية ـ فأجيب ب «لن تراني» المحيلة لتلك الرؤية له في الدنيا والآخرة ، والرؤية البصرية هي بديهية الاستحالة في كافة الموازين والمقاييس.

و «لن تراني» هي أظهر في استحالة تلك الرؤية المطلوبة المعرفية من البصرية ، فإن كان القصد إلى الرؤية البصرية لكان النص «لا أرى» دون «لن تراني» و «لن» إذا تحيل تلك الرؤية الخاصة لموسى (عليه السّلام) لأنه أدنى محتدا منها ، وحين لا تصل بصيرة المعرفة الربانية الموسوية إلى تلك القمة السامقة فهل يصل بصر المعاينة لقومه وأضرابهم إلى رؤية ذاته القدسية؟!.

وعدم استقرار الجبل مكانه لما تجلّى ربه له يقرر الاستحالة النسبية لتلك الرؤية المعرفية لموسى (عليه السّلام). ومما يؤكد عناية الاستحالة لمدخول «لن» ـ «سبحانك» تنزيها لله أن يكون يرى ، ولا تتقيد «سبحان» بزمان دون زمان وإلّا فلا سبحان ، ف «سبحان» في كل مجالاتها تنزيه لله عما يمس من كرامة ألوهيته وربوبيته ، كما و (تُبْتُ إِلَيْكَ ـ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) هما الأخريان من آيات استحالة تلك الرؤية بصرا أم بصيرة.

ذلك ولقد حاول جمع بمختلف المحاولات أن يجعلوا هذه الرؤية التي تطلبها موسى إدراكا بالبصر أم بالبصيرة ، دون إبقاء لكيان من المدرك إلّا أن يدركه.

فمن قائل غائل إن الله لا يعجزه أمر لمكان قدرته الطليقة الحقيقية لإجابة أي أمر وسؤل ، فهنا (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) له جانبان اثنان ، أرني

٢٩١

بترفيعي إلى مكانة الرؤية ، أم تنزيلك إلى مكانتي في الرؤية ، وهما مستحيلان ذاتيا أو نسبيا ، ففي الرؤية البصرية يعني الترفيع التجريد الطليق عن حالة الإمكان لكي يتمكن من رؤية المطلق ، ويعني التنزيل تجريده عن التجرد حتى تتسنى الرؤية قضية المجانسة في الجسمانية والمحدودية ، وفي الرؤية المعرفية القمة أن يترفع إلى تلك القمة أو يتنزل ربنا إلى هذه المحدودية المعرفية ، فالأول مستحيل نسبيا ما دام موسى هو موسى ، والثاني مستحيل ذاتيا إذ لا يتغير ربنا سبحانه وتعالى بأي غيار وبأي معيار.

ذلك وكافة المحاولات الفلسفية أو العرفانية هي محاولات خرفانية إلّا ما أشرنا إليه على ضوء الآية وما يفسرها من آيات.

وفي حقل المعرفة القمة التي هي مرغوبة لكل عارف (لَنْ تَرانِي) هي كلمة واحدة لكافة المقربين إلّا خاتم النبيين وأول العارفين والعابدين محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وقد يروى أنه لما قال موسى (عليه السّلام): (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) كشف الحجاب وأبرز له الجبل وقال أنظر فنظر فإذا أمامه مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي محرمين ملبين كلهم يقول : «أرني أرني» (٤٣) وفي الحديث «ما رأيت شيئا إلا وقد رأيت الله قبله وبعده ومعه وفيه» (٤٤) و «لم أعبد ربا لم أره» «لم تره العيون بمشاهدة الأبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان» «.. وليست الرؤية بالقلب كالرؤية بالعين تعالى الله عما يصفه المشبهون والملحدون» (٤٥) و «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا نظر إلى ربه بقلبه جعله في نور مثل نور الحجب حتى يستبين له ما في الحجب» (٤٦).

ذلك ، وفي نظرة أخرى إلى الآية «قال رب» لمحة لاستدعاء ما لم يصل هو إليه وليس يصله بنفسه فاستدعاه تعالى أن ينعم عليه في تلك الرؤية المعرفية بنعم.

ثم «أرني» دون متعلّق من «نفسك وما أشبه» تحاش أدبي أمام ربه سبحانه ، وكأنه يستدعيه ما يراه صالحا من درجات الرؤية غير الحاصلة له ، وكما يراه ربه.

٢٩٢

ومن ثم (أَنْظُرْ إِلَيْكَ) ربا ، نظرا يناسب محتدك الربوبي ، فقد يقرب أنه ك «ناظرة» في (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ. إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ) نظرة بوجه القلب الفؤاد.

وحين يؤنّب نوح (عليه السّلام) بعرضه : (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) عرضا ـ ولمّا يسأل ـ بقوله تعالى : (إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ) ولا يؤنب موسى بسؤاله الرؤية ، فقد نتأكد قطعيا أنه لم يكن سؤالا محظورا في أصله ، به مس من كرامة ربه ، وإنما سأل فوق قدره ، فأجيب بمثال فوق قدر للجبل.

ذلك ، والرؤية هي أعم من رؤية البصر ، بل البصيرة فيها أحرى لأنها أمكن وأقوى ك (لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) (١٢ : ٢٤) و (ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى) (٥٣ : ١١) (وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا) (٧ : ١٤٩).

وعلى أية حال لأن الرؤية هي الإدراك أو ما دونه وهما يعمان رؤية البصر والبصيرة ، لذلك ليست لتختص برؤية البصر ولا رؤية البصيرة اللهم إلّا بكلّ بقرينة ، ولأن إفراد النص «أرني» دون «أرنا أو ـ أرهم» يرينا أن موسى (عليه السّلام) إنما تطلب الرؤية لنفسه ، فقد نتأكد أنها كانت رؤية معرفية بصيرة ، دون المعاينة بصرا ، إذ لو كانت بصرا لكان يجمع : «أرنا» حيث الأصل في ذلك التطلبة الحمقاء هم قومه دونه ، أم وإذا شملت الرؤية البصرية فلما ذا سألوها وأذن الله ، وإنما أفرد لكي يعرفوا بسلبيتها عن نفسه سلبها عنهم بأحرى ، ولقد كان سؤال الرؤية البصرية بإذن الله حملا عليه ثقيلا عله أثقل من حمل ابتلاء إبراهيم بذبح ولده إسماعيل.

ذلك ، وهنا «أرني» دون «أرنا ـ أو ـ أرهم» كما بينا ، تجعل الأصل في السؤال الرؤية الممكنة الصالحة وهي المعرفة القمة ، وعلى هامشها الرؤية المسؤولة الحمقاء ، فحين سمع ـ أم وسمعوا ـ : (لَنْ تَرانِي وَلكِنِ ..) تأكدوا من عدم إمكانية رؤيته المسؤولة لهم ، فحين لا

٢٩٣

يستجاب موسى الرسول في تطلب هكذا رؤية فبأحرى هؤلاء البعيدون.

فقد جمع موسى في سؤاله بين مستحيل الرؤية بناء على طلبهم بإذن الله ، وبين الرؤية الممكنة لمن سوى الله في قمتها ، فلم يستقل في سؤاله كلا منهما لوحدها ، تحاشيا عن محظور ، ولكنه هيمانا لمعرفة عليا ، وتطبيقا لأمره تعالى بسؤاله الرؤية المقترحة ، يقول : (رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) فإن فيه جماع الأمرين الأمرين ، ثانيهما أمر من الأوّل لأنه سؤال الجاهلين ، وأولّهما يحمل رجاء إذ لم يرهو من نفسه أن يصل بجهاده وجهوده إلى المعرفة القمة المحمدية ، فتطلب من ربه أن «أرني» فجاء الجواب كلمة واحدة «لن تراني» أنت كموسى على محتدك المحدد بالمعرفة الموسوية ، ولا هم أيا كانوا بالرؤية البصرية.

وقد ترتسم رؤية الرب في مربع : ١ مستحيلة ذاتيا ببصر العين المعاينة ٢ أم ببصيرة مدركة محيطة بالرب ، ٣ أو مستحيلة نسبيا كالرؤية المعرفية ما فوق الطاقة والمقدرة المقررة لمن دون المعصومين (عليهم السّلام). ٤ ثم ممكنة مأمور بها كأصل المعرفة ، وقد تطلب موسى لنفسه الرؤية القمة التي هي فوق كيانه المعرفي ، وعلى هامشها الرؤية البصرية المقترحة من قومه فجاء الجواب «لن تراني» والأصل رؤيته الخاصة ، وهي المناسبة ل (وَلكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ ..) دون المستحيلة ، فانها مبرهنة البطلان والاستحالة دون حاجة إلى برهنة حسية.

ذلك ، فلا موقع لعرفانيات خرفانيات وفلسفيات تتعدى عن طور المعرفة الصالحة إلى خرافة الحلول ، أو الوحدة الحقيقية للوجود خالقا ومخلوقا وما أشبه من هذه الهرطقات البعيدة عن العقلية والفطرة السليمة ، وعن نصوص الكتاب والسنة. فثالوث الصلاحات المنطقية والفلسفية والعرفانية ، هي خارجة عن دور معرفة الله الصالحة (١).

__________________

(١) من قيلاتهم الغيلات الويلات «بسيط الحقيقة كل الأشياء» توحيدا بين الحقيقة البسيطة الإلهية وكافة المركبات الخلقية! ـ

٢٩٤

ذلك ، فليس التدلي المعرفي انمحاء الذات المحمدية عن بكرتها أو اتحادها بذات الله ، أو تبدلها بها ، فإن تبدّل الممكن بالواجب قوسا صعوديا ، كتبدل الواجب بالممكن قوسا نزوليا ، كلّ منهما تجاف عن كيانه ممكنا أو واجبا ، والتجافي غير التبدل ، والتبدل تناقض حين يراد منه التحول على حالته إلى الحالة الأخرى وانمحاء حيث يراد زوال كل وحدوث الآخر.

إنما هي غاية المعرفة الممكنة بإزالة كافة الحجابات تفاضلا دون إزالة حقيقية ، فحين يتغافل الإنسان عن كل شيء يتجلى له ربه كما يصح ويمكن.

فلا يتصاعد الخلق إلى كيان الخالق ، وكما لا يتنازل الخالق إلى كيان الخلق. وكل ما في الدور هنا تقرب الخلق إلى الخالق معرفة وعبودية ، دون وصول أو اتصال أو فناء حقيقي ، اللهم إلا التناقل القاصد عن كافة الحجابات الممكنة الزوال.

ذلك ، وعلى زغم البراهين الفطرية والعقلية ونصوص الكتاب والسنة

__________________

ـ ويقول ابن العربي : «سبحان من أظهر الأشياء وهو عينها» اعتبارا انه التوحيد الحقيقي وكما يعتبر الثالوث عند المسيحيين هو التوحيد الحقيقي المعبر عنه بتوحيد التثليث ويقول : فإن قلت بالتشبيه كنت مشبها وإن قلت بالتنزيه كنت معطّلا وإن قلت بالأمرين كنت مسودا وكنت إماما في المعارف سيدا.

ويقول صدر الدين القونوي : «فقل الله وما سواه عدم بحت» وعلى ضوء وحدة حقيقة الوجود والموجود يقولون ما يعنيه : اگر مسلم بدانستى كه بت چيست يقني كردى كه دين در بت پرستى است.

ويقول ابن العربي «إن الله شاء أن يعبد في كل صورة» وقال في قوله تعالى : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) بأن : «هذه قضاوة تكوينية ، أي واقع الأمر كذلك ، فعبدة الأوثان والأصنام عبدة الله» وقال أيضا : إن فرعون قد غرق في بحر التوحيد ، وقال في الفص الهاروني من كتاب فصوص الحكم : إن غضب موسى على هارون إنما كان لأجل منع هارون بني إسرائيل عن عبادة العجل ، وعن إلقاءه التفريق بينهم حيث كانوا عبدة الله ، فلهذا أخذ موسى بلحية هارون!.

٢٩٥

نرى مختلقات توراتية ـ هي من مصادر روايات الرؤية البصرية ـ تقول : «إن الله خلق آدم على صورته كما في (التكوين ٥ : ١ : ٣)» هذا كتاب مواليد آدم. يوم خلق الله الإنسان على شبه الله عمله. ذكرا أو أنثى خلقه وباركه ودعا اسم آدم يوم خلق».

وما يروى عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : «ان الله خلق آدم على صورته» هي بين مقطعة ومأولة (١)

ذلك ، والرؤية البصيرة ـ إضافة إلى جسمانية المرئي ـ هي بحاجة إلى فاصل الهواء ، وكما يروي عن أبي الحسن الثالث (عليه السّلام) قوله : «لا تجوز الرؤية ما لم تكن بين الرائي والمرئي هواء ينفذه البصر ، فإذا انقطع الهواء وعدم الضياء بين الرائي والمرئي لم تصح الرؤية وكان في ذلك الاشتباه ، لأن الرائي متى ساوى المرئي في السبب الموجب بينهما في الرؤية وجب الاشتباه وكان في ذلك التشبيه ، لأن الأسباب لا بد من اتصالها بالمسببات»(٢).

__________________

(١) ففي التوحيد والعيون باسناده عن الحسين بن خالد قال قلت للرضا (عليه السّلام) يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! إن الناس يروون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : إن الله خلق آدم على صورته! فقال (عليه السّلام) : قاتلهم الله لقد حذفوا أوّل الحديث ، إن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مرّ برجلين يتسابان فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا عبد الله لا تقل هذا لأخيك فإن الله عز وجل خلق آدم على صورته» وفيه عن علي (عليه السّلام) مثله ، وروى الزهري عن الحسن أنه كان يقول : مر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) برجل من الأنصار وهو يضرب وجه غلام له ويقول : «قبح الله وجهك ووجه من يشبهك» ، فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): «بئس ما قلت ، فإن الله خلق آدم على صورته».

(ذلك ومن تأويله ما)ورواه الصدوق في التوحيد عن محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (عليهما السّلام) عما يروون أن الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته؟ قال : هي صورة محدّثة مخلوقة اصطفاها الله واختارها على سائر الصور المختلفة فأضافها إلى نفسه كما أضاف الكعبة إلى نفسه والروح إلى نفسه ...

(٢). مشكلات الأخبار (١ : ١٩٨) للسيد عبد الله شبّر.

٢٩٦

قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (١٤٤) وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها سَأُرِيكُمْ دارَ الْفاسِقِينَ (١٤٥) سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لا يَتَّخِذُوهُ

٢٩٧

سَبِيلاً وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَكانُوا عَنْها غافِلِينَ (١٤٦) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَلِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاَّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٤٧) وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَلا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكانُوا ظالِمِينَ (١٤٨) وَلَمَّا سُقِطَ فِي أَيْدِيهِمْ وَرَأَوْا أَنَّهُمْ قَدْ ضَلُّوا قالُوا لَئِنْ لَمْ يَرْحَمْنا رَبُّنا وَيَغْفِرْ لَنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (١٤٩) وَلَمَّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْواحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (١٥٠) قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ

٢٩٨

أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (١٥١) إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ (١٥٢) وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِها وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٥٣) وَلَمَّا سَكَتَ عَنْ مُوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْواحَ وَفِي نُسْخَتِها هُدىً وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ (١٥٤) وَاخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقاتِنا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنا بِما فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشاءُ أَنْتَ وَلِيُّنا فَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغافِرِينَ (١٥٥) وَاكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ إِنَّا هُدْنا إِلَيْكَ قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ

٢٩٩

كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ) (١٥٦)

(قالَ يا مُوسى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ ما آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) (١٤٤).

هنا طمأنة لخاطر موسى المحروم عن الرؤية القمة المعرفية ب (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) لا على المرسلين ككلّ «برسالاتي» التي تحملها إلى الناس «وبكلامي» إياك ، وذلك حدّك الذي حددته لك (فَخُذْ ما آتَيْتُكَ) دون ما ليس لك (وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) ما آتيتك من الرزق المقسوم ، فلا تحزن ولا يضق صدرك بحرمانك عن تلك الرؤية القمة ، واكتف بما أعطيت ، وكن من الشاكرين الله عليه.

(اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ ..) ل «إني قلبت عبادي ظهرا لبطن فلم أجد فيهم أحدا أذل لي نفسا منك ..» (١).

__________________

(١) نور الثقلين ٢ : ٦٧ في أصول الكافي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : أوحى الله عزّ وجلّ إلى موسى (عليه السّلام) أن يا موسى أتدري لما اصطفيتك بكلامي دون خلقي؟ قال : يا رب ولم ذاك؟ قال : فأوحى الله تبارك وتعالى إليه يا موسى ... يا موسى إنك إذا صليت وضعت خدك على التراب ـ أو قال ـ على الأرض ، وفيه عن علل الشرايع باسناده إلى محمد بن سنان عن إسحاق بن عمار قال سمعت أبا عبد الله (عليه السّلام) يقول : إن موسى (عليه السّلام) احتبس عنه الوحي أربعين أو ثلاثين صباحا ، قال : فصعد على جبل بالشام يقال له : أريحا فقال : يا رب إن كنت حبست ـ

٣٠٠