الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٧٦

معارك التجربات المرة ، لتصبح الحياة الإيمانية حلوة.

فحين يكون المشهود عليه أوله غنيا قد تقتضي الأوضاع الاجتماعية مجاملة ، أو قد تثير غناه وتبطره النفس ضده فتحاول أن تشهد ضده ، أو يكون فقيرا تستغل ضعفه وفقره للشهادة عليه ، أو تشفق عليه فتشهد له معاونة لضعفه ، فالمشهد الإيماني يجنّد النفس تجاه هذه الملتويات والعقبات الكئودة أن الله هو الأولى وحقه أرعى ف (اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى).

إن الحقّ بمرّه هو المحور في شرعة الله دون الهوى مهما خيّل إليك أنها حق رغم تخلفها عنه ، فالهوى صنوف شتّى هي خطوات للشيطان ، فحبّ الذات الأعمى هوى ، وحب الأهل ـ الأعمى ـ هوى ، والعطف على الفقير أو مضارته هوى ، ومجاملة الغني أو مضارته هوى ، وشنآن العدو في موقف الشهادة هوى ، كما وحب آخرين في موقفها هوى ، فلتكن الشهادة له أو عليه مجردة عن كل الأهواء على أية حال ، ناحية منحى الحق لله على أية حال.

تلك قوامية بالقسط شهادة لله ، وهو فوق العدل و «العدل أقل ما وضعت» (١) يا رب! ذلك ، ولأن القوامية بالقسط شهادة لله ولو على النفس

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ٢٣٤ ـ أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في الآية قال : هذا في الشهادة فأقم الشهادة يا ابن آدم ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين أو على ذي قرابتك وأشراف قومك فإنما الشهادة وليست للناس وإن الله تعالى رضي بالعدل لنفسه والاقساط والعدل ميزان الله في الأرض به يرد الله من الشديد على الضعيف ومن الصادق على الكاذب ومن المبطل على المحق وبالعدل يصدق الصادق ويكذب الكاذب ويرد المعتدي ويوبخه تعالى ربنا وتبارك وبالعدل يصلح الناس يا ابن آدم ان يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما يقول : الله أولى بغنيكم وفقيركم ولا يمنعك غنى غنيّ ولا فقر فقير أن تشهد عليه بما تعلم فإن ذلك من الحق وذكر لنا أن نبي الله موسى قال يا رب أي شيء وضعت في الأرض أقل؟ قال : «العدل أقل ما وضعت» أقول : ومن ثم الأكثر هو القسط والفضل.

٣٨١

والنفيس بحاجة الى كامل الإيمان وكافله في ذلك الحقل ، لذلك :

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) ١٣٦.

أترى (الَّذِينَ آمَنُوا) هم ـ فقط ـ المؤمنون بهذه الرسالة السامية؟ وهم مؤمنون بما استجد أمرهم به (بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ وَالْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ)! وليست تعني «آمنوا» الثانية ـ فقط ـ مزيد الإيمان بنفس الرسالة ومقتضياتها ، فإن عبارته الصالحة «ازدادوا إيمانا»!

لذلك فقد تعني (الَّذِينَ آمَنُوا) كل من له إيمان مّا ببعض هذه فليؤمن بالكل (١) أم بكلها فليزدد إيمانا ، فهي تشمل عدّة الإيمان وعدّته ، استجاشة للسلوك في كل مسالك الإيمان ، دون جمود وركود على حاضره.

فعلى الذين آمنوا بالله أن يؤمنوا برسالة الله ، وعلى المؤمنين به وبرسالة له أن يؤمنوا بكل رسالاته دون تفريق بينها ، حيث الإيمان بكل رسالات الله هو لزام الإيمان برسالة من الله ، كما الإيمان بها هو لزام الإيمان بالله (٢).

__________________

(١) المصدر أخرج الثعلبي عن ابن عباس أن عبد الله بن سلام وأسد وأسيد ابني كعب وثعلبة بن قيس وسلاما ابن أخت عبد الله بن سلمة وسلمة ابن أخيه ويامين بن يامين أتوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقالوا يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وموسى والتوراة وعزيز ونكفر بما سواه من الكتب والرسل فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن وبكل كتاب كان قبله فقالوا : لا نفعل فنزلت هذه الآية فآمنوا كلهم.

(٢) المصدر ـ أخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : يعني بذلك أهل الكتاب كان الله قد أخذ ميثاقهم في التوراة والإنجيل وأقروا على أنفسهم أن يؤمنوا بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلما بعث الله رسوله دعاهم الى أن يؤمنوا بمحمد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والقرآن وذكرهم الذي أخذ عليهم من الميثاق فمنهم من صدق النبي واتبعه ومنهم من كفر.

٣٨٢

وهنا «رسوله» في حقل الإيمان الرسالي الأخير ليس إلّا الرسول الأخير ، والتعبير عنه ب «رسوله» كأنه هو ـ فقط ـ رسوله ، للتأشير الى أنه يحمل كل رسالة الله ، فإنه يحمل كل ما حملته رسل الله ولديه مزيد هو الخلود.

إذا ف (الْكِتابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلى رَسُولِهِ) هو القرآن العظيم ، ثم (الْكِتابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ) هو جنس كتابات السماء ، كما و «كتبه» تؤيد ذلك الشمول.

(وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) جمعا لذلك الكفر أو تفريقا (فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً) حيث الكفر برسول أو كتاب واحد ومعه آياته الرسولية والرسالية ، ذلك كفر بكل رسل الله وكتاباته مهما تظاهر مدع للإيمان أنه ـ فقط ـ كافر ببعض ، وإن كان الكفر الطليق أكفر من غير الطليق ، ولكنهما مثل بعضهما البعض في الخروج عن الإيمان الطليق.

أجل وقضية الإيمان الصالح بالله الإيمان بالرسالة العامة الربانية لأنها قضية الرحمة الرحيمية ، ثم الإيمان بكل من حمل رسالة من الله حين يحمل معه آيته الرسالية ، ثم الإيمان بيوم الجزاء حيث الربانية الطليقة والرسالة الربانية دون جزاء هاوية خاوية.

إذا فأصول الإيمان هي سلسلة موصولة مع بعضها البعض لا تنفصل ، فإن كل سابقة من حلقاتها برهان لا مردّ له على كل لاحقة.

ذلك وفي واجهة أخرى ل (آمَنُوا آمِنُوا) استنهاض لكل من يحمل إيمانا أن يتوسع فيه ويحلق على كل أبعاده العرضية والطولية ، دونما إخلاد الى أرض واحدة في حقل الإيمان ، فعلى المؤمنين ككل أن يزدادوا إيمانا في عدّته وعدّته ، وفي باطنه الى ظاهره ، وفي كل مجالاته وجولاته : (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُدىً وَآتاهُمْ تَقْواهُمْ) (٤٧ : ١٧) (لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَيَزْدادَ

٣٨٣

الَّذِينَ آمَنُوا إِيماناً) (٧٤ : ٣١) (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدادُوا إِيماناً) (٤٨ : ٤).

هنا الذين آمنوا بألسنتهم ولمّا يؤمنوا بقلوبهم (قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) (٤٩ : ١٤) و (الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) ومنهم المنافقون ، والذين آمنوا ببعض وهم كافرون ببعض وهكذا ، كل أولاء داخلون تحت الخطاب أن «آمنوا» تكميلا لساحة الإيمان وتجميلا لسماحته.

ولقد قال الله في خصوص المؤمنين بهذه الرسالة السامية (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) (٥ : ٩٣).

وقد تعني الآية عشرة كاملة من وجوه الإيمان بعد الإيمان حيث الجمع أجمع (١).

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) ١٣٧.

هنا عرض لأردء الارتدادات عن الإيمان ، كفر مرتين بعد مرتي الإيمان ، وازدياد كفر بعد الثانية ، جريمة نكراء بحق الإيمان والمؤمنين حيث تزعزع بسطاءهم وترددهم في إيمانهم ، فهم من المتآمرين على حق الإيمان ، المؤتمرين

__________________

(١). «آمنوا صوريا آمنوا حقيقا» ٢ «آمنوا بالله آمنوا برسل الله وكتبه» ٣ «آمنوا ناقصا آمنوا كاملا» ٤ «آمنوا في أية درجة كملوا الإيمان بدرجاته» ٥ «آمنوا في الماضي آمنوا في المستقبل وقد تؤيده «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا» ٦ «آمنوا تقليديا آمنوا ببرهان» ٧ «آمنوا بالأدلة الإجمالية آمنوا بالأدلة التفصيلية» ٨ «آمنوا بالله وبعض الرسل والكتب آمنوا بجميع الرسل والكتب» ٩ «آمنوا بالتوراة آمنوا بالقرآن والإنجيل» ١٠ «آمنوا بالإنجيل آمنوا بالقرآن والتوراة».

٣٨٤

بالأمر المدبّر المشئوم (آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَاكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (٣ : ٧٢) وذلك من ازدياد الكفر حيث يتكرر لهذه البغية اللعينة.

فذلك ارتداد ملعون في أصله وفصله ، في أصله استهزاء بمادة الإيمان وأهله : (وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ) (٢ : ١٤).

وفي فصله استفزازا لهم حيث يتلكئون ، إذا ف (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) فإن غفرهم ظلم بالإيمان وأهله (وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً) إلّا سبيل جهنم ، (إِلَّا الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ ..) كما في تلحيقة هذه الآيات المتحدثة عن فنون النفاق الكافر والكفر المنافق بأرذله ، وآيات أخرى ك (كَيْفَ يَهْدِي اللهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ... إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ) (٣ : ٩٠).

ذلك ، وإذا قبلت التوبة الصالحة ممن تكرر منه الارتداد وإزداد كفرا ، فهلا تقبل ممن ارتد مرة ولا سيما عن جهالة ثم آمن عن صالح الإيمان؟!.

وقد تشمل (الَّذِينَ آمَنُوا) هناك (الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) كافة المؤمنين بالله دون المؤمنين بهذه الرسالة الأخيرة فقط ، فالذين آمنوا بموسى ثم كفروا به ثم آمنوا ثم كفروا وازدادوا كفرا بأن كفروا بمن بشر به كما كفروا به (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ..) ولماذا؟ لأن إيمانهم ليس مستقرا بل هو نفاق في الإيمان ف :

(بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً) ١٣٨.

٣٨٥

فإنهم أولاء الأنكاد حال ايمانهم ينافقون وحال كفرهم بعد ايمانهم يزدادون كفرا ، فلئن كانت لهم بشارة فهي هو العذاب الأليم فضلا عن النذارة.

ولو أنهم تابوا عن نفاقهم كما في آية التوبة الآتية ، غفر الله لهم ، فإنما (لَمْ يَكُنِ اللهُ) هناك و «بشر» هنا قضية طبيعة الحال في المنافقين الذين يتكرر منهم ظاهر الكفر بعد الإيمان.

فمثلهم ـ إذا ـ كمثل قوم يونس : (فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ ..) (١٠ : ٩٨) وهو بعد التهديد الشديد بعدم قبول الإيمان عند رؤية البأس : (فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنَّا بِاللهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا سُنَّتَ اللهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ) (٤٠ : ٨٥).

إذا ف (لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ) لا تعني إلّا الذين يموتون كفارا أولا يتوبون توبة نصوحا.

وقد تعني (لِيَغْفِرَ لَهُمْ) تأكد الغفران ، فهو المسلوب فقط دون أصله بإمكانيته في ظروفه الصالحة.

إذا فلا غفران إلّا لأهله في أهليته وهي صالح الإيمان مهما كفر قبله وارتد مرات ومرات.

فالكفر الذي يسبق الإيمان يغفره ويستره الإيمان ، فإن الذي لم يشهد النور معذور حيث هو مدلج في الظلام الديجور ، وأما الكفر بعد الإيمان ولا سيما في مراته وكراته ، فهو الكفر المقصر دون قصور ، والكفر المعاند دون فتور ، حيث الإيمان تكشف للفطرة التي فطر الناس عليها ، فالارتداد بعد الإيمان ارتجاع الى التيه الوقيح بعد النور ، اللهم إلّا الذي آمن نفاقا ثم كفر ، فهو

٣٨٦

لاعب بالإيمان إذ لم يعرفه ، فليس ضلاله كالذي ارتد بعد معرفة الإيمان كالذين (جَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَعُلُوًّا).

ولقد استغرقت شكيمة النفاق الدائر بين ظاهر الإيمان وباطن الكفر ، استغرقت مجالة واسعة وعرضا عريضا في هذه الآيات ، ولكي نعرف حبائل النفاق ومخلّفاته ضد كتلة الإيمان.

(الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) ١٣٩.

وهذه مواصفة أخرى للمنافقين أنهم (يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) اختصاصا لموالاتهم الكافرين ومعاداتهم المؤمنين ، فقد تعني (مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) أنهم لا يختصون موالاتهم بهم فإنما يستبدلون الكافرين بالمؤمنين ، وأما المولاة العوان بين هؤلاء وهؤلاء فهي موالات مشركة لا تعتبر من موالاة الإيمان ، كما العبادة المشركة ليست من عبادة الله.

وماذا يبتغون من هذه الموالاة الكافرة؟ (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ)! (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً) ولأهل الله ، ف (لِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلكِنَّ الْمُنافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ) (٦٣ : ٨).

فعزة الرسول والمؤمنين راجعة الى الله فإنها من الله على ضوء الإيمان بالله ، فلا معارضة بين آيتي اختصاص العزة بالله وتعميمها للرسول والمؤمنين.

إن عبودية الله وولاية الله ورسوله والمؤمنين هي كلها عزة واعتلاء ، فكيف يعتز المؤمن بمن يكفر بالله ، وكأن الله لا يكفيه عزة أم هو ذليل وأعداءه أعزة.

فالاعتزاز بأية موالاة في أيّ شأن من شؤون الكفار اهتزاز في الإيمان

٣٨٧

وابتزاز منه ، بل وموالاتهم محرمة على أية حال اعتزازا وسواه من غايات (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) فظاهرة الولاية ـ فقط ـ والضرورات تقدر بقدرها : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ) (٣ : ٢٨) وقد فصلنا القول حول ولايتهم والتقية منهم على ضوء هذه الآية فلتراجع.

ذلك ، ومن موالاتهم ألا تقعدوا معهم حين يكفرون بآيات الله ويستهزءون أو يمنعون فينتهون :

(وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بِها وَيُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) ١٤٠.

(قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ) من ذي قبل كما في الأنعام المكية ـ وهذه مدنية ـ : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (٦٨).

فكما الخوض مع الخائضين هو من شيمة الكافرين : (وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ) (٧٤ : ٤٥) كذلك القعود معهم حيث تتأثر بخوضهم أم لا تؤثر في تركهم ساكتا فيحسبونه منهم ف (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) مهما اختلف خائض ومشارك معه ، وقاعد ساكت عنه ، فإنهم ثالوث الدركات.

ذلك ، إلّا أن يعني القعود معهم الرد عليهم في مجلسهم ، أو المحاولة فيه حيث تسمعهم ما يقولون ثم تخلوا بالمؤمنين العارفين لكي تدبّر الإجابة عن شطحاتهم والرد على كفرهم واستهزاءهم.

٣٨٨

فإنما محظور الحضور معهم هو قعود المقاعدة المجاراة والمسايرة (١) دون سائر القعود.

ذلك والصغي الى المعاصي ككل هو من المعاصي (٢) والجلوس في مجالس الظلم هو من الظلم ، إلا أن تمنع أهلها ، (فَلا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أيا كان الظلم ، فكما الظلم دركات ، فالإصغاء إليه والقعود مع الظالم في ظلمه أيضا دركات.

فلا يختص المحظور بالجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر ، بل كل موائد العصيان والظلم وكل مجالسه محظورة مهما اختلفت دركاتها.

أجل (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) وإن في نفاق القعود معهم ساكتين حيث يخيّل إليهم وفاقكم وفيه فتّ لعضد الإسلام وثلّم في ساعده (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) مهما اختلفت دركاتهما كدركات كل منهما ، وقعود

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٥٦٤ عن الكافي عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد عن شعيب العقرقوفي قال سألت أبا عبد الله (عليه السّلام) في قول الله عز وجل (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ...) فقال : «إنما عنى بهذا الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في الائمة فقم من عنده ولا تقاعده كائنا من كان».

وفيه مثله عن العياشي عن محمد بن الفضل عن أبي الحسن الرضا (عليه السّلام) في الآية قال : إذا سمعت الرجل يجحد الحق ويكذب به ويقع في أهله فقم من عنده ولا تقاعده.

(٢) المصدر فيمن لا يحضره الفقيه قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) في وصيته لابنه محمد بن الحنفية ففرض على السمع ألا تصغى به الى المعاصي فقال عز وجل : (وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ ..).

تفسير البرهان ١ : ٤٢٣ بسند متصل عن أبي الصلت المروي عن الرضا (عليه السّلام) في قول الله جل جلاله (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) قال فإنه يقول «ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين حجة ولقد أخبر الله تعالى عن كفار قتلوا نبيهم بغير الحق ومع قتلهم إياهم لم يجعل الله لهم على أنبياءه سبيلا».

٣٨٩

المؤمن معهم ساكتا هو أخف دركا فأطفّ مماثلة.

والمخاطبون في (قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ ... إِذا سَمِعْتُمْ ... فَلا تَقْعُدُوا ... إِنَّكُمْ) هم كل المسلمين مؤمنين ومسلمين سذّج ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم والمنافقين ، ثم (إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ) في الأصل هم المنافقون الرسميون ، وعلى هامشهم الآخرون.

فهنا أصل الضلالة «الكافرون» وعلى هامشهم المنافقون القاعدون معهم المسايرون المصايرون ، ثم بسطاء المسلمين ومن ثم المؤمنون السذّج الذين يقعدون معهم أحيانا.

و (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ) يعني المنافقين الرسميين ، دون القسمين الآخرين الذين لا يعنون بقعودهم معهم نفاقا مهما كانت عمليتهم من النفاق أو من ضعف الإيمان أم لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم.

والقعود المحظور معهم إنما هو (حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ) لا لنا ولا علينا ، فإذا تركوا الخوض المحظور فلا محظور من هذه الناحية.

ولأن القاعدين معهم دركات ، فكذلك المماثلة والجمع في الجحيم دركات.

فالمنافق القاعد معهم هو مثلهم تماما أو هو أنحس : (إِنَّ الْمُنافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ) ف (إِنَّ اللهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَالْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) كما كانوا يوم الدنيا في الكفر بآيات الله والاستهزاء بها جميعا.

ثم (إِنَّ اللهَ جامِعُ) القاعدين الآخرين دونما عذر عاذر «مع الكافرين» قدر المحظور من قعودهم وجمعهم معهم ، فقد يكتفى لهم بنار البرزخ إذا لم يتوبوا ولم يثوبوا.

٣٩٠

(الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ قالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) ١٤١.

هؤلاء المنافقون المصلحيون (الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ) سجال الحرب (فَإِنْ كانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ) وهم أولاء غير فاتحين ولا متفتحين معكم في جبهات القتال (قالُوا أَ(١) لَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) في الإيمان.

إذا فلنا نصيب من غنيمة الفتح كما لكم نصيب (وَإِنْ كانَ لِلْكافِرِينَ نَصِيبٌ) من الحرب وليس فتحا أيا كان ، ولا من الله تأييدا لهم «قالوا» لهم (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) استحفاظا لغلبكم عليهم (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) بما كنّا نوصلكم من أخبارهم منعة لكم عن أوضارهم؟.

وذلك من لقاء النفاق العارم ، أنهم يلقون كلّا من المؤمنين والمنافقين بوجه إمساكا للعصا من وسطها ، وتلوّيا وتلوّنا كالديدان والثعابين مذبذبين بين ذلك لا الى هؤلاء ولا الى هؤلاء ، انتفاعا من الجانبين وتحذّرا عن بأس الجانبين.

ففي فتح المؤمنين (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ) معية بقلوبنا ، أم ومعية في نفس المعركة ، فقد كانوا يخرجون إليها أحيانا تخلخلا للصفوف وإظهارا للوجود فيها مع كل حائطة على أنفسهم كيلا يقتلوا أو يصابوا بشيء.

وفي نصيب الكافرين (أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ) أن غلبناكم من ذي قبل (وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) حيث آزرناكم ووازرناكم بحمى ظهوركم وتخذيل المؤمنين لصالحكم إذ تخللنا في صفوفهم لصالحكم والتجسّس والتحسّس لكم ، حيث الاستحواذ هو الغلبة ، وقد تعني ـ فيما عنت ـ أن البعض منكم هممتم الدخول في الإسلام ونحن حذّرناكم عنه فغلبناكم على ما وهمتم فغلبتم عليهم ، فهاتوا نصيبنا من غلبكم عليهم لأن لنا شطرا من ذلك الغلب.

٣٩١

فهم أولاء الأنكاد البعاد بطنوا في قلوبهم السمّ ضد المؤمنين وعلى ألسنتهم الدهان لكي ينتفعوا من الجانبين ويأمنوا الضر من الناحيتين.

(فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ)

واقعيا لا حول عنه ولا تحويل ، مهما حكم يوم الدنيا شرعيا وبعض الواقع قدر ما لا يزول الابتلاء من البين ، ثم

(وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)

فالكافر أيّا كان وأينما كان لا سبيل له على المؤمن ، و «لن يجعل» سلب بات لواقع الجعل وشرعته ، شرعيا يوم الدنيا ، وواقعيا في النشآت الثلاث.

فالمؤمنون مزودون بكافة الآيات الربانية آفاقية وأنفسية ، وبكافة الحجج الفطرية والعقلية والكونية والشرعية ، ولا حجة للكافرين عليهم مكافحة ، إلا تسويلات إبليسة لا سبيل لها الى المؤمنين ، ف (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) «من طريق الحجة» (١) ولا أية محجة ومبلجة ، فحجة المؤمنين بما جعل الله بالغة وحجة الكافرين دامغة.

ولأن الله يحكم بينكم يوم القيامة (٢) فليست الحرب السجال بغلب الكافرين على المؤمنين سبيلا لهم عليهم حيث يجبر كل كسر لهم منهم يوم القيامة.

ثم إن ذلك الغلب هو بين محنة لهم ومهنة ، محنة حين لم يقصّروا في

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ٢٣٥ ـ أخرج عبد الرزاق والفرياني وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه عن علي (عليه السّلام) أنه قيل له : أرأيت هذه الآية (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) وهم يقاتلون فيظهرون ويقتلون؟ فقال : أدنه أدنه ثم قال (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

٣٩٢

واجبهم تجاه الله ، ترفيعا لدرجاتهم ، ومهنة حين يقصّرون كما في أحد ، ولن يضيع حق المؤمن بشرف الإيمان أينما كان.

فحين يجد المؤمنون سبيلا للكافرين عليهم في سلطة زمنية أماهيه ، فليس ذلك من جعله سبحانه في شرعة له أو تكوينا منه كما من عنده ، فصحيح أنه (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ولكن (ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) شخصيا أو من أنفس الآخرين.

فالسلطة الشرعية للكافرين على المؤمنين مستأصلة عن بكرتها في شرعة الله ، والسلطة الزمنية لهم عليهم كما الشرعية ليست من شرعة الله ، فإنما هي لقلة الهمم الإيمانية أمّاهيه من ملابسات قضيتها أن يتسلطوا علينا ردحا من الزمن و (لا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٣ : ١٣٩) و (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ) (٣ : ١١١) ، والمخاطبون هنا هم المؤمنون المحققون شرائط الإيمان فرديا وجماعيا ، و (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٨ : ٥٣).

وليس قتل الكافرين الأنبياء والائمة والصالحين سبيلا منهم عليهم (١)

__________________

(١)نور الثقلين ١ : ٥٦٤ في عيون الأخبار عن أبي الصلت الهروي قال قلت للرضا (عليه السّلام) يا بن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سواد الكوفة قوم يزعمون أن الحسين بن علي (عليهما السّلام) لم يقتل وأنه ألقي شبهه على حنظلة بن أسعد الشامي وأنه رفع الى السماء كما رفع عيسى بن مريم (عليهما السّلام) ويحتجون بهذه الآية (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) فقال كذبوا عليهم غضب الله ولعنته وكفروا بتكذيبهم لنبي الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في اخباره بأن الحسين (عليه السّلام) سيقتل والله لقد قتل الحسين (عليه السّلام) وقتل من كان خيرا من الحسين أمير المؤمنين والحسن بن علي (عليهما السّلام) وما منا إلا مقتول وإني والله ـ

٣٩٣

حيث الحجة الربانية بالغة على هؤلاء الظالمين ، وليس من الله إلا عدم المنعة التكوينية عن هذه المظلمات ، وقد يمنع أحيانا كما في نار إبراهيم وملاحقة موسى واغتيال المسيح (عليهم السّلام) ، وفي ليلة المبيت لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وكلّ حسب الحكمة العالية الربانية في أصلين أصيلين ، أصل الإختيار وأصل الحفاظ على الرسالات.

وترى الشهداء في سبيل الله هم المغلوبون بسبيل القتل عليهم؟ وقد رفعت درجاتهم بالشهادة الكريمة والمغلوب هو القاتل الظالم إذ لم يقتل إلّا الجسد وأما الروح فهو الغالب.

فليس لأسنة الظالمين ورماحهم نصيب إلّا الأبدان وللأرواح التعالي وارتفاع الدرجات ، وأحسن بما أنشد في حق سيد الشهداء والإمام الحسين (عليه السّلام) :

قد غيّر الطعن منهم كل جارحة

سوى المكارم في أمن من الغير

أجل (فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً).

ثم «لن يجعل» تعم في الشرعي منه الإمضاء مع الإنشاء ، فكما الله لن يجعل سبيلا للكافرين على المؤمنين في أي حقل من الحقول فردية وجماعية ، أحكامية وزمنية ، كذلك لن يمض ما يجعله المؤمن على نفسه للكافر.

__________________

ـ لمقتول بالسم باغتيال من يغتالني أعرف ذلك بعهد معهود اليّ من رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أخبره به جبرئيل (عليه السّلام) عن رب العالمين عز وجل وأما قوله (وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) فانه يقول : «لن يجعل الله لهم على أنبياء (عليهم السلام) سبيلا».

٣٩٤

فلا ولاية للكافر على المؤمن أصيلة ولا فرعية ، ومن فروعها عدم ولاية الأب الكافر على الولد المؤمن اللهم إلّا مصاحبة معه معروفة (وَصاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً).

ومنها عدم جواز نكاح المؤمنة بالكافر لعدم جواز طاعته عليها ولاية ، إضافة الى نص (لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (٦٠) ١٠) (وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا) (٢ : ٢٢١).

فسلطة الولاية وسلطة الملكية والمالكية أماهيه من سلطات وسبل لهم على المؤمنين منفية منهية ، فليس للكافر أن يشتري عبدا مؤمنا ، ولا يقتل مؤمن بكافر ذميا وسواه ، ولا يملك الكافر مال المؤمن بغنيمة وسواها إلّا أن تكون تجارة عن تراض أماهيه من تعامل مشروع.

وترى حين تختص السبيل المسلوبة للكافرين على المؤمنين بهم ، فهل المنافقون وسائر المسلمين الذين لمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ، هل للكافرين عليهم سبيل؟.

المنافقون هم مثل الكافرين بحكم المماثلة المنصوصة في الآية إلا فيما خرج بقاطع البرهان كظاهر الأحكام الإسلامية التي تعم كافة المسلمين ، ثم الباقون داخلون في المؤمنين بقرينة قرنهم بالكافرين والمنافقين.

فحين تعم (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا) مؤمني أهل الكتاب وسائر الموحدين ، فكيف لا تشمل هنا طليق «المؤمنين» غير المنافقين الرسميين ، الذين آمنوا بهذه الرسالة السامية مهما كانوا فيه درجات!.

فكما لن يجعل الله للكافرين على المؤمنين بهذه الرسالة سبيلا ، كذلك لن يجعل الله للكافرين بسائر الرسالات على المؤمنين بها سبيلا ، ولن يجعل

٣٩٥

للمشركين والملحدين على الموحدين سبيلا ، ضابطة عامة روعيت فيها رجاحة الإيمان على أية حال.

ذلك! فالقدر المعلوم هنا من «المؤمنين» المؤمنون ـ على درجاتهم ـ بهذه الرسالة السامية ، فكما لا سبيل للكافر عليهم ، كذلك لا سبيل للمنافق عليهم مثلان لا يتفارقان إلّا في البعض من المظاهر المنافقة ، فلا يجوز تزويج المؤمنة بمنافق ولا منافقة بمؤمن حيث الغاية المجوزة في آية البقرة «حتى يؤمنوا وحتى يؤمن» والمنافق ليس مؤمنا ، وكذلك كافة الأحكام التي موضوعها الإيمان لا تشمل المنافقين والمنافقات ، مهما شملت المسلمين والمسلمات ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم.

فهذا وعد يحمل كل إنشاء وإخبار من الله ، يستأصل كل سبيل للكافرين والمنافقين على المؤمنين ، فالهزائم اللاحقة بالمؤمنين ليست إلا من خلفيات ثغرات في إيمانهم ، في شعورهم أو عملهم.

فحين يؤمر المؤمنون باتّا لا حول عنه (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ ..) فلا يعني انهزامهم أحيانا عن الكفار إلّا انهزامهم عن ذلك الإعداد المستطاع.

ولئن تتبعنا الهزائم الإسلامية طول التاريخ الإسلامي ، نجدها كلها من مخلّفات ثغرات ، ففي أحد ثغرة ترك الطاعة لقائد القوات المسلمة الرسولية.

(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ).

فإعجاب المؤمنين بكثرتهم ثغرة في محكم إيمانهم ، يبتليهم الله بهزيمة وقتية لكي ينتبهوا ثم نصرهم بإيمانهم لما انتبهوا ف (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَواطِنَ كَثِيرَةٍ

٣٩٦

وَيَوْمَ حُنَيْنٍ ... ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ. ثُمَّ يَتُوبُ اللهُ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٩ : ٢٧).

والهزيمة الابتلائية للمؤمنين كما في حنين وكذلك هزيمة البلاء كما في أحد ، كانت هزيمة ظاهرية حملت معها قوة في نفوس المؤمنين ، حيث تبعث الهمة وتذكي الشعلة وتبصر لمزالق وتكشف عن الأخطاء وعن طبيعة المعركة ، فإنها تقدمات للغلب بعد الهزيمة مهما طال الطريق.

ف (لَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً) تقرر انتصار الروح الإيمانية على مدار الزمن ، غالبين في المظاهر أو مغلوبين.

فكما الله عزيز غالب على أمره ، كذلك المؤمنون بالله هم أعزة لا يذلون ولا يذلّلون ما هم مؤمنون ، فهناك فرق بين دعوى الإيمان ومظهره وحقيقته ، فحقيقته في التصور والعقيدة والعمل لا تغلب أبدا ، ولكن دعواه دون مظهر ، أو مظهر دون حقيقة ، إنها بطبيعة الحال تغلب كما يغلب سائر من لا حقيقة له.

(إِنَّ الْمُنافِقِينَ يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً) ١٤٢.

(يُخادِعُونَ اللهَ) : يعاملون معه عمل المخادع كأنه ـ وعوذا به ـ يخادع (وَهُوَ خادِعُهُمْ) كما هم يخادعونه ، ولكن أين مخادعة من مخادعة (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ) (٢ : ٩) ف «إن الله عز وجل لا يخادع ولكنه يجازيهم جزاء الخديعة» (١).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٥٦٥ في عيون الأخبار عن علي بن الحسن بن علي بن فضال عن أبيه قال سألت ـ

٣٩٧

ذلك ومن مخادعتهم الله (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى) قاموا حال أنهم كسالى وهم في كل أحوالهم في القيام الى الصلاة كسالى (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخاشِعِينَ) وعبء وحمل ثقيل على الذين لا يؤمنون.

(يُراؤُنَ النَّاسَ) حتى في قشر الصلاة ، فلولا الناس لتركوها كما تركوا باطنها.

(وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ) بألسنتهم «إلّا قليلا» ذكرا قليلا ، أو قليلا منهم ، فلا يذكرونه بقلوبهم لا كثيرا ولا قليلا لأنهم لا يؤمنون ، ثم وحتى لو ذكروا الله بألسنتهم كثيرا فهو قليل في ميزان الله (١) حيث الذكر إنما هو بالعدّة الباطنية لا بالعدة الظاهرية إلا إذا صاحبها الباطن.

فذلك الثالوث بشأن الصلاة هو الشأن الشائن الفاتن للمنافقين.

فهم لا يقيمون الصلاة بل يقومون الى الصلاة كسالى يراءون الناس ولا يذكرون الله إلّا قليلا ، فيذكرون الله في الصلاة لفظا باللسان فيما يجهر فيه إذا كانوا مع المؤمنين ثم يتركون سائر الذكر واجبا أو راجحا إذ لا يؤمنون.

__________________

ـ الرضا (ع) ـ إلى أن قال ـ : وسألته عن قوله الله عز وجل (سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ) وعن قوله (يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) وقوله تعالى (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ) وعن قوله عز وجل (يُخادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خادِعُهُمْ) فقال : إن الله عز وجل لا يسخر ولا يستهزئ ولا يمكر ولا يخادع ولكنه عز وجل يجازيهم جزاء السخرية وجزاء الاستهزاء وجزاء المكر والخديعة تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.

(١) المصدر ٥٦٦ في أصول الكافي قال أمير المؤمنين (ع) من ذكر الله عز وجل في السر فقد ذكر الله كثيرا إن المنافقين كانوا يذكرون الله علانية ولا يذكرونه في السر فقال الله عز وجل : يراءون الناس ولا يذكرون الله إلّا قليلا.

وفي الدر المنثور ٢ : ٢٣٧ ـ أخرج مسلم وأبو داود والبيهقي في سننه عن أنس قال قال رسول الله (ص): تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس إذا كانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلّا قليلا.

٣٩٨

كما وفي غير الصلاة لا يذكرون الله متجاهرين إلّا إذا لزم الأمر لمصلحية النفاق ، فذكرهم المخصوص بألسنتهم قليل في قليل ، قليل مهما كان كثيرا إذ ليس له معنى في القلب ، وقليل في ظاهر اللسان إذ ليس إلّا إذا لزم الأمر ، وقليل في إخفاته باللسان إذ ليس كذلك إلّا إذا لزم الأمر ، قلات ثلاث وهي بثالوثها قليلة بجنب ذكر المؤمنين مهما كان قليل المظاهر.

فالصلاة حالة الكسل حالة منافقة وإن حصلت للمؤمنين بفارق أن حال المنافقين في حقل الصلاة كلها كسل ، والمؤمن قد تتفق له تلك الحالة البئيسة.

وهم يراءون الناس في كل عباداتهم ومظاهر أفعالهم وليس كذلك بسطاء المؤمنين فضلا عن وسطائهم أو الكملين.

وهم لا يذكرون الله على أية حال إلا قليلا ، والمؤمنون قد يذكرونه كثيرا وأخرى قليلا ، ثم وذكر المؤمن كأصل هو بكلا القلب واللسان وذكر المنافق لا يتجاوز اللسان.

أجل وهؤلاء المنافقون ليسوا من الكافرين ـ بفارق مظاهر الإيمان ـ وليسوا من المؤمنين ـ إذ هم في قلوبهم كافرون ـ وليسوا من المسلمين ـ ولمّا يدخل الإيمان في قلوبهم ، إذ لا ينتظر منهم إيمان حيث تعرّق الكفر في قلوبهم ـ يظهرون الإيمان ويصيرون الى الكفر والتكذيب لعنهم الله (١).

ذلك «وللمنافق ثلاث علامات يخالف لسانه قلبه وفعله قوله وعلانيته سريرته وللكسلان ثلاث علامات يتوانى حتى يفرط ويفرط حتى يضيع ويضيع

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٥٦٥ في أصول الكافي عن محمد بن الفضيل قال كتبت إلى أبي الحسن (ع) أسأله عن مسألة فكتب إلي : إن المنافقين ـ إلى ـ فلن تجد له سبيلا ليسوا من الكافرين وليسوا من المؤمنين وليسوا من المسلمين يظهرون الإيمان ويصيرون إلى الكفر لعنهم الله.

٣٩٩

حتى يأثم ، وللمرائي ثلاث علامات يكسل إذا كان وحده (١) وينشط إذا كان الناس عنده ويتعرض في كل أمر للمحمدة (٢).

فيا أيها المؤمن «لا تقم الى الصلاة متكاسلا ولا متناعسا ولا متثاقلا فإنهما من خلال النفاق «(٣) ف «من حسّن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو فتلك استهانة استهان بها ربه» (٤).

والكسل على أية حال فشل ، إن في أمر الآخرة فلها وإن في أمر الدنيا فلها (٥) و «مثل المنافق مثل جذع أراد صاحبه أن ينتفع به في بعض بنيانه فلم

__________________

(١) وفيه عن معاني الأخبار عن عبد الله بن سنان قال كنا جلوسا عند أبي عبد الله (عليه السّلام) إذ قال له رجل من الجلساء جعلت فداك يا بن رسول الله (ص) أخاف علي أن أكون منافقا فقال : إذا خلوت في بيتك نهارا أو ليلا أليس تصلي؟ فقال : بلى فقال : فلمن تصلي؟ فقال : لله عز وجل فقال كيف تكون منافقا وأنت تصلي لله عز وجل لا لغيره؟.

(٢) المصدر في كتاب الخصال عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال قال لقمان لابنه يا بني لكل شيء علامة يعرف بها ويشهد عليها ـ إلى قوله ـ وللمنافق ..

(٣) المصدر في كتاب العلل بإسناده إلى زرارة عن أبي جعفر عليهما السّلام حديث طويل يقول فيه : ولا تقم إلى الصلاة ... وقد نهى الله عز وجل المؤمنين أن يقوموا إلى الصلاة وهم سكارى يعني من النوم وقال للمنافقين (وَإِذا قامُوا إِلَى الصَّلاةِ قامُوا كُسالى يُراؤُنَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللهَ إِلَّا قَلِيلاً).

أقول : يعني من النوم بيان لأخف المصاديق للسكر وأخفاها فإن أصل السكر من الخمر.

(٤) الدر المنثور ٢ : ٢٣٥ ـ أخرج أبو يعلى عن ابن مسعود قال قال رسول الله (ص) : ...

(٥) المصدر عن أبي عبد الله (عليه السّلام) قال : من كسل عن طهوره وصلاته فليس فيه خير لأمر آخرته ومن كسل عما يصلح به أمر معيشته فليس فيه خير لأمر دنياه ، وفيه قال أمير المؤمنين (عليه السّلام) إن الأشياء لما ازدوجت ازدوج الكسل والعجز فنتجا بينهما الفقر.

وفيه عن علي بن الحسين عليهما السّلام قال : «إن المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي وإذا قام إلى الصلاة اعترض قلت يا بن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وما الاعتراض؟ قال : الالتفات فإذا ركع ربض ـ

٤٠٠