الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٨

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنّة - ج ٨

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ١
الصفحات: ٣٩٤

(فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) حكما بينهم لأصل التحاكم وفصل الحكم ، وإعراضا عنهم إذ لا يريدون تطبيقه ، ولا تخف من الإعراض عنهم ضررا عليك (وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئاً) في رسالتك ، لساحتك وسماحتك (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) وهو حكم الله دون ما تهواه أنفسهم (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ).

وهنا «السحت» لا تختص بالرشا في الحكم مهما كانت أنحسه بل هو الأكل بالباطل أيا كان رشى أم ربا أم سرقة أم بخس مكيال وما أشبه ويجمعها (وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ ..) (٤ : ١٦١).

فلأنهم لا يبالون الأكل بالباطل ، بل يحومون حوله ويخوضون فيه مصرين عامدين ، لذلك يعبر عنهم ب (أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ) ولا سيما الرشا في الحكم فإنه في حد الكفر(١).

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ٢٨٤ عن ابن عباس أن رسول الله (ص) قال : رشوة الحكام حرام وهي السحت الذي ذكر الله في كتابه ، ورواه عنه (ص) مثله ابن عمر ، وفيه أخرج عبد بن حميد عن علي بن أبي طالب (ع) أنه سئل عن السحت فقال : الرشا ، فقيل له في الحكم؟ قال : ذاك الكفر ، وفيه عن جابر بن عبد الله قال قال رسول الله (ص) : هدايا الأمراء سحت ، وفيه عن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) ست خصال من السحت رشوة الإمام وهي أخبث ذلك كله وثمن الكلب وعب الفحل ومهر البغي وكسب الحجام وحلوان الكاهن ، وعن يحيى بن سعيد قال : لما بعث النبي (ص) عبد الله بن رواحة إلى أهل خيبر أهدوا له فروة فقال (ص) : سحت ، وعن ثوبان قال : لعن رسول الله (ص) الراشي والمرتشي والرائش ـ يعني الذي يمشي بينهما ـ وعن أبي هريرة عن النبي (ص) قال : من السحت كسب الحجام وثمن الكلب وثمن القرد وثمن الخنزير وثمن الخمر وثمن الميتة وثمن الدم وعب الفحل وأجر النائحة وأجر المغنية وأجر الكاهن وأجر الساحر وأجر القائف وثمن جلود السباع وثمن جلود الميتة فإذا دبغت فلا بأس بها وأجر صور التماثيل وهدية الشفاعة وجعلة الغزو. أقول : وفي بعضها كلام كدباغ الميتة ثم ومن السحت ما يوفق ومنه كفر ـ

٣٦١

(وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) (٤٣).

(كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ) استفهام إنكاري على هؤلاء المنكرين المنافقين من اليهود أنهم يحكّمون رسولا غير رسولهم دون تصديق لرسالته (وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ) الذي يحكم بينهم في قضيتهم ، وليس (فِيها حُكْمُ اللهِ) سلبا لتحريف أحكام في التوراة إذ ليس النص «أحكامها أحكام الله» حتى يحلّق على كل الأحكام الموجودة فيها ، وإنما (فِيها حُكْمُ اللهِ) ولا ينافيه أن فيها أحكام غير الله بما حرفوا ، والقصد من حكم الله هنا هو الحكم المحتاج إليه في قضيتهم رجما للزنا (١) أم حدا آخر للقتل والسرقة (٢)

__________________

ـ كأخذ الرشا للحكم بغير ما أنزل الله وكما في نور الثقلين ١ : ٦٣٣ عن الكافي عن عمار بن مروان قال سألت أبا جعفر عليهما السلام عن الغلول فقال : ... فأما الرشا في الحكم فإن ذلك الكفر بالله العظيم وبرسوله (ص) ، ورواه مثله سماعة أبي عبد الله (ع).

(١) وكما في الأصحاح الثاني والعشرين من سفر التثنية من التوراة ٢٢ ، إذا وجد رجل مضطجعا مع امرأت زوجة بعل يقتل الاثنان : الرجل المضطجع مع المرأة والمرأة فتنزع الشر من إسرائيل ٢٣ إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة واضطجع معها ٢٤ فأخرجوهما كليهما إلى باب المدينة وارجموهما بالحجارة حتى يموتا : «الفتاة من أجل أنها لم تصرخ في المدينة ، والرجل من أجل أنه أذل امرأت صاحبه فتنزع الشر من وسطك».

(٢) الدر المنثور ٣ : ٢٨٥ ـ أخرج ابن مردويه عن براء بن عازب قال مر على رسول الله (ص) يهودي محمم قد جلد فسألهم ما شأن هذا؟ قالوا : زنى فسأل رسول الله (ص) اليهود ما تجدون حد الزاني في كتابكم قالوا نجد حده التحميم والجلد فسألهم أيكم أعلم فوركوا ذلك إلى رجل منهم قالوا فلأن فأرسل إليه فسأله قال نجد التحميم والجلد فناشده رسول الله (ص) ما تجدون حد الزاني في كتابكم قال نجد الرجم ولكنه كثر في عظمائنا فامتنعوا منهم بقومهم ووقع الرجم على ضعفائنا فقلنا نضع شيئا يصلح بينهم حتى يستووا فيه فجعلنا التحميم والجلد فقال النبي (ص) اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم قال ووقع اليهود بذلك الرجل الذي أخبر النبي (ص) وشتموه وقالوا كلنا نعلم أنك تقول هذا ما قلنا إنك أعلمنا قال ثم جعلوا بعد ذلك يسألون النبي (ص) ما تجد فيما أنزل ـ

٣٦٢

(ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ) الحكم في التوراة وما حكمت وفقها قضية التوافق ، وأنهم كيهود يحكم لهم بالتوراة (وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ) بشرعتهم فضلا عن شرعة الإسلام ، فإنما هم يؤمنون بأهوائهم الهاوية وأهدافهم الغاوية.

(إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ وَكانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآياتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) (٤٤).

(التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَنُورٌ) كما أنزلناها ، وأما الضلالة والظلمة المتسربة إليها المترسبة فيها بأيدي المحرفين فليست داخلة في نطاق (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ) ف (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) لحكم الله ليس مجاله إلا التوراة النازلة من عند الله لا كل ما يسمى توراة.

وترى ما هو دور (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) وصفا ل «النبيين» والإسلام لله كأصل هو من أبرز شروطات الرسالة فضلا عن النبوة التي هي أعلى منها؟ فهل يعني الإسلام الذي استدعاه إبراهيم لنفسه ولإسماعيل وذريته منه؟ وهؤلاء النبيون الحاكمون بالتوراة كلهم إسرائيليون! ثم وليس إسلامهم بذلك المحتد العظيم الإبراهيمي المحمدي! (الَّذِينَ أَسْلَمُوا) هنا من دوره إخراج المدعين النبوة في الإسرائيليين المعبر عنهم في التوراة والإنجيل بالأنبياء الكذبة ، فإنهم غير مسلمين لأية درجة منه فليس لهم ـ إذا ـ أن يحكموا بالتوراة.

ودور آخر أنهم اسلموا وحي التوراة خالصة غير كالسة للدين هادوا ،

__________________

ـ إليك حد الزاني فأنزل الله (وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللهِ) يعني حدود الله فأخبره الله بحكمه في التوراة قال : (وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها) ـ إلى قوله ـ : (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ).

٣٦٣

والمعنيان ـ علّهما ـ معنيان لملائمة اللفظ والمعنى ، فهم من الأنبياء الصادقين الذين أسلموا ، وكما أسلموا التورات للذين هادوا.

وقد يؤيد الآخر حذف المفعول ل «أسلموا» وأن (لِلَّذِينَ هادُوا) دون «في ـ أو ـ على ـ» مما يوسع نطاق الاحتمال في حقل «أسلموا».

ثم (لِلَّذِينَ هادُوا) في وجه طليق يشمل كافة المكلفين بالشرعة التوراتية ، فإنهم بين الذين هادوا إلى الحق والذين هادوا عن الحق هودا أم سواهم ، وكما هو في وجه خاص ببيت إسرائيل يشمل إلى عامتهم ـ مؤمنين وفاسقين ـ خاصتهم من الأحبار والربانيين.

وترى ما هو الفارق هنا بين (هُدىً وَنُورٌ)؟ قد تعني «هدى» مواد الهدى المسرودة في التوراة لأصول شرعتها وفروعها كما تناسب الردح الزمني الحاكم فيه التوراة.

وأما «نور» فهي الهدى التي تحصل للمهتدين على ضوء هذه الهدى ، فهي ـ إذا ـ عامة ، والنور هي واقعها للمهتدين بالتوراة ، فالفارق بينهما ـ عموما مطلقا ـ كما الفارق بين (هُدىً لِلنَّاسِ) و (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ).

ذلك ، كما وهي التي تنير الدرب لشرعة مستقبلة بنبيّ يقبل ، فهي ـ إذا ـ البشارات المودوعة في التوراة بحق الرسالة القدسية القرآنية ، فالحكم ب «هدى» هو المخصوص بحقل الشرعة التوراتية لزمنها الخاص ، والحكم ب «نور» يبين تلكم البشارات للناس ليكونوا على خبرة بتلك الشرعة الآتية.

ثم ومن «نور» ما ينير الدرب في التورات على أصيله من دخيله ، وما يوضح الغامض منه حيث يفسر بعضه بعضا وينطق بعضه على بعض كما هي طبيعة الوحي أيا كان.

ومنها «نور» مستفادة من التدبر في آياتها والعمل بها حيث تزداد

٣٦٤

أصحابها هدى على هدى ، إذا فالنور هي المشرفة على الهدى المشرّفة صاحبها إليها.

ومنها «نور» العقل الناضج على ضوء الوحي ، ومن غريب الوفق العددي ذكرا في الذكر الحكيم توافق النور والعقل ، فإن كلا يأتي (٤٩) مرة ، مما يبرهن أنهما صنوان اثنان وفرقدان لا يتفارقان.

ثم و (يَحْكُمُ .. لِلَّذِينَ هادُوا) كرأس الزاوية في الشرعة التوراتية سواء الذين هادوا رجوعا إلى الله أم رجوعا عن الله ، ثم سائر المكلفين من القبيلين كما و «يحكم بها» الربانيون والأحبار ، وهم علماء التوراة حيث يحكمون (بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللهِ) دون المحرف فيه.

«يحكم ..» ويحكمون «و» الحال أنهم (كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ) شهادة على المستحفظ لهم من كتاب الله ، حيث يميزون بين أصيله ودخليه فالنبيون يشهدون بالوحي ، وغيرهم بوحيه بما أنسوا من وحي الكتاب ، حيث يعرفونه ، أو المشكوك منه حيث لا يشهدونه ، فإن أصيل الوحي نور تنير الدرب على معرفة دخيله.

إذا فالتوراة في مثنى الحكم بها من النبيين ـ والأحبار والربانيين ، ليست إلّا ما أنزله الله ، ومهما كانت العصمة الرسالية في أنبياء التوراة هي المستحفظة لهم عن خليطها ، كذلك سائر الاستحفاظ لمتحري الحق ، المؤيّد من عند الله ، العارف بوحي الله ، المستأنس بكلام الله ، ذلك الاستحفاظ هو الذي يصون أهليه عن أي اهتزاز وجاه التوراة المحرفة.

ذلك ، وللاستحفاظ هنا أبعاد ثلاثة كلها معنية ب (بِمَا اسْتُحْفِظُوا) ١ حفظا علميا فلا ينسونه ، ٢ وعقيديا فلا ينكرونه ، ٣ وعمليا فلا يتناسونه ، وذلك المثلث من الاستحفاظ هو المبرّر الفارض ل «يحكم بها».

فالحاكم بكتاب الله من غير المعصومين يعصم عن الأخطاء القاصرة

٣٦٥

والمقصرة شيئا كثيرا إذا كان مستحفظا بعدله وعلمه البارع على ضوء الكتاب ، فهو ـ إذا ـ محفوظ بما استحفظ من عنده ومن عند الله توفيقا له رفيقا يحفظه عن الزلات والضلالات.

إذا (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) النسناس المحرفين له المحترفين به والتابعين لهم ، فلن يضروا أهل الله شيئا كما (لَنْ يَضُرُّوا اللهَ شَيْئاً) بل «واخشون» في التعامل بآيات الله شراء واشتراء (ثَمَناً قَلِيلاً) وكل ثمن الدنيا في ذلك الحقل قليل ضئيل والله من ورائكم وكيل.

ذلك ولكن الخونة من علماء هم لم يكونوا ليحكموا بما أنزل الله نقضا لميثاق الله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَراءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً) (٣ : ١٨٧) ـ (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هذَا الْأَدْنى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثاقُ الْكِتابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا ما فِيهِ وَالدَّارُ الْآخِرَةُ خَيْرٌ لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلا تَعْقِلُونَ. وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ) (٧ : ١٧٠).

هنا (فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ) خطاب لكل من يخشى الناس في حقل التحريف والتجديف وترك الحكم بما أنزل الله ، أو والحكم بغير ما أنزل الله ، فلا يخشى المحرّف بغية ثمن قليل يأخذه من فقر أو إجحاف من قبل المترفين المصلحيّين ، الذين يحملونهم رغبة ورهبة على التحريف أيا كان.

ولا يخش الحاكم بما أنزل الله هؤلاء المحرفين المحترفين وهؤلاء المترفين.

ولا يخش الناظر إلى التوراة بنظرة سليمة أن يضل أو يزل بما فيها من تحريف ، فإن الله هو ناصره وهاديه (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ

٣٦٦

إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) (٢ : ٢١٣).

ولا يخش المحكوم عليه بخلاف حكم الله عن أن يفضح الحاكم كما يستطيع ، لا يخش الحاكم ولا من سواه ، فلا خشية ـ إذا ـ في إيجابية الحكم بما أنزل الله إلّا من الله ، ولا في سلبيته أمام الحاكمين بغير ما أنزل الله إلا الله (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ) فكونوا موحدين لله لا تخشون إلّا إيّاه.

فلقد علم الله أن الحكم بما أنزل الله ستواجهه هذه العرقلات في كل زمان ومن كل أمة ، إذ لا تتقبله نفوس متنافسة على عرض هذا الأدنى ، فتعارضه الكبراء والطغاة حيث ينتزع منهم رداء الربوبية المزعومة لهم ، ورداء الحكم المدعى منهم ، فيرده إلى الله رب العالمين ، كما ستواجهه معارضة أصحاب المصالح المستغلين بكل ظلم وزور ، ومعارضة الطامعين في أموال أصحابها وسلطات ذوي السلطان ، ثالوث من المعارضات لحكم الله.

ذلك (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) أيا كانوا وأيان ، حيث الشرطية تخرج حكم الكفر عن كل ملابسة خاصة فتنطلق حكما عاما صارما يحلّق على كل من يحملها دون إبقاء.

وهذه السلبية أمام ما أنزل الله تختص بالذين يحكمون حيث هم في ظروف الحكم ، فالعارف بحكم الله ، المسؤول عنه وهو في موقف التساءل ، إذا اتخذ الجانب السلبي دون أي عذر (فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) فكيف ـ إذا ـ حال من حكم في موقفه هذا بغير ما أنزل الله؟ فأولئك هم أشد كفرا.

فكما الساكت عن الحق في مجال النطق به شيطان أخرس ، كذلك الناطق بالباطل هو أشطن من الساكت عن الحق ، فإذا كان الحق هو حكم الله كان الناطق بغير ما أنزل الله أكفر ممن (لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ).

وفي رجعة أخرى إلى الآية نقول : الحاكم الأوّل بما أنزل الله هم «النبيون» أيا كان ما (أَنْزَلَ اللهُ) فحق لأفضل النبيين محمد (ص) أن

٣٦٧

يحكم بين أهل التوراة بتوراتهم وكما حكم مهما وافق حكم القرآن وكما «ذكر لنا أن نبي الله (ص) قال : لما نزلت هذه الآية : نحن نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان» (١).

فليس «النبيون» هنا تختص بأنبياء التوراة ، بل ونبينا ـ وبأحرى ـ في ذلك الحكم ، فإنه «النبيون» أجمع ، وهو أوّل المسلمين أجمع ، فقد يحكم (لِلَّذِينَ هادُوا) بتوراتهم كما يحكم لأهل الإنجيل بإنجيلهم ، الخارج في حكمه بهما عن تدجيلهم ، ويحكم لأهل القرآن بالقرآن : (فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخافُ وَعِيدِ).

ذلك ، وعلى الحاكم بين عباد الله أن يحكم بما أنزل الله ، على ضوء (هُدىً وَنُورٌ) أنزلهما الله في كتابه ، بما استحفظ من كتاب الله ، دون ما ضيّع عنه أم ضيّعه ، ولا ما نسيه أو تناساه.

فالعائش في الحوزة الاستحفاظية القرآنية ، المتخرج منها علميا وعقيديا وتطبيقيا ، هو الذي يجوز له ويفرض عليه أن يحكم بكتاب الله بين عباد الله ، حكم الإفتاء في عامة الأقضية وخاصتها ، في مجلس الإفتاء والقضاء ، وشروط القضاء الصالح هي من أكثر الشروط وأوفرها بين كافة المناصب الروحية.

وهنا (النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) حيث هم موصوفون بالإسلام ، بيان شريطة الإسلام لله في الحكم بما أنزل الله مهما كان درجات كما النبيون درجات وسائر الحكام في إسلامهم درجات.

فالمدعي للنبوة وهو غير مسلم لما أنزل الله يرد حكمه إليه ، ومن دون

__________________

(١) الدر المنثور ٣ : ٢٨٦ عن قتادة وذكر لنا ... وفيه عن الحسن في الآية : النبي (ص) ومن قبله من الأنبياء ويحكمون بما فيها من الحق.

٣٦٨

الرسل من الحكام المسلمين لما أنزل الله يقبل أحكامهم شرط التخرج عن المدرسة الاستحفاظية ناجحين.

ذلك ، ف (مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) يحلّق على كافة التاركين للحكم بما أنزل الله ، وهم في موقف الحكم ومصبه ، وأكفر منهم من هم يحكمون بغير ما أنزل الله جهلا أو تجاهلا (١) فلا يختص ذلك الكفر بغير المسلمين ، بل المسلم الحاكم بغير ما أنزل الله أكفر (٢).

و «من» الشرطية تحلق على كل حامل لذلك الشرط دونما استثناء فلا تقبل الإختصاص.

ثم وحسب ذلك النص المثلث ليس الحكم بما أنزل الله إلا للنبيين والربانيين والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء.

ومن غريب الوفق بين عديد الكافرين والنار بمختلف صيغها تكرر كلّ (٩٣) مرة في القرآن مما يجعل تساويا بينهما ألا مدخل لهم إلا النار وأنها ليست إلّا لهم مثوى.

ثم هنا (النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا) لهم مكانهم ومكانتهم من الحكم

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٦٣٥ في تفسير العياشي عن أبي بصير عن أبي عبد الله (ع) قال : من حكم في درهمين بغير ما أنزل الله فقد كفر ومن حكم في درهمين فأخطأ فقد كفر.

(٢) المصدر ٦٣٨ عن المجمع روى البراء بن عازب عن النبي (ص) أن قوله (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ) وبعده (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) وبعده (فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) كل ذلك في الكفار خاصة أورده مسلم في الصحيح ، أقول : ويعارضه إطلاق الآية وما في تفسير العياشي عن أحدهما عليهما السلام قال قد فرض الله في الخمس نصيبا لآل محمد عليهم السلام فأبى أبو بكر أن يعطيهم نصيبهم حسدا وعداوة وقد قال الله : (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) وكان أبو بكر أول من منع آل محمد (ص) حقهم وظلمهم وحمل الناس على رقابهم ولما قبض أبو بكر استخلف عمر على غير شورى من المسلمين ولا رضى من آل محمد عليهم السلام فعاش عمر بذلك لم يعط آل محمد عليهم السلام وصنع ما صنع أبو بكر.

٣٦٩

العاصم المعصوم ، فمن هم «الربانيون» ومن هم «الأحبار»؟ «الربانيون» أيا كانوا هم أقرب إلى النبيين من الأحبار لقربهم إليهم أدبيا ومعنويا ، فهم أولاء المتربون بالتربية الربانية البالغة بعدهم ، المربّون علميا وعقيديا وعمليا لسائر المكلفين ، وعلّهم المعنيّون بالربيين : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَما ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكانُوا وَاللهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) (٣ : ١٤٦) فهم أولاء المقاتلون في سبيل الله مع النبيين يتعلمون منهم الدين ويعلمون : (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِما كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتابَ وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ) (٣ : ٧٩).

ذلك ، مهما يتواجد منهم من هم يتركون بعض الواجب عليهم : (لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ) (٥ : ٦٣).

فالأحبار لمكان ذكرهم بعد الربانيين ، وأن الحبر لغويا هو الأثر الحسن ، هم الدرجة الثانية من علماء الدين حيث يحملون حسن الأثر من الربانيين الذين هم آثار من النبيين ، فالربانيون هم الوسطاء بين النبيين والأحبار :

أجل وإن مما استحقت به الإمامة التطهير والطهارة من الذنوب والمعاصي الموبقة التي توجب النار ثم العلم المنور ـ المكنون ـ بجميع ما يحتاج إليه الأمة من حلالها وحرامها والعلم بكتابها خاصة وعامة ، والمحكم والمتشابه ، ودقائق علمه وغرائب تأويله وناسخه ومنسوخه ـ والحجة ـ قول الله فيمن أذن الله لهم في الحكومة وجعلهم أهلها (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ ...) فهذه الأئمة دون الأنبياء الذين يربّون الناس بعلمهم ، وأما الأحبار فهم العلماء دون الربانيين ثم أخبر فقال : «بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء ، ولم يقل : بما حملوا منه»(١).

__________________

(١) في تفسير العياشي في الآية عن أبي عمر والزبيري عن أبي عبد الله (ع) إن مما استحقت ...

٣٧٠

ذلك ، والحوزة الاستحفاظية القرآنية تضم في خضمّها السنة الرسولية والرسالية ما ثبتت عن الرسول (ص) والأئمة من آل الرسول عليهم السلام ، الراوين عنه (ص) ما رواه عن الله بوحي الكتاب أو السنة. وإليكم نصوصا من كلمات الإمام علي عليه السلام حول حجة الكتاب والسنة :

«وما كلفك الشيطان علمه مما ليس في الكتاب فرضه ، ولا في سنة النبي (ص) وأئمة الهدى أثره ، فكل علمه إلى الله سبحانه فإنه منتهى حق الله عليك» (١) ف «اقتدوا بهدي نبيكم فإنه أفضل الهدي ، واستنوا بسنته فإنها أهدى السنن» (٢) «ولما دعانا القوم إلى أن نحكّم بيننا القرآن لم نكن الفريق المتولي عن كتاب الله سبحانه وتعالى وقد قال الله سبحانه : (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) فردّه إلى الله أن نحكم بكتابه ، وردّه إلى الرسول أن نأخذ بسنته ، فإذا حكم بالصدق في كتاب الله فنحن أحق الناس به ، وإن حكم بسنة رسول الله (ص) فنحن أحق الناس وأولاهم بها» (٣).

ويقول عن الإمام المهدي (ع): «فيريكم كيف عدل السيرة ويحيي ميت الكتاب والسنة» (٤).

ذلك ، ومما يخص القرآن : «وكفى بالكتاب حجيجا وخصيما» (٥). وقد قال الله أيها الناس ـ فيما استحفظكم من كتابه واستودعكم من حقوقه ـ : (وَنَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ) وعمّر فيكم نبيّه أزمانا ،

__________________

(١) الخطبة : ٨٩ / ١ / ١٦٢.

(٢) الخطبة : ١٠٨ / ٢١٣.

(٣) الخطبة : ١٢٣ / ٢٣٥.

(٤) الخطبة : ١٣٦ / ٢٥٠.

(٥) الخطبة : ٨١ / ٢ / ١٤٥.

٣٧١

حتى أكمل له ولكم فيما أنزل من كتابه دينه الذي رضي لنفسه ، وأنهى إليكم على لسانه محابّه من الأعمال ومكارهه ، ونواهيه وأوامره ، وألقى إليكم المعذرة ، واتخذ عليكم الحجة ، وقدم إليكم بالوعيد وأنذركم بين يدي عذاب شديد (١) ..

«فإنما حكم الحكمان ليحييا ما أحيا القرآن ، ويميتا ما أمات القرآن ، وإحياءه الاجتماع عليه ، وإماتته الإفتراق عنه ، فإن جرنا القرآن إليهم اتبعناهم ، وإن جرهم إلينا اتبعونا» (٢).

«وكتاب الله تبصرون به ، وتنطقون به ، وتسمعون به ، وينطق بعضه ببعض ، ويشهد بعضه على بعض ، ولا يختلف في الله ، ولا يخالف بصاحبه عن الله» (٣).

«وليس عند أهل ذلك الزمان سلعة أبور من الكتاب إذا تلي حق تلاوته ، ولا أنفق منه إذا حرف عن مواضعه ... فقد نبذ الكتاب حملته ، وتناساه حفظته ، فالكتاب يومئذ وأهله طريدان منفيان ، وصاحبان مصطحبان في طريق واحد ، لا يؤويهما مؤو ، فالكتاب وأهله في ذلك الزمان في الناس وليسا فيهم ، ومعهم وليسا معهم ، لأن الضلالة لا توافق الهدي وإن اجتمعا ، فاجتمع القوم على الفرقة ، وافترقوا عن الجماعة كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم ، فلم يبق عندهم منه إلا اسمه ، ولا يعرفون إلا خطه وزبره» (٤).

ذلك ومن عجيب الوفق بين عديد الرسل بمختلف صيغ الرسالة والنذارة

__________________

(١) الخطبة : ٨٤ / ١٥١.

(٢) الخطبة : ١٢٥ / ٢٣٧.

(٣) الخطبة : ١٣١ / ٢٤٥.

(٤) الخطبة : ١٤٥ / ٢٥٨.

٣٧٢

والنبوة ، أنها مع عديد ذكر جماعة منهم بأسمائهم (٥١٨) مرة حين نحاسب إل ياسين من المرسلين كما هم آل ياسين.

(وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (٤٥).

هنا (فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ ..) تفريعا على (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ...) تصديق وتثبيت لهذه الأحكام التوراتية في الشرعة القرآنية ، (١) إضافة إلى ضابطة الاستمرار لأحكام الله ما لم تنسخ بالقرآن ولا نسخ لهذه الأحكام فيه بل وهنا وفيما أشبه تصديق لها.

أجل هناك بعض النسخ في آية البقرة لطليق (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) هو : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ) (١٧٨).

فهي تنسخ آيتنا في كيف القصاص ـ دون كمه ـ في غير المماثل من (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ولا تنسخها في أصل (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) فهي محكمة (٢)

__________________

(١) في التوراة الحاضرة الإصحاح الحادي والعشرين من سفر الخروج ١٢ : «من ضرب إنسانا فمات يقتل قتلا ١٣ ولكن الذي لم يتعمد بل أوقع الله في يده فأنا أجعل لك مكانا يهرب إليه ٢٣ ... وإن حصلت أذية تعطي نفسا بنفس ٢٤ وعينا بعين وسنا بسن ويدا بيد ورجلا برجل ٢٥ وكيا بكي وجرحا بجرح ورضا برض».

وفي الإصحاح الرابع والعشرين من سفر الأويين ١٧ «وإذا أمات أحد إنسانا فإنه يقتل ١٨ ومن أمات بهيمة فإنه يعوض عنها نفسا بنفس ١٩ وإذا أحدث إنسان في قرينه عيبا فكما فعل كذلك يفعل به ٢٠ كسر بكسر وعين بعين وسن بسن كما أحدث عيبا في الإنسان كذلك يحدث فيه».

(٢) نور الثقلين ١ : ٦٣٦ في تهذيب الأحكام عن أحدهما عليهما السلام في الآية قال : هي محكمة.

٣٧٣

من هذه الجهة ، ثابتة من حيث عديد القاتل والمقتول ، والقول إن المائدة ناسخة غير منسوخة فكيف تنسخ آية (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ب (الْحُرُّ بِالْحُرِّ) مردود بأن آية المائدة تنقل حكمها عن شرعة التوراة وآية البقرة إنما نسخت الآية التوراتية المنقولة في المائدة فلم تكن المائدة هي المنسوخة ، إنما هي الآية التوراتية حيث نسخت في كمّ القصاص بآية البقرة ، والتفصيل راجع إلى البقرة (١).

ذلك ، ولأن (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) لم تنسخ إلّا في غير المماثل عدّة ـ إذا ـ ، فليست العدة لتنسخ ، فالقتيل الواحد لا يقتل به عدة قاتلة لمكان (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) وهنا «النفوس بالنفس»! فهو تعد عن طور العدّة ، وهو ظلم كما في آية الأسرى : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) (١٧ : ٣٣) وقتل العديد بواحد إسراف في القتل ، والقتل دون قتل أو فساد تبذير في القتل ، والقتل المساوي المماثل عدل في القتل.

فالروايات المتعارضة بشأن جواز قتل العديد بواحد وعدمه معروضة على الآيتين المانعتين عن الجواز (٢) مهما أدعي إجماع الطائفة على المخالفة للقرآن!.

__________________

(١) فما في الدر المنثور ٣ : ٢٨٨ عن النبي (ص) قال : من قتل عبده قتلناه ومن جدعه جدعناه فراجعوه فقال : «قضى الله أن النفس بالنفس» مردود بآية البقرة.

(٢) الموافقة للآيتين معتبرة أبي عمر عن أبي عبد الله (ع) قال : إذا اجتمع العدة على قتل رجل واحد حكم الوالي أن يقتل أيهم شاءوا وليس لهم أن يقتلوا أكثر من واحد إن الله عز وجل يقول (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً) (الكافي ٧ : ٢٨٤ والتهذيب باب الإثنين إذا قتلا واحدا رقم ٥ والإستبصار ٤ : ٢٨٢ ومثلها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في عشرة اشتركوا في قتل رجل؟ قال : يتخير أهل المقتول فأيهم شاؤوا قتلوه ويرجع اولياء على الباقين بتسعة أعشار الدية(الفقيه في حكم الرجل يقتل الرجلين رقم ٣). وتعارضهما معارضة للآيتين صحيحة عبد الله بن مسكان عن أبي عبد الله (ع) في رجلين قتلا ـ

٣٧٤

ذلك ، وقد لا يجوز قتل واحد من القتلة أيضا فضلا عن الجميع ، حيث الواحد ليس قاتلا بصورة مستقلة ، اللهم إلّا أن تؤثر ضربته قتله والآخرون سبقوه بضربات غير قاتلة ، فالقاتل منهم يقتل والباقون يؤدبون ويدفعون دية الجروح والكسور إن كانت ، وبذلك تحمل الروايات الآمرة بقتل واحد منهم ، ولكن «أيهم شاءوا قتلوه» ليس ليقبل ذلك التأويل! أو يؤول إلى ضربات كلّ واحدة منها قاتلة ، كأن يرمي إليه جماعة فيضربونه ضربة واحدة ، ولكنه على أية حال لا يلائم النفس بالنفس ، ولأن كل رمية هنا ليست قاتلة بالفعل ، وإنما هو القتل تقديريا ، ولا حد في تقدير القتل ، ولا يعقل توارد أسباب مستقلة على مسبب واحد في سببية واحدة ، اللهم إلّا باشتراكها كسببية جزئية لكل واحد منها بسبب المشاركة ، فالسببية الفعلية لكل واحد غير تامة ، والسببية الشأنية غير تامة ، إذا فليس كل واحد منهم قاتل نفس واحدة فكما لا قود في الكل ، كذلك البعض على سواء ، إنما الثابت هنا هو الدية المقتسمة بين المتشاركين في أصل القتل إضافة إلى تأديب كما يراه الحاكم.

ذلك ، ولأن القتل المهندس بشركة على سوية بالنسبة للمقتول غير واقع أم قليل ، ثم وفي فرض التسوية ليس كلّ قاتل نفس بتمامها ، ثم تأثير ضربة واحد منهم كجزء أخير يسبب القتل لا يحكم إلّا بالقود منه ، إذا فلا مجال

__________________

ـ رجلا؟ قال : إن أراد اولياء المقتول قتلهما أدوا دية كاملة وقتلوهما وتكون الدية بين أولياء المقتولين وإن أرادوا قتل أحدهما فقتلوه وأدى المتروك نصف الدية إلى أهل المقتول وإن لم يؤدوا دية أحدهما ولم يقتل أحدهما قبل دية صاحبه من كليهما وإن قبل أولياءه الدية كانت عليهما(التهذيب باب الإثنين إذا قتلا واحدا رقم ٢ والكافي ٧ : ٢٨٣ رقم ٢).

ورواية ابن يسار قلت لأبي جعفر عليهما السلام في عشرة قتلوا رجلا فقال : إن شاء أولياءه قتلوهم جميعا وغرموا تسع ديات وإن شاءوا تخيروا رجلا فقتلوه وأدى التسعة الباقون إلى أهل المقتول الأخير عشر الدية كل رجل منهم قال : «ثم إن الوالي بعد يلي أدبهم وحبسهم» (الكافي ٧ : ٢٨٣ رقم ٢).

٣٧٥

لقتل واحد منهم كما يختاره وليّ الدم ، فضلا عن قتل الجميع بنفس الإختيار!.

وحسب النصوص الثلاثة القرآنية لا قود إلا (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) و (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) و (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) والقود من عديد لواحد تخالف هذه النصوص ، فنحن ـ إذا ـ نكذب الإجماع المدعى على جواز قتل الجميع تصديقا لكتاب الله ، فإن تصديقه تكذيب لكتاب الله!.

ذلك ، ف (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) ضابطة عامة لا يستثنى منها إلّا (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ...) ليس إلّا ، وهكذا (الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ) فالمشتركان في إصابة عين أو أنف أو أذن أو سن ، لا يقتصّ منهما ولا من أحدهما.

ثم (وَالْجُرُوحَ قِصاصٌ) على نفس النمط ، قصاصا كما جرح ضابطة عامة تشمل المذكورات وسواها ، ولأن قطع العضو ليس ـ فقط ـ جرحا فقد نص عليه ، وقد يعرف ـ بأحرى ـ حكم قطع اليد والرجل أن كلا بمثله ، وذلك كله في القصاص المتعادل نفسا وأجزاء ، ثم الدية لمن رضي بها كما في آية البقرة : (فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ ذلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ ...) (١) ومن ثم طليق العفو تصدقا كما هنا «فمن

__________________

(١) وكما في صحيحة إسحاق بن عمار عن أبي عبد الله (ع) قال : «قضى أمير المؤمنين (ع) فيما كان من جراحات الجسد أن فيه القصاص أو يقبل المجروح فيعطاها» (التهذيب باب القصاص رقم ٤٢).

وفي الدر المنثور ٣ : ٢٨٨ ـ أخرج ابن مردويه عن رجل من الأنصار عن النبي (ص) في قوله : «فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ» قال الرجل تكسر سنّه أو تقطع يده أو يقطع الشيء أو يجرح في بدنه فيعفو عن ذلك فيحط عنه قدر خطاياه فإن كان ربع الدية فربع خطاياه وإن كان الثلث فثلث خطاياه وإن كانت الدية حطت عنه خطاياه كذلك وفيه أخرج أحمد والترمذي وابن ماجه وابن جرير عن أبي الدرداء قال كسر رجل من قريش سن رجل من الأنصار فاستعدى عليه فقال معاوية ـ

٣٧٦

تصدق به فهو كفارة له» عما عليه من ذنب حيث الإنسان أيّا كان لا يخلو من ذنب أو عصيان (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) عما كان ، ثم المعصومون ومن يحذو محذاهم ، هم أحرى بذلك العفو ، ثم (فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ) فيهم كفارة لترفيع شؤونهم.

ذلك ، وخير تفسير ل (الْجُرُوحَ قِصاصٌ) تحمله (فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ) وإذ لا مماثلة بين الذكر والأنثى في القيمة الجسمية ، إذا ف : (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ ...) تقتضي قتل المرأة بالرجل دون العكس إلا بأداء نصف دية الرجل إلى أولياءه ، وكذلك الأعضاء.

ذلك ، وهنا روايات تدل على رد التفاوت فيما زاد على الثلث لا فيما دونه (١) وقد تصلح تقييدا لآية الاعتداء ، كما المماثلة فيما قبل ولوج الروح بين الجنينين.

وقد يقتضي الاعتداء بالمثل المماثلة في الحالة الصحية وسواها ، فإن قيمة

__________________

ـ إنا سنرضيه فالح الأنصاري فقال معاوية شأنك بصاحبك وأبو الدرداء جالس فقال أبو درداء سمعت رسول الله (ص) يقول : ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيصدق به إلا رفعه الله به درجة وحط عنه به خطيئة فقال الأنصاري فإني قد عفوت.

(١) منها صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (ع) في حديث قال : «جنايات الرجال والنساء سواء سن المرأة بسن الرجل وموضحة المرأة بموضحة الرجل وأصبع المرأة بأصبع الرجل حتى تبلغ الجراحات ثلث الدية فإذا بلغت ثلث الدية ضعفت دية الرجل على دية المرأة» (الكافي ٧ : ٢٩٨ رقم ٢) ومثلها صحيحة الحلبي الثانية (كما في التهذيب باب القود بين الرجال والنساء رقم ٢١) ومعتبرة ابن أبي يعفور كما في المصدر نفسه.

وفي الدر المنثور ٣ : ٢٨٨ عن أنس أن الربيع كسرت ثنيته جارية فأتوا رسول الله (ص) فقال أخوها أنس بن النضر يا رسول الله (ص) تكسر ثنيته فلانة فقال رسول الله (ص) «يا أنس كتاب الله القصاص».

٣٧٧

العين السليمة أكثر من قيمة العين العليلة (١).

وقد يقتضي الاعتداء بالمثل في قصاص الجروح ما لم يؤد إلى الهلاك أم حالة أسوء من حالة المقتص له لمرض أم ضعف في البنية أمّا هي (٢) حيث القصاص المماثل هو الملاحقة المماثلة إن أمكنت كما وكيفا وخليفة وإلّا فالدية أم العفو.

إذا فلا قصاص إلّا بالمثل في كافة الجهات حتى في الحرارة والبرودة ، وقوة الضرب وفاعليته وأثره ، فإن تخلفت إحدى هذه المماثلات فلا قصاص.

وهل إن أصل القصاص هو قضية الشين (٣) فيجوز للمقتص له قطع شحمة أذن المقتص منه إن التحمت أو لحمها كما في رواية؟ كلّا فإنه خلاف المماثلة في الاعتداء ، وليس تلحيم العضو المقطوع للمقتصّ منه عداء ثانيا حتى يقتضي اعتداء بالمثل ثانيا! ، بل الواجب هو التلحيم إن أمكن ، فكيف يحق قطع ما يجب وصله ، وليس الوصل عداء ثانيا ، اللهم إلّا إذا كان القطع الأول بحيث لا يقبل التلحيم ، ثم اقتص بحيث يقبل

__________________

(١) هي معتبرة إسحاق بن عمار عن جعفر عن أبيه عليهما السلام أن رجلا قطع من بعض اذن رجل شيئا فرفع ذلك إلى علي (ع) فأقاده فأخذ الآخر ما قطع من اذنه فرده إلى اذنه بدن فالتحمت وبرئت فعاد الآخر إلى علي (ع) فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانية وأمر بها فدفنت وقال (ع) «إنما يكون القصاص من أجل الشين» (التهذيب باب القصاص رقم ١٩).

(٢) كما في رواية سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (ع) في رجل قطع رجل شلّاء؟ قال : «عليه ثلث الدية» (المصدر رقم ٩ والكافي ٧ : ٣١٨ رقم ٤) ورواية محمد بن عبد الرحمن العزرمي عن أبيه عن جعفر عن أبيه عليهما السلام «أنه جعل في سن السوداء ثلث ديتها وفي العين القائمة إذا طمست ثلث ديتها وفي شحمة الأذن ثلث ديتها وفي الرجل العرجاء ثلث ديتها وفي خشاش الأنف في كل واحد ثلث الدية» (التهذيب باب القصاص ح ١٩).

(٣) وتؤيده مقطوعة أبان «الجائفة ما وقعت في الجوف ليس لصاحبها قصاص إلا الحكومة والمنقلة تنقل منها العظام وليس فيها القصاص إلا الحكومة» (الفقيه باب دية الجراحات والشجاج رقم ٥).

٣٧٨

التلحيم ، فقد يقال بجواز القطع ثانية إن التحم جزاء وفاقا ، ولكنه تعدّ عن الاعتداء بالمثل في الكم فلا يجوز إلّا ردّ الزائد.

فقضية الاعتداء بالمثل ـ كضابطة ـ ألا يتجاوز المثل ، نعم الاعتداء بالأقل من المثل مسموح لا سيما إذا لم يجد مثله كما في حسنة ابن قيس قلت لأبي جعفر عليهما السلام : أعور فقأ عين صحيح؟ فقال : تقفأ عينه قلت يبقى أعمى؟ قال : «ألحق أعماه» (١).

ذلك ولا يضر عماه الطليقة بضابطة المماثلة حيث العور لم يكن من خلفيات القصاص وإنما حصل العمى المطلقة بأمرين إثنين ثانيهما من خلفية القصاص وليس الأوّل! ، إذا فالحق يقال : إن الحق أعماه.

وهل يجوز الاعتداء بالأكثر حين لا يمكن التقليل كأن يقطع يدا مقطوعة الأصابع ، فهل يقتص منه بقطع يده بأصابعه؟ قضية الاعتداء بالمثل المنع ، وحمل واجب المماثلة على الإمكانية خال عن الدليل ، والرواية القائلة بسماح القطع لا توافق آية المماثلة (٢) فقد ينتقل هنا وفي أمثاله إلى الدية.

وإذا برء الجرح فهل يبقى حق القصاص كما فيما لم يبرأ؟ الظاهر نعم لصدق الاعتداء بالمثل شرط أن يقتص بجرح يبرأ كما برء الأصل المقتص له ،

__________________

(١) الكافي ٧ : ٣١٩ تحت رقم ٣ و ٣٢٢ رقم ٩ والتهذيب باب القصاص رقم ٤ و ٥.

(٢) هي رواية الحسن بن العباس بن الحريش عن أبي جعفر الثاني (ع) قال أبو جعفر الأول لعبد الله بن عباس أنشدك الله هل في حكم الله تعالى اختلاف؟ فقال : لا قال فما ترى في رجل ضرب رجلا أصابعه بالسيف حتى سقطت فذهبت وأتى رجل آخر فأطار كف يده فأتى به إليك وأنت قاض كيف أنت صانع؟ قال : أقول لهذا القاطع أعطه دية الكف وأقول لهذا المقطوع صالحه على ما شئت أو ابعث إليهما ذوي عدل فقال له : قد جاء الاختلاف في حكم الله ونقضت القول الأول أبى الله أن يحدث في خلقه شيئا من الحدود وليس تفسيره في الأرض اقطع يد قاطع الكف أصلا ثم أعطه دية الأصابع هذا حكم الله تعالى (الكافي ٧ : ٣١٧ باب النادر والتهذيب باب القصاص رقم ٨).

٣٧٩

فالرواية القائلة بالانتقال إلى الأرش لا تؤخذ بعين الإعتبار (١).

ذلك (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) ظالمي حق الله وحق الناس وظالمي أنفسهم ، ظلما في ثالوثة المنحوس إذا لم يحكم بما أنزل الله وهو في موقع الحكم ومسئوليته ، فضلا عن أن يحكم بغير ما أنزل الله.

ومن الحكم المضاد لما أنزل الله الحكم بقتل أكثر من واحد قتلوا واحدا فإنه مضاد لضابطة (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) والاعتداء بالمثل وآية الأسرى : (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ ...)!.

وحين لا يقتص من رجل لقتل امرأة لعدم المساوات ونص آية البقرة ، فكيف يجوز قتل أكثر من واحد قتلوا واحدا فيما كانوا مشتركين على سواء في قتله؟!.

أجل إن (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ...) كضابطة حكيمة مستحكمة حاكمة على الأجيال دون تمييز ولا عنصرية ولا طبقية ولا حاكم ولا محكوم ولا غالب ولا مغلوب ، فكل النفوس أمامها على حد سواء ، إعلان من الله في الأجيال كلّها ، وقد تخلفت قوانين الإنسان الوضعية عشرات من القرون حتى ارتفعت بعدها إلى بعض المستويات منه نظريا ولما يصل إليه تطبيقا ، فلحد الآن نرى مفاصلة قانونية وتطبيقية بين الأبيض والأسود في أميركا المتقدمة في الحضارة المادية!.

فضابطة (النَّفْسَ بِالنَّفْسِ) في حقل القصاص بعيدة عن كافة القيم والملابسات مزعومة وواقعية ، اللهم إلّا ما هو عدل في القيمة الحيوية الإنسانية المجردة كالذكر والأنثى حيث تستثنيه (وَالْأُنْثى بِالْأُنْثى) في آية

__________________

(١) كما في نور الثقلين ١ : ٦٣٧ عن الكافي عن أحدهما عليهما السلام في رجل كسر يد رجل ثم برأت يد الرجل؟ قال : «ليس في هذا قصاص ولكن يعطى الأرش».

٣٨٠