الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٧٦

لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) فقد كان رفع الطور فوقهم مسرحا لإيثاق الميثاق الغليظ عليهم أن (خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا ما فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (٢ : ٦٤) (... خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا) (٢ : ٩٣).

(فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) ١٥٥.

لقد نقضوا ميثاقهم على معاهدة شرعة الله وكفروا ـ إذا ـ بآيات الله ، وقتلوا أنبياء الله وقالوا ـ لما ندد بهم ووعظوا ـ قلوبنا غلف : لا تعي ما توعون (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) طبعا بعد انطباعها بما زاغوا (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (١) (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) منهم ، أو وقليلا من الإيمان ، فالمؤمنون منهم قلة ، وإيمان القلة منهم قلة ، اللهم إلا الأقلون كما قال الله عنهم (وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (٧ : ١٥٩).

وإنهم أولاء الحاضرين في ذلك الخطاب «لم يقتلوا الأنبياء وإنما قتلهم أجدادهم فرضي هؤلاء بذلك فألزمهم الله القتل بفعل أجدادهم فكذلك من رضي بفعل فقد لزمه وإن لم يفعله» (٢).

(وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) ١٥٦.

فقد بهتوها بالزنا وبذلك كفروا حيث أخرجوا بذلك المسيح

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ٢٣٨ ـ أخرج البزار والبيهقي في الشعب وشعفه عن ابن عمر عن النبي ؛ (صلّى الله عليه وآله سلّم) قال : الطابع معلق بقائمة العرش فإذا انتهك الحرمة وعمل بالمعاصي واجترئ على الله بعث الله الطابع فطبع على قلبه فلا يقبل بعد ذلك شيئا.

(٢) نور الثقلين ١ : ٥٦٨ في تفسير علي بن إبراهيم قال : هؤلاء ..

٤٢١

(عليه السّلام) من جمعية الرب وكما في مختلقة كتابية (١) فلا يعني البهتان الذي هو من أسباب كفرهم أنهم بهتوا مريم ـ فقط ـ بالزنا ، بل وخلفيته العظيمة أن روح الله المسيح (عليه السّلام) وليد زنا وهو مع الأبد ممنوع عن الدخول في جمعية الرب.

وذلك البهتان العظيم هو مثلثة الجهات : أنها ـ وعوذا بالله ـ زنت ، وأن المسيح وليد زنا دون وسيط ، ثم وهما وليدا زنا بوسائط عظما في ثالوثهم المنحوس على مريم وعيساها وآباءهما ، والنبيون وسائر المعصومين هم أنوار في أصلاب شامخة وأرحام مطهرة لم تنجسهم الجاهلية بأنجاسها ولم تلبسهم من مدلهمات ثيابها.

أجل و «إن رضا الناس لا يملك وألسنتهم لا تضبط ألم ينسبوا مريم ابنة عمران (عليها السلام) انها حملت بعيسى من رجل نجار اسمه يوسف» (٢).

هكذا يهتك ساحة القدس الرسالي للمسيح عيسى بن مريم (عليهما السّلام) ويقابله تأليهه من آخرين ، وهنا يخاطب النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليا : «إن لك من عيسى مثلا أبغضته اليهود حتى بهتوا أمه وأحبته النصارى حتى أنزلوه المنزل الذي ليس له» (٣).

وما أجمعه كفرا جماع الرأى من أهل الكتابين بحصيلة : أن المسيح

__________________

(١) راجع ج ١٦ : ٣١١ ـ ٣١٢ من الفرقان تجد فيه تفصيل التهمة.

(٢) نور الثقلين ١ : ٥٦٨ في أمالي الصدوق بإسناده إلى الصادق (عليه السّلام) حديث طويل يقول فيه لعلقمة يا علقمة : ...

(٣) الدر المنثور ٢ : ٢٣٨ ـ أخرج البخاري في تاريخه وصححه عن علي (عليه السّلام) قال قال لي النبي (ص) :

٤٢٢

(عليه السّلام) وهو وليد زنا ، هو الله ، أم هو ابن الله ، بهتان عظيم على الله وعلى أفضل عباد الله!.

(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً ١٥٧ بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) ١٥٨.

آية وحيدة منقطعة النظير حول نكران صلب المسيح (عليه السّلام) حافلة لما تقولوا فيه وواقع الحال الغائبة عنهم فما يملكون هؤلاء المضلّلون بشأنه والمضللّون إلا ظنا وزعما خاويا.

وقد اختصرت القصة في «آل عمران» (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ. إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) (٥٥) وهنا التفصيل ، ثم لا نجد ثالثة في القصة فإنهما تكفيان حسما لمادة الشبهة والظّنة.

ولقد ذكر من مواد كفرهم هنا أمران اثنان : (قَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً. وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ).

فكفرهم في المادة الأولى هو فريتهم على معصومين عدة أنهم من مواليد الزنا خلاف نصوص الوحي الصارم بعصمتهم ورسالتهم.

وهو في المادة الثانية أن خرافة صلب المسيح (عليه السّلام) المختلقة عليه خلّفت أساطير كتابية ضده وضد كافة الرسالات الإلهية.

فليست قصة صلبه (عليه السّلام) ـ فقط ـ كذبة تاريخية مجردة لا تستحق إلا التكذيب ، بل هي قصة ذات أبعاد بعيدة عن ساحة الإيمان فضلا عن

٤٢٣

الرسالة القدسية العيسوية وسائر الرسالات ، وقد يأتيكم نبأها بعد حين.

وهنا (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ) هي قولة اليهود حسب ظنهم حيث ألقوا عليه القبض ـ في زعمهم ـ فقتلوا المزعوم أنه المسيح (عليه السّلام).

وترى هؤلاء قالوا إنهم قتلوا رسول الله تصديقا لرسالته؟ أن (عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ) هو كلمة الله وهم نسبوه الى أب زان! وكذلك «رسول الله» وهم مكذبوه! إنها منهم تهكم بدعواه الرسالة قائلين ومستهزئين (إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللهِ)!

ثم إن فرقة من النصارى تقولوا أنه قتل الله أو ابن الله مهما كان في ناسوته أم سواه (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) هما معا تكذبان كل أنواع القتل بالنسبة للمسيح (عليه السّلام) ، ولأن سلب القتل قد لا يسلب الصلب ، لذلك يتقدم صلبه «ما قتلوه» ، كما أن سلب الصلب لا يسلب كل أنواع القتل ولذلك يتأخر عن «ما قتلوه» استئصالا عن ساحته كل أنواع القتل : صلبا كما يزعمون أم غيره من خنق أمّاذا كما قد يزعمون

ذلك! ولأن قتلا مّا بحساب المسيح (عليه السّلام) كان واقعا لا مردّ له بإجماع أعداءه وأحباءه ، فما هو الحلّ في ذلك البين؟.

إنّه (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) شبه القتيل لليهود أنه المسيح فأخذه وصلبوه.

وترى من ذا الذي «شبه لهم»؟ أهو واحد من حوارييه؟ وهو ظلم بالبريء! وفسح لمجال قتله للظالم القاتل!.

أم هو الذي قدّمه للصلب مكرا واحتيالا في ذلك الاغتيال! إنه وارد عدلا من الله كما وهو مستفيض نقله أن يهوذا الا سخر يوطي الذي باعه بثمن

٤٢٤

بخس دراهم معدودة ، ألقى الله شبه المسيح (عليه السّلام) عليه فقبض وصلب بديله.

هؤلاء هم اليهود الذين ظنوا صلبه دون خلاف ، ثم اختلف فيه محبّوه : (وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ) : وهنا محاولة مسيحية لتعقيم الآية عن تكذيب الصليب :

فقد خيّل الى بعض المبشرين المسيحيين (١) أن «شبه لهم» تعني «خيل إليهم» فهم ـ إذا ـ مشتبهون في قصة الصلب؟.

ولكن ذلك التخريج المريج ماذا ينفعه إلّا أنهم لا يعلمون صلبه إلّا شبهة وهكذا يقرر القرآن بسائر ألفاظ الآية دون فائدة زائدة لذلك التخييل العليل ، على أن «شبه لهم» راجع الى اليهود ، ثم النصارى (إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّباعَ الظَّنِّ وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً. بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ ...)!.

وهنا في فاعل «شبه لهم» محتملات يعتمد المؤوّل على أنه المسيح (عليه السّلام) أن شبّه لهم بغيره فظنوه غير المسيح! وسائر ألفاظ الآية تقضي على ذلك التخريج التحريج.

إنما «شبه لهم» القتيل المصلوب بالمسيح أن القى الله شبه المسيح عليه فاشتبهوا في أمره فظنوا أنهم صلبوه (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ).

ذلك ، وما المشاكل المزعومة في ذلك التشبيه ، بعد الإياس عن أي تأويل إلا اضطراب القتيل.

__________________

(١) هنا لنا حوار مع الحداد في كتابه (مدخل إلى الحوار الإسلامي المسيحي) فصلناه في (عقائدنا) ١٨٣ ـ ١٨٨ نختصره هنا كما يناسب الفرقان.

٤٢٥

فإلقاء شبه إنسان على آخر لمصلحة ملزمة آية رسالية من الله لمرة واحدة على مدار الزمن لا يفتح باب السفسطة ، وإنما سد هنا باب المرطقة الصليبية على المجازفين فيها.

فلا يعني ذلك الإلقاء لمرة يتيمة أن الله يلقي شبه كل إنسان على آخر على طول الخط ، كما لا يعني حية العصى لموسى أن كل عصى تبدل حية تسعى ، ولا خروج الجمل عن الجبل لصالح ان كل جبل يخرج منه جمل ، ولا إشارة محمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الى القمر حيث انشق بها القمر ، أن كل إشارة من كل مشير الى القمر ينشق بها القمر.

وأما أن الله أيده بروح القدس فهل عجز هنا عن تأييده فاضطر الى هذه الحيلة؟ فذلك التأييد الأكيد هو الذي نجاه من ذلك القتل اللعين (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) وهم يتقولون أنه صلب هكذا وبكل مهانة ومذلة فأين ـ إذا ـ ذلك التأييد!.

فهل إن إلقاء شبهه على عدوه ورفعه الى السماء عجز ومهانة ، وإلغاؤه في ذلك المسرح اللعين قوة وكرامة؟!.

وأما أن واقع ذلك الإلقاء لا يحول اليهود عن يقين الصلب ، فغير واقع كما يزعمون ، حيث بيّن القرآن ذلك الواقع وخطأ اليهود في يقينهم والنصارى في شكهم ولا ينبئك مثل خبير ، كما ونصوص من التوراة والإنجيل تتجاوب مع القرآن في ذلك التكذيب.

فالظن ممن أدعوا قتله ، والظن منهم حيث رأوا كأن المسيح (عليه السّلام) صلب ، ولكن : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) ثابتا لا حول عنه (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً).

٤٢٦

ذلك! وما من أحد من هؤلاء وهؤلاء يقول ما يقوله عن يقين إلّا ظنا ، فلقد تتابعت الأحداث سراعا وتضاربت الروايات وتداخلت حول صلبه في تلك الفترة بحيث يصعب الاهتداء فيها الى يقين إلّا ما يقصه القرآن العظيم ، حيث الأناجيل ـ وحتى الأربعة المصفّاة من بينها ـ كتبت بأيدي غير أمينة بعد فترة من عهد المسيح وهي متضادة في نقل القصة ، كيف لا والحضور في واقع القصة كانوا حيارى مما حصل فضلا عمن بعدهم من المضطهدين لإنجيله!.

ذلك! وفي قصة الصلب أساطير تستحي عن نقلها الأقلام ، ولكي تعرف القصة بأصلها وفصلها حسب القرآن والإنجيل ومختلف الآراء بين علماء الإنجيل ، نفتح لكم منها أبوابا :

١ العهدان يتجاوبان في نكران الصلب

في إنجيل متى ٣٦ : ٣١ ومرقس ١٤ : ٢٧ «كلكم تشكون في في هذه الليلة» قالها المسيح مخاطبا للحواريين ليلة الصلب.

فكيف يصدّق الشاكون فيه إيمانا به أو في صلبه في رواية الصلب؟!.

ومن مقالات المسيح (عليه السّلام) : إن أيدي اليهود لم تمسه ـ كما في يوحنا ٧ : ٣٢ ـ ٣٤ «... فأرسل الفريسيون ورؤساء الكهنة خداما ليمسكوه. فقال لهم يسوع أنا معكم زمانا يسيرا بعد ثم أمضي الى الذي أرسلني ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا» فكيف يكذّب المسيح (عليه السّلام) في صراح قوله لممسكيه : «ستطلبونني ولا تجدونني وحيث أكون أنا لا تقدرون أنتم أن تأتوا» ثم يصدّق اليهود والذين صدقوهم ، ولا تحتمل «لا تجدونني ـ ولا تقدرون أن تأتوا» وجدانه في برزخه وإتيانه فيه إذ لم يرسلوا ليمسكوه في البرزخ!.

٤٢٧

ذلك ولقد نسمع مختلق الصلب بولص يتفلت في رسالته الى العبرانيين ف ٧ قائلا : الذي في أيام جسده إذ قدم بصراخ شديد ودموع وطلبات وتضرعات للقادر أن يخلصه من الموت وسمع له من أجل تقواه «إذا فكيف له موت الصليب اللعين وهو شر موت كما يقول!

ومن العهد العتيق تصريحة دانيال كما في الأصل العبراني :

«وأحرى هشابو ميم ثيشيم ووشيم يكارت ما شيح» (دانيال ٩ : ٣٦) : وبعد إثنين وستين أسبوعا ينقطع المسيح ويختفي» وغير خفي أن اختفاءه لا يعني إلا غيابه المحير للحاضرين حيث الصلب أو القتل والموت ـ لو كان واقعا عليه ـ غير خفي.

ذلك ومن كبار علماء الإنجيل قائلون بمقالة القرآن ، مستنكرين خرافة العذاب الصليبي ، مستخفين بالصلب والصليب والمصلوب ، ومنهم إحدى عشر طائفة ممن يذكرهم موسيهيم في تاريخه (١) ويقول الموسيوارد او ارسيوس (٢) «إن القرآن ينقل قتل عيسى وصلبه ويقول بأنه ألقي شبهه على

__________________

(١) هو الأستاذ الشهير الذي كان يدرس في مدارس اللاهوت الإنجيلية ، وهؤلاء هم : الساطرنيوسيون ـ الكاربوكراتيون ـ المركبونيون ـ البارديسيانيون ـ التاتيانيسيون ـ المانيسيون ـ البارسكاليونيون ـ البوليسيون ـ الدوسيتية ـ الموسيونية ـ الغلنطانيائية.

(٢) هو أحد أعضاء الأنسيتوري الفرنسي في باريس المشهور بمعارضته المسلمين في كتابه : عقيدة المسلمين في بعض المسائل النصرانية ص ٤٩ ، يقول فيه من القائلين مقالة القرآن : مباسيليديون كانوا يعتقدون أن عيسى (وهو ذاهب لمحل الصلب) القي شبحه على (سيمون السرياني) تماما والقي شبح سيمون عليه ثم أخفى نفسه ليضحك على مضطهديه اليهود الغالطين.

ومنهم السيرنثيون فأنهم قرروا أن أحد الحواريين صلب بدل عيسى وقد عثر على فصل من كتاب الحوريين وإذا كلامه نفس كلام الباسليدينيين.

ومنهم التاتيانوسيون اتباع تاتيانوس تلميذ يوستينوس الشهيد.

٤٢٨

غيره فغلط اليهود فيه وظنوا أنهم قتلوه وما قاله القرآن موجود عند طوائف نصرانية».

ويقول الموسيوارتست ذي بونسن الألماني (١) : إن جميع ما يختص بمسائل الصلب والفداء هو من مبتكرات ومخترعات بولص ومن شابهه من الذين لم يرووا المسيح وليست من الأصول النصرانية الأصلية.

وقال «ملمن» (٢) «إن تنفيذ الحكم كان في وقت الغلس وإسدال الظلام ، فيستنتج من ذلك إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس منتظرين حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف وصدقهم القرآن.

وعلى الجملة فإن أغلب الشعوب الشرقية قبل الإسلام رفضت مسألة الصلب والقتل بحق المسيح (عليه السّلام) حتى أن الباسيليوس الباسيليدي يقول : إن نفس حادثة القيامة ـ قيام المسيح بعد الصلب والقتل ـ هي من ضمن البراهين الدالة على عدم حصول الصلب على ذات المسيح ، ومعلوم أن نصارى سوريا هم الذين وقعت هذه الحادثة بينهم فهم أقرب الناس الى العلم بحقيقتها ، وكذلك من جاورهم من نصارى المصريين وغيرهم لحصول الجوار وقرب المسافة.

تناقض النقل الإنجيلي في رواية الصلب

ومما يوهن رواية الصلب ويستأصله هي التناقضات الثمان في النقل

__________________

(١) في ج ١ من تاريخ الديانة النصرانية.

(٢) في كتابه : الإسلام أي النصرانية الحقة ص ١٤٢.

٤٢٩

الإنجيلي في رواية الصلب ، مما يبين دون ريب أن الرواة لم يكونوا يشهدونه ، وإنما تناقلوه أو تخيلوه.

فقد اختلفت الأناجيل في : ١ حامل الصليب ٢ والاقتراع على ثياب المصلوب ٣ وما كتب فوق رأسه ، ٤ ورفيق المصلوب ٥ والمستهزئين به ٦ ودعاءه ٧ وصرخته ٨ وآخر كلامه (١).

__________________

(١) حامل الصليب : في متى ومرقس ولوقا (سمعان القيرواني) وفي يوحنا أنه المسيح نفسه.

وشراب المصلوب : في متى أنهم أعطوه خلا ممزوجا بمرّ ، ومرقس أنه كان خمرا بمرّ.

والاقتراع على ثيابه : في متى ومرقس ولوقا أنهم اقتسموا ثيابه واقترعوا عليها ، وفي يوحنا أن المقسوم عليهم أربعة اقترعوا على قميصه فحسب.

وما كتب فوق رأسه : في متى جعلوا فوق رأسه مكتوبة كالتالي : هذا هو يسوع ملك اليهود ، ثم صرح لوقا أنها كانت بأحرف يونانية ورومانية وعبرانية ، ويوحنا : أنها باللاتينية عوض الرومانية.

ورفيق المصلوب : في متى ومرقس أنهما كانا لصين ، ولوقا : أنهما كانا من المذنبين ، ويوحنا لم يذكر جريمتهما.

والمستهزئين بالمصلوب : في متى ومرقس ولوقا : استهزء به المارون ورؤوساء الكهنة والشيوخ واللصان اللذان معه بقولهم : خلّص آخرين وأما نفسه فما يقدر أن يخلصها ، وفي يوحنا أنهم قالوا : السّلام عليك يا ملك اليهود رغم أنه كان حاضرا وقت الصلب ولكنه لا يذكر شيئا مما كتبه الثلاثة.

ودعاء المصلوب : في لوقا : قول المسيح : «يا أبتاه اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ما يفعلون» والثلاثة الآخرون لم يذكروها رغم ما وعد لوقا بداية إنجيله أنه لا يكتب شيئا إلّا بعد تأكده ممن شاهدوا ـ أي الثلاثة الآخرون ، ورغم أنها كانت ضربة قاضية على النصرانية.

إذ إن معنى هذا الدعاء أن المسيح ليس بيده من الأمر شيء وأنه لم يصلب فداء عن الخطيئة إذ يعتبر الصلب خطأ من فاعليه والفداء عن الخطيئة ـ على حد تعبيرهم ـ من أهم الأصول المسيحية!.

وصرخة المصلوب : في متى ومرقس أن المصلوب صرخ مرتين ، وفي لوقا مرة واحدة ويوحنا يكذب الثلاثة : أنه لم يصرخ!.

وآخر كلام المصلوب : في يوحنا أنه : يا أبتاه في يديك استودع روحي ، ومتى ومرقس أنه : يا إلهي إلهي لماذا تركتني؟.

٤٣٠

شبهات أخرى مسيحية حول الصلب

يروى عن بعض المدققين من علماء أوروبا الأحرار وكذا الذين يسمّون ، المسيحيين العقليين ، أن الذي صلب ـ مهما كان مسيحا أم سواه ـ لم يمت ، بل أغمي عليه ولفّ باللفائف ووضع في ذلك الناووس ، أفاق وألقى اللفائف حتى إذا جاء الذين رفعوا الحجر لافتقاده خرج واختفى عن الناس حتى لا يعلم به أعداءه.

ومن براهينهم أن المصلوب لم يجرح منه إلا كفاه ورجلاه وهي ليست من المقاتل ، ولم يمكث معلقا إلا ثلاث ساعات ، وكان يمكن أن يعيش على هذه الصفة عدة أيام ، وأنه لما جرح بالحربة خرج منه دم وماء والميت لا يخرج منه ذلك بل قالوا إن ذلك لم يكن صلبا تاما.

ومن الشاهد على شيوع هذا الرأي ما جاء في ذخيرة الألباب في بيان الكتاب (٦٣٥) كالتالي : للكفرة والجاحدين في تكذيب تلك المعجزة مذاهب شتى ... فمنهم من استفزتهم مع (بهردواك وبولس غتلب) حماقة الجهل ووساوس الكفر الى أن قالوا : أن يسوع نزل عن الصليب حيا ودفن في القبر حيا.

يهوذا شبيه المسيح!

واتفقت النصارى على أن يهوذا الأسخر يوطي هو الذي دل على يسوع المسيح وكان رجلا عاميا من بلدة خريوت في أرض يهوذا ، تبع المسيح وصار من خواص أتباعه وحوارييه الاثنى عشر ، ومن الغريب أن يهوذا كان يشبه المسيح في خلقه كما نقل جرج سايل الإنجليزي في ترجمته للقرآن المجيد فيما علقه على سورة آل عمران ، نقل وعزى هذا القول الى (السير نثيين والكربوكراتيين) من

٤٣١

أقدم فرق النصارى الذين أنكروا صلب المسيح وصرحوا بأن الذي صلب هو يهوذا الذي كان يشبهه شبها تاما.

والنصارى مجمعون أن يهوذا فقد بعد قصة الصلب حيث افتقدوه وما وجزوه ولكنهم حفاظا على أكذوبة صلب المسيح وجهوا فقد يهوذا كالتالي :

«إن يهوذا أسف وندم على ما كان من إسلامه المسيح الى اليهود حتى حمله ذلك على بخع نفسه انتحارا فذهب الى حقل وخنق نفسه فيه» (متى ٢٧ : ٣ ـ ١٠) أو «علق نفسه في ذلك الحقل» (أعمال الرسل ١ : ١٨).

ذلك وحصيلة الخلاف المسيحي حول الصلب : ١ أن المسيح لم يصلب وإنما صلب يهوذا الملقى عليه شبح المسيح ٢ أن يهوذا كان شبيه المسيح ٣ أن المسيح صلب ولم يمت على الصليب ٤ أنه صلب ومات على الصليب.

برنابا والصليب.

وشاهد صدق إنجيلي على تزييف الصليب شهادة القديس برنابا الحواري في إنجيله الذي كتبه بإملاء السيد المسيح (عليه السّلام) قائلا : «فاعلم يا برنابا إنه لأجل هذا يجب عليّ التحفظ وسيبيعني أحد تلاميذي بثلاثين قطعة من نقود وعليه فإني على يقين من أن من يبيعني يقتل باسمي لأن الله سيصعدني من الأرض وسيتغير منظر الخائن حتى يظنه كل أحد إياي ومع ذلك فإنه لما يموت شرّ ميتة أمكث في ذلك العار زمنا طويلا في العالم ... ولكن متى جاء «محمد» رسول الله المقدس تزال عني هذه الوصمة وسيفعل الله هذا لأني اعترفت بحقيقة مسيّا الذي سيعطيني هذا الجزاء أي أن أعرف أني حي وأني بريء من وصمة تلك الميتة» «برنابا ١١٢ : ١٣ ـ ١٨) و (٢٢٠ : ٩ ـ ٢٠).

٤٣٢

«ودخل يهوذا بعنف إلى الغرفة التي أصعد منها يسوع ، وكان التلاميذ كلهم نياما فأتى الله العجيب بأمر عجيب فتغير يهوذا في النطق وفي الوجه فصار شبيها بيسوع حتى أننا اعتقدنا أنه يسوع. أما هو فبعد أن أيقظنا أخذ يفتقد لينظر أين كان المعلم لذلك تعجبنا وأجبنا : أنت يا سيد هو معلمنا ، أنسيتنا الآن؟. أما هو فقال مبتسما : هل أنتم أغبياء حتى لا تعرفون يهوذا الاسخريوطي؟ وبينما كان يقول هذا دخلت الجنود وألقوا أيديهم على يهوذا لأنه كان شبيها بيسوع من كل وجه» (برنابا ٢١٦ : ١ ـ ٩).

«أما يسوع فوجده الذي يكتب ويعقوب ويوحنا ـ فقالوا وهم باكون : يا معلم لماذا هربت منا؟ فلقد طلبناك ونحن حزانى. بل إن التلاميذ كلهم طلبوك باكين ، فأجاب يسوع : إنما هربت لأني علمت أن جيشا من الشياطين يهيئ لي ما سترونه بعد برهة وجيزة فسيقوم علي رؤساء الكهنة وشيوخ الشعب وسيطلبون أمرا من الحاكم الروماني بقتلي لأنهم يخافون أن اغتصب ملك إسرائيل. وعلاوة على هذا فإن واحدا من تلاميذي يبيعني ويسلمني كما بيع يوسف الى مصر ، ولكن الله العادل كما يقول النبي داود (١) من نصب فخا لأخيه وقع فيه ، ولكن الله سيخلصني من أيديهم وسينقلني من العالم. فخاف التلاميذ الثلاثة ولكن يسوع عزاهم قائلا : لا تخافوا لأنه لا يسلمني أحد منكم فكان لهم بهذا شيء من العزاء» (برنابا ١٣٩ : ١ ـ ١٠).

الصلب والفداء اليسوعي :

ان قصة الصلب بحق سيدنا المسيح (عليه السّلام) التي يشدّد القرآن النكير عليها ، ليست كقصة من سائر القصص التي يمرّ عليها مر الكرام ، بل

__________________

(١) (كما في مزمور ٩ : ١٥ ـ ٥٧ : ٦).

٤٣٣

هي بمتعلقاتها وأصولها الأساطيرية الغابرة طول تاريخ الوثنية قصة إباحية بربرية تفك كافة القيود المقررة في شرائع الله ، فهي ذات أهمية كبرى إيجابا من الإباحيين المتسترين في طليق شهواتهم بقشور ونقابات شرعية! وسلبا من الشرعيين الحقيقيين.

ولقد كان حامل شعلة الصلب المحرقة شرعة المسيح وكيانه هو بولص قائلا : «المسيح افتدانا من لعنة الناموس إذ صار لعنة لأجلنا لأنه مكتوب ملعون من علق بخشبة. لتصير بركة إبراهيم للأمم في المسيح يسوع لننال بالإيمان موعد الروح» (٣ غلاطية ١٣ : ١٤).

وكتابة اللعنة هذه هي التي في تثنية التوراة ٣١ : ٢٢ ـ ٢٣ : «وإذا كان على إنسان خطيئة حقها الموت فقتل وعلقته على خشبة فلا تبت جثته على الخشبة بل تدفنه في ذلك اليوم ، لأن المعلق ملعون من الله. فلا تنجس أرضك التي يعطيك الرب إلهك نصيبا».

هذا النص يعتبر المعلق المبيّت على خشبة ملعونا إذا كان عليه خطيئة حقها الموت ، وبولص يعتبر تلك اللعنة خلاصا لمن يعتقد في ذلك الفداء العارم التصفوي لكافة الذنوب ، الإباحي الطليق لكل عصيان!.

ولكي يؤكد على النجاة بلعنة الصليب عن لعنة الناموس يعتبر شريعة الناموس منسوخة بذلك الفداء قائلا : «الشريعة الموسوية غير واجبة على المسيحيين لأنهم تحت التوفيق (١) وتلكم الشرائع نسخت بعد صعود المسيح (٢) والمسيح حصر الشريعة في حب الله (إله الأقانيم!) وحب الجار

__________________

(١) روم ٤ : ١٤ ـ ١٥ و ٧ : ٤ و ٦ وغلاطية ٣ : ١٣ و ٢٥ و ٥ : ١٨.

(٢) غلاطية ٣ : ٢٤ وفس ٢ : ١٥ وعب ٩ : ١٠ ،

٤٣٤

كما تحب نفسك» (١).

ذلك رغم تصريح التوراة «ملعون من لا يقيم كلمات هذا الناموس ليعمل بها ويقول جميع الشعب آمين» (تث ٢٧ : ٢٦).

وكما المسيح (عليه السّلام) يصرح : «لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء ما جئت لأنقض بل لأكمل. فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى أصغر في ملكوت السماوات ، وأما من عمل وعلم فهذا يدعى عظيما في ملكوت السماوات» (متى ٥ : ١٧ ـ ١٩) و «بولص» يعني الصغير فقد وافقه اسمه إثمه أن نقض وصايا الناموس وكما أخبر به السيد المسيح (عليه السّلام).

بولص يأتي بصوفيته العارمة ويختلق أسطورة الأقانيم والفداء الصليبي ليستأصل شريعة الله عن بكرتها وتبعه من تبعه من حزبه الصوفيين لتحتل الإباحية مكان الشريعة (٢) والفداء الصليبي عريق في الوثنية العتيقة (١) ثم

__________________

(١) إنجيل متى ٢٢ : ٣٧ ـ ٤٠ راجع (عقائدنا) فقيه بحث فصل حول لغة الصليب.

(٢) يقول القس الدكتور فندر الألماني في كتابه ميزان الحق وهو على حد قوله رد على الإسلام : أن المسيح لعن من أجلنا بالموت الصليبي.

ويقول الدكتور همند في شرح الآية (غلا ٢ : ٢٠) وصلبت مع المسيح وأنا الآن حي لكنني لست بحيّ بل إن المسيح هو الحي فيّ وما نلت الآن من الحياة الجسمانية فهو متعلق بالإيمان بابن الله الذي أحبسني وجعل نفسه فدية لأجلي أي خلفني ببذل روحه لأجلي عن شريعة موسى ..

وقال في شرح الآية (٢١) أستعمل هذا العتق لأجل ذلك ولا أعتمد في النجاة على شريعة موسى ولا أفهم أن أحكام موسى ضرورية لأنه يجعل إنجيل المسيح كأنه بلا فائدة.

ويقول الدكتور : وت بي ـ ولو كان كذا فاشترى النجاة بموته ما كان ضروريا وما كان في موته حسن مّا.

ويقول باهل : لو كانت شريعة اليهود تعصمنا وتنجينا فأية ضرورة كانت لموت المسيح ولو كانت ـ

٤٣٥

__________________

ـ الشريعة جزء لنجاتنا فلا يكون موت المسيح لها كافيا.

وفي تفسير دوالي جيردمينت قول دين أستان هوب : نسخ رسومات الشريعة بموت عيسى وشيوع إنجيله. وقال لوطر في ص ٤٠ : ٤١ من ج ٣ من كتابه كما ينقله عنه وارد كاتلك في ص ٣٨ من كتابه : لا نسمع من موسى ولا ننظر إليه لأنه كان لليهود فقط ولا علاقة له بنا في شيء مّا.

وهكذا مقالات نفر آخرين مثل إسلي بيس وفرقة أنتي نومنس وهم أتباعه وأخيرا برتراندراسل في قوله : وأخيرا أرسل الإله الأسمى ابنه مؤقتا ليحل في جسم يسوع الإنسان كي يحرر العالم من تعاليم موسى الخاطئة.

(١) يقول دوان في كتابه ١٨١ ـ ١٨٢ : ان تصور الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة فداء عن الخطيئة قديم العهد جدا عند الهنود الوثنيين وغيرهم وذكر هذه التقدمة عند الهنود لعصر الفديك بمعنى العلم بالديانات وهي كتابات شعرية وترنيمات للهنود مؤلفة من أربع كتب وقد كتبت قبل المسيح بألف سنة.

وكتاب الركفدا .. يمثل الآلهة يقدمون «بروشاو» وهو الذكر الأول قربانا ويعدونه مساويا للخالق ...

وجاء في كتاب «التزيابرهما» ما نصه : وسيد المخلوقات «برجاباتي» قدم نفسه ذبيحة للآلهة.

وفي كتاب «استباتابرهما» ما نصه : والعالم لهذه الذبيحة (بروشاميدا) أي ضحية الذكر الأولى يصير كل شيء.

وقال هوك في رحلته ج ١ : ٣٢٦ ويعتقد الهنود الوثنيون بالخطيئة الأصلية.

وقال دوان : ويعتقد الهنود بأن كرشنا (المولود البكر الذي هو نفس الإله (فشنو) والذي لا ابتداء له ولا انتهاء على رأيهم تحرّك حنوا لكي يخلص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلص الإنسان بتقديم نفسه ذبحية عنه.

وقال القس جورج كوكس في كتاب الديانات القديمة وتصف الهنود كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتا لأنه قدم شخصه ذبيحة ويقولون : إن عمله هذا لا يقدر عليه أحد سواه.

وقال المسيو كوينيو ـ نقلا عن كتاب لاندي ـ الآثار المسيحية : يذكر الهنود موت كرشنا بأشكال متعددة أهمها أنه مات معلقا على شجر سمر بها بضربة حربة.

وقد صور الراهب (جورجيوس) الإله (اندرا) الذي يعبده أهالي (النيبال) مصلوبا كما يصورونه

٤٣٦

نراه حرفياُ في صلب المسيحية (١)

__________________

ـ يوم عيده الذي يقع في شهر آب.

وجاء في ترنيمة (بوظا) عانيت الاضطهاء والامتهان والسجن والموت والقتل بصبر وحب عظيم لجلب السعادة للناس وسامحت المسيئين إليك ، ويدعون بوظا الطبيب العظيم مخلص العالم والممسوح والمسيح المولود الوحيد الوجيه وأنه قدم نفسه ذبيحة ليكفر آثام البشر ويجعلهم ورثاء ملكوت السماوات وبولادته ترك كافة مجده في العالم ليخلص الناس من الشقاء والعذاب كما نذر.

وقال بيل في كتابه تاريخ بوظا ص ٣٢ : قال (بوجانا) سأتخذ جسدا ناسوتيا وأنزل فأولد بين الناس لا محبهم السّلام وراحة الجسد وأزيل أحزان وأتراح العالم وان عملي هذا لا أبغى به اكتساب شيء من الغنى والسرور.

وقال لبي هوك في كتابه : رحلة هوك ـ إن بوظا بنظر البوظيين إنسان وإله معا وان تجسد بالناسوت في هذا العالم ليهدي الناس ويفديهم ويبين لهم طريق الإيمان.

وقال مكس مولر في كتابه تاريخ الآداب السنسكريتية ص ٨٠ : البوظيون يزعمون أن بوظا قال : دعوا كل الآثام التي ارتكبت في هذا العالم تقع علي لكي يخلص العالم.

وقال دوان : كان الفداء بواسطة التألم والموت لمخلص إلهي قديم العهد جدا عند الصينين وأن أحد كتبهم المقدسة المدعو (يبكنيك) يقول عن (تيان) أنه القدوس الواحد وأنه سيعيد الكون إلى البر ويعمل ويتألم كثيرا ولا بد له من اجتياز تيار عظيم تدخل أمواجه إلى نفسه فالقدوس تيان لأجل الناس يموت لكي يخلص الصالح وهو واحد مع الله منذ الأزل قبل كل شيء.

وقال (مورى) في كتاب الخرافات : يحترم المصريون (أوسيريس) ويعدونه أعظم مثال لتقديم النفس ذبيحة ليأنس الناس الحياة.

ويعتقد الوثنيون أن آلهتهم المتجسدين نزلوا إلى الجحيم بعد قتلهم أو صلبهم ليخلصوا الأموات ، مثل كرشنة ـ زورستر ـ أدونيس ـ باخوس ـ هرقل ـ عطارد ـ بالدور ـ كوتز لكوتل وغيرهم من آلهتهم المتجسدين المصلوبين.

(١) في إنجيل نيكو ديموس الأصحاح ١٥ : ١٧ ـ أنه دارت بينه وبين الشياطين محادثة في الجحيم وخل ص من فيها من النساء والأطفال والرجال ، وكذلك في كتاب صلاة النصارى (b ٣ : ١٦) واعتقاد الحواريين (ص ٦) وقتيقيسمون ص ٦٠ ، ٦٤ ، ٧٥ ، ٧٦ ـ أن المسيح دخل الجحيم بعد صلبه ، والقديسان : اكليمنغس الاسكندري واوريجانس يعتبرون ذلك من بشارات الإنجيل ـ

٤٣٧

__________________

ـ (وهما من أكبر الأساتذة في كنيسة الإسكندرية في القرون الأولى المسيحية وأكليمنغس أستاذ اوريجانس ووفاته ٢١٤ م كما اوريجانس مات ١٥٤ م.

والقديس كريسستوم (٣٧٤ م) يعتبر منكري هذه البشارة الإنجيلية كافرا وهذا كما في (٢٤١ : ٣١ وبط ٣ : ١٧ ـ ١٩ ومكاشفات فيلبس تأليف فيلبس كود الوفس ١٦٦٩ في رومية الكبرى ط بسلوقيت.

ويقول القس مار طيروس في توجيه عذاب المسيح في الجحيم : لما نزل ربنا المسيح من اللاهوت إلى الناسوت ولبس الجثمان البشري لذلك كان ولا بد أن يتحمل جميع العوارض البشرية ولأجله دخل جحيم النار وعذب فيها وخلص أهلها منها ولا تحتاج هذه العقيدة إلى برهان.

ويقول القس يوسف ولف : أجل إنه عذب ولا ريب فيه ولا عيب.

ويقول فخر الإسلام في كتابه أنيس الأعلام : جرت لي مناظرة مع باطر وسألته عن ذلك فأجابني بكل صراحة ؛ إن المسيح دخل الجحيم وعذب بدلا منا.

وفي كتاب اللاهوت العقائدي تأليف لوديغ اوث ج ٢ ص ١٠١ : نزل المسيح بعد موته إلى الجحيم بنفسه المنفصلة عن جسده ، الجحيم هو مقر نفوس الأبرار الذين ماتوا قبل المسيح ، ويتضمن قانون الرسل في أحدث صيغة له (القرن الخامس) هذه العبارة : ونزل إلى الجحيم ، وكذلك قانون D) euicumque ٤٠) والمجمع اللّاتراني الرابع (١٢١٥) يعلن بأكثر دقة : ونزل إلى الجحيم» .. لكن بنفسه (D ٤٢٩ انظرD ٣٨٥).

والقديس بولس يذكر مكوث المسيح في الجحيم (روم ١٠ : ٦ ـ ٧) والتقليد يجمع على القول بنزول المسيح إلى الجحيم كما القديس اغناطوس الأنطاكي وايريناس يصرحان بذلك.

والقديس اوغسطينوس يمثل إيمان الكنيسة جمعاء بقوله : من يمكنه انكار نزول المسيح إلى الجحيم سوى غير المؤمن (رسالة ١٦٤ ـ ٢ : ٣) والكتب المنحلة أيضا تشهد على إيمان الكنيسة بنزول المسيح إلى الجحيم.

وغاية هذا النزول إلى الجحيم على ما يقول علماء اللاهوت عامة تخليص الأبرار منه وتخصيصهم بثمار الفداء ، أي اشراكهم في الرؤية الطوباوية (انظر القديس توما ٣ ـ ٥٢ : ٥ ، التعليم المسيحي الروماني ١ ـ ٦ : ٦).

٤٣٨

(بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (١٥٨).

(وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ) فهل مات وقتئذ دون قتل أو صلب؟ كلا! (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) وذلك رفع في المكانة لا في المكان فحسب ، إنما رفعه الله من هذا الجمع الجامح الكالح الذي أراد صلبه ، وهو في صيغة أخرى : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ...) (٣ : ٥٥).

والتوفّي هو الأخذ وافيا وهو هنا أخذه من بين الظالمين تطهيرا له عن العذاب الصليبي الذي طالت مخلفاته اللّاطائلة بين اليهود والنصارى.

فلا يعني رفعه إليه ضمّه إليه سبحانه إذ ليس له مكان ، ولا قتله أو صلبه حيث سلبهما عنه ولا موته للآية التالية :

(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) (١٥٩).

هنا (قَبْلَ مَوْتِهِ) تعني قبل موت المسيح ، فهل آمن به أهل الكتاب حتى الآن وحتى المسيحيين منهم فضلا عن اليهود؟ فليكن حيّا حتى الآن ، وقد يؤمن به أهل الكتاب العائشون قرب موته وهو زمن ظهور المهدي القائم من آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين حيث ينزل المسيح ويصلي وراءه فلما يراه أو يسمعه أهل الكتاب يصلي وراءه يؤمنون به ، وهو في نفس الوقت إيمان بالرسالة الإسلامية ، اللهم إلّا ممن شذ منهم المعنيين بمثل قوله تعالى : (فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ..).

والقول إن (قَبْلَ مَوْتِهِ) تحتمل قبل موت كل كتابي ، مردود أدبيا ومعنويا بالوجوه التالية :

١ لو عني ب «موته» موت الكتابيين كانت قضية الفصاحة «قبل موتهم»

٤٣٩

لكيلا يحتمل موت المسيح (عليه السّلام) بل وذلك قضية الجمع في (إِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) أي : ان أحد من أهل الكتاب ، فهو ـ إذا ـ كلهم فكيف يناسبهم ضمير المفرد (قَبْلَ مَوْتِهِ) وإن لم يشتبه الأمر؟ ولا يعارض هذا بإفراد «ليؤمنن» إذ لا يأتي فيها هذه الشبهة.

٢ المرجع في هذا الاحتمال وهو (أَهْلِ الْكِتابِ) أبعد من المرجع على ما نقول وهو المضمر إليه في «به» فالأصح هو الأقرب قضية كونه أحسن الوجهين.

٣ محور الكلام هو المسيح فليكن هو المرجع لضمير «موته» حتى ولو كان أبعد ذكرا وهو أقرب.

٤ الضمائر المفردة في هذه الآيات ك «قتلوه ـ صلبوه ـ شبه ـ فيه ـ منه ـ رفعه ـ به ـ يكون» ـ وهي ثمانية عدد أبواب الجنة ـ كلها راجعة إلى المسيح (عليه السّلام) فكيف تخلف في هذه اليتيمة (قَبْلَ مَوْتِهِ) عن المرجع لهذه الثمانية؟!.

٥ إن المسيح أعتبر شهيدا على أهل الكتاب يوم القيامة ، فهل يشهد على إيمانهم كلهم والإيمان عند رؤية البأس لا ينفع ، و «ليؤمنن» تعني أكيد الإيمان دون مكيده أيا كان من مثلثه ، فليس (قَبْلَ مَوْتِهِ) إيمانهم عند رؤية البأس ، إنما هو إيمانهم بما يرون من آيات صدقه يوم نزوله.

٦ لو عني قبل موت أهل الكتاب في استغراق الإيجاب (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ) لكان اليهود قبل بعثة المسيح مؤمنين به قبل موتهم ، وهم لم يؤمنوا به بعد مبعثه ، بل وظنوا أنهم قتلوه ، ولكن إيمانهم قبل موت المسيح يحد عديد المؤمنين به أنهم الذين يعيشون قرب موته.

٤٤٠