الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٦

الشيخ محمد الصادقي

الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن والسنة - ج ٦

المؤلف:

الشيخ محمد الصادقي


الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: انتشارات فرهنگ اسلامى
المطبعة: اسماعيليان
الطبعة: ٢
الصفحات: ٤٦٤

مهما كانت أمهات النساء أسهل توسيعا إلى الموطوءات من بنات النساء.

وهل الربيبة تشمل رضيعة الزوجة؟ كلا! كما لم تشمل (أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) الأم الرضاعية ، حيث الآية تختص نشر الحرمة بموردين ليسا هما منهما ، والخبر «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» على إطلاقه ليس يشمل المصاهرة ، كما ولا تشمل غير ما نصت عليه الآية مما بين السبب والرضاعة ، ومن ثم فليست البنات الرضاعيات من موضوعات الحرمة في باب الرضاع ، فهل تحرم البنت الرضاعية على أمها؟ إذا فكيف تحرم على زوجها ، وإذا لا تحرم بنت الزوج من الرضاعة عليه فبأحرى بنت زوجته من الرضاعة من غير لبنه.

وهل تعني الربيبة بنت الزوجة مهما كانت بواسطة أو وسائط؟ الظاهر نعم حيث ألغيت قيد حاضر التربية في الحجور فهي عبارة أخرى عن «بنات نساءكم» ما صدقت البنات مهما نزلن.

ولأن (نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) تشمل إماءكم فبناتهن محرمات إن دخلت بهن والروايات المتعارضة في الحل والحرمة معروضة على طليق الآية فتطرح المقيدة بالنساء الحرائر (١) وهكذا أمهات نساءكم حيث تشمل أمهات إمائكم.

(وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ)

الأبناء حسب مجموعة الأعراف بطليقها ثلاثة : من أصلابكم ـ من

__________________

(١) في صحيح ابن مسلم في رجل كانت له جارية فأعتقت فتزوجت فولدت أيصح لمولاها الأول أن يتزوج ابنته؟ قال : «لا هي حرام وهي ابنته والحرة والمملوكة في هذا سواء» (التهذيب ١ : ١٩٢) وفي مرسل جميل في رجل له جارية فوطئها ثم اشترى أمها أو ابنتها؟ قال : له جارية فوطئها فبانها (فباعها) أو ماتت ثم وجد أمها أيطأها؟ قال : «إنما حرم الله هذا من الحرائر وإما الإماء فلا بأس» (التهذيب ٢ : ١٩٤ والإستبصار ٣ : ١٦١).

٤٠١

الرضاعة ـ الأدعياء ، فهنا (مِنْ أَصْلابِكُمْ) تخرج الأدعياء ومن الرضاعة ، نصا صريحا على اختصاص الحرمة هنا بحلائل الأبناء من الأصلاب.

ولا يصلح طليق «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» توسيعا إلى حلائل الأبناء من الرضاعة ، أولا لما تقدم في اختصاص التحريم بالرضاعة بمورديها المنصوصين في الآية ، ثم لا تحريم نسبيا في تلك الحلائل حتى تحرم من الرضاعة ، فإنما هي حرمة بالمصاهرة.

وليس شأن خاص لنزول الآية كتحليل حلائل الأدعياء (١) بالذي يعم خاص التحريم الى الحلائل من الرضاعة ويخص التحريم بحلائل الأدعياء وقوفا على نص التنزيل وابتعادا عن عليل التأويل.

وليس (مِنْ أَصْلابِكُمْ) فقط لإخراج الأدعياء حيث العبارة الصالحة ـ إذا ـ «من غير أدعياءكم» أم وأخصر منها (حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) ثم الأدعياء خارجون ب (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) ولقد كانت النبوّة بالرضاعة ككل أعرق في الجاهلية من بنوّة الأدعياء ، وقد نفى الإسلام بنوّة الأدعياء عن بكرتها ، وعدّل الرضاعة حيث حصرها في (أُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) فبقي الأبناء الرضاعيون كسائر الرضاعة إلا المذكورين في نص القرآن ، بقوا خارجين عن التنزيل ، فإخراجهم بنص (مِنْ أَصْلابِكُمْ) أحرى من إخراج الأدعياء ، وقد أخرجوا بنص آخر (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ).

إذا فلا حول عن خروج غير حلائل الأبناء من أصلابكم ، سواء الأدعياء والرضاعيين.

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٢٦ ـ أخرج ابن المنذر عن أبي جريح قال : لما نكح النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) امرأة زيد قالت قريش نكح امرأة ابنه فنزلت (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ).

٤٠٢

وذكر (مِنْ أَصْلابِكُمْ) وقصد الأعم في مقام البيان خلاف الصحيح في العبارات السوقية فضلا عن قمة الفصاحة والبيان في القرآن!.

والحلائل جمع الحليلة من الحل لا الحلول حيث الحلول الدخول ليس منهن فإنما هن مدخولات بهن ولسن الداخلات ، اللهم إلّا بتأويل الحليلة بمعنى المفعول حتى تعني الدخول ، وهو ـ إذا ـ يعم الزنا والشبهة ، ولا يعم غير المدخول بهن ، ولكن التعبير عن المدخولة بالحليلة غير فصيح ولا صحيح ، فإنما هو «وأزواج أبناءكم اللاتي دخلوا بهن» بل هن المحلّلات وذلك أحسن تعبير عن طليق الحل.

والحلائل أعم من الزوجات حيث تشمل معهن الإماء المملوكات والموهوبات ، مدخولات بهن وغير مدخولات ، ولا تشمل المزنيات بهن لمكان الحلائل ولا الموطوءات بالشبهة فإنهن محرمات في الواقع مهما كن حسب الظاهر معذورات ، والعذر الظاهر للواطئين والموطوءات بشبهة لا يجعلهن في «حلائل الأبناء» إلا بضرب من التأويل عليل وتذوّق كليل ، حيث إن ظاهر الحل ما كان بأصل الشرع لا وبعنوان ثانوي إلّا بدليل قاطع.

ولو عنت حل الوطء وإن بشبهة لشملت كافة النساء حيث يحل وطئهن بشبهة ، إذا فكل النساء محرمات على آباء الأبناء فإن وطئهن عن شبهة محللة!!!.

ثم وليست الآية في مقام بيان أصل الوطء حتى تشمل الوطء بشبهة ، وإنما تبين أصل الحل وطئ أم لم يطأ ، وليس حل وطئ الشبهة قبل الوطء حتى تشمله الحلائل.

ولا يشترط في حلائل الأبناء الحل الحاضر ، حتى ولو كان المشتق حقيقة

٤٠٣

في المتلبس بالمبدء ، حيث الحلائل الحاضرة هن من المحصنات المحرمات على غير أزواجهن آباء وغير آباء في الآية التالية.

فالإحصان سبب مستقل في التحريم دون حاجة إلى كون المحصنة حليلة الابن أمّاهيه.

ثم الحلائل جمعا عام مستغرق يعم كل حليلة حاضرة وغابرة حيث تصدق الحل الواقع ، اللهم إلّا المستقبل حيث لم يقع فلا يصدق انها حليلة الابن ، ولا يمكن عنايتها وإلا لحرمت كل أنثى يحل الزواج بهن للأبناء.

كما أن «أبناءكم» تعم الأبناء دون وسائط أم بوسائط الأبناء أو البنات مهما نزلوا ، وكما تدل عليه آية المباهلة «وأبناءنا وأبناءكم» ولم يكن من «أبناءنا» إلا الحسنان (عليهما السلام) (١).

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٣٦١ في عيون الأخبار في باب مجلس الرضا (عليه السلام) مع المأمون في الفرق بين العترة والأمة حديث طويل في عديد الاصطفاء للعترة ، وأما العاشرة فقول الله عز وجل في آية التحريم فأخبروني هل تصلح ابنتي وابنة ابني وما تناسل من صلبي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتزوجها لو كان حيا؟ قالوا : لا ـ قال : فأخبروني هل كان ابنة أحدكم تصلح له (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يتزوجها؟ قالوا : نعم قال : ففي هذا بيان لأني أنا من آله ولستم من آله ولو كنتم من آله لحرم عليه بناتكم كما حرم الله عليه بناتي ، لأني من آله وأنتم من أمته.

وفيه عن روضة الكافي عن أبي الجارود عن أبي جعفر (عليهما السلام) قال قال لي أبو جعفر (عليه السلام) يا أبا الجارود ما يقولون لكم في الحسن والحسين (عليهما السلام)؟ قلت : ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال فقال أبو جعفر (عليهما السلام) يا أبا الجارود لأعطينك من كتاب الله أنهما من صلب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يردها إلا كافر ، قلت : وأين ذلك جعلت فداك؟ قال : من حيث قال الله عز وجل («حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) ـ الى أن انتهى الى قولة تبارك وتعالى ـ : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فسلهم يا أبا الجارود هل كان يحل لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نكاح حليلتهما؟ فإن قالوا : نعم ، كذبوا أو فجروا وإن قالوا : لا ، فهما ابناه لصلبه.

٤٠٤

فهذه خرافة جاهلة قاحلة أن ابن البنت ليس ابنا ولذلك يحرم عن الخمس! ولا يصدقها إلّا الشعر الجاهلي (١) والفكرة الجاهلية التي كانت لا تعتبر البنت من مواليد الأب فضلا عن أولادها أبناء وبنات ، وكذا الرواية المختلفة القائلة فيهم غائلة الاستثناء إلى الآية «أدعوهم لآبائهم» فهل إن ابن البنت دعيّ حتى يدعى لأبيه؟.

ونقول للذين لا يعتبرون ابن البنت ابنا هل يحل لكم الزواج بحليلته؟ فإذا لا فكيف لا يعتبر أبناء البنات العلويات من ذريات آبائهن؟.

(وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ)

وهذا الجمع الممنوع هو الجمع في جماع الرغبات الأنثوية كما في سائر المذكورات من قبل ومن بعد ، إذا فالجمع بين الأختين في عقد النكاح فضلا عن مخلفاته في حقل النكاح ، وكذلك الجمع في تحليل الأختين ، هذان الجمعان ممنوعان لأنهما المصداقان الأصيلان للجمع المحظور.

وأما الجمع في الملك فقد لا يحظر عنه كما يجمع بين الأم وبنتها ، ولكن لا يجوز وطيها ، فإن وطأ إحداهما حرمت عليه الأخرى رغم أنها ملكه ، كما تحرم عليه المملوكة المزوجة.

والفارق بين هذا الجمع والأوّلين ، أن الملك ليس سببا ـ فقط ـ لحل الوطء وهما له سببان ، فالتحريم في الحقل النسائي يعم الجمع بسبب الحل الخاص وهو العقد والتحليل ، ولكنه لا يشمل سبب الحل لولا المانع وهو الملك ، وكما يملك العبد وليس سببا لحل في الحقل الشهواني الجنسي أبدا.

__________________

(١) وهو بنونا بنوا أبناءنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأغارب.

٤٠٥

والرواية الواردة عن عثمان (١) والمختلقة على علي (عليه السلام) (٢) مضروبة عرض الحائط حيث تجعل معارضة بين آيتين لا معارضة بينهما كما في سائر آي الذكر الحكيم (وَلَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً).

فما هي المعارضة بين آية التحريم (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) وآية التحليل (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) والثانية طليقة تقيّد بغير الأختين (٣) كما تقيّد بغير المحارم الأخرى المذكورة قبلهما.

ذلك ، وعلّ الأشبه حرمة الجمع بين الأختين بالملك كما في التحليل والتزويج ، وحرمة ملك أم الزوجة أو المملوكة وكذلك ملك الربيبة المدخول يأمها وحلائل الأبناء وسائر المذكورات في آية التحريم هذه ، سنادا الى طليق

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٣٦ ـ أخرج مالك والشافعي وعبد بن حميد وعبد الرزاق وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه من طريق ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن رجلا سأل عثمان بن عفان عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما؟ فقال : أحلتهما آية وحرمتهما آية وما كنت لأصنع ذلك فخرج من عنده فلقى رجلا من أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أراه علي بن أبي طالب (عليه السلام) فسأله عن ذلك فقال : لو كان الى من الأمر شيء ثم وجدت أحدا فعل ذلك لجعلته نكالا.

(٢) المصدر أخرج أبن أبي شيبة والبيهقي من طريق أبي صالح عن علي بن أبي طالب (عليه السلام) قال في الأختين المملوكتين أحلتهما آية وحرمتهما آية ولا آمر ولا أنهى ولا أحل ولا أحرم ولا أفعله أنا ولا أهل بيتي ، وفي آيات الأحكام للجصاص ١ : ١٥٩ روى إياس بن عامر أنه قال لعلي (عليه السلام) إنهم يقولون انك تقول أحلتهما آية وحرمتهما آية؟ فقال : كذبوا.

(٣) المصدر أخرج ابن المنذر عن القاسم بن محمد أن حيا سألوا معاوية عن الأختين مما ملكت اليمين يكونان عند الرجل يطؤهما؟ قال : ليس بذلك بأس فسمع بذلك النعمان بن بشير فقال : أفتيت بكذا أو كذا؟ قال : نعم ، قال أرأيت لو كان عند الرجل أخته مملوكة يجوز له أن يطأها؟ قال : أما والله لربما وددتني أدرك فقل لهم اجتنبوا ذلك فانه لا ينبغي لهم فقال : إنما هي الرحم من العتاقة وغيرها.

٤٠٦

«حرمت» مهما كانت الفوائد الأنثوية هي أظهر مصاديق التحريم ، ولكن ملك الأنثى مما يحلّل وطئها كما النكاح والتحليل ، وقد تؤيد طليق التحريم الروايات المحرّمة للجمع ملكا بين الأختين (١).

ولكن هذه الروايات لم تحظّر إلّا جمع الوطء ، والآية لم تحرم إلّا الرغبات الأنثوية بأي سبب في المذكورات ، فلا تجوز ككل بالنسبة للمملوكات المثيلة للمذكورات ، وأما مجرد الملك فلا محظور فيه.

__________________

(١) مضى قسم منها ومن أمثالها ما في الدر المنثور ٢ : ١٣٦ ـ أخرج ابن عبد البر في الاستذكار عن إياس بن عامر قال سألت علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقلت ان لي أختين مما ملكت يميني اتخذت أحداهما سرية وولدت لي أولادا ثم رغبت في الأخرى فما أصنع؟ قال : تعتق التي كنت تطأ ثم تطأ الأخرى ثم قال : «انه يحرم عليك مما ملكت يمينك ما يحرم عليك في كتاب الله من الحرائر إلا العدد أو قال إلا الأربع ويحرم عليك من الرضاع ما يحرم عليك في كتاب الله من النسب» أقول : انه مقبول سوى عموم التنزيل بين الرضاع والنسب.

وفيه أخرج أبن أبي شيبة وأبن المنذر والبيهقي عن علي (عليه السلام) أنه سئل عن رجل له أمتان أختان وطئ أحداهما ثم أراد أن يطأ الأخرى؟ قال : لا حتى يخرجها من ملكه قيل ، فإن زوجها عبده؟ قال : لا حتى يخرجها من ملكه.

وفي التهذيب ٧ : ٢٧٩ والإستبصار ٣ : ١٦٢ والكافي ٢ : ٢٧ صحيحة محمد بن مسلم سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الرجل كانت له جارية فعتقت فتزوجت فولدت أيصلح لمولاها الأول أن يتزوج ابنتها؟ قال : هي حرام وهي ابنته والحرة والمملوكة في هذا سواء ثم قرأ (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) أقول : وهنا أخبار أخرى تدل على حرمة الجمع عقدا أو ملكا وتحليلا.

وفي الكافي ٥ : ٤٣٢ والتهذيب ٢ : ١٩٧ صحيح الحلبي أو حسنه عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل طلق امرأته أو اختلعت أو بارأت أله أن يتزوج بأختها؟ قال فقال : إذا برئت عصمتها ولم يكن له عليها رجعة فله أن يخطب أختها ، قال وسئل عن رجل كانت عنده أختان مملوكتان فوطئ أحداهما ثم وطئ الأخرى؟ قال : إذا وطئ الأخرى فقد حرمت عليه الأولى حتى تموت الأخرى ، قال : أرأيت ان باعها أتحل له الأولى؟ قال : «ان كان يبيعها لحاجة ولا يخطر على قلبه من الأخرى شيء فلا أرى بذلك بأسا وإن كان إنما يبيعها يرجع الى الأولى فلا ولا كرامة».

٤٠٧

فحين تملك أمة يحل لك ملك أختها أو بنتها أو أمها أمّن هي من المحرمات نكاحا وتحليلا ، ولا يجوّز ذلك الحظوة الأنثوية منهن وإن بنظرة أو قبلة أو لمسة فضلا عن الجماع.

وهل يصدق الجمع إذا نكح إحداهما وملك الأخرى؟ الظاهر لا إلّا أنه لا يجوز له وطئ الأخرى ، فليس الملك كالعقد ممحضا في سماح الحظوة الجنسية.

ثم الجمع بين الأختين يجمع في حظره التنزيليّ الى الواقعي ، حيث «المطلقة» رجعية زوجة لبقاء عصمتها ، ثم (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً) دليل صارم لا مرد له على بقاء علقة الزوجية مهما خفت بالطلاق الرجعي ، بل هي أقرب الى زوجها من المظاهرة التي تحرم عليه قبل الكفارة!.

ذلك ، وأما البائنة بطلاق بائن ، أم فراق بائن كما في انقطاع المدة في المنقطعة أو قطعها ، فهي ليست زوجة بأي معنى لا واقعا ولا تنزيلا.

وحين تعتبر البائنة في الخلع والمباراة بائنة حكمها حكم البائنة الطليقة ، وقد يرجع إليها زوجها إذا رجعت عما بذلت دون عقد جديد ، فهلا تعتبر البائنة بانقضاء المدة في المنقطعة بائنة وقد انقطعت عصمتها دون أي رجوع إلا بعقد جديد.

فالرواية القائلة بحرمة زواج أخت المنقطعة في عدتها البائنة (١) إنها غائلة

__________________

(١) في التهذيب ٢ : ١٩٦ عن الحسين بن سعيد في الصحيح قال : قرأت في كتاب رجل الى أبي الحسن الرضا (عليه السلام) جعلت فداك الرجل يتزوج المرأة متعة الى أجل مسمّى فينقضي الأجل بينهما له أن ينكح أختها قبل أن تنقضي عدتها؟ فكتب : «لا يحل له أن يتزوجها حتى تنقضي عدتها» وأما حسنة زرارة عن أبي عبد الله (عليه السلام) في رجل طلق امرأته وهي حبلى ـ

٤٠٨

منقطعة بمخالفة الكتاب والسنة القطعية (١) فالإفتاء بها خارج عن جادة الصواب ، حيث الأصل في حل الأخت الثانية هو انقطاع عصمة الأولى بفراق بائن ولا فرق فيه بين بائن الطلاق وبائن الفراق دون طلاق.

فإن فارق الأولى بارتداد كانت الثانية المسلمة له حلا لانقطاع العصمة ، فمثلث الفراق بارتداد أو مضي مدة أو طلاق ، يحلّل الثانية دون ريب.

وهل تحل أخت المعتدة رجعيا حين لا يعزم على الرجوع أو يعزم على المضارة في الرجوع وهي ممنوعة؟ كلّا حيث أن حلّ الرجوع بشرط الإصلاح يداوم العصمة بينهما ، ثم لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا ، فقد يعزم على عدم الرجوع أو على المضارة فيه ثم يتحول عزمه الى صالح الرجوع ، وإنما انقطاع العصمة بينهما الذي يقطع حرمة النكاح بأختها هو الانقطاع شرعيا لا واقعيا وإن لم يرجع حتى خروجها عن عدتها ، فقد يكفي جواز الرجوع إليها لبقاء العصمة بينهما.

وحين يحرم الجمع بين الأختين كأصل فلا فرق بين بدايته واستمراريته ، فالجامع بينهما قبل آية التحريم يختار إحداهما بعدها ويفترق عن الأخرى دون طلاق حيث فرقتها الآية.

وأما الجامع بينهما بعد معرفة التحريم ، فقد يكون بعقد واحد أم عقدين تلو بعض ، فالثاني باطل دون ريب حيث يحقق الجمع وهو محظور ، وأما العقد

__________________

ـ أيتزوج أختها قبل أن تضع؟ قال : «لا يتزوجها حتى يخلوا حبلها» (الكافي ٥ : ٤٣٢ والتهذيب ٢ : ١٩٧) فهي مخصوصة بالطلاق الرجعي بقاطع الأدلة أن انقطاع العصمة يقطع حرمة الثانية.

(١) مضت روايات مستفيضة أن الأصل في حل الزوجة الأخرى انقطاع العصمة عن الأولى بطلاق بائن حتى في الخلع والمباراة فضلا عن المنقطعة ، راجع تفسير آية تعدد الزوجات.

٤٠٩

الجامع فهل يبطل لأنه عقد جامع كالثاني ، أم يصح في إحداهما المبهم وله الخيار فأيهما أختار كانت هي زوجته دون الأخرى؟ ولكن المبهم في الواقع لا وجود له كأن تقول لنساء عدة أنكحت إحداكن ثم تختار ما تشاء!.

إذا فالأشبه بطلان العقد الجامع الأول عن بكرته ، وبطلان العقد الثاني في الثاني إذ لا يحمل محظور الأول.

وهذا يختلف عن العقد الجامع قبل التحريم إذ كان صحيحا فيهما ومقصودا لهما ، ثم التحريم يفصل عنه إحداهما كما يشاء ويختار وكما مضى في العقد الجامع بين الأكثر من الأربع.

ذلك كله (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) وترى الاستثناء راجع الى كل ما سلف إلّا ما ثبتت حرمته في كل الشرائع كالأمهات والبنات والأخوات؟.

الظاهر ذلك ، لأن اختصاص الاستثناء بالأخيرة لا دليل عليه ، فالظاهر أدبيا ومعنويا رجوعه إلى الكل إلا ما قد سلف من معلومات الحرمة.

وليس هذا من استثناء الماضي من المستقبل ، إنما هو استثناء العقاب على الماضي عنه ، وأما الغفر عما سلف بعد الإيمان فهو دليل ثان يدل على عامة الغفر ، والحالة التدرجية في الأحكام الإسلامية تقتضي هذه التنازلات تلو بعض كما تقتضي أحيانا تصاعدات مثل تحريم الخمر ، ولكن رفع العقوبة عما سلف يعم ما سلف وما كانت ثابتة الحرمة إضافة الى أن غيرها لم تكن محرمة حتى يستثنى عقابها.

وقد يعني (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ـ فيما عنت ـ سلب التحريم السالف ، أن السالف في الجمع بين الأختين وأضرابه كان حلا ثم حرم وهذا أقرب الى الصواب ، وليس من استثناء الماضي عن المستقبل ، بل هو إخبار عن عدم

٤١٠

الحرمة في بعض ما سلف ، إضافة الى الغفر عن عقوبة المحرمة مما قد سلف.

فالمحرمات السالفة هي هنا مستثنيات العقوبة ، وغيرها مستثنيات الحرمة فضلا عن العقوبة ، حيث الإسلام يمحو ما قبله.

فلا تعني ما سلف ، ما سلف فعله بعد التحريم والفاعل مسلم ، حيث الحرمة والعقوبة وبطلان العقد وثابت الحد كلّها جارية بشروطها.

فإنما يستثنى (ما قَدْ سَلَفَ) قبل التحريم في هذه الشرعة سواء أكانت محرمة فعقوبتها ، أم غير محرمة فحرمتها.

والقول إن (ما قَدْ سَلَفَ) قد تحلّل استمرارية الأختين المنكوحتين من ذي قبل ، بعد نزول الآية ، حيث لم يجمع بينهما بعد ، والجمع السالف غير محظور ، إنه محظور ، حيث الجمع المحظور ليس فقط العقد عليهما حتى يحل الاستمرار ، بل ووطئهما عن عقد أيضا ممنوع ، وهذا دليل حظر الاستمرار كما البداية في الجمع بعد نزول الآية.

(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)

الإحصان في الأصل هو المنع بحصن وسياج أيا كان ، كما يقال : مدينة حصينة ودرع حصين ، وكلمة لا إله إلا الله حصني ، ويقال للفرس الفحل حصان لمنعه صاحبه من الهلاك ، والحصان المرأة العفيفة الحصينة فرجها وسائر رغباتها الأنثوية عما لا يجوز.

والإحصان في كل حقل يخص حقله ، فهو في حقل الرجال والنساء يعني الصيانة عن الشهوات الجنسية بمقدماتها ، فالرجل المحصن هو المصون عنها والمرأة المحصنة هي المصونة.

ولأن الصيانة الجنسية لها أسباب عدة فللإحصان أيضا صور عدة :

٤١١

١ إحصان بالإيمان فإنه قيد الفتك ، فهو يحصن الإنسان عما يخالف الإيمان ومنه التخلفات والشذوذات الجنسية بمعداتها وخلفياتها ، فالعفاف الحاصل بالإيمان هو من الإحصان بل وهو الأصيل في درجاته ، وقد جاء في القرآن بنفس المعنى (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) (٥ : ٥).

٢ إحصان بالحرية حيث الحرة تتأبى عن التبذّر الجنسي أكثر من الأمة بأصل الحرية وفصلها بها عن الخلط بالرجال الأغارب وليست كذلك الأمة ، وآيته : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) (٤ : ٢٥).

٣ إحصان بالزواج ك (فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ) (٤ : ٢٥) والمحصنات الثانية هن الحرائر.

فكما الإيمان إحصان ، كذلك الحرية إحصان ، والزواج إحصان ، مهما اختلفت هذه الزوايا الثلاث من الإحصان سببا.

٤ وقد يكون إحصان العفاف بطبيعة الحال دون إسلام ولا حرية ولا زواج ، فالإحصان العفاف ـ إذا ـ أربع وأصله العفاف ، سواء أكان بسبب داخلي كأصل العفاف والحرية ، أم وعارض كالإيمان والزواج (١).

ذلك مربع من الإحصان ، والى خامس هو الإحصان عن الزواج منعا

__________________

(١) الدر المنثور ٢ : ١٣٩ ـ أخرج أبن أبي حاتم من طريق الزهري عن أبن المسيب عن أبي هريرة قال «قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): الإحصان إحصانان إحصان نكاح وإحصان عفاف».

أقول : إحصان العفاف يعم العفاف الذاتي والإيماني وبالحرية ، حيث يجمعها أصل الإحصان ، ولكن الإحصان بالزواج ليس إلا بزوال الحاجة الجنسية بالزواج.

٤١٢

عنه شرعيا لكونهن ذوات أزواج أم سائر المنع ، كضابطة عاملة تجمع من لم يذكرن من الممنوعات إلى اللائي ذكرن.

ولو عنت «المحصنات» هنا ـ فقط ـ ذوات الأزواج لجيء بصيغتها الخاصة : «ذوات البعولة» إضافة الى أن عدم قرينة تخص المحصنات بذوات الأزواج ، هو بنفسه قرينة على العموم إلا ما نعلم خروجه عنها وهن العفائف.

وقد ذكر في القرآن من عموم المحصنات المشركات والزانيات والمطلقات ثلاثا وأشباههن ، ثم وفي السنة منهن أخريات لم يذكرن في القرآن.

إذا ف «المحصنات» هنا هن الممنوعات عن الزواج بعد تلكم الموانع المنصوصة بموانع طارئة ، إحصانا شرعيا عن النكاح ، ويقابله الإحصان عفافا ، فهما متقابلان في حكم الزواج حيث الأول محظور والآخر محبور.

ذلك ، وترى بعد (الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) ، المحرمات في آيتنا هن العفائف؟ وحلّ الزواج يخصهن دون الزواني ، حيث (الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلَّا زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (٢٤ : ٣)!

أم الحرائر؟ والحل في الأصل يخصهن دون الإماء! (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ) (٢٥)! ثم استثناء (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) لا يناسب خصوص الحرائر ، أم المؤمنات؟ فكذلك الأمر (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) (٥ : ٥)!.

إذا فهن كل الممنوعات عن النكاح أو الأعمال الجنسية ، فمن الأوليات

٤١٣

المشركات والزانيات وذوات الأزواج (١) والملاعنات والمطلقات تسعا أو ثلاثا والمعتدات ، ومن الأخريات المحرمات والصائمات والمعتكفات والإماء على الحرائر والذميات على المسلمات وسائر المحرمات بالكتاب والسنة عقدا أو وطئا.

إذا «فالمحصنات» عامة بعد خاصات ، تعم كافة المحرمات كتابا وسنة.

ولماذا «من النساء»؟ ونفس «المحصنات» دليل أنهن من النساء (٢) إنه لدفع التوهم أنهن ـ فقط ـ الحرائر المؤمنات من ذوات الأزواج ، الدائمات.

فطليق «من النساء» أطلق الحرمة في ذوات الأزواج وأضرابهن أنهن ـ ككل ـ محرمات مؤمنات وغير مؤمنات ، كالكتابيات المحللات حسب نص المائدة ، دائمات ومنقطعات ، إذ لا فرق بين ذوات الأزواج بدوام وانقطاع ، ثم حرائر وإماء ، فالنساء المزوّجات محرمات على غير أزواجهن على الإطلاق.

وترى ـ إذا ـ ما هو دور (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ)؟ إنه استثناء عن طليق «من النساء» أنهن ـ فقط ـ بين النساء المزوجات قد يجوز زواجهن.

فمما ملكت أيمانكم المزوجات بالمشركين حين تملكهن أيمانكم بسبي

__________________

(١) نور الثقلين ١ : ٤٦٦ عن الفقيه وسئل الصادق (عليه السلام) عن قول الله عز وجل (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ)؟ قال : «هن ذوات الأزواج».

(٢) ذلك وقد جهل تفسير الآية جماعة من الأولين كالآخرين كما في الدر المنثور ٢ : ١٣٩ ـ أخرج أبن جرير عن عمرو بن مرة قال قال رجل لسعيد بن جبير أما رأيت أبن عباس حين سئل عن هذه الآية (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) فلم يقل فيها شيئا؟ فقال : كان لا يعلمها ، وأخرج أبن جرير عن مجاهد قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل ، قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ ..) وأخرج أبن أبي شيبة عن أبي السوداء قال سألت عكرمة عن هذه الآية فقال : لا أدري.

٤١٤

كالمشركات (١) وهن القدر المعلوم من (مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) حيث الظاهر منه هو ملك اليمين بعد كونهن محصنات ، ثم يتلوه سبق الملك على الإحصان أن زوج مملوكته بغيره فله أن يفك ذلك الزواج.

ذلك وبأحرى المؤمنات بغير سبي : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِناتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ ما أَنْفَقُوا وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ..) (٦٠ : ١٠).

ومنهن المزوجات اللاتي تملكهن بعد زواجهن ، أو بعد ملكهن لآخرين ، أو الأمة المزوجة بعبدك (٢) فإن لك فصل الزواج والاستبراء ثم وطئهن أو

__________________

(١) المصدر أخرج الطيالسي وعبد الرزاق والفريابي وأبن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو يعلى وأبن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطخاوي وابن حيان والبيهقي في سننه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعث يوم حنين جيشا الى أوطاس فلقوا عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم وأصابوا سبايا فكان ناس من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله في ذلك : والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم ، يقول : إلا ما أفاء الله عليكم فاستحللنا بذلك فروجهن.

وفيه أخرج الطبراني عن أبن عباس في الآية قال : نزلت يوم حنين لما فتح الله حنينا أصاب المسلمون نساء لهن أزواج كان الرجل إذا أراد أن يأتي المرأة قالت : إن لي زوجا فسئل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عن ذلك فأنزلت هذه الآية.

وفيه أخرج أبن أبي شيبة في المصنف عن سعيد بن جبير عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله بزيادة قال : «السبايا من ذوات الأزواج».

أقول : ولكن حلهن بحاجة الى استبرائهن وكما فيه أيضا عن ابن عباس في الآية يقول : كل امرأة لها زوج فهي عليك حرام إلا أمة ملكتها ولها زوج بأرض الحرب فهي لك حلال إذا استبرئها ، وقد أخرج الجصاص مثله مسندا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (٢ : ١٦٥).

(٢) المصدر أخرج جماعة عن أبن مسعود في الآية قال : كل ذات زوج عليك حرام إلا ما اشتريت ـ

٤١٥

زواجهن (١) اللهم إلا المزوجة قبل أن تملكها ، إلا المزوّجة بعبدك.

ومنهن ما تملكهن أيمانكم لأنهن خليات من الأزواج بطلاق أو موت أو ارتداد.

فقد تشمل (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) الموارد التالية :

١ ما ملكت أيمانكم بعد الإحصان كالمشركات السبايا.

٢ المؤمنات المهاجرات بعد الإحصان بالأزواج المشركين.

٣ المشركات اللاتي آمن وأزواجهن مشركون.

٤ المؤمنات حرائر وإماء اللاتي ارتد أزواجهن ، تتزوجهن بعد عدة الوفاة.

٥ الإماء المملوكات اللاتي تشتريهن فإنهن كن محصنات بملك اليمين ثم ملكتهن فحللن لكم.

هذه موارد مما ملكت ايمانكم ، أي ما تملكون زواجهن ، فقد ذكرت في هذه الجملة ضابطة سلبية النكاح وإيجابيته فالأولى (الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) والأخرى (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ).

وبصيغة جامعة إلا ما ملكت يمينك ملكا لنفسها طليقا أو ملكا لبضعها ،

__________________

ـ بمالك وكان يقول : بيع الأمة طلاقها.

(١) كما في صحيحة محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر (عليهما السلام) عن قول الله (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) قال : «هو أن يأمر الرجل عبده وتحته أمة فيقول له اعتزل امرأتك ولا تقربها ثم يحبسها عنه حتى تحيض ثم يمسها فإذا حاضت بعد مسه إياها ردها عليه بغير نكاح» (الكافي ٢ : ٥٢ والتهذيب ٧ : ٣٢٦).

٤١٦

أو ملكا لزواجها في غير ما منع ومحظور ، ولا يعرف حدود (ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) إلّا بنص من الكتاب أو السنة ، فإن الله هو الذي يملّك أيماننا ما نملكه أيا كان.

كما (الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) هن الممنوعات عن النكاح بسائر الموانع غير الأصيلة حسب الكتاب والسنة.

فالمحصنات من الزواج أو عملية الجنس محرمات إلّا ما ملكت أيمانكم حيث يخرجن بذلك الملك عن الإحصان به ، وأما المملوكة المزوجة فلا تحل بالملك إلّا بعد الطلاق.

(كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ)

ذلك التحريم في مجالاته النسبية والرضاعية والسببية المصاهرة ، تحريم ثابت كضابطة ثابتة بأصل الشرع لا حول عنه ولا تحويل ، فالزموا (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) كتاب التحريم ـ ذلك ـ في كتاب الشرعة.

وفي ذلك التحريم حفاظ على حرمة الأسرة من الفوضى الجنسية وشيوعية الاتصال الجنسي وانتشار الفاحشة وتلوّث المجتمع ، والأسرة الإنسانية في حقل الإيمان قائمة على علنية الزواج وعمليته على ضوء الفطرة ووحي الشرعة حيث تخصص كل امرأة برجلها الصالح لزواجها.

ولا يهدف الزواج إنسانيّا وإسلاميا ـ فقط ـ قضاء الشهوة كما في سائر الحيوان ، إنما هو تأسيس بيت وتشكيل أسرة وعائلة كريمة ، وإن كانت شهوة الجنس تتحقق في ثناياها كما وهي ذريعة لتحقيقها.

إذا فأي تهوين من شأن روابط الأسرة الشرعية توهين لشرف الإنسانية ، إحلالا للهوى المتقلبة والنزوة العارضة والشهوة الجامحة في فوضى الاتصالات الجنسية ، محل الأسرة النظيفة.

٤١٧

وهنا ندرك مدى الجريمة التي تزاولها الأقلام الدنسة والأجهزة المتخلفة لتوهين روابط الأسرة والتصغير من شؤون الرباطات الزوجية ، للإعادة بشأن الارتباطات القائمة على مجرد الهوى دون حدود ولا قيود.

إن الدعايات المتخلفة المختلفة ـ الزور والغرور ـ توحي لكل زوجة ينحرف قلبها قليلا عن زوجها أن تسارع الى اتخاذ خدين هو على حد تعبيرهم رباط مقدس ، بينما تسمي رباطها بزوجها عقد بيع قاحل للجسد!.

ذلك (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) في القرآن العظيم كما كتب عليكم في فطركم المجبولة وعقولكم غير المدخولة ، فلا تتعدوا عما كتب الله عليكم فتصبحوا على ما فعلتم نادمين.

(وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ).

وترى إن «أحل» هنا تحلّق التحليل على كل (ما وَراءَ ذلِكُمْ) ـ (أَنْ تَبْتَغُوا) زواجهن «بأموالكم ..» بصورة طليقة دونما شروط أخرى ولا قيود حتى يقال : إنها تنسخ تحريم الزواني والزانيات على العفائف والعفيفات ، الذي تحمله آية النور؟.

في الحق إنها كلمة ماردة شاردة عن الفقاهة القرآنية ، إذ لا اطلاق طليقا هنا ل «أحل» حيث «المحصنات» شملت كافة الممنوعات من زواجهن ومنهن الزانيات كما المشركات.

ولو كان إطلاق فكيف ينسخ النصّ والعكس هو الضابطة أن ينسخه النص او يقيده بما سواه ، ومع الغض عن ذلك كله ف (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) تقيّد ذلك الحل بالزواج الذي فيه إحصان ، ولا إحصان في نكاح الزانية وإنكاح

٤١٨

الزاني ، لا للزاينة ولا للزاني ، بل وهو تشجيع على الزنا وإيقاع للزانية إلى أفحش من الزنا أنّ زناها بعد زنى بذات البعل أم بذات العدة حيث هي غير متقيدة بالحل ، كما ونكاحها نكاح بذات العدة أم بذات البعل.

فحتى لو حل نكاح الزانية غير التائبة لأولى المرات ، فلا يحل لمرات أخرى فإن من شروط الحل كونها خلية عن البعل والعدة ، والزانية لا تصدّق في خلوها عن الأعذار المحرّمة ، فكيف يجوز ـ إذا ـ نكاحها دون إحراز ذلك الشرط الأصيل؟!.

وفي الحق إن طليق التحليل في (ما وَراءَ ذلِكُمْ) تحليل نسبي أمام الحرمة الذاتية في المحرمات الثلاث الأصيلة : نسبية ورضاعية ومصاهرة ، وأما التحريمات الطارءة بعد النكاح أبديا كالمفتضة والملاعنة ، والمطلقة تسعا ، ام مؤقتا كالمطلقة ثلاثا حيث «لا تحل له (مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ) والمعتكفة والمحرمة والحائض والنفساء والصائمة ، والمظاهرة قبل الكفارة.

او الطارءة بالنكاح المحرمة أبدا كالنكاح في العدة ونكاح المحرمة ونكاح ذات البعل ، أو المحرمة إلّا بإذن كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها (١) او نكاح الأمة لمن يقدر على نكاح الحرة.

فهذه وأشباهها من التحريمات الطارئة أبدية أو مؤقتة إنها خارجة عن نطاق التحريم الأصيل غير الطارئ الذي تكفلته آية التحريم هذه.

__________________

(١) كما تواتر عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال : لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا على بنت أخيها وفي بعضها لا الصغرى على الكبرى ولا الكبرى على الصغرى ، رواه عنه (صلى الله عليه وآله وسلم) علي (عليه السلام) وأبن عباس وجابر وأبن عمر وأبو موسى وأبو سعيد الخدري وأبو هريرة وعائشة وعبد الله بن عمر (آيات الأحكام للجصاص ٢ : ١٦٢).

٤١٩

كما وأن المحرمات بنصوص القرآن أصلية وطارئة خارجة عن نطاقها ، فالأصيلة بالتقيد او النسخ ، والطارئة بخروجها عن المحرمات الأصلية ، والكل لأنها مشمولة ل (الْمُحْصَناتُ). فمن الأصيلة المشركات ، ومن الطارئة الزناة وأضرابهما من الأصيلات والطارئات.

فالمحرمات غير الأصيلة لا تدخل في نطاق (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) حيث الحل نسبي ، وحتى إذا كان طليقا يتقيد بآيات وروايات تحرم أمثال هذه الموارد.

والمحرمات الأصيلة حسب القرآن تقيد هذا الإطلاق ، فأين إذا إمكانية نسخ آية النور الصريحة ، بهذه الآية طليقة وغير طليقة ، وقضيته نسخ سائر المحرمات بنصوص الكتاب كالمشركات وسواهن وهن عديدات.

ذلك! ومع الغض عن كل ذلك فهذه المحرمات غير المذكورات هنا داخلة في (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) حسب المعنى الظاهر الأحرى لها وهو «الممنوعات من النكاح عقدا ووطئا».

إذا ف (ما وَراءَ ذلِكُمْ) لا تعني إلّا ما وراء المنصوصات واللاتي ثبتت حرمتهن بكتاب او سنة ، وقد ثبتت حرمة نكاح الزناة والمشركات والمطلقات ثلاثا واضرابهن من المحرمات ابديا او مؤقتا بنصوص من الكتاب والسنة.

وهنا (إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) تجمع انقطاع الاستثناء الى اتصاله ، انقطاعا عن الإحصان ، واتصالا انها محصنة يجوز نكاحها كما فصلناه.

ثم وتحليل ما وراء ذلكم محدود في حقل (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) اموال هي صدقات لنساء في نكاح دائم أو منقطع ، أم لاشتراء إماء يحللهن ما لم يمنع مانع من حلهن ، وامّا الأموال بديلة الوقاع دون عقد ولا ملك يمين ، فليست إلّا بديلة السفاح.

٤٢٠