الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٧

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٧

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٧٦

أم كيف يحسد الحاقدون على الأئمة من أهل بيت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على ما آتاهم الله من فضله كما آتى محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فهم ورثة الكتاب بعده كما هو مهبط وحي الكتاب : (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) (٣٥ : ٣٢) (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) (٤٣ : ٣٢) فضلا عن الحياة العليا وهي الفضل الرسالي القمة للرسول كأصل وللائمة من آله كفروع لهذه الرسالة السامية.

ومن كمال الفضل هو الجمع بين الرسالة والخلافة كما جمعا في أهل بيت الرسالة المحمدية عليهم آلاف السّلام والتحية (١).

والحسد أيا كان هو كساد الإيمان فإنه «يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب» و «لا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد».

ومن تحسّد اليهود على الناس الرساليين المحمديين (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٧٣ ـ أخرج الزبير بن بكار في الموقفيات عن ابن عباس أن معاوية قال : يا بني هاشم إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة كما استحققتم النبوة ولا يجتمعان لأحد وتزعمون أن لكم ملكا فقال له ابن عباس : أما قولك إنا نستحق الخلافة بالنبوة فإن لم نستحقها بالنبوة فبم نستحقها وأما قولك ان النبوة والخلافة لا يجتمعان لأحد فأين قول الله (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) فالكتاب النبوة والحكمة السنة والملك الخلافة نحن آل إبراهيم أمر الله فينا وفيهم واحد والسنة لنا ولهم جارية ، وأما قولك زعمنا أن لنا ملكا فالزعم في كتاب الله شك وكل يشهد أن لنا ملكا ، لا تملكون يوما إلّا ملكنا يومين ولا شهرا إلّا ملكنا شهرين ولا حولا إلّا ملكنا حولين والله أعلم.

وفي تفسير العياشي عن حمران عن الباقر (ع) (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ) قال : النبوة «والحكمة» قال : الفهم والقضاء ، (وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً) قال : الطاعة.

١٢١

الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ .. وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً ..) (٤ : ٨٩) ـ (ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٢ : ١٠٥).

(فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) ٥٥.

«فمنهم» أولاء الكتابين (مَنْ آمَنَ بِهِ) ب : ذلك الفضل الرسالي المحمدي وسائر الفضل لسائر ذوي الفضل الرسالي ، (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) الناس أن يقروا به ويؤمنوا فلم يكتفوا بعدم الإيمان بل هم صادون عنه فهم ـ إذا ـ سعير مشتعل على ذلك الفضل العظيم علّهم يحرقونه (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) عليهم سعيرا بسعير وأين سعير من سعير؟.

لقد سعرت اليهود نيران الفتنة على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والرساليين من أمته في دعايات عشواء شعواء خواء والله ورسوله منها براء ، وقد أصبحت كلها في عراء ، (يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) (٩ : ٣٢) وتراهم ماذا تفعل به جهنم في سعيرها ، بشهيقها وزفيرها؟.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً) ٥٦.

(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا) وهم عارفون أنها آياتنا ، عنادا لها ونكرانا إياها (سَوْفَ نُصْلِيهِمْ) في النار الكبرى يوم القيامة الكبرى.

والصلي هو الإيقاد كما الصلاء هو الوقود ، فهؤلاء ـ إذا ـ هم من وقود النار ، تتّقد بهم النار فتحرق أهل النار ، وهم حارقون أنفسهم قبل سائر أهل

١٢٢

النار كما حرقوا أنفسهم يوم الدنيا أن (كَفَرُوا بِآياتِنا).

وترى ما هي «جلودهم» المنضوجة المبدلة جلودا غيرها؟ أهي جلود الأبدان؟ ولا يختص الحرق والنضج بها ، بل وتحرق الأبدان ببواطنها كظواهرها ، فإنها (نارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ. إِنَّها عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ. فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ) (١٠٤ : ٩)! ، والفؤاد المطلع عليه النار هو القلب المتفئد بنار الكفر والجحود!

قد تعني «جلودهم» جلود الأرواح ، فإن «هم» هنا تعني في الحق الأرواح مهما كان في «بدلناهم» الأبدان ، فكما أن للأبدان جلودا كذلك للأرواح وأين جلود من جلود (١).

فمما لا ريب فيه في عذاب الجحيم شموله للأبدان ظاهرة وباطنة فالنضج ـ إذا ـ تعمهما دون اختصاص بجلود الأبدان ، فمثل قوله تعالى (وَسُقُوا ماءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ) تنضج الأمعاء كما تنضج جلود الأبدان.

ثم ما هي (جُلُوداً غَيْرَها)؟ وجلود الأرواح الخاصة بها هي المخصوصة بالعذاب ، دون سائر الجلود المستعارة!.

إنها هيه مستعادة كصورها الأولى بنفس موادها التي حشرت مع

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٧٤ ـ أخرج ابن المنذر عن الضحاك في الآية قال : تأخذ النار فتأكل جلودهم حتى تكشطها عن اللحم حتى تفضى النار إلى العظام ويبدلون جلودا غيرها ويذيقهم الله شديد العذاب فذلك دائم لهم أبدا بتكذيبهم رسول الله وكفرهم بآيات الله.

وفيه أخرج ابن أبي الدنيا في صفة النار عن حذيفة بن اليمان قال : أسرّ إلي النبي (ص) فقال يا حذيفة إن في جهنم لسباعا من نار وكلابا من نار وكلاليب من نار وسيوفا من نار وأنه تبعث ملائكة يعلقون أهل النار بتلك الكلاليب بحناكهم ويقطعونهم بتلك السيوف عضوا عضوا ويلقونهم إلى تلك السباع والكلاب كلما قطعوا عضوا عاد مكانه غضا جديدا.

١٢٣

أرواحها ، فهي الأبدان الخاصة بأرواحها دون خليط الأجزاء المستعارة ، الأصيلة لغيرها أم غيرها وسواها كما فصلت في آيتها الخاصة : (وَقالُوا أَإِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ. قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ) (٣٢ : ١١) فقد سقط سؤال «هب هذه الجلود عصت وعذبت فما بال الغير؟ حيث الجواب : هي هي وهي غيرها ..» (١) لمكان «بدلناهم» دون بدلنا لهم ، فالمبدّل جلودا غيرها هو نفس المنضوجة لا سواها ، فالمبدل إليه هو نفس المبدل مادة ومثله صورة وليس التبديل إلّا في الصورة البدنية دون مادتها.

ثم الجلود المنضوجة ليست هي بنفسها المدركة نضجها ، وإنما تدركه أرواحها ، حيث تذوق الأرواح ما عملت بعمالها الجلود بوسيطها كما تذوق ما عملت دون وسيط الجلود ، ذوق روحي بتخلف الروح في نفسها ، وذوق جسمي يدركه الروح بما عملت بجسمها.

(إِنَّ اللهَ كانَ عَزِيزاً) غالبا قديرا على ذلك النضج العميم «حكيما» في

__________________

(١) في مجالس الشيخ بإسناده عن حفص بن غياث القاضي قال : كنت عند سيد الجعافرة جعفر بن محمد عليهما السّلام لما قدمه المنصور فأتاه ابن أبي العوجاء وكان ملحدا فقال : ما تقول في هذه الآية (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ)؟ هب هذه الجلود عصت فعذبت فما بال الغير؟ قال أبو عبد الله (ع) ويحك هي هي وهي غيرها ، قال : أعقلني هذا القول ، فقال له : أرأيت لو أن رجلا عمد إلى لبنة فكسرها ثم صب عليها الماء وجبلها ثم ردها إلى هنتها الأولى ألم تكن هي هي وهي غيرها؟ فقال : بلى أمتع الله بك.

وفي الدر المنثور ٢ : ١٧٤ ـ أخرج الطبراني في الأوسط وابن أبي حاتم وابن مردوية بسند ضعيف من طريق نافع عن ابن عمر قال قرء عنه عمر هذه الآية فقال معاذ عندي تفسيرها : تبدل في ساعة واحدة مأة مرة فقال عمر هكذا أسمعت من رسول الله (ص).

أقول : يعني سمعت تفسيرها لا لفظ الآية فإنه خلاف نص الآية.

١٢٤

ذلك التبديل العظيم ، عذاب متواصل الى الأرواح بواسطة النضج المتواصل للأبدان ، جزاء وفاقا (وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً) ، وما ذوق العذاب هنا إلّا للأرواح.

وهنا نرى تراوحا في المعني من «هم» فهي في «جلودهم» الأرواح حيث الأبدان هي جلودها ، وهي في «بدلناهم» الأبدان إذ لا تبدّل الأرواح فإنها لا تنضج مع الأبدان ، ولا تحرق حرقا ماديا.

فالمبدل جلودا غيرها هي جلود الأرواح : الأبدان ، ثم (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) خاصة بالأرواح فإنها هي التي تشعر أليم النضج دون الأبدان.

وقد تلمح له (لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) دون «ليعذبوا» فأنس الروح بالبدن الذي عاشته طيلة الحياة ، يجعله ذائق عذاب أنيسه وأليفه كما يذوق الوالد ألم ولده وأكثر منه ذوقا.

فلا يعني ذوق العذاب قلته وكما (فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً) (٤١ : ٢٧) ـ (وَمَنْ يَظْلِمْ مِنْكُمْ نُذِقْهُ عَذاباً كَبِيراً) (٢٥ : ١٩) ـ (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) (٢٢ : ٢٥) ـ (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ) (٤١ : ٥٠).

ذلك ، وكما (كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ) (٣ : ١٨٥) وهو موت البدن بخروجها عنه.

هذا ، ولو نضجت جلودهم ولم تبدل جلودا غيرها لانتهى العذاب الجسماني بموت الجسم بنضجه ، حيث الجسم المنضوج تنفصل عنه الحياة فلا يؤثر حرقه للتالي ذوقا للروح من عذابه ، فتداوم ذوق العذاب قدر الاستحقاق يقتضي حرقة الجلود مستمرا الى الحالة الأولى القابلة للنضج الذي فيه ذوق العذاب.

١٢٥

وهنا الجواب عن مشكلة أخرى وهي : كيف تخلد هذه الأبدان في سعير النار وقد يكفيها الآن الأول لتبدلها رمادا ، فقد تأتي «كلّما» إجابة عن هذه الشائكة ، مع أن صلابة الأبدان هناك غير صلابتها هنا وكما تناسب خلود الحياة.

ذلك طرف من عذاب الذين كفروا وكذبوا بآيات الله ، وأما الذين آمنوا؟ :

(وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) ٥٧.

أهل الجنة هم خالدون فيها أبدا عطاء غير مجذوذ ، وأهل النار هم خالدون فيها ـ لأكثر الحدود ـ ما دامت النار ودامت عقوباتهم في النار ، فقد يختلف أبد النار عن أبد الجنة لأن أبد الجنة هو قضية فضل الله الذي ليس مجذوذا عن أهله ، وأبد النار هو قضية عدله فليكن محدودا بحدود العصيان أم يقل إذا شملهم غفران (١).

و (أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ) تعم قبيلي الرجال والنساء ، فإن كلا زوج للآخر ، وظلهم الظليل ككل هو ظل الله الممدود برحمته الواسعة لأهلها في الجنة.

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤١٠ في باب مجلس الرضا مع سليمان المروزي قال الرضا (ع) في أثناء كلام بينه (ع) وبين سليمان : يا سليمان هل يعلم الله جميع ما في الجنة والنار؟ قال سليمان : نعم ، قال (ع) : فيكون ما علم الله عز وجل أنه يكون من ذلك؟ قال : نعم ، قال (ع) فإذا كان حتى لا يبقى منه شيء إلّا كان أيزيدهم أو يطويه عنهم؟ قال سليمان : بل يزيدهم ، قال (ع): فأراه في قولك : قد زادهم ما لم يكن في علمه أنه يكون ، قال : جعلت فداك فالمريد لا غاية له ، قال (ع) : فليس يحيط علمه عندكم بما يكون فيهما إذا لم يعرف غاية ذلك وإذا لم يحط علمه بما يكون فيهما لم يعلم ما يكون فيهما قبل أن يكون لقال الله عن ذلك علوا كبيرا ، قال سليمان : إنما ـ

١٢٦

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (٥٩) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالاً بَعِيداً (٦٠) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنافِقِينَ

__________________

ـ قلت لا يعلمه لأنه لا غاية لهذا لأن الله عز وجل وصفها بالخلود وكرهنا أن نجعل لهما انقطاعا قال الرضا (ع) : ليس علمه بذلك بموجب لانقطاعه عنهم لأنه قد يعلم ذلك ثم يزيدهم ثم لا يقطعه عنهم وكذلك قال الله عز وجل في كتابه (كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ) وقال لأهل الجنة : (عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) وقال عز وجل : (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) فهو جل وعز يعلم ذلك ولا يقطع عنهم الزيادة.

١٢٧

يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُوداً (٦١) فَكَيْفَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ إِحْساناً وَتَوْفِيقاً (٦٢) أُولئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللهُ ما فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً (٦٣) وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً (٦٤) فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً (٦٥) وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا ما يُوعَظُونَ بِهِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً (٦٦) وَإِذاً لَآتَيْناهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً (٦٧) وَلَهَدَيْناهُمْ صِراطاً مُسْتَقِيماً (٦٨) وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ

١٢٨

عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَداءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً (٦٩) ذلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفى بِاللهِ عَلِيماً) (٧٠)

اثنتا عشر آية تقرر موقف الطاعة بعد الله للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والرساليين الحاملين رسالته بعده ، أنه المتحاكم إليه في كافة المنازعات ليحكم بين الناس بما أراه الله في الكتاب والسنة أماهيه ، وتشدد النكير على المتحاكمين الى غير الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وذويه ، ابتداء في كلا السلب والإيجاب بواجب أداء الأمانات الى أهلها :

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً) ٥٨.

«الأمانات» جمعا محلى باللام تستغرق كل الأمانات دون إبقاء ، كما وأن ردها دون إبقاءها هو طبيعة الحال فيها ، وقد عبر عن خيانتها بحملها حيث يقابل ردها : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) (٣٣ : ٧٢).

ورأس الزوايا في أهل الأمانات هو الله ثم رسوله : (لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ) (٨ : ٢٧) ومن ثم خلفاءه المعصومون وسائر المؤمنين بل وسواهم على الإطلاق (١) فإن رد الأمانة هو من قضايا الإيمان :

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤١١ في كتاب معاني الأخبار بسند متصل عن يونس بن عبد الرحمن قال : سألت موسى بن جعفر عليهما السّلام عن قول الله عز وجل (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها) ـ

١٢٩

ـ فقال : هذه مخاطبة لنا خاصة أمر الله تبارك وتعالى كل إمام منا أن يؤدي الإمام الذي بعده يوصي إليه ثم هي جارية في ساير الأمانات ولقد حدثني أبي عن أبيه أن علي بن الحسين عليهما السّلام قال لأصحابه : عليكم بأداء الأمانة فلو أن قاتل الحسين (ع) ائتمنني على السيف الذي قتله به لأديته إليه.

وفيه عن أصول الكافي بسند متصل عن أحمد بن عمر قال : سألت الرضا (ع) عن قول الله عز وجل (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ ..) قال : هم الائمة من آل محمد (ص) أن يؤدي الإمام الأمانة إلى من بعده ولا يخص بها غيره ولا يزويها عنه.

وفيه عن الكافي محمد بن يحيى رفعه قال قال أبو عبد الله (ع): لا تنظروا إلى طول ركوع الرجل وسجوده فإن ذلك شيء اعتاده فلو تركه استوحش لذلك ولكن انظروا إلى صدق حديثه وأداء أمانته.

وفيه قال أبو عبد الله (ع) في وصية له : اعلم أن ضارب علي بالسيف وقاتله لو اتمنني واستنصحني واستشارني ثم قبلت ذلك منه لأديت إليه الأمانة.

وفي الدر المنثور ٢ : ١٧٥ عن الحسن في الآية أن النبي (ص) كان يقول : أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا ثخن من خانك ، وفيه ١٧٤ ـ أخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في الآية قال : لما فتح رسول الله (ص) مكة دعا عثمان بن أبي طلحة فلما رآه قال : أرني المفتاح فأتاه به فلما بسط يده إليه قام العباس فقال يا رسول الله (ص) بأبي أنت وأمي اجعله معي في السقاية فكف عثمان يده فقال رسول الله (ص) أرني المفتاح يا عثمان فبسط يده يعطيه فقال العباس مثل كلمته الأولى فكف عثمان يده ثم قال رسول الله (ص) يا عثمان إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فهاتني المفتاح فقال : هاك بأمانة الله فقام ففتح باب الكعبة فوجد في الكعبة تمثال إبراهيم معه قداح يستقسم بها فقال رسول الله (ص) ما للمشركين قاتلهم الله وما شأن إبراهيم وشأن القداح ثم دعا بحفنة فيها ماء فأخذ ماء ثم غمس بها تلك التماثيل وأخرج مقام إبراهيم وكان في الكعبة ثم قال : أيها الناس هذه القبلة ثم خرج فطاف بالبيت ثم نزل عليه جبريل فيما ذكر لنا برد المفتاح فدعا عثمان بن طلحة فأعطاه المفتاح ثم قال : «إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها حتى فرغ من الآية» وفيه أخرج الطبراني عن ابن عباس قال قال رسول الله (ص) خذوها يا بني طلحة خالدة تالدة لا ينزعها منكم إلّا ظالم يعني حجابة الكعبة.

١٣٠

(قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ ... وَالَّذِينَ هُمْ لِأَماناتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ راعُونَ) (٢٣ : ٨).

وكلما كانت الأمانة أهم وأهلها أعظم فردها إليه أتم وحملها آثم ، والإنسان بكل كيانه من أمانات الله ، لا بد أن يرد نفسه إليه دونما عيب ولا ريب كما خلق الله وأراده منه في شرعته.

ثم أمانة القيادة روحية وزمنية فإنها بعد الله ـ وفي حضنه ورعايته ـ خاصة بأصحاب الوحي وخلفاءهم المعصومين (عليهم السّلام).

والمأمورون برد الأمانات الى أهلها ، هم أعم ممّن أئتمن أمانة فعليه ردها الى أهلها ، والذي حملها ولمّا يردها فليردها الى أهلها ، فالخلافة الإسلامية هي أمانة ربانية كما الرسالة لا بد وأن ترد الى أهلها الخصوص من المنصوص على خلافتهم.

وهنا من المأمورين برد الأمانات الى أهلها هم أهل الكتاب ، فعليهم أن يردوا أمانات البشارات المحمدية الى أهلها رسولا ومرسلا إليهم ، كما وعليهم التخلّي عن دعوى الرسالة الدائمة الإسرائيلية الى الرسالة المحمدية الإسماعيلية حسب الموعود المسرود في كتابات الوحي.

ذلك وكما أن على كل رسول أن يرد أمانة الرسالة الى رسول بعده أو إمام وعلى كل إمام أن يرد أمانة الإمامة إلى إمام بعده ، سلسلة موصولة بين الرسل وخلفاءهم وحلفاءهم أن يؤدي كلّ دوره المفروض في حقل الأمانات الرسالية.

(إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ ... وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) في كل جليل وقليل ، فلأن الحكم هو في الأصل لله تعالى شأنه في كل حقوله ، فليكن الحاكم بين الناس حاكما بأمر الله وله أهلية الحكم ، سواء أكان حكما في المرافعات الخاصة ، أو الأحكام العامة ، وفي الثانية سواء أكان حكما روحيا أم

١٣١

حكما زمنيا والحكمان هما من شرعة الله على سواء كما الحكمان لا ينتصبان إلّا بانتصاب إلهي خاص كالمعصومين ، أم هو عام كما في المراجع الروحيين والزمنيين والقضاة.

(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) ٥٩.

هذه الآية هي من معارك الآراء بين مختلف الفرق الإسلامية في ثالثة الطاعة المفروضة على المؤمنين ، حيث تنازعت فيها فلترد المعني منها إلى الله والرسول.

هنا طاعة الله والرسول وأولي الأمر منكم هي قضية الإيمان المفسر ب (إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) فإن الإيمان المرتكن الى هذين الركنين الركينين يتطلب طاعة تؤمّن المؤمن أمام الله في اليوم الآخر.

ذلك ، ومن المعلوم ضرورة من القرآن وعلى ضوءه السنة أن الطاعة الإيمانية هي ذات بعدين اثنين فقط : طاعة الله في كتابه وطاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) في سنته ، ثم لا مطاع بجنب الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إذ لا سنة بالوحي بعد سنة الرسول ، اللهم إلّا من هو صادر عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما هو نفسه صادر عن الله.

إذا فمثلثة الطاعة هي في الحق مثناها ، كما ومثناها هي موحّدها حيث الرسول لا يطاع إلا برسالة الله وبإذن الله (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) (٤ : ٦٤).

فآيات الطاعة الإلهية والرسولية تحصر طاعة المؤمنين في هذين البعدين ،

١٣٢

وآية الاعتصام بحبل الله توحّدها في حبل واحد هو ـ طبعا ـ القرآن ، ومن ثم نبي القرآن وكما يقرر القرآن : (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٤ : ٨٠) فلا مطاع ـ إذا ـ إلّا الله في محكم كتابه ثم الرسول في سنته الجامعة غير المفرقة.

وإذ لا مجال لطاعة الله إلا بوسيط الرسول الحامل لشرعة الله ، فما طاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) المضافة الى طاعة الله إلا طاعة أخرى الله هي أيضا بوسيط الرسول ، فهنا إذا طاعتان اثنتان ، لا بد وأن الأولى هي طاعة الله في محكم كتابه ، الذي هو بنفسه دليل على وحيه وحتى إن لم يكن هناك رسول ، ثم الرسول الثابت رسالته بالكتاب هو متّبع في بعد ثان على ضوء الكتاب ، وذلك في سنته الموحاة إليه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شرحا وتبيينا وتأويلا للكتاب وفي كل الأحكام الرسالية المحلّقة على كل أحكامه بين الناس كرسول قائدا روحيا وزمنيا : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) (٤ : ١٠٥) إراءة في كتابه ـ وسواه ـ خاصة به كرسول ، فكما أن أصل الكتاب معصوم كذلك تفسيره وتأويله الرسولي معصوم.

وكما أن طاعة الله طليقة دونما حدود ولا قيود لأنه الله ، كذلك طاعة الرسول لأنه رسول الله لا يصدر إلّا عن الله ، ف (ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى).

ولأن (أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أيّا كانوا لا يوحى إليهم من كتاب أو سنة ، لذلك دمج طاعتهم في طاعة الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ثم أرجع كل أمر متنازع فيه بين المؤمنين ـ ومنها أمر أولى الأمر ـ إلى الله والرسول ، كما ومنها الأحاديث المروية عن أئمة أهل البيت (عليهم السّلام) ، المختلف فيها بين المؤمنين صدورا لها أو وجه الصدور ، فترجع الى الكتاب والسنة الثابتة.

وهنا تتجاوب هذه الآية مع أحاديث العرض على الكتاب والسنة حيث

١٣٣

الثابت صدوره عن أئمة أهل البيت ـ فضلا عن غيرهم ـ لا يعتمد عليه لمكان التقية في قسم منه ، ولا تقية في السنة الرسالية وبأحرى في كتاب الله ، إذا فهما المرجعان الأصيلان ، ولا يعرف ثانيهما أيضا إلا بموافقة الأول أو عدم مخالفته.

إذا فمصدر الشريعة اثنان لا ثالث لهما ، وهما : كتاب الله وسنة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأولوا الأمر هم الحملة المعصومون (عليهم السّلام) للسنة دونما استقلال بجنبها أبدا.

وهنا الخطاب يعم كافة المؤمنين على مدار الزمن الرسالي (١) قضية حقيقية تحلّق على الطول التاريخي والعرض الجغرافي الإيماني السامي.

فكما الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسه لا يعنى من هذا الخطاب لاستلزامه فرض طاعته نفسه ، كذلك (أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) هم ـ ولا بد ـ النسخة التالية للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مهما كانوا هم أنفسهم مأمورين بطاعة الرسول في آيات أخرى ، وكما الرسول مأمور بطاعة الله ، ولكن (الَّذِينَ آمَنُوا) هنا ليست لتشمل المطاع ، فإنما هو المطيع ، طاعة لله ثم للرسول ومن ثم لأولي الأمر منكم.

(أُولِي الْأَمْرِ) هنا في أدب اللفظ وحدب المعنى ليست لتقبل غير الخلفاء المعصومين للرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الحاملين رسالته كما حمّل ، الصادرين عنه كما هو صادر عن الله دون أي خطأ قاصر أو مقصر.

فأدب اللفظ يقضي بتعلق «منكم» بمقدر ككائنين : (أُولِي الْأَمْرِ)

__________________

(١) في تفسير العياشي عن بريد بن معاوية عن أبي جعفر عليه السّلام في حديث : ثم قال للناس (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) فجمع المؤمنين الى يوم القيامة ، (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) أيان عني خاصة ...

١٣٤

الكائنين «منكم» كما الرسول فإنه منكم وليس من الملائكة أو الجن أمن هو من غير البشر ، ف (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ) (٦٢ : ٢) أترى «من» هنا تتعلق بشيء إلا ب «كائنا» دون «رسولا» إذ لم يرسل من عند أنفسهم ، إنما هو بعيث الله كائنا من أنفسهم ، فكذلك «منكم» هنا ليست لتتعلق ب «الأمر».

ذلك وكما أن «الأمر» المضاف إليه ، لا تصلح أن تكون ذا الحال ، بل هو المضاف : «أولى» لأنه أصل الكلام الراجع إليه في مذهب الأدب الفصيح كل فروع الكلام ، فحين يقال : جاء غلام زيد حافيا ، هل يحتمل أن الحافي هو زيد دون غلامه؟ فكذلك الأمر في (أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وأحرى ، فالمعنى «أولي الأمر الكائنين منكم».

وفي حدب المعنى كيف يصح من أحكم الحاكمين ورب العالمين أن يفرض طاعة من ولي الأمر من قبل المؤمنين أنفسهم ، ولا يولى أحد أمر الشرعة إلّا من صاحب الأمر وهو الله أصالة والرسول رسالة؟ وفرض طاعة أولي الأمر من قبلهم أنفسهم هو في صيغة فرض طاعتهم أنفسهم بمختلف أهواءهم (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ)!

ذلك ، وكما (ما كانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (٣٣ : ٣٦) وقد أمّر الله وأمّر رسوله بأمره رجالا معصومين من عترته على المؤمنين وهم الثقل الأصغر بعد الأكبر.

إن ولي الأمر في طليق الطاعة هو الله ككل : (قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ) (٣ : ١٥٤) ومن ثم الرسول بإذن الله وبما أراه الله : (إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً) (٤ : ١٠٦) ولذلك (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللهَ) (٤٠ : ٨٠).

١٣٥

وهكذا نرى أمر الشرعة وحيا دون وسيط البشر أم بوسيط ليس إلّا من الله (وَما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ) (٢٨ : ٤٤) (وَآتَيْناهُمْ بَيِّناتٍ مِنَ الْأَمْرِ) (٤٥ : ٤٧) (ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها) (٤٠ : ١٨).

ثم نرى تداوما في نزول كل أمر ليلة القدر ، النازلة ـ طبعا ـ على صاحب الأمر : (تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ) (٩٧ : ٤).

أفيصح نزول كل أمر بواسطة الملائكة والروح على غير المعصومين (عليهم السّلام) ، كلّ في زمنه؟ (١) ولا تعني «الأمر» هنا في حقل الطاعة

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤٢٠ في كتاب الإحتجاج للطبرسي وعن أمير المؤمنين (عليه السّلام) حديث طويل : وقد جعل الله للعلم أهلا وفرض على العباد طاعتهم بقوله (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وبقوله : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) وفيه وقد ذكر (عليه السّلام) الحجج قال السائل من هؤلاء الحجج؟ قال : هم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن حل محله من أصفياء الله وهم ولاة الأمر الذين قال الله فيهم : (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) وقال فيهم : (وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ) قال السائل : ما ذاك الأمر؟ قال علي (عليه السّلام) : الذي به تنزل الملائكة في الليلة التي يفرق فيها كل أمر حكيم من خلق أو رزق وأجل وعمل وحياة وموت وعلم غيب السماوات والأرض والمعجزات التي لا ينبغي إلا لله له ولأصفيائه والسفرة بينه وبين خلقه.

وفيه عن عيون الأخبار في باب العلل التي ذكر الفضل بن شاذان أنه سمعها من الرضا (عليه السّلام) مرة بعد مرة وشيئا بعد شيء فإن قال : فلم جعل أولي الأمر وأمر بطاعتهم؟ قيل : لعلل كثيرة : منها ان الخلق لما وقفوا على حد محدود وأمروا ألا يتعدوا ذلك الحد لما فيه من فسادهم لم يكن يثبت ذلك ولا يقوم إلا بأن يجعل عليهم فيه أمينا يمنعهم من التعدي والدخول فيما حظر عليهم لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان أحد لا يترك لذته ومنفعته لفساد غيره فجعل عليهم قيما يمنعهم من الفساد ويقيم فيهم الحدود والأحكام.

١٣٦

__________________

ـ ومنها انا لا نجد فرقة من الفرق ولا ملة من الملل بقوا وعاشوا إلا بقيم ورئيس لما لا بد لهم من أمر الدين ، فلم يجز في حكم الحكيم أن يترك الخلق مما يعلم أنه لا بد لهم منه ولا قوام لهم إلا به فيقاتلون فيه عدوهم ويقسمون به فيئهم ويقيم لهم جمعتهم ويمنع ظالمهم من مظلومهم ومنها انه لو لم يجعل لهم اماما قيما أمينا حافظا مستودعا لدرست الملة وذهب الدين وغيرت السنة والأحكام ولزاد فيه المبتدعون ونقص منه الملحدون وشبهوا على المسلمين لا ناقد وجدنا الخلق منقوصين محتاجين غير كاملين مع اختلافهم واختلاف أهوائهم وتشتت انحاءهم فلو لم يجعل لهم قيما حافظا لما جاء به الرسول لفسدوا على نحو ما بينا وغيرت الشرائع والسنن والأحكام والإيمان وكان في ذلك فساد الخلق أجمعين.

فإن قيل : فلم لا يجوز أن يكون في الأرض امامان في وقت واحد أو أكثر من ذلك؟ قيل : لعلل : منها أن الواحد لا يختلف فعله وتدبيره والإثنين لا يتفق فعلهما وتدبيرهما وذلك انا لم نجد إثنين إلا مختلفي الهمم والإرادة فإذا كان إثنين ثم اختلف هممهما وإرادتهما وتدبيرهما (هذا الجواب يعم الائمة غير المعصومين الى المعصومين فإنهم (عليهم السّلام) لا يختلفون لمكان العصمة.) وكانا كلاهما مفترضي الطاعة لم يكن أحدهما أولي بالطاعة من صاحبه فكان يكون في ذلك اختلاف الخلق والتشاجر والفساد ثم لا يكون أحدهما مطيعا لأحدهما إلّا وهو عاص للآخر فتعم المعصية أهل الأرض ثم لا يكون لهم مع ذلك السبيل الى الطاعة والإيمان ويكونوا إنما أتوا في ذلك من قبل الصانع الذي وضع لهم باب الاختلاف والتشاجر إذ أمرهم بإتباع المختلفين.

ومنها انه لو كان إمامين كان لكل من الخصمين أن يدعو الى غير ما يدعو إليه صاحبه في الحكومة ثم لا يكون أحدهما أولى بأن يتبع من صاحبه فتبطل الحقوق والأحكام والحدود.

ومنها انه لا يكون واحد من الحجتين أولى بالنطق والحكم والأمر والنهي من الآخر وإذا كان هذا كذلك وجب عليهما أن يبتدأ بالكلام وليس لأحدهما أن يسبق له صاحبه بشيء إذا كانا في الإمامة شرعا واحدا فإن جاز لأحدهما السكوت جاز السكوت للآخر مثل ذلك وإذا جاز لهما السكوت بطلت الحقوق والأحكام وعطلت الحدود وصار الناس كأنهم لا إمام لهم ـ

فإن قال قائل فلم لا يجوز أن يكون الإمام من غير جنس الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟ قيل : لعلل :

(١) هذا الجواب يعم الأئمة غير العصومين إلى لمعصومين فإنهم (عليهم السلام) لا يختلفون لمكان الحصمة.

١٣٧

المطلقة بعد الله ورسوله ، الأمر الذي يقابل النهي لأنهما فرقدان لا يتفارقان فكيف اختصت الطاعة هنا بالأمر؟.

ولا مطلق إلا مرة وفيها طليق إلا مرة الفاسدة المعارضة لأمر الله ، ف «لا طاعة لمن لم يطع الله» (١)

أو خليطها قصورا أو تقصيرا ، لأن الأمر بطاعة هكذا (أُولِي الْأَمْرِ) هو قصور أو تقصير من الله! (٢).

__________________

منها انه لما كان الإمام مفترض الطاعة لم يكن بد من دلالة تدل عليه ويتميز بها من غيره وهي القرابة المشهورة والوصية الظاهرة ليعرف من غيره ويهتدى إليه بغيره ـ

ومنها انه لو جاز في غير جنس الرسول لكان قد فضل من ليس برسول على الرسول إذ جعل أولاد الرسول اتباعا لأولاد أعدائه كأبي جهل وابن أبي معيط لأنه قد يجوز بزعمه أن ينتقل ذلك في أولادهم إذا كانوا مؤمنين فيصيروا أولاد الرسول تابعين وأولاد أعداء الله متبوعين فكان الرسول أولي بهذه الفضيلة من غيره وأحق ـ

ومنها ان الخلق إذا أقروا للرسول بالرسالة وأذعنوا له بالطاعة لم يتكبر أحد منهم أن يتبع ولده ويطيع ذريته ولم يتعاظم ذلك في أنفس الناس وإذا كان ذلك في غير جنس الرسول فكان كل واحد منهم في نفسه أنه أولي به من غيره ودخلهم من ذلك الكبر ولم تسخ أنفسهم بالطاعة لمن هو عندهم فكان يكون ذلك داعية لهم الى الفناء والنفاق والاختلاف.

(١) المصدر : ١٧٦ عن أبي هريرة قال قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من أطاعني فقد أطاع الله ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصاني فقد عصى الله ومن عصى أميري فقد عصاني. وفيه أخرج أحمد عن انس أن معاذا قال يا رسول الله أرأيت إن كانت علينا أمراء لا يستنون بسنتك ولا يأخذون بأمرك فما تأمر في أمرهم فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : لا طاعة لمن لم يطع الله.

(٢) نور الثقلين ١ : ٤١٥ في كتاب الخصال عن الأعمش عن جعفر بن محمد (عليهما السّلام) حديث طويل يذكر فيه شرايع الدين وفيه قال (عليه السّلام) ولا يفرض الله تعالى على عباده من يعلم انه يغويهم ويضلهم ولا يختار لرسالته ولا يصطفي من عباده من يعلم أنه يكفر ويعبد الشيطان دونه ولا يتخذ على خلقه حجة إلا معصوما والأنبياء والأوصياء لا ذنوب لهم لأنهم معصومون مطهرون.

١٣٨

إنما هو أمر الرسالة بتبليغها وتطبيقها بعد الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، فكما أن الرسالة هي من أمر الله وبأمر الله ، كذلك الولاة لأمر الرسالة بعد الرسول هم من أمر الله حيث هم أئمة يهدون بأمر الله : (وَجَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْراتِ ..) (٢١ : ٧٣) (وَجَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمَّا صَبَرُوا وَكانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ) (٣٢ : ٢٤) (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللهِ).

وهذه طبيعة الحال في كل من يلي أمر القيادة ، حيث يؤمّر ممثلا له يصدر عنه ، ثم و (أُولِي الْأَمْرِ) الذين يحملون أمر القائد الأول بما أمّر.

وهل يرضى أي قائد أن يؤمّر كل متأمّر بنفسه أم بشورى نخبة الأمر ، اللهم إلّا من يرضاه وليا لأمره إلّا إذا جهل الصالح في أمره؟ ، فبأحرى أمر الشرعة الإلهية في قيادتها الروحية والزمنية ، فإنها في الأصل لله لا سواه ، ثم من يؤمّره كرأس الزاوية في قيادات خارجية محوّلة ، ومن ثم سائر الولاة المعصومين كما الرسول بفارق رسالة الوحي له دونهم ، ووحدة الدعوة الرسالية فيهم كلهم.

__________________

ـ وفيه ٤١٨ عن كتاب كمال الدين وتمام النعمة بإسناده الى سليم بن قيس الهلالي قال سمعت عليا (عليه السّلام) يقول : قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): وقد أخبرني ربي أنه قد استجاب لي فيك وفي شركائك الذين يكونون من بعدك فقلت يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن شركائي من بعدي؟ قال : الذين قرنهم الله عز وجل بنفسه وبي فقال : أطيعوا الله ... فقلت يا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومن هم؟ قال : الأوصياء من آلي يردون علي الحوض كلهم هادين مهديين لا يضرهم من خذلهم هم مع القرآن والقرآن معهم لا يفارقهم ولا يفارقونه ...

١٣٩

والقول أن جمع (أُولِي الْأَمْرِ) يحولهم الى غير الخلفاء المعصومين إذ لم يكونوا مجموعين زمن نزول الوحي ، بل ولا أولهم علي أمير المؤمنين إذ لم يكن خليفة زمن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، إنه غير وارد في ذلك الخطاب المحلّق على كل الزمن الرسالي ، دون الرسولي فقط.

فكل ولي لأمر الأمة مطاع في زمنه الخاص ، كما هو مطاع على مدار الزمن ، وهنا تتجاوب فردية الطاعة مع جمعيتها لأنهم كلهم روات عن الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فيما كان يفعل أو يقول دون زيادة عليه ولا نقصان حيث يقودهم كلهم كتاب الله (١).

ذلك ومن لطيف التعبير من العليم الخبير جعل أولي الأمر منكم في حضن الرسول وزجّهم فيه لأنهم ليسوا إلّا هو وهو مصدرهم بالوحي من ربه ، والفصل بين طاعة الله والرسول ليس إلّا لفصل الكيان الربوبي عن الكيان الرسالي ، ولا فاصل بين أهل بيت الرسالة المحمدية فإنهم ليسوا إلا رواة الوحي الرسالي عنه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كما روى في الكتاب والسنة ، والفارق بينهم وبين من سواهم من الرواة عصمتهم (عليهم السّلام) دونهم أولاء ، مهما كانوا عدولا علماء في القمة السامقة ، لمكان القصور الذاتي في غير المعصومين.

ولو شمل (أُولِي الْأَمْرِ) من يجوز عليه الخطأ قصورا أو تقصيرا لكان

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٧٧ ـ أخرج ابن أبي شيبة والترمذي عن أم الحصين الأحمسية قالت : سمعت النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهو يخطب وعليه برد متلفعا به وهو يقول : إن أمر عليكم عبد حبشي مجدع فاسمعوا له وأطيعوا ما قادكم بكتاب الله ، وفيه عن علي (عليه السّلام) قال : حق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة فإذا فعل ذلك كان حقا على المسلمين أن يسمعوا ويطيعوا ويجيبوا إذا دعوا.

١٤٠