الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٧٦

من موارد الإحسان ، تلحق هذه التسع بعبادة الله فتلك ـ إذا ـ عشرة كاملة ، تلميحا أن ذلك الإحسان بخلق الله هو قضية من عبادة الله ، فإنها ليست مجرد عقيدة في الضمير وشعائر عبادية تقام ، بل وهي إحسان بعباد الله فإن الخلق عيال الله فأحب الخلق إلى الله من أحب خلق الله في حب الله.

فالدين منهج يحتضن كل المصالح الروحية والبدنية ، فردية وجماعية ، هي كلها تنظيمات لهذه الحياة ومن وراءها الحياة الأخرى ، جمعا بين الأولى والأخرى فإن الدنيا مزرعة الآخرة ، فليست إحداهما مزرئة للأخرى ، بل هما في حساب الله حياة واحدة شطرها الأولى مدرسة والأخرى هي النتيجة الكاملة الشاملة (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى ـ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ـ ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى).

في هذه العشرة العشيرة للمؤمنين طول الحياة يتقدم ربنا على أية حال ومن ثم الوالدان على ذي القربى وسواهم ، لأنهما المتقدمان في تقديم كل إحسان في الحياة فليقدم لهما الإحسان قبل غيرهما.

صحيح أن الأولاد هم أفلاذ الأكباد أكثر من الوالدين لهم ، إلّا أن طبيعة الحال في إحسانهما إليهم دونهم إليهما تقتضي تقديمهما في حقل الإحسان.

أجل ، وإن الله أرحم بالذراري الناشئة من الوالدين ، ولكن الذرية بصفة خاصة أحوج الى التوجيه والترغيب والتذكير لبر الوالدين ، فالأولاد ـ في الأغلبية الساحقة ـ متجهون الى الجيل الذي يخلفهم دون الذي يخلفون عنهم ، فهم مندفعون بطبيعة الحال في تيار الحياة الى الأمام مدفوعون عن الوراء الإمام ، والله يوجههم أن يندفعوا الى الإمام كما الأمام ، والى الخلف كما الى الخلف ، فإنهم حصائل الخلف كما الخلف هم حصائلهم.

٣ (وَبِذِي الْقُرْبى) توسّع من الوالدين الى ذي القربى وأولهم وأولاهم الذرية ، فالقربى هي الفعلى من الأقرب ، وهي صاحب الصلة القربى ، وعلّها

٦١

تعم صلة السبب الى النسب فكما الأولاد هم من ذي القربى كذلك الزوجان.

ولأن القربى درجات فقد تتقدم كل درجة على الأخرى في واجب الإحسان ، وكلهم معنيّون هنا من «ذي القربى» مهما كانوا درجات.

٤ ثم من «ذي القربى» الى «اليتامى» سواء أكانوا من ذي القربى فأحرى من كل منهما ، أم لم يكونوا منهم فهم بعدهم في مرحلية الإحسان كضابطة (١).

٥ ثم «المساكين» كما اليتامى ، وهم الذين أسكنهم العدم عن متطلبات الحياة.

٦ ثم (الْجارِ ذِي الْقُرْبى) في صلة النسب أو السبب أو الجوار ، حيث الأقرب يمنع الأبعد (٢).

٧ ثم (الْجارِ الْجُنُبِ) البعيد عنكم نسبا أو سببا أو جوارا ما صدق عليه الجار وقد حدد في السنة الى أربعين دارا من كل جانب (١) أفقيا أو عموديا ، ومن الجار الجنب من ليس على شرعتك (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٥٨ ، أخرج احمد عن أبي أمامة قال قال ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين وأشار بالسبابة والوسطى وفي آخر اضافة «إذا اتقى الله» وعنه أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : من مسح رأس يتيم لم يمسحه إلا لله كان له بكل شعرة مرت عليها يده حسنات ومن أحسن إلى يتيمه أو يتيم عنده كنت أنا وهو في الجنة كهاتين وقرن بين أصبعيه السبابة والوسطى.

(٢) المصدر أخرج أحمد والبخاري ومسلّم عن أبي شريح الخزاعي أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليحسن إلى جاره» وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول : ما زال جبرئيل يوصينا بالجار حتى ظننت انه سيورثه ، وفيه عن ابن عمر سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول : كم من جار متعلق بجاره يوم القيامة يقول : «يا رب هذا اغلق بابه دوني فمنع معروفه» وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «لا يدخل الجنة ـ

٦٢

٨ ثم (الصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) الذي يصاحبك في شغل أماذا من خير مهما لم يكن من جيرانك قريبا أو غريبا ، وأصحب الأصحاب بالجنب هما الزوج والزوجة ثم صاحبك في شغل ثم صاحبك في سفر (٣) مهما كان كافرا (٤).

__________________

ـ من لا يأمن جاره بوائقه» وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : والله لا يؤمن ـ ثلاثا ـ قالوا : وما ذاك يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «جار لا يأمن جاره بوائقه أي شره» وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «ليس بمؤمن من لا يأمن جاره غوائله» وفيه قيل للنبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ان فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا خير فيها هي من أهل النار قالوا وفلانة تصلي المكتوبة وتصوم رمضان وتصدق باثوار ولا تؤذي أحدا فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) هي من أهل الجنة ، وفيه أخرج البخاري في الأدب والحاكم وصححه عن عائشة قالت قلت يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إن لي جارين فإلى أيهما اهدي؟ قال: إلى أقربهما منك بابا.

(١) نور الثقلين ١ : ٤٨٠ في كتاب معاني الأخبار بسند متصل عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : قلت له جعلت فداك ما حد الجار؟ قال : أربعون دارا من كل جانب.

وفي اصول الكافي عنه قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كل أربعين دارا جيران من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله.

(٢) المصدر أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن نوف الشامي في قوله : (والجار ذي القربى) قال : المسلّم ، والجار الجنب قال : اليهودي والنصراني.

(٣) المصدر عن علي (عليه السّلام) في قوله : (وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ) قال : المرأة ، أقول : هو تفسير باصدق المصاديق المظلومة.

(٤) المصدر أخرج ابن جرير من طريق ابن أبي فديك عن فلان بن عبد الله عن الثقة عنده ان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان معه رجل من أصحابه وهما على راحلتين فدخل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في غيضة طرفاء فقطع نصلين أحدهما معوج والآخر معتدل فخرج بهما فأعطى صاحبه المعتدل وأخذ لنفسه المعوج فقال الرجل يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنت أحق بالمعتدل مني فقال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كلا يا فلان ان كل صاحب يصحب صاحبا ـ

٦٣

٩ ثم «ابن السبيل» الذي لا مأوى له ولا ملجأ إلّا السبيل.

١٠ وأخيرا (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) سواء أكان ملك اليمين عبدا أو أمة ، أمّن تملكهم يمينك تعليما أو تربية أو رزقا أو استخداما في عمل ، وشاهدا على طليق المعنى تقديمه على الجار وابن السبيل لأقربيته منهما ، فالتأخير وعموم الملك شاهدان على العموم وكما يروى عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) و (إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي) (٥ : ٢٥) ولو عنى المملوك ـ فقط ـ لكان حق الترتيب هذه الإحسانات التسع إحصانات للحفاظ على الحياة الجمعية الإسلامية عن التمزق والتفرق والانزلاق والانسحاق ، وتارك الإحسان أيا كان هو مختال فخور كتارك عبادة الله و (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً).

فقضية المقابلة بين (الْجارِ الْجُنُبِ) و (الْجارِ ذِي الْقُرْبى) انه الجنب عقيديا أو نسبيا أو مكانا كما القربى تشمل الثلاثة مجموعة ومفرقة ، و «القربى» هنا صفة للصلة المحذوفة ، فالجار ذي الصلة القربى يتقدم على غير ذي الصلة القربى وهو الجار الجنب.

فالجار الأول يشمل البعيد مكانا الى القريب ، والبعيد نسبا أو سببا الى القريب ، والبعيد صلة إيمانية الى القريب ، مهما كان الأقرب أقرب والأغرب أغرب.

والجار الثاني يشمل أيّ بعيد من هؤلاء الأربع ، وأبعدهم من جمع كلها ،

__________________

ـ مسئول عن صحابته ولو ساعة من نهاره وفيه عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره.

وفي نور الثقلين ١ : ٤٨٠ عن الكافي عن أبي عبد الله (عليه السّلام) عن آبائه أن امير المؤمنين (عليه السّلام) صاحب ذميا فقال له الذمي اين تريد يا عبد الله؟ قال (عليه السّلام) : أريد الكوفة فلما عدل الطريق بالذمي عدل معه امير المؤمنين (عليه السّلام) فقال له الذمي الست ـ

٦٤

والأقرب من هو بعيد في واحدة وبينهما متوسطات.

ولأن القربى درجات ، قربى العقيدة والنسب والسبب والمكان ، فكل سابقة هي أقرب من لاحقة ، وبصورة عامة الأقرب يمنع الأبعد على درجاتهما.

إذا فالجيران ـ وعلى حد المروي عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ـ «ثلاثة فجار له ثلاثة حقوق حق الجوار وحق القرابة وحق الإسلام ، وجار له حقان حق الجوار وحق الإسلام ، وجار له حق واحد حق الجوار» (١)

فمن جمع القربى في مثلثها فله كامل الحق وشامله في حقل الجوار ، ومن تغرب عن القربى في هذه الثلاث فهو الجار الجنب ، ثم بينهما متوسطون الصادق عليهم كلا الجنب وو ذي القربى ، إذا فالجيران درجات حسب الدرجات.

ثم ولا يعني الإحسان الى هؤلاء ـ فقط ـ إحسان المال ، بل ويتقدم عليه إحسان الحال ، وقد يكون إحسان المال ـ فقط ـ إساءة كما في الإحسان الى المسكين المقصر في مسكنته ، المتبتل العاطل في حياته ، فإنفاق المال إليه تثبيت لبطالته ، وتشجيع له على عطالته ، فإنما الإحسان إليه بالفعل هو إرشاده الى عمل يسد به فراغه عن مسكنته.

وكما الإحسان الهام الى اليتامى هو تدبير أمورهم وإيصالهم الى رشدهم ، فمن اليتامى من هو غني المال ولكنه فقير البال والحال حيث يحتاج الى إصلاح في حاله وماله لصالح حاله ومآله.

__________________

ـ زعمت انك تريد الكوفة؟ قال له بلى ، فقال له الذمي فقد تركت الطريق؟ فقال له : قد علمت قال فلم عدلت معي وقد علمت ذلك فقال امير المؤمنين (عليه السّلام) هذا من تمام الصحبة أن يشيع الرجل هنيئة إذا فارقه وكذلك أمرنا تبينا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال له الذمي هكذا قال : نعم ، قال الذمي : لا جرم انما تبعه من تبعه لا فعاله الكريمة فانا أشهد إني على دينك ورجع الذمي مع امير المؤمنين (عليه السّلام) فلما عرفه أسلّم.

٦٥

وهكذا يكون دور الإحسان الى كل هؤلاء إنفاقا لثقافة أو عقيدة أو خلق إسلامية أو معاونة عقلية أو عملية أماهيه من صور الإحسان ومنها إنفاق المال فيما لا يضر بالحال.

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (٣٧)

__________________

(١) الدر المنثور وفيه أخرج عبد الرزاق وأحمد والبخاري ومسلم عن أبي ذر قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ان إخوانكم خولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان اخوه تحت يديه فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فإن كلفتموهم ما يغلبهم فأعينوهم» وفيه أخرج البيهقي عن أبي ذر عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : ان الفقير عند الغني فتنة وان الضعيف عند القوي فتنة أن المملوك عند المليك فتنة فليتق الله وليكلمه ما يستطيع فإن امره أن يعمل بما لا يستطيع فليعنه عليه فلا يعذبه» وفيه أخرج البيهقي عن أبي بكر أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : لا يدخل الجنة سيئ الملكة ، وفيه عن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فليمسك» وفيه أخرج عبد الرزاق عن الحسن قال بينا رجل يضرب غلاما له وهو يقول أعوذ بالله وهو يضرب إذ بصر برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : أعوذ برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فألقى ما كان في يده وخلى عن العبد فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أما والله لله أحق أن يعاذ به من استعاذ به مني فقال الرجل يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهو لوجه الله ، قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «والذي نفسي بيده لو لم تفعل لدافع وجهك سفع النار».

هذا ومن طريق أصحابنا في نور الثقلين ١ : ٤٧٩ في الفقيه في الحقوق المروية عن علي بن الحسين (عليهما السّلام): واما حق جارك فحفظه غائبا وإكرامه شاهدا ونصرته إذا كان مظلوما ولا تتبع له عورة فإن علمت عليه سوأ سترته عليه وان علمت أنه يقبل نصيحتك نصحته فيما بينك وبينه ولا تسلمه عند شديدة وتقبل عثرته وتغفر ذنوبه وتعاشره معاشرة كريمة ولا قوة إلا بالله ، وأمّا حق الصاحب فأن تصحبه بالمودة والإنصاف وتكرمه كما يكرمك ولا تدعه يسبقك إلى مكرمة فإن سبق ـ

٦٦

وَالَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَن يَكُنِ الشَّيْطَانُ لَهُ قَرِينًا فَسَاءَ قَرِينًا (٣٨) وَمَاذَا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللَّهُ وَكَانَ اللَّهُ بِهِمْ عَلِيمًا (٣٩) إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا (٤٠) فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (٤١) يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّىٰ بِهِمُ الْأَرْضُ وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) (٤٢)

(الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) ٣٧.

هذه تفسيرة ل (كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ) في ثالوث (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ) هم أنفسهم عن تلكم الإحسانات التسع ، ولا فحسب بل (وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) اختلاقا معاديا لجمعية البخل ، قاحلة عن كل إحسان ، تاركة لكل

__________________

ـ كافيته وتؤده كما يؤدك وتزجره عما يهم به من معصية وكن عليه رحمة ولا تكن عليه عذابا ولا قوة إلا بالله.

٦٧

فضيلة وحنان ، مليئة من كل رذيلة ، فإن ترك الإحسان والحمل على تركه إساءة بالمجتمع ورذيلة.

ولكي يبرروا تركهم لمفروض الإحسان عند المأمور بالإحسان إليهم (يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) المستطاع الإحسان منه ، من عقلية راجحة وعلمية فاضلة ومن قوة أو مال أو منال ، وتراهم حين (يَكْتُمُونَ ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) عمن يجب الإحسان إليهم ، فهل هم كاتموه عن الله الذي أمرهم بذلك؟ ومهما كان كتمان فضل الله عن أهله كفرا عمليا فكتمانه عن الله كفر عقيدي ومعرفي (ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ) (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) ، كما أهانوا ساحة الربوبية وساحات المحاويج الى واجب الإحسان (جَزاءً وِفاقاً).

فأية إهانة أهون وأحون من تجاهل فضل الله والتجاهل عن أمره بالإحسان ثم معاداته تعالى أمرا بالبخل كما هم يبخلون.

أجل والمختال الفخور هو من أزواج النار (١) في دار القرار إذ أجّجها

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٦١ ـ أخرج أبو يعلى والضياء المقدسي في المختارة عن أبي سعيد الخدري قال سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول : إذا جمع الله الناس في صعيد واحد يوم القيامة أقبلت النار يركب بعضها بعضا وخزنتها يكفونها وهي تقول : وعزة ربي لتخلن بيني وبين أزواجي أو لأغشين الناس عنقا واحدا فيقولون من أزواجك فتقول كل متكبر جبار فتخرج لسانها فتلتقطهم به من بين ظهراني الناس فتقذفهم في جوفها ثم تستأخر ثم تقبل يركب بعضها بعضا وخزنتها يكفونها وهي تقول وعزة ربي لتخلن بيني وبين أزواجي أو لأغشين الناس عنقا واحدا فيقولون من أزواجك فتقول كل ختار كفور فتلقطهم بلسانها وتقذفهم في جوفها ثم تستأخر ثم تقبل يركب بعضها بعضا وخزنتها يكفونها وهي تقول وعزة ربي لتخلن بين وبين أزواجي او لأغشين الناس عنقا واحدا فيقولون ومن أزواجك فتقول كل مختال فخور فتلقطهم بلسانها من بين ظهراني الناس فتقذفهم في جوفها ثم تستأخر ويقضي الله بين العباد.

٦٨

على المحاويج هنا في دار الفرار جهنم يصلونها وبئس القرار.

فالبخل والأمر به تكبّر وخيلاء وافتخار هو محظور في كافة المجالات والجلوات حتى الملابس فضلا عما سواها من أقوال وأعمال (١) و «الكبر من سفه الحق وغمص الناس»(٢).

__________________

(١) المصدر أخرج أحمد والحاكم وصححه عن جابر بن سليم الهجيمي قال أتيت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في بعض طرق المدينة قلت عليك السّلام يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال عليك السّلام تحية الميت سلام عليكم سلام عليكم سلام عليكم ـ أي هكذا فقل ـ قال : فسألته عن الإزار فاقنع ظهره وأخذ بمعظم ساقه فقال : هاهنا ائتزر فإن أبيت فهاهنا أسفل من ذلك فإن أبيت فهاهنا فوق الكعبين فإن أبيت فإن الله لا يحب كل مختال فخور فسألته عن المعروف فقال : لا تحقرن من المعروف شيئا ولو ان تعطي صلة الحبل ولو أن تعطي شسع النعل ولو ان تفرغ من دلوك في إناء المستقى ولو أن تنحى الشيء من طريق الناس يؤذيهم ولو ان تلقى أخاك ووجهك إليه منطلق ولو ان تلقى أخاك فتسلّم عليه ولو أن تؤنس الوحشان في الأرض وان سبك رجل بشيء يعلمه فيك وأنت تعلم فيه نحوه فلا تسبه فيكون أجره لك ووزره عليه وما ساء إذنك أن تسمعه فإعمال به وما ساء إذنك ان تسمعه فاجتنبه.

(٢) المصدر وفيه عن ثابت بن قيس بن شماس قال : كنت عند رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقرأ هذه الآية (إِنَّ اللهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً) فذكر الكبر فعظمه فبكى ثابت فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما يبكيك فقال يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اني لأحب الجمال حتى انه ليعجبني أن يحسن شراك نعلي قال فأنت من أهل الجنة انه ليس بالكبر أن تحسن راحلتك ورحلك ولكن الكبر من سفه الحق وغمص الناس».

ومن طريق أصحابنا حول البخيل والشحيح ما في نور الثقلين ١ : ٤٨١ عن الفقيه عن المفضل بن أبي قرة السمندي انه قال قال لي أبو عبد الله (عليه السّلام) أتدري من الشحيح؟ فقلت : هو البخيل فقال : الشح أشد من البخل ان البخيل يبخل بما في يده والشحيح يشح بما في أيدي الناس وعلى ما في يديه حتى لا يرى في ايدي الناس شيئا إلا تمنى أن يكون له بالحل والحرام ولا يقنع بما رزقه الله عز وجل.

٦٩

فالاختيال والفخر الفارغ في كلّ دركاته كفر ، عمليا كان أم عقيديا أم علميا وثقافيا ، وعلى كلّ دركه الكافر ، ومن أنحسه البخل عن ظهور الحق وإظهاره ، والأمر بذلك ، وكتمان فضل الله بشارة بالرسالة المحمدية (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكما كان من شيمة اليهود والنصارى اللئيمة ، ثم كتمان العلم والبخل عن إظهاره والأمر بكتمانه ، وثم سائر فضل الله.

فكلما كان فضل الله أفضل فالبخل به وكتمانه والأمر بكتمانه أرذل ، والخروج عن تبعته أعضل.

والمختال من الخيل والخيل هو التائه المتبختر المسخر لخياله الخاوي الغاوي ومنه الخيل لأنه يتبختر في مشيه وعدوه ، والمختال هو المفتعل لنفسه التبختر وليس له ، والفخور هو كثير الفخر بما يخيل إليه من أسبابه.

وهكذا تنضح تلك السمة السّنيّة الأساسية في المنهج الإسلامي السامي أن كافة مظاهر السلوك ودوافع الشعور واندفاعات المؤمنين ، كل هذه وتلك يتبعها ذلك الإحسان العريض الطويل الذي يربط كل الجماعات المسلمة ببعضهم البعض ، فتصبح كتلة واحدة وقوة واحدة ذات جهة واحدة.

(وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً) ٣٨.

ليس المختال الفخور ـ فقط ـ من يترك الإحسان والإنفاق ، بل (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) فإنفاقهم ـ إذا ـ نفاق دون وفاق لإيمان بإحسان ، فإحسانهم الإنفاق ـ إذا ـ إساءة بساحة الربوبية والمربوبين ، إشراكا بالرب ومنا وأذى للمربوبين.

(وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً) دون الرحمن (فَساءَ قَرِيناً) حيث يقرنه إلى

٧٠

شيطنات العقائد والنيات والأعمال وسائر الطويات ، مهما تظاهر بمظاهر الحسنات.

(وَما ذا عَلَيْهِمْ لَوْ آمَنُوا بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقَهُمُ اللهُ وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) (٣٩).

«ماذا عليهم» أولئك الأنكاد ، والحماقي البعاد ، قرناء الشيطان ، والغرباء عن الرحمن.

«ماذا عليهم» إضرارا بهم في حياتهم الإنسانية فضلا عن الإيمانية (لَوْ آمَنُوا بِاللهِ ...) حيث أحالوا على أنفسهم الإيمان بسوء صنيعهم واختيارهم السوء (وَكانَ اللهُ بِهِمْ عَلِيماً) قبل افتعالاتهم اللّاإيمانية وعندها وبعدها ، فهم لم يؤمنوا بالله ولا باليوم الآخر ولم ينفقوا مما رزقهم الله في سبيل الله ، فما ينفقون ـ حين ينفقون ـ إلّا نفاقا ورئاء الناس ، في شهوات وغايات حيوانية ومصلحيات ، متجردين عن وجه الله ، متفردين في كل وجوه الشهوات.

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) ٤٠.

(إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) وهي أقل كائن في الكائنات ، فإنما يحتاج إلى الظلم الضعيف خوفة على كيانه النحيف ، بل (وَإِنْ تَكُ) «ذرة» العقيدة والنية والعملية (حَسَنَةً يُضاعِفْها) فضلا من عنده ورحمة (وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ) لصاحب الحسنة (أَجْراً عَظِيماً).

فالعقوبة إنما هي قدر السيئة عقيديا أو عمليا دون النية المجردة ، أم قد تنقص عن السيئة حين لا تنافي العدالة الربانية ، والمثوبة مضاعفة من لدنه أجرا عظيما حسب سعة الرحمة وصالح القابلية والفاعلية.

٧١

ثم وقضية العدل في (لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) الجزاء الحسنى بأية حسنة مهما تغلبت عليها السيئة فهل «يخرج من النار من كان في قلبه مثقال ذرة من الإيمان» (١)؟

أقول : لا ، فيما (أَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ) حيث تذوب في خضمّها حسنة الإيمان ، ثم لا فيما يحكم عليه بأبدية الخلود في النار حيث تحبط عنه حسنته.

ثم اللهم نعم حين يبقى إيمانه مع سيئاته ، حيث التسوية بين المؤمن وإن بمثقال ذرة مع الكافر الذي لم يؤمن مثقال ذرة ، إنها تسوية ظالمة.

وعلى أية حال ليس (لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ) بالتي تحكم بخروج من في قلبه مثقال ذرة من إيمان من النار الى الجنة على أية حال مهما كان ذلك من موارده حسب شروطه.

وقد يعنى من «مثقال» الثقل أيا كان ، وليس لحسنات الكافر أي ثقل في الميزان لأنها حابطة خابطة ، وقد يجزى بها يوم الدنيا (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ. أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ) (١١ : ١٦).

(فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) ٤١.

هنا «كل أمة» تعني الأمم الرسالية الخمس حسب الشرائع الخمس ، فلكلّ شهيد على حسناتهم وسيئاتهم «وجئنا بك» يا آخر الشهداء «على هؤلاء» الأمة المرحومة ، و «على هؤلاء» الأمم بشهدائهم «شهيدا» فأنت ـ إذا ـ شهيد الشهداء (٢).

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٦٣ عن أبي سعيد الخدري أن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : «يخرج من النار ...» قال أبو سعيد : فمن شك فليقرأ (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ).

(٢) الدر المنثور ٢ : ١٦٣ عن ابن مسعود قال قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اقرأ ـ

٧٢

«فكيف» ـ إذا ـ تكون حال هؤلاء الكفرة أمام الشهداء وأمام شهيد الشهداء إلا فضيحة وعارا ، إضافة الى شهداء الأعضاء والأجواء والكرام الكاتبين (١).

(يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) ٤٢.

قد يعنى من (الَّذِينَ كَفَرُوا) كفرهم بالله حيث يقابل ب (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) عصيانا لرسالته أو عصيانا لامرته ، فإن طاعته رساليا هي بعد طاعة الله إلهيا ، فالكافرون بالله والعاصون رسول الله كفرهم مطلق مطبق لا منفذ له إلى إيمان ، فيودون يوم القيامة (لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ) بموت الفوت فلا حياة لهم بعد الموت كما (يَقُولُ الْكافِرُ يا لَيْتَنِي كُنْتُ تُراباً) عند البعث أم منذ الخلق فلا أخلق إنسانا.

وقد يشهد طليق (وَعَصَوُا الرَّسُولَ) على عقاب الكفار على الفروع كما يعاقبون على الأصول.

(وَلا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) وقد يعني سلب الكتمان تحسّره إلى واقعه ، فقد يود الذين كفروا «لولا يكتمون الله حديثا» يوم الدنيا وقد كتموه كل حديثهم كأنه لا يعلم كثيرا مما يفعلون أو ينوون ، ثم وهم بطبيعة الحال بعد

__________________

ـ علي ، قلت : يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اقرأ عليك وعليك أنزل؟ قال : نعم إني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت سورة النساء حتى أتيت إلى هذه الآية (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ...) فقال : حسبك الآن فإذا عيناه تذرفان ، وفيه مثله عن عمرو بن حريث قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعبد الله بن مسعود ... فاستعبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكف عبد الله ، وفيه في ثالث فبكى حتى اضطرب لحياه وجنباه ...

(١) ولقد حققنا القول حول الشهادة والشهداء في آية النحل : (وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيداً عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنا بِكَ شَهِيداً عَلى هؤُلاءِ ..) (٨٩) فراجع.

٧٣

الموت (لا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) إذ لا يستطيعون هناك أن يكتموا الله حديثا منهم وقع وعليهم تفرّع ، رغم تحسّبهم هناك أنهم يكتمون الله حديثا.

فكل حديثهم هناك أمام الله جلي ، بل ولكل أهل الحشر وعلى رؤوس الأشهاد (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) (٤٠ : ١٦) (يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ) (٦٩ : ١٨) (إِنَّ اللهَ لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) (٣ : ٥) (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) فكيف يكتمون الله حديثا؟!.

ترى وفي وجه الخبر ل (لا يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) كيف هم يكتمون بما يحلفون (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ) (٥٨ : ١٨)؟.

إنهم «لا يكتمون» واقعيا مهما حاولوا الكتمان بحلف أو أيا كان ، فليس «لا يكتمون» تختص باختيارهم عدم الكتمان ، بل وهو واقع الكتمان حيث لا يستطيعونه إذ لا يخفى على الله منهم شيء مهما اكتتموا.

وكيف (يَكْتُمُونَ اللهَ حَدِيثاً) وقد «ختم على الأفواه فلا تكلم وكلمت الأيدي وشهدت الأرجل ونطقت الجلود بما عملوا فلا يكتمون الله حديثا» (١).

وحتى حين يتكلمون ويحلفون بالله : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ) لم يكتم حلفهم عن الله حديثا ، فإنه يعلم السر وأخفى ، ثم الشهود الأربع تشهد ما لا يمكن إنكاره!.

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤٨٣.

٧٤

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَلا جُنُباً إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ عَفُوًّا غَفُوراً) ٤٣.

آية فريدة لا ثانية لها إلّا آية المائدة إلّا في صدرها : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ).

وتفصيل البحث حول تفاصيل الطهارات الثلاث موكول الى آية المائدة ، وتختص آية النساء هذه بصدرها ونزر من تمامها والله الموفق لهداه.

والتريب الطبيعي تصاعديا في بيان تحريم الخمر يقتضي نزول «لا تقربوا» بعد (إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ) (٧ : ٣٣) فإن الإثم هو ما يبطئ عن الصواب والثواب ، وهنا الخمر مبطئ عن أفضل صواب بثوابه وهي الصلاة ، وأما آية النحل : (تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَرِزْقاً حَسَناً) (٦٧) فكما تناسب تقدمها عليها كذلك وتأخرها والتقدم أنسب حيث التعبير عن الحرمة فيها أخف فهي الى السبق أقرب ، ومن ثم آية البقرة (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ...) (٢١٩) وبعد الكل آية المائدة أنها (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ) (٩٠).

٧٥

وبذلك النمط التربوي الأليف والتصاعدي الطفيف اللطيف يحرم القرآن الخمر على المتعودين عليها في الأوساط الجاهلية ، وينجح في ذلك خير نجاح ، فقد التقط القرآن تعود السكر عن السفح الجاهلي السحيق وكانت الخمر إحدى تقاليدهم الأصيلة الشاملة ، العشيرة معهم ليل نهار.

فلقد كانت الخمر ظاهرة متميزة للجاهلية الرومانية والفارسية والعربية كما هي اليوم للجاهلية المتحضرة الأوروبية والأمريكية فعالجها القرآن بذلك الترتيب التصاعدي في كل الجاهليات ، ولم تستطع السلطات الحديثة بكل قواتها وإمكانياتها أن تعالجها إلا معاكسة في المشكلة ، مزيدا عليها وتفلتا عن سياجها (١).

__________________

(١) في تنفيحات للسيد أبي الأعلى المودودي نقلا عن كتاب «ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين للسيد النووي» في السويد ـ وهي أرقى أو من أرقى أمم الجاهلية الحديثة ـ كانت كل عائلة في النصف الاول من القرن الماضي تعد الخمر الخاصة بها وكان متوسط ما يستهلكه الفرد حوالي عشرين لترا واحست الحكومة خطورة هذه الحال وما نشره من إدمان فاتجهت إلى سياسة احتكار الخمور وتحديد الاستهلاك الفردي ومنع شرب الخمور في المحال العامة .. ولكنها عادت فخففت هذه القيود منذ أعوام قليلة! فأبيح شرب الخمر في المطاعم بشرط تناول الطعام ، ثم أبيحت الخمر في عدد محدود من المحال العامة حتى منتصف الليل فقط! وبعد ذلك يباح شرب «النبيذ والبيرة» فحسب! وإدمان الخمر عند المراهقين يتضاعف ...!.

اما في امريكا فقد حاولت الحكومة الأمريكية مرة القضاء على هذه الظاهرة فسنت قانونا في سنة ١٩١٩ سمي قانون «الجفاف» من باب التهكم عليه لأنه يمنع «الري» بالخمر! وقد ظل هذا القانون قائما مدة اربعة عشر عاما حتى اضطرت الحكومة الى الغائه في سنة ١٩٣٣ وكانت قد استخدمت جميع وسائل النشر والاذاعة والسينما والمحاضرات للدعاية ضد الخمر ، ويقدرون ما أنفقته الدولة في الدعاية ضد الخمر بما يزيد على ستين مليونا من الدولارات ، وإن ما نشرته من الكتب والنشرات يشتمل على عشرة بلايين صفحة ، وما تحملته في سبيل تنفيذ قانون التحريم في مدة اربعة عشر عاما لا يقل عن ٢٥٠ مليون جنيه ، وقد اعدم فيها ٣٠٠ نفسا وسجن ـ

٧٦

ذلك ، وأما القرآن فقد قضى على هذه الظاهرة المعمقة في المجتمع الجاهلي ببضع آيات منه ، مهما صمد صامدون على شرب الخمر حتى نزلت آية المائدة.

فالمنهج الرباني عالج المشكلة المتغلغلة في الخمر ببضع آيات في مرحلية تصاعدية بكل رفق وتؤده وكسب تلك المعركة الشعواء العشواء دون حروب أو تضحيات وإراقة دماء ، والذي أريق في هذه المعركة كان فقط دنان الخمر وزقاقها وجرعاتها في أفواه الشاربين حين كانوا يسمعون آيات التحريم تترى هنا وهناك.

هذه الآيات كانت طرقات تسد عن المجتمع الإسلامي كل الطرقات الى الخمر ، طرقات ذات الأصوات المسموعة في الضمير الإيماني مهما صامدون على شربها حتى نزلت (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ).

يقول عمر في قصة إسلامه «كنت صاحب خمر في الجاهلية فقلت لو أذهب الى فلان الخمار فأشرب» (١).

لا فحسب في جاهليته قبل إسلامه بل وبعده أيضا طيلة الآيات الأربع النازلة بحرمتها فعنه أنه قال ـ لما نزل تحريم الخمر ـ اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فإنها تذهب المال والعقل فنزلت الآية التي في البقرة (قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ ..) فدعي عمر فقرءت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في النساء : (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى ..) فكان منادي الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذا أقيمت الصلاة ينادي ألا يقربنّ الصلاة سكران فدعي عمر فقرءت عليه فقال : اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت

__________________

ـ كذلك ٥٣٢٣٣٥ نفسا وبلغت الغرامات ١٦ مليون جنيها وصادرت من الأملاك ما يبلغ ٤٠٠ مليون واربعة بلايين جنيها وبعد ذلك كله اضطرت إلى التراجع والغاء القانون»!.

(١) في ظلال القرآن ٣ : ٣٧٦ للسيد قطب.

٧٧

آية المائدة فدعي عمر فقرءت عليه فلما بلغ فهل أنتم منتهون قال عمر : انتهينا انتهينا (١). مما يدل على تداومه في شربها حتى «انتهينا» فأنتهى على حد قوله.

وفي لفظ آخر «شربها عمر قبل آية المائدة فأخذ بلحى بعير وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فخرج مغضبا يجر رداءه فرفع شيئا كان في يده فضربه به فقال عمر : أعوذ بالله من غضبه وغضب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله تعالى آية المائدة فقال عمر : انتهينا انتهينا» (٢) ذلك رغم أن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نهى عن شربها لما نزلت آية البقرة (٣).

وما فرية شربها على علي أمير المؤمنين (عليه السّلام) إلا تغطية جاهلة على فعلة عمر ، ونقمة معادية على إمام المتقين ويعسوب الدين وأعبد العابدين بعد الرسول الأمين (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

ولقد أشار أمير المؤمنين (عليه السّلام) الى افتعالة عمر في شرب الخمر وحد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إياه في الشقشقية «فإن منهم الذي قد شرب فيكم الحرام وجلد حدا في الإسلام».

__________________

(١) أخرجه ابو داود في سننه ٢ : ١٢٨ واحمد في المسند ١ : ٥٣ والنسائي في السنن ٨ : ٢٧٨ والطبري في تاريخه ٧ : ٢٢. والبيهقي في سننه ٨ : ٢٨٥ والجصاص في احكام القرآن ٢ : ٢٤٥ والحاكم في المستدرك ٢ : ٢٧٨ و ٤ : ١٤٣ وصححه وأقره الذهبي في تلخيصه والقرطبي في تفسيره ٥ : ٢٠٠ وابن كثير في تفسيره ١ : ٢٥٥ ـ ٥٠٠ و ٢ : ٩٢ نقلا عن احمد وأبي داود والترمذي والنسائي وابن أبي حاتم وابن مردويه وعلي بن المديني في اسناد صالح صحيح وفي تيسير الوصول ١ : ١٢٤ وتفسير الخازن ١ : ٥١٣ وتفسير الرازي ٣ : ٤٥٨ وفتح الباري ٨ : ٢٢٥ والدر المنثور ١ : ٢٥٢ من طريق عمرو بن شرحبيل والالوسي في روح المعاني.

(٢) هذا لفظ الزمخشري في ربيع الأبرار وشهاب الدين الابشيهي في المستطرف ٢ : ٢٩١.

(٣) أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه ٨ : ٣٥٨ وحكاه عنه في الدر المنثور ١ : ٢٥٢.

٧٨

ومثل هذه الشربة اللعينة هي التي استنزلت آية النساء (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكارى) حيث صلّى رجل بآخرين وهو سكران فقرء (قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ) فخلط فيها فنزلت : (لا تَقْرَبُوا ..) (١) وفي لفظ قرء (أَعْبُدُ ما تَعْبُدُونَ) (٢).

هنا في (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ) نجد علاجا أدبيا في ترك السكر بخمر وسواها ، وهو سلبية الصلاة ـ وهي عمود الدين ـ عن وجوبها إلى حرمتها حالة

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٦٥ ، أخرج في من هذا لفظين أحدهما انه عبد الرحمن وثانيهما انه علي (عليه السّلام) وعوذا بالله كما أخرجه ابن المنذر عن عكرمة في الآية قال نزلت في أبي بكر وعمر وعلي وعبد الرحمن بن عوف وسعد صنع لهم طعاما وشرابا فأكلوا وشربوا ثم صلّى علي بهم المغرب فقرأ سورة الكافرون وقال فيها ليس لي دين وليس لكم دين فنزلت وفيه عنه (عليه السّلام) قال صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وحضرت الصلاة فقدموني فقرأت «قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون» فأنزل الله (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ ..) وفيه عنه (عليه السّلام) أن من صلّى بهم هو عبد الرحمن.

أقول : تعارض الرواية فيمن صلّى بهم وأن مثل أبي بكر وعمر ما كانا يقدمان عليا في الصلاة يجعلان هذه الفرية الهاتكة مقبورة مع الأبد ، مع ما ورد ان عمر هو الذي حده الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في قصة عبد الرحمن نفسه الذي هو أحد الإمامين في هذه الصلاة الملعونة.

(٢) حقائق التأويل للسيد الشريف الرضى ٥ : ٢٣٨ وفيه ردا على الفرية الملعونة على أمير المؤمنين روى القطان في تفسيره على ما نقله عنه ابن شهر آشوب في كتاب المناقب عن عمرو بن حمران عن سعيد عن قتادة عن الحسن البصري قال : اجتمع عثمان بن مظعون وأبو طلحة وأبو عبيدة ومعاذ بن جبل وسهيل بن بيضاء وأبو دجانة في منزل سعد بن أبي وقاص فأكلوا شيئا ثم قدم إليهم شيئا من الفضيح (وهو عصير العنب وشراب اتخذ من البسر وحده من غير أن تمسه النار) فقام علي (عليه السّلام) ليخرج من بينهم فقالوا له في ذلك فقال : لعن الله الخمر والله لا أشرب شيئا يذهب بعقلي ويضحك بي من رآني وأزوج كريمتي ممن لا أريد وخرج من بينهم فأتى المسجد وهبط جبرئيل بهذه الآية (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ) فقال علي (عليه السّلام) تبا لها ـ يعني الخمرة ـ والله يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لقد كان بصري فيها نافذا منذ كنت صغيرا».

٧٩

السكر ، وهي تعم الأوقات الرئيسية الخمس المقررة للصلوات الخمس ، ثم ولا تكفي الفترات بينها للسكر ولا سيما الغليظ منه ، على أن له مواعيد خاصة وهي محاور الأوقات أولا وهوامشها ثانيا ، والمحاور للصلوات والهوامش لسائر الأشغال ، ثم ولا تكفي هذه الهوامش المتقطعة للشرب الشهي والسكر البهي.

وهنا يقف ضمير المؤمن بين لذة الشرب المتخيلة وبين تبني عمود الدين في أوقاته المقررة ، وقليل هؤلاء الذين يفضّلون تلك اللذة على تلك العزة الروحية الفذة ، وكثير هؤلاء الذين لا يرضون بترك عمود الدين المعين رغبة الى العمود اللادين اللعين ، ولا يفضلون ترك عماد الحياة على فعل عماد الممات.

أجل وهذه الصلاة التي لا تترك بحال هي واجبة الترك بحال السكر ، فقد يحمل ذلك السكر اللعين ترك عمود الدين وفعل عمود الشر اللعين ، فالسكر ـ إذا ـ ذو بعدين بعيدين عن الدين ، أنه مفتاح كل شر ، وسبب لترك عمود الدين.

فالسكران عليه عذابان اثنان ، لماذا سكر ولماذا ترك الصلاة حيث الامتناع بالاختيار لا ينافي الإختيار ، فانه بسكره سبّب ترك الصلاة بتحريمها وذلك هو الإثم الكبير.

فالسكران عليه عذابان اثنان ، لما ذا سكر ولما ذا ترك الصلاة حيث الامتناع بالاختيار لا ينافي الإختيار ، فانه بسكره سبّب ترك الصلاة بتحريمها وذلك هو الإثم الكبير.

فقيلة القائل ان هذه الآية لا تدل على حرمة السكر قضية خطاب الإيمان ، غيلة على القرآن ، حيث الحلال ولا أي حرام لا يحرم الصلاة اللهم إلّا حالات نسائية خاصة ، إذا فالسكر هو من أغلظ الحرام حيث يسد السبيل عن اوّل الفرائض التي هي معراج المؤمن ، فكل مؤمن يسمح له او يفرض عليه أن يعرج ذلك المعراج إلا السكران الممنوع باتا أن يعرج معراج الصلاة ، فهو شريد طريد عن ساحة القرب (حَتَّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ).

ذلك وما اختصاص «سكارى» هنا بما دون سكر الخمر إلا ممن يجهل نمط

٨٠